إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اجتماعية ونفسية / تعديل السلوك









تعديل السلوك

تعديل السلوك

يتعرض الفرد خلال مسيرة حياته لتغيرات عديدة، منها ما هو دائم وما هو مؤقت، ومنها ما هو سيء وما هو خير؛ فتغيرات النضج والنمو تغيرات دائمة، تستمر مع الفرد لفترات طويلة (كالمشي)، أو لفترات محدودة (كالحبو). أما التغيرات المؤقتة، فهي تغيرات عابرة تزول بزوال المؤثر، مثل سلوك الأفراد في مواقف الخطر والأزمات، أو عند التعب والمرض. أما التغيرات السيئة، فهي تغيرات لا تساعد الفرد على الارتقاء والتكيف بل تعرق حياته كلها، وذلك خلافاً للتغيرات الإيجابية.

ويُعد تعديل السلوك شكلاً من أشكال العلاج، التي تهدف إلى إحداث تغيرات في سلوك الفرد، لكي تجعل حياته أكثر سعادة وإيجابية وفاعلية. ويعتمد تعديل السلوك على المبادئ العلمية، التي تفسر سلوك الإنسان، وعلى استخدام مبادئ التعلم لتغيير السلوك، وعلى التقدم العلمي، الذي حدث في نظريات الشخصية، والنظريات المعرفية والاجتماعية في علم النفس.

ويختلف التعديل السلوكي عن العلاج السلوكي؛ لأن الأخير يتعامل مع الحالات التي تتصف بالاضطراب النفسي، وتعاني من المشكلات الانفعالية الحادة؛ بينما يُستخدم تعديل السلوك مع المشكلات المرتبطة بالانحرافات النمائية، التي تعوق توافق الفرد ونموه. وإذا كان ثمة اختلاف بين التعديل السلوكي والعلاج السلوكي، إلا أن مصادرهما العلمية واحدة، وكلاهما يهدف إلى اقتلاع السلوك غير السوي، وإحلال سلوك آخر سوي محله. وبعبارة أخرى يشترك التعديل مع العلاج السلوكي في المصدر وفي الهدف؛ ولكنهما يختلفان فيما يتناولان.

 ويرى البعض أن العلاج السلوكي أكثر شمولاً من التعديل السلوكي؛ لأن علاج أي عرض سلوكي، يتضمن تعديل بعض الأنماط الخاطئة من السلوك.

ونظراً لأن تعديل السلوك والعلاج السلوكي مشتقان من المصادر نفسها، فلا بد من توضيح بعض المصطلحات المتداولة فيهما، والتي تساعد في فهم فنيات التعديل السلوكي.

أولاً: بعض المفاهيم الأساسية

1. السلوك

هو كل نشاط يصدر من الفرد، أو أي استجابة يصدرها الفرد للرد على مثير معين. والاستجابات قد تكون واضحة ملحوظة، مثل حركة اليد، أو غير واضحة، مثل التفكير.

أ. تصنيف السلوك على أساس الاكتساب إلى:

(1) السلوك غير المتعلم

ويُطلق عليه الأفعال المنعكسة، ويولد الإنسان وهو مزود به، مثل ضيق أو اتساع بؤبؤ العين نتيجة للضوء، وصراخ الطفل مباشرة بعد الميلاد. ويتميز هذا السلوك بأنه غير إرادي، ويمكن التنبؤ به؛ لأن مثيره معروف، ومحدد سلفاً.

(2) السلوك المتعلم

وهو الذي يتحدد اكتسابه وممارسته ببعض الظروف المصاحبة له، أو النتائج المترتبة عليه. وهو سلوك إرادي يغير البيئة المحيطة بالفرد، مثل تعلم الطفل للكتابة والقراءة، أو للإنصات، أو لقضم الأظافر، أو للمشاغبة داخل الفصل.

ب. تصنيف السلوك على أساس السواء

(1) السلوك السوي

هو السلوك العادي المألوف الشائع بين غالبية الأفراد؛ هو سلوك لا يعوق نمو الفرد، كما أنه يؤدي إلى إقامة علاقات ناجحة مع الآخرين.

