إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / منظمات وأحلاف وتكتلات / إعلان دمشق









مقدمة

مقدمة

    شهدت الأمة العربية خلال العقود الماضية خلافات كثيرة، كما واجه الأمن العربي تحديات خطيرة كانت تهدد بنيانه.وعندما حدث الغزو العراقي لدولة الكويت في الثاني من أغسطس 1990م، ساد مناخ من الاضطراب الشديد في العلاقات العربية، وتصدع في بنيان الأمن العربي، خاصة أن التحديات السابقة كانت محصورة في إطارها العربي، بعكس التحدي الأخير الذي جاء مختلفاً تماماً في فعله ونتائجه. فهو عدوان قامت به دولة عربية ضد دولة عربية شريك في الجامعة العربية.

    وقد ظهر التنسيق الجاد، والتعاون المستمر، بين مصر وسورية ودول مجلس التعاون الخليجي الست(المملكة العربية السعودية ـ الكويت ـ الإمارات العربية المتحدة ـ قطر ـ البحرين ـ سلطنة عُمان) خلال مرحلة مواجهة الغزو العراقي لدولة الكويت. وكنتيجة حتمية لهذا التنسيق والتعاون، وبعد أيام قليلة من تحرير الكويت[1]، وبالتحديد في السادس من مارس 1991م، وقَّع وزراء خارجية كل: من مصر وسورية، ودول مجلس التعاون الخليجي وثيقة"إعلان دمشق للتنسيق والتعاون العربي".

    وينص الإعلان على رفض العدوان العراقي، واعتباره خروجاً سافراً على القواعد والأعراف العربية الاسلامية والدولية، كما ينص على التعبير عن الألم العميق لِما تعرَّض له الشعب الكويتي، من جراء العدوان العراقي. وأكَّد الإعلان عزم الأطراف المشاركة على السعي لإعطاء روح جديدة للعمل العربي المشترك، وإرساء التعاون الأخوي بين أعضاء الأسرة العربية. ثم تناول نص الإعلان ذكر مبادئ التنسيق والتعاون، بين الدول العربية، وأهداف ذلك، في المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية والثقافية. وأوضح الإعلان الإطار التنظيمي للتنسيق والتعاون (أُنظر ملحق نص إعلان دمشق الموَّقع في العاصمة السورية، دمشق، في 6 مارس 1991).

    إن التوقيع على"إعلان دمشق" للتنسيق والتعاون الأمني والسياسي والاقتصادي من ثماني دول عربية اشتركت في التحالف ضد العراق بعد غزوه لدولة الكويت، جاء في فترة من أصعب الفترات التي مرت بها الأمة العربية. ويُعَدّ خطوة إيجابية على طريق إعادة التضامن العربي، وإحياء العمل العربي المشترك، لفترة ما بعد تحرير الكويت التي شهدت انتصار التحالف العربي على الجريمة التي ارتكبها الرئيس العراقي صدام حسين في حق الكويت والأمة العربية.

    إن صدور"إعلان ودمشق" جاء ليجسّد التضامن العربي الذي بلورته محنة غزو الكويت. وتكمن أهميته في أنه صيغة عربية تحدد الأطر والمبادئ التي يمكن، من خلالها، زيادة فاعلية العمل العربي المشترك، بما يخدم المصلحة العربية العليا في إطار الجامعة العربية. كما تكمن أهميته في القدرة على إيجاد ترتيبات أمن عربية تستند إلى ميثاق جامعة الدول العربية، ومعاهدة الدفاع العربي المشترك، والتعاون الاقتصادي بين الدول العربية، وتتكامل مع ترتيبات الأمن التي تتولاها الأمم المتحدة من خلال مجلس الأمن.

