إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / منظمات وأحلاف وتكتلات / حركة عدم الانحياز





الهيكل التنظيمي




المبحث الرابع

المبحث الخامس

تقويم مسيرة حركة عدم الانحياز منذ مؤتمر القمة الثامن

أولاً: مؤتمر القمة الثامن لحركة عدم الانحياز في هراري

    عُقد المؤتمر الثامن في مدينة هراري عاصمة زيمبابوي في الأول من سبتمبر 1986م، بهدف الإعراب عن حرص الحركة على متابعة نضالها من أجل تحقيق التصفية الكاملة للاستعمار، وكذلك تأكيدها على مواصلة الدعم للقضاء على الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، واستمر المؤتمر لمدة ستة أيام، جرى خلالها الاحتفال بالذكرى الخامسة والعشرين لتأسيس حركة عدم الانحياز، وكذلك إصدار إعلان خاص بجنوب أفريقيا، وتوجيه نداء لكل من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي للحد من سباق التسلح، وتخلل جلسات المؤتمر هجوم الرئيس الإيراني على العراق خلال الكلمة التي ألقاها، وتحديده لشروط إنهاء الحرب وطالب بالتعويضات، كذلك كان موقف الزعيم الليبي معمر القذافي الذي هاجم حركة عدم الانحياز ووصفها بالعجز والشلل، كذلك لم تُطرح مشكلة عضوية الصحراء الغربية على المؤتمر، لتجنب حدة النقاش وإضافة المزيد من مظاهر الانقسام بين صفوف الحركة.

    تضمنت وثيقة المؤتمر الاقتصادية على استعراض حالة الاختلال وعدم التوازن في الوضع الاقتصادي الدولي، وتأكيد ضرورة إعادة تشكيل النظام الاقتصادي الدولي ليقوم على أساس المساواة في السيادة والعدالة والتكافؤ والمصلحة المشتركة والنفع المتبادل، وأكد المؤتمر على العلاقة بين السلام ونزع السلاح والتنمية، وأهمية الدخول في المفاوضات العالمية لإقامة نظام اقتصادي دولي جديد، كما أعرب المؤتمر عن قلقه من الانخفاض الحاد في أسعار السلع الأساسية وظهور الاتجاهات الحمائية، وانخفاض معدل المساعدة الإنمائية الرسمية وتفاقم مشكلة الديون الخارجية، وضرورة إجراء الحوار بين الشمال والجنوب، كما أعرب المؤتمر عن قلقه للتباطؤ في تنفيذ ما تضمنه ميثاق حقوق الدول وواجباتها الاقتصادية والقصور في تحقيق أهدافه الإستراتيجية الإنمائية، كما وافق المؤتمر على إنشاء لجنة وزارية دائمة للتعاون الاقتصادي.

    كما أكد المؤتمر على أهمية التنسيق بين مجموعة السبعة والسبعون وبين مجموعة الأربعة والعشرون ومجموعة العشرة المتعلقة بالنظام النقدي الدولي، (أُنظر جدول مجموعات اقتصادية مطلوب أن تنسق حركة عدم الانحياز معها)، وزيادة نسبة أصوات الدول النامية ومستوى مشاركتها في عملية صنع القرار الخاص بالمؤسسات النقدية والمالية، وربط حصص حقوق السحب الخاصة باحتياجات التنمية، وضرورة إدخال تعديلات كبيرة في معاييره المشروطة الخاصة بصندوق النقد الدولي، كما ناشد المؤتمر الدول المانحة لزيادة المساعدة الإنمائية الرسمية وتعزيز دور البنك الدولي، كذلك أوضح المؤتمر المخاطر والتهديدات التي تتعرض لها تجارة الدول النامية وتدهور أسعار السلع، وأكد ضرورة دعم الاتفاقات السلعية القائمة، عن طريق التعاون بين الدول المنتجة والدول المستهلكة، كما تعرض المؤتمر لقضايا الأغذية والزراعة والطاقة والعلوم والتكنولوجيا والتصنيع والاتصالات السلكية واللاسلكية، والسيادة على الموارد الطبيعية وقانون البحار والشركات غير الوطنية والبيئة، ودور المرأة في التنمية الدولية لإيواء المشردين والتصحر وتقديم المعونة لضحايا الجفاف، وحالة اللاجئين والمشردين في أفريقيا، والأحوال المعيشية المتدنية للفلسطينيين في الأراضي المحتلة، وكذلك قضايا التعاون بين الدول النامية.

