إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اجتماعية ونفسية / الدوافع









الارتباط بالجماعة Sociability

الدوافع

تعريفها وخصائصها

للدافعية تعريفات مختلفة، منها تعريفات تصفها بأنها عملية، وأخرى تحددها بأنها قوى محركة، وثالثة تعرفها بأنها حالة، ورابعة ترى أنها عامل مؤثر، وخامسة على أنها استعداد.

فالدافعية عملية استثارة وتحريك للسلوك أو الأداء، وتعضيد النشاط إلى التقدم، وتنظيم نماذج السلوك. ويعرفها هب بأنها "عملية يتم بمقتضاها إثارة نشاط الكائن الحي وتنظيمه وتوجيهه إلى هدف معين".

ومن تعريفات الدافعية على أنها قوى محركة، تعريف دونالد لندزلي بأنها "مجموعة القوى التي تحرك السلوك وتوجهه وتعضده نحو هدف من الأهداف". ويعرفها محمد عثمان نجاتي بأنها "القوى المحركة التي تبعث النشاط في الكائن الحي وتُبدئ السلوك وتوجهه نحو هدف أو أهداف معينة".

ومن تعريفات الدافعية كحالة، تعريف يونج بأنها "حالة استثارة وتوتر داخلي تثير السلوك وتدفعه إلى تحقيق هدف معين". ويعرفها محمد البيلي وزملاؤه بأنها "حالة داخلية تستثير السلوك وتوجهه وتحافظ عليه". ويعرفها جاثري بأنها "تلك الحالة التي تزيد من قوة الاستجابات ونشاطها". ويعرفها عبدالسلام عبدالغفار بأنها "حالة داخلية تؤثر على سلوك الفرد، إذ تزيد من نشاطه وتوجهه نحو أهداف معينة".

ومن تعريفات الدافعية بصفتها عاملاً، تعريف دريفر بأنها "عامل دافعي انفعالي يعمل على توجيه سلوك الكائن إلى تحقيق هدف معين".

ومن تعريفات الدافعية على أنها استعداد، تعريف أتكنسون بأنها "استعداد الكائن الحي لبذل أقصى جهد لديه من أجل تحقيق هدف معين.

من التعريفات السابقة وغيرها، يُثار تساؤل حول مبرر الاختلاف بين العلماء والباحثين في تعريفها. لعل المبرر الأساسي هو أننا لا ندرك الدافعية مباشرة، فمن منا يدرك دافع الإنجاز أو حب الاستطلاع مباشرة؟ إن هذا معناه أنها تكوين فرضي أو مفهوم يفترضه العلماء لتفسير بعض مظاهر السلوك. وهذا المفهوم يستدل عليه من مظاهره، مثل تحريك السلوك في مواقف معينة، كالحاجة إلى الماء مثلاً، ويكون هذا التحريك موجهاً نحو غاية أو هدف وهو الوصول إلى الماء، ويكون هذا التحريك بشدة أو بقوة معينة تلائم شدة العطش.

وهناك مبرران رئيسيان للاستدلال على مفهوم الدافعية من سلوك الكائن الحي، هما:

·   يكون السلوك المدفوع والموجه إلى هدف، شيئاً معتاداً ومستمراً بصورة ملحوظة، واستطراداً يُفترض وجود عملية دينامية تقف خلفه وتحدد قوته.

·   لا تصدر استجابات الكائن الحي نتيجة لمثيرات خارجية محددة، ويعني ذلك وجود محددات داخلية (أو قوى داخلية) توجه السلوك إلى أهداف بعينها.

