إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اجتماعية ونفسية / الاستقرار الاجتماعي









الارتباط بالجماعة Sociability

الاستقرار الاجتماعي Social Stability

    يُشير الاستقرار أو التوازن الاجتماعي إلى نوع من التساند بين مجموعة ظواهر اجتماعية مترابطة. مثل هذا التساند قد يكون ظاهراً أو كامناً، وقد يكون دينامياً (متجدداً) أو استاتيكياً (ثابتاً).

    حظي هذا المصطلح بالاهتمام في التحليل الاجتماعي. فقد اهتمت النظرية الوظيفية بتحقيق الاستقرار والتوازن داخل المجتمع. وظهر الاتجاه المحافظ Conservative في علم الاجتماع، الذي يركّز على دراسة العوامل التي تساعد أو تدعم الواقع الاجتماعي القائم بمكوناته الثقافية والسياسية، بوصف أن نُظُم المجتمع المختلفة ـ الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والتربوية والثقافية ـ تشكل البناء الاجتماعي، الذي يشبع احتياجات الأفراد. وبقدر ما تكون هذه النظم قادرة على أداء وظائفها من خلال البيئة الاجتماعية، التي يسودها التواءم والتساند، تكون قدرة المجتمع على البقاء.

    ظهرت جذور هذا المنظور في فلسفة "أوجست كونت" الوضعية، عندما ربط بين قيام الثورة الاجتماعية وإلغاء الملكية وتأسيس الجمهورية في القرن السابع عشر، وشيوع عدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي، وظهور أنواع شتى من المشكلات الاجتماعية. يرى "كونت" ضرورة إعادة القانون والنظام مرة أخرى إلى المجتمع، بإصلاح المجتمع ومعالجة المشكلات التي يواجهها. ولكي يوضح نظريته في الإصلاح الاجتماعي، شرح بنية المجتمع وتركيبه الذي تحتوي على جانبين، جانب استاتيكي Static (مستقر وثابت) يتشكل من مجموعة النظم والمؤسسات، وجانب ديناميكي (متغير ومتجدد) يشير إلى طرق التفكير والثقافة التي تتغير وتتبدل مع الزمن، والتي لها تأثيرها المباشر على المجتمعات.

    أشار "سوروكين" في كتاب "الديناميات الاجتماعية والثقافية"، إلى خمسة استخدامات لمصطلح الاستقرار أو التوازن الاجتماعي:

1. حالة استقرار الظواهر الاجتماعية، مثل المحافظة على الأوضاع القائمة في النسق السياسي.

2. التوازن المؤقت بين الظواهر الاجتماعية.

3. التساند المتبادل بين القوى الاجتماعية.

4. حالة التوافق والتكيف والانسجام بين الظواهر الاجتماعية، مثل إشباع الحاجات الشخصية داخل النظام العام.

5. اتجاه النسق الاجتماعي إلى استعادة حالته السابقة.

    وقد قدم "باريتو" مفهوماً لتوازن النسق واستقراره بوصفه يشير إلى قدرة النسق على الاحتفاظ بحالته، إذا ما تعرض لتعديلات أو تغييرات. فهناك تساند متبادل بين عناصر النسق الاجتماعي، بحيث أن أي تغير قد يطرأ على عنصر معين سوف تصاحبه تغيرات في العناصر الأخرى.

    ومن أجل تحقيق الجماعة لبقائها واستقرارها واستمرارها داخل المجتمع، يوجد المجتمع بعض النظم الاجتماعية، وتُسمى النظم الرئيسية أو الأساسية. فمهما اختلفت طبيعة المجتمعات وأسس قيامها وظروف حياتها أو مراحل تطورها، لابد أن تضع نظاماً محدداً لإنجاب الأطفال وإعدادهم (تنشئتهم اجتماعياً)، وتنظيم العلاقة بين الرجل والمرأة، تلك هي الأسرة كنظام اجتماعي. ولابد لكل جماعة أن تعمل لكي تنتج الأساسيات اللازمة لإعاشتها، كما يجب أن ينظّم المجتمع لأفراده أساليب الإنتاج وتوزيع العائد من هذا الإنتاج والاستهلاك، وذلك هو النظام الاقتصادي. وكل مجتمع إنساني لمس أفراده منذ فجر تجربتهم الاجتماعية الحاجة إلى التفكير فيما وراء الطبيعة، وهذا ما يُسمى النظام الديني. كذلك يكون النظام السياسي ملازماً للنظام الاجتماعي، فلا مجتمع بلا سياسة، سواء في الماضي أو الحاضر أو المستقبل. تلك هي النظم التي لا يخلو منها مجتمع، والتي تكون في حالة من التوازن والتساند المتبادل، وتظل السِّمة المشتركة بينها جميعاً أنها سريعة التغير.

    ويظل الأساس الذي يقوم عليه الاجتماع الإنساني، وفقاً للنموذج الوظيفي، هو اتفاق أعضاء المجتمع، أي الإجماع، بمعنى أنهم يتفقون ـ بوجه عام ـ على القيم والمعايير نفسها والاعتماد المتبادل نتيجة للحياة الاجتماعية المشتركة، لتحقيق الاستقرار والتوازن الاجتماعي. وفي إطار ذلك، فإن النظرية الاجتماعية الحديثة (الوظيفية) تميل إلى النظر إلى المجتمع بوصفه توازناً دينامياً مستقراً يمتلك آليات إرجاعية في بنائه، تُعيد المجتمع إلى حالة استقراره.

    بناءً على ما سبق، فإن الاستقرار الاجتماعي يعني استمرار وجود النماذج والظواهر الاجتماعية والثقافية في المجتمع ـ المحلي أو الكبير ـ دون تعرضها لتغير فجائي أو جذري. وهذا لا يعني بالضرورة وجود حالة من الثبات المطلق تسود المجتمع (لأن المجتمع الثابت ـ إذا افترض وجوده ـ يكون مستقراً). أي أن المجتمع الذي تطرأ عليه تغيرات تدريجية وبطيئة وكافية لإعادة التوافق دون أن تؤدي إلى اضطراب أو تفكك، يكون مجتمعاً مستقراً.