إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اجتماعية ونفسية / التعلّم









الارتباط بالجماعة Sociability

التعلّم

عند ملاحظة سلوك الحيوانات، نجد أن كثيراً من التغيرات تطرأ عليه. فالقطة تتعلم كيف تصيد الفئران، والثعلب يتعلم كيف يختبأ من الأعداء، والكلب يتعلم كيف يحرس المكان. والمتأمل لسلوك الإنسان وتصرفاته يجد أنه يتغير، فالطفل يتعلم الامتصاص والرضاعة ثم تناول الطعام، ويتعلم الزحف ثم المشي والجري وركوب الدراجة، ويتعلم الكتابة والقراءة.

وتتضمن المظاهر السلوكية السابقة نوعين من التغيرات، إحداهما ترجع إلى النضج، مثل الزحف والمشي؛ والثانية ترجع إلى عملية الاكتساب والتعلم، مثل تعلم ركوب الدراجة والكتابة والقراءة.

ويلعب التعلم دوراً بالغ الأهمية في تحديد سلوك الكائنات الحية المختلفة، إذ يؤدي إلى اكتساب العديد من المظاهر السلوكية الجديدة، مثل ركوب الدراجة، وطرق التفكير وأساليب حل المشكلات، والميل نحو أمور وموضوعات معينة بدرجات متفاوتة. ويساعد التعلم الكائنات على تعديل أساليبها السلوكية، بما يحقق لها البقاء والاستمرار. فلكل حيوان أسلوبه في الدفاع عن نفسه الذي يتلاءم مع بيئته، والذي يعدله تبعاً لما يطرأ على تلك البيئة من تغيرات. ويتعلم الإنسان طرق التعامل مع الآخرين، حتى يستطيع التوافق معهم والعيش في أمان؛ بل إنه يتعلم بعض الأساليب المَرَضية غير السوّية في التعامل، مثل استخدام التبرير عند فشله في تحقيق أمر ما، أو إسقاط عدم توفيقه على الآخرين المحيطين، أو الخوف المبالغ فيه مما لا يثير الخوف، كالخوف المفرط من الأماكن المرتفعة أو المغلقة وغيرها. وبالتعلم يكتسب الإنسان ثقافة مجتمعة، بل ويكتسب "إنسانيته" من خلال عمليات التطبيع والتنشئة الاجتماعية.

أولاً: تعريف التعلم

للتعلم تعريفات عديدة، ولكن أكثرها شيوعاً أن "التعلم تغير شبه دائم في سلوك الكائن الحي، نتيجة للخبرة والممارسة والتدريب". ويتضمن هذا التعريف عدة عناصر، منها:

1.  التعلم تغير، أي انتقال السلوك من حالة إلى أخرى، من الجهل بالقراءة إلى تعلم كيفية القراءة، ومن المشي إلى ركوب الدراجة، ومن عدم الخوف من مثير ما إلى الخوف منه والابتعاد عنه.

2.  التعلم تغير شبه دائم، أي أنه عرضة للتقدم والتطور، مثل زيادة الحصيلة اللفظية للمتعلم، وعرضة للتدهور، مثل نسيان لغة أجنبية سبق للفرد تعلمها.

ويختلف التغير شبه الدائم عن التغيرات التي تحدث نتيجة لعوامل عارضة، كالتعب أو الإجهاد أو تناول عقاقير وأدوية معينة. فالتغيرات العارضة لا تتمتع بدرجة من الدوام، بل تزول بزوال المؤثر. كما أنها لا تُكتسب أو تحدث نتيجة للممارسة والتدريب.

3.  إذا كان التعلم تغير شبه دائم فليس معناه أنه يكون دائماً للأفضل؛ فبعض التغيرات تكون للأفضل، مثل تحسين وتطوير قدرة الفرد على الكتابة والقراءة وتعلم اللغة؛ ولكن بعض التغيرات قد تكون للأسوأ، مثل التعلم الخاطئ للكتابة على الآلة الكاتبة والحاسب الآلي.

