إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اجتماعية ونفسية / الجنون والمجنون









ثانياً: الخرف (Dementia)

ثانياً: الخرف (Dementia)

          وهو فقد (نقص) القدرات الذكائية، أو نقصها، الذي يؤثر في أداء الشخص، الوظيفي والاجتماعي. ويظهر في صورة خلل الذاكرة والحكم على الأمور، ونقص التفكير التجريدي، وخلل الوظائف العليا لقشرة المخ، أو تغيّر الشخصية.

          وخلل الذاكرة، هو أكثر الأعراض بروزاً. وهو أكثر للأحداث القريبة (Recent Events)، مثل نسيان الأسماء، وأرقام الهاتف، والاتجاهات، والمحادثات، وأحداث اليوم. وفي الحالات الأكثر شدة، ينسى كل الجديد وربما لا ينهي المهام، التي بدأها، لنسيانه. وهذا يسبب ترك صنابير المياه مفتوحة أو البوتاجاز مشتعلاً. وفي الحالات المتقدمة، ينسى أسماء المقربين إليه، أو وظيفته وتعليمه وتاريخ ميلاده. وأحياناً، ينسى اسمه، ويظهر تردداً، أثناء الفحص، في الإجابة عن الأسئلة.

          وتظهر على المخرف علامات تدل على اختلال حكمه على الأمور، وأنه لا يستطيع التحكم في نزعاته. فيصبح سليط اللسان، يستخدم الألفاظ الجافة، لا يحترم القوانين أو العرف والتقاليد، كما أنه يلقي بنكات غير مناسبة. بالإضافة إلى إهماله لمظهره الشخصي ونظافته مما يؤدي إلى اضطراب واضح في علاقاته الاجتماعية. ويُعزى هذا السبب من الخرف إلى إصابة الفصوص الأمامية للمخ.

          ويشمل الخرف اختلافات متفاوتة لاضطراب الوظائف العليا لقشرة المخ، فعلى الرغم من أن اللغة، ربما لا تتأثر في بعض الاضطرابات العصبية، التي تسبب الخرف، فإنها تصبح غير طبيعية في البعض الآخر؛ فقد يبدو الكلام غامضاً وظوبيا أو لغْواً، لا يعني شيئاً، أو تظهر الحُبسة (اُنظر فحص الحالة العقلية)، مثل حُبسة التسمية (صعوبة تسمية الأشياء). وفي الأشكال الشديدة للخرف، قد يصبح الشخص أبكم، وتضطرب قدرته التركيبية، فلا يستطيع رسم الأشكال ذات الأبعاد الثلاثة، أو يرتب أعواد الكبريت في شكل معين، ويفشل في تعرف الأشياء، على الرغم من سلامة الحواس(Agnosia). ولا يستطيع تنفيذ نشاط حركي معين، على الرغم من سلامة الوظيفة الحركية (Apraxia) (Motor Aphasia).

          وتتغير الشخصية، في حالات الخرف، إما بتغير الطباع، أو تفاقم صفات الشخصية، التي كانت موجودة قبل المرض (الوسواسي تزداد وسوسته، والاضطهادي تزداد اضطهاديته). ولكن الشائع أن ينسحب الشخص، ويصبح متبلداً، وتقلّ علاقاته الاجتماعية، ويوصف من قبل الآخرين أنه تغير (عاد ليس هو نفسه).

          والأعراض المصاحبة، قد تكون خفيفة، في صورة  قلق أو اكتئاب. وقد يحاول إخفاء قصور الذكاء، بأعراض تعويضية، مثل زيادة الترتيب، أو ربط الأحداث بتفاصيل دقيقة، لتجنّب فجوات الذاكرة، أو الانسحاب الاجتماعي. وأحياناً، تلاحظ الأفكار الاضطهادية، وتنتج اتهامات زائفة، وشجارات لفظية وجسمانية. والشخص الغيور، عندما ينتابه الخرف، قد يصاب بضلالات الخيانة الزوجية، ويعتدي، فعلاً على زوجته.

