إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اجتماعية ونفسية / التنمية البشرية









بعد اتساع مفهوم التنمية وشموله مجالات عديدة: منها: التنمية: الإدارية والسياسية والثقافية، والتنمية المستدامة؛ لم تضِق ساحة الج

التنمية البشرية Human Development

بعد اتساع مفهوم التنمية وشموله مجالات عديدة: منها: التنمية: الإدارية والسياسية والثقافية، والتنمية المستدامة؛ لم تضِق ساحة الجدل التنموي المعاصر عن مفهوم التنمية البشرية، بل جعلتها في صدارة ما يدور من نقاش حول التنمية العالمية.

واعتُمِدت جزءاً من الإستراتيجيات الإنمائية لمختلف بلدان العالم، ابتداء من بنجلاديش إلى غانا إلى باكستان إلى كولومبيا. وأمست عاملاً مهماً في المناقشات الخاصة بالمعونة الدولية. وغدت، في سبعينيات القرن العشرين، لُبّ الإستراتيجية الإنمائية للأمم المتحدة.

          وقد عَرَّف التقرير الأول، الصادر عام 1990، التنمية البشرية، بأنها عملية توسيع اختيارات الشعوب، وتستهدف أن يتمتع الناس بمستوى مرتفع من الدخل، وبحياة طويلة، وصحية؛ وتنمية القدرات الإنسانية، من خلال توفير فرص ملائمة للتعليم.

          ومن الخطأ الظن أن التنمية البشرية، إنما تركز في القدرات الإنسانية فقط؛ حتى اعتقد بعض الناس أنها تقتصر على القطاعات الاجتماعية، كالصحة والتعليم، وهي استثمارات حيوية، بالطبع، ولكنها ليست إلا جزءاً واحداً من الصورة الكاملة. فالتنمية البشرية، ليست قاصرة على أيّ قطاع بذاته. فهي لا ترتكز على القضايا الاجتماعية دون تلك الاقتصادية. ومن الخطأ، كذلك، الظن أنها لا تنطبق إلا على الاحتياجات الأساسية، وعلى الدول الفقيرة. وهو ادعاء غير صحيح، إذ إنها تنطبق على جميع البلدان، أيّاً كان مستواها الإنمائي؛ فللناس، في كلّ مكان، احتياجات وتطلعات، وإنْ اختلفت باختلاف تلك البلدان.

          على هذا، يلاحظ أن المفهوم الذي طرحه تقرير التنمية البشرية، يجمع ما بين إنتاج السلع وتوزيعها، وبين توسيع القدرات البشرية والانتفاع بها. كما يتضح أن مفهوم التنمية البشرية، اقترن بالنمو الاقتصادي؛ وعُدَّ مؤشر النمو الاقتصادي أحد المؤشرات المركزية لدليل التنمية البشرية.

          ويؤكد تقرير التنمية، عام 1991، ذلك، بقوله إن التنمية البشرية تتطلب نمواً اقتصادياً؛ ومن دونه، لن يكون من الممكن تحقيق تحسين متصل في الأحوال البشرية عموماً.

          كما اقترن مفهوم التنمية البشرية، كذلك، بتحسين شروط الحياة، المادية والنوعية؛ واعتُمدت مؤشرات كمية لقياس ذلك التحسين (الدخل، الصحة، المعرفة). وانبثق منها تأكيد مؤشرات كيفية لقياس نوعية الحياة (حقوق الإنسان، المشاركة السياسية الفعالة، الأمن: الفردي والاجتماعي والقومي).

          وأكد تقرير عام 1992، أن الحرية السياسية عامل مهم من عوامل التنمية البشرية. كما ركز تقرير عام 1993 في المشاركة، بمعنى اشتراك الناس، عن كثب، في العمليات: الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، التي تؤثر في حياتهم. وأخيراً، شدد تقرير عام 1994 على الأفق الزمني، والعدالة بين الأجيال، من خلال تشديده على ضرورة اطّراد تحسين مؤشرات النمو والتحول؛ وفي ذلك تأكيد أن التنمية ليست حالة طارئة، وإنما اتجاه مستمر ودائم في النمو. ويصف تقرير عام 1994 التنمية البشرية، بأنها نموذج للتنمية، يمكّن جميع الأشخاص من توسيع نطاق قدراتهم البشرية إلى أقصى حدّ ممكن، وتوظيفها أفضل توظيف، في جميع الميادين. وهو يحمي كذلك خيارات الأجيال، التي لم تولد بعد. ويخلص التقرير إلى أن التنمية المستدامة، تعالج الإنصاف داخل الجيل الواحد، وبين الأجيال المتعاقبة.

          وعلى هذا، بات مفهوم التنمية غير مقتصر على زيادة إنتاج السلع أو مستويات الدخل، وتوزيع الموارد، ومعدلات العمالة أو التنمية في المجالات التي تؤديها. لذا، يجب أن تُفهم التنمية من خلال أبعاد الحياة الإنسانية: الاجتماعية والثقافية والاقتصادية.

