إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اجتماعية ونفسية / رأس المال الاجتماعي









رأس المال الاجتماعي

رأس المال الاجتماعي

Social Capital

يُعد مفهوم رأس المال الاجتماعي من المفاهيم التي أصبحت ذائعة الصيت، وواسعة الانتشار، في الآونة الأخيرة، على الرغم من حداثة استخدامه في بداية الثمانينيات من القرن العشرين، على يد كل من بيير بورديو Bourdieu عام 1983، وجيمس كوليمان Coleman عام 1988.

بدأ البنك الدولي في استخدام مفهوم "رأس المال الاجتماعي" عام 1997، ثم عُقدت ورش للعمل ونُظمت الندوات، من أجل التعريف بهذا المفهوم، وصياغة أهم الاتجاهات النظرية، التي تتناول أهم المشكلات الاجتماعية المرتبطة بهذا المفهوم، خاصة وأن رأس المال الاجتماعي يلعب دوراً بارزاً في صياغة المشكلات الاجتماعية، كالفقر، والبطالة، والبيئة؛ بل ومدى قدرة المجتمعات الإنسانية على أن تتعايش مع بعضها بعضاً. كما أن رأس المال الاجتماعي له أهمية كبيرة، لأن كل مجتمع فلابد له من رأس المال الاجتماعي، الذي يدعم زيادة الانتاجية الاقتصادية، ويعالج المشكلات المجتمعية ذاتياً. كما أن رأس المال الاجتماعي، كإطار اجتماعي وسياسي وإداري، يقدم أفضل بيئة لتشغيل آليات السوق، وبكفاءة عالية.

رأت النظرية الليبرالية الجديدة أن رأس المال الاجتماعي يُعد مفهوماً جوهرياً في المجتمع، ولأن الإشراف الكامل للدولة على كل الموارد والخدمات الصحية والتعليمية، يُضعف من دور رأس المال الاجتماعي؛ ولأن هذا الإشراف يسهم في وجود مواطنين تابعين ومعتمدين على غيرهم أكثر من إيجاد المواطنين الفاعلين والمنظمين، ما يقلل من قدرة الأفراد على توليد رأس المال.

والجدير بالذكر أن مفهوم رأس المال الاجتماعي مفهوم متعدد الأبعاد، ويُعرف بطرق مختلفة تتباين بتباين المنظورات الفكرية، التي تتعلق بدراسته. ويُعرف بيير بيرديو رأس المال الاجتماعي من خلال شبكة العلاقات الاجتماعية والأسرة، إذ يرى أن الأسرة هي التي تنظم رأس المال البشري، وتنقله عبر الأجيال. كما أكد على أن رأس المال الاجتماعي هو الذي يحافظ على التفاعل الاجتماعي، بين القوى الفردية والجماعية داخل المجتمع الطبقي، الذي تسود فيه التباينات الاقتصادية والاجتماعية.

في حين يرى بوتنام Putnam 2002، أن رأس المال الاجتماعي يقوم على الثقة والتبادل بين الآخرين، كما يتمثل في المشاركة في منظمات المجتمع المدني. ويرى جيمس كولمان Coleman 1991، أن رأس المال الاجتماعي كامن في بناء العلاقات الاجتماعية مع الآخرين. ويُعرف روزلندا إدورادز Edwards مفهوم رأس المال الاجتماعي بمعناه الواسع، بوصفه مجموعة المعايير والقيم، التي يشترك فيه الناس، والتي تنتج عن علاقات التفاعل الاجتماعي والعلاقات الاجتماعية. لذا، يرى أن هذا المفهوم يتكامل مع أنماط أخرى من رأس المال، مثل رأس المال البشري (المتمثل في القدرات والمؤهلات العلمية)، ورأس المال الاقتصادي (الإنتاجي)، ورأس المال الثقافي (المتمثل في أنماط التفكير).

وعلى هذا أشارت فرجينيا مورو Morrow 1999 إلى أن مفهوم رأس المال الاجتماعي مفهوم مطاط Elusive، يُعرف بأساليب مختلفة، حيث يشير إلى الارتباط بالجماعة Sociability، وشبكة العلاقات الاجتماعية Social Networks، والتساند الاجتماعي Social Support، والثقة Trust، والتبادل Reciprocity، والاشتراك في منظمات المجتمع المدني Civic Society.

وفي إطار ذلك عُرف رأس المال الاجتماعي في تقرير التنمية البشرية الصادر عام 2003، بأنه النظام المؤسسي والعلاقات والعادات والتقاليد، التي تؤثر على كافة الجوانب في المجتمع، بما ينعكس على التفاعلات الاجتماعية والاقتصادية، والتأثير المباشر على عملية التنمية واستمراريتها.

ومن هذا يتضح أن رأس المال الاجتماعي ينبع من العلاقات الاجتماعية المشتركة، ويعتمد على بناء الثقة والتبادل والعمل الجمعي. ونظراً لأهمية هذا المفهوم، أظهرت الدراسات دور رأس المال الاجتماعي في برامج التنمية، والحد من الفقر والبطالة؛ لأن الحرمان من كل أنواع رأس المال، بما فيها رأس المال الاجتماعي، يؤدي إلى ندرة فرص العمل المنتجة، ويترتب على ذلك انخفاض مستوى الرفاة الاجتماعي. كما تؤكد الدراسات الإمبريقية على أن رأس المال الاجتماعي يزداد عند هؤلاء الأفراد، الذين يتكاملون جيداً مع مجتمعاتهم المحلية، والذين يتميزون بالفاعلية الذاتية. وبالمقابل ينخفض بدرجة كبيرة عند الأفراد الذين يعانون من البطالة، والمنعزلين اجتماعياً.