(2) السلوك الشاذ غير التوافقي

وهو مختلف عن السلوك السوي السابق توضيحه. وللتعرف على السلوك الشاذ أو السلوك المراد تعديله، ثمة معايير ثلاثة، هي:

(أ) إعاقة النمو

السلوك غير التوافقي يعوق النمو السليم للفرد في المراحل التالية؛ فالطفل الذي يبكي كلما مر بخبرة إحباطية، لن يستطيع التعامل مع رفاقه في المدرسة، وستُطلق عليه المسميات المختلفة.

(ب) الإضرار بالذات والآخرين

يؤدي السلوك غير التوافقي إلى إلحاق الضرر بالشخص نفسه وبالآخرين، ما يستدعي التدخل العلاجي. والتلميذ الذي لا يجلس ساكناً في مكانه لفترة مناسبة، لا يستفيد من معلمه؛ كما أنه يعوق زملاءه من الاستفادة.

(ج) تكرار السلوك

يزداد معدل تكرار السلوك غير التوافقي لدى الشخص المضطرب، مقارنة بغير المضطرب. فجميع الأطفال يتشاجرون؛ ولكن إذا كان الشجار هو أسلوب الطفل في التعامل، بصفة عامة، كان هذا السلوك غير توافقي.

2. المثير

هو كل شيء أو حدث أو موقف أو عامل، يؤثر في سلوك الفرد. وهذا الحدث قد يكون داخلياً، مثل حضور فكرة على الذهن، تدفع الفرد للقيام بعمل معين، أو خارجياً مثل كلمة تشجيع يتلقاها التلميذ من مدرسه.

3. المدعم أو المعزز

مُثير يعقب الاستجابة، ويؤدي إلى زيادة احتمال تكرارها. فإذا كان أحد التلاميذ، مثلاً، يكثر من الحركة داخل الفصل لإثارة اهتمام المعلم وانتباهه، ونظر إليه المعلم بعد تحركه من مقعده، كانت نظرة المعلم مدعماً لكثرة حركة التلميذ.

وتنقسم المدعمات من حيث طرق تحقيقها للراحة، إلى:

أ. إيجابي: وهو المثير الذي يؤدي الحصول عليه إلى الارتياح، مثل نظرة المعلم للتلميذ في المثال السابق، أو حصول التلميذ على نجمة لكتابته على السطر.

ب. سلبي: وهو المثير الذي تؤدي إزالته إلى تحقيق الراحة؛ فإذا بكى طفل في الفصل ولم يستجب المدرس لرغبته، التي يبكي من أجلها؛ ولكن عندما توقف عن البكاء، استجاب المعلم له، كان عدم استجابة المعلم مدعماً سلبياً لسلوك الكف عن البكاء.

وتنقسم المدعمات من حيث إشباعها لأنواع الدوافع إلى:

أ. مدعم أو معزز أولي: وهو المثير الذي يؤدي إلى إشباع دافع أولي فطري بيولوجي، مثل تناول الطعام، أو شرب الماء (تدعيم أولي).

ب. مدعم أو معزز ثانوي: وهو المثير الذي يؤدي إلى إشباع دافع اجتماعي نفسي مكتسب، مثل الابتسام تعبيراً عن التقدير الاجتماعي والرضا (تدعيم ثانوي).

وتنقسم المدعمات من حيث مصدرها إلى:

أ. مدعم خارجي: يكون مصدر المدعم أو المثير، الذي يعقب الاستجابة خارجياً، كإعطاء قطعة حلوى للتلميذ المجد، أو المنصت المنتبه.

ب. مدعم ذاتي: ويكون مصدر الدعم أو المثير، الذي يعقب الاستجابة داخلياً، مثل الشعور بالرضا نتيجة للتقدم الدراسي.

4. العقاب

هو إضعاف احتمال تكرار استجابة ما، بتقديم مثير منفر أو سحب مثير مريح. فمثلاً لعقاب طفل على عدم حل الواجب، يمكن تأخير حصوله على الطعام (على أن يُربط هذا التأخير بعدم حل الواجب)، أو عدم إعطاء التلاميذ المجدين نجوماً في كراساتهم، لتقصيرهم في حل الواجب.

5. الهرب

أداء استجابة ما، لإنهاء حالة إثارة مؤلمة، مثل خروج الطفل من الفصل، عند عقاب المدرس له.

