إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اجتماعية ونفسية / الطفولة









مراحل الطفولة

مراحل الطفولة

1. فترة حداثة الولادة (Newborn)

وهي أقصر فترة من فترات النمو، خلال الحياة كلها. وتبدأ من لحظة الولادة، وتصل إلى أسبوعَين بعدها. وفيها يكون المولود غير مستقر، نوماً ورضاعة، ويكثر بكاؤه، ويقل وزنه ويستمر كذلك إلى أن يتكيف مع بيئته الجديدة.    

2. مرحلة الرضاعة (Babyhood)

وتبدأ بعد أسبوعَين من ولادة الطفل، وتمتد حتى نهاية السنة الثانية من عمره. وتتميز بما يلي:

أ. سرعة النمو والتغير، الجسدي والنفسي.

ب. إقلال الطفل من اعتماديته، لنمو جسمه، وزيادة تحكّمه الحركي.

ج. كونها فترة التأسيس الحقيقية، للعديد من السلوك والاتجاهات، نحو الآخرين وتجاه النفس؛ ولكثير من أنماط التعبير العاطفي. غير أن هذه الأُسُس، لا تُعَدّ نهائية، فقد تتغير بعد ذلك.

وتُعَدّ هذه المرحلة واحدة من أسرع فترتَين للنمو الجسماني، خلال عمر الإنسان. والفترة الثانية، هي فترة المراهقة. ففي الستة أشهر الأولى، يستمر النمو سريعاً، فيزداد وزن الطفل، وتكون الزيادة في الأشهر الثلاثة الأولى، بمعدل ثلاثة أرباع الكيلوجرام، شهرياً. وفي الأشهر الثلاثة الثانية، 500 جم، شهرياً. ثم تتناقص زيادة الوزن إلى 250 جم، شهرياً، في النصف الثاني من العام الأول. ويلاحظ أن الزيادة، تكون في الوزن، أكثر منها في الطول، خلال السنة الأولى، بينما يحدث العكس في السنة الثانية. وعلى الطفل أن ينجز التوقعات المطلوبة منه، في هذه المرحلة، على المستويات الثلاثة، الجسدية والنفسية والاجتماعية.

أولاً: على المستوى الجسدي: يستطيع الطفل، أن يرفع رأسه، في الشهر الثالث. وبين الشهرَين الرابع والسادس، يقوى على الإمساك بالأشياء بكلتا يدَيه، بعد أن كان يمسك بها بيده وفمه. ويمكنه الجلوس، منفرداً، بين الشهرَين السادس الثامن. ويتمكن من الحبو، بين الشهرَين الثامن إلى العاشر، ويقوى على الوقوف، من دون مساعدة، بين الشهر العاشر ونهاية السنة الأولى، ويقدر على المشي، منفرداً، من دون استناد إلى الأشياء؛ بين اثني عشر شهراً وثمانية عشر شهراً. وفي شهره الثامن عشر، يمكنه إطعام نفسه. وفي عامه الثاني، يمكنه أن يقذف كرة كبيرة، ويستطيع القفز، ويتسلق السلم وينزله، ويجرى جيداً.

ويقفل اليافوخ الأمامي، بين نهاية السنة الأولى وثمانية عشر شهراً. ويصبح في مقدوره الإمساك بقلم، يخربش به، وقص ورقة بالمقص. كما يظهر الطفل ميلاً إلى استخدام إحدى يدَيه أكثر من الأخرى، على الرغم من أن ذلك، لا يحدد أيهما ستكون سائدة، بعد ذلك.