بداية الخرف ومساره ومآله

          والغالب في الخرف، أن يحدث في الشيخوخة. ولكن تحت تأثير عوامل معينة، يمكن أن يحدث الخرف في أي سن؛ إذ يشخص الخرف في أي سن، بعد استقرار معدل الذكاء (عادة، عند الثالثة أو الرابعة من العمر). فإذا كان الطفل في سن الرابعة، وأصيب بمرض عصبي مزمن تدخل مع وظائفه المكتسبة السابقة، إلى درجة تقلل ذكاءه، فإنه يُشخص خرفاً مع تخلّف عقلي.

          ويعتمد مسار الخرف على العامل المسبب. فعندما يكون الخرف ناتجاً من نوبة واضحة لمرض عصبي، مثل نقص الأكسجين الواصل إلى المخ، أو التهاب المخ، أو إصابة الرأس ـ فإنه يبدأ فجأة، ويظل ثابتاً، نسبياً، لفترة طويلة. أما الخرف التنكسي الأولي، من نوع ألزهيمر (Alzheimer)،  فبدايته عادة متخفية، تتقدم ببطء، في مسار اشتدادي يصل إلى التدهور في عدة سنوات. وهناك الخرف الناتج من ورم في المخ، أو تجمّع دموي، تحت الأم الجافية، أو عوامل أيضية فتكون بدايته متدرجة. ويمكن علاج السبب، كما في نقص هرمون الغدة الدرقية؛ فإن الخرف، يمكن علاجه، وإيقاف مساره.

          في الماضي، كان مصطلح الخرف يعني، أنه لا رجعة في مساره، ولا شفاء منه. ولكن، الآن، يوصف الخرف على أنه حالات متلازمة، ذات أعراض ومواصفات إكلينيكية فقط، ولا تحمل أي إشارة إلى التنبؤ بالمآل. فقد يكون الخرف متزايداً (اشتدادياً) أو ثابتاً أو متقطعاً أو متراجعا (متهاوداً)؛ وهذا يعود إلى طبيعة السبب، الذي يكمن خلف الخرف، والعلاج المتاح، في التوقيت المناسب وفاعليته.

الإعاقة والمضاعفات لحالات الخرف

          يشخص الخرف، عادة، عندما يكون الفقد في الذكاء كافياً لأن يتداخل مع الوظيفة، الاجتماعية أو المهنية. إلا أن درجة الإعاقة تتفاوت، وفي الخرف الاشتدادي، يصبح الشخص غير مدرك لما حوله، ويلزم له عناية دائمة. وقد يتجول ويفقد طريق العودة، أو يتعرض لحادث. وقد يؤذي نفسه أو الآخرين، أو ينتابه هذيان، بالإضافة إلى الخرف.

تشخيص الخرف

          يعتمد التشخيص الإكلينيكي للخرف، على معرفة التاريخ المرَضي، من المريض والمحيطين به؛ وعلى فحص الحالة العقلية. إذ يلاحظ، من التاريخ المرَضي، تغيّر في إنجاز المريض وسلوكه، سواء في البيت أو في العمل. كما يشكو المريض من النسيان، وقصور الذكاء لديه، أو ينكر ذلك ويبرره، في محاولة لإخفاء خلل الذكاء لديه، أو شكوى من حوله من الأعراض التعويضية، مثل الترتيب الشديد، أو الانسحاب الاجتماعي، أو ربط الأحداث بتفاصيل دقيقة، أو تلاحظ انفجارات من الغضب أو السخرية، أو الإلقاء لنكات غير مناسبة سخيفة، أو التقلب الانفعالي، أو التبلد الوجداني. ويمكن أن نلخص السمات التشخيصية، مع أسباب الخرف، في ما يلي:

1. الخرف من نوع ألزهيمر (Alzheimer's Dementia) :

ويتميز هذا الاضطراب ببداية متخفية، ومسار اشتدادي، يصل إلى التدهور، مع صورة إكلينيكية لخرف متنوع، يشمل مختلف القدرات الذكاء والذاكرة والحكم على الأمور والتفكير التجريدي Abstract Thinking ، مع تغيرات في الشخصية والسلوك، وباقي صور الخرف، التي سبق ذكرها؛ على أن تستبعد كل الأسباب الأخرى، التي تسبب خرفاً، من التاريخ المرَضي، والفحص الإكلينيكي، والاختبارات المعملية.