وتتضح ضرورة الاستدلال على مفهوم الدافعية بناءً على خصائص السلوك المدفوع أو السلوك الذي وراءه دافع. من هذه الخصائص:

1. الطاقة

عندما يختل اتزان الكائن الحي (مثل نقص الماء في الجسم)، يزداد معدل الطاقة لديه، فيتحرك بحثاً عما يُعيد له اتزانه (أي الماء بكونه هدفاً يسعى لبلوغه). وتلائم تلك الطاقة طردياً قوة الدافع، فمن حُرم من الماء لمدة عشر ساعات لا يكون دافعه أقوى ممن حُرم من الماء لمدة عشرين ساعة. إلا أن تزايد تلك الطاقة محكوم بقانون معين يُطلق عليه "قانون يركس ودوسون"، فكلما تزايد الحرمان تزايدت قوة الدافع، وتزايدت معها قوة الطاقة للبحث عن الماء، ولكن إلى مدى معين أو نقطة معينة، بعدها لا تتزايد الطاقة، بل ينخفض معدل أداء الكائن في البحث عن الماء. إن هذا معناه أن زيادة الدافع تزيد الطاقة، مما يؤدي إلى تسهيل الأداء، ولكن الدرجات المتطرفة من الدافع (قوة أو ضعفاً) قد تؤدي إلى نوع من نقص الطاقة، ينعكس في تدهور وتعطيل الأداء. وينتج هذا الأثر المعطل من التبلد الانفعالي، أو عن الضعف الجسماني، أو ظهور بعض الحالات الانفعالية المعوقة كالقلق.

ويمكن تقدير الطاقة الدافعة باستخدام عدة مشيرات، مثل التوتر العضلي، وموجات المخ، وإفرازات العرق، وسرعة ضربات القلب، وتغير ضغط الدم... إلخ. وبواسطة التقارير الذاتية للأشخاص التي تعبر عن حاجتهم وشدتها وما يسعون لبلوغه.

2. الاستمرارية

كلما زادت قوة الطاقة زادت قوة الدفع، وزادت قوة استمرار السلوك لبلوغ الهدف المنشود. وهذا ما يُعرف بالمثابرة، أي الاستمرار في بذل الجهد ومقاومة الصعاب والعوائق، بلوغاً للهدف المنشود الذي يُعيد للفرد اتزانه. إن استسلام الفرد أو تركه لما يقوم به من نشاط عندما تواجهه العقبات أو الصعوبات أو ما يتوقعه من فشل، يمكن الاستدلال منه على ضعف الدافع الذي يدفعه إلى هذا السلوك.

3. التنوع

أثناء سعي الكائن لإشباع دافعه، يسلك طرقاً متعددة، أي أن الهدف يظل ثابتاً، ولكن تختلف وتتعدد طرق الوصول إليه. فالدافع للتفوق يكون هدفه تفوق الفرد على أقرانه، إما في التحصيل أو الدراسة أو في الرياضة أو في الفنون... إلخ. وتظهر خاصية التنوع كذلك عند إعاقة الفرد عن بلوغ هدفه مع استمرار مثابرته لبلوغ الهدف، مثل تعديل طريقة الاستذكار أو استخدام وسائط تعليمية مختلفة لتحقيق التفوق.

ومما يزيد الحاجة إلى ضرورة الاستدلال على الدافعية العوامل التالية:

1. اختلاف الأساليب المستخدمة في التعبير عن الدوافع باختلاف الثقافات، وباختلاف الأفراد الذين ينشأون في ثقافة واحدة. ويرجع ذلك إلى عاملين أساسيين:

أ. أن هناك من الدوافع ما يتعلمه الفرد أو يكتسبه من الخبرات، التي يكتسبها أثناء تنشئته من خلال المؤسسات التربوية المتخصصة (كالمدرسة) وغير المتخصصة (كالإعلام).

ب. يكتسب الفرد الأساليب السلوكية المختلفة التي تعلم من خبرته السابقة أنها تساعد على إشباع دوافعه، ويختلف الأفراد فيما يتعرضون له من خبرات وما يكتسبونه من أساليب سلوكية.

2. قد تأخذ الدوافع المتشابهة صوراً سلوكية متباينة في التعبير عنها. فقد يكون هناك دافع للاضطهاد يظهر في صورة احتقار الآخر، أو إذلاله، أو العدوان عليه، أو إهماله، أو تدبير المؤامرات ضده.

3. قد تأخذ الدوافع المختلفة صوراً سلوكية متشابهة في التعبير عنها. فقد يجلس طفلان إلى المائدة أحدهما جائع والآخر ليستأنس بأسرته وينفذ المعايير السائدة داخل الأسرة.

