إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اجتماعية ونفسية / الصحة النفسية









الارتباط بالجماعة Sociability

الصحة النفسية

الحياة سلسلة من التغيرات، التي تستدعي أن يتوافق الإنسان؛ معها، أولاً: لإشباع حاجاته، وثانياً: حتى لا يختل توازنه ويزداد قلقه واضطرابه. فإذا وجدنا شخصاً لا يصدر عنه السلوك الملائم أثناء تعامله مع من يحيطون به، بل يصبح سلوكه مصدراً للمشكلات والصعوبات، عندئذ نشك في صحة ذلك الفرد النفسية. ومعنى هذا أن حالات التكيف المناسب دالة، بوجه عام، على الصحة النفسية للفرد، أما حالات التكيف غير المناسب فتفصح عن انحراف في الصحة النفسية.

والصحة النفسية مصدر أساسي لتزويد الفرد بالقدرة على مواجهة الصعوبات، وما يعترضه من أزمات. يرجع ذلك إلى أنها تمكِّن الفرد من توظيف ما لديه من إمكانات وقدرات، بشكل فعّال وناجح يحقق له أهدافه، ويساعده على الإحساس الإيجابي بالنشاط والحيوية، في مواجهة معارك الحياة وصعوباتها وأزماتها. كما تؤدي الصحة النفسية إلى تعاون الوظائف النفسية المختلفة لدى الفرد، لمقاومة التغيرات والعقبات التي تواجهه.

وإذا كانت الصحة النفسية مصدراً لإيجابية الفرد، فهي مصدر، أيضاً، لموضوعيته في التفكير وتقدير الأمور. فالشخص الذي يتميز بالصحة النفسية يكون أكثر قدرة على النظرة الموضوعية فيما حوله، فيرى تصرفات الآخرين من خلالهم وليس من خلاله، ويفسر أفعالهم بناءً على فهمه الدقيق لطباعهم، وليس من خلال فهمه المطبوع بميوله واهتماماته. ومعنى ذلك أن الصحة النفسية تزيد من فرص نجاح الأفراد في تعاملاتهم الاجتماعية.

إذا اختلت صحة الفرد النفسية ساء توافقه الدراسي والمهني. فيتدهور تحصيل الطالب، ويكثر غيابه، وادعاؤه المرض. ويتجلى سوء التوافق المهني للفرد في قلة إنتاجه مع سوء نوعه، وغيابه المتكرر وكثرة تمارضه، وزيادة معدل إصابته في عمله، واضطراب علاقته مع زملائه ورؤسائه، وزيادة الخروج على لوائح العمل ونظمه وقواعده.

والصحة النفسية مصدر لتقدم المجتمعات؛ لأن أعضاءه أصحاء وإيجابيون. كما أنها تمكِّن الفرد من تقدير سلوكه وسلوك غيره على المستوى نفسه الذي يقدره عليه بقية المجتمع. وبذلك يصبح موقف أعضاء المجتمع إيجابياً مجدداً مطرد التقدم.

أولاً: تعريف الصحة النفسية

اختلفت تعريفات الصحة النفسية اختلافاً كبيراً. فبعض التعريفات تستخدم عبارات محددة، وبعضها يضع مجموعة من الخصائص السلوكية، التي تستخدم كمحكات للحكم على سلوك الأفراد، وبعضها ينظم بعض الخصائص في إطار معين.

ويمثل المجموعة الأولى تعريف الصحة النفسية بأنها: التكيف أو التوافق النفسي، الذي يهدف إلى تماسك الشخصية ووحدتها، وتقبل الفرد لذاته وتقبل الآخرين له، بحيث يترتب على هذا كله شعوره بالسعادة والراحة النفسية. ومن تعريفاتها، أيضاً، أنها: الخلو التام من أعراض المرض العقلي أو النفسي. ومن تعريفاتها، أنها: التوافق التام أو التكامل بين الوظائف النفسية، مع قدرة الفرد على مواجهة الأزمات النفسية العادية التي تطرأ عليه، مع الشعور الإيجابي بالكفاية والسعادة.