ويبدأ اضطراب ألزهيمر، في أغلب الحالات، في الشيخوخة (بعد سن الخامسة والستين)؛ وفي بعضها قبل الشيخوخة، ونادراً قبل سن الخمسين، ببداية متخفية، ومسار اشتدادي، يصل بالمريض إلى التدهور. ففي المراحل المبكرة، يوجد خلل في الذاكرة، في صورة نقص معرفي ظاهر، وقد يوجد تغيرات في الشخصية، مثل التبلد (Apathy)، ونقص التلقائية، والانسحاب الاجتماعي، ويظل المصاب بهذا الاضطراب منظماً جداً، وحسن المظهر، متعاوناً.

ويتصرف بطريقة مقبولة اجتماعياً، باستثناء سرعة استثارة، ينشأ عنها بعض الانفجارات الانفعالية، أحياناً. ولكن مع تقدم المرض إلى المرحلة المتوسطة، فإن الاختلالات المعرفية، تصبح واضحة تماماً، ويتأثر السلوك والشخصية بشكل واضح. وفي المراحل الأخيرة، قد يصبح الشخص أبكم (Mute) وغير منتبه تماما، ويصبح معوقا لا يستطيع العناية بنفسه، وتنتهي بالوفاة، خلال خمس سنوات، من بدء الأعراض، في حالة الخرف البادئ، في الشيخوخة .

وينتشر مرض ألزهيمر في نسبة (2-4%) من جموع الناس، الذين يتجاوزون الخامسة والستين من العمر. وتزداد هذه النسبة مع تقدم العمر، خاصة بعد الخامسة والسبعين. ويكثر انتشاره بين الإناث، كما يكثر بين أقارب المصاب (قرابة درجة أولى)، عنه بين الناس، بصفة عامة.

أسباب مرض ألزهيمر

ما زال سبب مرض ألزهيمر غير معروف. ولكن افتُرض العامل الوراثي لزيادة انتشاره بين الأقارب. ولوحظ حدوثه بين أغلب المرضى بلزمة داون(Down's Syndrome)، الذين يظلون على قيد الحياة إلى العقد الثالث من العمر. كما اكتشف حديثاً، شذوذ في الجين الصبغي الرقم (21)، لدى مرضى ألزهيمر، وهو الجين الشاذ نفسه في لزمة داون: التسمم بالألومنيوم، الذي لوحظ وجوده، بمعدلات مرتفعة، في أنسجة الدماغ للمرضى المتوفين بسبب مرض ألزهيمر. كما لوحظ نقص في كمية الإنزيم، اللازم لتخليق الأستيل كولين (Choline Acetyltransferase). كما افترض أن السبب عدوى فيروسه، أو أنه مرض في المناعة الذاتية (Autoimmune Disease).

ومن المشاهدات، التي دعمت نظرية نقص الكولين، كسبب للخرف، أن مضادات الكولين (مثل: الأتروبين وسكوبولامين)، تزيد من الخلل المعرفي في مرضى الخرف، بينما مماثلات الكولين (Agonists) مثل  (Physostiginin, Arecoline  وجد أنها تحسّن من قدراتهم المعرفية. ولوحظ أيضاً نقص النورا بينفرين (Norepinephrine)، في مساراته في منطقة  (Locus Ceruleus)، وذلك في الفحص الباثولوجي لأدمغة (Brains)، ضحايا ألزهيمر. وهناك ناقلان عصبيان متورطان أيضاً في مرض ألزهيمر (Somatostatin & Corticotropine) ، وهما من البيبتيدات النشطة عصبياً.