ثانياً: على المستويَين، النفسي والعقلي: تكتسب سلوكيات الرضيع، في هذه المرحلة، صفة الثبات. فتصبح الأم قادرة على توقع غالبية سلوكه، بين الشهرَين الثالث والسادس. ومن الثبات والتكيف اللذَين ينجزهما، في هذه الفترة، إيقاع النوم واليقظة، المطابق للحياة اليومية. فيستيقظ نهاراً، وينام ليلاً. ويبدأ الطفل بتكوين أنماط الوظائف الأساسية، من الأكل والنوم والإخراج، حتى لو لم تكتمل العادة عند نهايتها. ويستطيع أن يفهم ويستجيب بعض الأوامر البسيطة (مثل إحضار الكوب). ويتميز سلوكه العاطفي، في هذه المرحلة، باستجابات سلوكية مبالغ فيها، خاصة في حالة الغضب والخوف؛ ولكنها قصيرة الأمد، فسرعان ما تزول، وتحل محلها عاطفة أخرى. وغالباً ما تكون انفعالات العواطف، مرتبطة بمثيرات، سبق أن أثارت لديه انفعالات، في الماضي. ويأخذ السلوك العاطفي شكل السرور أو الغضب أو الخوف أو الفضول أو الحب (التعلق).

ويبدأ الطفل تحكمه الشرجي، عند سن ستة أشهر، في المتوسط. بينما التحكم المثاني (في المثانة البولية)، عند سن ستة عشر شهراً. ويكون التحكم الشرجي، في نهاية هذه المرحلة، أثناء اليقظة والنوم. وقبل نهايتها، يمكن الطفل التحكم في عملية التبول، أثناء اليقظة فقط. كذلك، يكون فطام الطفل، غالباً، في هذه المرحلة.

ثالثاً: على المستوى الاجتماعي: لهذه المرحلة دور مهم في تحديد سلوك الطفل الاجتماعي. فعند نهاية الشهر الثاني، يصبح الرضيع قادراً على تركيز بصره في الوجوه، خاصة العينَين. وهي علامة ذات قيمة لبدء التفاعل الاجتماعي. وفي شهره الثالث، يبتسم ابتسامة اجتماعية، بشكل منتظم، وثابت، ومتوقع، من خلال إثارة بصرية، خاصة عند مشاهدة وجه آدمي. وفي الشهر الرابع، يبتسم ابتسامة خاصة للأم، التي بدأ يميزها عن غيرها، وهذه ابتسامة التعرف. أما الابتسامة الداخلية، فهي موجودة منذ الولادة، إذ تلاحظ عليه أثناء نومه المصحوب بحركة العين السريعة (REM Sleep) .

ويرى بعض الباحثين أن تلك الابتسامة الداخلية، كان يبتسمها وهو لمّا يزل داخل الرحم، أي قبل ولادته. وهي ترتبط بوظائف جذع الدماغ، أكثر من ارتباطها بنشاط قشرة المخ. كما أن الضحكة، التي بدأ يطلقها عند الشهر الرابع، والباعثة لسرور والديه وإخوته ـ هي من قبيل التواصل، مثل الابتسامة الاجتماعية، وتزيد من تفاعله مع الآخرين.

ويبدأ بتميز الغرباء، ويخاف منهم، في الشهر السابع من عمره. وعند الشهر التاسع، يبدأ الطفل في فهْم الإيماءات، وما تحمله من تواصل، سواء كانت أوامر أو نواهي، وهي أكثر انطباعاً من الكلمات في فهمْه. فإذا مد يده ليمسك بشيء، وهززت رأسك وأشرت، علامة للمنع، فإنه سيتوقف. وفي نهاية السنة الأولى، تظهر لديه قدرة التعبير عن الغيرة والغضب والحب والدفء والسرور.

وبصفة عامة، يكون الطفل، خلال السنة الأولى، في حالة توازن، تجعله ودوداً، يسهل حمله واللعب معه. بينما يختل هذا الاتزان في منتصف السنة الثانية، فيصبح سريع الاهتياج، غير متعاون، ويصعب حمله ومداعبته. ولكنه يستعيد اتزانه، ثانية، قبل نهاية هذه المرحلة.

