إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / منظمات وأحلاف وتكتلات / حركة عدم الانحياز





الهيكل التنظيمي




المبحث الثالث

المبحث الثالث

الإطار المؤسسي لحركة عدم الانحياز

    اتسمت حركة عدم الانحياز منذ نشأتها بأنها تجمع اختياري حر للدول حديثة الاستقلال والتكوين، والتي سعت إلى الحفاظ على استقلالها وسيادتها، ومن ثم كانت معارضة أعضاء هذه الحركة لسياسة التكتل والأحلاف الدولية، ولقد تميزت سياسة عدم الانحياز بوجود إطار مؤسسي له خواصه ومميزاته التي تختلف عن التنظيمات الإقليمية والدولية التي اتصفت بالآتي:

1. وجود تنظيم إقليمي أو دولي له إطار مؤسس، ونظام للعضوية محدد يختص بالقبول والفصل والإيقاف، وأسلوب الإدلاء بالأصوات واتخاذ القرارات، واللوائح المنظمة للإجراءات.

2. كان الهدف الأساسي للتنظيمات الإقليمية والدولية هو توفير الحماية العسكرية للدول الأعضاء من خصومهم، وارتبط ذلك بالصراع والاستقطاب الدولي.

3. رغم أن التنظيمات الإقليمية والدولية تأخذ بقاعدة المساواة، إلا أنه من الناحية العملية تقوم على أسلوب الدولة القائدة، وبذلك يكون هناك اختلافات وتمايز بين أطراف التنظيم أو التحالف من حيث القوة الاقتصادية أو العسكرية أو النفوذ السياسي، وانعكس ذلك في أداء المنظمات الدولية والإقليمية.

    لم يقنع بالاعتبارات السابقة مؤسسي حركة عدم الانحياز، حيث رأوا أن معظم أشكال وصور التجمعات الإقليمية والدولية ليست إلا دعوة للاستقطاب الدولي، الهادفة إلى فرض السيطرة الإقليمية أو الدولية، ولذلك وجهوا اهتمامهم إلى الأهداف والغايات أكثر من اهتمامهم ببناء الهيكل التنظيمي والمؤسسي، ولم يستقر على تحديد التوصيف منذ اللقاءات الأولى، من حيث كونه حركة أو جماعة أو تنظيم، واكتفي عند النشأة بتسمية مؤتمر كتعبير محايد عن نوعية اللقاء، وبذلك تكون حركة عدم الانحياز منذ نشأتها تُعبر عن اتجاه سياسي تمثل في الآتي:

1. إن سياسة عدم الانحياز تمثل التوجهات السياسية للدول النامية حديثة الاستقلال.

2. تطورت سياسة عدم الانحياز بعد الحرب العالمية الثانية، ووصلت إلى مرحلة التأثير الدولي في ظل الحرب الباردة، وطورت من برامجها لتحقيق مبادئها في الاستقلال الشامل.

3. حظيت سياسة عدم الانحياز باهتمام التجمعات الدولية بعد أن كانت تعتبرها منذ نشأتها انتهازية، ورجع هذا الاهتمام بعد تعميق جذورها وتزايد عضويتها ودورها الذي تؤديه.

أولاً: نظام وقيود العضوية في حركة عدم الانحياز:

    في المؤتمر التحضيري لحركة عدم الانحياز الذي عقد في القاهرة في 5 يونيه 1961م، وحضره 22 دولة، تحددت معايير العضوية في حركة عدم الانحياز، والتي على أساسها وجهت الدعوة للدول المشتركة في مؤتمر بلجراد، وتمثلت هذه المعايير الخمسة في الآتي:

أولاً: أن تكون الدولة قد انتهجت سياسة مستقلة مبنية على التعايش السلمي بين الدول ذات النظم السياسية والاجتماعية المختلفة، وأن تكون قد أظهرت اتجاهات نحو هذه السياسة.

ثانياً: أن تكون الدولة مؤيدة باستمرار لحركات التحرر الوطني.

ثالثاً: ألا تكون الدولة عضواً في حلف عسكري متعدد الأطراف، في نطاق الصراع بين الدول الكبرى.

رابعاً: إذا كانت الدولة طرفاً في اتفاقية عسكرية ثنائية مع دولة كبرى، أو إذا كانت عضواً في حلف إقليمي، فإن الاتفاق أو الحلف يجب ألا يكون قد عقد في نطاق منازعات الدول الكبرى.