علاج مرض ألزهيمر

لا يوجد علاج محدد لمرض ألزهيمر. ولكن هناك محاولات علاجية، تستخدم عقاقير، تزيد من الأستيل كولين (Acetyl Choline) ، مثل تتراهيد روأمينوكريدين أو الكولين واللثيثين (Tetrahydroaminocridine, choline, lethithine)  ، التي يتكون منها الأستيل كولين. ولوحظ أن خلطه مع العوامل، التي تحفظ النشاط قبل المشبكي للخلايا العصبية، مثل البيراسيتام(Piracetam) ، الذي يعرف، تجارياً، باسم نوتروبيل (Nootropil). بالإضافة إلى رعاية المرضى، التي قد تصل إلى رعاية مستمرة، في الحالات الشديدة التدهور، وإعطاء عقاقير للأعراض النفسية، إذا لزم الأمر. كما يجب توجيه الاهتمام إلى أسرته التي تُعنى به، والتي قد يصيبها الملل من رعايته لفترة طويلة، دون تحسن.

ويمكن تجنّب العقاقير ذات المفعول المضادّ للكولين (Anticholinergic)؛ يستثنى من ذلك عقار الثيوريدازين (Thioridazine)، الفعال في السيطرة على سلوك مرضى الخرف على الرغم من مفعوله المضادّ للكولين، خاصة عندما يُعطى بجرعات قليلة. كذلك البنزوديازبين القصير المفعول (Short Acting Benzodizepines). ويستخدم عقار التاكرين  (Cognex Tacrin) وهو مثبط للإنزيم، الذي يكسر الكولين، وأعطى تحسناً بنسبة تراوح بين 20 و 25%، في دراسات منضبطة منهجياً؛ وإن كان بعض المرضى لا يطيقونه، وقد يرفع إنزيمات الكبد لمرضى آخرين.

يعطى المرضى علاجاً تدعيمياً وتعليمياً، يشرح لهم طبيعة المرض ومساره، يساعدهم على تقليل الإعاقة، مع تقوية وتدعيم الوظائف، التي تظل تعمل، ولم يصبها العطب بعد. كما يساعد المعالج المريض على تقوية الحيل التكيّفية، التي يستخدمها المريض، مثل وضع تقويم أمامه، لمعرفة اليوم، وعمل جدول لمعرفة الأنشطة اليومية، وكتابة نُبَذ عن المشكلات، التي تواجهه، وعدم الاعتماد على الذاكرة، مع مساعدة من يعنى به على تقليل الشعور بالذنب ولوم النفس.

2. الخرف الوعائي (Vascular Dementia)

ويطلق عليه، أحياناً، الخرف الناتج من احتشاءات متعددة  (Multi-Infarct Dementia) . وهوالخرف، الذي يكون التدهور المعرفي فيه، على شكل خطوات. ويترك، في البداية، بعض الوظائف المعرفية، نسبياً. كما توجد علامات عصبية بؤرية (Focal Neurological Signs) واضحة، مثل ضعف الأطراف، وعدم تماثل المنعكسات العصبية العميقة (Deep Neurological Reflexes)، وصعوبة الكلام، وضيق الخطوات في المشي، وذلك طبقاً لمناطق الدماغ، التي يصيبها التلف.

ويوجد برهان على المرض الوعائي المخي، يظهر من خلال الفحص الجسماني، كارتفاع ضغط الدم، أو تضخم عضلة القلب، أو شذوذات وعائية دموية في فحص قاع العين (Fundus). وهذا المرض الوعائي، يجب أن يوضع على المحور الثالث (اُنظر الحالة النفسية).

ويصاحبه نوبات من الضحك والبكاء، وصعوبة الكلام، وصعوبة البلع. وقد توجد فترات من تغيم الوعي (Confusion)، أو الإغماء (Coma)، والصداع واضطراب النوم، وتغيرات في الشخصية. ويلاحظ أن هذا النوع من الخرف، يبدأ في سن مبكرة عن مرض ألزهيمر. ويظهر الفحص الباثولوجي مناطق من التلين في الدماغ، مع تغيرات باثولوجية متفاوتة، في الأوعية الدموية.