ونظراً إلى أن الطفل أصبح لديه قدرة الانتقال من مكان إلى آخر، فإنه يصبح فضولياً، يودّ اكتشاف كل شيء. ويتضايق عندما يحبطه من حوله، ويحدون من فضوله وحب استطلاعه،  لخوفهم عليه، أن يؤذي نفسه، بالمنظفات أو الأدوات الحادة أو السقوط من على الأشياء المرتفعة. وبدلاً من معركة منع الطفل من الاستكشاف، على الوالدَين تهيئة جو البيت لذلك. وعندما تكون علاقة الأم محبطة، فإنها تدعم السلوكيات الشرجية، مثل القبض على البراز (الإمساك)، والسلوك السلبي والعناد، والتي تصبح مرَضية، مدعمة ومشحونة، انفعالياً، بالعداء والعدوانية. وكما أن الخبرات التصادمية، في هذه المرحلة، تحدث تثبيتاً لسمات، مثل العناد، والعدوان السلبي، والانشغال الشديد بالنظافة، والميول الوسواسية، والتناقض الوجداني.

ويتكامل الطفل مـع الأم تكاملاً طبيعياً، في هذه المرحلة (Normal Symbiosis)؛ إذ إن الأنا لديـه، لا تتميز مما ليس أنا. وذلك حتى سن أربعة أشهر. ثم يميز بين الآخرين وأمه، بين الشهرَين، الرابع والسابع. ويتجه إلى الخارج، لإدراكه. فيبدأ في دفع أمه، محاولاً الانفصال عنها. ولكنه يبقى ملتصقاً بها، يلعب عند قدَميها. وينتابه قلق عند الانفصال عنها، وعند مشاهدة الغرباء. وفي الفترة من 7 أشهر إلى 16 شهراً، يستمر في ممارسة تحرُّكه في جوار الأم، مع الاهتمام بالأشياء وتفحصها. وقد يصبح أحد هذه الأشياء موضوعاً انتقالياً (Transitional Object). وهو شيء عزيز القيمة لدى الطفل، يعطيه شعوراً بالأمان والراحة، وينقله معه أينما ذهب، وعند النوم، كذلك. وهذا الشيء هو رمز إلى حب الأم والارتباط بها. وثمة فائدة في تكرار تحرُّك الطفل بعيداً عن الأم، والعودة للالتصاق بها، كنوع من الشحن العاطفي، واستكشاف البيئة فائدة؛ إذ يمكنه تكوين علاقات بآخرين، وتقبّل بديل الأم، لفترات قصيرة، خاصة بعد أن بدأ يمشي على قدَميه. ولكنه يخاف، وينتابه قلق الانفصال، عند غيابها. لذا، فهو يرغب في بقائها ومتابعتها له، أينما سار.

وللطفل، في هذه المرحلة، مطالب نفسية، لا تتحقق إلا من خلال علاقته الاجتماعية بآخر. فهو، في السنة الأولى، يطلب الأمان والثقة، اللذَين يتحققان من خلال علاقته بأمه، أو من ينوب عنها. فإذا أعطي الطفل الأمان، أي عندما يبكى من أجل الطعام، يجد استجابة ملائمة لطلبه؛ وعندما يبكي، خوفاً، يجد من يهدئ من روعه ـ فإنه يثق بالآخر، ويطمئن إلى علاقته به. ومن هنا، أطلق (شعلان) على المرحلة الأولى مرحلة الأمان، نقلاً عن (إريكسون)، الذي أسماها الثقة، في مقابل الشك (Trust versus Mistrust) . وهي تقابل، عند (فرويد)، المرحلة الفمية (Oral)، إذ يبرز فيها نمط إدماج (بلع) الطعام بوساطة الحلمة، أو الإحساس، بوساطة الإصبع، كرغبة شديدة في التلامس بالفم. وخلال نصفها الأول، يكون النمط السائد لدى الطفل، هو الحصول السلبي. وينتقل، في النصف الثاني من المرحلة، إلى نمط الأخذ الموجب، المصاحب بالقضم، نتيجة لظهور الأسنان. ويأتي الفطام، كحرمان للطفل، ولكن إذا كانت الثقة قد استقرت في نفسه، إلى حدّ ملائم، فإنه سيتخطى ذلك، بأمل إنجاز تالٍ، بدلاً من الإحباط.

