إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / منظمات وأحلاف وتكتلات / اتحاد المغرب العربي









الفصل الرابع

المبحث الثالث

أداء اتحاد المغرب العربي

    يمكن الحديث على مستويين متماثلين حول أداء اتحاد المغرب العربي. يتعلق المستوى الأول بتحليل الشكل الهيكلي للاتحاد، بينما يتعلق المستوى الثاني بتحليل الشكل الموضوعي، وهو أداء دول الاتحاد الفعلي على المستوى الأمني والسياسي والاقتصادي منذ تأسيسه.

أولاً: المستوى الهيكلي

1. دورات القمة

    بعد مضى ثماني سنوات تقريباً من عمر الاتحاد، عقد مجلس رئاسته ست دورات بعد قمة مراكش التأسيسية. تم خلالها إحداث هياكل اتحادية، والمصادقة على تطوير الهياكل القائمة بحكم معاهدة إنشاء الاتحاد. ويمكن إبداء بعض الملاحظات حول أداء مجلس الرئاسة على النحو التالي:

أ. لم يلتق قادة دول الاتحاد، بعد قمة مراكش التأسيسية، إلاّ في دورة واحدة من الدورات الست الأولى لمجلس الرئاسة، وهى الدورة الثانية التي انعقدت في الجزائر في يوليه 1990م، فقد تغيب الرئيس الموريتاني عن الدورة الأولى التي انعقدت في تونس، وتغيب الملك الحسن الثاني عن الدورة الثالثة التي انعقدت في ليبيا، في حين تغيب العقيد معمر القذافي عن الدورتين الرابعة والخامسة، كما تغيب العاهل المغربي عن الدورتين الخامسة والسادسة. في حين كان الرئيس التونسي هو الأكثر حضوراً، كما أن الجزائر على الرغم من صعوبة ظروفها، لم يتغيب أي من رؤسائها الذين تداولوا السلطة بدءاً بالشاذلي بن جديد، ثم على كافي وأخيراً الأمين زروال، إلاً عن الدورة الخامسة

ب. عانت دورات القمة من التأجيل المتكرر بطلب من بعض الدول الأعضاء، الأمر الذي جعل الدولة المضيفة تحاول التوفيق، سعياً لجعل القمة تنعقد بحضور كافة أعضاء مجلس الرئاسة. فقد تأجلت الدورة الأولى مرتين، كما تأخر انعقاد القمة الثالثة، في حين شهدت القمة السادسة أطول فترات التأجيل حيث تأجلت ثلاث مرات، أي أن الظاهرة قد تفاقمت، خاصة بعد تصاعد أزمة الجزائر، الأمر الذي يؤكد العلاقة بين الاستقرار واستمرار مسيرة الاتحاد المغاربي، لاسيما في ظل انفراد مجلس الرئاسة بالقرار في الاتحاد.

ج. اتسم أداء القمة ببطء الحركة، وتأخر عملية التأسيس، وتركيز الهياكل بصورة نهائية، حتى الدورة الخامسة، التي صدر خلالها القرار بتعيين الأمين العام، الذي حضر لأول مرة بعد ست سنوات من انطلاق الاتحاد، أعمال الدورة السادسة التي انعقدت في تونس في أبريل 1994م. وقد كان على القمة التوفيق بين طموحات المغرب والجزائر وتونس، في استضافة الهياكل الاتحادية الرئيسية.

د. يؤدي تغيب أي من زعماء الدول الأعضاء إلى ضرورة إرسال الاتفاقية إلى الدولة، التي تغيب زعيمها لاعتمادها، والتصديق عليها من قبل الهيئات النيابية للدول الأعضاء، مما جعل اتفاقيات الاتحاد تتصف بالسلبية، الناتجة عن طول الفترة بين التوقيع على الاتفاقية وبداية سريانها.