4.  يتكون السلوك من جوانب أو مقومات ثلاث: معرفية ومهارية (حركية) ووجدانية. فالكتابة على الحاسوب تتضمن جانب معرفي، هو معرفة القراءة وحروف الحاسوب... إلخ، وجانب مهاري أو حركي، يتمثل في حركة الأصابع وحركة العين والتآزر بينهما، وجانب وجداني، مثل الارتياح أو عدم الارتياح لاستخدام الحاسوب.

ومعنى هذا أن التعلم كتغير في السلوك، يتضمن تغيرات معرفية وحركية ووجدانية. فمن التغيرات المعرفية تعلم طرق التفكير واكتساب المفاهيم، ومن التغيرات الحركية تعلم المهارات الحركية المختلفة، ومن التغيرات الوجدانية تعلم الاتجاهات والميول. إلا أن التعلم المعرفي والوجداني والحركي لا يجب أن ينسينا أن السلوك وحدة كلية تتضمن الجوانب الثلاثة.

5.  لا يحدث التعلم في كل المظاهر السلوكية؛ فالإرجاع العصبية والأفعال المنعكسة، التي يولد الإنسان مزوداً بها، لا تُعَد سلوكاً متعلماً. فكل الأفراد يستطيعون التنفس منذ ميلادهم، وكذا يحركون جفونهم دون تعلم. وقد أمكن تعديل بعض الأفعال المنعكسة الفطرية باستخدام إجراءات تجريبية معينة؛ فسيلان اللعاب –مثلاً- كفعل منعكس طبيعي أو فطري، يُستثار نتيجة لوضع الطعام في الفم، أمكن تعديله بحيث يُستثار لسماع جرس أو رؤية أو توقع وصول الطعام.

6.  يحدث التعلّم نتيجة للخبرة والممارسة والتدريب. والخبرة هي كل ما يؤثر على الإنسان ويؤدي به إلى الوعي بذلك المثير؛ فلسعة النار للإنسان تجعله على وعي بخاصية الاحتراق، ومن ثَم، يكتسب خبرة خاصة بذلك. أما الممارسة، فهي نوع من الخبرة المنتظمة نسبياً، أي أنها تكرار حدوث الاستجابات نفسها، أو ما يشابهها في مواقف بيئية منتظمة نسبياً، مثل ممارسة الكتابة تحت إشراف المعلم. أما التدريب أو التمرين، فهو أكثر صور الخبرة تنظيماً، ويتمثل في سلسلة منظمة من المواقف التي يتعرض لها الفرد، مثل التدريب المنظم على استخدام الحاسوب في التوصل إلى المواقع الإلكترونية.

7.  لا يُلاحظ التعلم مباشرة، بل يُستدل عليه من آثاره ونتائجه، فعند القول إن التلميذ تعلم الحساب، فإننا نراه ينطق أو يكتب الأعداد، ومنها نستدل على حدوث التعلم. وعند القول إن شخصاً ما يخاف ويرتعد إذا وُضع في مكان مغلق بشكل زائد عن الحد، فإننا نستدل من ذلك على حدوث تعلم الخوف خوفاً مرضياً من الأماكن المغلقة.

8.  التعلم لا يقتصر على الإنسان فقط، بل تتعلم الحيوانات العديد من المظاهر السلوكية. فحيوانات السيرك تتعلم أداء حركات لم تكن تعرفها، بل وتعلمت الأميبا ـ حيوان وحيد الخلية ـ أن تختار حبيبات النشا من بين ذرات الرمل التي قُدمت لها. فقد قدم المجرب للأميبا النشا لتتغذى عليها حتى تعودت على تناول ذلك النوع من الطعام، ثم قدم لها النشا بين ذرات الرمل فاستطاعت التمييز بينها.

