إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اجتماعية ونفسية / التخطيط الاجتماعي









الارتباط بالجماعة Sociability

التخطيط الاجتماعي Social Planning

يُعرف التخطيط، بشكل عام، بوصفه منهجاً يتضمن عدة إجراءات، لتحقيق غايات أو أهداف مرغوب فيها. والتخطيط الكفء يعني اتخاذ قرارات رشيدة، في رسم السياسات المختلفة وتنفيذها. ويرى كارل مانهايم أن التخطيط هو أسلوب منظم للتفكير، يحاول أن يحيط بكل الأحداث الموجودة في موقف معين. فنحن نهتم بالظروف العامة بالبيئة والعمل والناس والحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والجمالية في المجتمع، والخطة الصالحة أو الكُفأة هي التي تنجح في تحقيق التكامل، بين كل هذه الجوانب.

والواقع الاجتماعي هو نقطة البدء في عملية التخطيط؛ لأنه ينطوي على محصلة التطور التاريخي الطويل، الذي مرّ به المجتمع. وهذا التطور يتميز بالاستمرار والتواصل. وإذا كان التغير هو القانون العام للحياة الإنسانية أو هو سنة الحياة؛ فإن الاستمرار والتواصل هما عنصرا الربط بين مراحل هذا التغير؛ أي أن الحاضر قد تشكل من خلال الماضي وعبر أحداثه التاريخية، وفي الوقت ذاته يتضمن بذور المستقبل. ووسط ذلك كله يبرز التخطيط بوصفه محاولة علمية واعية للتعجيل بنضج العوامل الموضوعية، التي تدفع بعملية التغيير والتحول نحو غاياته المرتقبة، تلك الغايات التي تتمثل في تحقيق حياة أفضل لأبناء المجتمع.

ويذهب شارل بتلهيم في تعريفه للتخطيط إلى أنه نشاط اجتماعي، تُحدد بواسطته الأهداف التي نسعى إلى تحقيقها في مجال الإنتاج والاستهلاك ـ وذلك بطريقة منسقة ـ مع وضع القوانين الاقتصادية وخواص التنمية الاجتماعية في الاعتبار، والسعي لتحقيق هذه الأهداف بصورة أفضل. بمعنى آخر، يرى أن التخطيط يقوم على أسس ثلاثة، هي:

·   تحديد أهداف منسقة ووضع أولويات للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.

·   تحديد الوسائل الملائمة لتحقيق هذه الأهداف.

·   تفعيل تلك الوسائل تحقيقاً للأهداف المنشودة.

ويذهب بتلهيم إلى تعريف التخطيط بشكل محدد، بوصفه وسيلة لتنظيم استخدام الموارد أكفأ استخدام بحيث تعطي أفضل إنتاج وأعلى دخل، في أقل فترة زمنية.

ويذهب عبدالباسط محمد حسن إلى تعريف التخطيط بشكل شامل، بوصفه عمليات منظمة لإحداث تغييرات موجهة. ويتم ذلك من طريق حصر إمكانات المجتمع وتحديد مطالبه وتقدير حاجاته تقديراً استاتيكياً وديناميكياً، ووضع خطة شاملة متكاملة ومتجددة، في الوقت نفسه، لتحقيق هذه المطالب والحاجات، خلال فترة زمنية معينة. كل ذلك في هدي الفلسفة الاجتماعية التي يريد المجتمع أن يتحرك وينمو في إطارها، مع التنبؤ بما قد يعترض سير المجتمع من عقبات، وتحديد أنسب الوسائل اللازمة لتخطي تلك المشكلات والعقبات، والسير في طريق التقدم المنشود. من هذا التعريف يتضح أن التخطيط يتضمن ما يلي:

·   تقدير موارد المجتمع تقديراً دقيقاً للوقوف على الإمكانات البشرية والمادية.

·   تحديد احتياجات المجتمع تحديداً واقعياً سليماً، وحصر الحاجات وترتيبها ترتيباً تنازلياً في سلم الأولويات.

·   توضيح الوسائل والنظم والتنظيمات، التي يمكن الاستعانة بها لتحقيق هذه الأهداف.

·   تحديد فترة زمنية تتحقق خلالها هذه الأهداف.