          بذلك، تطور مفهوم التنمية، ليشمل مجالات عديدة؛ منها التنمية: الإدارية والسياسية والثقافية؛ ويكون الإنسان هو القاسم المشترك في جميع المجالات السابقة. فتطور الأبنية: الإدارية والسياسية والثقافية، له مردوده على عملية التنمية الفردية، من حيث تطوير أنماط المهارات والقِيم، والمشاركة الفعالة للإنسان في عملية التنمية، إلى جانب الانتفاع بها.

          وبفضل المفهوم الأخير للتنمية البشرية، أمكن إدخال خصائص جديدة، يمكن قطاعات اجتماعية مختلفة المساهمة في تطويرها؛ ما يبين أن عملية التنمية البشرية في المجتمع، إنما هي عملية متكاملة في عواملها الأساسية. إذ تهتم بتطوير خصائص الإنسان وطاقاته: الذاتية والمكتسبة، واستثمارها الاستثمار الأمثل، من خلال اتِّباع سياسات تنموية، توفر مستويات: معيشية وصحية، مرتفعة؛ ونوعية معينة للحياة، تلبي حاجات الإنسان والمجتمع، في العصر الحديث، من خلال الاعتماد على أسلوب التخطيط بعيد المدى.

          يوضح التعريف الأخير، أن مفهوم التنمية البشرية، يجمع ما بين أهداف تحقيق منهج تلبية الاحتياجات الأساسية، مثل: الغذاء والمأوى والرعاية الصحية، لجميع فئات السكان. ويتعدى أهداف منهج الرفاهية الاجتماعية، الذي يقتصر على كون البشر منتفعين بعملية التنمية أكثر من كونهم مشاركين فيها، إلى أهداف تضمن لهم تطوير قدراتهم ومشاركتهم الدينامية فيها. وعلى هذا، يمثل منهج التنمية البشرية الركيزة الأساسية، التي يعتمد عليها المخططون وصانعو القرار، لتهيئة الظروف الملائمة لإحداث التنمية: الاجتماعية والاقتصادية. يمكن القول، إذاً، إن منهج التنمية البشرية هو المنهج، الذي يهتم بتحسين نوعية الموارد البشرية في المجتمع، وتحسين النوعية البشرية نفسها.

          وتتمثل أهم عوامل التنمية البشرية في ما يلي:

1. الأوضاع السكانية: الاستغلال الأمثل للموارد البشرية.

2. الأوضاع الصحية: تحسّن مستويات الرعاية الصحية، وانخفاض الوفيات، وارتفاع معدلات توقع الحياة.

3. الأوضاع السكنية: ارتفاع مستويات المعيشة، وانخفاض الكثافة السكانية.

4. أوضاع العمل: تطور تقسيم العمل، وارتفاع المهارات: الفنية والإدارية.

5. أوضاع التعليم: تطور برامج التعليم، وتنوع التخصصات.

6. الأوضاع التكنولوجية: استخدام التكنولوجيا المتقدمة وتوطينها.

7. الأوضاع الإدارية: تطور أساليب الإدارة واعتماد أسلوب التخطيط.

8. الأوضاع الاجتماعية: نمو ثقافة العمل والإنجاز، وتغير المفاهيم المقترنة ببعض المهن والحِرف.

9. الأوضاع الطبقية: مرونة البناء الاجتماعي، والمساواة الاجتماعية.

10. الأوضاع السياسية: عدم احتكار السلطة، وتحقق الديموقراطية.

          بهذا يتضح، أن التعريف الشامل لعملية التنمية البشرية، يتضمن البشر، بوصفهم وسيلة التنمية وغايتها. كما يتضمن أهمية تكامل عواملها، من خلال توسيع مدلولها، ليشمل، إضافة إلى أهداف تحسين نوعية الحياة للسكان ككل عامة، أهدافاً أخرى، مثل تطوير مساهمة الموارد البشرية في عملية التنمية. بناءً على ذلك، فقد استقر الأمر على تعريف التنمية البشرية، بأنها العملية، التي تتيح للناس نطاق خيارات أوسع؛ يتضمن تنمية الناس، والتنمية من أجل الناس، والتنمية بواسطة الناس. وتعني تنمية الناس الاستثمار في القدرات الإنسانية، سواء في التعليم أو الصحة أو المهارة؛ وهكذا، يستطيعون أن يعملوا على نحو منتج، ومبدع. وتتطلب التنمية من أجل الناس، أن يُوزَّع النمو الاقتصادي، الذي يتحقق على نطاق واسع، على أساس عادل. وتعني التنمية بواسطة الناس، أن تتاح الفرص لكل إنسان للمشاركة في عملية التنمية.