إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اجتماعية ونفسية / الوصمة الاجتماعية









الارتباط بالجماعة Sociability

الوصمة الاجتماعية

Social Stigma

 

يُعرف "الوصم" -بشكل عام- بأنه إطلاق أو إلصاق مسميات غير مرغوب فيها بالفرد من جانب الآخرين، على نحو يحرمه من التقبل الاجتماعي أو تأييد المجتمع له؛ لأنه شخص مختلف عن بقية الأشخاص في المجتمع. ويكمن هذا الاختلاف في خاصية من خصائصه الجسمية أو العقلية أو النفسية أو الاجتماعية، التي تجعله مغترباً عن المجتمع الذي يعيش فيه ومرفوضاً منه، ما يجعله يشعر بنقص التوازن النفسي والاجتماعي.

ظهر مفهوم الوصمة في نظرية التسميةLabeling  لجوفمان Goffman في كتابه "الوصمة"، عام 1963، ويشير إلى علاقة التدني التي تجرد الفرد من أهلية القبول الاجتماعي الكامل. وتركّز البحث في هذا المجال بصفة أساسية على المشاكل الناجمة عن وصم الأفراد والجماعات، وعلى آليات التكيف التي يستخدمونها لمجابهة هذه المشاكل. والوصمة، التي يُوصم بها الفرد، قد تكون جسمية (العدوى بأمراض جنسية)، أو وثائقية (صحيفة حالة جنائية)، أو قرينية (صحبة سيئة)، سواء كانت منسوبة أو مكتسبة.

إن الوصمة هي العملية التي تنسب الأخطاء والآثام الدالة على الانحطاط الخلقي إلى أشخاص في المجتمع، فتصفهم بصفات بغيضة أو سمات تجلب لهم العار أو تثير الشائعات. وتشير الوصمة إلى أكثر من مجرد الفعل الرسمي من جانب المجتمع تجاه العضو، الذي أساء التصرف أو كشف عن أي اختلاف ملحوظ عن بقية الأعضاء. وقد ذهب جورج هربرت ميد إلى أن الوصمة الاجتماعية تزداد بناءً على حجم العقوبات المفروضة على مخالفي القانون ونوعها. فأكد أن العقوبات الصارمة المرتبطة بالمتابعة والمقاضاة، مسألة تتعارض مع إعادة تكييف المنحرف. كما أن الإجراءات التي تُتخذ نحو مخالفي القانون، تؤدي إلى تدمير التفاعل بينهم وبين المجتمع، ما يخلق روح العداوة عند المنحرف. وينطوي توجه ميد هذا على أن نظام العقوبات الصارمة هو نظام فاشل تماماً، وأن فشله لا يقتصر على عجزه عن ردع الانحراف فقط، وإنما يمتد إلى تكوين فئة إجرامية.

إن المبالغة في تطبيق الجزاءات تُثير الحقد والعداوة عند المنحرف. كما يؤدي الاتجاه العدائي من جانب المجتمع إلى مزيد من الانحراف. وأن عدم الاتساق في فرض العقوبات هو أهم ما يعرض الشباب لاحتراف الجرائم، لإحساسهم المتزايد بالظلم؛ إذ مهما كانت فداحة الذنب الذي يرتكبه الفرد، فربما تكون هناك درجات من الإجرام لم يصل إليها بعد. فإذا شعر أن المجتمع يتصرف نحوه بطريقة طاغية وعنيفة، فالنتيجة الطبيعية لذلك هي الشعور بالاغتراب عن المجتمع، والنظر إلى زملائه من المجرمين بوصفهم الأشخاص الذين يعاملونه باحترام ورفق. لذا، قد يغادر السجين السجن وهو عدو للمجتمع، وأكثر ميلاً عن ذي قبل إلى مواصلة الانحراف الإجرامي.

لذا أكد ليمرت على أن رد الفعل المجتمعي إزاء السلوك المنحرف، غالباً ما يُفضي إلى تقويته، وليس إلى اختزاله؛ فالسجون –مثلاً- تلعب دوراً فعالاً في إفراز المجرمين والعتاة منهم أكثر من إصلاحهم. وأيما كانت الأسباب الأصلية للسلوك المنحرف أو للانحراف الأولي، فإن الجزاءات الاجتماعية تؤدي إلى الانحراف الثانوي، حسبما يقول المثل: "إذا افترضت الشر في شخص ما فسوف يعيش شريراً".

