إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اجتماعية ونفسية / تقدير الذات









تقدير الذات

تقدير الذات

ورد في مأثور القول: رحم الله امرئ عرف قدر نفسه (ونفسه هي ذاته)، أي لم يُغال في تقديرها عن الواقع فيصطدم دائماً ويفشل دوماً، وكذلك لم ينخفض تقديره لذاته لدرجة تشعره بالضعة لا بالتواضع، وتؤدي به إلى الشعور بالإحباط والفشل فيما يواجهه من أمور حياته. وهذا معناه أن تقدير الذات تقديراً غير واقعي، أو تقديراً زائفاً، يعوق حياة الفرد ويعطل نموه، ويدفعه إلى استخدام عديد من الحيل الدفاعية، وممارسة ردود فعل هي محاولة لإثبات الذات، والتأثير على الآخرين.

فأصحاب التقدير الزائف للذات يميلون إلى استخدام الآخرين من أجل مصلحتهم. وقد يتصرف بعضهم بتعالٍ أو باحتقار للآخرين، حيث تنقصهم الثقة في ذواتهم، ويشككون دائماً في قيمتهم، وإمكانية تقبلهم؛ ومن ثم فهم يرفضون القيام بأي مخاطرة، بل قد يلومون الآخرين –عادة- على تقصيرهم أكثر مما يحملون أنفسهم مسؤولية أفعالهم وتصرفاتهم. أما الفرد الذي يُقدر ذاته حق قدرها، فيتصف بتقديره الواقعي لجدارته، وبتأكيده على مشاعره الشخصية، والاعتراف بمصادر قوته ونقاط ضعفه، دون توجيه اللوم غير الضروري لذاته.

ويتصف ذوي التقدير الإيجابي لذواتهم بالنشاط والحيوية والإيجابية، في إقامة العلاقات الاجتماعية. ويعني هذا أن لتقدير الذات تأثيراً تنشيطياً على مستوى الوعي العام لدى الفرد، ويرفع من مستوى طموح الفرد الذي يؤثر بدوره على درجة تقبل الفرد للمعلومات، ومن ثم يؤثر على التحصيل والإنجاز. كما أن تقدير الذات كقوة دافعة للفرد، تدفعه إلى أن يصبح أكثر استقلالاً، وأكثر التزاماً وإحساساً بالمسؤولية من الناحية الاجتماعية، وأكثر سعياً نحو تطوير ذاته تلقائياً.

يتضح مما سبق أثر تقدير الذات في صحة الفرد النفسية وفي إنجازه، وكذا اعد العلماء تقدير الذات مؤشر للصحة النفسية. ويدعم ذلك ما تبين من أن المصابين بالاضطرابات النفسية، قد يعانون من مشاعر التفاهة والدونية، وعدم الكفاءة، والعجز عن مواجهة الصعاب، مع نقص القدرة على مقاومة ضغوط الحياة. كما أنهم أكثر استخداماً للحيل الدفاعية، وضعف الرضا عن الإنجازات. كما تبين وجود علاقة بين تقدير الذات، وكل من التوافق والقلق، والشعور بالوحدة النفسية.

أولاً: تعريف تقدير الذات

1. تقدير الذات بوصفه اتجاهاً

أي بمعنى أنه اتجاه أو يعكس مجموعة من الاتجاهات والمعتقدات، التي يستمدها الفرد عندما يواجه العالم المحيط به؛ فيما يتعلق بتوقع النجاح والفشل والقبول وقوة الشخصية.

وكمثال آخر لتقدير الذات، اتجاه الفرد نحو نفسه، وما يعكسه من خلال فكرته عن ذاته، وخبرته الشخصية لها.

وكمثال ثالث، يُعرف تقدير الذات بأنه اتجاهات الفرد الشاملة، (موجبة أو سالبة) نحو نفسه، وهذا يعني أن تقدير الذات المرتفع يتضمن رؤية الفرد لذاته على أنه ذو قيمة وأهمية؛ بينما يعني تقدير الذات المنخفض عدم رضا الفرد عن ذاته، أو رفض الذات أو احتقارها.

2. تقدير الذات بوصفه تقييما

أي حكم الشخص العام على ذاته بشأن كفاءة الذات وقيمتها، بناءً على الواقع المستمدة من الخبرة، أو الواقع الحياتي المعاش الذي تحيا فيه الذات، وتتعايش في كنفه.

وثمة تعريف آخر يرى أن تقدير الذات، هو تقييم الفرد لذاته ودرجة ثقته بقدرته، وتميزه ونجاحه وقيمته.

