إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اجتماعية ونفسية / التخلف العقلي









الارتباط بالجماعة Sociability

التخلف العقلي

اقتضت الحكمة الإلهية اختلاف الناس في ألسنتهم وألوانهم ليصبحوا أدلة على القدرة الإلهية، قال ـ تعالى ـ: ]أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ[ (سورة الزخرف: الآية 32). تدل الآية الكريمة على اختلاف الناس وما بينهم من فروق، تضع كل فرد في موضع يختلف عن الآخر.

وأشار الرسول r إلى الفروق بين الناس في الذكاء، حينما قال r: "نحن ـ معاشر الأنبياء ـ أُمرنا أن ننزل الناس منازلهم، ونكلمهم على قدر عقولهم".

وجاءت الدراسات العلمية والإحصائية لتترجم الفروق الفردية في صورة كمية. فالفاحص لدرجات التحصيل أو الذكاء لعينة من الأطفال، يجد أقلية مرتفعة عن المتوسط وأقلية أخرى منخفضة عن المتوسط، وغالبية تقع في نطاق المتوسط. والأقلية المنخفضة عن المتوسط يُطلق عليها مصطلح: "التخلف العقلي".

إن ظاهرة التخلف العقلي ظاهرة هامة في كل مجتمع، وقد نالت اهتماماً كبيراً في كثير من المجتمعات. إنها مشكلة ترتبط بالكفاءة العقلية لنسبة معينة من أبناء المجتمع حُرموا الإمكانات التي تتيح لهم العيش مثل أقرانهم من العمر نفسه. يرجع ذلك إلى أن المتخلف عقلياً لا ينمو بالمعدل نفسه لنمو الطفل العادي، واستطراداً يكون المستوى العقلي للمتخلف أقل وأدنى من الطفل العادي في عمره عينه، وكلما ازداد العمر ازدادت المسافة العقلية بينهما. وينعكس نقص الكفاءة العقلية للمتخلف على سلوكه العام، فالسلوك الذي نتوقعه من الطفل العادي في السابعة، نتوقعه من المتخلف في التاسعة أو العاشرة.

بدأ الاهتمام بالمتخلفين عقلياً منذ مدة غير قصيرة، فلقد عرفه الإنسان منذ أقدم العصور، فتشير كثير من الدراسات إلى أن الإغريق والرومان كانوا يُشخصون التخلف العقلي على أساس ما يصحبه من عيوب وتشوهات خِلْقية، واعتبروا المتخلفين عقلياً منبوذين من المجتمع، مكروهين في أسرهم. ومع نزول الأديان السماوية، اهتموا بهم بدافع الشفقة والرحمة. إلا أن النظرة إليهم تغيرت في عصر النهضة، فأصبح يُنظر إليهم على أنهم أولاد الشياطين، وأن أرواح الشر لبست أبدانهم، ولذلك كانوا يُعاملون معاملة سيئة. ومع بداية القرن التاسع عشر بدأ الاهتمام العلمي بالمعوقين ذهناً وجسماً، فأُنشئت العيادات النفسية والمدارس والمؤسسات والمعاهد الخاصة بهم لتوفير الرعاية الملائمة لهم.

تعريف التخلف العقلي

تختلف تعريفات التخلف، بناءً على التخصص العلمي والأكاديمي لصاحب التعريف، وبناءً على التطور العلمي في دراسة هذه الظاهرة. ونستعرض فيما يلي بعضاً من التعريفات، ونستعرض في كل فئة منها تعريفاً قديماً وآخر حديثاً، حتى يمكن الوقوف على طبيعة المفهوم وتطوره.

أولاً: التعريفات الطبية

·   "ضعف في الوظيفة العقلية ناتج من عوامل ومحددات داخلية في الفرد، أو من عوامل خارجية، بحيث تؤدي إلى تدهور في كفاءة الجهاز العصبي، ومن ثم تؤدي إلى نقص في القدرة العامة للنمو وفي التكامل الإدراكي والفهم، واستطراداً في التكيف". وضع بينو هذا التعريف عام 1952.

