إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اجتماعية ونفسية / الجنون والمجنون









خامساً: اضطرابات ذهانية (جنونية) أخرى

خامساً: اضطرابات ذهانية (جنونية) أخرى

أ. الاضطراب فصامي الشكل (Schizophreniform Disorder)

يشبه هذا الاضطراب مرض الفصام، من حيث المواصفات. ولكنه يختلف عنه في المدة؛ إذ إن مراحل المرض الثلاث (المنذرة والناشطة والمتبقية)، لا تصل إلى ستة أشهر. وتميز هذا الاضطراب عن الفصام، منذ عام (1939)، بواسطة (جابريل لانجفيلد)(Gabriel Lang Feldt) ، الذي لاحظ أن المريض، قبل المرض، كان تاريخه حسناً.

ويحمل تنبؤاً حسناً للمآل أو لا يحمل؛ وذلك من خلال السمات الآتية :

(1) بداية بارزة من الأعراض الذهانية، خلال 4 أسابيع، من التغير الملحوظ في السلوك أو الوظيفة.

(2) تقيم أو ارتباك، عند حدة النوبة الذهانية.

(3) الأداء الحسن، الوظيفي والاجتماعي، قبل المرض.

(4) غياب تبلّد الوجدان.

المسار والإعاقة

عادة، تكون بداية الاضطراب فصامي الشكل، حادّة. وتسبب الأعراض الذهانية للشخص خللاً في الأداء، الوظيفي والاجتماعي، خلال فترة وجودها، التي لا تزيد على ستة أشهر. ويعود الشخص إلى سابق أدائه، الوظيفي والاجتماعي، لأن مآل هذا الاضطراب، هو التحسن دائماً. وهناك خطر على المريض من الانتحار، خلال فترات اشتداد الأعراض، أو فترات الاكتئاب، التي تتبع الأعراض الذهانية.

الانتشار

لا توجد أرقام، تشير إلى مدى انتشار هذا الاضطراب، بدقة. ولكن، يعتقد الباحثون، أنه أقلّ انتشاراً من مرض الفصام. وهو أكثر انتشاراً، في المراهقة وبداية الرشد.

الأسباب

سبب الاضطراب الفصامي الشكل، غير معروف. وتشير الدراسات القليلة، المتاحة، إلى أن هؤلاء المرضى مجموعة غير متجانسة، فبعضهم يشبهون مرضى الفصام، بينما بعضهم الآخر، يشبهون مرضى اضطراب الوجدان.

العلاج

قد يلزم إدخال المريض مستشفى، لإتمام العملية التشخيصية، أو لتنفيذ العلاج، أو لحماية المريض من نفسه. وتعطى مضادّات الذهان، التي يستغنى عنها، تدريجياً، بعد التحسن (الذي يحدث خلال ستة أشهر). وقد يلزم إعطاء صدمات كهربائية، محدثة للتشنجات، للمرضى، الذين يظهرون أعراضاً كتاتونية بارزة. والعلاج النفسي لهؤلاء المرضى مهم جداً، لمساعدتهم على التوافق، النفسي والاجتماعي، بعد خبرة الذهان (الجنون).

ب. اضطراب (جنون) الفصام الوجداني (Schizoaffective Disorder)

وهو يجمع بيـن ملامـح الفصام واضطراب الوجـدان. وقد وصفه (كيربي) (1913) (Kirby) و(هوخ) (1921) (Hoch) وصنفاه ضمن ذهان الهوس والاكتئاب، حسب تصنيف (كريبلين) لملاحظتهما أن هؤلاء المرضى، لا يتدهورون، كما يحدث في مرضى الخرف المبكر. وفي عام (1933) وصف (كسانين)(Kasanin)  مجموعة من المرضى، بأعراض كلٍّ من الفصام واضطراب الوجدان، التي ترسبت تحت تأثير ظروف ضاغطة. وكانت بدايتها حادة، مع تاريخ عائلي من اضطراب الوجدان في بعض الحالات، أمكنه السيطرة على هذه الأعراض وشخصها كنوع فرعي من الفصام. ومنذ ذلك الحين تشخص هذه الحالات على أنها فصام وجداني، أو فصام غير نمطي، أو فصام ذو مصير حسن، أو فصام متراجع، أو ذهان دَوري. وهذه التسميات كلها أكدت علاقة هذا الاضطراب بالفصام أساسا؛ ولكن في عام (1970)، لوحظ أن أملاح الليثيوم، تظهر تحسناً ملحوظاً لهذه الحالات، مما دفع بهذا الاضطراب خطوات، في اتجاه الاضطرابات الوجدانية.

ويتمثل اضطراب الفصام الوجداني في أعراض كلٍّ من الفصام واضطراب الوجدان، من دون سبب عضوي، ترجع إليه هذه الأعراض. وهناك حالات، يكون الشق الوجداني فيها ثنائي القطبية (Bipolar)، أي هوساً (Mania). وهي أكثر انتماء إلى اضطراب الوجدان، من الحالات، التي يكون فيها الشق الوجداني اكتئابياً.