ويُلاحظ على التعريفات السابقة تأكيدها على أن التكيف والتوافق هو جوهر الصحة النفسية، وتحديدها لبعض خصائص الشخصية التي تتمتع بالصحة النفسية، وكذلك تحديدها للهدف النهائي للصحة النفسية بأنه: تحقيق السعادة والراحة النفسية والشعور الإيجابي بالكفاية.

والمجموعة الثانية من التعريفات تعتمد على وضع محكات للحكم، على مدى ما يتمتع به الفرد من صحة نفسية. ومن هذه التعريفات تعريف بونر "أن الشخص السليم نفسياً يرى نفسه كشخص نشط يؤكد ذاته، ولديه الإيمان بقدرته على التوصل إلى أهدافه، وذلك بالاقتراب التدريجي المتوالي. ويُظهر من الشجاعة ما يمكنه من توقع الصعاب ومواجهتها، بل توقع الفشل الذي قد تؤدي إليه الصدفة". ومن تعريفات هذه المجموعة: أنها النضج والتوافق الاجتماعي والنفسي، ويتطلب ذلك مهارات في مجال تكوين علاقات شخصية واجتماعية فعالة وإيجابية مقبولة من الفرد ومن الآخرين. كما يعني توافقاً مهنياً، أي فاعلية في أداء الدور الذي يحقق رضىً عن الذات وتقديراً لها. كما يعني توافقاً مع الذات بمعنى استبصار الفرد بذاته وقدراته وتوظيفها في إطار إيجابي، يحقق له أهدافه وإشباعاته المادية والمجردة مع رضاء الذات. ويتحقق هذا المفهوم، أيضاً، في قدرة الفرد على تحقيق نظرة فلسفية لها إطار فكري نحو الحياة، تسمح له بالتصرف بكفاءة ونجاح، وتساعده على حب الحياة وحب الآخرين والإحساس بالانتماء إليهم، وتحقيق الحياة الاجتماعية الفعالة والإيجابية. ومن المحكات التي تضمنتها تعريفات هذه المجموعة القدرة على تمثل التغيرات التي تحدث في النفس والبيئة، والقدرة على حب الآخرين وتقبل حب الآخرين وتشجيعهم، والتحرر النسبي من الخوف والقلق والتوتر، والسلوك المناسب للسن والجنس والمركز الاجتماعي، والقدرة على اتخاذ القدرات، واحترام الذات وتقديرها تقديراً غير مبالغ فيه، والتوافق المهني، والقدرة على ضبط النفس والتحكم في الانفعالات، والقدرة على تحقيق التوازن في حياة الفرد.

ويُلاحظ على هذا الاتجاه كثرة عدد المحكات، على نحو لا يُمكِّن المختصين من الاعتماد عليها، في تقدير الصحة النفسية للأفراد.

أما المجموعة الثالثة من التعريفات، فهي التي تجمع العديد من الخصائص في تنظيم متكامل. ومن هذه التنظيمات:

1. اتجاهات الفرد نحو ذاته

أ. رؤية واقعية موضوعية للذات.

ب. تقبل الفرد لذاته بما فيها من قصور.

ج. اعتبار الذات.

2. النمو والنضج وتحقيق الذات

أ. نمو مفهوم الذات نمواً سليماً.

ب. توجيه الدافعية للسِّلوك توجيهاً سليماً.

ج. تمايز أبعاد الذات وتطويرها إلى أقصى درجة.

3. التكامل

أ. توازن القوى النفسية للفرد.

ب. نظرة غير متضاربة للحياة.

ج. مقاومة الضغوط.

4. الاكتفاء الذاتي

أ. تنظيم السلوك تنظيماً نابعاً من ذات الفرد.

ب. الاستقلالية في السلوك.

5. إدراك الواقع

أ. إدراك متحرر من التشوه الناتج عن الحاجة.

ب. المشاركة الوجدانية والتعاطف والحساسية الاجتماعية.

6. السيطرة على البيئة

أ. القدرة على الحب.

ب. الكفاية في الحب والعمل.

ج. الكفاءة في مواجهة متطلبات المواقف.

د. القدرة على المواءمة والتكيف.