هـ. وفقاً للتداول الذي تنعقد على أساسه الدورات العادية لمجلس الرئاسة، كان من المقرر أن تؤول رئاسة القمة الثامنة إلى الجماهيرية الليبية، بعد عقد الدورة السابعة في الجزائر عام 1995م، إلا أن ليبيا أبلغت مجلس وزراء خارجية دول الاتحاد، أثناء اجتماعه بالجزائر في 29 يناير 1995م، بأن ليبيا لن تترأس الاتحاد ولا مؤسساته في دورته الثامنة، وذلك لاعتبارات موضوعية تتصل في جوهرها بتطبيق العمل في الاتحاد. وصرح (أمين اللجنة الشعبية للوحدة) أن الاتحاد المغاربي لم يستطع تلبية طموحات الجماهير المغاربية لتحقيق الوحدة والاندماج والتكامل، وأن مؤسسات الاتحاد لم تستطع تحقيق أهداف معاهدة مراكش الوحدوية.

2. مجلس الوزراء ولجنة المتابعة واللجان الوزارية المتخصصة

أ. أدت هذه المجالس دوراً فاعلاً في الإعداد لدورات القمة، وما تمخض عنها من قرارات واتفاقيات، تتعلق بسير عمل الاتحاد في المستويات المختلفة من التعاون في مجالاته المتعددة.

ب. بلغت اجتماعات مجلس وزراء الخارجية سبع عشرة دورة.

ج. انتظم عمل اللجان الوزارية المتخصصة، منذ إنشائها، بقرار من مجلس الرئاسة في دورته الأولى، حتى الإعداد للدورة السابعة التي كان من المقرر انعقادها في الجزائر، خلال عام 1995م.

3. مجلس الشورى

أ‌. شهد مجلس الشورى تعديلين في عدد أعضائه، حيث ارتفع عدد الأعضاء من 50 عضواً، بنص معاهدة مراكش، إلى 100 عضو ثم إلى 150 عضواً بواقع ثلاثين عضواً لكل دولة من دول الاتحاد.

ب‌.    وكان سبب زيادة عدد الأعضاء أن العدد الذي حددته المعاهدة لا يفي بمتطلبات العمل في المجلس، خاصة في ظل تعدد اللجان التي حددها القسم الثالث من النظام الداخلي لمجلس الشورى، حيث نصت المادة 19 على تشكيل 5 لجان دائمة غير اللجان المؤقتة، وتتكون كل لجنة من 9 أعضاء، ولا تجوز العضوية في أكثر من لجنة.

4. الهيئة القضائية

أ‌. توقف الوضع في تطور الهيئة القضائية عند تنصيبها في مدينة تونس بتاريخ 25 يونيه 1990م، حيث عقدت اجتماعها التأسيسي مباشرة بعد حفل التنصيب. وقد حُدد مقرها في العاصمة الموريتانية نواكشوط، في قرار القمة الصادر في دورتها العادية الخامسة، التي عقدت في نوفمبر 1992م بنواكشوط.

ب. حددت اختصاصات الهيئة القضائية في النظر في النزاعات المتعلقة بتفسير وتطبيق المعاهدات والاتفاقيات المبرمة في إطار الاتحاد، والتي يحيلها إليها مجلس الرئاسة، أو إحدى الدول الأطراف في النزاع.

5. الأمانة العامة

أ. ظلت الأمانة العامة موضع خلاف بين العواصم المغاربية الثلاث الكبرى: (الرباط ـ تونس ـ الجزائر)، ولم يبت في أمرها إلاّ في الدورة الخامسة عندما عُين الدبلوماسي التونسي محمد عمامو أميناً عاماً للاتحاد، وحُدد مقر الأمانة العامة في المملكة المغربية (الرباط).

ب. حضر الأمين العام الدورة السادسة لمجلس رئاسة الاتحاد، وقدم تقريرا مفصلاً عن نشاطات الاتحاد وهياكله المختلفة.

ج. اهتمت الأمانة العامة بتنظيم علاقات الاتحاد بالتجمعات الجهوية، والمؤسسات الدولية، تنفيذاً لقرارات مجلس رئاسة الاتحاد.

د. أعدت الأمانة العامة مشاريع اتفاق تعاون مع الهيئات والتجمعات الدولية الآتية:

 (1) مجلس التعاون الخليجي.

 (2) منظمة المؤتمر الإسلامي.

 (3) المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (CEDEAO).

 (4) اللجنة الاقتصادية لأفريقيا (CEA).

