إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اجتماعية ونفسية / الوعي الاجتماعي









الارتباط بالجماعة Sociability

الوعي الاجتماعي

Social Consciousness

 

تُعرِّف الموسوعة الفلسفية "مفهوم الوعي" بوصفه حالة عقلية من اليقظة، يُدرك فيها الإنسان نفسه وعلاقاته بما حوله من زمان ومكان وأشخاص، كما يستجيب للمؤثرات البيئية استجابة صحيحة. وبالرجوع إلى أصل الكلمة في اللغة اللاتينية، يتضح أنها تعني أشياء معروفة على نحو متصل، ويرجع بعض الناس الوعي إلى المعرفة.

يُعرف الوعي، بشكل عام، بأنه اتجاه عقلي انعكاسي، يُمَكِّن الفرد من إدراك ذاته والبيئة المحيطة به بدرجات متفاوتة من الوضوح والتعقيد. ويتضمن الوعي، إذاً، وعي الفرد بوظائفه العقلية والجسمية، ووعيه بالأشياء وبالعالم الخارجي، وإدراكه لذاته بوصفه فرداً وعضواً في الجماعة. ويذهب جورج ميد G. Mead، إلى أن عمليات الاتصال تساعد الفرد على تأمل ذاته، والقيام بدور الآخرين. هذا الاستدماج للآخر Other شرط أساسي لظهور الوعي، طالما أنه يتضمن عملية انعكاسية Reflexive.

أبعاد الوعي الاجتماعي

تكاد تتفق الدراسات التي اهتمت بموضوع الوعي الاجتماعي وبأنماطه النوعية ـ سواء كانت طبقية أو سياسية أو تعليمية... إلخ ـ على أن للوعي أبعاداً أساسية، هي:

1. البعد الأول: وجود اتجاه أو موقف إيجابي أو سلبي نحو القضية أو الموضوع المراد استطلاع الوعي بشأنه، وهو ما يُسمى: البعد النفسي الاجتماعي في الوعي.

2. البعد الثاني: ويقوم على إدراك القضية أو الموضوع من خلال تفسيره، وإبراز إيجابياته وسلبياته، وهو ما يُسمى: البعد العلمي للوعي.

3. البعد الثالث: ويقوم على تقديم تصور بديل للواقع الراهن لهذه القضية أو ذلك الموضوع الذي يُستطلع الوعي بشأنه، وهذا ما يُعبر عنه بالبعد الأيديولوجي.

ويتحدد الوعي بناءً على البنية الاجتماعية للمجتمع (أو الجماعة)، والمرحلة التاريخية التي تمر بها، وما يسودها من علاقات وأوضاع خاصة، وتوزيع للفرص الاجتماعية والاقتصادية والسياسية داخل هذه البنية.

أنواع الوعي

1. الوعي الاجتماعي

إن كان الوعي الاجتماعي تصويراً وانعكاساً للوجود الاجتماعي ـ أي العلاقات الاجتماعية والحياة الاجتماعية بجميع مظاهرها ـ فهو أيضاً حصاد لمجمل تفاعلات الوعي الطبقي. كما أن الوعي الطبقي نفسه انعكاس وتصوير لوجود الطبقة، ولحصاد تفاعلات وعي أعضائها.

فالوعي الاجتماعي، إذاً، هو منظومة عامة من الأفكار والنظريات للطبقات حول مجمل العلاقات الاجتماعية القائمة، ويمثل فهماً كلياً لها. وهذا الفهم الكلي يُعد الشكل الأرقى والأعلى للوعي الاجتماعي.

2. الوعي الفردي

يستند الوعي الفردي إلى أن الإنسان في الجوهر كائن مدرك لتصرفاته المتعددة (بتعدد أبعاد الحياة اليومية وزواياها، أي جميع أنواع النشاط الإنساني المادي والروحي). ويرتبط الوعي الفردي بالوجود المحدد للفرد في جماعة وطبقة ومجتمع معين، وبكل أساليب وفرص إشباع حاجاته الروحية والمادية. إن هذا الوعي الفردي ظاهرة اجتماعية ذات محتوى اجتماعي يتضمن الوجود الشخصي للفرد والطبقة التي ينتمي إليها، والوسط الروحي والمادي المؤثر في الوجود الفردي. ولهذا لا يستخلص الوعي الفردي من الظروف الفردية الشخصية فقط، بل من وجود الفرد في طبقته وجماعته ومجتمعه.

أما عمّا يحدث داخل الفرد، فإن الوعي هو العملية التي يقوم بها العقل باستخدام المعرفة المختزنة لديه، لتحديد دلالات المدركات الحسية ومعانيها. فالفرد لا يُفسر الرسائل التي يستقبلها في معانٍ مطابقة لها تماماً، ولكن يكون التفسير في إطار التفاعل بين الرموز Symbols التي يتم استقبالها، وبين المعرفة السابقة ذات العلاقة التي يستعين بها الفرد المتلقي.

وقد أوضح جون لوك J. Lock، أن الوعي هو إدراك ما يدور داخل عقل الإنسان، وهو انعكاس لملاحظات الشخص أو لملاحظة عقله للعمليات المتداخلة. وأشار إلى أن صور الوعي متعددة ومتباينة؛ فمنها الأفكار المدركة، والتفكير، والمعرفة، والشكوك. ويتم تعلم هذه القضايا الذهنية في أي لحظة. ويسمي لوك هذه العمليات "الإحساس الداخلي".

