إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اجتماعية ونفسية / الحراك الاجتماعي









أشكال الحراك الاجتماعي وطبيعته

أشكال الحراك الاجتماعي وطبيعته

ميّز علماء الاجتماع بين أشكال كثيرة من الحراك الاجتماعي، داخل البناء الاجتماعي للمجتمع المعاصر. ومن أهم تلك الأشكال التمييز بين الحراك الاجتماعي الصاعد Up Ward Social Mobility، الذي يُشير إلى انتقال الفرد من مستوى طبقي أدنى إلى مستوى طبقي أعلى، والحراك الاجتماعي الهابط Down Ward Social Mobility، الذي يُشير إلى هبوط الفرد من مستوى طبقي أعلى إلى مستوى طبقي أدنى، كأن ينتقل الفرد من طبقة عليا إلى طبقة متوسطة، مثل تدهور الحال لدى بعض الأثرياء والأغنياء نتيجة أزمة اقتصادية معينة، وانحدارهم إلى مستوى طبقي أقل.

          وقد حدد بعض علماء الاجتماع عدداً من الأسس العامة للحراك الاجتماعي الرأسي، أهمها:

1. يندر وجود مجتمع تكون فيه الطبقات مغلقة إغلاقاً محكماً، أو لا يوجد فيها حراك اقتصادي وسكاني ومهني.

2. لا يمكن أن يوجد مجتمع يكون فيه الحراك الرأسي حراً بصورة مطلقة، ويكون الحراك من طبقة إلى أخرى من دون عقبات.

3. يختلف عمق وشمولية الحراك الاجتماعي الرأسي من مجتمع لآخر.

4. يختلف عمق وشمولية الحراك الاجتماعي الرأسي في المجتمع نفسه، من وقت لآخر.

5. لا يوجد اتجاه دائم ومحدد نحو زيادة، أو نقص، عمق الحراك الاجتماعي.

          ويوضح علماء الاجتماع طبيعة الحراك الاجتماعي على أساس حركة وتنقل الأفراد دون الجماعات. وهذا يوضح الفارق بين الحراك الاجتماعي، الذي يتخذ شكلاً فردياً، والحراك الذي يتخذ شكلاً جماعياً، ويُطلق عليه "الحراك الطبقي" Class Mobility.

          ويُطلق الحراك الاجتماعي الأفقي Horizontal Social Mobility على حركة الأفراد أو الجماعات، من وضع اجتماعي إلى آخر مع عدم وجود اختلاف في الدرجات بين الوضعين؛ فمن يترك مهنة كهربائي ليعمل ميكانيكياً، يُعبِِّر عن حركة أفقية حيث تحتاج المهنتان إلى الجهد والعمل نفسيهما تقريباً، وتقاضي الأجر نفسه، والوضع الاجتماعي ذاته داخل بناء المجتمع.

          كما يميز علماء الاجتماع بين نمطين آخرين من الحراك؛ الأول، هو الحراك الاجتماعي بين الأجيال Intergenerational Social Mobility، الذي يظهر عند مقارنة الطبقة الاجتماعية، التي ينتمي إليها كل من الأبناء وآباؤهم أو أجدادهم. فإذا حقق الأبناء مستوى طبقياً أعلى من ذلك الذي ينتمي إليه آباؤهم، فإنهم بذلك يكونوا قد أنجزوا حراكاً اجتماعياً صاعداً عبر الأجيال، وعكس ذلك صحيح أيضاً للحراك الاجتماعي الهابط عبر الأجيال. والثاني، الحراك الاجتماعي داخل الجيل Interagenerational Social Mobility  وتجري بمقارنة الأوضاع الطبقية التي شغلها الفرد في حياته المهنية، وما يحققه من إنجاز فيها.

          وقد حدد أبرز علماء الاجتماع وهو بيتريم سروكين، أربعة أنماط أساسية للحراك الاجتماعي على النحو التالي:

1. الحراك المهني:

ويُقصد به تغيير الفرد لمهنة أسرته، وتبديل الأبناء لمهن آبائهم نتيجة لازدياد التخصص المهني، وتوافر مجالات العمل أمام الفرد، حسب ميوله الفردية واستعداده للإنتاج.