هـ‍. وقعت الأمانة العامة اتفاق تعاون بين الاتحاد وندوة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، بتاريخ 28 إبريل 1994م في مدينة جنيف السويسرية.

و. أوصت القمة السادسة في بيانها الختامي بضرورة دعم الأمانة العامة، حتى يكون لها دور مهم في تطوير عمل الاتحاد.

6. المغاربية للعلوم والجامعة المغاربية

    رحبت ليبيا باستضافتها، وبادرت بتخصيص مقر لها، وهو موقف يبدو منسجماً مع ما تنادي به القيادة الليبية من أفكار الكتاب الأخضر.

7. المصرف المغاربي للاستثمار والتجارة الخارجية

أ. حُددت العاصمة التونسية مقرا له، ولكن حتى موعد اجتماع القمة السادسة في إبريل 1994م، لم تكن تونس قد خصصت هذا المقر ومن ثم لم تُعقد جمعيته التأسيسية لتكتمل به المنظومة الاتحادية في مستوى الهياكل.

ب. توجب طبيعة الهدف الاقتصادي من معاهدة مراكش أن تكون الأجهزة الاقتصادية والمالية للاتحاد على درجة عالية من القوة والانضباط، وكالمرونة في قراراتها ونشاطاتها.

ثانياً: المستوى الأمني

1. كان البعد الأمني أساسياً وصريحاً في معاهدة مراكش، يُلزم دول الاتحاد بالحياد فيما يختص بالشؤون الداخلية للدول الأعضاء، وبعدم تمكين أي نشاط أو تنظيم من العمل فوق ترابها، بما يمس أمن أو نظام أي دولة عضو في الاتحاد. كما اعتبرت المعاهدة أن كل اعتداء، تتعرض له دولة من الدول الأعضاء، اعتداء على الدول الأخرى.

2. كشفت مسيرة الاتحاد أن مستوى التعاون الأمني، بين دول الاتحاد المغاربي، لم يمنع تسرب الشكوك، وسوء الظن، والمثال على ذلك ما يلي:

أ. كانت موريتانيا تتوقع دعماً أكبر، ومساندة أفضل، من دول الاتحاد في نزاعها مع السنغال، لكن الدعم العسكري جاءها من العراق.

ب. لم تجد ليبيا في الاتحاد المغاربي مظلة حقيقية، في مواجهة التهديد الغربي، والحظر الدولي بسبب أزمة لوكيربي.

ج. ساءت العلاقات الجزائرية – الليبية لأسباب تتعلق بجماعات المعارضة السياسية، ووصلت الأمور إلى درجة من التصعيد والتوتر، على إثر إعلان العقيد معمر القذافي استعداده للحوار مع الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر. وقد أعتبر الجزائريون هذا الإعلان تدخلاً في شؤونهم الداخلية، وشنت وسائل الإعلام الجزائرية حملات صحفية وإعلامية ضد ليبيا، كما سمحت السلطات الجزائرية للمعارضة الليبية في الخارج بعقد اجتماع بالجزائر.

3. عادت مشكلة الصحراء لتؤثر سلبياً في العلاقات المغربية ـ الجزائرية. فقد عدت الجزائر تصريحات العاهل المغربي مؤيدة لجبهة الإنقاذ في النجاح الذي حققته في انتخابات 1991م، فعادت الجزائر إلى تقديم الدعم العسكري للبوليساريو مع بداية عام 1994م، كورقة ضغط ضد العرش المغربي، وعلى إثر ذلك طلبت المغرب رسمياً تجميد مؤسسات الاتحاد في ديسمبر 1995م احتجاجاً على موقف الجزائر من قضية الصحراء.

ثالثاً: المستوى السياسي

1. جعلت معاهدة مراكش من أهدافها انتهاج سياسة، على الصعيد الدولي، تحقق الوفاق والتعاون الدبلوماسي بين دولها الأعضاء، على أساس الحوار والتفاهم. وقد تعرض هذا الهدف للاختبار في المواقف التالية:

    أزمة الخليج التي كشفت عن صعوبة التوصل إلى موقف موحد لدول الاتحاد المغاربي، حيث أفرزت مواقف الدول الأعضاء خمسة آراء متعارضة حول مواقفها من الغزو، على النحو الآتي:

أ. المغرب

        أيدت المغرب قرار الجامعة العربية في إدانة الغزو، وشاركت في التحالف الدولي ضد العراق.