واضطراب هذه المرحلة، يجعل منها نقطة تثبيت؛ فيحاول الطفل الإبقاء عليها، أو ينتقل منها، بعد إشباع مفرط، يجعلها مؤثرة في سلوكه، فيستخدم الحب والثقة، في موقف، يحتاج إلى القوة والشك. وعندما يسرع الطفل في الانتقال إلى إنجاز تالٍ، متخطياً إنجاز الحصول على الثقة والأمان،  تصبح هذه المرحلة نقطة ضعف، لاحتياجه إلى الثقة، فتكون المبالغة، التي تخفي وراءها هذا الاحتياج،  ليؤكد بها ذاته. وبدلاً من طلب الحب والقبول مباشرة، يلجأ إلى القوة، وينكر حاجته إلى الحب، ويبدو قاسياً، عنيفاً. وقد يصل إلى درجة البارانوية والشك في مَن حوله.

أما في السنة الثانية، فإن الطفل، ينشد الاستقلال. لذلك أسماها (إريكسون) الاستقلالية في مقابل الشك والخجل (Autonomy versus Shame and Doubt)؛ إذ نمت عضلات رجلَيه، وأصبح ينتصب واقفاً، ويمشى بعيداً عن أمه، مكرراً ذلك، ومؤكداً أنه كائن آخر، منفصل عن الأم، التي كانت تحتويه في رحمها، ثم بين ذراعَيها. وكما تصبح عضلات المشي، في هذه المرحلة، محوراً للإنجاز والتحدي مع الأم، فإن عضلات التحكم في المخارج (Sphincters)، خاصة الشرجية، تصبح، كذلك، محوراً للإنجاز والصراع مع الأم؛ فعندما يرضى عنها، يتحكم في برازه، لا يلوث به نفســه، ولا يمسكه تحدياً، ولكنه ينتظم في إخراجه، وفي عدوانه تجاهها. وقد  يلوث نفسه، أو يمسك عن الإخراج، لمدة طويلة، قد تصل إلى عدة أيام (Retention). لذا، أسماها (فرويد) بالمرحلة الشرجية (Anal). والأنماط الاجتماعية المرتبطة بها، هي الترك (Letting go)، أو القبض والتشبث (Holding-on). ويرتبط بها العدوان، السادي ـ الشرجي (Anal-Sadistic). والطفل، في هذه المرحلة، حساس لما يقال عنه، فإذا قيل عنه أنه سيئ، أو الأشياء التي تخصه سيئة، مثل برازه، فإن الخجل، سيتولد لديه، ويشك في صوابه، وهذا يؤدي به إلى الشك في نفسه. كما أن صفة العناد، ترتبط بهذه المرحلة، وتكون صحية، في حالة تأكيد ذاته واستقلاليته. ولكن المبالغة فيه، تجعله صفة مرَضية.

3. مرحلة الطفولة المبكرة (Early Childhood)

وتبدأ من سن عامَين إلى ستة أعوام، ويتوقع فيها من الطفل، الإنجازات التالية:

أولاً: على المستوى الجسدي: يصبح قادراً على الجري الجيد، وصعود السلم، مع تبديل الأرجل، والقفز، وركوب دراجة ذات ثلاث عجلات، وركل الكرة عند السنة الثالثة من عمره. ويستطيع القفز والوقوف على قدم واحدة، وإجادة المهارات الحركية السابقة، إضافة إلى نط الحبل والرقص، واستعمال القلم في الرسم، ولبس ثيابه، وإطعام نفسه، وتمشيط شعره، وربط حذائه.