خامساً: إذا كانت الدولة قد سمحت بوجود قواعد عسكرية لدولة أجنبية كبرى، فإن هذا السماح يجب ألا يكون في نطاق منازعات الدول الكبرى.

    وقد تميزت هذه المعايير بالمرونة بدرجة كبيرة، حيث إنها لم تستبعد الدول التي كانت بها قواعد عسكرية، ولكن اشترطت ألا تكون هذه القواعد في إطار سياسات القوى الكبرى، كذلك لم تؤكد على أهمية انتهاج الدولة سياسة مستقلة، بل اكتفت بأن تعلن الدولة رغبتها عن تبني هذه السياسة، كذلك يلاحظ أن هذه المعايير التي حُددت لم تكن مرنة في صياغتها فقط، بل كانت مرنة في إطار التطبيق العملي أيضاً، فلم تُثار التساؤلات حول العديد من الدول التي كان لها توجهات مخالفة لسياسة عدم الانحياز، وبعد تحديد هذه المعايير عُقدت لجنة على مستوى السفراء للدول المشتركة في المؤتمر التحضيري بالقاهرة يوم 21 يونيه عام 1961م، لتحديد الدول التي ستوجه الدعوة إليها لحضور مؤتمر عدم الانحياز، ولقد قامت كل من مصر ويوغسلافيا وإندونيسيا بالدعوة للمؤتمر الذي عُقد في بلجراد أول سبتمبر 1961م، واشتركت فيه 25 دولة بصفة عضواً، وهي مصر ويوغسلافيا والهند وإندونيسيا وأفغانستان والجزائر وبورما وكمبوديا وسيلان وكوبا وقبرص وإثيوبيا وغانا وغينيا والعراق ولبنان ومالي والمغرب ونيبال والمملكة العربية السعودية والصومال والسودان وتونس واليمن والكونغو، إضافة إلى ثلاث دول حضروا كمراقبين وهم بوليفيا والبرازيل والإكوادور.

    أخذت عملية الانضمام لعضوية حركة عدم الانحياز عدة صور من خلال حضور مؤتمرات الحركة، فكانت الصورة الأولى مشاركة الدول كأعضاء عن طريق دعوة الدول ذات العضوية الدائمة، ويقوم بتوجيه الدعوة نيابة عنها إما مجموعة الدول الداعية أو الدولة المضيفة، وكانت تجرى كافة المراحل الإجرائية للانضمام للحركة خلال مؤتمر تحضيري، يعقد قبل عقد مؤتمر قمة الحركة، أما الصورة الثانية فكانت الحضور بصفة مراقب وكانت توجه الدعوة للدول التي تنطبق عليها معايير العضوية، ولكنها بمحض إرادتها لم تكن راغبة في الحضور، وكذلك الدول التي لا تنطبق عليها كافة معايير الانضمام، ولكنها ترغب في المشاركة، أما الصورة الثالثة للمشاركة فكانت الحضور بصفة ضيف، وفي مقدمة المشاركين في هذه الصفة حركات التحرر الوطني، إلا أنه يلاحظ عدم وجود معايير خاصة بالمشاركين بصفة مراقبين أو ضيوف، كذلك اختلف التوصيف بالنسبة لحركات التحرر، فكانت تدعى للحضور دون توصيف في مرحلة من مراحل الحركة الأولى، ثم يُجرى توصيفها كضيوف في مراحل تالية، حيث إن صفة المشاركة والعضوية لم تكن واضحة لقادة الحركة المؤسسين، وإنما تطورت بتطور الاجتماعات، إلا أن توجيه الدعوات للحضور والمشاركة كان يتقرر خلال المؤتمرات التحضيرية، التي كانت تسبق مؤتمرات القمة للحركة، ونظراً لأن حركة عدم الانحياز ظهرت وتطورت أساساً كحركة مناهضة لاختلال التوازن السياسي والاقتصادي والاجتماعي في المجتمع الدولي، لذا فإنها لم تضع قواعد ملزمة لعضويته، وكذلك لم تحدد حالات إيقاف العضوية أو فصل أحد أعضائها أو المطالبة بذلك، وكذلك حالة الانسحاب من الحركة.