6. التجنب

أداء استجابة ما، لمنع التعرض لمثير مُؤلم، مثل خروج الطفل من الفصل قبل دخول مدرس مادة معينة لا يحبه، أو يكره تلك المادة.

7. الانطفاء

تضاؤل احتمال ظهور استجابة ما، نتيجة لعدم الحصول على المدعم أو المعزز؛ فلو تعلم طفل القيام باستجابة معينة، مثل رفع إصبعه طلباً للإجابة نتيجة لحركة معينة يقوم بها المدرس، وكان المدرس يدعم هذه الاستجابة بالابتسام مثلاً؛ ولكن المدرس توقف فجأة عن تدعيمها، فإن احتمال رفع التلميذ لإصبعه يتضاءل تدريجياً، بحيث تختفي الاستجابة بعد ذلك، أي لا يعاود التلميذ رفع إصبعه.

ثانياً: مسلمات أساسية في تعديل السلوك

1. يتركز تعديل السلوك على السلوك غير التوافقي الملحوظ، دون البحث عن الأسباب الدفينة وراء هذا السلوك؛ فخجل الطفل هو عدم رفعه لإصبعه عند سؤال المدرس للتلاميذ، على الرغم من معرفته الإجابة، أو احمرار الوجه عندما يطلب منه المعلم الحديث أمام الفصل، أو ابتلاع لعابه عدة مرات، وتعثره في الكلام مع المعلم.

2. السلوك غير التوافقي سلوك متعلم، شأنه شأن أي سلوك آخر؛ فخجل الطفل لا يرجع إلى عوامل لا شعورية دفينة في أعماق الفرد (كما ترى نظرية التحليل النفسي)، بل هو سلوك متعلم نتيجة لما مر به الطفل، من مواقف دعمت وعززت هذا السلوك. والتلميذ الذي ظهرت عليه أعراض ضعف الثقة بالنفس، إنما يرجع هذا إلى مواقف معينة مر بها هذا الطفل، أدت إلى تدعيم هذه الأعراض، أي أن ضعف الثقة لا يرجع إلى عوامل لا شعورية.

3. إذا كان السلوك غير التوافقي سلوكاً مُتعلماً، فيمكن تعديله بإعادة التعلم؛ فالطفل الخجول تعلم أعراض الخجل المختلفة، مثل احمرار الوجه والتعثر في الحديث والإكثار من الإيماءات، وأن هذه الأعراض قد سبق لها أن ساعدته على تحقيق بعض النتائج المريحة، مثل الهرب من الإجابة، أو تجنب الشعور بالفشل، ما أدى إلى تدعيم هذه الأعراض. إذاً، فيمكن تعديل سلوكه بألا تحقق هذه الأعراض النتائج، التي كان يحصل عليها باستخدامه لها.

4. يتطلب تعديل السلوك وضع أهداف واضحة ومحددة، يسعى العلاج إلى تحقيقها؛ فبدلاً من أن يسعى المعلم إلى تعديل سمة الخجل لدى التلميذ، عليه أن يسعى إلى زيادة عدد مرات مشاركة التلميذ في الإجابة على الأسئلة، بنسبة معينة. مثل هذا الهدف يسهل الاتفاق عليه، وملاحظته وإدراك درجة تحققه. وبدلاً من أن يسعى المعلم إلى رفع المستوى التحصيلي للتلميذ، عليه أن يسعى إلى أن يحل التلميذ أربعة مسائل جمع من دون الحمل من عشرة، حلاً صحيحاً في فترة زمنية معينة.

5. يبدأ تعديل السلوك من "الآن" و"هنا"؛ فعند التدخل لتعديل سلوك غير توافقي، يجب التركيز على السلوك الحالي الملاحظ، دون التطرق إلى التاريخ السابق لاكتساب هذا السلوك؛ فلتعديل السلوك التحصيلي لتلميذ معين، يجب تحديد السلوك التحصيلي الحالي للتلميذ، مثل القول بعد دراسته "بأنه يستطيع حل مسألة واحدة من عشرة مسائل الجمع، بدون الحمل حلاً صحيحاً، ويستغرق ذلك 15 دقيقة"، ويعقب ذلك تحديد المستوى الذي يريد المعلم بلوغه. وفي حالة السلوك العدواني الآتي، يمكن تحديده بأن "التلميذ يضرب زميله ثلاث مرات في عشرة دقائق"، ويعقب ذلك تحديد المستوى الذي يريد المعلم الوصول إليه.