وفي تعريف ثالث، أن تقدير الذات هو تقيوم الفرد ذاته، فضلاً عن كونه تقديراً وتعبيراً سلوكياً، يعبر الفرد من خلاله عن مدى تقديره لذاته. وهذا التقدير من قِبل الفرد يعكس شعوره بالجدارة والكفاءة.

3. تقدير الذات بوصفه حاجة

أي يُعبر عن احتياج دافعي للفرد. وقد ذكر ذلك عالم النفس "ماسلو"، حين أشار إلى ارتباط تقدير الذات بعملية صيرورة الشخص محققاً لذاته.

وتعكس حاجات التقدير أن جميع الناس لديهم شعور ثابت، يقوم على أساس متين بالاهتمام بالمصلحة الشخصية، واحترام الذات. كما أنهم يحتاجون للتقدير من أنفسهم ومن الآخرين. ومن هنا قسم "ماسلو" حاجات التقدير إلى مجموعتين:

أ. المجموعة الأولى: تتضمن الرغبة في القوة، وفي الإنجاز، وفي الصلاحية، وفي السيادة، وفي الكفاءة، وفي الرغبة في الثقة بالنفس، والرغبة في القدرة على الاستقلال والحرية، التي ينتج عنها الحاجة إلى تقدير الذات.

ب. المجموعة الثانية: تتضمن الرغبة في الهيبة والمكانة، والاهتمام والكرامة والاعتزاز. وهذا يؤكد أن تقدير الذات نابع من خلال عملية التفاعل القائمة بين الفرد كذات، ونظرة الآخرين لهذه الذات بوصفها تعيش في مجتمع تؤثر فيه وتتأثر به.

4. تقدير الذات بوصفه توقعاً

تؤثر التغذية الراجعة، التي يتلقاها الفرد من بيئته الاجتماعية في تقديره لذاته؛ فأداء الفرد وسلوكه يتوقع أن يتلقى عليها الفرد تغذية راجعة معينة، قد تتفق أو لا تتفق مع توقعاته هو.

وكمثال لذلك، تعريف تقدير الذات بأنه العملية التي يدرك فيها الفرد خصائصه، ويستجيب لهذه الخصائص وجدانياً وسلوكياً. كذلك النظرة إلى تقدير الذات بوصفها الاتساق بين الصورة المثالية، التي يكونها الفرد عن ذاته، وأدائه الواقعي.

5. تقدير الذات بوصفه دالة للشخصية

تقدير الذات هو أحد مكونات الذات كنظام، وهو ذلك النظام الذي يُعد مسؤولاً عن المحافظة على الذات عند تعرضها للضغوط البيئية، والضغوط النابعة من المعلومات التي يتلقاها الفرد عن ذاته.

6. تقدير الذات بوصفها حالة تظهر في شعور الفرد بذاته

يتضمن هذا التقدير عدة عوامل، هي: احترام الذات، والثقة بالذات، وشعور الفرد بأنه ذو قيمة. وكمثال آخر لتقدير الذات، بوصفه حالة تظهر من نظرة الفرد واتجاهه نحو ذاته، ومدى تقدير هذه الذات من الجوانب المختلفة، كالدور والمركز الأسري والمهني والجنسي، وبقية الأدوار، التي يمارسها في مجال العلاقة بالواقع.

وعلى الرغم من تعدد تعريفات تقدير الذات، إلا أنه يمكن وضع تعريف يتصف بدرجة من الشمول والإحاطة. ذلك أن تقدير الذات هو حكم يصدره الفرد على درجة كفاءته الشخصية أو جدارته. كما يُعبر عن اتجاهات الفرد نحو نفسه ومعتقداته عنها، فهو خبرة ذاتية يكتسبها الفرد وينقلها إلى الآخرين، باستخدام الأساليب التعبيرية المختلفة.

ثانياً: أبعاد تقدير الذات ومكوناتها

يتضمن تقدير الذات أبعاداً معرفية ووجدانية وسلوكية، النحو الآتي:

1. البُعد المعرفي: يفكر الفرد بشكل واعٍ في ذاته، حيث يضع في حسبانه التباين بين ذاته المثالية (التي تقوم على أماني الفرد وإمكانياته، وتعكس ذات الفرد المرغوب فيها)، والشخص الذي يرغب في أن يكونه، أو الذات المدركة، أو التقدير الواقعي لكيفية رؤية الفرد لذاته (الذات الحقيقية)، والإحساس بالكفاءة، أي بقدرته على التوصل إلى نتائج مرغوبة بالثقة في كفاءته العقلية، وقدرته على التفكير، واتخاذ القرارات المناسبة.