ويلزم تمييزه مما يلي:

أ. نوبات القصور الدموي المخي العابر(Transient Ischaemic Attacks)، وهي فترات قصيرة من فقْد بعض الوظائف البؤرية العصبية، التي تقلّ عن فترة أربع وعشرين ساعة (عادة، بين 5 دقائق و 15 دقيقة). وهناك آلية، قد تكون مسؤولة عن هذه النوبات، هي صمات (Emboli)  صغيرة جداً، تسبب هذا القصور الدموي العابر، وتزول، تلقائياً، من دون تغير باثولوجي في أنسجة المخ.

ب. مرض ألزهيمر (الذي سبق وصفه).

انتشار الخرف الوعائي وأسبابه

يقلّ انتشاره كثيراً عن مرض ألزهيمر. ويكثر بين الذكور. والمرض الوعائي الموجود، هو المسؤول عن الاحتشاءات في الأوعية  الدموية، الصغيرة الحجم والمتوسطة. ويترتب عليها ضمور خلوي، ينتشر في مناطق متسعة من الدماغ، وانسداد الأوعية الدموية بواسطة جلطات صغيرة، في أماكن أخرى في الجسم، أو من جراء تصلب شرايين المخ.

علاج الخرف الوعائي (الناتج من الإحتشاءات المتعددة)

علاج المرض الوعائي، وضغط الدم المرتفع، قد يمنع من تقدم المرض. كما أن التوقف عن التدخين يحسن من الوظائف المعرفية، إضافة إلى علاج الخرف بوجه عام، مثل الاهتمام بصحة المريض الجسمانية، وتوفير رعاية أُسَرية، وعقاقير نفسية، إذا لزم الأمر، مثل المنوم، في حالة الأرق، أو مضادّ الاكتئاب، في حالة وجود اكتئاب.

3. الخرف بسبب حالة طبية عامة (General Medical Condition)

وهو القصور، المعرفي والوظيفي، كالسابق ذكره في خرف ألزهيمر. وهذا القصور، ليس في مسار الهذيان، مع دليل من التاريخ المرَضي، أو الفحص الجسدي أو المعملي، أن الاضطراب نتيجة مباشرة للحالة الطبية العامة في القائمة الآتية:

أ. خرف بسبب الإيدز  ( H.I.V).

ب. خرف بسبب إصابة الرأس (Head Trauma) .

ج. خرف بسبب مرض باركنسون (Parkinson) .

د. خرف بسبب مرض هنتنجتون (Huntington) .

هـ. خرف بسبب مرض  بـيك (Pick's Disease).

و. خرف بسبب مرض   (Creutzfeldt-Jakob Disease)

ز. خرف بسبب طبي غير الأسباب السابق ذكرها، مثل: نقص هرمون الغدة الدرقية (Hypothyroidism) أو ورم في المخ.

وفي ما يلي لمحة عن كلٍّ منها:

أ. خرف بسبب الإيدز(مرض نقص المناعة المكتسب) (H.I.V) :

لوحظ وجود بؤر من التلف، في المادة البيضاء (White Matter)، وما تحتها من تراكيب، مع زيادة البروتين والخلايا الليمفاوية، في السائل النخاعي الشوكي (CSF). وتظهر أعراض الخرف مصاحبة برعشة، وعدم القدرة على أداء حركات سريعة متكررة، والرنح (Ataxia)، وزيادة  المنعكسات العصبية وشدتها، وصلابة ثني المفاصل (Rigidity). وعندما يحدث للأطفال يتسم بتأخر النمو، وصلابة ثني المفاصل (Hypertonia) ، وصغر حجم الرأس، وتكلس النوى القاعدية (Basal Ganglia).

ب. خرف بسبب إصابة الرأس

وهو ينجم بعد إصابة الرأس مباشرة. والخلل العقلي، يعتمد على مكان الإصابة والتلف الذي أحدثته.

ج. خرف بسبب مرض باركنسون

وهو مرض عصبي، بطيء التقدم، يتميز بالرعشة أثناء السكون (Static Tremors) وتصلب العضلات، وعدم ثبات الوضع. والخرف يصيب 20-60% من مرْضى باركنسون، ويزداد في المرضى كبار السن، أو الذين يشتد المرض لديهم. وكثيراً ما يتفاقم الخرف لدى مرْضى باركنسون، بسبب الاكتئاب.

