إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اجتماعية ونفسية / العادات والتقاليد









الارتباط بالجماعة Sociability

العادات والتقاليد Customs and Traditions

أولاً: العادات

العادة بالمعنى اللغوي العربي هي "كل ما اعتيد حتى صار يُفعل من غير جهد، وأصبح يتكرر على نهج واحد". والعادي هو العتيق، مثلما يُقال: مجدي عادي أي عتيق.

وتعني كلمة "العادة" في اللغة الإنجليزية، نمط السلوك المكتسب بالتكرار أو التعود أو الاستعمال المتكرر.

تعني العادة بالمعنى اللغوي الأنماط السلوكية المكتسبة عن طريق التعود والتكرار، في حين تُعرف العادة في القواميس الاجتماعية المتخصصة بأنها صورة من صور السلوك الاجتماعي، استمرت فترة طويلة من الزمان واستقرت في مجتمع معين، وأصبحت راسخة واصطبغت إلى حد ما بالصبغة الرسمية. والعادات الجمعية هي أساليب للفكر والعمل ترتبط بجماعة فرعية أو بالمجتمع بأسره. ويقترب من التعريف اللغوي تعريفي ميشيل Mitchel  للعادات بوصفه اصطلاح يُشير إلى أشكال التفكير والسلوك المستقر، الذي يقوم به الفرد في المجتمع. ويُستعمل هذا الاصطلاح من قِبل علماء الأنثروبولوجيا الاجتماعية لوصف التصرفات الروتينية للحياة اليومية، أو الأحكام الداخلة ضمن الروتين، أو النماذج الحضارية المستمدة من التصرفات المتكررة، أو الطبيعة المميزة للكل الحضاري.

العادات ظاهرة اجتماعية تتعلق بأفعال الناس، ويشتق وجودها من الفطرة الاجتماعية، فهي ضرورة اجتماعية تصدر عن المجتمع. وهي تلقائية لا تصدر عن سلطة معينة تصنعها وتنفذها وتسهر عليها، وإنما دعاماتها قبول الناس لها. فنحن، مثلاً، عندما نلقي السلام والتحية أو نصافح بالأيدي عند لقائنا ببعضنا بعضاً، أو عندما نتبادل خطابات وبرقيات التهاني والمواساة، وعندما نحتفل بالأعياد والمواسم والموالد وما إلى ذلك، فكل هذه الأفعال تلقائية لا توجد سلطة رسمية تفرضها علينا، وإنما تدفعنا إلى ممارستها سلطة المجتمع القائمة على قبول الناس لها.

من ذلك يتبين أن العادات هي مظاهر سلوكية متفق عليها بين أفراد المجتمع، وتنقسم إلى:

1. عادات فردية سلوكية

وهي ما يُطلق عليها كلمة Customs، وهي أنماط سلوكية متكررة يتصرف الفرد بمقتضاها على نحو خاص، حتى تصبح ممارسته لها لا شعورية، ولا يمثل الخروج عليها ضرراً للمجتمع. وهي في الأغلب الأعم متعلقة بإشباع حاجات الفرد البيولوجية من مأكل ومشرب وملبس، مثل تناول بعض المشروبات في أوقات معينة وبطريقة خاصة، كتناول القهوة مع اللبن صباحاً، أو القهوة مع التدخين، أو طريقة استخدام أدوات الأكل، أو طريقة طهي الطعام.

2. عادات جمعية أو جماعية شائعة Common habits

وهي القواعد السلوكية المتكررة، التي ترجع إلى المجتمع الذي يعيش فيه الفرد. وتستند هذه القواعد السلوكية إلى فكر اجتماعي، وبكثرة تكرارها تصبح أنماطاً سلوكية. وهي تنتشر أفقياً عن طريق التجاور والاختلاط، ورأسياً عبر فترة تاريخية طويلة، وتصبح ممارستها ثابتة مستقرة، ومن الصعب التخلص منها؛ ومثال ذلك عادات التحية وآداب المائدة، وآداب المجاملة المختلفة، وطرق تناول الطعام، وطرق الخطبة والزواج، وطرق تمثيل الأسرة في المجالس والتنظيمات الاجتماعية.