·   ذكر مانجال، عام 2002، أن قانون التخلف العقلي في بريطانيا ينص على أن التخلف العقلي عبارة عن: "نمو متوقف لبعض خلايا المخ. تظهر هذه الحالة قبل سن الثامنة عشرة، وتنشأ من أسباب وراثية أو مرضية أو إصابات عضوية".

ثانياً: التعريفات الاجتماعية

·   حدد دول، عام 1941، التخلف العقلي بناءً على الكفاءة أو الصلاحية الاجتماعية. وعرف المتخلف عقلياً بأنه:

1. غير كفء اجتماعياً ومهنياً، ولا يستطيع أن يسير دفة أموره بمفرده.

2. دون الأسوياء في القدرة العقلية.

3. يبدأ تخلفه في الظهور منذ الولادة أو في سن مبكرة.

4. يظل متخلفاً عقلياً عند بلوغه سن الرشد.

5. يرجع تخلفه لعوامل تكوينية في الأصل، إما وراثية أو نتيجة للإصابة بمرض، وبالضرورة فإن حالته مستعصية لا تقبل الشفاء.

·   في عام 2001، وضع عبدالرحمن سيد سليمان، تعريفاً للتخلف العقلي استناداً إلى الصلاحية الاجتماعية كذلك: "افتقار المتخلف عقلياً إلى الصلاحية الاجتماعية أو الكفاءة الاجتماعية، والمعاناة من حالة عدم التكيف الاجتماعي".

ثالثاً: التعريفات التربوية

·   في عام 1953، عرفت كريستين أنجرام، الطفل المتخلف عقلياً بأنه: "الطفل الذي لا يستطيع التحصيل الدراسي في مستوى زملائه نفسه في الفصل الدراسي، وتراوح نسبة ذكائه ما بين 50 و75".

·   في عام 2004، نشر المركز الإعلامي الوطني للأطفال المعوقين بالولايات المتحدة الأمريكية، تعريفاً للتخلف العقلي على أنه: "قصور معين في الوظيفة العقلية وفي المهارات المعرفية (التواصل، الاهتمام بالذات)، أو المهارات الاجتماعية، يؤدي هذا القصور إلى بطء التعلم والبطء في تجهيز المعلومات".

من العرض السابق، يمكن الوقوف على بعض الخصائص المميزة للمتخلفين عقلياً. ولقد وضعت الجمعية الأمريكية للطب النفسي تعريفاً يتصف بدرجة عالية من الشمول لخصائص التخلف العقلي: "انحراف دال في المستوى الوظيفي للذكاء العام (أقل من المتوسط)، ويصحب هذا الانحراف خلل واضح في الوظيفة التكيفية في واحدة على الأقل مما يلي: الاتصال، العناية الشخصية، الحياة المنزلية، المهارات الاجتماعية، استخدام المسموحات الاجتماعية، توجيه الذات، المهارات الأكاديمية، العمل، الاستمتاع، الصحة، الأمان. وتظهر تلك الملامح قبل الثامنة عشرة، ويمكن ظهوره بصفته عملية تؤثر في الجهاز العصبي المركزي".

ومن التعريفات السابقة كذلك، تتضح خصائص أخرى، منها أنه: "حالة توقف أو عدم اكتمال النمو العقلي، يولد بها الطفل، أو يحدث في سن مبكرة نتيجة لعوامل وراثية أو جينية أو بيئية فيزيقية، ويصعب على الطفل الشفاء منها. وتتضح آثار عدم اكتمال النمو العقلي في مستوى أداء الطفل في المجالات التي ترتبط بالنضج أو التعلم أو المواءمة البيئية".

التخلف (الضعف) العقلي والجنون

يظن الكثيرون أن ضعيف العقل والمجنون شيء واحد، ويعتبرون أن ضعيف العقل على هذا الأساس مريض يمكن شفاؤه من مرضه كالمجنون، ولكن الواقع غير ذلك، وإن كان هناك بعض الحالات الطفيفة التي يجتمع فيه الضعف العقلي والجنون في شخص واحد.

فالجنون نتيجة لاختلال التوازن العقلي وعدم انتظام القوى العقلية لسبب ما، يندر ألا يكون مرضاً عضوياً مكتسباً (ينتاب المخ). ويختلف المجنون عن الشخص العادي في النوع.

