إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اجتماعية ونفسية / الجنون والمجنون









تاسعاً: اضطراب الذاتوية (Autistic Disorder)

تاسعاً: اضطراب الذاتوية (Autistic Disorder)

يتميز اضطراب الذاتوية بشذوذات سلوكية، تشمل ثلاث نواح أساسية، من النمو والسلوك، هي:

أ. خلل في التفاعل الاجتماعي.

ب. خلل في التواصل والنشاط التخيلي.

ج. القلة الملحوظة للأنشطة والاهتمامات، والسلوك المتكرر آلياً.

وكان أول طبيب نفسي، يهتم بالاضطرابات، التي تسبب اضطرابات عقلية شديدة لدى الأطفال، هو هنري مودزلي (Maudsly)، عام (1867)؛ وكان يعدها ذهانات. ولكن ليو كانر (Leo Kanner)، عام (1943)، أطلق على هذا الاضطراب الذاتوية الطفلية. وفي عام (1976) أطلق عليه (ونج) (لزمة كنر) (Kanner's Syndrome). ويطلق بعض المتخصصين على هذا الاضطراب اسم "التوحد"، كترجمة لكلمة (Autism)، بيد أن ذلك ليس صحيحاً، لغة، فإن كلمة "التوحد" (Identification)، كانت قد استخدمت كمفهوم لإحدى الحيل الدفاعية (Defensive Mechanisms)، بواسطة العالم النفسي (سيجموند فرويد)، قبل الثلاثينيات من القرن العشرين. ولا يصح أن تأتي كلمة بعدها (1943)، لتأخذ التسمية نفسها (مع اختلاف المفهومَين اختلافاً تاماً)؛ فالأسبق هي الأحق بالتسمية. ولذا، فإن كلمة ذاتوية، هي الأصوب.  

الصورة الإكلينيكية  لجنون الذاتوية

يتسم الطفل الذاتوي بخلل في التفاعل الاجتماعي. إذ يفشل في تنمية علاقات بالآخرين، وتنقض استجابته لهم واهتمامه بهم. ويظهر ذلك في عدم دفء معانقته، ونقص التواصل بالعينين والوجه، وعدم التمايز، أو كراهية العواطف والتلامس الجسماني. ونتيجة لذلك، يشك الوالدان، أن الطفل أصم. ولكن تجدر الإشارة إلى أن الصمم، نادراً ما يرتبط بعدم التمايز الاجتماعي. وقد يرتبط الطفل، آلياً، بشخص بعينه. وأحياناً، يكون ارتباط بعض الأطفال بوالديهم غريباً، مثل الطفل، الذي يبدو أنه يتعرف بوالدته، أساساً، من طريق الشم. وفي بعض الحالات، يتبع الاضطراب فترة من النمو الطبيعي، نسبياً، فيكون الطفل اجتماعياً، في سنواته الأولى. ولكن، يلاحظ، في الطفولة المبكرة، وجود فشل ثابت في نمو اللعب الجماعي، واللعب الخيالي، والصداقة. وقلة منهم، يصبحون أكثر وعياً اجتماعياً ويهتمون بالآخرين. وقد يصلون إلى مرحلة من الاندماج السلبي في ألعاب الأطفال الآخرين أو يستخدم الأطفال كوسائل ميكانيكية في سلوكه المتكرر آليا.

اختلال التواصل والنشاط التخيلي

يشمل خلل التواصل المهارات، اللفظية وغير اللفظية، فقد تغيب اللغة كلية. وقد تنمو؛ ولكن من دون نضج، وبتركيب لغوي ركيك، مع ترديد الكلمات (رجع الكلام) (echolalia) ، المباشر أو المتأخر، والاستعمال الخاطئ للضمائر، فيستعمل (أنت)، عندما يود أن يقول (أنا)، وعدم القدرة على تسمية الأشياء، وعدم القدرة على استعمال المصطلحات المجردة. ويكون للطفل نطق خاص به، يعرف معناه فقط من يخبرون ماضي الطفل؛ ولقد أسماها (كنر) لغة مجازية (Metaphorical Language) ،  ويكون الكلام على وتيرة واحدة. أما التواصل غير اللفظي، كتعبيرات الوجه والإيماءات، فغائبة، أو نادرة. وإذا وجدت، فإنها تكون غير مناسبة، اجتماعياً. وعندما لا توجد شذوذات واضحة في مهارات اللغة، فإن التواصل، غالباً، له خلل من اللف والدوران واللغو، الذي لا علاقة له. أما اضطراب فهْم اللغة، فيبرهن عليه بواسطة عدم القدرة على فهم النكات، والتورية في الألفاظ، والسخرية.