    لقد مرت عملية الانضمام للحركة بعدة مراحل، حيث كان هناك تزايد مستمر للدول الأعضاء في الحركة، ففي عام 1961م كان هناك ثلاث دول ذات عضوية دائمة في الحركة قامت بتوجيه الدعوة لعقد مؤتمر القمة الأول التأسيسي، لحركة عدم الانحياز في بلجراد واشترك فيه خمس وعشرون دولة بصفة عضو، كذلك شارك في المؤتمر ثلاث دول بصفة مراقب، وفي الفترة من 5 – 10 أكتوبر 1964م من خلال مؤتمر القمة الثاني للحركة الذي عقد في القاهرة ارتفع عدد الدول الدائمة العضوية إلى عشرة دول معظمها من أمريكا اللاتينية باستثناء فنلندا، وبينها دولة اشتركت في المؤتمر الأول ولم تشترك في المؤتمر الثاني وهي الإكوادور، واشترك في المؤتمر سبعة وأربعون دولة بصفة عضو، أما عدد الدول المشاركة بصفة مراقب كانت عشرة دول، وبذلك كان هناك زيادة اثنين وعشرون دولة في عدد أعضاء الحركة، ويلاحظ أنه من بين الدول التي انضمت للحركة خلال هذه المرحلة ستة عشر دولة أفريقية حصلت على استقلالها، إضافة إلى ستة دول عربية ودولة آسيوية، وتعتبر هذه المرحلة هي قمة المد التي وصلت إليها حركة عدم الانحياز في إطار تصديها للاستعمار في كل المناطق التي تنتمي للعالم الثالث، وقد شعرت الولايات المتحدة بخطورة حركة عدم الانحياز وتفاعلاتها الدولية في أمريكا اللاتينية وفي أفريقيا، التي كان الاستعمار الأمريكي يرى أنه الوريث الطبيعي للاستعمار الأوروبي فيها، ولقد تبلور موقفها في انقلاب البرازيل الذي سبق مؤتمر بلجراد، والذي كان هدفه منع اشتراك البرازيل كعضو عامل في حركة عدم الانحياز، واعتبر ذلك إنذاراً لكل دول أمريكا اللاتينية، ومن ثم كان أحد الأسباب التي جعلت دول أمريكا اللاتينية تكتفي بعضوية الحركة كمراقب فقط، ويلاحظ خلال هذه المرحلة أنه أمام شعبية قيادة الحركة ومواقفهم المناهضة للاستعمار، أصبحت هذه السياسة ذات جاذبية خاصة لدول العالم الثالث حتى أصبحت كل دولة تحصل على استقلالها لا تجد أمامها سبيلاً لتأكيد استقلالها سوى الإعلان عن انضمامها لحركة عدم الانحياز، وخلال هذه المرحلة فقدت الحركة قبيل عقد المؤتمر الثاني واحداً من أبرز قادتها وهو الزعيم الهندي نهرو.

   في الفترة من 8 - 10 سبتمبر 1970م انعقد مؤتمر القمة الثالث في لوساكا عاصمة زامبيا، واشتركت فيه أربعة وخمسون دولة بزيادة سبع دول عن مؤتمر القمة الثاني، ولكن كان الانضمام الفعلي ثلاثة عشر دولة، حيث كان هناك دولاً لم تحضر المؤتمر الثالث رغم اشتراكها في المؤتمر الأول ببلجراد والمؤتمر الثاني بالقاهرة، وهذه الدول بورما ـ المملكة العربية السعودية، وكذلك كان هناك دولاً اشتركت في المؤتمر الثاني ولم تحضر المؤتمر الثالث، وهي الداهومي، كما أنه يوجد دولاً انقسمت إلى دولتين وهي الكونغو واليمن، ويلاحظ خلال هذه المرحلة غياب معظم قادة حركة عدم الانحياز، حيث لم يحضر مؤتمر القمة الثالث كل من نكروما وسوكارنو بسبب تعدد الانقلابات الداخلية في بلادهم، كذلك كان غياب جمال عبدالناصر بسبب أحداث سبتمبر ضد الثورة الفلسطينية في الأردن، كذلك سقط عدداً من دول عدم الانحياز في دائرة مناطق النفوذ الاستعماري وإن لم تعلن تخليها عن مبادئ الحركة، وأمام هذه العوامل بدأ شعور عام ينتاب دول عدم الانحياز بعدم فاعلية الحركة، وطرحت بعض الاقتراحات الهادفة إلى إنشاء جهاز ثابت يختص لمتابعة قرارات مؤتمرات القمة لدول حركة عدم الانحياز وتنسيق العمل بين دول المجموعة، إلا أن العديد من الدول عارضت فكرة إنشاء هذا الجهاز، إذ اعتبرته الأغلبية أنه سيكون رمزاً للتكتل الذي قامت المجموعة أساساً لتعارضه، واستقر الرأي على انتخاب أحد رؤساء الدول رئيساً للحركة خلال الفترة بين المؤتمرين، على أن يقوم بمتابعة قرارات وتوجيهات مؤتمرات الحركة، على أن يقوم ممثلو الحركة في الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة بالتعاون وتنسيق جهودهم لتنفيذ قرارات الحركة.