والفرق بين العادات الجمعية والعادات الفردية، هي أن الأخيرة أسلوب فردي وظاهرة شخصية. والدليل على ذلك أنه يمكن أن تتكون العادة الفردية وتُمارس في حالات العزلة عن المجتمع لسبب أو لآخر، كما في حالات الأطفال الذئاب وغيرهم. ويكاد الإنسان أن يكون مجموعة من العادات تمشي على الأرض، وأن قيمته تعتمد كثيراً على عاداته. فطريقة الشخص في ملبسه ونظافته وكلامه ومشيه وأكله وشربه وما شابه ذلك، كلها عادات فردية تسهم في تقييم الفرد وتحدد درجة نجاحه في الحياة.

أما العادات الجمعية فظاهرة اجتماعية تمثل أسلوباً اجتماعياً، بمعنى أنها لا يمكن أن تتكون وتُمارس إلاّ في الحياة الاجتماعية في المجتمع، وأثناء التفاعل بين أفراده وجماعاته. ومن أهم الخصائص المميزة للعادات الجمعية، ما يتصل بها من جزاء اجتماعي توقعه الجماعة على مخالفيها. أما العادات الفردية فلا تحتاج إلى هذا الجزاء الاجتماعي.

وتنشأ العادات الاجتماعية في عقول الناس، وتتجسد في أفعال أعضاء الجماعة، وتنتشر عن طريق التقليد تدريجياً أو عن طريق المحاولة والخطأ. وبمرور الوقت تكتسب العادات الجمعية قوة التقاليد، لأنها تمثل طرقاً مألوفة للإنسان في عمل الأشياء، وظاهرة جوهرية لمعيشة الناس بعضهم مع بعض، إلا أنها تربط فيما بينهم في الوقت الحاضر وتلقنهم تجربة الماضي؛ لأنها تنحدر إليهم من جيل إلى آخر بوصفها الطريقة الصحيحة التي يجب إتباعها. من ذلك يتضح أن العادات الاجتماعية تعمل على استقرار المجتمع بما تفرضه من جزاء اجتماعي يقع على الفرد المخالف لها؛ ولذلك فهي من العوامل الجوهرية في الضبط الاجتماعي. بناءً على هذا يمكن تعريف العادات الاجتماعية بأنها الأنماط السلوكية المتكررة والمكتسبة اجتماعياً، والتي تفرضها الجماعة على الأفراد، ويتوقع منهم أن يتّبعوها وإلاّ تعرضوا للجزاء الاجتماعي، الذي توقعه الجماعة على مخالفيها، سواء بالاستياء أو الاستهجان أو النفور والانتقام، حتى يهتدي بها الناس وتسهل معيشتهم مع بعضهم. إن بعضاً من هذه العادات يكون إيجابياً ومفيداً ونافعاً للحياة الاجتماعية، إذ يؤدي إلى تعزيز وحدة المجتمع وتوثيق العلاقات بين الأفراد والمجتمع، ويمكنهم من قضاء حاجاتهم في يسر وسهولة تامة.

ثانياً: التقاليد

تعني التقاليد Traditions لغوياً العادات المتوارثة، التي يُقلد فيها الخلف السلف. وفي اللغة الإنجليزية تعني الرأي أو العادة المتوارثة من السلف إلى الخلف، أو الممارسة عريقة القدم Long Established.

وإذا كانت التقاليد تعني لغوياً الأنماط السلوكية المتوارثة من السلف إلى الخلف، فإنها في مُعجم العلوم الاجتماعية تعني طرائق للسلوك مستقلة في وجودها عن الفرد، وتفرض نفسها عليه وتعين على تقوية الشعور الجمعي وتحقيق الاندماج التام بين عناصر المجتمع. إنها صُنع الماضي ودعامة الحاضر؛ فهي حصيلة التجربة العملية للمجتمع، ومقياس مهم للنظم والقيم الاجتماعية، فيها ثقافة وحضارة، وعلم وحكمة. يقدّسها الناس، عادة، حتى وإن بدا فيها ما لم يُفهم سببه وما لا يقره العقل تماماً، وهي عنصر مهم في السلوك والتربية. وتمتاز التقاليد بأمور ثلاثة: الاستقرار والاستمرار والاحترام، فهي ثروة خالدة من ثروات المجتمع، تبسط سلطانها وتستنكر كل تصرف خارج عليها، وعليها تقوم الشرعية التي يُضيفها الناس على أفعالهم.

