إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اجتماعية ونفسية / الذاكرة









الذاكرة هي تسجيل الأحداث واستدعاؤها عند الطلب

الذاكـرة  Memory

الذاكرة[1] هي تسجيل الأحداث واستدعاؤها عند الطلب. وتتكون من ثلاث مراحل[2]، هي الانطباع ارساخ الانطباعات Fixation  (التسجيل) والتخزين بمعنى الاستبقاء Retention ، والاستدعاء Recall  ثم التعرف Recognition  فعندما تقابل شخصاً يخبرك باسمه، يتم إدراك المعلومة، التي ينقلها صوته، وتسجل في ذاكرتك. وهذه هي مرحلة التسجيل، التي يتحول فيها الصوت إلى "شيفرة"، تسجل في مركز الذاكرة في المخ. وتمضي فترة قبل أن تقابل الشخص عينه ثانية، وهذه مرحلة تخزين المعلومة. وعند مقابلتك له، ثانية، فإنك تستحضر اسمه في ذهنك، وتناديه به، وهذا هو استدعاء المعلومة.

*  أنواع الذاكرة

والذاكرة أنواع، تقسم حسب عمق الانطباع ومدة التخزين، فالانطباع الأولى عن المعلومة، من دون إدراكها تماماً، هو ما يسمى بالذاكرة الحسية، ومدة اختزانها تقلّ عن ثانية واحدة. وذلك ما لم يتم نقلها، فوراً، إلى نوع آخر، هو الذاكرة قصيرة الأمد، بتركيز الانتباه أكثر في المعلومة وإدراكها، فتتحول المثيرات إلى معانٍ، يمكن حفظها في مدة تقلّ عن دقيقة (عدة ثوان). أمّا إذا حدث إدراك أشد للمعلومة وفهْم أعمق، بناء على الخبرة السابقة، فإنها تنقل إلى مخزن الذاكرة طويلة الأمد. ويُلاحظ أن هناك كمّاً هائلاً من المعلومات، يدخل إلى حواسّنا (من طريق العين والأذن والأنف والتذوق والجلد). وكلها معلومات خام، لا يتم إدراكها كلها إدراكاً كاملاً. وعدم الانتباه لأي معلومة منها، يجعلها لا تتجاوز مدى الذاكرة الحسية، فتتلاشى في أقلّ من ثانية. بينما الانتباه الجزئي، يعطي فهماً جزئياً، ينقلها إلى مخزن الذاكرة قصيرة الأمد، حيث تخزن لعدة ساعات أو أيام. بينما الانتباه الكامل، والإدراك الكامل، والربط بالخبرة السابقة، وما يصاحب ذلك من تجريدات، ينقل المعلومة إلى الذاكرة طويلة الأمد، فتخزن فيها الذاكرة إلى الأبد.

*  مناطق الذاكرة في المخ

          وتشير الدراسات إلى أن مناطق الذاكرة في المخ، هي الفص الصدغي من قشرة المخ، والأجسام الحلمية في المهاد والجهاز الطرفي. إلا أن تخزين المعلومة، يتم في المنطقة التي ترد إليها، فالصورة تدَرك بالقشرة البصرية من المخ، وتخزن فيها، وكذلك الصوت، يتم إدراكه بالقشرة السمعية، ويخزن فيها ... وهكذا. أمّا الذاكرة المركبة (من بصرية وسمعية وشمية وتذوقية ولمسية معاً)، فتخزن مكوّناتها، كل في مكانه من المنطقة الوارد إليها، وعند استدعائها، يؤدي الارتباط بين مناطق قشرة المخ المختلفة، دوراً في الاستعادة المتكاملة.