    وفي الفترة من 5 - 9 سبتمبر 1973م انعقد مؤتمر القمة الرابع لحركة عدم الانحياز في الجزائر، وحضره ستة وسبعون دولة أي بزيادة إحدى وعشرون دولة عن المؤتمر السابق، ويلاحظ خلال هذه المرحلة اشتراك كل الدول العربية، كما أن مشاركة دول أمريكا اللاتينية عدا كوبا كانت بصفة مراقبين، كما أن شيلي اشتركت بوفد شعبي بعد أن أيدت الولايات المتحدة الأمريكية الانقلاب الذي انتهى باغتيال رئيس شيلي والاستيلاء على الحكم، وسُمح خلال هذه المرحلة بمشاركة حركات التحرير المختلفة، كما تقرر عقد مؤتمر وزاري سنوي في نيويورك خلال شهر سبتمبر من كل عام بهدف التنسيق بين دول حركة عدم الانحياز داخل الأمم المتحدة، كما تقرر تشكيل لجنة دائمة من سبعة دول أعضاء يُجرى انتخابهم سنوياً على أساس جغرافي في المؤتمر السنوي لوزراء الخارجية، وعملها الأساسي هو دراسة الأعمال التحضيرية لمؤتمر وزراء الخارجية في نيويورك.

    انعقد مؤتمر القمة الخامس لحركة عدم الانحياز في كولومبو، الفترة من 16 ـ 19 أغسطس 1976م اشترك فيه سبعة وثمانون دولة أي بزيادة عشر دول، منهم سبع دول أفريقية نالت استقلالها، كما انضمت دولة من أمريكا اللاتينية هي بنما، كذلك تقرر اعتبار منظمة التحرير الفلسطينية عضواً كاملاً في حركة عدم الانحياز، كذلك استمر حضور دول أمريكا اللاتينية بصفة مراقبين، وخلال الفترة من 3 – 9 سبتمبر 1979م انعقد المؤتمر السادس لقمة حركة عدم الانحياز في كوبا، وقارب عدد المشاركين خلال هذه المرحلة مائة دولة كاملة العضوية، وبلغ عدد المراقبين اثنتي عشر دولة من دول العالم الثالث، وكان التوزيع الجغرافي للدول الأعضاء كالآتي 33% من آسيا، 55% من أفريقيا، 9% من أمريكا اللاتينية، 3% من أوروبا، وفي الفترة من 7 - 12 سبتمبر 1983م انعقد المؤتمر السابع لقمة حركة عدم الانحياز في ني ودلهي، بعد نقله من بغداد بسبب الحرب العراقية ـ الإيرانية، وبلغ عدد الأعضاء خلال هذه المرحلة مائة وواحد عضواً، ومع تعدد مؤتمرات القمة لدول عدم الانحياز كانت هناك زيادة مستمرة في العضوية حتى كان مؤتمر القمة العاشر الذي عُقد في جاكرتا في الفترة من 1-6 سبتمبر 1992م، والذي وصل فيه عدد الأعضاء إلى مائة واثنتي عشرة دولة، وخلال مؤتمر القمة الثاني عشر والذي عُقد في الفترة من 2 – 3 سبتمبر 1998م في ديربان بجنوب أفريقيا، وصل فيه عدد الأعضاء إلى مائة وثلاثة عشر دولة بصفة أعضاء دائمين، ولقد وصل عدد الدول التي حضرت بصفة مراقب حوالي ثلاثة عشرة دولة.

