إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اجتماعية ونفسية / الاقتصاد الخفي









الاقتصاد الخفي

الاقتصاد الخفي

Hidden Economy

قبل أن نُعرف مفهوم الاقتصاد الخفي، فيحسن أن نتناول مفهوم علم الاقتصاد Economy، بوصفه المفهوم الأشمل. وفي هذا الإطار يُعرف علم الاقتصاد بأنه: "الدراسة العلمية لإنتاج، وتوزيع، واستهلاك السلع والخدمات، لتحقيق رفاهية الأفراد بشكل عام". وقد عُرِّف الاقتصاد بشكل أكثر تحديداً بوصفه: "دراسة الكيفية التي عليها ينظم الناس استخدام الموارد لإشباع رغباتهم وحاجاتهم". بمعنى "دراسة التنظيم الاقتصادي"، وهذا يتطلب دراسة مختلف النظم الاقتصادية، والمشكلات التي تواجه كل نظام، والطرق الممكنة لحل هذه المشكلات.

ولما كانت حاجات الإنسان البيولوجية آمرة، ورغباته التي تحددها الثقافة لا نهائية. أي أن حاجاتنا لا تنتهي ولا حد لها، فخلافاً لذلك تماماً نجد أن الوقت والنشاط والموارد الطبيعية محدودة؛ فلا غنى لكل مجتمع أن يحدد -سواء بتدبير أو بغير تدبير- كم من الوقت والنشاط والموارد سوف يصرفه لمواجهة هذه الحاجات، وتحقيق تلك الرغبات على حساب الحاجات والرغبات الأخرى، وما الذي ينبغي تأجيله. ويتم اتخاذ هذه القرارات في إطار المركب التنظيمي، الذي يُسمى الاقتصاد؛ أي أن الاقتصاد هو المركب التنظيمي، الذي يرسم طرق قرارات وأفعال أفراد المجتمع، وهم ينظمون، ويقضون وقتهم ونشاطهم، ويستخدمون الموارد المتيسرة لهم لإنتاج وتوزيع السلع أو الخدمات، التي سوف تتجه لإشباع حاجاتهم ورغباتهم.

ومن ثم، فإن علم الاقتصاد يهتم بدراسة وتحليل هذا المركب التنظيمي. وهذا الاهتمام يوصلنا إلى تعريف علم الاقتصاد بوصفه "العلم الذي يهتم بدراسة ذلك الجزء من النشاط الفردي والاجتماعي، الذي نكرسه للوصول إلى أحسن الظروف المادية لتحقيق الرفاهية".

ويوضح هذا أن الاقتصاد علم قائم على الاستهداف المستقبلي. وهو علم يصنع ويجعل الحياة أفضل وأرقى وأحسن، عما هي عليه الآن، وعما كانت عليه من قبل. وهو علم يقوده التطور وتحقيق المزيد من الأشياء بالموارد المتاحة، للتوظيف والتشغيل والاستخدام. وبهذا نصل إلى التعريف الشامل للاقتصاد بأنه: "العلم الذي يبحث في تعظيم الإشباع، أي زيادة تفعيل واستخدام وتوظيف الموارد، لتعطي أعلى ناتج وأفضل إنتاج، من أجل زيادة رفاهية المستهلكين، وزيادة درجة الإشباع، التي يتمتعون بها عما كانت لديهم من قبل. ومن ثم تزداد لديهم حالة الرضا، ويزداد لديهم الشعور بالراحة والإشباع والاستمتاع".

وقد بدأ مفهوم الاقتصاد الخفي يطرح نفسه في الآونة الأخيرة، من خلال انقسام الأنشطة الاقتصادية في دول العالم إلى أنشطة رسمية، وأنشطة غير رسمية (غير معلنة)، وهي التي تُعرف باسم "الاقتصاد الخفي". وقد استخدم الباحثون مفاهيم عديدة في التعبير عن هذا القطاع من الاقتصاد؛ مثل مصطلح "الاقتصاد التحتي"، و"الاقتصاد الأسود"، و"الاقتصاد غير المرئي"، و"الاقتصاد المغمور"، و"الاقتصاد السفلي"، و"الاقتصاد غير الرسمي"، و"الاقتصاد الثاني"، و"الاقتصاد غير المسجل"، و"الاقتصاد المقابل"، وأخيراً "الاقتصاد الخفي".