ثانياً: مؤتمر القمة التاسع لدول عدم الانحياز في بلجراد

    عُقدت القمة التاسعة لدول عدم الانحياز في العاصمة اليوغسلافية بلجراد خلال الفترة من 4 - 7 سبتمبر 1989، ودُرست خلالها مشروعات قرارات سياسية تناولت بؤر الأزمات في العالم، ومن بينها الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية ومشكلات لبنان وقبرص وأمريكا اللاتينية، وكذلك الأزمات التي تواجه أفريقيا ودول العالم الثالث وخاصة مشكلات جنوب أفريقيا والوضع الاقتصادي المتأزم في القارة، ومشكلة الأغذية والزراعة ومشكلة البلدان الأقل تطوراً، والتعاون بين الدول النامية، كما جرى مناقشة تأثير النفقات العسكرية الضخم وأعباء الديون للدول النامية وانعكاسها على مجالات التنمية للدول الفقيرة، وأهمية الدعوة إلى نزع السلاح الكامل خاصة من جانب الدول الكبرى، ووقف التجارب النووية لتدعيم الأمن الدولي، وتعزيز دور البنك الدولي والبنوك الإنمائية الإقليمية في تمويل المشروعات الإنمائية لدول حركة عدم الانحياز، ومساعدة الدول المدينة في التخلص من أعباء ديونها الخارجية، باعتبارها أكبر معوق لحركة تنميتها اقتصادياً واجتماعياً، ومنح دول عدم الانحياز الفرصة للمشاركة في مشروع وقف اختلال التوازن البيئي، وفي إطار أعمال اللجنة السياسية المنبثقة عن قمة عدم الانحياز، جرى مناقشة تأسيس تجمع لخبراء ومؤرخي التاريخ والثقافة في دول عدم الانحياز، يكون هدفه ومهمته دراسة التطورات السياسية في العالم على ضوء الانفراج بين القوتين العظميين.

    وبعد مناقشات استمرت أربعة أيام أنهى قادة دول عدم الانحياز مؤتمرهم بإصدار عدد من الأوراق السياسية والاقتصادية، إضافة إلى البيان الختامي حول القضايا التي تناولتها جلسات المؤتمر، وطالب خلالها القادة ورؤساء الوفود بضرورة تدعيم دور حركة عدم الانحياز في تعزيز الأمن والسلام الدولي، ودعم الانتفاضة الفلسطينية، والمطالبة بتحقيق سلام شامل وعادل ودائم، وتأييد موقف منظمة التحرير الفلسطينية والدعوة إلى استمرار الحوار بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية، كذلك طالبت الرئاسة الأمريكية بالتأثير على إسرائيل لقبول مبادرات السلام الفلسطينية، كذلك أكد المؤتمر على ضرورة ضمان حرية الأراضي المقدسة، والدعوة إلى عقد مؤتمر دولي للسلام تحت رعاية الأمم المتحدة وبمشاركة جميع الأطراف، ووضع الأراضي العربية المحتلة تحت إشراف دولي كجزء من عملية السلام الشامل بمنطقة الشرق الأوسط، كما أعرب المؤتمر عن قلقه إزاء تدهور الوضع في الشرق الأوسط نتيجة استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية والجولان السوري والأراضي العربية الأخرى، وأكد المجتمعون على اقتناعهم بأن القضية الفلسطينية هي لُب الصراع العربي ـ الإسرائيلي، وطالبوا بالسلام العادل الشامل القائم على أساس انسحاب إسرائيل الكامل من كافة الأراضي الفلسطينية، وأدانوا إنشاء المستوطنات الإسرائيلية. وطالب المؤتمر في بيانه إلى أهمية قيام إسرائيل بتغيير موقفها وقبول مبادرات السلام الفلسطينية، مع الحفاظ على أمن جميع الدول في المنطقة بما فيها دولة فلسطين، وكذلك حل مشكلة اللاجئين على أساس قرار الجمعية العامة الرقم 194 الصادر في 11 ديسمبر 1948م.