أما الضعف العقلي، فهو نقص في درجة الذكاء، وغالباً ما يكون موروثاً، إذ هو وقوف في نمو المخ إلى حد ما يختلف باختلاف الضعفاء. والفرق بين ناقص الذكاء الذي هو ضعيف العقل وبين الشخص العادي فرق في الدرجة وليس في النوع.

وأغلب ناقصي العقول ليسوا مجانين، كما أنه لا يمكن أن نُطلق على المجانين أنهم ضعفاء العقول. فقد يكون المجنون عبقرياً وليس ذكياً فقط.

والنقص العقلي تعبير شرعي أكثر منه تعبيراً علمياً نفسياً. ولقد مضت علينا عدة قرون حتى أمكننا أن نميز بين النقص العقلي والجنون، وكما قلنا فالضعف العقلي شذوذ موروث غالباً، يمكن ملاحظته من أيام الطفولة، أما الجنون فشذوذ مكتسب نتج أثناء الحياة في مرحلة من مراحلها.

ولما كان من غير المعقول أن يولد طفل بعقل كامل النمو، فإن النظرة الحديثة الآن تنحصر في اعتبار كل شخص يكون عقله محدود النمو "ضعيف العقل". وعلى هذا الأساس لا يوجد مجنون بين صغار الأطفال بالمرة. أما إذا أُصيب عقل طفل ـ وُلد عادياً ـ بمرض أو إصابة أثناء مرحلة الطفولة، فإن الأثر الذي يبقى ظاهراً فيه هو تأخره الفكري من جميع نواحيه، مما يستحيل معه العلاج. وقد أصبح الضعف العقلي يعني حالة وقوف النمو العقلي أو عدم كماله قبل سن الثامنة عشرة، سواء كان نتيجة الوراثة أو ناجماً عن مرض أو إصابة.

وحيث إن ضعفاء العقول يختلفون عن العاديين في درجة الذكاء فقط، وليس في النوع، فإنهم طبقاً لهذه الحقيقة أفراد لهم العقول عينها التي للأفراد العاديين، ولكنها أقل منها إنتاجاً وإدراكاً. فاستعدادهم للتعلم أقل وتذكرهم أحط، فوق أنهم يفكرون بصعوبة كبيرة. وتنحصر قدرتهم في حل المشاكل الأقل صعوبة.

ومما سبق يمكن أن نستنتج أنه من الواضح أن الفرق بين ضعفاء العقول والعاديين، فرق في الدرجة.

التخلف العقلي والمرض العقلي

تتبلور أوجه الاختلاف الجوهرية بين التخلف العقلي والمرض العقلي في أهم النقاط التالية:

·   المرض العقلي نادراً ما يحدث في سن الطفولة، ولكن يحدث بعد سن الرشد. أما التخلف العقلي فيحدث دائماً قبل أو أثناء أو بعد الولادة وحتى نهاية سن الثامنة عشرة.

·   يتميز التخلف العقلي Mental Retardation بأنه حالة من النمو العقلي القاصر، مما يحد من قدرة الفرد على التكيف لمطالب المجتمع وتوقعاته، بينما يتضمن المرض العقلي Mental Illness مشكلات في الشخصية واضطرابات في السلوك والمزاج أو عمليات التفكير أو العلاقات الاجتماعية التفاعلية.

·   التخلف العقلي ليس مرضاً ولا ينتقل من شخص إلى آخر، ليس له علاج، ومع ذلك فإن معظم المتخلفين عقلياً يمكن أن يتعلموا كثيراً من المهارات، كما يتمثل الأمر في أن تعلمهم يحتاج إلى وقت أطول وجهد أكبر من ذويهم العاديين. أما المرض العقلي فيمكن علاجه.