ويرجع هذا التعدد والتنوع في مسميات هذا المفهوم، إلى تعدد وتنوع المداخل والأيديولوجيات، التي سعت إلى تعريف مفهومه. وهذا الأمر جعل مفهومه يختلف من باحث إلى آخر، حسب تقويمه للأنشطة، التي تُمارس في هذا الاقتصاد، بجانب انتشاره في كافة دول العالم على اختلاف أنظمتها، ما جعل الاتفاق حول تعريف محدد لمفهوم الاقتصاد الخفي يكاد يكون أمراً مستحيلاً، فضلاً عما يرتبط به من صعوبات، كتعدد أساليب التقدير والقياس، وتنوع أنشطته، والسرية التي ترتبط بتلك الأنشطة.

إن دراسة ظاهرة الاقتصاد الخفي محاطة بالصعاب؛ لارتباطها بالسلوك الإنساني، الذي يتسم بالتعقيد، وصعوبة إخضاعها للضبط المعملي. ويُعرف الاقتصاد الخفي بأنه كافة الأنشطة التي تولد دخلاً، ولا تُسجل ضمن حسابات الناتج القومي؛ إما لأنها أنشطة مشروعة؛ لكنها تتهرب من الالتزامات القانونية، أو لأنها أنشطة غير مشروعة. وهذا يعني أن أنشطة الاقتصاد الخفي تتكون من قطاعين، هما:

1. الاقتصاد الخفي المشروع، ويشمل المنشآت التي تنتج سلعاً وخدمات، إلا أن هذه المنشآت غير مسجلة، ولم تحصل على ترخيص لمزاولة نشاطها. كما أنها تمارس أنشطتها بعيداً عن أعين الدولة، في المناطق العشوائية أو الشوارع الخفية.

2. الاقتصاد الخفي غير المشروع، ويشمل الأنشطة التي تخالف القانون وتولد دخولاً غير مشروعة، مثل عمليات تهريب السلع، وغسل الأموال، وتجارة المخدرات، والرشاوى لتسهيل الأعمال غير القانونية.

ويتضمن الاقتصاد الخفي عدداً من ميادين هذا النشاط غير المعروف، مثل النشاط الاقتصادي التقليدي الهامشي أو غير الرسمي، والسوق السوداء، وعمليات السوق الرمادية، والنشاطات الاقتصادية الداخلية الأكثر نقاءً للمؤسسة العسكرية؛ فضلاً عن الشبكات الرئيسية المتعاملة مع تحويلات العاملين بالخارج، مثل شبكات الصرافين والشركات الإسلامية، وتجار العملة وغيرها، التي تُشكل جزءً عضوياً من الاقتصاد الخفي، أو اقتصاد الظل.

وقد حددت الموسوعة الاجتماعية الاقتصاد الخفي بأنه ذلك الجزء من العمالة في إطار السوق، الذي لا يغطى بشكل كامل بواسطة الإحصاءات الرسمية، بسبب الميل إلى إخفاء قدر من الحقيقة التي يُفترض أنها ترتبط بالتهرب الضريبي. وتتسم التخمينات الخاصة بحجم الاقتصاد الخفي، أو الأسود، بالمبالغة، بسبب الحجم الكبير من الأعمال غير السوقية، والأعمال الهامشية التي تجري فيه، في إطار الاقتصاد غير الرسمي.