وينبغي الإشارة إلى اختلاف تعلم الإنسان عن تعلم الحيوان. فقدرة الإنسان على التعلم تفوق قدرة الحيوان كماً وكيفاً، كذلك يستخدم الإنسان تفكيره المجرد وعملياته العقلية العليا في عمليات التعلم. أما تعلم الحيوان فيكون آلياً. وتختلف دوافع الإنسان للتعلم عن دوافع الحيوان؛ فدوافع الحيوان تكون في الغالب دوافع فسيولوجية بيولوجية، أما دوافع الإنسان فقد تكون فسيولوجية، ولكنها تكون اجتماعية بدرجة كبيرة، كدافع الكفاءة والمنافسة والإنجاز.

9.  لا يقتصر التعلم على الأفراد، بل يشمل الجماعات أيضاً. فالجماعات تكتسب اتجاهات ومهارات ومعارف جديدة؛ فالمجندون، مثلاً، يتعلمون كجماعة عدداً من العادات المرتبطة بالأداء القتالي والانضباطي. وجماعات المراهقين يكونون لأنفسهم ثقافة خاصة بهم، أي مجموعة من الاتجاهات والعادات والمعايير والقيم، التي تميزهم عن غيرهم. وعندما تتعرض المجتمعات للأزمات والحروب أو الاحتكاك والغزو الثقافي، فإنها تغير من أساليب حياتها وتكتسب عادات ومظاهر سلوكية جديدة، تساعدها على البقاء والاستمرار.

10. قد يكون التعلم مقصوداً أو غير مقصود. ويحدث التعلم المقصود عندما تُحدد أهدافه، وتعد مواقفه، وتتوافر الشروط اللازمة لحدوثه. أما التعلم غير المقصود، فيحدث دون أن يكون هدفاً أساسياً مقصوداً نسعى للوصول إليه. فعند تهيئة المواقف اللازمة لتعلم طفل الحروف الهجائية، فإن التغير الحادث لدى المتعلم يكون تغيراً مقصوداً. ولكن إذا تعلم الطفل أثناء تعلمه كتابة الحروف، النظافة والنظام، فإن ذلك يُعَد تعلماً غير مقصود؛ لأنه لم يكن الهدف الأساسي لعملية التعلم.

ثانياً: قياس التعلم

تُستخدم مقاييس متعددة لقياس التعلم بصوره المختلفة (المعرفي والوجداني والحركي). ومن المقاييس التي تُستخدم في هذا الصدد:

1.  السرعة: وتظهر في اختصار الزمن اللازم لإنهاء العمل، مثل سرعة الحفظ أو سرعة تعلم ركوب الدراجة.

2.  الدقة: ويُقصد بها نقص الاستجابات العشوائية وثبات الاستجابات الصحيحة، مثل الدقة في التصويب نحو شبكة الكرة. وتُعَد الدقة دالة لنقص الأخطاء التي كان يقع فيها المتعلم، مثل نقص الأخطاء أثناء الكتابة على الآلة الكاتبة نتيجة للتدريب.

3.  المهارة: ويُقصد بها السرعة والدقة في أداء العمل، مع التكيف السريع للتغيرات الطارئة. فالسائق الماهر لا يستغرق وقتاً طويلاً لإدارة السيارة، ولا يرتكب أخطاء عديدة أثناء القيادة. ويستطيع التكيف السريع للتغيرات، التي تحدث فجأة في الطرق.

4.  عدد المحاولات اللازمة للتعلم: ويُقصد بها عدد المحاولات التي يقوم بها المتعلم حتى يحدث التعلم، مثل حاجة الشخص إلى قراءة مقطوعة شعرية 30 مرة لحفظها، بينما يحتاج شخص آخر إلى عشر محاولات فقط.

5.  تكرار أو احتمال ظهور الاستجابة: مثل زيادة احتمال ظهور الاستجابة الصحيحة لتصويب الكرة نحو المرمى أثناء اللعب.