          ولوحظ أن للأحماض النووية دوراً في عملية التذكر، خاصة حمض (الرنا) (RNA )، إذ يوجد حمضان نوويان في الخلية، أحدهما (الدنا) (DNA )، وهو موجود في نواة الخلية، ويحمل الجينات الوراثية، ولا يترك النواة إطلاقاً، بينما الحمض النووي الآخر، وهو (الرنا)، فيتحرك إلى خارج النواة، إلى السيتوبلازم، حيث يتحكم في نشاط الخلية. وله دور في وظيفة الذاكرة. ولقد دعمت هذه الملاحظة بثلاثة أنواع من الدراسات:

  1. دراسات أجريت على حيوانات، تم تعليمها استجابات معينة، ثم حقنها بمادة تثبيط حمض الرنا. فلوحظ فقْد هذه الحيوانات لتلك الاستجابة، بعد عملية الحقن.
  2. لوحظ ازدياد هذا الحمض في خلايا معينة، بعد اكتساب خبرة معينة، متعلقة بهذه الخلايا (مثل خلايا الاتزان، بعد عملية تعليم فأر المشي على سلك للوصول إلى غذاء). وكذلك ازدياد نسبة حمض (الرنا).
  3. نقل حمض (الرنا) من حيوان إلى آخر، أدى إلى نقل الاستجابات نفسها كذلك. فأصبح يستجيب استجابات، لم يسبق له أن تعلمها. وعندما تم حقن هذا الحيوان بالمادة المثبطة لحمض (الرنا)، فقدت هذه الاستجابات.

*  العوامل التي تؤثر في الذاكرة[3]

وثمة عوامل تؤثر في الذاكرة، أهمها:

  1. الانتباه Attention: إن للانتباه دوراً مهماً في نقل المعلومة من الذاكرة الحسية إلى الذاكرة قصيرة الأمد. وزيادة الانتباه للمعلومة، تؤدي إلى إدراكها أكثر، وربطها بالخبرة السابقة وهو ما ينقل المعلومة إلى الذاكرة طويلة الأمد. كما أن الانتباه ضروري لعملية الاستدعاء من مخزن الذاكرة. لذلك، فإن المعلومة التي لا تجد انتباهاً كافياً لن تسجل في الذاكرة، إذ على قدر الانتباه والربط بالخبرة السابقة، يكون عمق الانطباع في الذاكرة.
  2. الإدراك Perception الواضح للمعلومة، وربطها وتصنيفها، طبقاً للخبرة السابقة.
  3. نوع الانفعال Emotion المصاحب للمعلومة. فالفرد ينسى الخبرات المؤلمة، بينما يتذكر الخبرات السارّة. كما أن القلق وقت استدعاء المعلومة، قد يعوق تذكرها.
  4. ربط المعلومة وتصنيفها وتجديدها: طبقاً للخبرة السابقة، تحفظها على المدى الطويل، وتسهل استدعاءها.

ومراعاة هذه العوامل، تُحسن عملية تسجيل المعلومات واستدعائها. ويلاحظ أن المعلومة، بعد أن تسجل وتدخل إلى الذاكرة طويلة الأمد، قد تنسى بعد فترة من الزمن، ويفسر النسيان بواحدة من النظريات الثلاث الآتية:

  1. نظرية التآكل (أو الضمور): وتفترض أن المعلومة تضمر، إذا لم نستعملها بصفة مستمرة، كالعضلة التي تضمر بسبب عدم استعمالها. ولكن يناقض هذه النظرية قدرة الأعمى على تذكر ما رآه قبل العمى.
  2. نظرية التداخل: ويحدث التداخل إما بطريقة الكف الراجع، إذ تدخل معلومة جديدة لتعوق استدعاء معلومة قديمة. أو بطريقة الكف اللاحق، إذ تتدخل معلومة قديمة في تسجيل معلومة جديدة.
  3. نظرية الكبت: وتفسر طبقاً لنظرية التحليل النفسي. فالكبت إحدى الحيل الدفاعية، التي يتخلص بها الشخص من الخبرات غير المرغوب فيها، بدفعها إلى دائرة اللاشعور. ويلاحظ أن ما يسرنا، نحب أن نتذكره، في عملية تشبه الاجترار، إلى درجة يتم معها تثبيته وتدعيمه في الذاكرة. بينما ما يسيئنا، لا يحدث له هذا الاجترار، لذا، يعتريه الضمور. وهذا ينطبق على مكفوف البصر، الذي يجتر ما سبق أن رآه، في صورة تخيلات، تجعله يذكر هذه الأشياء، على الرغم من مرور وقت عليها، من دون رؤيتها. كما أن المكافأة تسبب سروراً، يجعل الإنسان يرغب في تكرار الخبرة، لتكرار اللذة الناجمة عنها، فيكرر الموقف اجتراراً أو واقعاً، بما يساعد على تدعيمه.