·   المرض العقلي حالة يتخلى بسببها المريض عن التفاعل المنطقي بالواقع وينسحب منه، وتضطرب تبعاً لذلك وظائفه العقلية والانفعالية واللغوية والسلوكية، وقد تتدهور وتؤدي وظيفتها في إطار المنطق الذي ابتدعه المريض، مدافعاً به عن تكامل بنائه الذاتي وعلاقته بنفسه، مبتعداً عن ضوابط وضغوط الواقع الخارجي. أما المتخلف عقلياً فلا ينعزل عن الواقع ولا يبتدع منطقاً خاصة به يتقوقع داخله.

تصنيف فئات المتخلفين عقلياً

تعددت تصنيفات المتخلفين عقلياً بناءً على الأساس العلمي الذي قام عليه التصنيف:

1. التصنيف السيكولوجي: يعتمد هذا التصنيف على نسبة الذكاء بصفته معياراً للمستوى الوظيفي للقدرة العقلية العامة. ويقسم هذا المعيار المتخلفين إلى فئات ثلاث، هي:

·   المأفون، وتراوح نسبة ذكائه بين 50 و 70.

·   الأبله، وتراوح نسبة ذكائه بين 50 و 25.

·   المعتوه، وتكون نسبة ذكائه أقل من 25.

2. التصنيف الاجتماعي: ويعتمد على محكات النضج الاجتماعي والنضج التكيفي، ومدى قدرة الفرد على الاعتماد على ذاته في تصريف أمور حياته. ويقسم هذا المعيار المتخلفين إلى فئات أربع، هي:

·   بطيء التعلم، وتراوح نسبة ذكائه بين 90 و 75، وهو متكيف اجتماعياً.

·   المأفون، وتراوح نسبة ذكائه بين 75 و 50، وهو متكيف نوعاً (على حافة التكيف).

·   الأبله، وتراوح نسبة ذكائه بين 50 و 25، وهو يعتمد على غيره تقريباً.

·   المعتوه، وتكون نسبة ذكائه أقل من 25، ويعتمد على غيره كلية.

ومن المهارات الدالة على النضج الاجتماعي، والتي تُستخدم في تصنيف المتخلفين عقلياً: العناية بالنفس، وتوجيه النفس، والتنقل، والمهنة، والتفاهم والاتصال، والعلاقات الاجتماعية، والتطبيع الاجتماعي.

3. التصنيف التربوي: يعتمد هذا التصنيف على قدرة الشخص على التعلم بناءً على نسبة الذكاء. ويقسم هذا المعيار المتخلفين إلى فئات أربع، هي:

·   بطيء التعلم، يمكن أن تدرس بالفصول العادية، مع رعاية خاصة.

·   المأفون، وهم القابلون للتعلم.

·   البُلْه، وهم القابلون للتدريب.

·   المعتوهون، فئات العزل التي تودع المؤسسات لحاجتها إلى الرعاية الدائمة.

4. التصنيف متعدد الأبعاد: يستخدم هذا التصنيف عدة أسس مجتمعة معاً في تصنيف المتخلفين عقلياً. من أشهر هذه التصنيفات تصنيف كيرك عام 1962.

تصنيف كيرك لحالات التخلف العقلي

(التصنيف الشامل)

الرعاية الطبية الشاملة

(المعتوه)

القابلون للتدريب

(الأبله)

القابلون للتعلم

(المأفون)

بطيء التعلم

(الغبي)

·      يعتمد كلياً على غيره

·   يكاد يعتمد على غيره باستمرار

·   يكاد يعتمد على نفسه

·      يعتمد على نفسه

·   أقل درجات التخلف العقلي

·      تخلف عقلي متوسط

·      تخلف عقلي بسيط

·   بطيء التعلم (بين العادي والمأفون)

·      نسبة الذكاء - 25

·      نسبة الذكاء 25 – 50

·   نسبة الذكاء 50 – 75

·      نسبة الذكاء 75 – 90

·      مساندة دقيقة ودائمة

·      مساندة محدودة وممتدة

·      مساندة متقطعة

·      مساندة متقطعة تبعاً للحالة

5. التصنيف حسب مصدر العلة

·   ضعف عقلي أولي: وهي الحالات التي يرجع تخلفها العقلي إلى عوامل وراثية.

·   ضعف عقلي وراثي: وهي الحالات التي يرجع تخلفها العقلي إلى عوامل بيئية.