هـ. الكفاءة في حل المشكلات.

وعلى الرغم من اختلاف هذه التعريفات، إلا أنها تؤكد على:

1. أنها حالة ديناميكية تتعرض للتغير؛ لأنه لا فرد يخلو من المشاكل التي تؤدي إلى اختلال توازنه وتوافقه مؤقتاً.

2. أن التوافق الداخلي للفرد هو المعيار الذي يمكن به الحكم على سلامة صحته النفسية.

3. ضرورة وجود علاقات مشبعة مع الغير، والإسهام معهم في عمل بناء لتغيير المجتمع.

4. ضرورة إشباع الدوافع بما لا يضر بذات الفرد أو ذوات الآخرين.

5. القدرة على اتخاذ القرارات وتقبل تبعاتها، وعدم تجنب عواقب الفرد لسلوكه.

بناءً على ما سبق، يمكن تعريف الصحة النفسية بأنها: تكيف الفرد تكيفاً سليماً مع نفسه ومع جماعته وبيئته، بحيث يكون قادراً على إقامة علاقات سوية على نحو يشعره بالسعادة والكفاية.

ثانياً: عوامل تحقيق الصحة النفسية

1. نمو الوظائف النفسية للفرد

مثل: الإدراك والتجريد والثقة بالنفس، بحيث يصبح الفرد قادراً على السيطرة على دوافعه، وقادراً على توجيهها بما يتلاءم مع بيئته الاجتماعية وثقافتها.

2. الخلو النسبي من الصراعات النفسية الحادة

للصراع أشكال ثلاثة أساسية، هي: صراع الإقدام، عندما يتعين على الفرد الاختيار بين هدفين أو موقفين لكل منهما جاذبيته، مثل: الاختيار بين دراستين لهما المزايا نفسها. وصراع الإحجام، عندما يتعين على الفرد الاختيار بين هدفين أو موقفين كريهين، كالاختيار بين المعيشة مريضاً طول العمر أو إجراء جراحة كُبرى. وصراع الإقدام الإحجام، عندما يتعين على الفرد الاختيار بين هدفين أحدهما جذّاب والآخر غير جذاب، كالاختيار بين المذاكرة والذهاب للنادي. ومن صور النوع الأخير الاتجاه نحو هدف له خاصيتان، إحداهما سلبية والأخرى إيجابية، مثل: العمل في وظيفة بأجر مجزٍ؛ ولكن العمل بها مرهق لساعات طوال، وفي أوقات غير مناسبة للفرد.

ومن الصراعات الشائعة بين أدوار الذات الواحدة، الصراع بين دور السيدة كأم وكزوجة وكموظفة.

3. الصحة الجسمية

إن وجود عاهة جسمية يحدد مجال حياة الفرد وإدراكاته؛ فالأصم أو الكفيف مجال حياة كل منهما يختلف عن مجال حياة السوي أو السليم؛ كذلك، تصبح العاهة، أحياناً، عائقاً أمام تحقيق الفرد لأهدافه؛ فالأصم لا يستمتع بالموسيقى.

وتتضمن الصحة الجسمية سلامة الجهاز العصبي؛ لأنه هو المسؤول عن تحقيق التكامل داخل البدن. فهو المسيطر على حركة العضلات والدورة الدموية وإفرازات الغدد. وتتضمن الصحة الجسمية، أيضاً، سلامة الجهاز الغدي؛ لأنه هو المسؤول عن تحقيق التوازن الكيميائي داخل الجسم.

وتتضمن الصحة الجسمية السلامة البدنية العامة والخلو من الأمراض الحادة. فالطفل ضعيف البنية الجسمية لا يستطيع مشاركة أقرانه في اللعب، وكذا الطفل المصاب بالروماتيزم.

4. اعتدال مطالب البيئة الاجتماعية

تُرضي هذه البيئة حاجات الفرد الجسمية والنفسية، إرضاءً كافياً معقولاً، مع عدم إسرافها في وسائل الكبح والحرمان. فالحروب والأزمات (الشخصية والمجتمعية) تفرض على الأفراد مطالب قد تتجاوز حدود إمكاناتهم، وتقف عائقاً أمام إشباع حاجاتهم الجسمية والنفسية، كالأمن والاطمئنان والراحة.