ويتنوع لعب الطفل، طبقاً لذكائه وقدرته الحركية، ونموه الجسماني؛ فأسلوب هذه المرحلة العضوي، هو الحركية والجنسية (Locomotor-Genital)، فبعد أن شعر بالأمان، واطمأن إلى أنه آخر مستقل، أصبح يبحث عما يميزه، ككائن مستقل، متمثلاً في قدراته الحركية، الآنفة الذكر، وتكوينه الجسماني، المميز. وهو يبحث عن الاختلافات التشريحية بين والدَيه، وإلى أي الجنسَين ينتمي، تشريحياً. ويتحكم الطفل في عملية البول، أثناء النوم، خلال هذه المرحلة عند عامه الثالث. وإذا تأخر إلى الخامس، فلا خوف، لأن نضج الجهاز العصبي قد يتأخر لدى بعض الأطفال إلى سن الخامسة.

ثانياً: على المستوى النفسي والاجتماعي: تزيد مفاهيم الطفل في هذه المرحلة وتصبح أكثر خصوصية وذات معنى بالنسبة إليه، لزيادة انتباهه إلى تفاصيل أكثر؛ فالخبرات الجديدة، تؤدي إلى معانٍ جديدة. ونتيجة لزيادة المفاهيم، تزداد حصيلته اللغوية، ويستطيع تكوين جمل والنطق بها. ويصبح تعبيره عن عواطفه أكثر جدية، وتشمل الغضب والخوف والغيرة والفضول والسرور والحزن والحب. وتنمو لدى الطفل القدرة على استدخال صورة الوالدَين، خاصة الأم، ويمكن أن يتركها لعدة ساعات، في الحضانة. وعند غيابها، يمكنه استدعاء صورتها من الذاكرة، ليشعر بالطمأنينة والأمان.

واللعب في مرحلة الطفولة المبكرة، يتسم بملامح العلاقة الأوديبية والدفاع ضدها (الرغبات والخيالات الأوديبية). فالطفل هنا ليس خائفاً من فقْد موضوع الحب؛ ولكنه خائف من فقْد حب موضوع الحب. والخيالات مسيطرة بصورة تعويضية (أنا كبير) (أستطيع أن أفعل مثلهم). وهو يقلد، ليس الآباء فقط، ولكن الأطباء ورجال البوليس وأبطال التليفزيون.

ويميل الطفل إلى جذب الانتباه والاهتمام. وإن فقدهما، فإنه يصاب بتقلبات مزاجية، ومخاوف شديدة، ودفقات الغيرة غير المبررة. ويمكنه اكتساب القِيم الأخلاقية والسلوك الأخلاقي، في المواقف؛ إذ يبدأ بالتفرقة بين ما يريده هو، وما يطلب منه أن يفعل. وتزداد هذه التفرقة حتى يحول، تدريجاً، قِيم والدَيه على أنها طاعة لنفسه، وتوجيه وعقاب لها. وهذا ما يراه (فرويد) من استدخال قِيم الوالدين، الذي ينتهي بالتوحد بهما، وتكوين الأنا الأعلى، في نهاية هذه المرحلة (القضيبية).

ونظراً إلى أن الطفل قد استقل، وأصبح قادراً على الحركة واللعب، واستعراض نفسه وإمكاناته، ويأتي بأفعال لجذب اهتمام الآخرين، أي مبادرات، فلقد أسمى (إريكسون) هذه المرحلة المبادرة،  وأن محورها النفسي ـ الاجتماعي، هو المبادرة في مقابل الشعور بالذنب (Initiation versus Guilt  فالطفل متطلع إلى الاستكشاف، شغوف به، يسعى إلى نَيْل مكانة أفضل، خاصة لدى والده من الجنس المقابل، ولكن هذا السعي يعوقه وجود الأب، من الجنس نفسه،  فيعاني الطفل صراعاً داخلياً، سمي بالصراع الأوديبى (Oedipal Conflict). ونظراً إلى أن المنافسة غير متكافئة (بين الطفل وبين أبيه من الجنس نفسه)،  فيخاف أن يسلبه الأب ميزته (وهو القضيب)، فيما يعرف بخوف الخصاء (Castration Fear) لدى الطفل الذكر. أما الطفلة الأنثى، فتشعر بنقص شيء في تكوينها، وترى أنها قد أُخصِيَت (Castration Complex) فعلاً، وتحسد الذكر على وجود قضيب لديه (Penis Envy). ويقابل هذا حسد الذكر للأنثى، الذي يحدث في مراحل لاحقة، وهو حسد الثدي (Breast Envy)، وحسد الرحم (Womb Envy)، الذي يلد، ويضيف خلقاً جديداً، وتتميز الأنثى به على الذكر.