وعلى هذا يُعرف الاقتصاد الخفي بأنه يمثل كافة الأنشطة المولدة للدخل، والتي لا تسجل ضمن حسابات الناتج القومي؛ إما لتعمد إخفائها تهرباً من الالتزامات القانونية المرتبطة بالكشف عنها، وإما بسبب أن هذه الأنشطة، المولدة للدخل، بحكم طبيعتها تُعد من الأنشطة المخالفة للنظام القانوني السائد في البلاد. ويقترب من هذا المعنى تعريفه بأنه: مجموعة الدخول المكتسبة غير المبلغة للسلطات الضريبية، أو مجموعة الدخول غير الواردة في الحسابات القومية. لذا فهذا الجانب من الاقتصاد هو ذلك الجزء من الناتج القومي، الذي لا يتم قياسه في الإحصاءات الرسمية، بسبب عدم إعلانه، أو إقراره بأقل من قيمته الحقيقية، للسلطات الضريبية.

ويوضح هذا الأمر أن الاقتصاد الخفي يُعد جزءاً من الناتج القومي؛ ولكن لا يتم تسجيله، وذلك للرغبة في تهربه من الضرائب، أو تسجيله بأقل من قيمته الحقيقية في السجلات الضريبية، للحصول على قيمة ضريبية أقل من الحقيقة.

وفي ضوء ارتباط الاقتصاد الخفي بالقطاع غير الرسمي، ذهب كل من بورتس وكاسيلز إلى تعريف الاقتصاد الخفي بأنه نوع من الاقتصاد غير الرسمي Informal Economy، من منظور العمالة غير الرسمية، بدءاً من الباعة الجائلين وماسحي الأحذية وخدم المنازل، إلى مراكز الاستشارات والبرامج الجاهزة، بما يوضح أن معظم الأفراد الذين يلتحقون بأنشطة الاقتصاد الخفي فقراء وهامشيون، خاصة في الدول النامية. وترجع أسباب نمو أنشطة الاقتصاد غير الرسمي وتنوعها، في معظم دول العالم، إلى عمليات الهيكلة الاقتصادية والأزمات الاقتصادية. ومن ثم فانخراط العامل في أنشطة القطاع غير الرسمي سببها حرمان العامل من ضمانات الدخل (الفقر)، وتأمين العمل (البطالة).

وتميل الاقتصاد الخفي وما يضمه من أنشطة، سواء مشروعة أو غير مشروعة، يمثل طوق النجاة لتلك الفئات الفقيرة، التي تسعى إلى تحقيق الحد الأدنى من الدخل بما يكفي لإشباع بعض ضرورياتها، من مأكل ومشرب وعلاج، ولا يعنيها ما تمثله هذه الأنشطة من كونها مشروعة أو غير مشروعة، قانونية أو غير قانونية؛ بل هي تمارسها هروباً من وطأة الفقر.

ويمكن أن نستخلص مما تقدم، أنه على الرغم من تباين التعريفات حول مفهوم الاقتصاد الخفي وتعددها، إلا أن أهم سمات الاقتصاد الخفي يمكن تحديدها فيما يلي:

1. تتميز أنشطة الاقتصاد الخفي بأنها أنشطة غير مرئية، وتُمارس بعيداً عن رقابة الدولة.

2. أن أنشطة الاقتصاد الخفي قد تكون مشروعة في طبيعة عملها في إنتاج السلع والخدمات للمواطنين؛ وقد تكون غير مشروعة، مثل العمل في تجارة العملة أو السلع المهربة وتجارة المخدرات، وغيرها.

3. يرتبط الاقتصاد الخفي بأنشطة القطاع غير الرسمي والمناطق المحرومة والعشوائيات، التي تعاني الفقر وقلة الخدمات.

4. ينجم عن أنشطة الاقتصاد الخفي تدمير لمنظومة القيم الاجتماعية، بجانب انتشار السلبية والذاتية، التي تتجه إلى تغليب المصلحة الفردية، على حساب المصلحة العامة للمجتمع.

5. إن الاقتصاد الخفي ينتشر بشكل متزايد، في ظل تطبيق برامج إعادة الهيكلة الرأسمالية والتثبت الاقتصادي، وخاصة تلك التي تُطبق في الدول النامية.