د. الخرف بسبب كوريا هنتنجتون (Huntington's Dis)

وهو مرض وراثي، يصيب المعرفة والانفعالات والحركة. ويصيب الرجال والنساء على السواء،  ينقل بجين وراثي سائد أحادي (Autosomal Dominant Gene) على الذراع القصير للصبغي (Chromosome) الرابع. ويشخص، عادة، في نهاية الثلاثينيات من العمر وبداية الأربعينيات. ولكنه قد يبدأ مبكراً، في عمر 4 أعوام، في الشكل الذي يصيب الصغار، أو يظهر متأخراً، عند الخامسة والثمانين. وبدايته متخفية بتغيرات في السلوك والشخصية، بما فيها الاكتئاب وسرعة الاستثارة والقلق. وبعضهم يمثلون بشذوذات الحركة، تبدأ بما يشبه التململ العصبي، وتزداد إلى رقص وكنغ عام (Chorcoathetosis) ، وخلل الذاكرة، الذي يخل بأداء الوظائف، وسوء الحكم على الأمور. وهذا الاضطراب، قد يصيب 50% من أبناء المصاب به. وحاليا يوجد اختبار جيني (Genetic)، يمكن أن يحدد أي الأفراد أكثر عرضة لهذا المرض.

هـ. الخرف بسبب مرض بيك (Pick's Disease)

وهو مرض تنكسي (Demyelinating)، يصيب الدماغ، خاصة الفصوص، الأمامية والصدغية. ويحدث تغيراً في الشخصية، في مساره المبكر. بينما تحدث أعراض الخرف، في مساره اللاحق، حين يشتد الخرف، تدريجاً، مع تزايد الضمور (Atrophy)، الذي يلاحظ بواسطة تصوير الدماغ الطبقي، بواسطة الكومبيوتر (CAT)، أو الرنين المغناطيسي (MRI)؛ وهو السبيل إلى تمييز مرض بيك من ألزهيمر، إذ لا يمكن التفرقة بينهما، إكلينيكياً.

و. خرف بسبب مرض كروتزفيلد - جاكوب : (Creutzfeldt-Jakob Disease)

وهو مرض، يسبب التهاباً أقلّ من الحاد إسفنجي في المخ. ينشأ عن مجموعة من الفيروسات بطيئة التأثير، ويتميز بحركات لاإرادية خاصة (Myoclonus) ، وفترات من نشاط تخطيط الدماغ والخرف، ولكن ربع  المرضى، تقريباً، لا يمثلون بهذا الشكل النمطي. ويمكن الجزم بهذا المرض،  بعد فحص عينة من الدماغ، بعد الوفاة فقط. ويحدث عند أي سن في البالغين، ولكنه يكثر بين عمرَي40 و60 سنة. وبنسبة 5-15 %، قد يكون للوراثة دور في المرض. وأعراضه المنذرة (Prodromal)، قد تكون في صورة إجهاد وقلق، واضطراب الشهية، والنوم الكثير، ونقص التركيز. ثم بعد شهور، يظهر خلل التحكم، وتغيّر الرؤية، وخلل المشي (Gait) ، وحركات تشبه الرقص (الكوريا) (Chorea) أو الكنغ (Athetosis). ويظهر تخطيط الدماغ نوبات من الموجات  الثلاثية المتماثلة(Periodic sharp triphasic and synchronus discharges) . وهو يعدي في حالات نقل القرنية (Cornea)؛ إذ إن العامل الناقل للمرض، لا يهلك بالمطهرات؛ ولذا، تؤخذ الحيطة الشديدة، عند عمليات أخذ عينة من أدمغة المتوفين.

4. الخرف بسبب تأثير ثابت لمادة

ويحدث فيه القصور نفسه، المعرفي والوظيفي، السابق ذكره في خرف ألزهيمر. والقصور لا يحدث في مسار الهذيان، ويظل إلى ما بعد الفترة المعتادة للانسمام أو الانسحاب للمادة. ويوجد دليل من التاريخ المرَضي، أو الفحص الجسماني أو المعملي، أن سبب القصور هو التأثير الثابت لتعاطي مادة (مثل: الإدمان أو علاج بمادة معينة).