وفي ضوء ذلك يُعرّف رأس المال الاجتماعي بصورة أكثر تحديداً بأنه: "موارد كامنة في البناء الاجتماعي، يمكن الوصول إليها واستخدامها في أفعال مقصودة". يوضح هذا التعريف أن أرصدة رأس المال الاجتماعي توجد لصيقة بالبناء الاجتماعي؛ ولكنها لكي تؤدي الغرض منها لابد وأن ترتبط بالفعل الاجتماعي. وتتلخص هذه المصادر في نوعين:

1. علاقات وشبكات Networks يقيمها الأفراد لتحقيق أهداف معينة، مثل النقابات والأحزاب، وجمعيات النفع العام، والجمعيات الفئوية، وغير ذلك من العلاقات والشبكات التي تُؤسس لحياة مدنية.

2. منظومة قيمية تأتي على رأسها قيم الثقة والشفافية، وتحمل الآخر، والرغبة في البقاء معه، والعقلانية، وغير ذلك من قيم الحداثة.

ويتسم مفهوم رأس المال الاجتماعي بالدينامية (أي الحركة الحيوية) من خلال مستويين:

المستوى الأول: رأس المال الاجتماعي العضوي: وهو الرصيد الذي يملكه الفرد أو الجماعة من العلاقات الاجتماعية، أو من القيم، أو حتى من رموز المكانة والهيبة والقوة والسلطة، والتي تجعله يحتل موقعاً محدداً في نظام التدرج الاجتماعي القائم.

المستوى الثاني: رأس المال الاجتماعي المتغير أو المتحرك: وهو الطريقة التي يُستخدم بها رصيد الفرد من رأس المال الاجتماعي. ولا يوصف هذا الاستخدام بأنه استخدام إيجابي أو سلبي.

وهذا الفهم لرأس المال الاجتماعي يحقق المزايا التالية:

·       الاستفادة من ربط قضية رأس المال الاجتماعي بالممارسات الاجتماعية، والعلاقات الاجتماعية.

·       فهم رأس المال الاجتماعي على أنه رصيد دينامي حركي، يتغير ليس بالزيادة أو النقصان فحسب، بل بالتحويل أيضاً، أي تحويل أرصدة رأس المال الاجتماعي إلى مكاسب مادية، أو منافع ملموسة يمكن قياسها مادياً.

·       فهم المعوقات التي تحول دون تحقيق أرصدة اجتماعية وثقافية، أو التي تؤدي إلى هدر رأس المال الاجتماعي.

لذلك يُعد رأس المال الاجتماعي مجموعة من القواعد المشتركة، أو القيم التي تُعزز التعاون الاجتماعي، التي تُعد شرطاً مسبقاً ضرورياً لنجاح التنمية. كما يسهم رأس المال الاجتماعي في تحقيق التنمية الاقتصادية، من خلال زيادة الإنتاج، وتحسين القدرة التنافسية للمشروعات، وتنمية رأس المال البشري، وخفض تكلفة المعاملات، وسد الفجوة الطبقية، وكذلك دعم كل من الدولة والسوق والمجتمع المدني، من خلال العمل المشترك فيما بينهم لتحقيق الرفاهية والتنمية الاقتصادية. ويعتمد نجاح هذه المنظومة على الجهود، التي يُكمل بعضها بعضاً، ولا يستوي أن يحل أحدها محل الآخر، وتتمثل في الثقة وحرية الاختيار ورغبة الأطراف في التعاون. ومن ثم يُعد رأس المال الاجتماعي عاملاً مهماً في الاقتصاديات الحديثة، وفي انتشار الديموقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية.

وفي ضوء ذلك يمكن القول إن رأس المال الاجتماعي يُعد أحد مواد التنظيم الاجتماعي، ومصدراً كامناً للقيمة، يمكن العمل على تقويته وتدعيمه وتحويله إلى أهداف إستراتيجية مثمرة، خاصة إذا استخدم هذا المفهوم (رأس المال الاجتماعي) كأسلوب لتسهيل تبادل العلاقات والسلع، وتقوية الثقة في عمليات ومؤسسات التبادل الاقتصادي والاجتماعي، ليزيد من كفاءتها وسرعتها. كما أنه يخلق علاقة قوية بين الدولة والمجتمع، تسمح بخلق قنوات مؤسسية لمناقشة الأهداف والسياسات التنموية، وخلق هياكل وبُنى اجتماعية تدعم أعضاءها، وتحقق مصالحهم، وتعضيد تماسكهم. ومن ثم لا يمكن إغفال دور رأس المال الاجتماعي في تحقيق التنمية والتوصل، إلى دولة الرعاية والعدالة الاجتماعية.

وفي إطار ذلك يُعرف رأس المال الاجتماعي بأنه شبكة العلاقات الاجتماعية، ذات النمط القائم على الاختلاط والارتباط بالآخرين بهدف اجتماعي ـ أو يأخذ شكلاً اقتصادياً أو سياسياً، يقوم في الأساس على الثقة، والصدق، والتعاون. تلك أهم معايير تكوين رأس المال الاجتماعي، الذي يعكس رؤية الفرد لذاته وللعالم المحيط به، وتتجلى في سلوكه وممارساته.

ولهذا يرى أحد الباحثين أن رأس المال الاجتماعي هو نوع من رأس المال يتوقف على وجود الأفراد في مؤسسات اجتماعية. ومن ثم فالمجتمعات التي يوجد بها عمل أهلي نشط وفعال، تتسم بارتفاع معدلات رأس المال الاجتماعي، وبأنها تؤدي دوراً مهماً في تنمية المجتمع وتطويره.