إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اجتماعية ونفسية / أيكولوجية اجتماعية









الخيال

إيكولوجية اجتماعية

Social Ecology

يرجع استخدام مفهوم الإيكولوجيا إلى العالم البيولوجي أرنست هايكل، حيث استخدم مصطلح Ocologie ليشير به إلى علاقة الكائن الحي ببيئته العضوية وغير العضوية. وقد اشتق المصطلح من الكلمة اليونانية Okios ، ويعني منزل أو مسكن Home. ويشمل المعنى الواسع للمصطلح، أيضاً، من يقيمون في المسكن ونشاطهم اليومي، وتأديتهم لوظائفهم للإبقاء على الحياة وضمان الحصول على مواردها، وهو المعنى المفهوم من لفظ Homing. وبذلك يكون المعنى العام لمصطلح إيكولوجيا أنها العلم الذي يَدْرس الأفراد، الذين يعيشون في بيئة واحدة، والوقوف على مبلغ نشاطهم وتفاعلهم مع عناصر البيئة.

أما علماء الإيكولوجية الاجتماعية، فيحددونها في إطار دراسة البيئة الاجتماعية وتنظيمها، والعلاقات المكانية والنفسية والاجتماعية، التي تربط الجماعات والأفراد بعضهم ببعض، والآثار المتبادلة بين الأفراد والبيئة التي يشغلونها.

وقد أوضح جيمس كوين، وهو من أبرز ممثلي المدرسة الإيكولوجية؛ أن التفاعل الإيكولوجي يتم من خلال الاعتماد على موارد بيئة محدودة، بحيث يصبح كل كائن عضوي قادراً على التأثير في الآخرين، من خلال قدرته على زيادة أو نقص الموارد البيئية، التي يعتمد عليها الآخرون. وهذه العملية بطبيعتها عملية غير شخصية. فهي عملية اجتماعية فرعية، وإن كانت دراستها تحتل أهمية خاصة في التحليل السوسيولوجي.

ويرى بعض الباحثين وأشار بارك إلى أن هناك مستويين إيكولوجيين داخل المجتمعات الإنسانية؛ الأول منهما هو المستوى التكافلي الذي يتمثل في المنافسة غير الشخصية. والمستوى الثاني ثقافي يرتكز على الاتصال والاتفاق. من هنا ذهب الباحث بارك إلى أن الإيكولوجيا الاجتماعية ليست سوى شكل من أشكال تجريد شبكة العلاقات الإنسانية غير المرئية، داخل منطقة تسودها حياة مشتركة.

ولذا، فإذا حللنا أي تجمع بشري إلى عناصره الأولية من الناحية الإيكولوجية، نلاحظ أنه نتاج لسلسلة من عمليات التفاعل بين العناصر الآتية:

1. حياة مجموعة من الأفراد في منطقة محدودة.

2. تفاعلات وتوجيهات من البيئة للإنسان، بشأن استغلال مواردها الطبيعية وتسخير إمكانياتها لخدمة مطالبه؛ لأن الطبيعة في غالب الأمر هي التي توجه الإنسان إلى ما ينبغي عمله.

3. ظهور أنماط وأساليب للتفكير والعمل الإنساني، وذلك لاستغلال الطبيعة أولاً، ثم البحث في تحسين وسائل الاستغلال وتطويرها ثانياً، وبمضى الزمن أصبحت هذه الأساليب قاعدة للتراث الثقافي ومقومات الحضارة.

4. تقسيم العمل وتوزيع الاختصاصات وتنويع الوظائف، التي يتعين على أفراد المجموعة القيام بها. لا يؤدي هذا التقسيم إلى التفرد الذاتي أو الانعزال الوظيفي؛ ولكنه يحقق التكامل في الأهداف ووحدة القصد.

5. التأمين على حياة المجتمع وضمان استقرار أوضاعه، والبعد عن عوامل التفكك والانحلال.

6. تنسيق وتدعيم العلاقات، التي تربط هذه المجموعة بما عداها من الجموعات الأخرى، والبيئة التي يعيشون عليها بما عداها من البيئات المصاحبة لهم. وهذا مظهر من مظاهر تأمين سلامة المجتمع، ليس من الناحية الداخلية فحسب، بل ومن الناحية الخارجية كذلك.

وهذا يوضح أن الإيكولوجيا تهتم بدراسة العلاقات بين الجماعات الإنسانية (السكان) والبيئة المحيطة بها.

إن عالم الاجتماع يستخدم مصطلح "إيكولوجيا بشرية" أكثر من استخدامه "للإيكولوجيا الاجتماعية". وهذا يعني أنهما يتضمنان المعنى نفسه، حيث يُنظر إليها على أنها دراسة لأحد المجتمعات المحلية، من خلال تحليل التوزيع المكاني والزماني للأشخاص والجماعات والخدمات، في ظل ظروف معينة/ متغيرة، إلى جانب دراسة العوامل المرتبطة بتغير نماذج هذه التوزيعات. ويحظى هذا التعريف بموافقة الغالبية العظمى من علماء الاجتماع اليوم. وقد يشير المصطلح إلى معنى آخر، وهو دراسة الطريقة التي يتبعها شعب معين لتنظيم شؤونه، بهدف استمرار وجوده في منطقة بذاتها.

