إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اجتماعية ونفسية / التطور الاجتماعي









3

3. اتجاهات دراسة التطور الاجتماعي

      يمكن حصر الاتجاهات الأساسية للتطور الاجتماعي، السائد بين علماء الاجتماع، في ما يلي:

أ. اتجاه يركز البحث في أصل النظُم وتطوير المجتمعات؛ وقد أخذ به كلٌّ من أوجست كونت وهربرت سبنسر وهوبنهاوس. فحاول سبنسر، مثلاً، اكتشاف نظرية تطورية، طبقها على الحياة الاجتماعية؛ إذ أشار إلى أنها تتطور من حياة بسيطة إلى حياة معقدة، ومن حياة متجانسة إلى حياة مختلفة ومتباينة، والمجتمع يتميز بتكامل الكلّ واختلاف الأجزاء.

ب. اتجاه يركز في دراسة الحياة الاجتماعية، في سيرها التقدمي؛ ويمثّله أوجست كونت بقانونه المعروف، قانون الأطوار الثلاثة، الذي ينص على أن التفكير البشري، قد مر بثلاث مراحل هي: مرحلة التفكير اللاهوتي (الديني)، وقوامه اعتماد العقل على التفسير الديني للظواهر؛ ثم مرحلة التفكير الميتافيزيقي (الفلسفي)، وعماده تفسير العقل للظواهر، ونسبها إلى معانٍ مجردة أو قوة عينية؛ ثم المرحلة (الوضعية)، التي يستند فيها تفسير العقل للظواهر إلى أسبابها والقوانين التي تحكمها. وقد أوضح كونت، أن هناك نوعاً من التوازن بين مراحل التطور العقلية وتلك الاجتماعية والسياسية.

ج. اتجاه يركز في دراسة حركة الحياة الاجتماعية، في خطها الدائري، كما عند ابن خلدون وفيكو وشبنجلر. فيرى الأخير، مثلاً، أن الحضارة كالكائن الحي، تمر في مراحل النمو نفسها التي يمر بها؛ إذ لكلٍّ منهما طفولته ونضجه، ثم شيخوخته. وشبّه مراحل العمر الأربع للحضارة، أحياناً، بفصول السنة الأربعة: الربيع، والصيف، والخريف، والشتاء. وهو يرى أن المدنية هي خاتمة كلّ حضارة.

د. اتجاه التطورية المحدثة. ومن أهم الذين أسهموا في هذا المنحى الجديد: فالكون بارسونز وولت روستو؛ فرأى أولهما أن العملية التطورية، تتمثل في ازدياد القدرة التكيفية للمجتمع. وهي تنشأ من خلال عملية الانتشار الثقافي، أو من داخلها. وتتمثل عواملها في التباين، والتكامل، والتعميم. واستنتج ثلاثة مستويات تطورية، ينطوي كلٌّ منها على مجتمعات مختلفة: بدائية، ووسطية، ومتقدمة. وتعتمد عملية التمييز بين هذه المجتمعات الثلاثة على التطورات الحاسمة، التي تطرأ على عوامل النسق القِيمي. فالتحول من المرحلة الأولى إلى الثانية (أي من المرحلة البدائية إلى المرحلة الوسطية)، يتطلب تطوراً في اللغة المكتوبة. وهذا التطور، طبقاً لبارسونز، يزيد الفروق ويعمقها، بين الأنساق: الاجتماعية والثقافية؛ إذ يمنح الأنساق الثقافية استقلالاً أكبر. أمّا التحول من المرحلة الثانية إلى الثالثة، فإنه رهن بالتطور، الذي يطرأ على النسق القانوني؛ إذ إن النظام القانوني، يجب أن يكون على درجة عالية من العمومية والتنظيم. وبهذا، يلاحظ أن بارسونز، شأنه شأن التطوريين، قد اهتم بحصر مراحل تطورية معينة، تمر بها المجتمعات.

أمّا وولت روستو Rostow، فقد ذهب إلى أن المجتمعات البشرية، تمر بمراحل تطورية خمس أساسية، هي: المرحلة التقليدية البدائية، ثم مرحلة التهيؤ للانطلاق، ثم مرحلة الانطلاق؛ وما إن يستكمل المجتمع مقومات مرحلة الانطلاق، حتى يلج في مرحلة جديدة، هي مرحلة الاتجاه نحو النضج. وتُعد المراحل الأربع السابقة تمهيداً لمرحلة خامسة، هي مرحلة الاستهلاك الوفير.

      ولكلّ مرحلة خواصّها ومتطلباتها، التي يسهب روستو في الحديث بها. وقد وُصفت نظريته بأنها لا تشبه نظرية ماركس؛ لأنها تعتمد على أسلوب سلمي في التطور، وليس مدخل الصراع الطبقي، كما في الماركسية. ومن الملاحظ أن هذه النظرية تشابه نظرية بارسونز، في أنها تعمل على ترسيخ التخلف والتبعية في الدول النامية. كما أن أخطر ما تعانيه هو تجاهلها تاريخ كلٍّ من الدول: المتخلفة والمتقدمة على حد سواء، وفهْمه فهْماً خاطئاً؛ فللدول المتخلفة تاريخ، لا يقلّ عراقة وقدماً عن تاريخ الدول المتقدمة؛ كما أنها لا تعيش، الآن، الحياة التي كانت تحياها منذ قرون مضت.