وفي كل هذه الحالات لا يتعرض المعلم للتاريخ السابق، أو لخبرات الطفولة، التي مر بها التلميذ؛ كذلك تقتصر دراسة سلوك التلميذ على السلوك كما يحدث في إطار أو وسط اجتماعي أو موقف معين؛ لأن ما يحيط بالفرد قد يقوم بدور المدعم.

6. إن عملية التشخيص والعلاج ملتحمتان. وبعبارة أخرى، فإن تشخيص المشكلة لا يعدو كونه محاولة جاهزة لتحديد التصرفات، أو الأخطاء، التي ارتكبت في حق الطفل؛ فجعلته يخاف أو يقلق. وفي تشخيص المشكلة يهتم المعالج برصد الاستجابات، أو ردود الأفعال البيئية (من الأسرة أو المحيطين بالطفل) قبل ظهور العرض، وعند ظهوره، والأسباب التي يعرف أن تعديلها أو تغييرها سيؤدي إلى التخلي عن هذا السلوك، ومن ثم إلى إزالته. إن المعالج السلوكي يشخص لا ليفسر؛ ولكن ليبحث عن الشروط، التي أحاطت بعملية تعلم السلوك غير السوي، وهي العوامل التي إذا أمكن إزالتها، أمكن العلاج وتعديل السلوك.

7. ترى نظرية التحليل النفسي أن الأعراض المرضية غير السوية، قد تتحول أو تستبدل بأعراض أخرى، إذا لم تعالج أسبابها الكامنة، وما وراءها من اضطرابات أو أمراض. إن الموقف الذي يتبناه المعالج السلوكي بصدد هذه القضية، هو إن علاج الخوف، مثلاً، سيجعل الطفل قادراً على مواجهة مشكلته الراهنة، ومن ثم سيتسع أمامه نطاق الصحة والنمو السليم، إذ سيكتسب ثقة بنفسه، وستتغير أفكاره غير المنطقية عن طبيعة أعراضه، وستتاح له فرص احتكاك جديدة كانت ممنوعة عنه بسبب مخاوفه. وسيؤدي كل ذلك إلى تغيير إيجابي شامل في شخصيته.

أما القول بأننا نحتاج لتغيير الشخصية وحل صراعاتها، قبل ان نغير مشكلة الخوف، والقول بأننا ما لم نفعل ذلك، أي ما لم نبدأ من الشخصية أولاً، فإن الخوف سيستبدل بخوف آخر، ومشكلة انفعالية أخرى؛ فهو قول غير مقبول، من وجهة النظر السلوكية، ويمثل نقطة خلاف علمية عميقة بين التعديل والعلاج السلوكي، من ناحية، وغيره من أنواع العلاج النفسي.

ثالثاً: شروط أساسية لتعديل السلوك

1. التعريف الإجرائي للسلوك المراد تعديله في صورة قابلة للملاحظة. مثل التلميذ (س)، لا يستمر في القيام بالعمل الذي يقوم به أكثر من عشرة دقائق.

2. تحديد معدل تكرار هذا السلوك لأن هذا سيُعد أساساً يعتمد عليه في تقدير التغير، الذي يطرأ على السلوك. مثل التلميذ: (س) لا يستمر في القيام بالعمل الذي يقوم به أكثر من عشرة دقائق، ويتكرر هذا السلوك في الساعة الواحدة مرتان.

3. تحديد السلوك المراد الوصول إليه في صورة إجرائية ملحوظة، ويجب أن يراعى في هذا السلوك ألا يكون وحدة سلوكية كبيرة. مثل أن يستطيع التلميذ (س) تركيز انتباهه في الحصة لمدة عشرة دقائق، وأن يتكرر هذا السلوك أربع مرات.

4. يجب التأكد من أن التلميذ يستطيع أداء السلوك المتوقع منه، أي يستطيع التلميذ تركيز انتباهه أربع مرات في الساعة الواحدة، على أن تكون كل مرة لمدة عشر دقائق.

5. تحديد مصاحبات السلوك غير التوافقي. مثل يركز التلميذ انتباهه مرتين فقط لمدة عشر دقائق، كلما وقف المدرس بجانبه.