    وأكد المؤتمر في بيانه على ضرورة التوصل إلى وقف إطلاق النار بصورة دائمة وفورية في لبنان من أجل توفير المناخ المناسب لعمل مؤسسات الدولة اللبنانية، وطالبوا بتنفيذ قرارات مجلس الأمن التي تدعو إلى انسحاب القوات الإسرائيلية. كما أعرب البيان عن تضامن دول عدم الانحياز مع الشعب اللبناني، وأيد تحقيق الوحدة والسيادة الكاملة للدولة اللبنانية، وفيما يتعلق بالنزاع بين العراق وإيران طالب المؤتمر كلا من الدولتين بإجراء التفاوض لإنهاء أسباب النزاع والتوتر بين البلدين، كذلك طالبت دول عدم الانحياز من المجتمع الدولي تقديم الدعم السياسي والمالي لحركات التحرير المكافحة ضد نظام التمييز العنصري، وأيدوا كل من أنجولا وموزمبيق في مواقفهم من أجل تحقيق السلام في أفريقيا الجنوبية، كما أعربوا عن ارتياحهم لبدء تطبيق مخطط الأمم المتحدة من أجل استقلال ناميبيا، وأعرب قادة حركة عدم الانحياز عن أهمية القضاء على التمييز العنصري في جنوب أفريقيا، كما أيدوا الحوار بين الأطراف المتنازعة في قبرص، وطالبوا بالانسحاب الفوري لقوات الاحتلال والمستوطنين وعودة اللاجئين إلى ديارهم، كذلك أعرب بيان القمة التاسعة لدول عدم الانحياز عن أهمية استكمال انسحاب القوات السوفيتية من أفغانستان، ودعوا كل الأطراف المعنية بالمشكلة إلى مواصلة وتكثيف جهودهم لتحقيق تسوية عادلة تقوم على تنفيذ اتفاقيات جنيف.

    أما القرارات الاقتصادية لمؤتمر قمة دول عدم الانحياز، أكد البيان على أهمية دعم التعاون الاقتصادي بين الدول النامية، وخاصة دول عدم الانحياز، على أساس برنامج العمل للتعاون الاقتصادي، وكذلك برنامج عمل يتركز على مجموعة السبعة والسبعون، كما أكد البيان على أهمية مشاركة المرأة في مشروعات التنمية، أما عن الوضع الاقتصادي المتأزم في جنوب أفريقيا فقد ناشد القادة المجتمع الدولي التعديل الفعلي لبرنامج عمل الأمم المتحدة من أجل الإنعاش الاقتصادي والتنمية في أفريقيا، أما في مجال العلوم والتكنولوجيا، أكد المؤتمر في بياناته حتمية الدعم الدولي للجهود التي تبذلها الدول النامية من أجل تحقيق مزيد من التنمية التكنولوجية، كذلك طالب المؤتمر ببذل المزيد من الجهود لمصلحة المنتجين والمستهلكين معاً في إطار مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، والتوصل إلى اتفاقات تحقق استقرار السوق والأسعار ودعم التسهيلات التجارية القائمة، كما أيد المؤتمر الدعوة إلى عقد دورة للجمعية العامة للأمم المتحدة في أبريل 1990م للتخطيط للتعاون الاقتصادي، وأن تعمل على تحقيق اتفاق حول المشاكل التي تواجه الدول النامية وأسلوب مواجهتها.