4. قد تظهر أنواع من الدوافع في صور مقنعة، بمعنى أن الدافع الحقيقي الذي قد يدفع الفرد إلى سلوك معين قد يختلف عن الدافع الظاهري الذي يبدو من ملاحظة السلوك. فالطفل الذي يسرق ربما لا يكون في حاجة إلى ما يسرقه، ولكنه في حاجة إلى إثارة اهتمام وانتباه من حوله.

5. قد يدفع الفرد إلى أداء أي نوع من السلوك عدد من الدوافع. فقد يقضي العالم أو الباحث وقت فراغه في الاطلاع والبحث لإشباع حاجته إلى المعرفة وحب الاستطلاع، وقد يكون دافعه إلى ذلك تحسين وضعه الاقتصادي والاجتماعي، وقد يكون دافعه التفوق على الأقران ومنافستهم.

أهميتها ووظيفتها

ما من سلوك إرادي يقوم به الكائن الحي إلا ووراءه دافع يحركه. فبكاء الطفل لأنه لم يرضع منذ عدة ساعات يوضح أن وراء بكائه دافع الجوع. والتائه في الصحراء حينما يرى السراب يكون وراءه دافع هو دافع العطش، وهكذا. إن هذا يبين ويوضح أهمية الدوافع في أنها تستثير طاقة الكائن لينشط بحثاً عن هدف معين، فإذا ما وصل إليه يشبع دافعه. إن البحث عن هدف معين يظهر أهمية ووظيفة الدافع في توجيه السلوك نحو هدف معين، فالجائع يبحث عن الطعام، والعطشان يبحث عن الماء، والمسيطر يسعى إلى إخضاع الآخرين لإرادته وآرائه، والطفل المشاكس قد يبحث عن التقدير وإثارة الاهتمام، بل يسرق أحياناً لإشباع حاجته إلى الحب والاهتمام (دافع لاشعوري).

وللدوافع وظيفة انتقائية، إذ توجه الكائن إلى تعلم استجابات معينة، أي انتقائها دون غيرها، لأنها تؤدي به للوصول إلى هدفه وغايته. فالقطة تتعلم القيام باستجابات معينة حتى تستطيع صيد الفأر الذي تشبع به دافعها إلى الجوع. هذا وقد بينت الدراسات الوظيفة الانتقائية للدوافع في أن الجائع يكون أكثر انتباهاً لروائح الأطعمة أكثر من غيرها، وهذا يفسر أن الجائع يحلم بالخبز ولا يحلم بالماء.

تؤثر الدوافع في أحكامنا التي نصدرها على الآخرين، فدافع السيطرة لدى المستعمر يدفعه إلى إدراك البلاد المُستعمَرة على أنها متخلفة وبدائية، وفي حاجة إليه لينهض بها ويقيلها من عثرتها. والمبالغة في تقدير الذات قد تدفع الشخص إلى النظر لبعض الأمور على أنها تافهة، على الرغم من أهميتها الواقعية والفعلية، ويرتبط بهذه الوظيفة للدافع ظاهرة تُعرف باسم الأنماط الثابتة في الإدراك Stereotypes. وهو تصور متحيز مفرط في التبسيط وغير مرن، وكثيراً ما يكون خطئاً، وعادة ما يكون خاصاً بجماعة اجتماعية معينة، ويتم بواسطته تأكيد الخصائص السلبية في أفراد وأعضاء تلك الجماعة. كمثال لذلك إدراك البيض للزنوج في الولايات المتحدة الأمريكية على أنهم أقل ذكاءً وأكثر عدوانية وتخريباً، والنظرة إلى المرأة على أنها ضعيفة غير قادرة على الاعتماد على ذاتها وفي حاجة ماسة إلى الحماية والرعاية، وكنظرة بعض الآباء في بعض الدول العربية إلى أبنائهم على أنهم "جُهال".

بناءً على ما سبق، فإن للدوافع أهميتها في تنشيط السلوك وتوجيهه، وانتقاء أهدافه، واختيار الاستجابات التي تؤدي إلى بلوغ تلك الأهداف، وفي أحكامنا على المواقف والأفراد.