·   تحديد الفلسفة الاجتماعية التي يريد المجتمع أن يتحرك وينمو في إطارها.

يختلف التخطيط عن السياسة في أنها اقتراحات تعبر عن احتياجات معينة، ويمكن من طريقها توجيه الخطط والبرامج والمشروعات، وذلك بوصفها إطاراً ودليلاً للخطط الحالية والمستقبلية. أما التخطيط، فإنه يضيف إلى تلك الاقتراحات عنصراً جديداً هو تصميم هيكل متكامل ينسق بين حجم وقيمة العمليات المختلفة، التي تدخل في إطار الخطة، من ناحية، وتحديد المشروعات المختلفة التي يمكن القيام بها، من ناحية أخرى. لذا، فمن الضروري عند وضع الخطة السليمة أن تكون لاحقة لرسم السياسة، وأن توضع أهداف الخطط في إطار السياسة.

ومن المعروف أن لكل دولة سياستها الاجتماعية، التي تحدد أهدافها العامة في مجالات العمل الاجتماعي. وتستمد هذه السياسة وجودها ومفاهيمها واتجاهاتها من أيديولوجية الدولة، وعاداتها وتقاليدها، وأسلوب حياتها، ودرجة تطورها. ويرتبط التخطيط الاجتماعي بهذه السياسة، ويقوم بترجمة مدلولاتها وأهدافها ترجمة عملية في صورة مشروعات وبرامج، تهدف إلى تحقيق ما ترمي إليه هذه السياسة من غايات وأهداف.

يختلف التخطيط عن التوجيه. فقد يكون التوجيه في صورة قانون يصدر، أو قواعد تُتبع في قطاع من القطاعات الأساسية في المجتمع. وقد لا يتطلب تحديد الوسائل والغايات خلال فترة زمنية معينة. أما التخطيط، فهو مرحلة عليا من مراحل التوجيه؛ لأنه يشمل جميع قطاعات المجتمع ـ خاصة في التخطيط القومي الشامل ـ ويُشترط فيه توضيح الغايات، التي ينشدها المجتمع والوسائل الكفيلة بتحقيق تلك الغايات، خلال فترة زمنية محدودة ومعروفة. ومما لا شك فيه أن تحديد الوسائل والغايات، والارتباط بخطة معينة ذات توقيت محدد، من شأنه أن يؤدي إلى تحديد مسؤوليات كل مشترك في عملية التنفيذ، ما يدفع بكل القوى للانطلاق نحو تحقيق الأهداف المقصودة. أما ترك الأمور لمحض الصدفة، أو للتنفيذ التلقائي، فيؤدي في الواقع إلى التباطؤ والتراخي ما قد يعوق الوصول إلى الغايات، التي يُراد الوصول إليها.

وذهب جوزيف هايمز إلى أن التخطيط عملية إرادية تفاعلية، تشتمل على الاستقصاء والمناقشة والاتفاق والعمل للوصول إلى الظروف والعلاقات والقيم المرغوب فيها. يُشير هذا التعريف إلى أن التخطيط الاجتماعي أداة إرادية واعية للتغيير الاجتماعي، حتى لا تترك عمليات التغيير للتلقائية والمصادفة؛ بل نجعلها تخضع للضبط والتحكم حتى تسير الظواهر والنظم في طريق مرسوم ونحو غاية محددة. وهو كعملية اجتماعية اطرادية يعبر عن استمرار الجماعة في تقدمها نحو تحقيق الأهداف الاجتماعية المحددة. ولمّا كان التخطيط عملية مستمرة ـ وليس فقط اتخاذ قرارات تصدر وتنتهي بصدور الخطة ـ فإنه يختلف عن الخطة بوصفها مجموعة القرارات التي أمكن التوصل إليها، والتي تتضمن كلاً من الأهداف والوسائل المختارة لتحقيق هذه الأهداف. كما يُشير هذا التعريف إلى أن التخطيط يمر في مراحل أربع، هي: الاستقصاء، والمناقشة، والاتفاق، والعمل. وهذه المراحل الأربع بينها تفاعل قوي وترابط وثيق، وقد لا تحدث في الواقع بالترتيب نفسه إلا أنها على أي حال ضرورية ولازمة لعملية التخطيط.

