إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اجتماعية ونفسية / التنشئة الاجتماعية









3

3. الفرد والجماعة، أثناء التنشئة الاجتماعية

إن التنشئة الاجتماعية، ليست بالعملية اليسيرة؛ وإنما هي عملية معقدة، متشابكة العوامل، متداخلة التأثير. فإذا ما أخذت في الحسبان الخصال البيولوجية للنوع الإنساني؛ والطابع الوراثي الفريد للشخص؛ والجهاز المعرفي المتغير، الذي يتصل من خلاله الطفل الإنساني، أثناء نموه وارتقائه في بيئته، فإن عملية التنشئة الاجتماعية، لا يمكن أن تقتصر على غرس الاتباعية لمعايير الثقافة والبيئة. إن ثمة فارقاً كبيراً بين قصر التنشئة الاجتماعية على أنها نقل للثقافة، وبين كونها عملية، يصبح المرء من خلالها إنساناً.

التنشئة الاجتماعية عملية هادفة. فإذا كان هدفها، في المراحل الأولى للحياة، هو إشباع حاجات المرء ومطالبه؛ فإنها تستهدف، في المراحل التالية، إشباع الحاجات، وإحداث نوع من التوازن والتوافق: الشخصي والاجتماعي، بينه وبين بيئته، ثم التحكم في مقوماتها وعواملها؛ بل يعمد إلى تحويل تلك العوامل والمقومات، من واقع ملموس، محسوس، إلى مدرَك مجرد، ورمز محدد، يمكن نقله وتناقله، في سهولة ويُسر. ولا يلبث أن يتعدى مرحلة التجديد والترميز هذه، إلى تنظيم هذه المدرَكات والرموز؛ موضحاً ما بينها من علاقات وروابط، وتشابه أو تناقض؛ مضمناً هذا التنظيم التعليل والسببية. وبذلك، يتكون قدر من الخبرة والمعرفة، يكون هو الوحدة، الحضارية والثقافية، للجماعة. ويتضح كذلك مما سبق أن المرء أثناء عملية التنشئة الاجتماعية، لا يكون سلبياً متلقياً، بل إيجابياً مشاركاً.

تنجم استمرارية عملية التنشئة الاجتماعية عن اقترانها بنمو المرء وتبلوُر مطالبه النمائية Developmental tasks ، وفقاً لكلّ مرحلة. ويعبّر المطلب النمائي عن حاجة معينة، يجب إشباعها، وإلا أُعِيق نمو الشخص. فإذا كان من مطالب النمو، في الطفولة، إشباع الحاجات الفسيولوجية الأساسية؛ فإن من مطالب المراهق الحاجة إلى تكوين فلسفة شخصية متسقة مع المجتمع؛ ومن مطالب الراشد الاضطلاع بالدور الوطني، والمسؤوليات والأدوار الاجتماعية، التي يجب أن يضطلع بها، ومن مطالب الشيخ التهيؤ للموت، وفقدان الشريك.

ليست التنشئة الاجتماعية صراعاً دائماً، بين الفرد والجماعة؛ وإنما عملية أخذ وعطاء بينهما. فالجماعة تسعى إلى تشكيل الفرد، وإكسابه خصائص مجتمعه، وتشريبه ثقافته. وفي الوقت عينه، يسعى الفرد إلى تحقيق الانتماء إلى الجماعة، لكي يشعر بالأمن والانتماء والاحتماء النفسي. فإذا التزم قِيم جماعته ومعاييرها، حقق تكيفاً: شخصياً واجتماعياً، ناجحاً. أما إذا خرج عليها، مارست عليه الجماعة ضغوطاً، تردّه إلى الإطار العام، الذي يلائم أهدافها وتركيبها وبناءها وأصول الحياة فيها؛ لكي تحافظ على وحدتها واستمرارها.

لما كان الفرد كائناً اجتماعياً يتفاعل مع مجتمعه، فإن التنشئة الاجتماعية، تشارك فيها هيئات ومؤسسات متعددة.  فإذا كانت الأسرة هي الجماعة الأولى، التي تسهم في تنشئة الأشخاص، فإن للمؤسسات الاجتماعية، كالنوادي والرفاق؛ والدينية، كالجوامع والكنائس؛ والإعلامية، كالتليفزيون والصحافة والإذاعة، إسهاماتها المؤثرة في تنشئة أبناء المجتمع وأعضائه.