ثانياً: الهيكل التنظيمي لحركة عدم الانحياز:

    من السمات الرئيسية لحركة عدم الانحياز هي معارضتها في وضع هياكل تنظيمية وإطارات محددة تماثل الأحلاف والتكتلات الدولية، ومن ثم كان هناك عدة تقسيمات تطلق على الدول التي تبنت هذه السياسة، فكان يطلق عليها منذ النشأة مجموعة عدم الانحياز أو دول عدم الانحياز، إلا أنه منذ السبعينيات تحدد الاسم الذي يطلق عليها ليكون حركة عدم الانحياز، وعارضت الحركة لفترة طويلة الدعوة لإنشاء سكرتارية لها، خشية أن تتحول الحركة إلى تكتل دولي، إلا أنه في مؤتمر القمة الرابع لدول عدم الانحياز والذي عقد في الجزائر عام 1973م جرت الموافقة على إنشاء مكتب للتنسيق والذي يعتبر الجهاز التنفيذي الدائم الوحيد للحركة، وكان عدد أعضاء هذا المكتب سبعة عشر عضواً، زاد عددهم في مؤتمر كولومبو عام 1976م ليكون 25 عضواً، وفي مؤتمر هافانا عام 1979م أصبح عدد أعضاؤه ستة وثلاثون عضواً جرى توزيعهم على أساس جغرافي بحيث شغلت الدول الأفريقية سبعة عشر مقعداً والدول الآسيوية اثنا عشر مقعداً، بينما شغلت دول أمريكا اللاتينية ستة مقاعد، أما المقعد الرابع والثلاثين فتناوب عليه كل من الدول الأفريقية والأوروبية المنتخبة لمدة سنة ونصف، وفي قمة نيودلهي أصبحت العضوية لمكتب التنسيق مفتوحة لكافة الأعضاء ولذلك أصبح يضم أربعة وسبعون عضواً، وقُصد بهذا العدد الكبير تحقيق توازن جغرافي في داخل مجموعة عدم الانحياز حيث خصص ستة وثلاثون مقعداً للدول الأفريقية وثلاثة وعشرون مقعداً للدول الآسيوية واثني عشر مقعداً لدول أمريكا اللاتينية وثلاثة مقاعد للدول الأوروبية.

   تعقد اجتماعات مكتب التنسيق لحركة عدم الانحياز إما خلال اجتماعاتها الدورية على مستوى المندوبين الدائمين، وتُجرى هذه الاجتماعات في نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية، أو قد تكون اجتماعات استثنائية وتُعقد في إحدى دول عدم الانحياز، ومعظم هذه الاجتماعات تكون على المستوى الوزاري، وتكون بهدف دراسة مشكلة محدودة. ولقد تقرر خلال مؤتمر قمة كولومبو عام 1976م تشكيل وتحديد اختصاصات مكتب التنسيق للحركة، حيث تحددت مهام المكتب في تنسيق عمل الحركة بين أعضائها في الفترة ما بين انعقاد مؤتمرات القمة، كما يكلف بتنفيذ البرامج والقرارات التي تتخذها مؤتمرات القمة، ويجري اختيار أعضاء مكتب التنسيق لحركة عدم الانحياز من خلال مؤتمرات القمة، ويتولى رئاسة مكتب التنسيق ممثل الدولة التي استضافت القمة الأخيرة، ويكلف الرئيس بمهام دعوة المكتب للانعقاد للتنسيق والتشاور في نشاطات الحركة والقضايا السياسية والاقتصادية الهامة والتي ستطرح على الأمم المتحدة.

   تحددت الخطوط الاسترشادية لمهام أعضاء مكتب التنسيق وأسلوب عملهم في الآتي:

1. لا يوجد تمييز بين الدول أعضاء مكتب التنسيق والدول غير الأعضاء فيه، من حيث طلب الكلمة وتحديد مواعيد ومقار الاجتماعات، والمشاركة في أعمال اللجنة الفرعية ومجموعات العمل وتقديم المقترحات الخاصة بالقضايا والمشاكل المعروضة.