5. أن يتوفر لدى الفرد العادات والمهارات اللازمة لإشباع حاجاته

مثل: القدرة على التعامل الإيجابي مع الآخرين وتقبلهم، وما يستلزمه أو يحتاج إليه ذلك من مهارات التواصل الجيد، والقدرة على ترتيب إشباع حاجات الفرد وفقاً لنظام من الأولويات، مشتق من أهمية الحاجة وضرورتها، ومن توافر الظروف المؤدية للإشباع. والقدرة على المثابرة، أي بذل الجهد على الرغم من الصعوبات التي قد تعترض طريق الإشباع، والتفكير في حلول وبدائل متعددة للإشباع السوي الناجح المقبول اجتماعياً.

6. الفهم الواقعي للذات

قد يلجأ الشخص حين تُعرقل مساعيه لتحقيق أهدافه، إما إلى التعالي والكبرياء، أو تحقير ذاته؛ وكلاهما صور للفهم غير الواقعي للذات. ويقوم الفهم الواقعي للذات على النظرة الموضوعية لإمكانات الفرد وقدراته، بلا مبالغة أو تحقير. وتستمد تلك النظرة من اختبار الفرد لإمكاناته وقدراته، وتوظيف ردود أفعال الآخرين نحوه.

وتؤدي النظرة الواقعية للذات إلى أن يضع الفرد لنفسه الأهداف، التي تتناسب مع احتياجاته والتي يكون قادراً على بلوغها، وإلى اختيار الوسائل المناسبة له، والتي يستطيع بها تحقيق أهدافه وإشباع حاجاته.

7. الاستجابة المرنة للتغيرات التي يتعرض لها الفرد

ينبغي أن تكون استجابة الفرد الجديدة، استجابة ملائمة لِما يتعرض له من متغيرات. وللمرونة نوعان: مرونة قوية، وأخرى ضعيفة؛ فالمرونة القوية هي التي يتكيف بها الشخص مع البيئة الجديدة، من دون أن يغير من طبيعته وشخصيته الأصلية. أما المرونة الضعيفة فهي التي يتقبل بها الشخص البيئة الجديدة تقبلاً يؤدي إلى إنكار شخصيته الأصلية. فبعض طلاب البعثات –مثلاً- يتكيفون مع البلاد التي ابتعثوا إليها، وعند عودتهم لأوطانهم يعودون لممارسة عاداتهم وتقاليدهم بما يتلاءم والتغيرات التي طرأت على أوطانهم. وهذه مرونة قوية؛ بينما بعضهم يتخلى عن قيمه ويشعر بالاغتراب عن مجتمعه، وهذه مرونة ضعيفة.

8. التوظيف الإيجابي للقلق

القلق حالة من التوتر الشامل، الذي ينشأ خلال صراعات الدوافع ومحاولات الفرد للتكيف. ولحالة التوتر مستويات، منها ما هو ضعيف، ومنها ما هو متوسط، ومنها ما هو مرتفع. وتختلف هذه المستويات من فرد لآخر. فالمستوى المتوسط هو الأمثل للإنتاج، لأن المستوى المنخفض أو الضعيف لا يحرك الفرد أو يستثيره بدرجة مناسبة لأداء المهام والأعمال. أما المستوى المرتفع، الذي يتجاوز احتمال الفرد، فإنه يقعده عن العمل والأداء. ومعنى هذا أن يكون الفرد قادراً على تعقل مسببات القلق والسيطرة على مستوى القلق، حتى يصبح مناسباً له وحافزاً للإنتاج والأداء.

ويكون التوظيف الإيجابي للقلق قاصراً على القلق الموضوعي أو الواقعي أو الصحيح أو السوي؛ أما الأنواع الأخرى من القلق المرضي فهذه تحتاج إلى مشورة المتخصصين.