ب. الجزائر

        امتنعت عن التصويت لأسباب تتعلق برغبتها في أن يستمر الحوار في إطار عربي.

ج. تونس

        غابت عن قمة القاهرة، لأنها اعتبرتها حكماً مسبقاً وقراراً مفروضاً من الخارج، في حين ظلت متمسكة بعدم شرعية الغزو العراقي للكويت.

د. ليبيا

        عارضت القرارات الصادرة عن قمة القاهرة، من دون أن تعلن تأييدها للغزو.

هـ. موريتانيا

        تحفظت على قرارات قمة القاهرة بسبب موقف العراق الداعم لها في نزاعها ضد السنغال.

2. عند التوقيع على إعلان مراكش لاتفاقية الجات، كانت صورة الاختلاف أقل حدة، إذ تخلفت ليبيا وحدها من دول المغرب العربي، في حين هاجمت وسائل إعلامها قمة الدار البيضاء الاقتصادية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، واعتبرتها حلف بغداد جديد، وحصان طروادة لتمكين إسرائيل من دور مهيمن في المنطقة العربية.

3. تقدمت المغرب بطلب الانضمام إلى المجموعة الأوربية لإلحاقها بالسوق الأوروبية المشتركة، عضواً كامل العضوية، من دون استشارة أي دولة من دول الاتحاد المغاربي. كما لم تحظ قضايا تنظيم العلاقات مع السوق الأوروبية المشتركة بأي جهد جماعي حقيقي، بل سعت كل دولة منفردة للتعامل مع السوق.

4. لم يكن الاتحاد المغاربي، بعد مرور أكثر من ثمان سنوات على قيامه، عاملاً مؤثراً في تطوير العلاقات بين دوله الأعضاء، ولم يؤد إلى تحسينها وإقناع بعضها بعضاً بالالتزام بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية.

5. ظل الاتحاد المغاربي عاجزاً عن تأكيد صفة التعاون المنظّم بين أعضائه، حيث دخلت خمس اتفاقيات فقط حيز التنفيذ من مجموع أكثر من 25 اتفاقية في مختلف المجالات.

6. عندما تقدمت مصر بطلب الانضمام إلى الاتحاد، خلال الدورة السادسة عشرة لوزراء خارجية الاتحاد، والتي حضرها وزير الخارجية المصري بصفة مراقب، يلاحظ أن الدعوة لمصر لم توجه من قبل مجلس الرئاسة أو أي هيئة اتحادية على الرغم من وجهة النظر التي ترى إمكانية قيام الاتحاد من ست دول من بينها مصر. فمصر هي التي شهدت تكوين مكتب المغرب العربي، ولجنة تحرير المغرب العربي، كما شهدت تكوين الجيش السنوسي (نواة الجيش الليبي الأولى)، لأن الدعوة الرسمية جاءت من كل من الجزائر والمغرب وليبيا، بينما رفضت تونس، استناداً إلى صحيفة الصباح التونسية في تعليقها على الطلب المصري.

رابعاً: المستوى الاقتصادي

    حددت المادة الثالثة في معاهدة مراكش أهداف السياسة المغاربية المشتركة في الميدان الاقتصادي، في السعي إلى تحقيق التنمية الصناعية والزراعية والتجارية والاجتماعية للدول الأعضاء، واتخاذ الإجراءات اللازمة والكفيلة بتحقيق ذلك. وتكشف مسيرة الاتحاد خلال ثماني سنوات تقريباً منذ إنشاؤه ما يلي:

1. عُقدت أكثر من 25 اتفاقية بين دول الاتحاد المغاربي، وتم المصادقة عليها من قبل مجلس الرئاسة، ولكن دخلت خمس اتفاقيات فقط حيز التنفيذ بدءاً من شهر يوليو 1993م، أي بعد أربع سنوات ونصف من التأسيس، وهى:

أ. الاتفاقية الخاصة بتبادل المنتجات الفلاحية.