2. من حق جميع الدول أعضاء حركة دول عدم الانحياز المشاركة في اجتماعات مكتب التنسيق وبحث القضايا التي تهمهم على قدم المساواة.

3. يحتفظ مكتب التنسيق بسجلات للاجتماعات الرسمية والاجتماعات العامة التي تعقد، كما يجري التقديم للاجتماعات التالية للتصديق عليها.

4. تقدم جميع القرارات التي يتخذها المكتب على مستوى المندوبين الدائمين في الاجتماعات العامة للحركة بناءً على طلب أحد الدول أعضاء الحركة.

    ولم يتوقف تطوير الهيكل التنظيمي لمكتب التنسيق لحركة عدم الانحياز، حيث أخذت تطور مفاهيمها وأبعادها كما طورت كذلك في إطارها المؤسسي وكذلك أسلوب عملها، (أُنظر شكل الهيكل التنظيمي لحركة عدم الانحياز).

ثالثاً: آلية صنع القرارات في حركة عدم الانحياز:

    يجري اتخاذ القرارات في اجتماعات حركة عدم الانحياز من خلال توافق الآراء، حيث يجرى حوار ديموقراطي حر بين جميع الأعضاء، وإذا كان هناك اتفاق عام على تصور ما أو فقرة يجري إقرارها، ورغم إقرار دول الحركة لبياناتها بتوافق الآراء فيما بينها، إلا أنه لم يوجد مفهوم محدد لمعنى توافق الآراء، ولم يُطرح هذا الموضوع للبحث في إطار الحركة حتى عام 1973م، واختلفت الآراء حوله، حيث أكد بعض الأعضاء في الحركة إلى أن هذا المفهوم له صفة غير محددة وإن كان يعني بوجه عام وجود اتفاق في الرأي، كما يعني كذلك إمكانية وجود الاختلافات المتبادلة، إلا أنه يوجد حتمية العمل على أن يحقق القرار استيعاباً متبادلاً لوجهات النظر المختلفة والمتعددة من خلال عملية المواءمة.

   لقد حددت مجموعة عدم الانحياز بعد إجراء العديد من المناقشات حول موضوع توافق الرأي أن مفهوم توافق الآراء منهج أفرو ـ آسيوي ولاتيني وعربي لاتخاذ القرارات في المجتمعات منذ القدم، والذي يتفق مع مفهوم الإجماع في الشريعة الإسلامية وليس الإجماع بمفهومه الحديث، إلا أن تحقيق توافق الرأي يعتبر عملية معقدة تستلزم مزيد من الجهد والوقت عن أي أسلوب آخر، وفي ذات الوقت كان إتباع أسلوب توافق الرأي للوصول إلى اتفاق عام من أسباب الحفاظ على وحدة حركة عدم الانحياز وتماسكها واستمرارها، كذلك أمكن تطوير مبادئها في إطار حكم الالتزام بالمبادئ والقيم الأساسية.

    ولكي يمكن الوصول إلى توافق في الرأي، تجرى عدة مراحل سابقة يُدرس خلالها الموضوع في إطار المجموعات المصغرة، ثم يُنتقل بعد ذلك بالدراسة على مستوى المندوبين، ثم مستوى الوزراء، وفي النهاية تُعرض على مؤتمر القمة لدول عدم الانحياز، إلا أنه يظهر خلال هذه المرحلة دور رئيس المؤتمر، لأنه المسؤول عن إعلان الوصول لتوافق الرأي من عدمه، ولذلك تكون قدرات رئيس مؤتمر القمة من الأهمية لتحقيق الوفاق والتعاون والتضامن، ومن ثم تكون عملية اختيار الرئيس من خلال توفر هذه القدرات والإمكانيات حتى لا تكون سبباً لبث الفرقة والخصام، والتي بالقطع ستنعكس على الحركة وإضعافها وتفتيتها، كما يتحتم على رئيس المؤتمر تحديد التوقيت المناسب للوصول إلى توافق في الرأي بين الأعضاء، وقد يتدخل لدفعهم نحو هذا الاتجاه، أو قد يعلن صعوبة تحقيق توافق الرأي، ويجب إعلان ذلك، مع اقتراحه بتأجيل بحث موضوع الخلاف، ولقد وضح خلال مؤتمرات قمة عدم الانحياز أهمية تحديد المؤثرات والإجراءات المتبعة في حالة عدم تحقيق توافق الرأي، خاصة بعد تزايد عدد الأعضاء الذين لهم توجهات يسارية منذ عام 1979م، لذلك وُضعت مبادئ محددة يجري إتباعها في حالات الخلاف بين الأعضاء تمثلت في الآتي:

1. يُعلن عن عدم تحقيق توافق الرأي، وتأجيل عرض موضوع الخلاف إذا حدثت مواجهات واختلافات في الآراء، الأمر الذي قد يهدد الحركة نفسها.

