إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اجتماعية ونفسية / الاضطراب









التعريفات المختلفة للاضطراب

التعريفات المختلفة للاضطراب

1. التعريف الذاتي للاضطراب

      والاضطراب لدى الإنسان حسب المحك، الذي يقارن به الشخص المضطرب، كإطار مرجعي (Reference) فإذا كان الشخص يشكو من أعراض ذاتية، مثل الشعور بالألم أو التنميل أو الدوار (Vertigo)، فإن مثل هذه الأعراض لا يمكن الاحتكام فيها إلا إلى شعور المريض الذاتي. والشئ نفسه يحدث عندما يتوهم الشخص مرضاً معيناً، ويشعر بأعراضه، ولا يوجد ما يبرهن عليه إكلينيكيا (Clinical) ، فإن تقدير شكوى المريض والاهتمام بها، ومساعدته، في كلتا الحالتَين، يكون بناء على التعريف الـذاتي (Subjective) للاضطراب، وهو شعور الشخص بالخلل والشكوى من أعراض، حتى من دون براهين إكلينيكية عليها، وقبول ذلك منه، حتى في حالة توهم المرض (Hypochondriasis) وذلك لأن توهم المـرض، هو مرض، كذلك، وإن كان مرضاً نفسياً، إلا أنه يسبب للمريض معاناة، لا يشعر بها سواه، ويجب أن يعالج منه علاجاً نفسياً.

2. التعريف النسبي للاضطراب

      وأحياناً يُقارن الشخص بنفسه، قبل حدوث الاضطراب (Premorbid) فيلاحظ مدى التغيير الذي طرأ عليه. وهذه المقارنة هي محك نسبي، أي مقارنة الشخص بنفسه قبل حدوث الاضطراب، مثل المصاب بمرض السكر (البول السكري)، الذي يقارن نفسه بعد المرض، بنفسه قبل المرض، ويجد الفارق واضحاً في ما يشعر به من أعراض مرَضية، أما إذا تسبب له مرض السكر بنقص الوزن والهزال، فإن المقارنة يجريها الآخرون، فيقولون له لقد لاحظنا عليك تغيراً في صورة نقص الوزن، منذ مدة معينة.

      وأحياناً، تكون المقارنة بين الشخص والآخرين من أقرانه، الذين يعيشون معه في بيئته نفسها، مثل مدرس المدرسة الابتدائية، الذي يقارن سلوكيات تلاميذه في فصل دراسي، فيلاحظ أن تلميذاً معيناً، هو كثير الحركة، لا يهدأ (Hyperactive)، ولديه نقص في التركيز والتحصيل الدراسي، ومندفع في تصرفاته (Impulsive) فيطلب من الإخصائي النفسي في المدرسة تحويل هذا الطفل إلى العلاج من اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة (Attention Hyperactivity Disorder). والمدرس، في هذه الحالة، قد احتكم إلى طريقة مقارنة الطفل برفاقه في سنه نفسها وبيئته، كإطار مرجعي، أي أن هذا الطفل، بالنسبة إلى رفاقه، يعد مضطرباً؛ وهذا هو المحك النسبي لتعريف الاضطراب، أي حسبان الشخص مضطرباً بالنسبة إلى ما كان عليه قبل ذلك، أو مقارنة بأقرانه.

      ولكن هذا التعريف للاضطراب، يوقع أحياناً، في إشكالية أنه لِمَ لا تكون البيئة والآخرون، هم المضطربين؟ ولما لا يكون التغير، الذي حدث للشخص، بالنسبة إلى ما كان عليه، هو تغيراً نحو الصحة، وليس نحو الاضطراب؟

      وتجيب عن ذلك قصة طفل صغير، كان في قريته، التي يعمل أهلها في الزراعة، وأغلبهم مصاب بالبلهارسيا (Schistosoma)، وخاصة البولية (Schistosoma haematobium) وكان الأطفال يقفون يتبولون، أمام بعضهم، كمجموعة مكونة من خمسة أطفال، فكان أربعة منهم يتبولون دماً، في آخر عملية التبول، وهم سعداء بذلك، إلا الطفل الخامس، الذي كان يحاول أن يتبول، ولو نقطة دم واحدة، في آخر تبوله، ولكنه كان يفشل في ذلك. وكان هذا يؤلمه، ظنا منه، أنه بهذا لا يتطابق مع المجموعة، ولا بدّ أنه يعاني شيئاً (اضطراباً)، هو الذي يجعله مختلفاً عن الآخرين بيئته نفسها. وهذا المثال يشير إلى مدى الخطأ، الذي يمكن أن ينجم عن المقارنة بالآخرين، والتعريف النسبي للاضطراب. فالطفل الذي لا يتبول دماً، كان هو الطفل الوحيد السوي، من بين الأطفال الخمسة، بينما كان الأربعة الآخرون، هم المرضى.

      وأحيانا، يكون التغير الذي طرأ على الشخص، تغيراً نحو الصحة، مثل التغير، الذي حدث للرسل بالبعثة، واختيار الله ـ سبحانه وتعالى ـ إليهم لتبليغ رسالاته. فمثلاً، عندما بعث محمد ـ صلى الله عليه وسلم- كان تغير عما قبل البعثة. ولم يكن هذا التغير اضطراباً؛ وإنما كان قمة الصحة. ولكن قومه، عندما قارنوا ما جاء به من رسالة، بما كان لديهم من عادات وعبادات، قالوا إنه مجنون، كما ذكر القرآن الكريم: "وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون" (سورة الحِجر، الآية السادسة). وهكذا حدث لجميع الأنبياء والمصلحين، الذين حملوا رسالات سماوية إلى أقوامهم. ومن ذلك نلاحظ أن التعريف النسبي للاضطراب، قد ينتج منه أخطاء سواء  قُورِن الشخص بنفسه، قبل حدوث التغير، أو بأقرانه من بيئته نفسها.

3. التعريف المطلق للاضطراب

      وهناك التعريف المطلق للاضطراب، وهو الذي يَعُدّ أي شخص، يشذ عن المقاييس المطلقة، مضطرباً. وهي المقاييس التي اتُّفق عليها طبياً، كحدود للسواء، مثل ضغط الدم (Blood Pressure)، ودرجة الحرارة (Body Temperature)، ونسبة السكر في الدم (Blood Sugar) وهذه المقاييس، تصف الإنسان الأمثل. ولكن هناك من يشذ عن المقاييس المطلقة، ولا يعاني أو يشكو أي اضطراب؛ فكثيراً ما يصادف المسـح الطبي (Medical Survey)، شخصا لديه ارتفاع كبير في ضغط الدم، ولكن ليس لديه أي شكوى مرَضية. كذلك، كثيراً ما ترتفع نسبة السكر في الدم لدى شخص ما، من دون معاناة أو شكوى أي عرض من أعراض مرض السكر واضطرابه لديه.