إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اجتماعية ونفسية / بناء اجتماعي









الخيال

بناء اجتماعي

Social Structure

على الرغم من شيوع هذا الاصطلاح في علم الاجتماع، إلا أنه لم يكن دقيقاً ومنضبطاً من ناحية المعنى والأهمية؛ ففي بعض الأحيان يستعمل البناء الاجتماعي ليعني انتظام السلوك الاجتماعي، أي أن السلوك الاجتماعي هو سلوك غير عشوائي، وذلك لتكراره بين فترة وأخرى. وأحياناً يُستخدم هذا المصطلح في صورته الواسعة، ليعني التنظيم الشامل للعناصر والأجزاء والوحدات، التي يتكون منها المجتمع، كالمنظمات والمؤسسات الاجتماعية. وبمعنى ثالث يعني البناء الاجتماعي العلاقة المتداخلة بين المراكز والأدوار الاجتماعية، وأن التفاعل بين الأشخاص داخل النظام الاجتماعي يعبر عنه من خلال المراكز والأدوار الاجتماعية، التي يشغلونها.

وربما كان عالم الانثروبيولوجيا البريطاني راد كليف براون، من أبرز العلماء الذين اهتموا بتحديد مفهوم البناء الاجتماعي في ضوء تحليلات نظرية مستفيضة؛ إذ يرى أن كلمة "بناء" تشير إلى وجود نوع من التنسيق أو الترتيب، بين الأجزاء التي تدخل في تكوين الكل، الذي نسميه بناء. وبمقتضى ذلك تكون الوحدات الجزئية الداخلة في تكوين البناء الاجتماعي، هي الأشخاص، أي أعضاء المجتمع، الذي يحتل كل منهم مركزاً معيناً، ويؤدي دوراً محدداً في الحياة الاجتماعية. وسواء كان البناء الاجتماعي يتألف من وحدات هي الأشخاص أو الجماعات الاجتماعية، التي تتألف بدورها من أشخاص، فإن الشيء المهم في دراسة البناء الاجتماعي هو تحليل العلاقات الاجتماعية المتبادلة، التي تقوم بين هؤلاء الأشخاص أو تلك الجماعات الاجتماعية.

ونميز هنا بين نوعين من البناء، هما:

1. البناء الواقعي، أو البناء من حيث هو حقيقة مشخصة وموجودة بالفعل، ويمكن ملاحظتها مباشرة في الواقع.

2. الصورة البنائية، أو الصورة العامة لعلاقة من العلاقات، بعد تجريدها من مختلف الأحداث الجزئية.

ويرتبط هذا التمييز ارتباطاً وثيقاً بفكرة استمرار البناء الاجتماعي عبر الزمان، وخاصة في المجتمعات الثابتة نسبياً. واستمرار البناء الاجتماعي ليس استمراراً استاتيكياً، كاستمرار مبنى من المباني مثلاً، وإنما هو استمرار دينامي يشبه استمرار البناء العضوي للكائن الحي، الذي يتجدد بغير انقطاع ما دام حياً. وهذا معناه أن البناء الواقعي يتغير بسرعة وباستمرار، خلفاً الصورة البنائية العامة، التي تحتفظ بخصائصها وملامحها الأساسية بغير تغيرات لفترات أطول من الزمن، والتي تتمتع بدرجة عالية نسبياً من الثبات والاطراد.

وقد ذهب ايفانز بريتشارد Evans- Pritchard إلى أن البناء الاجتماعي هو مجموعة العلاقات، التي تقوم بين الجماعات الاجتماعية، التي تتمتع بدرجة عالية من القدرة على البقاء والاستمرار في الوجود، ومن ثم يخرج من هذا المفهوم كل العلاقات السريعة والمؤقتة والطارئة، التي تكون بين الأشخاص في مواقف معينة، ثم تنتهي بانتهاء هذه المواقف. ويمثل ذلك العلاقات التي تنشأ بين البائع والمشتري وتنتهي بعقد الصفقة، أو الانصراف عنها؛ أو علاقات المصلحة السائدة في المدينة والتي تنتهي بانتهاء المصلحة. كما يخرج الجماعات الصغيرة التي لا تستمر في الوجود إلا لفترة قصيرة من الزمن، والتي تخضع للتغيير السريع.