ب. اتفاقية تشجيع وضمانات الاستثمار.

ج. اتفاقية خاصة بالحجر الزراعي.

د. اتفاقية تفادى الازدواج الضريبي وإرساء قواعد التعاون في المجال الجمركي.

هـ. اتفاقية خاصة بالنقل البرى للبضائع والمسافرين والعبور.

2. ومن ثم ظلت باقي الاتفاقيات التي تم توقيعها حبراً على ورق. ومرد ذلك إلى نوع العلاقات بين أعضاء مجلس الرئاسة، والتي شهدت في فترات مختلفة توتراً وتحفظات انعكست سلباً على الأداء التنفيذي للاتحاد.

3. كانت النتيجة، أن التعاون التجاري بين دول الاتحاد المغاربي لم يتحقق بالشكل المطلوب، فلم تزد نسبة التبادل التجاري بين دول الاتحاد عن 4% فقط، في حين تصل نسبة التبادل التجاري بين دول المغرب العربي من ناحية، ودول المجموعة الأوربية من ناحية أخرى إلى 60%. وهذا يعنى أن المشروع المغاربي منفصل عن السوق المغاربية المشتركة، لكنه في الوقت نفسه مندمج سلبياً في المجموعة الأوربية.

4. طلبت الحكومة المغربية منذ خريف 1991م من حكومات الاتحاد الأخرى، أن تخفف من خطوات اتخاذ القرارات التي ترمى إلى تحقيق الاندماج الاقتصادي، بعد أن صارت تتراكم منذ الدورة الثالثة من دون تطبيق فعلى عملي، وهذا الرأي ذهبت إليه بعض المصادر التونسية التي رأت أن المهم ليس وضع اتفاقيات تبقى حبراً على ورق، إنما إزالة العراقيل التي تؤخر تنفيذها، والتروي في وضع اتفاقية جديدة حتى تُعطى الأولية للمشاريع القابلة للتنفيذ.

خامساً: المشاكل التي أعاقت مسيرة الاتحاد المغاربي

    يمكن تشخيص أبرز مظاهر الانعكاسات السلبية، بين دول الاتحاد المغاربي، التي أعاقت تقدم المشروع المغاربي على النحو التالي:

1. مشكلات الحدود

أ. المغرب والجزائر

    كانت مشكلة الحدود بين المغرب والجزائر من أكثر مشكلات الحدود العربية حدة وسخونة، حيث سببت نزاعاً وصل إلى حد الاشتباك المسلح عام 1963. فقد اختلف الجانبان حول منطقة"تندوف" التي كانت تحت يد الجزائر عند استقلالها، بينما كانت فرنسا تعتبر الجزائر قطعة من أراضيها، الأمر الذي سبب مشكلة بعد حصول الجزائر على الاستقلال لاسيما وأن ميثاق منظمة الوحدة الأفريقية أقر بقاء أوضاع الحدود بين الدول الأفريقية على ما كانت علية عندما كانت في حوزة الاستعمار سداً لباب المنازعات بين الدول الأفريقية.

    في 28 نوفمبر 1960، قررت فرنسا منح موريتانيا الاستقلال وتنصيب رئيس الحكومة رئيساً للجمهورية. إلاّ أن المغرب رفعت قضية"سلخ فرنسا لموريتانيا من الأراضي المغربية" إلى الأمم المتحدة باعتبارها مساساً بوحدة الأراضي المغربية. ولكن انتهى الأمر بانضمام موريتانيا إلى الأمم المتحدة يوم 27 أكتوبر 1961.

    وحرصاً من المغرب على استرجاع الصحراء المغربية التي كانت تحتلها أسبانيا، رأى أنه من الحكمة تناس موضوع موريتانيا. وفي 1969، اعترف المغرب باستقلال موريتانيا، وتأكد هذا الاعتراف بتبادل البلدين للسفراء. وعين المغرب سفيراً له في موريتانيا 1970، وتطور التعاون بين البلدين بإبرام معاهدة أخوة وحسن جوار وتعاون، تنص في بنودها على حل المنازعات بين البلدين بالطرق السلمية، مع الامتناع عن استعمال القوة.