6. تعيين المدعمات المناسبة للتلميذ. مثل: هل يُعد التشجيع والمدح وإظهار الرضا، مدعماً مناسباً لتركيز انتباه هذا التلميذ.

7. يلزم تنويع المدعمات حتى لا يحدث تشبع؛ فالمدح المستمر قد لا يؤدي إلى النتيجة المرجوة؛ بل يلزم استخدام أنواع أخرى من المدعمات، مثل الحلوى وإظهار الرضا وتصفيق التلاميذ والاشتراك في الأنشطة، وغيرها.

8. البدء بالتدعيم أو التعزيز المستمر، والانتقال إلى التدعيم المتقطع. ويُقصد بالتدعيم المستمر أنه كلما صدرت الاستجابة، حصل التلميذ على المدعم. أما المتقطع، فيحصل التلميذ على المدعم ولكن ليس في كل محاولة يقوم فيها بالسلوك المطلوب. والهدف من ذلك أن يصبح التدعيم داخلياً.

9. الحصر المتكرر على فترات متباعدة، لعدد مرات تكرار السلوك غير السوي، خلال فترة التعديل السلوكي، للوقوف على تضاؤله، تمهيداً لإكساب الفرد السلوك السوي، كبديل عن السلوك غير السوي. وخلال محاولة إكساب الفرد للسلوك السوي، يجب الحصر المتكرر، أيضاً، لعدد مرات تكرار ممارسة السلوك السوي، للتأكد من أن ذلك السلوك السوي أصبح على درجة من الثبات والاستمرار.

رابعاً: طرق تعديل السلوك

1. النمذجة

تقوم النمذجة على ملاحظة التلميذ المطلوب تعديل سلوكه، لنموذج يؤدي إلى السلوك المرغوب فيه؛ فملاحظة التلميذ لطريقة لعب زميله مع دمية بطريقة غير عدوانية، تساعده على أن يغير سلوكه العدواني أثناء اللعب. وقد تستخدم الأفلام السينمائية لهذا الغرض.

وترجع فاعلية هذه الطريقة إلى أنها تُعد نوعاً من التدريس، لأنماط سلوكية جديدة. كما أنها تزيل المخاوف وعوامل الكف، التي تعوق إطهار سلوك سبق للفرد تعلمه.

فملاحظة التلميذ للمدرس أثناء قيامه بتشكيل قطعة الصلصال، تُعد نمذجة تؤدي بالتلميذ إلى تقليد أستاذه؛ فإذا حاول التلميذ الإمساك بقطعة الصلصال وتشكيلها، فعلى المعلم تشجيعه، وتدعيم هذا السلوك.

2. تشكيل السلوك والتقاربات المتتابعة

تقوم طريقة تشكيل السلوك على تحليل السلوك المرغوب فيه إلى جزئياته، وتدعيم كل جزئية منها حتى يتم اكتساب السلوك النهائي المرغوب فيه.

فتدريب حيوان على القفز من حلقة على ارتفاع معين، يحلل هذا السلوك إلى جزئياته أو وحداته، مثل الوقوف على القدمين الخلفيتين، والقفز عليهما، والقفز إلى ارتفاع معين ولمسافة معينة، والنزول على اليدين والقدمين. ويدرب الحيوان على كل وحدة سلوكية، فإذا أداها بنجاح يدعم هذا السلوك. ثم ينتقل التدريب إلى الوحدة الثانية ثم الثالثة، وهكذا، حتى يستطيع الحيوان أداء السلوك النهائي المرغوب فيه كله.

ويمكن استخدام هذا الأسلوب في تدريب التلميذ على طريقة الكتابة السليمة؛ فالكتابة الصحيحة من بعض مكوناتها معرفة الحروف، ونطقها بطريقة صحيحة وكتابتها على السطر. هذه الجزئيات السلوكية يمكن للمدرس تدريب التلميذ عليها وتدعيمها، حتى يصل إلى السلوك النهائي المرغوب فيه.