*   اختلال الذاكرة

قد تختل الذاكرة بواحدة أو أكثر من الصور الآتية:

     1. النساوة[4]  (فقدان الذاكرة) Amnesia:

إذ يفشل الشخص في استدعاء الأحداث السابقة. وتشمل:

أ.  نساوة للأحداث القريبة: وتحدث في سن الشيخوخة أو   مرض كورسا كوف (Korsakoff's Syndrome)، وهو نقص    الثيامين (أحد مكونات فيتامين ب)، المرتبط بالإدمان المزمن على الكحول. وقد يحدث في حالات الجوع الطويل (في المجاعات)، أو تصلب شرايين المخ.

( ب) نساوة للأحداث البعيدة: وهي فقدان الشخص القدرة على   استدعاء الأحداث، التي مر عليها بعض الوقت، والتي يفترض أنها أصبحت راسخة.

( ج) فقدان الذاكرة لأحداث معينة: وقد تسمى فجوات الذاكرة، مثلما يحدث في حالات الهستيريا، حين تكون الأحداث   مرتبطة بالخوف، أو الغضب، أو الخجل. وهذا النوع من النساوة يُعَدّ انتقائياً.

2. تشوه الذاكرة

      ويشمل:

أ .  تشوه الاستدعاء: وذلك في صورة تزييف الأحداث الماضية، عندما يتحدث عنها، ودرجة التزييف تعتمد على درجة الاستبصار ونقد الذات. وهذا التزييف يشيع في الشخصيات الهستيرية. وقد يكون التشوه في صورة التلفيق (الاختلاق). وهو تذكر أحداث على أنها حدثت للمريض، وبينما هي لم تحدث إطلاقاً. وهذا يحدث في حالات المرضى، الذين لديهم فجوات في الذاكرة، ناجمة عن النساوة للأحداث القريبة. ولا أنسى تلك السيدة المسنة (74 عاماً) التي ذكرت لابنها وقائع، ترتب عليها أن طلق زوجته. ثم بعدما عرف بمرض النسيان لديها، أحضرها إلى العيادة النفسية، وهناك عرف أن تلفيق الأحداث جزء من مرضها. عندئذٍ، أدرك أنه أخطأ في تطليق زوجته.

ب. تشوه التعرف: إذ يعتقد المريض أنه يعرف جيدا هذا الشخص، على الرغم من أنه يقابله، أول مــرة. وتعرف بظاهرة الألفة (Deja Vu Phenomenon).وقد يحدث العكس، حين لا يستطيع الشخص التعرف بأقاربه وأصدقائه، أو ينكر موقفاً حقيقياً، سبق أن خبره (Jamais Vu).

ج. حدة الذاكرة ( Hypermnesia ) وتُعرف أيضاً بفرط التذكر  وهي درجة مبالغ فيها من تسجيل الأحداث واستدعائها. وهي حالة مَرضية، لأن كثرة التفاصيل المبالغ فيها، تربك الشخص، وتجعله لا يميز بين الغث والثمين. وهو ما يحدث في حالة مريض الهوس.

د. اضطراب الذاكرة  Memory disorder :وتتمثل في الحساسية الزائدة، والحساسية المتناقضة، والحساسية المُحرفة. والتذكر المفرط حالة من التذكر الشديد المبالغ فيه لأدق التفاصيل. وفقدان الذاكرة Amnesia  يمكن أن يكون جزئياً أو كلياً. وهو يعرف بالنسيان أيضاً. ومن اضطرابات الذاكرة ما يُعرف بالتجهل أو تضلال الذاكرة أو خطأ الذاكرة أو اضطراب التعرف Parmanesia  (البارامنيزيا) وهو اضطراب التعرف الشعوري بما سبق رؤيته، وهو اضطراب من الناحية المعرفة الشخصية.