6.  التعرف: ويتطلب عرض سلسلة من عناصر مُهمَّة التعلم، ثم إجراء اختبار لاحق تُعرض فيه تلك العناصر مختلطة مع عناصر أخرى لم يسبق عرضها في موقف التعلم، ويُطلب من المفحوص تحديد أي عناصر السلسلة الجديدة سبق عرضه. مثل عرض اسم مدينة بالوجه القبلي ضمن مدن بالوجه البحري، ويُطلب من المفحوص تحديد تلك المدينة (وذلك بعد دراسة المدن بالوجهين).

7.  الاستدعاء والاسترجاع: ويتطلب من المفحوص إعادة إنتاج الاستجابة، التي سبق له اكتسابها، مثل تسميع المتعلم لقطعة الشعر السابق له حفظها بالترتيب نفسه (استدعاء تسلسل موجه)، أو ذكر أسماء الأدباء الذين أسهموا في النهضة الأدبية في فترة معينة من دون ترتيب معين (استدعاء حر).

وقد وضعت كل نظرية، من النظريات التي حاولت تفسير التعلم، عدداً من وسائل وطرق قياس التغيرات الحادثة في السلوك، كدالة للتعلم.

ثالثاً: شروط التعلم

ثمة مجموعة من الشروط العامة الواجب توافرها حتى يتم التعلم، وهي:

1. النضج

ويُقصد بالنضج التغيرات البيولوجية الداخلية لدى الكائن الحي، بحيث تجعله قادراً على التعلم، مثل نضج الحبال الصوتية حتى يتعلم الطفل الكلام، ونضج العضلات الدقيقة بالأصابع حتى يتعلم الكتابة. والنضج عملية منتظمة تسير في مراحل محددة تؤثر السابقة في اللاحقة. كما أنه عملية مستمرة طوال حياة الشخص.

إذا كان التعلم تغير في السلوك، وأن النضج يؤدي –بالمثل- إلى تغير في السلوك، فما الفرق بينهما؟ وما العلاقة بينهما؟

أ. الفرق بين النضج والتعلم

·   النضج مشترك عام بين جميع أفراد النوع، خلافاً للتعلم؛ فجميع الأطفال –مثلاً- يمشون في سن معينة ويتعلمون القفز في سن معينة؛ ولكنهم لا يتعلمون جميعهم، بالضرورة، لغتين في وقت واحد.

·   ترجع تغيرات النضج أساساً إلى الوراثة، ثم البيئة. أما تغيرات التعلم فترجع إلى البيئة أساساً، وتتحكم الوراثة في أقصى مدى للتعلم يمكن للكائن الوصول إليه.

ب. علاقة النضج بالتعلم

·   لا يستطيع الفرد اكتساب القدرة على أداء عمل معين، إن لم يكن قد حقق المستوى المناسب من النضج. فلا يمكن للطفل أن يتعلم المشي قبل أن يكون قد تعلم الحبو والوقوف بمساعدة غيره. ويُستخدم مصطلح الاستعداد النمائي للإشارة إلى هذه العلاقة؛ فالاستعداد لتعلم القراءة يكون بين السادسة والسادسة والنصف، وليس قبل ذلك.

ويترتب على هذا أن المهارات التي تعتمد على أنماط السلوك الناضجة، يسهل تعلمها أكثر من غيرها؛ فالكلمات الأولى التي ينطق بها الطفل (بابا ـ ماما ـ دادا) هي كلمات تتناسب مع مناغاته الطبيعية.

ويترتب على هذه العلاقة، أيضاً، نتيجة أخرى هي أن الكائن كلما كان أكثر نضجاً، أحرز مقداراً أكبر من التعلم. أما التدريب المبكر الذي يتلقاه المتعلم قبل بلوغه مستوى النضج المناسب، فقد يحدث آثاراً ضارة في السلوك إذا صاحبه إحباط.