إن فهمنا لدوافعنا ولدوافع الآخرين يساعدنا على التعامل معهم بنجاح. فالتلميذ المشاغب في الفصل قد يكون ذلك دافعاً لاشعورياً لتحويل عدوانه الذي يعجز عن توجيهه إلى والده فيوجهه نحو مدرسيه في المدرسة. وإذا كان رسوب الطالب في دراسته راجعاً إلى ضعف رغبته في استذكار دروسه، فإذا هيأنا له الظروف التي تُثير في نفسه الرغبة في الاستذكار، فإنه قد يعدل سلوكه.

وللدوافع أهميتها في مجال التحصيل الدراسي، فرغبة الطالب في الدراسة وميله إليها تدفعانه إلى الاهتمام بها وبالمذاكرة، وبالجد والاجتهاد. وللدوافع أهميتها في ميدان الصناعة، فدوافع العمال واتجاهاتهم وميولهم نحو العمل الذي يقومون به، من أهم أسباب نجاحهم أو فشلهم في أداء ذلك العمل، وفي انتظامهم في العمل، وعدم غيابهم، وقلة خسائرهم أثناء أدائهم لمهامهم. وللدوافع أهميتها في مجال القانون، فمعرفة الدافع لارتكاب الجريمة يؤثر في التكييف القانوني للجريمة. وأخيراً فإن للدوافع أهميتها في العلاج النفسي، لأن الصراع بين الدوافع يؤدي إلى نشأة الأمراض النفسية.

أنواعها

يزخر التراث النفسي بعديد من التصنيفات للدوافع، تختلف بناءً على وجهة نظر واضعيها، وبناءً على مقدار التطور العلمي في دراستها، وبناءً على نوع أسلوب البحث المستخدم في دراستها (مثل استخدام التأمل الذاتي أو التجربة المعملية).

من أقدم التصنيفات وأوائلها، تقسيم الدوافع إلى فطرية يولد الكائن الحي مزوداً بها، أو مكتسبة أي يتعلمها من بيئته ومجتمعه. ويمثل هذا الاتجاه تصنيف الغرائز دوافع عند مكدوجل. فهو يرى أن الدوافع الفطرية تتضمن الغرائز والنزاعات الفطرية العامة. من الغرائز غريزة الخلاص، والمقاتلة، والوالدية، والاستطلاع، والجنس، والضحك. ومن النزعات الفطرية العامة، التقليد، واللعب.

أما التصنيف الثاني، فيرى أن الدوافع إما أولية فطرية عامة بين الإنسان والحيوان ضرورية للمحافظة على الحياة والسلالة، أو دوافع ثانوية اجتماعية مكتسبة، وخاصة بالثقافة أو مجتمع معين. ومن الدوافع الأولية الجوع، والعطش، والجنس، والأمومة. ومن الدوافع الاجتماعية السيطرة، والتملك.

أما التصنيف الثالث، فيرى أن الدوافع قد تكون شعورية يدركها الإنسان ويوجهها إرادياً، أو لاشعورية لا يدركها إدراكاً مباشراً بل يحتاج إلى متخصص يساعده على تعرُّفها واكتشافها.

ويذكر سعد عبدالرحمن تصنيفات أخرى للدوافع، منها تصنيف هيلجارد:

·   الدوافع اللازمة لبقاء الفرد حياً، كالجوع.

·   الدوافع اللازمة لتحويل الفرد إلى كائن اجتماعي، كالسيطرة والعدوانية.

·   الدوافع اللازمة لتكامل الذات، كدافع الابتكار والتحصيل.

ويذكر تصنيف ستاجنر إلى أنواع ثلاثة أخرى:

·   الدوافع البيولوجية، كالإخراج والعطش.

·   الدوافع الانفعالية، كالخوف والثورة، والحب، والفرح.

·   الدوافع المشتقة من القيمة والاتجاه والميل.

ويذكر تصنيف وودورث وماركيز إلى:

·   الدوافع العضوية Organic Motives.

·   الدوافع الطارئة Emergency Motives، أو دوافع الطوارئ.

·   الدوافع الغرضية (أو الموضوعية) Objective Motives، كالاستكشاف والاستطلاع.