ويساعد الحراك المهني على تحرك الأفراد اجتماعياً واقتصادياً، عن مكانة أسرهم الاجتماعية والاقتصادية. ويؤدي ارتقاء الفرد في التركيب المهني وتغييره لوضعه المهني، عن وضع أسرته الأصلية، وصعوده أو هبوطه في السلم المهني، إلى تغييره مكان إقامته، ومعارفه وأصدقائه الذين تربى معهم في نشأته الأولى، واختلاطه بأفراد جدد ذوي ميول واتجاهات مغايرة عن الوسط الذي نشأ فيه، وتغييره أيضاً لأسلوب حياته ومركزه الاجتماعي ما يؤثر في علاقته القرابية بأعضاء أسرته.

أصبحت وراثة الأبناء لمهن الآباء ظاهرة نادرة في المجتمع المعاصر، وأصبح طبيعياً أو سوياً أن نرى أعضاء الأسرة يعملون في مهن متباينة، لا ترابط بينها ولا اتصال. فقد يعمل أحد أفراد الأسرة في التجارة وآخر في التدريس وثالث في مهنة الطب، بينما يعمل قريب لهم في حرفة يدوية، كالنجارة أو الحياكة.

2. الحراك المكاني

هو أكثر أشكال الحراك الاجتماعي انتشاراً في المجتمع الحضري الصناعي. فقد أصبح من الشائع انتقال الفرد من إقليم إلى إقليم، أو من حي لآخر. وكان الحراك المكاني محدوداً في المجتمع التقليدي، وكان الفرد يدين بالولاء للأرض التي يُولد فيها ويمارس نشاطه الاجتماعي والاقتصادي فوقها؛ ولكن أدى تقدم وسائل المواصلات ووسائل النقل، ونشأة مهن جديدة ذات أجور مرتفعة في أماكن متفرقة، إلى ازدياد الحراك المكاني للأفراد، وهجرتهم من الأقاليم التي يقيمون بها مع أسرهم إلى مواطن العمل الجديدة.

ولاحظ علماء الاجتماع أن الأفراد في المجتمع الحضري أصبحوا أقل ارتباطاً بالأرض التي ينشأون عليها، وزاد تحرك الأفراد من بلد لآخر، وزاد تغيير الأفراد للوحدات السكانية، وتبديلهم لجيرانهم، وزادت المسافات التي يقطنها الفرد في انتقالاته من مجتمع لآخر في المجتمع الحديث، ما يؤثر في ولائه لأسرته وارتباطه بأقاربه.

3. الحراك الاقتصادي

ويُقصد به تغير مراكز الأبناء الاقتصادية عن مراكز الآباء والأجداد. فلقد أدى تغير نظام الملكية، ونمو الملكيات الفردية، ونشأة نظام الأجور، وتقييم العمل على أساس إنتاج الفرد ومقدار ما يبذله من مجهود ونشاط، إلى تغير المراكز الاقتصادية للأفراد. وأصبح من الطبيعي أن تتغاير المراتب الاقتصادية للأبناء عن مراتب آبائهم، لتغير المهن التي يقوم بها كل منهم. ولعل تغاير المراتب الاقتصادية يعني أن التكوين الطبقي أصبح مرناً ومتغيراً، وأصبح من السهل أمام الأفراد الانتقال إلى مرتبة أعلى من مرتبة أسرهم بمقدار ما يبذلونه من جهد وعمل، وما يقومون به من نشاط في مهنهم. وصار من الطبيعي أن تنخفض مكانة الأفراد الاقتصادية عن مكانة أسرهم، إذا ما فشلوا في مهنهم.

4. الحراك الفكري

يقصد به مقدار ودرجة وقوة ارتباط الفرد بالقيم والأفكار المستحدثة المختلفة. وقد ساعدت وسائل الاتصال ـ مثل الراديو والسينما والتليفزيون والصحف والكتب والمجلات وازدياد الاختراعات الحديثة في العلوم والفنون ـ إلى ازدياد فرص الحراك الفكري، وعرض نماذج فكرية واجتماعية في أساليب جديدة من السلوك. وكذلك تغير التقاليد المتوارثة عن الآباء والأجداد. كما أدى ازدياد حركة الكشف العلمي إلى ضعف ارتباط الأفراد بالقيم القديمة، واتجاههم نحو تقبل الأفكار والمبادئ المستحدثة.