ويوضح هذا اعتماد مفهوم الوصمة على عدد من المعاني المرتبطة بالفعل، والفاعل، والظروف، وأفكار وشخصية ومعتقدات الفرد الموصوم، وكذلك أفكار ومعتقدات المجموعة التي تطبّق الوصم.

وبناءً على ذلك يوضح بيكر Becker أن الانحراف يُنشئه ويخلقه المجتمع. وهو لا يعني المفهوم العام الذي يشير إلى أن أسباب الانحراف تنبع من الواقع الاجتماعي للمنحرف أو من المتغيرات الاجتماعية التي تدفعه إلى الانحراف، وإنما يعني أن الجماعات تساعد على خلق الانحراف بوضعها القواعد التي يمثل الخروج عنها انحرافاً، وتطبيقها لهذه القواعد الاجتماعية ضد بعض الأشخاص، ومن ثم وصمهم بالخارجين Outsiders عن القواعد الاجتماعية. ووفقاً لذلك يصبح تعريف الانحراف لا علاقة له بواقع أو خصائص الفعل الذي يخالفه الفرد، وإنما هو نتاج مباشر لما قد يترتب على تطبيق القواعد الجزائية ضد المخالف من آثار سلبية. ومن ثم فالمنحرف هو الشخص الذي يتم إلصاق الوصمة به، أو السلوك الذي يوصم الفرد به من قِبل الجماعة أو المجتمع.

يتضح مما سبق أن المجتمعات هي التي تحدد الانحراف بإقرار بعض القواعد، التي يُعد انتهاكها انحرافاً من منظور بناء ذلك المجتمع. وأن الانحراف ليس خاصية للفعل الذي يرتكبه الفرد، وإنما هو مسألة تتعلق بثقافة المجتمع وبنظرة أبنائه؛ وبمعنى آخر فإن الانحراف ليس صفة يوصف بها السلوك في ذاته، وإنما خاصية يخلعها المجتمع على سلوك معين، في ضوء القيم والمعايير السائدة.

أما عن كيفية حدوث عملية الوصم، فيذهب بيكر إلى أن المضمون الرئيسي لهذه العملية يتركز أساساً على التأثيرات المهمة، التي يحدثها إلصاق صفة الانحراف بأفراد معينين. مثال ذلك: كيف يُنظر إلى هؤلاء من قِبل بقية أفراد المجتمع، وكيف ينظرون لأنفسهم؟ وأخيراً أثر هذا الوصم على أنماط التفاعل بين هؤلاء الأفراد وبين الآخرين؛ لأن وصف فرد ما بصفة الانحراف يعني أن هذا الفرد والجماعة المحيطة به ينبغي أن يكيفوا أنفسهم على التعامل معاً بوصف أن هذا الفرد ذو شخصية غير سوية، ومن ثم تحدث عملية الوصم.

وبناءً على ذلك يتحدد مفهوم الوصم من خلال العناصر الآتية:

1. يتسم المجتمع الإنساني بوضع العديد من القواعد الاجتماعية، التي تنظِّم السلوك الإنساني وتحفظ للمجتمع توازنه واستقراره.

2. يتحدد نوع سلوك الفرد من خلال تطبيق هذه القواعد المنظمة للسلوك عليه، ومن ثم فإن تحديد السلوك بكونه (منحرفاً) يكون من خلال رد الفعل تجاه هذا السلوك ولا يرجع إلى السلوك ذاته، فإذا لم يكن هناك رد فعل فلا يكون هناك انحراف Deviance.

3. عندما يدرك المشاهدون الاجتماعيون سلوكاً ما ويصمونه بالانحراف، فإن مرتكب هذا السلوك يوصم أيضاً بالانحراف، ويكتسب صفة مجرم أو منحرف.

4. ينظر المشاهدون إلى الفرد حال وصمه بأنه يتصرف في ضوء ما وُصم به؛ فالشخص الموصوم بأنه مجرم يُنظر إليه بالدرجة الأولى على أنه مجرم، مع تجاهل السمات الأخرى التي يُسلّم بها.

