إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اجتماعية ونفسية / الجماعة









مقدمة

مقدمة

          للجماعة Group أهمية كبيرة في حياة الفرد؛ ففي الأسرة ينمو، وفي الفصل يتعلم، ومع الرفاق يلعب ومع الزملاء يعمل. ويكتسب الفرد إنسانيته من خلال تعامله مع جماعات مختلفة من بني جنسه، والدليل على ذلك حالات الإنسان المتوحش أو الأطفال، الذين ربتهم الحيوانات في الغابات. فقد وُجدوا بكماً لا يتكلمون، ويسيرون على أربع، وأن حواس الشّم والسمع والبصر لديهم حادة مثل الحيوانات، كما أن سلوكهم في تناول الطعام مماثلاً لسلوك الحيوانات، وكذلك سلوكهم في الابتسام والخجل؛ فلا يعرفون سلوك الابتسام، ولا يخجلون من العري.

          وتبدو أهمية الحياة داخل الجماعة في إشباع حاجات الإنسان المختلفة. فالشخص يحتاج إلى من يغذيه ويرعاه ويتقبله ويشعره بالدفء العاطفي. كما أنه يحتاج إلى من يقدّره ويشعره بالنجاح، فيفرح لفرحه ويشاطره أحزانه عند فشله. وقد بينت الدراسات أن الإنسان إذا تعرض لمواقف مزعجة، تزداد حاجته للجماعة ليشعر بالأمن والاطمئنان. وليس هذا قاصراً على الإنسان وحده، بل وأيضاً على الحيوان. فقد بينت الدراسات أن غياب فرد من قطيع القردة، يؤدي إلى إحساس القطيع بالشوق إليه ولكن لفترة وجيزة، ثم ينسوه بعد ذلك. أما القرد المعزول فإنه يئن ويتألم ويصدر أصواتاً تدل على حاجته للجماعة.

          ولا تقتصر أهمية الجماعة على إكساب الشخص إنسانيته، أو إشباع حاجاته الفسيولوجية والاجتماعية، بل هي ذات أهمية كبيرة في تحقيق ما يصبو إليه من أهداف. فلا يمكن عزف قطعة موسيقية ـ بآلات مختلفة ـ بعازف واحد، ولا تحقيق نصر لفريق الكرة من دون تعاون بين أعضاء الفريق. ويرجع ذلك إلى أن تجميع ما لدى الأفراد من إمكانيات يحقق لهم فائدة عامة مشتركة، لن يحققها كل منهم منفرداً.

          وتُعد الجماعة ذات أهمية كبيرة في حياة الأفراد، لأنها تزود الفرد بوسائل تساعده على تقييم ذاته. فكيف يعرف الإنسان أنه طويل أم قصير، ذكي أم غبي، جميل أم قبيح، إذا لم يقارن نفسه بغيره؟ أي أن الإنسان بمقارنة نفسه بالآخرين، يمكن أن يقيِّم نفسه ويعرف قدراته ويتفهم إمكانياته.

          وتساعد الجماعة أعضاؤها على تعريفهم درجة صحة آرائهم ومعتقداتهم. فللتحقق من صحة آراء الفرد ومعتقداته، يمكن الاعتماد على عوامل مادية تزوده بصحة فيزيقية. أما الاعتماد على درجة اتساق الآراء والمعتقدات بعضها مع بعض، أو بناء على ما يسود الجماعة من آراء ومعتقدات، فتزوده بصحة اجتماعية؛ فلكي يتبين الفرد من صحة رأيه في أن الآلات الحديثة تجعل الحياة سهلة، يلجأ إلى الوقائع المادية؛ فيتبين له أن الآلات الحديثة هي سبب اختصار الوقت، وزيادة كم الإنتاج، وارتفاع دخول الأفراد. فهذه تعد صحة فيزيقية لرأيه. أما إذا أراد أن يتبين صحة معتقداته وآرائه حول خروج المرأة إلى ميدان العمل، أو حول الزواج المبكر أو المتأخر، فإنه يلجأ إلى الآراء والمعتقدات السائدة في مجتمعه ليتبين درجة تقبل الجماعة لرأيه، ومن ثم درجة صحة معتقداته وآرائه.

          وتسهم الجماعة في تحقيق الصحة النفسية لأفرادها. فالجماعة تحدد لأفرادها الأدوار الاجتماعية المناسبة لكل منهم، وتزودهم بمعايير للحكم على درجة السواء أو الانحراف، في أداء تلك الأدوار. وتضع الجماعة المستويات المناسبة للأداء، التي إن ارتفعت أو انخفضت بدرجة كبيرة عن قدرات الأفراد أدت إلى إحباطهم وشعورهم بالفشل. كما أنه من خلال التنشئة الاجتماعية يتزود الأفراد بالوسائل الناجحة للتفاعل الاجتماعي، التي تحقق للأفراد الصحة النفسية والراحة والسعادة. كذلك، تلعب الجماعة دورها في العلاج النفسي؛ فالإرشاد الجمعي يهتم باستخدام الجماعة في تعديل سلوك الفرد، وتوجيهه لعلاج مشكلاته مع الآخرين وتعديل اتجاهاته نحوهم. ذلك أنّ العلاج الجمعي هو مجموعة العمليات، التي تحدث داخل جماعة منظمة تنظيماً خاصاً، وتتوافر فيها شروط الحماية لكي تحقق لأفرادها الشفاء مما يعانونه من اضطراب. والأصل في العلاج الجمعي حاجة الأفراد إلى الاتصال الاجتماعي كحاجة أساسية، وتبادل الفكرة والعاطفة بين الفرد والآخر من أعضاء الجماعة، في إطار مضبوط (علمياً ونفسياً واجتماعياً) من التفاعل الاجتماعي بين الأفراد، بحيث يؤدي إلى الإحساس بالرابطة والتعاطف ونمو الشعور الجماعي، وإحساس الفرد بأهمية عضويته في الجماعة، والإحساس المتزايد نحو الشعور بالأمن والطمأنينة.

          إذا كان للجماعات أهميتها للأفراد، فإن أهميتها للمجتمع أكبر وأعظم؛ فما المجتمع إلاّ عديد من الجماعات مهما اختلفت مسمياتها. فالأسرة، وهي الخلية الأولى للمجتمع، ما هي إلا جماعة أولية؛ والمدارس ودور العبادة والمصانع إنما هي نتاج لجهود الجماعات؛ والحركات الاجتماعية ما هي إلا جماعات تسعى نحو تحقيق تغيير اجتماعي؛ وما البلد والمدينة والوطن إلاّ ثمرة جهد الجماعات، على المستوى الصغير والكبير.