·   ضعف عقلي وراثي بيئي: وهي الحالات التي يرجع تخلفها العقلي إلى عوامل وراثية وبيئية معاً.

·   ضعف عقلي غير محدد السبب: وهي الحالات التي يصعب فيها تحديد العوامل التي أدت إلى التخلف العقلي.

توجد فئات إكلينيكية أخرى، يبلغ عددها 32 فئة، وكثير منها حالات نادرة جداً، ويختلف كل نمط عن الآخر من حيث صفاته وأسبابه. منها حالات المغولية، وحالات القصاع، وحالات الاستسقاء الدماغي، وحالات كبر حجم الجمجمة أو صغرها.

من العرض السابق، يتضح تعقد ظاهرة التخلف العقلي، وتشابك عواملها، وأن لكل فئة خصائص مميزة وخصائص مشتركة مع سائر الفئات الأخرى ولكن بدرجات متفاوتة. فالفئات الإكلينيكية لها خصائصها المميزة، مثل صغر حجم الجمجمة أو كبرها، أو القصر المفرط مع جفنين غليظين، كحالات القصاع. أما الفئات غير الإكلينيكية فتشترك في أن لكل منها حظاً من الذكاء بدرجة مختلفة عن الأخرى، أو حظاً من الإدراك يختلف عن الفئة الأخرى.

كما يتضح أن تقسيم المتخلفين عقلياً إلى فئات يعتمد في الأساس على أكثر من عامل واحد، وأن هذه العوامل تكون غالباً منتمية بعضها إلى بعض، ويظهر هذا واضحاً في التصنيف متعدد الأبعاد. كما أنه لا يمكن إهمال أي تصنيف منها لأن لكل تصنيف هدفاً خاصاً به، وهي مقبولة جميعاً، ويتوقف اختيار التصنيف على الغرض الذي يُستخدم من أجله.

ولتصنيف المتخلفين عقلياً أهميته في عملية التشخيص. والتشخيص عملية تستهدف تعرُّف قدرات الطفل ونواحي ضعفه وقوته، بقصد وضعه في مكانه الملائم، حتى تُقدم له الخدمات اللازمة. إن هذا يتضمن ألا يقوم بالتشخيص فرد واحد، بل يحتاج الأمر إلى فريق من الإخصائيين، منهم الطبيب والإخصائي الاجتماعي والإخصائي النفسي وإخصائي التأهيل المهني، ومدرس التربية الخاصة، واستطراداً تقوم عملية التشخيص على عدة محكات وليست محكاً واحداً كالذكاء أو الصلاحية الاجتماعية فقط.

رعاية المتخلفين عقلياً

أولاً: تنمية الذكاء: قبل تناول أساليب وطرائق رعاية المتخلفين عقلياً، لا بد من الإجابة عن السؤال التالي: هل يمكن تنمية الذكاء؟ أُجريت دراسات متعددة حول أثر الوراثة والبيئة في الذكاء، وانتهت إلى أن ذكاء الفرد نتاج لتفاعل الوراثة والبيئة، والدليل على ذلك أنه لو رُبي توأمان متشابهان، أحدهما في القرية والآخر في المدينة، فسنجد فارقاً بين ذكائهما في مرحلة الشباب. وأوضحت عديد من الدراسات وجود عدد كبير من إمكانات الذكاء التي يمكن للفرد أن يحققها في نطاق رصيده الوراثي، اعتماداً على العوامل المختلفة في البيئة، وتعمل برامج تنمية الذكاء على الوصول بهذه الإمكانات إلى أعلى حد ممكن في ضوء ما تتيحه الوراثة.

الأمر الآخر أن الذكاء ليس هو القدرة العقلية العامة بل تبين أن الإنسان لديه ذكاءات متعددة كالذكاء اللغوي، والمنطقي، والرياضي، والموسيقي، والحركي، والوجداني أو الانفعالي، والذكاء العملي، والشخصي، والاجتماعي. إن هذا معناه أن الفرد قد يكون متخلفاً في نوع ما من الذكاء ولكنه متفوق في نوع آخر. والدليل على ذلك حالات البُلْه المتميزين Idiot Savants في بعض الأداءات، مثل تذكر الأرقام وإجراء العمليات الحسابية.