5. يراقب –عادة- من صدر عنهم رد الفعل (الأفراد، الجماعات) هؤلاء الذين وُصموا بأنهم منحرفين، لأن من المحتمل عودتهم لارتكاب السلوك الإجرامي نفسه مرات أخرى.

6. يكون رد الفعل الاجتماعي –غالباً- تجاه الموصومين ـ وما يصاحبه من مواقف واتجاهات سلبية نحوهم من أفراد المجتمع وجماعاته ومؤسساته الرسمية ـ معبراً عن الاستنكار والسخرية والرفض والنبذ الاجتماعي لهم ولأسرهم بصفة خاصة، ما يفرض عليهم نوعاً من العزلة الاجتماعية.

7. يترتب على رفض المجتمع ونبذه الموصوم سلوكاً منحرفاً (انحراف ثانوي)، ويعد نتاجاً لتقبل الوصم بوصفه هوية ذاتية تؤدي بالموصوم إلى الاتجاه نحو امتهان الجريمة والانحراف، والابتعاد عن مزاولة النشاط المشروع.

أنماط الوصم

يمكن تحديد أهم صور الوصم الاجتماعي وأنماطه، على النحو الآتي:

1. الوصمة الجسمية

وهي المرتبطة بالإعاقة الجسمية، تلك الإعاقات التي تنتج عن قصور أو عجز في الجهاز الحركي، وتحدث نتيجة لحالات الشلل الدماغي أو شلل الأطفال أو بتر طرف من أطراف الجسم، نتيجة مرض أو حادث يؤدي إلى تشوه في العظام أو المفاصل أو ضمور ملحوظ في عضلات الجسم، وربما تكون العوامل المسببة لهذه الإعاقات عوامل وراثية أو مكتسبة.

2. الوصمة العقلية

وهي المرتبطة بالضعف العقلي أو التخلف العقلي، على نحو لا يساعد الفرد على التعلم المعتاد، وإلى نقص القدرات اللازمة للتوافق في وسط بيئي وثقافي معين ـ نتيجة لعدم الإدراك والتصرف المناسب في المواقف المختلفة ـ ما يؤدي إلى عدم القدرة على مواجهة البيئة الاجتماعية التي يعيش فيها الفرد؛ وكذلك انعدام الكفاءة الاجتماعية والمهنية، ونقص القدرة على الاستقلال في كافة شؤون الحياة الاجتماعية دون رقابة أو إشراف من الآخرين.

3. الوصمة الحسية

وهي المرتبطة بالإعاقة الحسية، أي فقدان كفاءة وظيفة إحدى الحواس أو بعضها بدرجة كلية أو جزئية، خاصة حاستي البصر والسمع. ويُشير مصطلح الإعاقة البصرية إلى مجموعة الأشخاص الذين لديهم جوانب قصور في تكوين ووظيفة حاسة الإبصار. أما الإعاقة السمعية فتمتد لتشمل كلاً من الصمم والضعف السّمعي.

4. الوصمة اللغوية

وهي المرتبطة بعيوب استخدام اللغة والكلام؛ فالكلام يكون غير سوي حينما ينحرف كثيراً عن كلام الآخرين بدرجة تستلفت الانتباه، ويعوق الاتصال، ويسبّب حالة من الضيق للمتحدث أو المستمع.

5. الوصمة العرقية

وهي المرتبطة بوجود اختلافات في السّلالة والوطن والدين داخل المجتمع الواحد. ولعل التمييز العنصري، الذي كان من قبل في الولايات المتحدة الأمريكية وجنوب أفريقيا، أو صراع الطوائف قديماً وحديثاً في الهند، أكبر دليل على مدى سيطرة هذه الاختلافات العرقية على كثير من المجتمعات.

6. الوصمة الجنائية

تشير الوصمة الجنائية إلى العملية التي تُنسب الأخطاء والآثام الدالة على الانحطاط الخلقي إلى أشخاص في المجتمع، فتصفهم بصفات بغيضة، أو سمات تجلب لهم العار، أو تثير حولهم الشائعات؛ ولذلك تشير هذه العملية إلى أكثر من مجرد الفعل الرسمي من جانب المجتمع تجاه الفرد، الذي أساء التصرف أو كشف عن أي اختلاف ملحوظ عن بقية الأعضاء داخل المجتمع.