الانتشار والمسار والمآل

لوحظ أن تشخيص الفصام الوجداني، يكثر عندما يكون الإخصائي غير متأكد من التشخيص. ولكن انتشاره يقلّ عن الفصام، ويستوي فيه الذكور والإناث. وعادة يبدأ هذا الاضطراب، في بداية الرشد، ويميل في مساره إلى أن يكون مزمناً. ولكن مآله أفضل من الفصام، وأقلّ من اضطراب الوجدان.

السبب:  سبب اضطراب الفصام الوجداني، غير معروف. ولكن توجد خمسة احتمالات:

(1) الفصام الوجداني، هو أحد أنواع الفصام.

(2) الفصام الوجداني، هو أحد أنواع اضطراب الوجدان.

(3) مرضى هذا الاضطراب، لديهم كلٌّ من الفصام واضطراب الوجدان.

(4) قد يمثل مرضاً عقلياً، منفصلاً عن الفصام واضطراب الوجدان.

(5) هؤلاء المرضى مجموعة غير متجانسة، بعضهم لديهم فصام،، وبعضهم الآخر لديهم اضطراب وجدان.

ودراسات هذه الاحتمالات الخمسة، ركزت في التاريخ العائلي، والمؤشرات البيولوجية، والاستجابة للعلاج، والمآل على المدى البعيد. ويلاحظ أن أكثر الاستنتاجات قبولاً من هذه الدراسات، صنفت هؤلاء المرضى المصابين بالفصام الوجداني، مجموعة غير متجانسة، بعضهم لديهم فصام، مع أعراض اضطراب وجدان بارزة، والآخرون لديهم اضطراب وجدان، مع أعراض فصام بارزة.

العــلاج

قد يلزم إدخال المريض مستشفى، مع إعطائه علاجاً كيميائياً (مضادّات الاكتئاب ومضادّات الهوس) مع العلاج، النفسي والاجتماعي.

ج. الاضطراب الذهاني (الجنون) قصير المدى (Brief Psychotic Disorder)

ويتميز ببداية حادّة لأعراض ذهانية، بعد ظروف ضاغطة في حياة المريض، وتظل لمدة تقلّ عن شهر. ونظراً إلى ارتباط هذا الاضطراب بظروف ضاغطة، كان يطلق عليه (الذهان التفاعلي) أو (الذهان الهستيري) أو (ذهان الانضغاط).

وهو يتمثل في أعراض ذهانية، ذات بداية حادّة، تمتد لعدة ساعات، ولا تزيد على شهر. ثم يعود الشخص لكامل أدائه الوظيفي، بالمستوى نفسه، الذي كان قد بلغه قبل المرض. وتظهر الأعراض بعد ظروف ضاغطة، وتكون في هيئة هلاوس وضلالات، وتقلّب انفعالي بشكل حادّ. وقد يكون الشخص مرتبكاً أو متغيّماً ويعرف من الطريقة، التي يستجيب بها لما يطلب منه. ويصاحب ذلك سلوك غريب من اتخاذ أوضاع غريبة، أو ارتداء ملابس غريبة، أو الصراخ، أو البكم، أو إخراج أصوات لا معنى لها، أو تكرار مقاطع من جمل لا تفيد معنى، والوجدان غير مناسب، غالباً، واضطراب الاهتداء والذاكرة الحديثة، وإجابته عن الأسئلة، قد تكون سخيفة ومختلفة.

انتشار الجنون قصير المدى

ينتشر التفاعل الذهاني، محدود المدة، في الطبقات الاجتماعية الدنيا، وفي أصحاب الشخصيات المنتشرة (الهستيرية والنرجسية والاضطهادية وفصامية النوع والحدية)؛ وفي من تعرضوا لكوارث سابقة، أو خبروا تغيراً حضارياً.

المسار والإعاقة

يحدث هذا الاضطراب، في المراهقة، أو بداية الرشد، ببداية حادّة لأعراض ذهانية، بعد ظرف ضاغط، بساعات قليلة. وتختفي الأعراض الذهانية، في غضون أيام قليلة؛ ولا تظل أكثر من شهر. وأحياناً، يعقبها أعراض اكتئاب، أو فقْد الثقة بالنفس. ولكن الشخص، يعود لأدائه الوظيفي السابق، خلال شهر.

أسباب التفاعل الذهاني المحدود (الجنون قصير المدى)

(1) وجود تهيئة في اضطراب الشخصية (السابق ذكره).

(2) وجود ظروف ضاغطة، نفسية أو اجتماعية.

(3) دينامياً، لوحظ وجود حيل دفاعية غير مناسبة، مع احتمال المكسب الثانوي لهؤلاء المرضى (مثل تعاطف الآخرين  مع المريض، وإعفائه من المسؤوليات).