2. يلزم على رئيس المؤتمر أو سكرتارية المؤتمر أو الرئيس أو الوفود المهتمة بالمساعدة في إنهاء النزاع القائم في الاجتماع.

3. يجب إجراء مشاورات غير رسمية مسبقاً بين أعضاء الحركة حول كل الموضوعات والمشاكل التي ستُطرح.

4. يمكن الاعتماد على مجموعات عمل مؤقتة يتم تكوينها غير مقيدة العضوية، بهدف المساعدة في التوصل لتوافق في الرأي.

5. في حالة عرض موضوع له اعتبارات جغرافية أو سياسية يجب إجراء مشاورات مسبقة بينهم للوصول إلى توافق في الرأي قبل عرض الموضوع ذات الحساسية الخاصة للأعضاء أو بعضهم.

6. في حالة وجود معارضة قوية عند عرض أحد الموضوعات، فإن ذلك يعتبر مؤشراً على أهمية وخطورة الموضوع، ولذا يجب إتاحة الفرصة لعرض مختلف وجهات النظر حتى يمكن دراستها والوصول إلى توافق في الرأي.

7. في حالة استنفاذ شتى المراحل السابقة ولم يتحقق توافق في الرأي، تُحدد نقاط الخلاف على الفقرة أو الفقرات وأسباب الاعتراض والتحفظات الخاصة بها، على أن يُضاف ملحق خاص بكامل نصوص التحفظات والاعتراضات.

    أما في حالة الطرح الفعلي لأي موضوع فإنه قد يكون هناك تفاوت في مواقف الدول بشأنه، ويتمثل في الآتي:

1. وجود اتفاق للرأي بين الدول الأعضاء ومن ثم يُقر البند المطروح حول القضية.

2. وجود معارضة شديدة لا يمكن خلالها الوصول إلى التوافق المطلوب، ولذلك لا يقر البند المطروح دون أية إشارة أو تحديد لذلك، كما يمكن الإشارة بأنه جرى بحث الموضوع ولم يتحقق توافق الآراء بخصوصه، ومن ثم يقرر الاجتماع تأجيل بحث الموضوع إلى اجتماع تالي، أو قد يُحال إلى مستوى أعلى، وقد تُشكل لجنة خاصة لبحث الموضوع وعرضه.

3. أما في حالة وجود توافق غير كامل، أي وجود معارضة من دولة ما أو أكثر من دولة، يُسمح للمعترض بالتعبير عن موقف بأكثر من أسلوب كالآتي:

أ. الإعراب شفوياً في قاعة الاجتماع عن تحفظها أو معارضتها.

ب. الإعراب عن التحفظ مكتوب في صورة بيان، والذي يعتبر من وثائق المؤتمر.

ج. الإعراب عن التحفظ مكتوباً على فقرة أو عدة فقرات، ويعتبر هذا الأسلوب هو السائد.

د. الإعراب عن التحفظ مكتوب بصيغة عامة على البيان النهائي ككل، خاصة بالنسبة لأية بنود لا تتفق بطريقة مباشرة أو غير مباشرة مع المبادئ والأهداف السياسية للدولة العضو.

        مما سبق نجد أن حركة عدم الانحياز عند اتخاذها لأسلوب توافق الآراء والحوار والتشاور الهادف، من العوامل التي أدت إلى الحفاظ على استمرار وحدتها وتعاونها وتضامنها، كما أدى ذلك إلى تزايد أعضاء الحركة، وتنوع اتجاهاتها، خاصة مع تطور مبدأ أو أسلوب الإعراب عن التحفظات، مما انعكس في النهاية على وضوح خصوصيتها وذاتيتها في الإطار العام للحركة السياسية الدولية.