    لم يكن الغزو العراقي للكويت وتداعياته الخطيرة أول أزمة حادة يواجهها النظام الأمني العربي، فقد سبق له أن واجه واستوعب أزمات كبري، منها أزمة الهزيمة عام 1967، وأزمة ما بعد حرب 1973، وظهور جبهة الرفض، وأزمة الانقسام إزاء الحرب العراقية الإيرانية. ومن الطبيعي أن تكون هذه الأزمات قد أكسبته خبرات واسعة، للتعامل مع الأزمة، التي نجمت عن الغزو العراقي للكويت، والتي تتسم بأنها أكبر وأخطر من جميع سابقاتها. فهي أول أزمة يترتب عليها اختفاء دولة عربية، نتيجة اجتياح دولة عربية أخري لها، في حالة غير مسبوقة علي الصعيد العربي. ومن ثم، بعد أن وضعت حرب الخليج الثانية أوزارها، تنادي الجميع للبحث عن ترتيب أمني يؤكد المناعة الأمنية لدول الخليج العربية، والتي جعلتها أزمة الخليج مطمعاً للتهديدات المختلفة، علاوة علي الرغبة في توفير حالة أمنية مستقبلية، تكون رادعاً للحيلولة دون تكرار حالة الغزو العراقي.

    وقد شرعت دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في البحث عن كل ما يعزز ذلك لاسيما في الإطار العربي، بينما بحثت الدول العظمي بعد انسحاب القوات العراقية من الكويت عن مشروعات أمن المنطقة بالطريقة التقليدية للأحلاف العسكرية، وهي الأفكار التي رفضتها دول المنطقة، علي أساس أن الترتيبات المستقبلية للأمن الخليجي يجب أن تكون نابعة من شعوب ودول المنطقة ذاتها.

    ودرست كل من مصر وسورية والمملكة العربية السعودية وباقي دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية إيجاد أسلوب عربي جديد للدفاع المشترك بين الدول العربية، في ضوء ما ترتضيه الدول التي تطلب مساندة عربية لضمان أمنها، وهو ما تم إقراره بعد تحرير الكويت في ما سمي"إعلان دمشق" الذي لا يقتصر مفهوم الأمن فيه علي الجوانب العسكرية، ولكن يمتد إلي الجوانب السياسية والاقتصادية. وأوضح المشاركون في هذا الإعلان رؤاهم المستقبلية للأمن في الخليج ودواعي ضمانه، علاوة علي ربطه بيـن الأمن العربي والأمن الخليجي.

    إن"إعلان دمشق" خطوة عملية علي الطريق السليم نحو تحقيق الأمن المتبادل، وبداية عمل جاد نحو التكامل الإستراتيجي، من أجل سد الفراغ وتوفير الأمن الذي يقوم علي التوزيع العادل لمتطلبات الاستقرار وفقاً لإمكانيات كل دولة مشتركة، حتى يتحقق نوع من التساوي النسبي في تحمل المسؤولية الوطنية للأمن الجماعي بين الأطراف المتعاونة، ضمن إطار واحد يمثل جوهر المصالح المشتركة.

    والسؤال الذي قد يتبادر إلى الذهن هو: ألم تكن هناك تجمعات عربية قبل"إعلان دمشق"، مثل مجلس التعاون الخليجي، ومجلس التعاون العربي، والاتحاد المغاربي، فضلاً عن الجامعة العربية، وكلها ملتزمة بميثاق جامعة الدول العربية، وميثاق الأمم المتحدة، ومع ذلك لم يمنع وجود هذه التجمعات العدوان العراقي على الكويت؟ فما الجديد ـ إذاً ـ الذي جاء به"إعلان دمشق للتنسيق والتعاون العربي"؟ وما الذي حققه الإعلان منذ صدوره عام 1991م وحتى الآن؟

    للإجابة على هذا السؤال، يحسن الرجوع إلى النص الأول الصادر عن"إعلان دمشق"، ثم النص المعدل للإعلان، والمؤتمرات والاجتماعات التي عقدها وزراء خارجية دول الإعلان منذ صدوره في السادس من مارس 1991م وحتى نهاية عام 1997م، والنتائج التي توصلوا إليها، من خلال استعراض نص البيانات الختامية للاجتماعات، وتصريحات المسؤولين، وتعليقات وسائل الإعلام.

    إن المتتبع لإعلان دمشق خلال الأعوام، التي تلته، يجد أنه مرَّ بفترات انتعاش، وفترات ركود، وحقق الكثير من الإنجازات، كما واجه العديد من الصعاب والمشكلات، مثله في ذلك مثل سائر الاتفاقيات والتحالفات القائمة بين الدول.



[1] تحرير الكويت في فبراير 1991م.