ونجاح الطفل في المبادرة، يملأُه بالزهو والثقة بالنفس. بينما يولد فشله عدواناً مبالغاً فيه، يتبعه الشعور بالذنب. وعدوان الطفل، هنا، هو الطموح إلى احتلال مركز الأب (من الجنس نفسه). ونظراً إلى عدم التكافؤ في هذه المنافسة، فالأب أكبر، ولديه إمكانات تفوق الصغير، فإن الطفل، شعوره بالفشل، بالمبالغة في انتصاراته، في الخيال، التي قد تصل إلى تخيله قتل أبيه، مما يثير شعوره بالذنب؛ أو ينجح الطفل في كبت هذا الصراع، ويتسامى، من خلال العملية التعليمية، التي يتلقاها، في نهاية هذه المرحلة. وبعد أن بدأت هذه المرحلة بتركيز الطفل اهتمامه حول نفسه وأسرْته وممتلكاته، فإنه، في نهايتها، أصبح يتكلم عن الآخرين، وأصبح له بعض الأصدقاء.

ولهذه المرحلة بعض الأخطار، التي تجدر الإشارة إليها، مثل اضطراب الكلام، أو تقلبات انفعالية، وانفجارات مزاجية، أو تخلف مفاهيمه؛ الأمر الذي يعزله عن أقرانه، أو يؤدي إلى عزلته الاجتماعية، لسوء سلوكه، أو تعوده اللعب الفردي، وقد يدفعه ذلك إلى تخيّل رفاق لعب غير حقيقيين، ويعيش معهم، في خياله، فتزداد عزلته. وهناك أخطار تنشأ عن العلاقة داخل الأسْرة، وعلى الآباء مراعاتها جيداً، مثل تفضيل البنين على البنات، أو فساد العلاقة بين الوالدَين، أو الشجار الكثير بين الإخوة، الذي تسببه الغيرة.

دخول الحضانة: أفضل سن لبداية الحضانة المدرسية، يعتمد على نمو الطفل، معرفياً وعاطفياً وحركياً وكلامياً. وسن ثلاث سنوات ملائمة، إذ استقر ثبات الموضوع واللغة، وكذلك التحكم في المخارج. ففي الأسبوع الأول لدخولهم الحضانة يتجاهل معظم الأطفال الأطفال الآخرين، ويسلبونهم لعبهم أو يصيحون بهم. وهم في تناقض وجداني مع المدرسة (المربية)، ففي أول الأمر، يتجنبونها. ولكن، سرعان ما يغضبون منها، بدلاً من الأم. ولكن، بالتدريج، يبدأون معها علاقة دافئة. وأحياناً تكون الأم، هي الخائفة من ترْك طفلها في الحضانة، وهذا ينتقل إلى الطفل. وبعد أسبوع، يتكيف أغلب الأطفال، ويتعرفون بالأطفال الآخرين، ويبدأون بلعب متوازٍ، سرعان ما يتحول إلى لعب جماعي.