ثالثاً: مظاهر اعتلال الصحة النفسية

تزودنا المحكات، السابق الإشارة إليها، بمظاهر لاعتلال الصحة النفسية، مثل: سوء التوافق النفسي أو الشخصي، وسوء التوافق الاجتماعي مع الآخرين، وسوء التوافق المهني والدراسي، والإصابة ببعض الاضطرابات الجسمية ذات المنشأ النفسي، ويُطلق عليها الأمراض السيكسوماتية، مثل: قرح المعدة، والإثني عشر، والسكر، وأمراض ضغط الدم، وبعض حالات الشلل الذي لا يكون له سبب عضوي.

ومن المظاهر الحادة والشديدة لاعتلال الصحة النفسية، المرض النفسي والعقلي. فالمرض النفسي هو نوع من الاختلالات والاضطرابات الانفعالية، التي تشترك في محور أساسي هو القلق والتوتر والانقباض. أما المرض العقلي، فهو نوع من الاختلالات والاضطرابات العقلية التي تصيب الإنسان، كاستجابة لشدة الإجهاد والضغوط والقلق واستمرار تأثيرها لفترة زمنية طويلة. وهي انعكاسات للتفكك العميق في الشخصية والعجز الشديد.

وفيما يلي جدول يقارن بينهما، ولتوضيح خصائص كلٍ منهما:

المرض العقلي (الذهان)

المرض النفسي (العصاب)

أساس المقارنة

خلل حاد يُفقد المريض علاقته بالواقع، ما يؤدي إلى اضطراب علاقته بالجماعة.

تكون حدة الأعراض خفيفة نسبياً، مما لا يفقد المريض علاقته بالواقع ويستطيع التعامل مع الجماعة.

حدة الأعراض

تكون الأعراض، عادة، مزمنة مع وجود الهلاوس والهذيانات، واضطراب في التفكير والحديث.

عدد من الأعراض النفسية والسيكسوماتية؛ ولكن لا توجد هلاوس أو هذيانات أو انحرافات سلوكية خطيرة

طبيعة الأعراض

غالباً ما تنقطع صلته بالبيئة.

نادراً ما تضطرب؛ لأن المرض ليس حاداً.

العلاقة بالبيئة

نادراً ما يكون مريض مستبصراً بحالته.

يكون المريض مستبصراً بحالته؛ ولكن ليس بصورة دائمة.

الاستبصار

أحياناً يؤذي المريض نفسه وغيره بدنياً.

نادراً ما يؤذي المريض نفسه أو غيره بدنياً.

العلاقات الاجتماعية

غير معروف؛ ولكن توجد فئتان: أسباب عضوية ناتجة عن الإدمان والزهري، أسباب وظيفية نتيجة لسوء توافق انفعالي حاد.

توافق انفعالي خاطئ، أو فشل في مواجهة القلق.

العوامل المسهمة في الحدوث

الإيداع أمر مهم وضروري ويكون العلاج بالعقاقير والأدوية والكهرباء، ثم بالعلاج النفسي.

الإرشاد والتوجيه النفسي ولا حاجة للإيداع بالمستشفى، إلاّ نادراً.

العلاج

قد لا يسعى المريض إلى طلب العلاج.

يسعى المريض في طلب العلاج بنفسه، وذلك لقدرته على التعبير عن آلامه ولاستبصاره.

أساس المقارنة

أقل شيوعاً.

أكثر شيوعاً.

درجة الشيوع

الفصام، البارانويا، الاكتئاب.

الهستيريا، المخاوف المرضية، توهم المرض، الوساوس.

أمثلة

رابعاً: تحقيق الصحة النفسية (الأسلوب التوافقي الخاص)

تبينا مما سبق أننا نتعلم العديد من الأساليب والطرق لمواجهة ما يعترضنا من مشكلات. ومن هذه الأساليب ما يكون ناجحاً، أي محققاً للتوافق السليم، ومنها ما يكون فاشلاً، أي يعيق الفرد عن تحقيق التوافق السّوي، مع نفسه وبيئته ومجتمعه.