العــلاج

قد يلزم إدخال المريض مستشفى، إذا كانت الأعراض شديدة، أو بغرض التشخيص. والطمأنة التي يوفرها جو المستشفى، قد تكون كافية، مع جرعات قليلة من مضادات الذهان. ويمكن الاستغناء عن هذه العقاقير، تدريجاً، بمجرد تحسّن الأعراض الذهانية، على أن يصاحبه علاج نفسي، لمساعدة المريض على التخلص من الحيل الدفاعية غير الناضجة (مثل النكوص)، وتقليل نقص تقدير الذات، وزيادة الثقة بالنفس.

د. ذهان (جنون) ما بعد الولادة (Post-Partum Psychosis)

وهي لزمة إكلينيكية، تحدث بعد الولادة. وتتميز بضلالات واكتئاب شديد، مع أفكار لإيذاء الوليد أو النفس . وعادة، تظهر الأعراض، في اليوم الثالث للولادة. وتبدأ بالأرق وعدم الاستقرار، والشعور بالإجهاد، وتقلّب الوجدان مع نوبات من البكاء. أما الأعراض المتأخرة، فتشمل الشك والارتباك، وعدم الاتساق في التفكير، والانشغال بأفكار وسواسية حول صحة الطفل، أو عدم الرغبة في العناية به، وعدم حبه، أو الرغبة في إيذائه (الوليد). والضلالات فحواها، أن الطفل ميت أو مشوّه، أو إنكار أنه وليدها، مع أفكار مسيطرة، أنها لم تتزوج بعد، أو أنها ما زالت عذراء، وقد تكون الأفكار أو الضلالات اضطهادية، أن هناك من يؤثر فيها، أو أنها تنتمي إلى الجنس الآخر، مع الهلاوس، التي قد يكون محتواها مماثلاً لمشاعر العداء تجاه وليدها، فتأمرها بقتله.

انتشار ذهان ما بعد الولادة

يحدث ذهان ما بعد الولادة في (1-2)، في كل ألف من الولادات. ويزداد خطر احتمال حدوث هذا الاضطراب، إذا كان قد حدث للمريضة في ولادة سابقة، أو حدث لأمها، وفي حالة وجود تاريخ سابق لاضطراب الوجدان وذهان ما بعد الولادة، يحدث، أساساً للأمهات. ولكن. سجلت حالات نادرة للآباء.

المسار والمضاعفات والمآل

عادة، تسبق الأعراض الذهانية المتأججة، بعلامات منذرة، مثل الأرق وعدم الاستقرار، والفوران الداخلي، وتقلّب الوجدان والخلل المعرفي. وبمجرد اكتمال صورة الذهان، قد تصبح المريضة خطرة على نفسها أو وليدها، طبقاً لمحتوى الهلاوس، ودرجة الفوران الداخلي. فلقد سجلت إحدى الدراسات أن (5 %) قتلن أنفسهن، وأن (4 %) قتلن مواليدهن.

ويلاحظ أن المآل، في حالات ذهان ما بعد الولادة، يعتمد على تماسك الشخصية، وتكيفها قبل المرض،  وغياب الفصام، واضطراب الوجدان، إضافة إلى أن الارتباط الأُسري، الذي يدعم المريضة، يساعد على الوصول إلى مآل حسن لحالتها. إلا أن الولادة التالية، غالباً ما يصاحبها نوبة أخرى.

سبب ذهان (جنون) ما بعد الولادة

يعتقد أن أغلب المرضى لديهن مرض عقلي، غير ظاهر (تحت السطح). ويظهر عندهن، بعد ضغط الولادة. واقتُرح أن السبب، هو النقص المفاجئ في هرموني الأستروجين والبروجستيرون، بعد الولادة. ولكن إعطاء هذه الهرمونات، لم ينجح كعلاج لهذا الاضطراب.

وتشير الدراسات السيكودينامية، إلى دور المشاعر، وصراع الأم حول خبرات الأمومة، خاصة إذا كان الزواج تعِساً. فلقد لوحظ أن الشقاق الزوجي، يرتبط بازدياد حدوث المرض. كما لوحظ، أنه في الحالات النادرة من ذهان ما بعد الولادة، التي تحدث للآباء، يشعر الأب (الزوج) بأنه نُحِّي جانباً، بواسطة الطفل، وأنه فقد محله من اهتمام الأم.

العــلاج

يعد اضطراب ذهان ما بعد الولادة، من الحالات، التي تتطلب علاجاً عاجلاً. ومضادّات الاكتئاب، هو العلاج المفضّل في المكتئبات. والحالات، التي لديها ميول انتحارية، تنقل إلى غرف الملاحظة، في قسم الطب النفسي، لمنع محاولات الانتحار. أما الحالات، التي يظهر فيها أعراض الهوس، فيفضِّل إعطاء أملاح الليثيوم (Lithium)، مع مضادّات الذهان، في الأسبوع الأول من العلاج.

تعطى الأم فرصة للتواصل مع طفلها، إذا رغبت؛ ولكن تحت الملاحظة. والعلاج النفسي مفيد، خاصة بعد انتهاء الفترة الحادة من الذهان. ويتوجه إلى الصراع النفسي، ومساعدة الأم على تقبّل دور الأمومة، مع طلب المساندة لها من الزوج والمحيطين، لتقليل مشاعر الانضغاط لديها.