رابعاً: تقويم وتحليل معايير سياسة حركة عدم الانحياز:

    كان وعي وفهم الشعوب الأفريقية والآسيوية وبعض دول أمريكا اللاتينية بطبيعة وأبعاد النسق الدولي، قد ساعد على ظهور العالم الثالث على الساحة الدولية خلال الفترة من عام 1959م إلى عام 1960م، والذي أدى إلى ظهور فكرة الحياد الإيجابي، وتحدد منهاجها في المؤتمر الأفرو ـ آسيوي الأول بباندونج عام 1955م، وفي المؤتمر التحضيري الذي عقد في القاهرة في يونيه 1961م توطئة لعقد المؤتمر التأسيسي الأول، ثم تحدد مفهوم عدم الانحياز والذي تبلور خلاله ثلاثة مبادئ أساسية تشترط الانضمام الدولي إلى حركة عدم الانحياز، وخلال انعقاد مؤتمر بلجراد التأسيسي عام 1961م وُضعت أول مقاييس ومعايير للدول غير المنحازة وهي ما أطلق عليها الإعلان الخماسي، ومن تحليل مقاييس ومعايير الإعلان الخماسي يتضح الآتي:

1. إن سياسة التعايش السلمي هي سياسة الحياد السياسي وليس الحياد القانوني، لأنه من الناحية السياسية فالتعايش السلمي لا يقوم على أية التزامات أو نص قانوني، كما أنه لا يرفض التحالفات والمعاهدات العسكرية، إلا أن هدف سياسة التعايش السلمي هو عدم اللجوء لاستعمال القوة في العلاقات الدولية، أما هدف عدم الانحياز هو المحافظة على السلم الدولي والتعايش السلمي عن طريق رفض الدخول أو الانضمام إلى الأحلاف العسكرية، ورغم هذه الفروق الواضحة بينهما فإن اعتبارهما كمقياس للدول غير المنحازة بهذه الصورة لا تفسر بوضوح سياسة عدم الانحياز كما لا تحدد الفروق بينهما في كثير من الجوانب.

2. إن حركة عدم الانحياز بتأكيدها على مساندة وتأييد حركات التحرر الوطني تكون قد اختلفت في توجهاتها عن دول الحياد التقليدي فيما يخص حركات التحرر الوطني والقومي، حيث تعتبرها دول الحياد التقليدي نزاعات داخلية، حيث يبنى موقفها على التمييز بين الوضع القانوني الداخلي، والوضع القانوني الخارجي وفقاً للقانون الدولي العام، الذي يعتبر عائقاً أمام حركات التحرر الوطنية، خاصة وأن هذا القانون من وضع الدول والقوى الاستعمارية.

3. إن معيار الامتناع عن الدخول في الأحلاف بمحض الإرادة يعني أن القبول المفروض مسموح به، بينما القبول دون ممارسة ضغوط خارجية معينة يعتبر مرفوضاً، ومن ثم يوجد في العديد من دول عدم الانحياز قواعد عسكرية لحلف شمال الأطلسي، كذلك كان يوجد العديد من الخبراء والمستشارين السوفيت في العديد من هذه الدول.

4. إن معيار رفض التحالفات الثنائية حدد هذه التحالفات بألا تُجرى مع دول كبرى، ولكنه لم يمنع قيام تحالفات فيما بين دول عدم الانحياز، ولقد كان هناك العديد من المعاهدات بين الاتحاد السوفيتي وبعض دول عدم الانحياز، التي كانت تؤكد أن إبرام هذه المعاهدات لا يعني تخليها عن سياسة عدم الانحياز، كما كان ينص عليها في المعاهدات نفسها، كذلك يؤخذ على هذا المعيار عدم تحديده الدقيق لنوع وطبيعة المعاهدات التي أشار إليها هذا المقياس.

5. يعتبر مقياس عدم الدخول في أية تحالفات عسكرية في إطار النزاعات بين القوى الكبرى، هو التوجه الأساسي لسياسة عدم الانحياز، ومن ثم تتضح أهميته، ويلاحظ الالتزام الواضح لدول عدم الانحياز بهذا المقياس حيث أنه لم يكن هناك دولة من دول عدم الانحياز عضو في الأحلاف العسكرية التابعة للقوى الكبرى مثل حلف شمال الأطلسي أو حلف وارسو قبل حله.