أما الوعي على المستوى المعرفي لدى الفرد، فينقسم إلى نوعين: وعي يومي (تطبيق)، ووعي نظري.

·   يُقصد بالوعي اليومي، وعي ينشأ من الشروط التطبيقية للحياة الاجتماعية، وفيه تعبر الحاجات والمطالب البشرية عن نفسها.

·   ويُقصد بالوعي النظري، وعي يطمح إلى التعبير عن جوهر الظواهر الاجتماعية.

ويكمن الاختلاف بين هذين النوعين ـ اليومي والنظري ـ في أن الوعي الأول يبقى على سطح الظواهر دون أن تصل تعميماته إلى عمقها، ويحاول الثاني التعمق في جوهر الظواهر وكشف قوانين وجودها الفعلي وتطورها.

الأيديولوجية والوعي الاجتماعي

بُذلت المحاولات لتوضيح العلاقة بين الأيديولوجية والوعي الاجتماعي، من زاوية ما يجمع بينهما وما يمكن أن يميز بينهما. ولعل أول ما يجمع بينهما من خصائص هو نشأة كل من الوعي والأيديولوجية في سياق تكوين اجتماعي له خصائصه، وتأثرهما سوياً بأنماط العلاقات الاجتماعية الأساسية في هذا التكوين الاجتماعي أو ذاك (والتي تأتي في مقدمتها علاقات الإنتاج والتوزيع). وفضلاً عن ذلك، فإذا كان الوعي يشتمل على أفكار وتصورات أخلاقية ودينية وجمالية وقانونية... إلخ، فبالمثل تشتمل الأيديولوجية على أفكار حول الموضوعات ذاتها؛ لكن الاختلاف الجوهري هو بين مضمون الأفكار هنا وهناك، وأيضاً الشكل الذي تُصاغ من خلاله هذه الأفكار.

وكما تختلف الأيديولوجية مع غيرها من تجليات الوعي، فإن العلاقة بينهما علاقة الجزء بالكل. وقد يكون مفيداً التذكير بأن الأيديولوجيات في كل مجتمع يربطها بالواقع الاجتماعي ما يربط الأجزاء بالكل الاجتماعي، وما يربط ذلك الكل بمكوناته الجزئية، وأنهما في علاقاتهما الجدلية يعطيان الحياة الاجتماعية طابعها المميز، الذي تتجسد فيه وتتصارع عوامل الثبات والتغير.

ومن أوجه الاختلاف بين الوعي والأيديولوجية، أن الوعي الاجتماعي يشتمل على التلقائية والعفوية، في حين تشتمل الأيديولوجية على مستوى عالٍ من الفكر والعلم يأتي بعد الوعي المباشر.

السيكولوجيا الاجتماعية والوعي

تمثل السيكولوجيا الاجتماعية مجموعة من المشاعر والاتجاهات الاجتماعية، التي تتحدد بمقتضيات وديناميات الوجود الاجتماعي للأفراد والجماعات. وتمثل هذه السيكولوجيا حلقة وصل تنقل تأثير الوجود المادي إلى مستوى الوعي.

ولا يُعد الوعي الاجتماعي أيديولوجيا أو سيكولوجيا، بل هو جميعها متفاعلة متبادلة التأثير. وهو –كذلك- ليس ذاتياً ولا موضوعياً، بل هو حصاد تفاعلها جدلياً. وإنه ليس إدراكاً للواقع أو تصوراً له، بل هو نتاج لحركة جدلية يندمج فيها الفردي في الاجتماعي، والذاتي في الموضوعي، والإدراك في التصور. ومن ناحية أخرى، تُعد الأبعاد السيكولوجية والإدراك السيكولوجي الاجتماعي مستوى أولياً للوعي، وتُعد الأيديولوجيا مستوى أكثر تنظيماً.

وهكذا يتضح أن الوعي الاجتماعي هو الحصيلة المستمرة لعملية الإدراك الشاملة للواقع الاجتماعي، ذلك الإدراك الذي يشمل إدراك الفرد وتصوره من القضايا الاجتماعية ـ سواء المجتمعية العامة أو الخاصة النوعية ـ والتي يأخذ منها موقفاً، إما تسليماً أو رفضاً بناءً على تفسيره لهذه المواقف.

ويمكن مما سبق وضع تعريف محدد للوعي الاجتماعي، بوصفه اتجاه عقلي يمكِّن الفرد من إدراكه لذاته وللواقع المحيط به. ويعد الوعي نتاجاً للتطور الاجتماعي، ولا يوجد بعيداً عن المجتمع الذي يحيا فيه الإنسان. ويتضمن الوعي الإدراك والحكم والتمييز.

ومن خصائص الوعي، إحاطته بكل أبعاد الواقع المحيط بالإنسان والمجتمع والطبقة، كما يتصف بالشمول والتنوع والتعقيد، كما أنه أكثر ارتباطاً بالوجود الاجتماعي كله في لحظة تاريخية معينة.