إننا جميعاً نواجه المشكلات المختلفة، وقد زوُدنا بمقومات مشتركة، مثل: البنية الجسمية، وأنماط السلوك المكتسبة، أو أنواع الاستجابات المتعلمة. وهذه المقومات المشتركة لا توجد بالقدر أو الكم نفسه لدى جميع الأفراد، إذ توجد فروق بين الأفراد في قوة الجسم وقدرته على التحمل، وفي عمليات الهدم والبناء داخله، وغير ذلك. كما توجد فروق في أنماط السلوك التي نتعلمها لنواجه بها مشاكلنا. فبعض الأفراد قد يواجه المشكلات بدرجة عالية من الموضوعية والواقعية، بينما يميل آخرون إلى مواجهتها بتشويه الواقع تشويهاً بسيطاً، بينما هناك من يميل إلى مواجهتها بتشويه الواقع تشويهاً كبيراً. ويتعلم بعضنا أن يواجه مشاكله بهدوء وتدبر عميق، بينما يواجهها آخرون بثورة عارمة، أو بالهروب والتسويف.

ولكي نحقق لأنفسنا الصحة النفسية، يجب أن يكون لكل فرد "أسلوبه التوافقي الخاص" للتعامل مع ما يعترضه من مشكلات، وما يعتريه من قلق وتوتر. ويرى بعض المتخصصين أن هذا "الأسلوب التوافقي الخاص" ما هو إلا نظام يتكون من عديد من المدركات الدقيقة غير المشوهة، وذاكرة مليئة بالخبرات الحية المناسبة، وإستراتيجيات سلوكية صُممت بحيث تحقق النجاح والتوافق للفرد، وبدائل سلوكية لمواجهة المواقف المختلفة. ويتعرض هذا النظام دائماً للتغيير والتطوير، بناءً على ما يمر به الفرد من اختبارات ومواقف، وما يكتسبه من خبرات.

ويشترك "الأسلوب التوافقي الخاص" مع "الحيل الدفاعية" في كونهما مجموعتين من العمليات، يستخدمهما الإنسان لمواجهة ما يعترضه من مشكلات ومصاعب. إلا أن الحيل الدفاعية تتميز بالجمود، والتلقائية، وبأنها أسلوب عتيق يرتبط بالماضي فيوجه الفرد ويقيده، وبتحقيقها للإشباع بأسلوب ملتو يشوه الواقع. أما "الأسلوب التوافقي الخاص"، فإنه يتضمن المرونة، والقدرة على الاختيار، وباتجاهه نحو المستقبل، وبتحقيقه للإشباع بأسلوب واضح منظم، يُصلح الأخطاء ولا يشوه الواقع، أو يهرب منه.

بناءً على ما سبق، يمكن القول إن الصحة النفسية "مسؤولية فردية"، أو "أمر فردي"، يحققها الفرد بنفسه بما يتلاءم مع تكوينه وبيئته وثقافته ومجتمعه. لهذا نعرض لبعض التوجيهات، التي قد تساعد على تحقيق الصحة النفسية:

1.  حدد "الأفراد" المزعجين حولك والذين يسببون لك درجة عالية من الضيق والقلق. إن تحديدك لهم يساعد على تجنبهم، أو على الأقل أن تكون استجابتك لهم غير مصحوبة بشحنة انفعالية قوية معوقة.

2.  عيّن "المواقف" التي تسبب لك إزعاجاً وضيقاً شديداً. إن تحديدك لها يساعدك على تبين المواقف التي يجب عليك تجنبها، والمواقف التي يجب عليك مواجهتها بفاعلية وإيجابية.

3.  حدد "الأوضاع" التي تُثير قلقاً شديداً لديك، إما لتجنبها وإما لدراستها وتحليلها بطريقة موضوعية تساعدك في التغلب على ما تثيره من قلق.

4.  اُنظر إلى "مشكلاتك" بطريقة موضوعية. إن الالتزام بالموضوعية يُعَد أمراً صعباً لأن المشكلة تكون، عادة، مصحوبة بخبرات انفعالية وخبرات شخصية، إلاّ أن درجة الموضوعية تحدد درجة التوافق.

