إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اجتماعية ونفسية / التفاعل الاجتماعي









2

2. العوامل المؤثرة في التفاعل

      يتأثر التفاعل الاجتماعي بدرجة التشابه بين ثقافة الأشخاص المشاركين فيه. فكلّما ازداد التشابه الثقافي بين طرفَين، ازداد التفاعل بينهما؛ فتفاعل العربي مع العربي، يكون أكبر من تفاعل العربي مع الأمريكي.

      ويتأثر التفاعل بصفات المتفاعلين وخصائصهم. فكلّما اتصف طرف التفاعل بالإخلاص والصراحة، وحُسن الخلق والتعاون والتسامح، وسعة الأفق، كان أكثر تقبلاً من الآخر؛ ما يزيد التفاعل بينهما. وكلّما اتصف بالانحلال الأخلاقي، والحقد والأنانية، وسوء السمعة، وعدم احترام الآخرين وضيق الأفق، أمعن الطرف الآخر في نبذه. وكلما اتصف بالانصراف عن التفكير الجماعي، ولجأ إلى حب العزلة، وعدم المشاركة في الاهتمامات، والأخذ بالآراء الرجعية، أصبح معزولاً عن أطراف التفاعل.

      يتضمن التفاعل التوقع. فالمدرس يشرح لتلاميذه، ويتوقع منهم الانتباه لما يقوله، ومناقشته في ما لا يفهمونه. وعند مقابلتك زميلك، تتوقع منه أن يحييك برفع يده، أو هز رأسه، فتستعد للاستجابة له. ولكن، إذا حدث ما يخالف توقعك، فإن التفاعل يتزايد، ويأخذ وجهاً آخر. فإذا اتجهت نحو صديقك، ولكنه انصرف عنك، فإنك قد تناديه لتسأله، أو تندد به، وتنتقد تصرفه.

      يتضمن التفاعل الاجتماعي إدراك الدور الاجتماعي، الذي يؤديه الطرف الآخر، في ضوء المعايير الاجتماعية. فإذا التبس ذلك الدور أو اختل، اتخذ التفاعل صورة مخالفة. فمن مكونات الدور الاجتماعي للأمّ رعاية وليدها، فإذا أعرضت عن ذلك، اتسم التفاعل بينها وبين وليدها من ناحية، وبينها وبين زوجها، بسِمة تخالف ما هو متعارف عليه، في ضوء المعايير الاجتماعية السائدة.

      لكل امرئ منطقة، تحيط به، تعرف بالحيز الشخصي Personal space؛ يحرص على إغلاقها دون أيّ شخص آخر. فإذا حدث العكس، اخترقها مرء آخر، عنوة، شعر بالضيق، وعمد إلى إجراءات، تعيد إلى الحيز الشخصي وضعه الطبيعي، وتحقق له الراحة. هكذا، يتكون التفاعل الاجتماعي بناءً على مساحة ذلك الحيز، المحيط بالمرء، واختراقها أو عدمه، واحترام خصوصيتها. ففي الصف المنتظم أمام شباك تذاكر معين، يحرص كلٌّ على حيزه الشخصي؛ فإذا حدث خلل ما، طلب الشخص من الطرف الآخر إصلاحه، أو ابتعد عنه مسافة، تكفل له الراحة.

      يتضمن التفاعل الاجتماعي تبادل رسائل: لفظية وغير لفظية، بين الطرفَين؛ وإذا حدث خلل في نقلها، يختل التفاعل. ففي حالة كف البصر أو الصمم، يتخذ وجهاً مغايراً لما هو متعارف عليه. كما يختل إذا قصد المرسل معنى معيناً لرسالته، فَهِمَه المستقبِل فهماً مغايراً أو مخالفاً للمقصود؛ لعدم وضوح الرسالة أو لغموضها، أو لنقص خبرة المستقبِل، أو لأخطاء في الإدراك.

      للتنظيم المكاني، أو طريقة الجلوس أثرها في التفاعل الاجتماعي. فعندما يجلس أعضاء جماعة إلى مائدة مستديرة، تميل كلّ فئة منهم إلى مخاطبة تلك التي تواجهها، وليس الأشخاص المجاورين لها. وحينما تستخدم المناضد المستطيلة، تبين أن من يجلسون إلى رأس المائدة، تزداد مشاركتهم في قرار الجماعة، كلّما أنِسوا في أنفسهم، أنهم أعمق تأثيراً فيه من أولئك الجالسين إلى الجانبَين.

      مادام التفاعل الاجتماعي يتضمن إمكانية تأثير كلّ طرف في الآخر، فإن هذا التأثير رهن بنتائج التفاعل، التي يمكن تحديدها بالإثابات Rewards والتكاليف Costs. فعندما يتفاعل شخصان معاً، فإن كلاً منهما يستمتع بجانب من التفاعل، ويشعر بالسرور والرضا والإشباع (إثابات)؛ في حين أن جوانب أخرى، قد تكون أقلّ إمتاعاً، وتؤدي إلى كف أو منع الأداء (تكاليف). وتحدد الحصيلة النهائية للتفاعل بالإثابات مطروحاً منها التكاليف. وتقدَّر كلتاهما بناء على عوامل مستمدة داخل علاقة الطرفين نفسها أو من خارجها. فلو أن موسيقيَّين يعزفان معاً لحناً معيناً، فقد يستمتعان بتفاعلهما، إذا كانا متجانسَيْن (إثابات). أمّا إذا حاول أحدهما أداء أنغام غير متفق عليها، فإن ذلك سيكون مكلفاً لكلٍّ منهما. وفي هذه الحالة، تكون الإثابات والتكاليف مستمدتَيْن من داخل العلاقة بين الطرفَين.

      ولو أن أحد الموسيقيَّين ماهر، فإنه قد يشعر بالمتعة في الأداء، بحضور الآخرين. أمّا إذا كان غير ماهر، فإنه لا يجد بحضورهم المتعة في الأداء (تكلفة). وفي هذه الحالة، تكون الإثابات والتكاليف مستمدتَيْن من خارج العلاقة بين الطرفَين.

      وللقيادة دور مهم في تكوين التفاعل الاجتماعي؛ فإذا كان القائد مسيطراً، اتصف التفاعل بالتواكلية، وعدم الاهتمام، والتبلّد الانفعالي، والعنف والمعاداة وعدم الرضا. وإذا كان القائد فوضوياً، ازداد قلق الأشخاص وتوترهم؛ نتيجة لفشلهم في إشباع حاجتهم الإنجاز والنجاح. وإذا كان القائد ديموقراطياً، اتسم التفاعل بالإيجابية والحماس والمشاركة، والشعور (بالنحن) أيْ بالجماعة المتحدة المتماسكة المترابطة، وبالعقل الجمعي، وبالصداقة.

      تمر الجماعات بمراحل نمائية معينة، ويتميز التفاعل الاجتماعي، في كلّ مرحلة منها، بخصائص محددة. فيكون، في البداية، عشوائياً، وفي ثنائيات أو جماعات صغيرة. ثم يصبح تجريبياً، إذ يختبر المتفاعلون أنماطاً منه وأساليب معينة. كما يكون مضطرباً، ثم يقلّ الاضطراب، ويزداد التمركز حول العمل والجماعة؛ عندئذٍ، تصل إلى أعلى إنتاجيتها.

          إذاً، يمكن توجيه التفاعل بالتحكم في العوامل، التي تؤثر فيه.