هـ. خطأ الذاكرة Paramnesia  وهو تضلال الذاكرة أو إيهام الذاكرة، أو تزييف الذاكرة وتشوهها.

فجوات الذاكرة: حيث يفقد المريض الذاكرة لأحداث فترة محددة من الزمن ويتذكر جيداً ما قبلها وما بعدها. ويظهر ذلك في الهستيريا وفي ارتجاج المخ.

 



[1]  الذاكرة من ناحية المعنى اللغوي: المصدر ذَكرَ الشيء بمعنى حَفِظَه واستحضره وجرى على لسانه بعد نسيانه والذاكرة هي قدرة النفس على الاحتفاظ بالتجارب السابقة واستعادتها. والذاكرة من الناحية الاصطلاحية تعني الحافظة وقوة الحفظ، والنشاط الخاص بذلك هو التذكر وتقوم الذاكرة بالوظيفة البيولوجية، التي تساعد الكائن الحي على الاستجابة للظروف القائمة في ضوء التجربة الماضية. ومن ثم تَحل كل الاستجابات المتعلمة الاختيارية المعقدة، محل ردود الفعل البسيطة الآلية الغريزية. والذاكرة بالمعنى الضيق تعطي معاني الاستدعاء Recall   والتعرف Recognition ، إذ قد يكون هناك تعلم من غير تذكر.

[2]  مراحل الذاكرة: الانطباع (ارساخ الانطباعات) ثم التخزين (الاستبقاء) ثم الاستدعاء ثم التعرف.

[3] هناك عوامل تؤثر في الذاكرة منها مدى الذاكرة Memory span ، والتي تحدد واقعياً القدرة على التعلم. ـ  نوع مادة التذكر: فالتعلم المنطقي والغني بالمعاني يكون أكثر فاعلية وفائدة في تذكر نتاجه. ـ  طرق تعلم مادة التذكر: يستند التعلم على مبادئ وقوانين التعلم الإنساني. وبقدر اعتماد هذا التعلم على العمليات العقلية ذات الفاعلية في التعلم تكون فاعلية الذاكرة. ـ  المستوى العمري: يتأثر فاعلية عمليات التذكر بعمر الفرد ارتباطاً بقدرته على التعلم. ـ  المستوى العقلي: يتأثر التذكر بمستوى ذكاء الفرد. ـ  الجنس (ذكر ـ أنثى): يؤثر الجنس على مستوى التذكر. ـ  العوامل الدافعية والانفعالية: عندما تزداد الدافعية يقوى نشاط العقل في التعلم والتذكر.

[4]  النساوة والنسيان Forgetting ويعرف بفقدان الذاكرة أو السهو. ويرى البعض أن النسيان يرجع إلى الكبت. وهناك العوامل التي تؤثر في النسيان وهي: نوع المادة المتعلمة فالمادة سهلة التعلم تكون سهلة التذكير ـ  التعلم الزائد   Over learning   فالتعلم الزائد الذي يتجاوز حد الإتقان الزائد للمادة، يؤدي إلى تقوية الانطباعات في الذاكرة. ـ  نسيان الصدمة Shock amnesia   تعرض الدماغ الصدمة أو ضربة شديدة يُعرض الذاكرة للنسيان. ـ  العقاقير الطبية والمخدرة تحدث انطفاء في انطباعات الذاكرة. ـ  الكف الرجعي   Retroactive Inhibition وهو تأثير النشاط العقلي الجديد على سابقه. فتداخل أو تنافس الأنشطة العقلية يُعد سبباً للنسيان. ـ  العوامل الدافعية والانفعالية وخاصة التي تحدث صدمات وتبحث على عدم الارتياح تؤثر على عدم الذاكرة.