إن التخطيط عملية اجتماعية تنطلق من الواقع الاجتماعي، وتسعى لتغييره. وقد يمتد الأمر إلى إزالة أوضاع سائدة وإقامة أوضاع جديدة. وإذا كان التخطيط ينطلق من الواقع الاجتماعي، فإنه يتجه بالضرورة إلى المستقبل، أي من الوجود الفعلي إلى الوجود الممكن؛ ومن ثَم، فهو عمل ابتكاري خلاق. وهو أشمل وأعمق من التنظيم والإنشاء؛ لأنه يتضمنهما ويتجاوزهما في الوقت نفسه. إنه عملية هدم وبناء؛ هدم البناء الاجتماعي القديم المتداعي وبناء هيكل جديد اجتماعي واقتصادي وسياسي، على أساس من العلاقات الاجتماعية الجديدة.

بناءً على ما سبق، يمكن الوصول إلى التعريف الآتي للتخطيط الاجتماعي: هو "عملية مقصودة وواقعية يشترك فيها الفرد والجماعة والمجتمع، وتتضمن إحداث حالة من التوازن بين عناصر ثلاثة هي: الهدف والموارد والزمن، وذلك لتحقيق أقصى درجات الهدف بأفضل استخدام ممكن للموارد وفي أقصر وقت مستطاع".

وعلى ذلك، فأهم خصائص التخطيط، هي:

1.  أنه تدبير متعمد وموجه يستند إلى ممارسة سيطرة ما، والتحكم بدرجة معينة، في الطاقات المادية والبشرية المتاحة في المجالين الاقتصادي والاجتماعي، على حد سواء.

2.  أنه أسلوب علمي يسعى إلى تحقيق الأهداف المحددة، بوسائل ونماذج اقتصادية ورياضية وإحصائية؛ فضلاً عن إتباع السياسات الاجتماعية المناسبة.

3.  يتسم بالشمول والتنسيق، كما يتنبأ بردود الأفعال ويضعها في الاعتبار.

4.  يقوم على أساء تعبئة جميع الموارد الطبيعية والبشرية والفنية، ويستغلها أفضل استغلال، لإحداث أقصى نمو ممكن، في أقصر وقت مستطاع.

5.  هناك جانب اجتماعي للتخطيط يتمثل في إحقاق العدالة التوزيعية، والاهتمام بالحاجات الاجتماعية لإشباعها بأقصى قدر ممكن؛ فضلاً عن تحقيق أعلى مستوى معيشي ممكن.

6.  وأخيراً، للتخطيط، إضافة إلى جانبه النظري، جانب تنفيذي ومتابعة.

أولاً: المبادئ والأُسس التي يقوم عليها التخطيط الاجتماعي

لمّا كان التخطيط عملاً علمياً منظماً يقوم على تقدير الواقع ويستهدف تحقيق التطور، كان من الضروري أن تقوم فلسفته على مجموعة من المبادئ العلمية والأسس الموضوعية، التي يمكن تحديدها فيما يلي:

1.  الواقعية: يُقصد بواقعية التخطيط وضع الخطط على أسس علمية، تقوم على تقدير إمكانات المجتمع، وحصر الاحتياجات الحقيقية للأفراد، ثم العمل على تحقيق أفضل مطابقة ممكنة بين الموارد والحاجات، وفقاً لمعايير علمية دقيقة.

2.  الشمول: يُقصد بهذا المبدأ وضع الخطط الشاملة، التي تتناول مختلف القطاعات الوظيفية في المجتمع، دون الإخلال بمبدأ التوازن الجغرافي. فالمخطط الاجتماعي ينبغي أن يضع في اعتباره ضرورة شمول الخطة على الجوانب التعليمية والثقافية والصحية والترويحية والأسرية والدينية، وغيرها من جوانب الحياة الاجتماعية، لما بينها من ترابط وتساند وظيفي.

3.  التكامل: على المخطط الاجتماعي أن ينظر إلى عناصر الحياة الاجتماعية بوصفها كلاً متكاملاً، أخذاً بمبدأ التساند الوظيفي بين الظواهر الاجتماعية المختلفة، وضماناً لوضع خطط متكاملة لا يشوبها نقص أو يعتريها قصور.