4. مرحلة الطفولة المتأخرة (Late Childhood)

ويسميها المربون سن المدرسة الابتدائية، وتبدأ من 6 سنوات إلى 12 سنة، أو البلوغ، إذ إنها تنتهي بالبلوغ. ويسميها السيكولوجيون عمر الاندماج في مجموعة. أما (فرويد)، فيسميها مرحلة الكمون (Latency)، وذلك لعدم بروز مناطق جسدية، ترتبط بإشباعات الطفل؛ ففي المرحلة الأولى، كان الفـم. وفـي المرحلـة الثانية، كان الشرج. وفي الثالثة، كان القضيب. أما في هذه المرحلة، فلا ارتباط بمناطق جسدية بعينها. ويسميها (إريكسون) المثابرة، ومحورها النفسي ـ الاجتماعي، تعلّم مهنة في مقابل الدونية (Industry versus Inferiority)؛ فبعد أن شعر الطفل بالأمان، من خلال علاقته بأمه، واستطاع أن يستقل عنها، مطمئناً إلى وجودها بالقرب منه، فشعر أنه آخر مستقل، ثم بادر، مؤكداً، أنه آخر منفصل ومتميز؛ فإنه، في هذه المرحلة، يثابر، وصولاً إلى ثقة بقدرته على استخدام أدوات الكبار. وإذا فشل، فإنه يشعر بالدونية والنقص. فالطفل قد اكتشف، في المرحلة السابقة، أنه كي يكون نداً لأبيه، من الجنس نفسه، في المنافسة على أبيه من الجنس المقابل، أن يكتسب منه خبرات من أبيه (من الجنس نفسه)، وأن يتعلم منه، فيتوحد (Identification) به، ويكبت عداءه تجاهه، كما كبت ميوله تجاه أبيه من الجنس المقابل،  ويساعده على ذلك ما يتوقعه منه المجتمع، بأن يلتحق بالمدرسة، أو بمهنة، يتعلم، من خلالها، وصولاً إلى صورة الأب، الذي توحد به، ورغب أن يكون مثله، في الكبر.

ينجز الطفل، خلال هذه المرحلة، الإنجازات التالية:

أولاً: على المستوى الجسدي: يكتسب المهارات الجسمانية، اللازمة للألعاب المختلفة، خاصة التي يزاولها، مثل كرة القدم أو ركوب دراجة، مع سيطرته على الحركة الدقيقة، إذ يستطيع أن يرسم شخصاً موضحاً أجزاء جسده، ويميزه جنسياً، رجلاً أو امرأة، وتؤثر حالته الجسمانية في نفسيته، إلى درجة كبيرة.

ثانياً: على المستوى النفسي والعقلي: نظراً إلى ظهور الكبت في المرحلة السابقة، وبروز التسامي، وتفرغ الطفل للتعلم، سواء في المدرسة أو في غيرها، وعدم ظهور غرائز لديه، فإن (فرويد)، أطلق على هذه المرحلة اسم (مرحلة الكمون). وعلى أي حال، فإن الطفل، في هذه المرحلة، يكوِّن نظرته تجاه نفسه، ويصبح شخصاً مستقلاً (معتمداً على نفسه)، ويعرف الدور الملائم لجنسه، ويستطيع تعلّم المهارات الأساسية المنوطة به، مثل القراءة والكتابة والحساب. كما يكوِّن المفاهيم اللازمة للحياة اليومية، ويفهم الموت والحياة، ووظائف الجسم، والأماكن، والأعداد، والنقود، والزمن، والجمال، والكوميديا. كما يعرف ما هو مقبول من الانفعالات، ويعرف الخطأ والصواب، ؛ إذ تظهر المشاعر الأخلاقية، عند سن 8 سنوات أو أكثر.

فالطفل بين ستة وسبعة أعوام، لديه بعض المشاعر الأخلاقية، ولكنها تعتمد على وجود الوالدَين، فهو يحتاج الوجود العياني للوالدين، ليتبع المشاعر الأخلاقية، ويستجيب للنواهي. ولا يستطيع أن يعمم هذه المشاعر، في المواقف الأخرى. ولكن، بين السابعة والثامنة، يمكنه تعميم القواعد الأخلاقية. وهو ما أسماه بياجيه (نمو الأخلاقية الذاتية) (Autonomus Morality). ومن هنا، كانت أهمية هذه الفترة في إرساء المقاييس الأخلاقية، سواء باستخدام أسلوب المكافأة أو العقاب العادل الملائم. فكما تحسّن كلامه وفهْمه لِما يقول، نمت لديه عمليات التفكير والسببية، والاستنتاج المنطقي، وفهْم الواقع، والمشاعر الأخلاقية.