·   النضج وحده غير كافٍ بنفسه لحدوث التعلم، إذ لا بد من وجود فرص الممارسة المناسبة. فإذا كان النضج يحدد إمكانية أداء سلوك معين، فإن الممارسة هي التي تساعد على ظهوره وإبرازه وتطويره وتعديله. فطفل السابعة لا يستطيع تعلم الكتابة والقراءة معتمداً على النضج فقط، بل لا بد من الممارسة والتدريب لاكتساب هذه المهارات. وطفل الثالثة لا يستطيع تعلم الكلام والحديث إذا عاش منعزلاً عن الناس، ولم يتلقَ فرصاً للتدريب والممارسة.

·   بينت الدراسات وجود فترة معينة أثناء النمو تُعرف بـ"الفترة الحرجة للنمو"، وهي الفترة التي يكون التدريب قبلها أو بعدها ذا فائدة ضعيفة أو قليلة، وأحياناً ضارة؛ بينما يحقق التدريب أثناء هذه الفترة أفضل النتائج. فالستة الشهور الأولى من عمر الطفل تمثل الفترة الحرجة في نمو الطفل نمواً طبيعياً، وتمتد الفترة الحرجة للنمو اللغوي حتى العاشرة من العمر؛ بينما تكون نهاية فترة المراهقة هي الفترة الحرجة لاكتساب الاتجاهات، وهي الفترة الحرجة نفسها لتكوين الضمير.

ويترتب على هذا أن معدل النضج يظل موحداً على الرغم من الاختلافات في ظروف التعلم. فقد دُرب أحد توأمين متماثلين على صعود السلم أثناء فترة الحبو، وعندما أتقن تعلم ذلك كان التوأم الآخر قد بلغ مستوى مناسب من النضج لصعود السلم. وعندما دُرب الثاني تعلم صعود السلم بسرعة أكثر من الأول ومن دون إحباطات كثيرة، كما حدث للأول.

2. الممارسة

تتضح، من التعريف السابق للتعلم، أهمية الممارسة ودورها في تغيير أداء الفرد وتعديله. إن التعلم لا يحدث إلا بالممارسة؛ ولكن كل ممارسة لا تكون تعلماً بالضرورة إذ إن:

التعلم = ممارسة + تغير في الأداء

التكرار = ممارسة – تغير في الأداء

وللممارسة أهميتها في إظهار التغير في الأداء، فلولا الممارسة لما أمكن الحكم على حدوث التعلم وقياسه. فمن يدعي معرفة السّباحة ينزل إلى الماء "المياه تكذب الغطاس".

وللممارسة أهميتها في تثبيت المادة المُتَعلَمة؛ فتكرار قراءة القصيدة يساعد على تثبيتها وبلوغها الحد اللازم للحفظ، أي لتثبيتها في الذاكرة.

كما تساعد الممارسة على زيادة الفهم ووضوح الفكر؛ فتكرار قراءة مسألة الحساب يساعد على فهم مكوناتها والعلاقة بين تلك المكونات.

ولكي تحقق الممارسة دورها في إحداث التعلم لابد من الدافعية والتوجيه والتعزيز:

تعلم = ممارسة + دافعية

تعلم = ممارسة + تعزيز للاستجابات المكتسبة

تعلم = ممارسة + توجيه صحيح للاستجابات الجديدة

وللممارسة عدة صور، فقد تكون مركزة أو موزعة، كلية أو جزئية. فعند حفظ قصيدة من عشرة أبيات فإننا نحفظها في فترة زمنية متصلة (ممارسة مركزة). أما إذا كانت القصيدة مكونة من 30 بيتاً، فإننا نحفظها في فترات زمنية منفصلة بينها فترات للراحة (ممارسة موزعة). وعندما نريد تعلم قيادة الدراجة، فإننا نتعلم المهارة كلها كوحدة واحدة (ممارسة كلية)، أما إذا أردنا تعلم قيادة الطائرة فإننا نتعلم المهارة موزعة على أجزاء (ممارسة جزئية).