وتعني التقاليد كذلك في قاموس علم الاجتماع: أنها نمط سلوكي يتقبله المجتمع عموماً دون دوافع أخرى، عدا التّمسك بنسق الأسلاف. ويربط بعض الدارسين بين التقاليد والعادات من حيث أن التقاليد تمثل العادات التي فقدت مضمونها وصوتها، وإنما يحتفظ بها الإنسان كاسم فقط يُطلق على مضمون جديد. وخلافاً لذلك يرى بعض الدارسين أن التقاليد والعادات هما شيء واحد؛ لأنهما جزء من التراث الثقافي الذي يحافظ عليه المجتمع.

وهكذا يتضح أن التقاليد تتصف بخاصية التوارث من جيل إلى جيل، والرغبة في التمسك بها، بل والالتزام بها لأنها تأتينا من أسلافنا وآبائنا الذين يورثوها إلينا بوصفها نافعة ومفيدة وصحيحة. والتقاليد عادات نافعة لأنها ترشد الناس بطريقة سهلة ومريحة إلى جميع طرق التصرف الصائبة والمناسبة في مختلف أمور حياتهم، وبذلك تهيئ لهم الحياة والعمل المشترك دون إعاقة أو اضطراب. ويرجع ذلك إلى أنها:

1. تمدهم بمجموعة من الأنماط السلوكية الجاهزة والمُعدة من قبل لكي يتبعوها، لتسهّل عليهم تحقيق حاجاتهم الأساسية من مأكل ومشرب ومسكن وتناسل، وبذلك يستطيعون المحافظة على بقائهم واستمرارهم.

2. تضع لهم القوانين والنظم وترسم لهم الأساليب والتصرفات، التي تتيح لهم التعاون والتفاعل مع بعضهم، وتعلمهم كيف يتكيفون مع المواقف البيئية المختلفة، وكيف يستجيبون لهذه المواقف استجابة موحدة، تجنّبهم الصراع والفُرقة وتحافظ على تماسكهم.

إن تكرار التقاليد بين أعضاء المجتمع وتوارثها من جيل إلى جيل، أو من السّلف إلى الخلف، يضفي عليها احتراماً وتقديساً كبيرين يزيدان من رسوخها وقوة تأثيرها واستقرارها على مر الزمن من جيل إلى جيل، ومن عصر إلى آخر. والإنسان أمام قوة التقاليد مغلوب على أمره، لا يستطيع أن يتصرف بمحض إرادته وحرية اختياره؛ فما هو معتاد دائماً يكون محبباً ومرضياً عنه ومقبولاً من جميع أعضاء المجتمع.

يتضح مما سبق أن التقاليد هي مجموعة من القواعد السلوكية الاجتماعية، التي ارتضاها المجتمع، وهي تنتشر انتشاراً رأسياً (أي من الماضي إلى الحاضر) لتصبح تقليداً يتوارثه الخلف عن السلف. وتُوصف التقاليد بأنها أقوى في إلزامها من العادات الجمعية لرسوخها؛ لأنها ذات قواعد قوية في تأثيرها على الآخرين ولاستحسانهم لها، ولأنها مريحة وتقدم للناس الشعور بالأمن والطمأنينة. ويتمثل الاختلاف بين العادات والتقاليد في أن العادات الاجتماعية أنماط سلوكية ألفها الناس وارتضوها، ويسيرون على هديها ويتصرفون بمقتضاها دون التفكير فيها. وهي تختلف من مجتمع لآخر وفقاً لظروفه وخصائصه وسماته التي تميزه. أما التقاليد، فهي أنماط سلوكية ألفها الناس وتوارثوها ويشعرون نحوها بقدر كبير من الاحترام، ولا يفكرون في العدول عنها أو تغييرها.