ويمكن استخدام هذا الأسلوب في تعديل بعض مظاهر السلوك غير السوي، مثل إجابة التلميذ على الأسئلة وهو جالس دون رفع إصبعه. ويكون ذلك بتحديد المراحل السلوكية اللازمة للوصول إلى الهدف النهائي، وهو الإنصات للسؤال، ورفع الإصبع طلباً للإجابة، والامتناع عن الإجابة أثناء الجلوس، والامتناع عن الإجابة من دون إذن. وبتدعيم كل مرحلة (أو العقاب على المظهر السلوكي غير السوي)، يمكن الوصول إلى السلوك النهائي.

3. الارتباط الشرطي والانطفاء

يقوم الارتباط الشرطي على الربط بين مثيرين، بحيث يصبح لأحدهما القدرة على استدعاء استجابة لم تكن له؛ فالربط بين الملعقة والدواء المر، يؤدي بالطفل إلى الخوف من الملعقة وكراهيتها؛ والارتباط بين المدرس المريح والمادة التي يدرسها يؤدي إلى حب التلميذ لهذه المادة.

ويمكن استخدام هذا الأسلوب في اقتلاع بعض مظاهر السلوك غير السوي، وإحلال مظاهر أخرى سوية محلها؛ فلو كان لدى المعلم طفلاً يجلس في الخلف، ويجيب من دون إذن، ولا يرفع إصبعه طلباً للإجابة؛ فيمكن إتباع الآتي:

أ. نقل التلميذ إلى مقعد أمامي، وذلك لكي تستبعد أحد المدعمات التي يتلقاها على سلوكه غير السوي، وهذا المدعم هو استجابة زملائه له عند قيامه بهذا السلوك، وكذلك لكي يخفض من صوته أثناء الإجابة، ما يقلل من الضوضاء التي يحدثها في الفصل.

ب. ألا يستجيب المعلم أي استجابة لإجابته من دون إذن، وبذلك يفقد التلميذ مدعماً آخر، هو انتباه المدرس له.

ج. عندما يرفع تلميذ آخر يده طلباً للإجابة يمتدحه المعلم أمام زملائه؛ لأن هذا التلميذ يقدم نموذجاً للسلوك المرغوب فيه.

د. إذا امتنع التلميذ المراد تعديل سلوكه عن الإجابة من دون إذن، على المعلم أن يدعم هذا السلوك بمجرد ظهوره؛ وإذا رفع يده طلباً للإجابة، على المعلم أن يستجيب له ويشجعه ويمتدح سلوكه. وهكذا يمكن تشكيل سلوك التلميذ والوصول إلى السلوك النهائي.

ويجب قبل البدء في استخدام هذا الأسلوب، تحديد عدد المرات التي يجيب فيها التلميذ من دون إذن وهو جالس، وتسجيل ذلك. وعند السير في العلاج ينبغي تسجيل عدد مرات تكرار هذا السلوك.

4. التعديل بالتنفير والعقاب

يقوم هذا الأسلوب على أن تؤدي الاستجابة غير التوافقية، إلى نتيجة غير مريحة. وتتخذ النتيجة غير المريحة أشكالاً ثلاثة:

أ. العقاب الواضح اللاحق على صدور الاستجابة، كالتوبيخ عند أداء الاستجابة غير التوافقية، أو غير السوية.

ب. سحب مثير مريح عقب صدور السلوك غير التوافقي، ويُعرف هذا باسم "تكلفة الاستجابة"، مثل عدم انتباه المدرس لإجابة التلميذ من دون إذن.

ج. العزل في مكان خاص.

فلو أن طفلاً كثر سلوكه غير السوي، لزم تحديد مظاهر السلوك غير السوي ودرجة تكرار كل منها، وتحديد المظهر السلوكي المراد الوصول إليه. وبعد ذلك يمكن إتباع الآتي:

أ. تجاهل السلوك غير المرغوب فيه، فيفقد أحد المدعمات.

ب. عزل الطفل عن التلاميذ في جانب بعيد داخل الفصل، ويكون هذا عقاباً له على سلوكه.

ج. يمكن عقاب الطفل على هذه المظاهر بحرمانه من بعض الأنشطة مثلاً، على أن يفهم لماذا يحرم من هذه الأنشطة.

د. عند نقص تكرار أحد مظاهر السلوك غير السوي، يمكن أن يلقى الطفل تدعيماً على سلوكه الجديد.

5. استخدام الماركات أو العلامات

تقوم هذه الطريقة على:

أ. تحديد السلوك المراد الوصول إليه تحديداً إجرائياً، وتوضيح ذلك للتلميذ.