وأما خلل النشاط التخيلي، فقد يشمل غياب الترميز، أو اللعب الخيالي باللعب (مثل الدمي وغيرها)، وغياب لعب أدوار الكبار، أو يكون اللعب التخيلي مقصوراً، ومتكرراً بصورة آلية، مثل محاكاة شخصية تليفزيونية.

قلة ملحوظة للأنشطة والاهتمامات، ومقاومة للتغيرات الطفيفة في البيئة من حوله إذ يظهر الطفل تفاعلات مأسوية، عندما يتغير مكانه حول منضدة الطعام، مثلاً. وغالباً، يرتبط بموضوعات، مثل خيط، أو قطعة مطاط. والسلوك الحركي الآلي، يشمل التصفيق باليدين، وحركات غريبة بهما، والهز أو الترجح، أو ضبط الرأس والتمايل لكل الجسم. ويصر الأطفال الأكبر على اتِّباع الروتين (النظام)، بطريقة صارمة، مثل اتّباع الطريق نفسه إلى مكان ما. وقد يوجد الانبهار بالحركة، مثل حركة مروحة. وقد يكون ماهراً في الدوران حول نفسه وحول الأشياء. وقد يهتم بأزرار الملابس، وأجزاء جسم الإنسان، أو اللعب بالماء.

وتشمل الآلية اللفظية (Verbal stereotypes)، تكرار الكلمات أو الجمل، من دون قصد المعنى. ولدى الأطفال الأكبر، تكون الآلية شاملة لذاكرة طويلة الأمد (مثل إعادة كلمات أغنية، سمعها قبل ذلك الوقت بسنوات، أو جداول القطارات، أو مناسبة تاريخية، أو معادلات كيماوية)؛ إذ إن هذه المعلومات، تكرر مرات عديدة من دون موقف اجتماعي أو مناسبة تستدعيها. فهُم يقولون أكثر مما يفهمون، ونصف الذاتويين، لا يتكلمون إطلاقاً، كلاماً مفيداً.

الأعراض المصاحبة لاضطراب الذاتوية

يلاحظ أن الطفل الأصغر أشد إصابة، وأكثر إعاقة، وأوفر أعراضاً أبرزها:

  • شذوذ في نمو المهارات المعرفية، من دون اعتبار لمستوى الذكاء العام. وفي معظم الحالات، يوجد تشخيص مصاحب من التخلف العقلي، هو غالباً متوسط الدرجة، أي أن معامل الذكاء (49-35).
  • شذوذ الوضع والحركة، مثل الآلية الحركية (رفرفة الذراعَين، والقفز، وحركات الوجه التكشيرية) والمشي على أطراف أصابع القدمَين، والأوضاع الغريبة لليد والجسم، وضعف التحكم الحركي.
  • الاستجابات الغريبة للإثارات الحسية، مثل تجاهل بعض الإحساسات (مثل الألم أو الحرارة أو البرودة)، بينما يظهر حساسية مفرطة لإحساسات معينة (مثل إقفال الأذنَين تجنباً لسماع صوت معين، وتجنّب أن يلمسه أحد). وأحياناً، يظهر انبهاراً  ببعض الإحساسات (مثل التفاعل المبالغ مع الضوء والروائح).
  • شذوذات في الأكل والشرب والنوم (مثل قصْر الطعام على أنواع قليلة، أو شرب السوائل بكثرة، والاستيقاظ المتكرر، ليلاً، المصاحب بهز الرأس وترجيحه أو ضبطه).
  • شذوذات الوجدان، مثل التقلب الوجداني (أي الضحك أو البكاء، من دون سبب واضح)، والغياب الظاهري للتفاعلات العاطفية، ونقص الخوف من أخطار حقيقية، والخوف المفرط، كاستجابة لموضوعات غير مؤذية أو أحداث، والقلق العام والتوتر.
  • سلوك إيذاء النفس، مثل خبط الرأس بعنف، أو خلع الشعر، أو عض الإصبع أو اليد وإيذائها، من دون أن يتألم.
  • الأسلوبية والنمطية، وتغيير ملامح الوجه، هي أعراض شائعة، عندما يترك الطفل وحيداً. وقد تقلّ في المواقف المرتبة (أي التي بها نظام وترتيب).
  • مقاومة الذاتويين التغير في المكان أو العادات اليومية. وقد يحدث عند التغيير هلع أو انفجارات مزاجية.
  • كثيرون منهم يستمتعون بالموسيقى، ويغنّون، وبعضهم يستمتع بتنبيه الاتزان، مثل الترجح من أعلى إلى أسفل.
  • فرط الحركة مشكلة شائعة لدى الذاتويين الصغار. بينما نقص الحركة أقل شيوعاً، وحين يوجد، فإنه يتناوب مع فترات من فرط الحركة.
  • العدوان والانفجارات المزاجية، من دون سبب.
  • قِصَر مدى الانتباه.
  • تشيع لدى الذاتويين أعراض البوال الوظيفي والتغوط، ومشكلات الأكل والأرق.
  • وبعض الذاتويين، توجد لديهم قدرات معرفية مبكرة، أو بصرية حركية فائقة إلى درجة غير عادية. وتعد وظائف منشقة أو جزراً من النضج المبكر، مثل الذاكرة غير العادية للحن موسيقي، أو القدرة الحسابية الفائقة. وأحياناً، تكون الطلاقة اللغوية الفائقة في القراءة  (Hyperlexia)  (على الرغم من أنهم لا يفهمون ما يقرأون).

بدء اضطراب الذاتوية ومساره

يبدأ الاضطراب قبل الثالثة من العمر، في الغالبية العظمى من الحالات. وقليلاً ما يبدأ بعد ذلك، في الخامسة أو السادسة من العمر. وغالباً ما يصعب تحديد السن، التي بدأ عندها الاضطراب، ما لم يكن هؤلاء الذين يعْنَون بالطفل، قادرين على إعطاء معلومات دقيقة، عن نمو اللغة والتفاعل الاجتماعي. فالظاهر في مرحلة الرضاعة (العامَين الأولين من العمر)، أنه يصعب رصد مظاهر الاضطراب فيها. ففي الأشهر الأولى، قد تأخذ الأعراض صورة الهدوء المبالغ فيه، فتبدو على الطفل الطمأنينة، عندما يترك وحده، ولا يخاف من الغرباء، ولا يرتبط بهم، لا يتفاعل معهم، مع غياب الابتسامة الاجتماعية (التي تبدأ عادة في سن شهرَين)، وغياب ابتسامة التعرف (التي تظهر، عادة، في سن الأربعة أشهر)؛ فتشكو الأم أنه لا يعرفها، ولا يقبِل عليها، عندما تلتقطه من فراشه، أي لا يأتي حركات توقعية (التي يأتيها طفل الأشهر الأربعة، السوي). وربما لا يلاحظ الآباء الاضطراب لدى الطفل، إلا عندما يوجد مع أطفال آخرين (مثل دخول المدرسة). وقد يعدّون هذه هي البداية. إلا أن التاريخ المفصل الدقيق، سوف يكشف، غالباً، بداية مبكرة عن ذلك. وقد يرجع الوالدان التغير إلى حدث معين، مثل ولادة طفل أصغر، أو إصابته بمرض شديد، أو حادث أو صدمة عاطفية.