    وقد وقعت موريتانيا المستقلة مع المغرب وأسبانيا"اتفاقية مدريد" عام 1975، التي استرجع المغرب وموريتانيا بموجبها سيادتهما على"الساقية الحمراء" و"وادي الذهب"، ثم تنازلت موريتانيا عن حقها في الصحراء الغربية لصالح المغرب. وهكذا انتهت مشكلة موريتانيا كصورة من صور مشاكل الحدود بينها وبين المغرب.

ب. تونس وليبيا

    لا يوجد بين ليبيا وتونس مشكلات حدود برية سوى خلاف حول"الجرف القاري"، في المياه الإقليمية. منذ قيام ثورة الفاتح من سبتمبر 1969، عندما تم ترحيل 80 ألف عامل تونسي من ليبيا لأسباب سياسية، ثم تفجر مرة أخرى عام 1976، عندما رحَّلت ليبيا 13 ألف من العمال التونسيين. لكن تدخل جامعة الدول العربية أوقف تطور النزاع، بعد أن رفعت تونس بشأنه دعوى أمام محكمة العدل الدولية حول حقوقها في منطقة"الرصيف القاري"، في البحر الأبيض المتوسط، الذي يحتمل أن يكون أحد مصادر البترول، إلاّ أن محكمة العدل الدولية رفضت في عام 1985، طلب تونس إجراء تعديلات في حكم كان قد صدر عام 1982، بشأن الحدود بين البلدين فيما يخص الحقوق البحرية.

ج. تونس والجزائر

 تتمثل مشكلة الحدود بين تونس والجزائر في الخلاف حول النقطة رقم (233)، التي تسلمتها الجزائر من الإدارة الفرنسية بعد الاستقلال، والتي اعتبرتها تونس تابعة لها. وهي تمثل رقعة تبلغ مساحتها حوالي 17 كم. وترى تونس أن حدودها مع الجزائر ليست مطابقة للخرائط الواردة بالاتفاقية، التي عقدت بشأن تخطيط الحدود بين البلدين، وأن الإدارة الفرنسية في الجزائر، طمست، أثناء حرب التحرير الحدود الحقيقية ووضعت يدها على نقطة حدود العلامة (233).

 وترى تونس أن ضآلة مساحة النقطة (233) لا تستحق هذا التشدد من قبل الجزائر، وأن الروابط المغاربية تفرض على الجزائر تسليم النقطة لتونس. لكن الجزائر كانت ترد بأنها ورثتها عن فرنسا، وهي الحدود التي يعترف بها ميثاق منظمة الوحدة الأفريقية، ومن ثم فإن تسليمها لتونس سيشكل سابقة خطيرة، لوجود مشاكل مشابهة في مساحات شاسعة مع جيران آخرين.

    ظل ملف الحدود بين تونس والجزائر معلقاً لمدة 8 سنوات. وبعد اتصالات بين البلدين، اعترفت تونس بالحدود التي كانت موجودة منذ عام 1962، ووضع مشروع اتفاق لتوضيح خط الحدود واستغلال المنطقة لصالح الطرفين.

    وفي 19 مارس عام 1983، وقعت الدولتان معاهدة للإخاء والوفاق بينهما، نصت في مادتها الثانية على أن يتعهد الطرفان المتعاقدان بالامتناع عن اللجوء إلى التهديد أو استعمال القوة لتسوية الخلافات التي قد تنشأ بينهما، احتراماً لأصالة الروابط التاريخية، التي تجمع بين الشعبين.