ب. تحديد الماركة أو العلامة المستخدمة، مثل استخدام النقط أو النجوم أو العلامات على لوحة معينة، وتحديد متى يحصل عليها (كلما ظهر السلوك المطلوب)، ومتى يفقد بعضها (عندما يتراجع عن أداء السلوك، الذي سبق تعلمه أثناء البرنامج).

ج. تحديد أساس استبدال مجموعة من الماركات أو العلامات، بمدعم معين يحبه التلميذ. مثال: لتدريب طفل على النظافة يحدد السلوك المراد الوصول إليه في:

(1) عدم وجود قاذورات على الأقدام.

(2) عدم وجود قاذورات على الساقين، أو الركبتين.

(3) عدم وجود قاذورات على اليدين، أو الذراعين.

(4) عدم وجود قاذورات على الرقبة، أو الوجه.

(5) نظافة الأنف.

(6) نظافة الأظافر... إلخ.

بعد ذلك تُحدد النقاط التي يحصل عليها الطفل، إذا حقق كل وحدة سلوكية سابقة، ولتكن نقطة لكل منها. أي لو أن الطفل حقق الوحدات السلوكية الخمس السابقة، يحصل على خمس نقاط أو علامات. أما إذا حقق وحدة ولكنه تراجع عنها، تُخصم منه نقطة أو علامة. وعند تجميع خمس نقاط أو علامات تستبدل بقطعة حلوى، أو برحلة، أو لعبة.

خامساً: ثبات السلوك بعد سحب التدعيم

من عرض بعض طرق تعديل السلوك يتضح، أن التدعيم أو التعزيز يقوم بدور مهم، ولذلك يُثار التساؤل الآتي: كيف يمكن استمرار أداء السلوك الجديد، بعد سحب المدعم؟

إن سحب المدعم يستلزم الآتي:

1. التأكد من أن السلوك قد أصبح على درجة من الثبات والاستمرار، ويكون ذلك بناءً على عدد مرات تكراره.

2. ألا يسحب المدعم فجأة، بل يكون تدريجياً، ولذلك فإن من الشروط الأساسية لتعديل السلوك البدء بالتدعيم المستمر، والانتقال إلى المتقطع.

3. يستحسن البدء بسحب المدعم تدريجياً عندما يشعر المعلم، أن التدعيم أصبح مستمداً من داخل التلميذ، وغير معتمد بدرجة كبيرة على المدعم الخارجي.

4. مما يساعد على سحب المدعم تنويع المدعمات المستخدمة، عند بداية التدخل لتعديل السلوك. إن تنويع المدعم يؤدي إلى عمومية التدعيم، ومن ثم يمكن إحلال مدعم محل آخر.

5. التدريب على تقويم الذات، ولا يتحقق ذلك إلا إذا تعلم الفرد استخدام نوع من المعايير، يستطيع في ضوئها وباستخدامها تقويم سلوكه؛ فوجود نموذج "للخط الجميل"، يمكن أن يستخدمه التلميذ كمعيار للحكم على درجة "جودة" خطه. ومن مزايا التدريب على تقويم الذات، أن يصبح الفرد أقل اعتماداً على الآخرين في تقويم سلوكه؛ فيزداد شعوره بالمسؤولية الذاتية على نحو يكسبه الثقة في أدائه، ما يساعد في تحسين ذلك الأداء.

6. تعزيز الذات، إن النتائج التي يحددها الفرد بنفسه يمكن استخدامها كمعززات لسلوكه، ما يؤدي إلى المحافظة على السلوك المكتسب واستمراره. ولقد أتضح من الدراسات أن النمذجة تلعب دوراً مهماً في تعلم السلوك، الذي تعززه الذات. ويرجع ذلك إلى أن النموذج يزود الفرد بمعايير يستخدمها في تعزيز ذاته، بطرق وأساليب ذلك النموذج. كما وُجد أن الذين تعرضوا لنماذج تضع معايير منخفضة للأداء، يميلون إلى مكافأة أنفسهم بموافقتها على الأداء المنحط نسبياً. ومن ناحية أخرى، فإن الأفراد الذين لاحظوا نماذج تأخذ بمعايير عالية للأداء، لا يرضون بالإنجازات منخفضة المستوى.