وتظل مظاهر الاضطراب، في أغلب الحالات، طيلة حياة الشخص. وبعض الأطفال، يتحسن تواصلهم وتفاعلهم الاجتماعي، ومهارتهم اللغوية، بين الخامسة و السادسة. ويمكن أن يحدث البلوغ تغيراً في أي من الاتجاهَين (التحسن أو التدهور). وقد يتفاقم العدوان والعناد أو أي سلوك مضطرب آخر، ويظل لعدة سنوات. ونسبة قليلة من هؤلاء الأطفال، يصبحون قادرين فعلاً، على توجيه حياتهم بشكل مستقل، بأقل قدر من علامات الاضطراب. ففي المراهقة المتأخرة، يصبح لدى الذاتويين رغبة في الصداقات، إلا أن عجزهم عن الاقتراب، وعدم قدرتهم أن يستجيبوا لاهتمامات الآخرين وانفعالاتهم، ومشاعرهم، يعدان عقبة دون رغبتهم. والمراهقون الذاتويون لديهم مشاعر جنسية؛ ولكن نقص مهاراتهم الاجتماعية، يمنعهم من نمو علاقة جنسية. ويندر جداً أن يتزوجوا. ونادراً ما يستعملون المعاني، التي في ذاكرتهم، خلال عمليات التفكير، المقارنة بالأسوياء والمتخلفين عقلياً. وعندما يتعلمون الكلام بطلاقة، ينقصهم التوافق الاجتماعي؛ إذ أن محادثاتهم، لا تتميز بالاستجابات المتبادلة.

وكقاعدة عامة، فإن الأطفال الذاتويين، ذوي معامل ذكاء فوق (70) والذين يستخدمون لغة تواصل، قبل سن 5 ـ 7 سنوات ـ لديهم مآل حسن. وأشارت الدراسات التتبعية للذاتويين الكبار، إلى أن ثلثَي الذاتويين البالغين، يظلون معوقين، ويعيشون في إعتمادية أو شبه إعتمادية كاملة؛ وأن 1-2% منهم فقط، يكتسبون حالة السواء والاستقلالية، ويتكسبون من وظيفة؛ وأن 5-20%، ينجزون حالة حدّية بين السواء والإعاقة، ويتحسن التنبؤ بمآلهم، إذا تحسنت البيئة، وظلت مساندة لهم.

وهناك نسبة من 4 ـ 32%، تصيبهم نوبات من الصرع العظَمي، في طفولتهم المتأخرة أو المراهقة، وتؤثر، سلباً، في المآل. ولكن الاختلال الاجتماعي والحمق، قد يظلان لدى النسبة العظمى، الذين يظلون معوقين. من ذلك، يلاحظ أن أهم العوامل، التي تنبئ بمصير الاضطراب الذاتوي، على المدى الطويل، هي معامل الذكاء ونمو المهارات، الاجتماعية واللغوية.

الإعاقة والمضاعفات ، في جنون الذاتوية

تتفاوت درجة الإعاقة. ونادراً ما يكمل المريض بالذاتوية تعليمه الجامعي. وأشد المضاعفات، هي حدوث نوبات صرعية. والذين تحدث لهم النوبات الصرعية، غالباً، يقل ذكاؤهم (معامل الذكاء) عن (50) ولوحظ أن (25%) أو أكثر من حالات اضطراب الذاتوية، يوجد لديهم تاريخ لنوبة صرعية أو أكثر. ومن المضاعفات أيضاً حدوث الاكتئاب في بداية المراهقة أو الحياة الراشدة، كاستجابة للوعي الجزئي بالإعاقة، الناتجة من اضطراب الذاتوية. وفي حالة التعرض لضاغط، نفسي أو اجتماعي، يظهر المريض أعراضاً كتاتونية (تصلبية) خاصة التهيج، أو أخذ وضع ثابت، أو يظهر حالة ذهانية غير نوعية (أي ليست إحدى اللزمات المرضية الذهانية المحددة والمعروفة)، مع ضلالات وهلاوس؛ ولكنها جميعاً تزول بزوال الضاغط.

انتشار اضطراب الذاتوية

أشارت الدراسات، التي أجريت في كلٍّ من إنجلترا والولايات المتحدة الأمريكية، باستخدام دلالات تشخيصية، مشابهة لما سبق ذكره، إلى أن معدل انتشار اضطراب الذاتوية (4-5) أطفال من كل عشرة آلاف. وإذا وجد التخلف العقلي الشديد، مع بعض ملامح الذاتوية، يمكن أن يرتفع المعدل إلى 20 من كل عشرة آلاف. وكان يعتقد أن ذلك الاضطراب، هو أكثر شيوعاً في الطبقات الاجتماعية الراقية. ولكن، ثبت عدم صحة هذا الاعتقاد؛ سبب ذلك، هو عدم اكتشاف الاضطراب، وتحويله إلى العلاج، في الطبقات الفقيرة. وقدر معدل انتشار الاضطرابات مشوهة النمو بعشرة إلى خمس عشرة حالة، من كل عشرة آلاف طفل. وتنتشر الذاتوية بين الذكور أكثر منها بين الإناث، بنسبة (3-5) :1. ولكن البنات الذاتويات، يمِكْن إلى أن يكّن أشد اضطراباً وأكثر تاريخاً أسرياً للخلل المعرفي، من الذكور (حموده 1998) (2).