 لاقت فكرة ايفانز بريتشارد اهتماماً كبيراً بين العلماء والباحثين، في تعريف البناء، والخاصة بالعلاقات الثابتة التي تقوم بين الجماعات الكبرى، وإغفال العلاقات المؤقتة والسريعة، والتي تقوم عرضاً بين الناس. ومن ثم فقد اتفق كثير من العلماء على أن مصطلح "بناء" يوحي إلى الذهن بوجود علاقات منظمة بين الأجزاء، وكذلك بوجود نوع من الترتيب، الذي بمقتضاه ترتبط عناصر الحياة الاجتماعية ببعضها، على اعتبار أن البناء الاجتماعي نسق متكامل. وتعتمد هذه العلاقات الاجتماعية بعضها على بعض، بحيث تؤلف كلها سلسلة واحدة متصلة، على الرغم من أنها تتفاوت في درجة تعقدها وتباينها.

وقد حدد علماء الاجتماع مكونات البناء الاجتماعي، والتي رأوا أنها تتمثل في: الأدوار الاجتماعية Social Roles، والمعايير الاجتماعية Social Norms، والقيم الاجتماعية Social Values، والكيانات الجمعية Collectivities (مثل جماعات الناس الذين يتقاسمون قيماً مشتركة)، والطبقات الاجتماعية Social Classes، والنخبة Elites، وأنماط الصراع الاجتماعي Social Conflict، والآليات الخاصة بالتوزيع غير المتكافئ للموارد النادرة. بجانب هذا فإن التنظيمات والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية، هي الأخرى تقع أيضاً في إطار المفهوم الواسع للبناء الاجتماعي.

ويشير البناء الاجتماعي، عموماً، إلى الملامح العامة للتنظيم الاجتماعي، وما يشتمل عليه من نظم اجتماعية وأدوار ومكونات، من شأنها أن تضمن استمرار السلوك الاجتماعي والعلاقات الاجتماعية عبر الزمن. ولذلك يشير البناء إلى الآليات التي تكفل الاستمرار الاجتماعي، أو الحفاظ على ما هو قائم بالفعل، أو إعادة الإنتاج الاجتماعي.

ومن أكثر تعريفات البناء الاجتماعي قبولاً وعمومية، التعريف الذي ينظر إلى البناء الاجتماعي بوصفه كلاً مركباً، يشتمل على النظم الأساسية السائدة في المجتمع والجماعات المختلفة، التي يتألف منها، أو ما يُطلق عليها علماء الاجتماع المتطلبات الوظيفية. ومن أهم هذه المتطلبات ما يلي:

1. نسق اقتصادي، يختص بأمور الإنتاج وتوزيع السلع والاستهلاك.

2. نسق اتصال، يختص بأجهزة الإعلام المختلفة.

3. أجهزة ومؤسسات (مثل الأسرة، والمدرسة) تتولى تنشئة الأجيال الجديدة.

4. نسق سلطة، يختص بتوزيع محدد للقوة السياسية.

5. نسق طقوس، يصون التماسك الاجتماعي ويدعمه.

وبغض النظر عن الاختلاف بين علماء الاجتماع حول تعريف مفهوم البناء الاجتماعي، إلا أن هناك اتفاقاً ملحوظاً بينهم على مبدأين أساسيين ومتكاملين، هما:

المبدأ الأول: مبدأ الاستمرار عبر الزمن، وينطبق ذلك على الجماعات والأشخاص والعلاقات الاجتماعية، التي تؤلف البناء الاجتماعي؛ فالجماعات الكبيرة التي تحتفظ لعدة أجيال بكيانها وبهيكلها العام وتقسيماتها الداخلية ونمط علاقاتها ببعضها بعضاً، تعد وحدات بنائها في نظر علماء الاجتماع، وذلك خلافاً للجماعات المؤقتة سريعة الزوال، والتي يتفق معظم العلماء على إخراجها من البناء الاجتماعي.

المبدأ الثاني: ويتعلق بالعلاقات الثابتة المستمرة التي تقوم، بالضرورة، بين الجماعات المتماسكة، التي ينقسم إليها المجتمع، وتتخذ شكل أنساق ونظم تلعب دوراً مهماً في الحياة الاجتماعية. بمعنى أنها تؤدي وظيفة اجتماعية معينة، كما هو حال علاقات القرابة، والعلاقات السياسية والاقتصادية.

أي أن البناء الاجتماعي يشير إلى العلاقات الاجتماعية الجوهرية والمنظمة والمستمرة عبر الزمن، والتي تعطي للمجتمع صورته الأساسية، والتي تحدد مجريات الفعل الاجتماعي. كما ينطبق هذا المصطلح (البناء) على كل الترتيبات المنظمة للكيانات المتميزة، كالنظم والمراكز والأدوار والجماعات والمواقف والعمليات الاجتماعية، التي تحدث داخل المجتمع.