5. الخرف بسبب متعدد

ويحدث فيه أيضاً القصور المعرفي نفسه، السابق ذكره في خرف ألزهيمر. ويوجد برهان من التاريخ المرَضي، أو الفحص الجسماني أو المعملي، يشير إلى أن الاضطراب له أكثر من سبب (مثل: إصابة الرأس، وتعاطي الكحول المزمن، وألزهيمر، أو سبب وعائي). ولا يحدث هذا القصور في إطار مسار الهذيان.

ويلزم تمييز الخرف، بوجه عام، من الآتي

  1. علامات الشيخوخة العادية: والتي لا يكون فيها خلل الذاكرة شديداً، ولا يكفي للتداخل مع الأداء، الوظيفي والاجتماعي.
  2. الهذيان: ويختلف الخرف عنه في وجود خلل الذاكرة، مع اليقظة، وثبات الأعراض، وعدم تماوجها.
  3. الفصام: وفيه يغيب السبب العضوي، خلافاً للخرف.
  4. نوبة الاكتئاب الجسيم: التي قد تسبب خلل الذاكرة، وصعوبة التركيز والتفكير، وهو ما يسمى بالخرف الكاذب (Pseudodementia). وفي حالة غياب السبب العضوي، مع وجود أعراض تشير إلى اكتئاب أو خرف، فمن الأفضل أن يشخص اكتئاباً، وتفترض أعراض الخرف ثانوية للاكتئاب، لأن فرصة الشفاء من الاكتئاب أفضل. وإعطاء مضادّات الاكتئاب، أو العلاج الكهربائي، قد يكشف عن التشخيص الحقيقي، حيث تتحسن حالة المريض المعرفية، إذا كان اكتئابياً.

انتشار الخرف

          ينتشر الخرف بنسبة  تصل إلى (5 %) من كبار السن، إلى درجة، تجعلهم غير قادرين على رعاية أنفسهم. وبنسبة (10 %) خفيفة الدرجة، ويزداد معدل انتشار الخرف مع تزايد السن، فيرتفع في سن الثمانين وما فوقها، إلى خمسة أمثال معدله في سن السبعين وما دونها. ونظراً إلى تزايد معدل الأعمار، في السنوات الأخيرة، وكثرة عدد المسنين، فإن الخرف أصبح مشكلة صحية عامة.

علاج الخرف

          يكون طبقاً للسبب. فإذا كان السبب قابلاً للعلاج، أمكن الشفاء إلى درجة كبيرة، مثل حالات نقص إفراز الغدة الدرقية، أو نقص حمض الفوليك (Folic acid)، أو الزهري (Syphilis)، أو التجمع الدموي تحت الأم الجافية (Subdural Haematoma) ، أو استسقاء الدماغ الطبيعي الضغط (Normal Pressure Hydrocephalus). لكن هناك أسباباً يجدّ العلم، حالياً، في الوصول إلى علاج لها، خاصة مرض ألزهيمر، ومرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز).

          مع علاج السبب، تراعى تغذية المريض، وعلاج المشكلات الطبية المصاحبة، مثل التهابات الجهاز البولي، ومراعاة الأنشطة الترفيهية، ودور العلاج النفسي ـ الاجتماعي، في إعطاء المساندة والتوجيه للمريض وأُسْرته. وينصح بعدم تعريض مرضى الخرف للمواقف الجدية المعقدة؛ لأنها تربكهم. ويفضَّل الجو الأُسرَي المألوف، الذي يتحسنون فيه، مع محاولة شغلهم، طيلة الوقت.

          تعالج الأعراض المصاحبة للخرف، مثل القلق والاكتئاب، والأعراض الذهانية، بالمضادّ المناسب، على أن تكون بجرعات قليلة، وبحذر؛ لأن هؤلاء المرضى، لديهم قابلية لحدوث الهذيان من العقاقير النفسية.