ولقد لوحظ أن حوالي 40% من الذاتويين، لديهم معامل ذكاء، يقل عن (50 إلى 55)، وحوالي 30%، تراوح معامل ذكائهم بين (50 و70). ويلاحظ أن حدوث الذاتوية، يتزايد مع نقص الذكاء، فحوالي 20% من الذاتويين، لديهم ذكاء غير لفظي، سوي. ودراسة سجلات معدلات الذكاء للذاتويين، تعكس مشاكلهم مع التسلسل اللغوي، ومهارات التفكير المجرد، مشيرة إلى أهمية القصور عن الوظائف المرتبطة باللغة.

أسباب اضطراب الذاتوية

يُعَدّ اضطراب الذاتوية من الاضطرابات، التي تعزى إلى غير عامل سببي؛ عوامل بيولوجية وبيوكيماوية ونفسية وأُسرية وجينية وراثية.

أ. العوامل البيولوجية

يعتقد أن الحالات، التي تسبب تلفاً للدماغ، قبل الولادة أو أثناءها أو بعدها، تهيئ لحدوث الاضطراب، مثل إصابة الأم بالحصبة الألمانية (Rubella)، والحالات، التي لم تعالج من الفينيل كيتونيوريا والتصلب الحدبي (Tuberus Sclerosis)، واضطراب رت (Rett's)، والاختناق أثناء الولادة، والتهاب الدماغ، وتشنجات الرضع. فلقد أكدت دراسات، أن مضاعفات قبل الولادة، هي أكثر لدى الاطفال الذاتويين منها في غيرهم من الأسوياء، أو حتى المصابين باضطرابات أخرى. كما أن ملاحظة شذوذات خلْقية عضوية طفيفة لدى الذاتويين، أكثر منها لدى أشقائهم وأقرانهم الأسوياء ـ تشير إلى أن مضاعفات مهمة قد حدثت للحمل في الأشهر الثلاثة الأولى. ورصدت الدراسات، أن (4 ـ 32%) من الأطفال الذاتويين، سوف يحدث لهم نوبات عظمة صرعية في وقت ما من حياتهم؛ وأن حوالي (20 ـ 25%) من الذاتويين، يظهرون اتساع البطينات الدماغية، في تصوير الدماغ المقطعي، باستخدام الكومبيوتر. ولوحظت شذوذات متفاوتة لتخطيط الدماغ الكهربائي، في نسبة (10-83%) من الأطفال الذاتويين، وعلى الرغم من أنه لا توجد شذوذات محددة للذاتوية، في تخطيط الدماغ، فإن هناك برهاناً، إلى درجة ما، على فشل سيطرة أحد جانبَي كرة المخ على الآخر. وفي دراسة، استخدم فيها MRI ، كشفت شذوذات قشرية خاصة (Polimicrogyria) ، في بعض المرضى الذاتويين. وكشفت دراسة المخ، بعد الوفاة، نقص خلايا بركنج. وفي دراسة أخرى، يوجد زيادة منتشرة من أيض قشرة المخ خلال (positron emission tomography scanning).

ب. العوامل البيوكيماوية

لوحظ ارتفاع معدل السيروتونين في الدم، لدى ثُلث الأطفال الذاتويين. إلا أن هذا المعدل المرتفع، لوحظ أيضاً في ثُلث الأطفال المتخلفين عقلياً إلى درجة شديدة، وغير الذاتويين. ولاحظت دراسة لمجموعة صغيرة من الذاتويين، وجود علاقة ذات دلالة، بين معدل السيروتونين المرتفع في الدم، ونقص في السائل النخاعي الشوكي.