ومن ثم فإن "الإيكولوجيا الاجتماعية" تشير إلى شيء أكثر من التكيف المادي للفرد، أو الجماعة، مع البيئة الفيزيقية. ففي علم النبات لا تقتصر إيكولوجيا النبات على دراسة علاقة النباتات بالتربة أو المناخ، بل تهتم بدراسة علاقة النباتات بغيرها من النباتات والكائنات الأخرى في بيئة معينة. وبالمثل لا تهتم الإيكولوجيا الاجتماعية بالاستجابة المباشرة للبيئة فحسب، بل تهتم بتوزيع وتكوين الجماعات الضرورية لاستغلال الموارد الطبيعية. كما تهتم بالعلاقات غير المباشرة التي تنتج عن هذه التجمعات. وهذا يقودها إلى دراسة أنماط العلاقات الاجتماعية في التجمعات الحضرية والصناعية المختلفة.  إضافة إلى التركيز على طبيعة وأهمية العادات والتقاليد، في ضبط سلوك الفرد الاجتماعي.

وفي الفترة الأخيرة توسع مجال الدراسات الإيكولوجية الاجتماعية، بحيث شمل المجتمعات الحضرية الحديثة. فقد درست أنماط وطبيعة العلاقات الاجتماعية في البيئة الحضرية، ودُرست الحريات والقيود، التي تفرضها البيئة الحضرية على العلاقات، التي تسيطر على العمليات التكنولوجية والصناعية.

العمليات الإيكولوجية

ثمة توجد عمليات اجتماعية أوسع نطاقاً وأعم شمولاً، وهي العمليات الإيكولوجية المتصلة بالتنظيم الاجتماعي، وهي:

1. الغزو العمراني Invasion: ويعني انفصال الجماعات والأفراد من منطقة إلى أخرى، ويُسمى أحياناً الهجرة. وقد يكون على نطاق واسع، وقد يضيق نطاقه فيقتصر على تحريك بعض الجماعات بقدر محدود.

2. العزلة Isolation: تتخذ العزلة مظهرين، ويمثل المظهر الأول العزلة الفكرية والمذهبية، بمعنى أن الجماعات، التي تمارس العزلة من الممكن أن تصاهر غيرها، أو تدخل في علاقات اجتماعية مباشرة مع الآخرين، رغم التباعد الفكري أو المذهبي. أما المظهر الآخر فهو العزلة الكاملة من الناحيتين الاجتماعية والمكانية؛ فلا تختلط هذه الجماعات بغيرها ولا تتعامل إلا في أضيق الحدود، وتحافظ بقدر الإمكان على مقوماتها وخصائصها وتراثها الاجتماعي. ويُعبر عن المظهرين معاً بالعزلة البشرية.

3. الإبادة الاجتماعية Social Abolition: تتضمن مظهرين، يشير المظهر الأول إلى حملات الإبادة لجماعات بأسرها، من طريق الاضطهاد الديني أو العرقي أو الاعتقال. أما المظهر الثاني، فيتضمن إفناء التراث الثقافي والقضاء على مقومات الحضارة والدين، وذلك من طريق إغلاق المدارس والجامعات، وتخريب المكتبات، وقتل الأساتذة والطلبة وتشريدهم. وقد ازدادت عمليات الغزو والعزلة والإبادة والتعاقب في المجال العمراني، إثر تطور الهجرة الداخلية والخارجية، وقيام الحروب، سواء كانت حروباً عالمية أو حروب إبادة يشنها المستعمرون من البيض ضد الأعراق الأخرى، ما وسع من نطاق الدراسات المتصلة بالإيكولوجية الاجتماعية.

وعلى الرغم من أهمية إسهامات الإيكولوجية الاجتماعية في تفسير البناءات الإيكولوجية الحضرية، إلا إنها تعرضت لنقد شديد، عندما جرى تحليلها من طريق خاطئ، عندما وجهت كل اهتمامها إلى الجوانب الجيوفيزيقية للمدينة، دون أن تهتم بحياتها الاجتماعية؛ فالحياة الاجتماعية هي بناء التفاعل، وليست بناء الحجر والصلب والأسمنت والأسفلت. وليس أدل على أن الإيكولوجية الاجتماعية قد ضلت طريقها إلى التحليل السوسيولوجي، من اهتمام الكثير من الدراسات الإيكولوجية باكتشاف خصائص المناطق المتخلفة، دون اهتمام بنوع الحياة الذي أدى إلى ظهور هذه المناطق وخصائصها، كمن يهتم بدراسة الجريمة ومسرحها، دون الاهتمام بالمجرم نفسه ودوافعه.