إضافة إلى ما سبق، بينت دراسات علم النفس المعرفي أنه لو دُرب الفرد على ممارسة العمليات المعرفية الداخلة في تجهيز المعلومات، لأدى ذلك إلى تحسن في تفكير الشخص وأدائه العقلي. من هذه العمليات قيام الفرد بمراقبة وإدارة أسلوبه في حل المشكلات.

الخلاصة إذاً، يمكن تنمية الذكاء إذا أتيحت الإجراءات والشروط اللازمة. ومن البرامج التي نُفذت في هذا الصدد:

1. برامج تحسين الظروف المعيشية والصحية للطفل، مما يترتب عليه تنمية مهاراته الاجتماعية والعقلية.

2. برامج متخصصة تستهدف تحسين مستوى التفكير والذكاء في سياق برامج دراسية متخصصة؛ ورفع مستوى الأطفال في مقرر دراسي معين، ويفترض أن ذلك ينتقل بالتبعية إلى مهارات التفكير والذكاء.

3. برامج تحسين مهارات التفكير ورفع مستوى الكفاءة العامة للطفل.

ثانياً: طرائق وأساليب رعاية المتخلفين عقلياً

1. كانت بداية رعاية المتخلفين عقلياً على أسس علمية أولية عام 1799، على يد إيتارد Itard، وكان تدريبه قائماً على أساس تعليم الطفل العادات الأساسية التي يعرفها، وتعليمه الأشياء التي لا يعرفها، وتدريب حواس الطفل، وذلك بتنبيه الجهاز العصبي، ومساعدته على التمييز الحسي، ومساعدة الطفل على تكوين علاقات اجتماعية سليمة.

    توالت الجهود بعد ذلك معتمدة على المدخل الفسيولوجي، أي تنبيه الجهاز العصبي من طريق تنمية الحواس والتمييز الحسي، واستخدام الألعاب الخفيفة وألوان النشاط التي تستهدف تصحيح العيوب الظاهرة لدى المتخلفين عقلياً.

2. تبدأ رعاية الأطفال المتخلفين عقلياً قبل الميلاد، مثل منع زواج الأقارب ممن توجد في شجرة العائلة حالات تخلف عقلي، والكشف المبكر للحالات الأكثر عرضة للتخلف العقلي، مثل حالات اضطراب التمثيل الغذائي وحالات الخلل الكروموزومي في الجينات لدى الوالدين، وتحصين الأمهات قبل الحمل من الأمراض المعدية التي يمكن أن تسبب التخلف العقلي.

3. العلاج الطبي، مثل علاج أخطاء التمثيل الغذائي، وحماية الطفل من التلف الدماغي أثناء الحمل أو الولادة، وعلاج أي خلل في أعضاء الإحساس لدى الطفل، وعلاج اضطرابات الغدد، وخاصة الدرقية.

4. العلاج البيئي، بتقديم الخدمات الإرشادية للوالدين والمحيطين، مما يساعدهم على تقبل حالة الطفل، وإيجاد الحلول الملائمة لما يطرأ من مشاكل نفسية في مجالات التوافق والعلاقات الشخصية؛ ومشاركة الوالدين في التدريبات العلاجية والتعليمية لأبنائهم المتخلفين عقلياً. ويتضمن العلاج البيئي توفير الخبرات الإثرائية التي يمكن أن تزيل بعض أثار الحرمان الحسي، وتستثير حواس الطفل وتزوده ببعض الخبرات التي يمكن استثمارها في عملية التعلم.

5. العلاج التربوي، ويستهدف مساعدة المتخلفين عقلياً على التكيف الاجتماعي، وتدريبهم على رعاية أنفسهم، وإكسابهم المهارات الحياتية، مثل عادات النظافة والأكل واللبس، ومساعدتهم على تكوين علاقات اجتماعية مع الناس، ثم يأتي بعد ذلك تعليم القراءة والكتابة والحساب للفئات القادرة على ذلك، باستخدام الطرائق والأساليب الملائمة لهم.