د. الجزائر وليبيا

    اتسمت العلاقات بين ليبيا والجزائر بالهدوء دائماً، نظراً للدعم الكبير الذي قدمته ليبيا للجزائر خلال ثورتها التحررية. وكانت الحدود بين البلدين يتم تأجيل تخطيطها من حين لآخر لتجنب وقوع صدام بينهما، ولكن في عام 1967، اخترقت الدوريات الجزائرية الحدود الليبية لمسافة 7 كم، كما اتهمت ليبيا الجزائر بتوغل طيرانها في الفضاء الجوي الليبي للاستكشاف والتصوير. وبعد عام 1967، اتفق الطرفان على تشكيل لجنة مشتركة لتخطيط الحدود. تمسكت الجزائر بأن يكون أساس التخطيط هو اتفاقية 1957، بين ليبيا والإدارة الفرنسية، الأمر الذي رفضته ليبيا وماطلت في موضوع تشكيل اللجنة. وانتهزت ليبيا نشوب حرب 1967 واعتبرتها مبرراً لعدم ملائمة الوقت لبحث هذه المسائل. وبعد تلك الحرب، تعللت ليبيا بعدم وجود خرائط لديها، واستدعت أحد خبراء السويسريين ليقوم بعملية مسح طوبوغرافي للمنطقة.

 وهكذا ظل موضوع الحدود بين الجزائر وليبيا معلقاً حتى قيام ثورة الفاتح من سبتمبر 1969، في ليبيا وما أدت إليه من تقارب مع الجزائر بفعل التوجهات الاشتراكية لكلا النظامين، وانتهت مشكلة الحدود بين البلدين بهدوء، ولم يترتب عليها مضاعفات عسكرية أو سياسية.

2. الاختلاف بين نُظم الحكم في الدول المغاربية

أ. كانت الوحدة المغاربية، خلال فترة الكفاح من أجل الاستقلال، حلماً سياسياً، إلا أنها بعد الاستقلال صارت طموحاً اقتصادياً، فقد أعدت اللجان المختلفة الدراسات القطاعية الهامة، ذات الطابع الفني الخالي من أي تنسيق سياسي متين وواضح، ولعل هذا هو ما جعل تلك الدراسات حبراً على ورق.

ب. ظهر هذا العامل واضحاً في الموقف الليبي من مسيرة المغرب العربي بعد تولي القذافي، واتباعه منهج الناصرية بشعاراتها، كدليل عمل يحكم علاقات الدول الخارجية. ومن ثم كانت ليبيا تعتبر المشروع المغاربي إطاراً للتجزئة يتعارض مع سعيها للوحدة الشاملة.

ج. وفي إطار الخلافات حول مشكلة الصحراء، طرحت الجزائر فكرة (مغرب الشعوب) في مواجهة (مغرب الدول)، إلا أن الوقائع أثبتت أن المشكلات يمكن أن تطال حتى (مغرب الشعوب)، فقد شهدت السبعينات والثمانينات عمليات طرد متبادلة للعمالة والمواطنين، في دول المغرب (طُرد المغاربة من الجزائر، والجزائريون من المغرب، والتونسيون من ليبيا)، إضافة إلى المضايقات، التي يتعرض لها المسافرون عبر الحدود والمنافذ الجوية والبحرية. ولعل طبيعة نُظم الحكم السائدة كانت سبباً من أسباب عرقلة تقدم مشروع المغرب العربي في الممارسة السياسية، لاسيما في ظل غياب أدنى صورة من صور المشاركة الشعبية الحقيقية الفاعلة، التي تدفع في اتجاه الأخذ بمصالح الجماهير.

3. أزمة الثقة بين الأنظمة الحاكمة

 وهى تعود في جانب منها إلى فترة الكفاح الوطني ضد الاستعمار، وبداية الاستقلال، إلا أنها تفاقمت بعد ذلك مع ظهور مشاكل الحدود، والخلافات الإقليمية، فضلاً عن محاولات التدخل المتبادلة في الدول المجاورة، وتسليح وتدريب وتشجيع الكوادر المعارضة. كل ذلك أدى إلى انعدام الثقة والشك، حتى عند تفسير ما يبدو سلوكاً ودياً تظهره بعض الأنظمة تجاه الأخرى. وقد شكَّل هذا الأمر عائقاً أمام أي وفاق إقليمي، بل كان في الغالب سبباً في إضعاف فرص الحل للمشكلات المعلقة حينما تتوافر الظروف الموضوعية لحلها.

4. المشكلات المستجدة التي طرأت على دول المغرب العربي

أ. ما تزال المنطقة العربية كلها، ومنها دول المغرب العربي، تعاني تداعيات العدوان العراقي على الكويت في 2 أغسطس 1990م، الذي أحدث شرخاً في العلاقات العربية، كما أهدر الموارد التي كانت كفيلة بإعطاء دفعة اقتصادية قوية للدول العربية.