3. الدافعية

يُجمع عدد من التعريفات على أن الدافعية حالات داخلية (فسيولوجية أو نفسية) وقوى كامنة، تدفع الكائن الحي ليسلك سلوكاً معيناً في اتجاه معين.

وتختلف الدافعية عن الأهداف والمحفزات؛ فالأهداف هي ما نسعى إلى بلوغه، فإذا وصلنا إليها تحقق إشباع الدافع. فالوصول إلى الطعام هدف يسعى الجائع إلى بلوغه، فإذا حصل عليه أشبع دافع الجوع. والمحفزات أشياء أو معنويات موجودة في المواقف تحرك الفرد وتساعده في تحقيق هدفه؛ فإذا كان هدف الطالب هو النجاح (لإشباع دافع التقدير)، فإن التقدير المرتفع أو الجائزة تُعَد من المحفزات، على بذل مزيد من الجهد لتحقيق النجاح.

وترجع وظيفة الدافعية إلى أنها تستثير الكائن الحي وتنشطه، ذلك أن الدافع الذي يبغي الإشباع يؤدي إلى اختلال الاتزان لدى الفرد، ما يولد لديه توتراً يحركه ويستثير نشاطه. فعندما ينقص الماء داخل الجسم يختل اتزان الفرد على نحو يدفعه إلى البحث عن الماء. والدافع يوجه الكائن لاختيار أوجه النشاط التي تساعد في إشباعه؛ فالعطشان يبحث عن الماء ولا يبحث عن الطعام. ومن يسعى للاحتماء والانتماء إلى الجماعة يعمل على تمثل أهدافها والتفاعل البناء مع أعضائها. ومعنى ذلك أن الدوافع تملي على الفرد أن يستجيب لموقف معين دون غيره. ومن وظائف الدافعية، أيضاً، أنها تدعم الاستجابة أو النشاط الذي أدى إلى إشباع الدافع؛ فالسلوك الذي قام به الكائن وأدى إلى إشباع جوعه، يجعل الكائن يميل إلى تكراره كلّما شعر بالجوع.

وللدوافع نوعان أساسيان: دوافع بيولوجية فطرية يولد الإنسان والحيوان مزودَين بها، مثل الجوع والعطش والراحة والجنس. ودوافع اجتماعية يكتسبها الإنسان ويتعلمها أثناء تفاعله الاجتماعي، مثل الحاجة إلى الإنجاز والتقدير وحب الاستطلاع. والدوافع الفطرية ذات أهمية في المحافظة على حياة الكائن واستمرار النوع، أما الدوافع الاجتماعية فهي ذات أهمية في توافق الإنسان مع جماعته. والدوافع البيولوجية غير قابلة للتعديل في ذاتها؛ ولكن طريقة إشباعها هي التي تُعدل. أما الدوافع الاجتماعية فقابلة للتعديل، وكذا طرق إشباعها. والدوافع البيولوجية عامة بين البشر ويشترك فيها مع الحيوان، أما الدوافع الاجتماعية فهي خاصة بالإنسان وحده.

وقد حاول علماء النفس وضع تنظيم خاص للدوافع يبيّن العلاقة بينها. فعلى سبيل المثال، وضع إبراهام ماسلو تنظيماً هرمياً للدوافع، جعل في قاعدته الحاجات البيولوجية أو حاجات البقاء، التي إذا أُشبعت شعر الفرد بالأمان، ومن ثَم، يرتقي الهرم إلى الحاجة للأمان، ثم التقدير... وهكذا حتى يصل إلى قمته وهي الحاجة إلى تحقيق الذات. ويمثل تحقيق الذات حاجة عند الفرد تدفعه إلى أن يكون منفتحاً على الخبرات وليس دفاعياً، وأن يحب الآخرين والذات دون الاستسلام للعدوان، وأن يسلك على نحو مقبول اجتماعياً وطيب أخلاقياً، وأن يعبّر عن استقلاله الذاتي وقدرته على الابتكار، وأن يكون مستكشفاً وتلقائياً في تعامله مع البيئة.