2. البُعد الوجداني: الأحاسيس والانفعالات التي يشعر بها الفرد أثناء تفكيره في مثل هذا التباين، وشعوره تجاه ذاته، أو مقياس الفرد لخصائصه الشخصية، التي تلقى منه تقديراً واعتباراً واستحقاقاً.

3. البُعد السلوكي: يظهر فيما يمارسه الفرد من سلوكيات، كالتوكيدية والمرونة والحسم في اتخاذ قراراته، ونيله لاحترام الآخرين.

وقد رأى أحد علماء النفس أن نمط سلوك الكفاءة، بوصفه مكوناً أساسياً من مكونات تقدير الذات، ويتضمن:

·       الكفاءة الوسيلية: وهي ذلك النوع من السلوك الذي يتسم بخصائص، منها التواد والتعاون مع الآخرين، وتوجيه الإنجاز والغرضية.

·      الكفاءة التعبيرية: المشاعر والأحاسيس والعلاقات الشخصية الحميمية المتبادلة والتلقائية، والأفكار الطيبة.

وقد أُجريت دراسات عاملية وإحصائية على أحد الاختيارات التي تقيس تقدير الذات، وتوصلت إلى الأبعاد الآتية:

1. الاتجاهات الوالدية السالبة في مقابل الاتجاهات الوالدية الموجبة، كما يدركها الأبناء، مثل حب تشجيع الآباء، والاستمتاع بالوجود مع الوالدين.

2. تقدير المعلم لأداء الطفل، مثل مدح المعلم، والشعور برضا المعلم عن إجابة التلميذ، وشعور المعلم بتفوق التلميذ.

3. التقدير الإيجابي للذات، مثل شعور الطفل باهتمام الزملاء بما يقوله، وبأنه مجتهد وناجح.

4. العلاقات الاجتماعية مع الأطفال، مثل كثرة الشجار مع الزملاء، ووجود صعوبة في التعامل مع الزملاء.

5. تقدير الذات المتنوع، لأنه يجمع بين علاقة الطفل بالأصدقاء وبالمعلم، مع انخفاض تقدير الذات.

يُلاحظ أن هذه الدراسة بنيت على افتراض مؤداه تنوع مكونات وأبعاد تقدير الذات؛ نظراً لأنه يتضمن علاقات اجتماعية مع الآخرين. كما أن مصطلح البُعد يتضمن قطبين، أحدهما موجب والآخر سالب.

وفي دراسة عاملية أخرى، أُجريت على مقياس تقدير الذات، الذي أعده وألفه حسين الدريني، ومحمد سلامة، توصلت الدراسة إلى وجود ثلاثة عوامل وأبعاد ومكونات لتقدير الذات، هي:

1. الشعور بتقليل قيمة الذات في مقابل ارتفاع قيمة الذات. ومن المقولات الدالة على هذا البُعد، شعور الفرد بأنه أقل من زملائه، أو أنه لا يصلح لشيء أبداً.

2. توفير واحترام الذات، ومن المقولات الدالة على هذا البُعد: "أشعر بأني جدير باحترام الناس".

3. الرضا عن الذات اجتماعياً، ويمثلها "أشعر بالرضا عن حياتي الاجتماعية".

4. قيمة الذات كما يدركها الآخرون، ويمثلها "تلقى أفكاري تقدير والدي".

ثالثاً: مستويات تقدير الذات

1. المستوى الأول: تقدير الذات المرتفع / الإيجابي

في هذا المستوى، يرى الأفراد أنفسهم على درجة كبيرة من الأهمية، ويستحقون قدراً عظيماً من الاحترام والتقدير، ويتصفون باستمتاعهم بالتحدي ومواجهة الصعوبات، ويميلون إلى التصرف بطريقة تحقق لهم التقدير الإيجابي من الآخرين، ويمتلكون حظاً وافراً من الثقة في مداركهم وأحكامهم.

وبهذا يُعد تقدير الذات المرتفع أكثر الأدوات، التي يمكن أن يستخدمها الفرد لتحقيق التوافق؛ فيستطيع اقتحام المواقف الجديدة والصعبة دون أن يفقد شجاعته. كما يمكنه مواجهة الفشل في الحب أو العمل، دون أن يشعر بالحزن والانهيار لمدة طويلة.

إن الأشخاص الذين يحصلون على درجات مرتفعة في تقدير الذات لديهم قدر كبير من الثقة في ذواتهم وقدراتهم، ويرون في أنفسهم الجدارة والفائدة، وأنهم محبوبون من أقرانهم.

2. المستوى الثاني: تقدير الذات المنخفض / السلبي

 في هذا المستوى يرى الأفراد أنفسهم غير مُتقبلين ولا يتمتعون بالحب من الآخرين، ويرغبون في القيام بأعمال كثيرة؛ بينما لا يستطيعون تحقيق ذواتهم؛ لأنهم يرون أنفسهم في صورة أقل من غيرهم.