ب. شكلت أزمة (لوكيربي)، بين ليبيا من جهة والولايات المتحدة وبريطانيا من جهة أخرى، قضية عرقلت نمو العلاقات بين الاتحاد المغاربي ودول الاتحاد الأوروبي ودول أوروبا المتوسطية، وهي العلاقات التي كان الاتحاد المغاربي يعطيها أهمية كبرى في دفع مسيرة التنمية داخل دول المغرب العربي. ومن ناحية أخرى جعلت هذه المشكلة ليبيا تفقد حماسها للتعاون مع باقي دول الاتحاد.

ج. أصبحت مشكلة الإرهاب الداخلي في الجزائر ومتعلقاتها وآثارها الجانبية، مسألة تصرف اهتمام الجزائر إلى قضاياها الداخلية، فضلا عن تحولها إلى إحدى عوامل الخلاف بين الجزائر والمغرب، عقب حوادث تخريبية في المغرب اتُهمت الجماعات الجزائرية المتطرفة بتدبيرها، وأُغلقت على إثرها الحدود بين الدولتين.

د. تشكل قضية المحافظة على الاستقرار الداخلي أولوية على قائمة اهتمامات دول الاتحاد المغاربي. وهي قضية ذات حدين: فهي يمكن أن تجمع دول الاتحاد في جهد مشترك، من أجل مواجهة العنف والإرهاب وإعادة الاستقرار الداخلي في هذه الدول، بما يسمح باستئناف برامج التنمية. إلا أنها كذلك يمكن أن تكون أحد أسباب الخلاف والاحتكاك. ولعل هذه القضية كانت وراء تراجع دول الاتحاد عن المضي قدماً في عقد اتفاقية تسمح بفتح الحدود للانتقال الحر لمواطني دول الاتحاد، عن طريق إصدار هوية موحدة للمواطنين.

    ظلت فكرة"المغرب العربي" تشكل حلماً للشعوب والساسة المغاربة طوال فترة الاستعمار الأوروبي للمنطقة. وقد ظل هذا الحلم يراود شعوب المنطقة نحو ثلاثين عاماً، قبل أن يتحول إلى حقيقة بإعلان قيام"اتحاد المغرب العربي" في 17 فبراير 1989م، ولكن لم تلبث المشاكل أن واجهت الاتحاد الوليد عقب إعلانه بشهور قليلة. فقد بدأت المشاكل الثنائية تدب بين الحين والآخر لأسباب عديدة وردت بالتفصيل في البحث، وقد أصبحت هذه المشاكل عقبة في تقدم مسيرة الاتحاد المغاربي نحو التكامل الاقتصادي المنشود، الذي وضعته معاهدة مراكش.

    وعلى الرغم من توافر عوامل الوحدة بين دول المغرب العربي، متمثلة في وحدة الدين واللغة والتقاليد والثقافة، والتشابه إلى حد كبير في الاقتصاد والظروف الطبيعية والمناخية والحوار والروابط الاجتماعية، إلاّ أن كل هذه العوامل المشتركة ـ التي لم تتوافر لأي تجمع إقليمي آخر في العالم سوى الوطن العربي ـ لم تساعد الاتحاد المغاربي على تحقيق أهدافه، في حين استطاعت المجموعة الأوربية التحول إلى كيان اقتصادي موحد، وسوف تصل إلى مرحلة الاندماج الكامل قبل عام 2000، على الرغم من اختلاف الثقافات وتباين اللغات وتباعد المذاهب والأديان.

    إن البلدان العربية بصفة عامة، والدول المغاربية بصفة خاصة، تستطيع تحقيق السوق المشتركة، والوصول إلى مرحلة الوحدة الكاملة بسهولة، إذا صدقت النوايا، وارتفعت مصالح الشعوب على المصالح الشخصية، وجُعلت المصالح المشتركة فوق الاعتبارات الذاتية أو الوطنية الضيقة، وهو الخيار الذي سارت عليه الدول الأوروبية إلى أن وصلت إلى الكيان الاقتصادي الموحد.