ثالثاً: على المستوى الاجتماعي: بعد أن تأهل الطفل، اجتماعياً، في المرحلة السابقة، وأصبح يهتم بالآخرين، فإنه يبدأ الاندماج في مجموعة، في هذه المرحلة، ويتعاون من أجل مصلحة الفريق، الذي يعمل فيه. كما أنه يصبح قادراً على أخذ مواقف، تجاه الجماعات الاجتماعية. ويتأثر الطفل، في هذه المرحلة، بالحالة، الاجتماعية والاقتصادية، للأسْرة، وبالجو المدرسي، وقبوله الاجتماعي من عدمه. وكذلك يتأثر بالنجاح والرسوب.

وقسم بعض الدارسين مرحلة الطفولة المتأخرة، إلى:

الكمون المبكر (6 ـ 8 سنوات): وفيها يمزج الطفلَ بين الخيالات الأوديبية النشطة، وخبرة الخوف والشعور بالذنب، المرتبطة بتلك الخيالات؛ إذ أن الكبت، لم يستقر، بعد، تماماً، والأنا الأعلى ما زال غير ثابت، فأحياناً يكون صلباً، وأحياناً يرتبك، ويصبح غير فعال.

الكمون الأوسط (8 ـ 10 سنوات): وفيها تكبت الرغبات الأوديبية. وتجد الرغبات، الجنسية والعدوانية، طريقها إلى التسامي في المدرسة، والارتباط بالأصدقاء. وفي هذه السن، تجد النكات الجنسية طريقها بين الأولاد. ولا يعبر الطفل عن أفكاره الخاصة للكبار، كما كان يفعل بين الرابعة والسادسة من العمر. والدفاعات الوسواسية، مثل عزل المشاعر عن الأفكار، والتبرير، والعقلنة، تساعد الطفل على التكيف مع البيئة، وتنمية الموضوعية النسبية. ولكن كثرة استعمال الدفاعات الوسواسية، على حساب معايشة المشاعر والانطلاق، تسبب حدوث الوسواس القهري.

الكمون المتأخر (10 ـ 12 سنة): وفيها تسبق البنات الأولاد، في تغيرات مقدمة البلوغ (مثل ظهور شعر العانة وتبرعم الثدي، واستدارة الأرداف). ويصبحن خَجِلات، وينتابهن القلق حول نظرة الكبار والرفاق إلى تلك التغيرات، ويصبحن هادئات، متقلبات المزاج، منسحبات، ويبكين لأتفه الأسباب، وبعضهن يتظاهرن بأنه لا شيء يحدث، وبعضهن يحاكين الأولاد، وبعضهن يرين أنفسهن بدينات، ويبدأن في عمل نظام غذائي خاص (ريجيم). ونتيجة لذلك، قد يصاب بعضهن بالقهم العصابي، ويرتبك سلوكهن، الحركي والمعرفي، ويصبحن مشتتات الذهن، وهن حساسات لِما يحدث لأجسامهن، ولا يناقشن تلك التغيرات مع صديقاتهن. ولكن الأم، أو صديقة مقربة، تساعد البنت على فهْم تلك التغيرات وتوجهها وتطمئنها.

أما الأولاد، فيظهرون تغيراً خفيفاً، ويندمجون في أنشطة رياضية، وأنشطة خارج المنزل. وقد يتأخر البلوغ، ويسبب قلقاً للطفل والأسْرة. ولكن ذلك يرتبط بعوامل عائلية، وبالتغذية والإثارة البيئية، ونمو الجهاز العصبي، خاصة منطقة الهيبوثلاموس.

5. مرحلة المراهقة (Adolescence)

اُنظر بحث المراهقة.