4.  الاستمرار والتجدد: بمعنى ألاّ تنفصل أية مرحلة من مراحل التخطيط عن بعضها بعضاً. فمرحلة الإعداد والتصميم لا تنفصل عن مرحلة التنفيذ، وهذه بدورها لا تنفصل عن مرحلة المتابعة والتقويم. وينبغي الربط بين هذه المراحل بطريقة عضوية، ضماناً لاستمرار العمل ووفائه بالغايات المنشودة.

5.  التنسيق: يتم التنسيق على مستويين، أولهما: التنسيق بين الأهداف التي ترمي الخطة إلى تحقيقها؛ وثانيهما: التنسيق بين الوسائل والإجراءات والسياسات اللازمة لتنفيذ الخطة.

6.  المرونة: التخطيط عمل يتعلق بالمستقبل، ولكي يكون فعّالاً يجب أن يكون شاملاً وصادراً عن هيئة مركزية تراعي مبدأ المرونة الزمنية والمكانية. ويُقصد بالمرونة الزمانية مراعاة مبدأ التغير الاجتماعي التلقائي، الذي قد يحدث خلال الفترة الزمنية المحددة لتنفيذ الخطة. أما المرونة المكانية، فيُقصد بها أن يكون التخطيط الذي يُوضع على المستوى القومي قابلاً للتنفيذ في المستوى المحلي، مع تعديلات طفيفة تستلزمها ظروف المجتمع المحلي، أو خصائصه المميزة.

ثانياً: أهمية التخطيط الاجتماعي

أصبح التخطيط إحدى السمات المميزة للعصر الحاضر، لذا يُوصف العصر الحاضر في كثير من الكتابات العلمية بأنه عصر العلم وعصر التخطيط. وهذه التسميات ليست إلا انعكاساً موضوعياً وتعبيراً واقعياً عما تلقاه حركة التخطيط، القائمة على الأسلوب العلمي من انتشار عالمي، واهتمام يتزايد يوماً بعد يوم.

فالتخطيط الكفء أصبح هو الضمان الوحيد لتحقيق الأهداف الاجتماعية، التي تسعى البلاد النامية إلى تحقيقها. فأهداف التنمية الاجتماعية الشاملة تتضمن توافر فرص العمل للأعداد المتزايدة من السكان، وتقليل التفاوت في توزيع الثروة والدخل بين الأفراد، ورفع مستويات المعيشة، والتنسيق بين هذه المستويات في مختلف المناطق، بحيث يكون تقدمها بمعدل واحد بقدر الإمكان. إن هذه الأهداف لا يمكن تحقيقها بالوسائل التقليدية، أو بالاعتماد على الجهود الفردية، أو المنظمات الأهلية وحدها، بل لا بد من التخطيط الشامل لتحقيقها.

وإتباع سياسة التخطيط ضرورية لإحداث التوازن، بين مختلف الميادين الاقتصادية والثقافية والصحية والترويحية والسياسية، حتى لا يختل التوازن العام لنمو المجتمع؛ وكذلك، لإحداث التكامل بين مختلف الوحدات الجغرافية، التي يتكون منها المجتمع حتى يكون تقدمها بمعدل واحد بقدر الإمكان، وبحيث يتسنى القضاء على الثنائية الإقليمية، التي تتميز بها الدول النامية.

ويساعد التخطيط على تضييق الفجوة التي تفصل بين الدول النامية والدول المتقدمة، وذلك باستخدام الموارد بأكبر قدر ممكن من الكفاية، حتى لا يحدث فيها تعطل أو سوء تقدير، وبالمساعدة على تحقيق حياة أكثر رغداً للأجيال الحالية والمتعاقبة، وبإتاحة الفرص للمجتمعات النامية للتحرر والانطلاق، وبالتنسيق بين القرارات الاقتصادية المتباينة المتباعدة لتحقيق نمو عاجل وزيادة في الدخل القومي، وباستشعار مشاكل المجتمع وحسن استغلال الطاقات المادية والبشرية المتاحة والطاقات المعطلة ـ خاصة في المجتمعات المحلية ـ لعلاجها.