يميل الفرد في هذا المستوى إلى الشعور بالهزيمة، حتى قبل اقتحام المواقف الجديدة أو الصعبة، إذ يتوقع فقد الأمل مستقبلاً. ولعل ذلك راجع إلى أن لدى هؤلاء الأشخاص فكرة متدنية عن ذواتهم، ويعتقدون أنهم فاشلون غير جذابين.

3. المستوى الثالث: تقدير الذات المتوسط

يقع أفراد هذا المستوى بين المستوى المرتفع والمنخفض؛ فهم في منطقة وُسطى بين طرفي التقدير؛ فهم على ثقة مناسبة بأنفسهم، ويشعرون بقيمتهم الذاتية دون إفراط أو تفريط، وينخفض لديهم الشعور بالإحباط والخوف من الفشل والدونية.

تتحدد هذه المستويات باستخدام أساليب التقدير الذاتي، حيث يضع الفرد علامة على مقياس متدرج، أمام كل مقولة من مقولات المقياس. وبالرجوع إلى المعايير التي تتضمنها المقاييس، يمكن تحديد مستوى تقدير الذات لدى الفرد. وقد استُخدمت الملاحظة في قياس تقدير الذات، وذلك بوضع قائمة ببعض المظاهر السلوكية، التي يمكن أن يتميز بها مرتفعو تقدير الذات، ويحدد ملاحظ خبير الدرجة، التي يقع عندها الفرد، على كل مظهر من المظاهر.

رابعاً: خصائص تقدير الذات

1. تقدير الذات مفهوم مُعقد، لأنه يتضمن كلاً من عمليات تقييم الذات وردود الفعل والاستجابات الدفاعية. كما أنه مفهوم يتضمن أبعاداً متعددة.

2. طالما أن تقدير الذات يتضمن اتجاه الفرد نحو نفسه، أو إصدار حكم تقييمي على ذاته، ولما كانت ذات الفرد وشخصيته مكونة من تنظيمين معرفي ووجداني، وداخل كل تنظيم منهما عدة قدرات وسمات؛ فإن تقدير الفرد لذاته يكون متفاوتاً. فمثلاً، وفقاً لنظرية الذكاءات المتعددة، قد يكون تقدير الفرد لذكائه الموسيقي إيجابياً، أما تقديره لذكائه الطبيعي سلبياً، وتقديره لذكائه المنطقي متوسطاً.

3. تقدير الذات تكوين افتراضي، لا يُدرك مباشرة، بل يُستدل عليه من طريق استجابات الفرد للمثيرات الاجتماعية والفيزيقية والثقافية. وهذا يفسر أحد أسباب اختلاف تعريفات تقدير الذات، بناءً على المؤشرات التي يركز عليها صاحب كل تعريف.

4. لا يتسم تقدير الذات بالثبات المطلق؛ فهو قابل للتغير والتحسن، وذلك نظراً لأنه خبرة الذات على أنها متميزة بالكفاءة، ولاعتماده على التغذية الراجعة التي يتلقاها الفرد من البيئة؛ فضلاً عن الأثر الذي تحدثه خبرات الفشل والنجاح التي يتعرض لها الفرد. وقد بينت الدراسات إمكانية تعديل تقدير الذات بتعديل المعتقدات العقلية للفرد، وتنمية دافعه للإنجاز، وتدريب الوالدين على كيفية دعم التقدير الإيجابي للذات.

5. يدعم عدم الثبات المطلق لتقدير الذات، أن الفرد يكوِّنه من خلال عملية التفاعل القائمة بين الفرد كذات، ونظرة الآخرين لهذه الذات، بوصفها تعيش في مجتمع تؤثر فيه وتتأثر به. ويفقد الطفل تقديره لذاته حين يفقد الحُب داخل أسرته، ثم جماعته؛ لأن التفاعلات الإيجابية مع الآخرين ذوي الأهمية للطفل، تجعله ينظر إلى نفسه نظرة إيجابية. أما التفاعلات السلبية، فينتج عنها تقدير سالب للذات. ويتأثر تقدير الطفل لذاته بدرجة تقدير والده لذاته هو شخصياً، ذلك لأن الطفل يتوحد معه فيتشرب منه عدداً من مقومات حياته النفسية.

6. تقدير الذات ليس مكوناً أحاديا، بل هو مكون متعدد الأبعاد المعرفية والوجدانية والنزوعية والسلوكية. وهذا يفسر كيف اختلفت تعريفات تقدير الذات، بناءً على ما أسفرت عنه التحليلات الاحصائية لأبعاده ومكوناته.