إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اجتماعية ونفسية / التقدم الاجتماعي









1

1. التطور التاريخي لمفهوم التقدم

      بَدَرَت إلى فكرة التقدم الاجتماعي كتابات بعض مفكري عصر النهضة، من أمثال فرنسيس بيكون، وديكارت؛ فضلاً عن التطورات الثورية في المعرفة العلمية، والتي أكدت قدرة العقل على السيطرة على الطبيعة، والإيمان بأنه يكتسب، خلال التقدم، مزيدا من المنطق والرشد في التفكير. وفي القرن التاسع عشر، ظهر اتجاه يميل إلى التسليم بأن القوانين الطبيعية، التي تنطوي عليها العملية التاريخية، تدعم فكرة التقدم، ويتأكد هذا الاعتقاد بظهور نظرية التطور، في نطاق علم الحياة، والتي أصبحت، بعد ذلك، تحظى بالقبول العام عند المتخصصين بالعلوم الاجتماعية المختلفة.

      وقد اهتم العلماء الأوائل بدراسة مفهوم التقدم، وصاغوه في نظريات متعددة. وكان من أبرزهم كوندرسية Condercet، الذي تصور مراحل متعاقبة للتاريخ، للوصول إلى الكمال. أولى تلك المراحل المرحلة الطبيعية، التي تنشأ فيها الحياة الاجتماعية في صورتها الأولية، وصناعاتها البدائية؛ ثم مرحلة الرعي، وتدجين الحيوان؛ فمرحلة الاعتماد على الزراعة، والاستقرار؛ ثم مرحلة الحضارة (اليونانية والرومانية)؛ ثم مرحلة الإقطاع؛ ثم مرحلة اختراع الطباعة؛ وأخيراً مرحلة الآمال، التي يطلق عليها مستقبل الإنسانية. يسود مرحلة الآمال المساواة بين الأمم والشعوب. وتصل الإنسانية إلى أرقى مراحل تطورها وأسمى غاياتها. ويتحقق فيها ارتقاء الإنسان، متمثلاً في تقدُّم الاختراعات ووسائل المعرفة، وتقدُّم العلوم: المعرفية والفلسفية والاجتماعية، والمساواة بين الرجل والمرأة، وتقدُّم الأحوال: المادية والصحية والمعيشية ومستوى الرفاهية الاجتماعية. ومعنى هذا أن كوندرسية، استخدم فكرة التقدم في الوصول إلى الكمال، والإدارة في بلوغ الحركة إلى الأمام في الاتجاه المرغوب فيه.

      وقد انتشر مفهوم التقدم بين العلماء الوضعيين، من أمثال سان سيمون، وأوجست كونت؛ لتفسير تقدُّم المجتمعات البشرية على خط صاعد إلى أعلى. فرأى كونت، مثلاً، أن الإنسانية تسير سيراً تلقائياً في تقدمها؛ والتقدم، في مفهومه، هو سير في اتجاه معين، يخضع لقوانين ضرورية، تحدد مداه وسرعته. وقال بأن الإنسانية عامة، مرت بثلاث مراحل ارتقائية، وأن كل مرحلة ضرورية للتالية عليها. ففي قانون هذه المراحل الثلاث، يلاحظ اتجاه معرفي معين، يسود كلاً منها؛ وهي المرحلة الدينية، والمرحلة الميتافيزيقية، والمرحلة الوضعية أو العلمية.

      وحاول هوبهاوس أن يحلل اقتران مفهوم التقدم بالتفسيرات: الفسلفية والبيولوجية، فعرّفه بأنه التغيير إلى الأحسن أو الأفضل. وقد انتقد فكرة حدوث التقدم بفصل العوامل الجغرافية أو الوراثية أو العرقية؛ مؤكداً أنه ظاهرة حضارية، تنتجها الجهود الاجتماعية، وليس عاملاً وحيداً بعينه. بمعنى آخر، قرن هوبهاوس التقدم بطبيعة البناء الاجتماعي. ورأى كذلك أن المشكلة الرئيسية، التي يجب أن تلتقي عندها كلّ العلوم الاجتماعية، وتهتم بحلها، في النهاية، هي وضع مفهوم سليم للتقدم الاجتماعي، من طريق التحليل العلمي؛ وتتبع هذا التقدم في صورة المعقدة، على طول التاريخ؛ واختبار حقيقته، بالتصنيف الدقيق، والمقارنات الفاحصة، لتأكيد ظروفه واستشراف المستقبل، إن أمكن.

      لذا، يتضح أن كثيراً من العلماء، اعتقدوا أن المجتمع، في إطار التقدم، يتحرك بصفة مستمرة نحو السعادة القصوى؛ وأن المستقبل سوف يمثّل عصراً ذهبياً. ولكن تعرضت فكرة التقدم للإهمال والازدراء، ليس في علم الاجتماع فقط؛ وإنما بصورة أهم في نظر مثقفي المجتمعات الغربية؛ لأنه على الرغم من أن كثيراً من أهداف دعاة التقدم، في القرن التاسع عشر، قد تحققت، إلا أنها لم تحقق الرضا المنشود. والدليل على ذلك هو الفروق الشاسعة بين البلاد الصناعية الغربية والبلدان النامية، وأن الشرور الاجتماعية، كالفقر والمرض والجهل، وأحياناً الظلم، ما زالت قائمة كما هي تقريباً.