ج. العوامل المناعية

يفترض أن هناك عدم توافق مناعي بين خلايا الأم والجنين، مما يدمر بعض الخلايا العصبية للجنين، أثناء الحمل.

د. العوامل قبل الولادة وأثناءها

يبدو أن مضاعفات الولادة، تكثر في الأطفال الذاتويين عنها في غيرهم. كما أن متاعب الحمل بهم، هي أكثر من متاعب حمل الأطفال العاديين. وهم، في فترة ما بعد الولادة، أكثر عرضة لضيق التنفس وفقر الدم.

هـ.  العوامل العصبية

استنتج بعض الباحثين، أن هناك شذوذاً في الفص الصدغي، لدى الذاتويين. وذلك لما لاحظوا، من وجود لزمات تشبه الذاتوية، تحدث لمن يصابون بتلف الفص الصدغي. كما أن إتلاف الفص الصدغي، في حيوانات التجارب، أحدث فقداً في السلوك الاجتماعي المتوقع، وعدم استقرار مع سلوك حركي متكرر.

و. العوامل الجينية

لوحظ أن حوالي (2-4%) من أشقاء المصابين بالذاتوية يزداد لديهم معدل الذاتوية خمسين مرة أكثر من عامة الناس؛ وأن تطابق معدل الذاتوية في التوائم المتماثلة، هو (35%). ويبدو أن هناك ارتباطاً بين لزمة    (Fragile-X)الهشة، واضطراب الذاتوية؛ ولكن النسبة غير محددة. بينما في التوائم غير المتماثلة، وجد أن المعدل صفر.

ز. العوامل النفسية والأُسرية

في الماضي، كان يلقى العبء، في حدوث الاضطراب الذاتوي، على العوامل النفسية، وطريقة التربية. إذ كان يعتقد، أن شذوذات معينة في شخصية الأم، وطريقة تربية الطفل، تهيئان لحدوث الاضطراب. ولكن الدراسات المنضبطة، التي قارنت آباء الأطفال الذاتويين بآباء غيرهم من الأسوياء، لم تظهر فروقاً ذات دلالة؛ ومن ثم، لم تؤكد هذه الرؤية. ولكن بعض الأطفال الذاتويين، يستجيبون للضغوط النفسية الاجتماعية، مثل ميلاد شقيق أصغر، أو الانتقال من مسكن إلى آخر، بأعراض مبالغ فيها.

علاج جنون الاضطراب الذاتوي

يهدف العلاج إلى تقليل الأعراض السلوكية المضطربة، ومساعدة الوظائف المتأخرة، أو غير الموجودة، علي النمو، مثل وظيفة اللغة والعناية بالذات. كما أن الوالدَان، يلزمهما المساندة النفسية. ولقد لوحظ أن العلاج النفسي الفردي، التبصيري، غير مفيد، في هذه الحالات؛ والعلاج المفضل، هو العلاج السلوكي التعليمي. ويعد هذا العلاج نوعاً من التربية الخاصة، إذ يوضع الطفل في فصل مرتب، للتدريب على السلوكيات المقبولة، ورعاية نفسه واكتساب اللغة، ويدَّرب الوالدان على مساعدته في اكتساب مفاهيم اللغة، وتنمية السلوكيات المقبولة. ويتّبع الطفل الذاتوي برنامجاً يومياً منظماً، ما أمكن من ساعات اليوم، ويفضل أن يكون برنامجاً منفرداً لكل طفل مع مدربه، وتحت إشراف طبيب نفسي متمرس بمعالجة هذه الحالات. ولا توجد عقاقير لها دور في علاج الاضطراب الذاتوي. ولكن هناك عقاقير تستخدم لتقليل الأعراض السلوكية المضطربة (مثل فرط الحركة، والآلية الحركية، والانسحاب والتململ، وسرعة الاستثارة وتقلّب الوجدان)، من أهمها (الهالوبيريدول)؛ وعقار (Fenfluramine) الذي يقلل معدل السيروتونين بالدم، وهو فعال في قليل من الذاتويين، وعقار Naltrexane Trexan ، المضادّ للأفيونات، وهو يجرب، حالياً، في إقفال الأفيونات الداخلية، لتقليل الذاتوية. ويستخدم الليثيوم في تقليل العدوان وإيذاء النفس.