وثمة تقسيم آخر للدوافع إلى دوافع سلبية، مثل القلق الزائد وخصوصاً المرضي، أو الشعور المرضي بالذنب، والعدوان سواء كان موجهاً نحو الذات أو نحو الآخرين.

أما الدوافع الإيجابية التي تحفز الفرد إلى العمل والأداء، ولا تعوق تكيفه أو توافقه، فمنها الاعتماد سواء أكان على الذات أو على الآخر بدرجة ملائمة. أما الدافع الثاني فهو دافع التواد والارتباط بالجماعة. أما الدافع الثالث فهو دافع الإنجاز، أي سعي الفرد لتحقيق مستويات عالية في الأداء وللتفوق على الآخرين.

السؤال: إذاً لماذا اختلفت التصنيفات التي تناولت الدافعية؟

إضافة إلى ما سبق ذكره، يمكن إرجاع أو تفسير هذه الاختلافات إلى عدة عوامل، منها:

·   ما تتميز به الدوافع من خصائص تجعل الباحثين يركزون اهتماماتهم في بعض الجوانب دون غيرها.

·   إن نشأة الدوافع تكون ذات أساس فسيولوجي، فمع تتبع نمو الطفل، نجد أن حديث الولادة يكون كالأنبوبة التي تتناول الغذاء وتخرجه. وتنشأ من هذه الوظائف دوافع الشعور بالجوع والحاجة إلى الإخراج. كما أن وجود الآخرين يسهم في تحقيق الإشباع، والشعور بالأمان والانتماء، أي أن الدوافع المكتسبة والاجتماعية ترتبط بالدوافع البيولوجية أو الفسيولوجية.

·   تتعدد النظريات التي حاولت تفسير السلوك بصفة عامة، فهناك نظريات تقف عند حدود السلوك المُلاحظ (السلوكية)، بينما تغوص بعض النظريات في داخل النفس (التحليل النفسي، والاتجاه الإنساني). وثمة مجموعة من النظريات التي تفسر السلوك بناءً على تفكير الفرد ومعتقداته وتوقعات الآخرين منه (النظرية المعرفية، والتعلم الاجتماعي).

قياس الدوافع

يستند قياس الدوافع إلى ما تتميز به من خصائص سبق عرضها. ويمكن تقسيم أساليب قياس الدوافع ووسائله إلى أساليب فسيولوجية وأخرى سيكولوجية. والواقع أن هذا تقسيم تعسفي، لأن لكل دافع مكوناً فسيولوجياً وآخر سيكولوجياً. فحب الاستطلاع يبدو أنه سيكولوجي أساساً، إلا أن تحرك الفرد لإشباع حب الاستطلاع نتيجة لما يحدث داخله من تغيرات، يمثل المكون الفسيولوجي.

وفي ما يلي عرض لبعض أساليب ووسائل قياس الدوافع:

أولاً: المقاييس الفسيولوجية

يصحب استثارة الدوافع خلل في الاتزان الداخلي للفرد، هذا الاتزان قد يكون فسيولوجياً أساساً، واستطراداً تُستخدم هذه التغيرات في قياس الدوافع. فدافع الجوع أو العطش من مكوناته عناصر فسيولوجية، مثل نقص الماء داخل الجسم، وتقلص المعدة عند الجوع.

هذا، وكلما زاد إلحاح الدافع، زاد قلق الفرد وتوتره، ويكون ذلك مصحوباً بعدة إشارات فسيولوجية، مثل سرعة التنفس، أو معدل ضربات القلب، والنشاط الكهربي للمخ، وضغط الدم.

ولما كان من خصائص الدوافع ملاءمة كمية الطاقة المبذولة ملاءمة طردية مع قوة الدافع الذي يكمن وراء السلوك، فكلما زاد الدافع لتقدير الذات، بذل الشخص جهداً أكبر لإنجاز المهام التي تؤدي إلى إشباع تقديره لذاته. واستطراداً فإن كمية الطاقة المبذولة تصلح لقياس الدوافع.

ثانياً: المقاييس السيكولوجية

1. أسلوب التغلب على العقبات

من خصائص السلوك المدفوع، الاستمرار أو الإصرار على بذل الجهد للتغلب على العقبات التي تمنع الفرد من الوصول إلى هدفه. ويمكن تسمية هذه الخاصية بالمثابرة والمداومة على بذل الجهد وأداء السلوك.