5.  واجه "مشكلاتك" مواجهة بناءة، أي من دون استسلام أو خضوع أو هروب منها. فالمواجهة البناءة تساعدك على تحليل المشكلة، وتوجيه القلق المصاحب لها وجهة مفيدة واستغلاله بأسلوب نافع.

6.  تغلب على "قلقك" قبل اتخاذ القرار لكي يكون قرارك سليماً. إن مستوى القلق المنخفض يثير قدراً يسيراً من التفكير ويحفز على العمل، والمستوى المتوسط منه يؤدي إلى المزيد من التفكير والعمل؛ ولكن المستوى المرتفع يُعرقل التفكير ويشوهه.

7.  كوِّن "علاقة" قوية موثوق بها بأشخاص آخرين يسمعون لك ويناقشونك بموضوعية. إن حالة التعبير عن المشكلة تحقق الارتياح، ومناقشتها تساعد على الاستبصار بجوانبها.

8.  ادرس وافهم "قدراتك واتجاهاتك ومهاراتك وعاداتك" فهماً موضوعياً دقيقاً، فالمغالاة غرور والغرور هدّام. وإنقاص القدر إضعاف للثقة، وضعف الثقة يؤدي إلى الفشل.

9.  ضع "أهدافك" في مستوى إمكاناتك، فالهدف المرتفع بعيد المنال يُشعرك بالقصور والعجز، والهدف المنخفض لا يثير الاهتمام ويؤدي إلى عدم الاكتراث به.

10. خطط لتحقيق "أهدافك" تخطيطاً واقعياً قصيراً وطويل المدى؛ فالتخطيط طريق الوصول إلى الغاية ما يشعر الفرد بالإنجاز والنجاح، والنجاح يؤدي إلى المزيد من النجاح.

11. حدد "العلامات" المبكرة لاضطرابك الانفعالي، فمعرفتك بها تمكنك من السيطرة عليها ومنع تزايد حدة اضطرابك.

12. غير من "إيقاع" حياتك بصورة مناسبة؛ لأن الرتابة تؤدي إلى الملل والتوتر، والتغيير الدائم يؤدي إل الفوضى.

13. رتب "حاجاتك ومطالبك" وفقاً لأولويات تقتضيها العوامل والظروف الخاصة بك والموجودة حولك؛ فبالترتيب يتوالى إشباع الحاجات بصورة لا تعيق التوافق. وهذا يتطلب من الفرد أن يدرب نفسه على تأجيل الإشباعات.

14. توقع "الفشل العابر"؛ فكلما جرّبت الجديد كنت عرضة للفشل؛ ولكن الفشل يجب أن يتحول إلى نجاح بدراسة أسبابه وعوامله ومواجهته.

15. نظم حياتك "تنظيماً مرناً"؛ فالتنظيم أساس النجاح ومن دونه تصبح الحياة فوضى لا ضابط لها. والتنظيم لا يعني الجمود، بل المرونة والقابلية للتعديل، تبعاً للظروف والعوامل الطارئة.

16. كون "عادات" عمل ناجحة، وهذا يستلزم المثابرة وبذل الجهد؛ فعادات العمل الناجحة تحقق النجاح وتُجنب الفشل.

17. درب نفسك على رفع "مستوى تحملك للإحباط". وهذا يستلزم البدء بالمشكلات البسيطة والتدرج إلى ما هو أعقد وأجسم، والتدرب على تأجيل الإشباعات لفترات زمنية متفاوتة.

18. تعلم من "خبراتك"، بمراجعتك لنفسك مراجعة موضوعية، الاستفادة مما مر بك؛ فالحياة في تطور وتغير ومشاكلها متعددة متنوعة.

19. كن "مبتكراً" مجدداً، ابحث عن الجديد عن الأصالة ولا تكن مقلداً؛ ففي الجديد تغير وتنوع وتفوق للإنسان على نفسه، والابتكار لا يعني الهدم والتخريب، بل يعني البناء والتطوير.

20. كوِّن لنفسك "فلسفة" شخصية متسقة غير متناقضة، نامية متطورة تستقيها من واقعك الاجتماعي، من القيم والعادات والتقاليد، ومتمثلاً فيها تعاليم دينك وأوامر ربك.