فإذا كان الدافع إلى الإنجاز عالياً، فإنه يدفع الفرد إلى البحث عن أساليب ووسائل متعددة ومتنوعة تساعده على التغلب على العقبات التي تعترض طريقه.

وقد استخدم هذا الأسلوب في التجارب على الحيوانات، وذلك باستعمال جهاز معين يُسمى "جهاز العقبة"، ويتكون هذا الجهاز من حجرتين بينهما ممر، وتزود أرضية هذا الممر الموصل بين الحجرتين بشبكة كهربائية أو مادة موصلة للحرارة. يُوضع الحيوان في إحدى الحجرتين ويُحرم إحدى حاجاته كالطعام أو الماء أو الجنس، وتُوضع له في الحجرة الأخرى المادة الخاصة بإشباع هذه الحاجة، وتُوصل أرضية الممر بمصدر كهربائي أو حراري متدرج، أي يكون منخفضاً عند بداية الممر ثم يُزاد عبر الممر حتى الحجرة الثانية. وتُقاس شدة الدافع بمقدار ما يتحمله الحيوان من صدمات كهربائية أو درجات الحرارة سعياً لبلوغ هدفه الذي يشبع حاجته. باستخدام جهاز العقبة، أمكن ترتيب دوافع الحيوانات كالتالي: الأمومة ـ العطش ـ الجوع ـ الجنس ـ الاستطلاع.

2. التفضيل أو المفاضلة

يقوم هذا الأسلوب على افتراض أن الكائن الحي يُثار لديه أكثر من دافع في وقت واحد. واستطراداً إذا ما أُتيحت له فرصة إشباع الدافعين، فإن الدافع المفضل يكون هو الأكثر إلحاحاً. فالفأرة الجائعة قد توضع في موقف يتضمن الطعام أو صغارها، فإذا اختارت الصغار دون الطعام كان هذا دلالة على قوة دافع الأمومة.

تعتبر الأساليب السابقة نماذج فقط ذلك لوجود أساليب أخرى، مثل معدل أداء الأفعال المتعلمة، وملاحظة السلوك، ودراسة الحالة، والمقاييس والاختبارات النفسية.

بقي سؤال، هو: لماذا نقيس الدوافع؟

ترجع أهمية قياس الدوافع إلى أن الوقوف على شدة الدوافع ونوعيتها يمكننا من ضبط السلوك وتوجيهه، وإلى توظيفها في مجالات التعلم والتدريب والإنتاج، بما يحقق أعلى العوائد بأقل النفقات والخسائر.

الدوافع من منظور إسلامي

ورد في القرآن الكريم ما يفيد وجود نوعين من الدوافع، هما الدوافع الفسيولوجية والدوافع النفسية أو الروحانية. من الدوافع الفسيولوجية دوافع حفظ الذات.

قال ـ تعالى ـ: ]فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ {3} الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ{4}[ (سورة قريش: الآيتان 3، 4).

وقال ـ تعالى ـ: ]وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُم مِّن فَضْلِهِ[ (سورة الحجر: الآية 48).

وقال ـ تعالى ـ: ]وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً [ (سورة الأحقاف: الآية 15).

الآية الأولى تحدد دوافع الجوع والحاجة إلى الأمن، وتحدد الآية الثانية الحاجة إلى الراحة للتغلب على التعب، وتحدد الآية الثالثة دافع الأمومة، وكلها دوافع ضرورية للحفاظ على حياة الإنسان.

أما الدوافع النفسية، فلقد أوردها القرآن الكريم في عدة آيات، منها:

]الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا[ (سورة الكهف: الآية 46).

]قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ[ (سورة طه: الآية 123).

]وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ[ (سورة البقرة: الآية 148).

]فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ[ (سورة الروم: الآية 30).

تحدد الآية الأولى دافع التملك، والثانية دافع العدوان، والثالثة دافع التنافس، والرابعة دافع التدين، وهي دوافع نفسية وروحانية ضرورية لتوافق الإنسان وتكيفه مع الآخرين والتعامل معهم.