ثالثاً: مؤتمر القمة العاشر لحركة عدم الانحياز في جاكرتا

    عُقد مؤتمر القمة العاشر خلال الفترة من 1 - 6 سبتمبر 1992م، في إطار مناخ دولي جديد، حيث انهار نظام القطبية الثنائية، كذلك أصبحت دول العالم الثالث مهددة بالتهميش والاستبعاد أكثر مما كانت عليه، خاصة بعد التقدم التكنولوجي والصناعي مما أدى إلى تناقص الطلب على ما تنتجه هذه الدول من المواد الأولية، فضلاً عن أن التجارة والاستثمار أصبح لا يوفر القدر اللازم من الأمان المطلوب، كذلك لا يحقق الربح الذي تسعى إليه الدول المستثمرة، ومع الانقسام الذي أخذت تشهده دول العالم الثالث والاختلافات المتباينة فيما بينها، ورغم أن بعض الدول استطاعت الخروج من حالة التخلف، إلا أن الغالبية العظمى أصبحت أكثر تخلفاً مما أدى إلى مزيد من تهميشها وإهمالها سياسياً واقتصادياً، كذلك بدأت حالة من الصراعات الداخلية والحركات الانفصالية تهدد العديد من مناطق العالم الثالث، في إطار هذه الظروف عقدت القمة العاشرة وصدر عنها رسالة جاكرتا، ولقد بلورت هذه الوثيقة توجه الحركة في الظروف العالمية الجديدة، مما يمكن أن يجعلها أساساً صالحاً لوضع إطار جديد للحركة.

    رأت وثيقة جاكرتا أن الوقت الحالي الذي يشهد تغيرات غير محدودة وإن كان يبشر بآمال كبيرة، إلا أنه في ذات الوقت يذخر بالعديد من التحديات والتهديدات، فلم يتحقق حتى الآن السلم والعدل والأمن، فالصراعات المحلية والإقليمية والدولية مازالت مستمرة، والاحتلال والسيطرة والهيمنة أصبحت من سمات هذه المرحلة، كذلك تأكدت سياسة التدخل في الشؤون الداخلية للعديد من الدول، كما تعددت أشكال وحالات النزاع العرقي والتعصب الديني، والنزعة القومية ضيقة الأفق، ولقد انعكست كل هذه العوامل كعقبات اعترضت سبيل تعايش الدول والشعوب في ظل الوئام الذي كان منشوداً، وأصبحت السياسة التي كانت تنتهجها حركة عدم الانحياز ورفضها للاستقطاب الدولي وحققت لدول عدم الانحياز الابتعاد عن الصراع بين المعسكرين، ولكن الاستقطاب الثنائي بعد أن بدأت تخف حدته تدريجياً مع سياسات الوفاق، ثم اختفي نهائياً مع تفكك الاتحاد السوفيتي وانهيار المعسكر الشرقي، ومن ثم لم يعد هناك معسكرين تقف بينهما حركة عدم الانحياز، مما بدا معه أن الحركة فقدت مبررات وجودها.

    وفي مواجهة هذه المشكلات حددت رسالة جاكرتا أهمية ارتكاز النظام العالمي على أساس ثابت من حكم القانون الدولي ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، وكذلك على المسؤولية المشتركة وبصورة منصفة والالتزام بالتعاون والتضامن العالميين، كما أكدت على ضرورة أن تكون بنية النظام الدولي في مرحلته القادمة تهدف إلى تحقيق السلم والعدل والأمن والتنمية والديمقراطية داخل الدول وكذلك فيما بينها، كما تعزز الحقوق والحريات الأساسية للفرد والأمم على السواء، مع كفالة احترام سيادة الأمم والتمسك الشديد بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.

    حددت قمة جاكرتا موقفها حيال القضايا الدولية مثل المشكلة الفلسطينية، والفصل العنصري، والحد من التسلح النووي، والتنمية الاقتصادية والاجتماعية حيث أكدت تأييدها ودعمها الثابت للكفاح المشروع للشعب الفلسطيني من أجل تقرير المصير والاستقلال وتحرير الأراضي المحتلة، كما طالبت بانسحاب إسرائيل من جميع الأراضي العربية المحتلة بما فيها القدس، كما أيدت مساعي السلام والوصول إلى تسوية عادلة ودائمة للقضية الفلسطينية، استناداً إلى مبادئ وقرارات الأمم المتحدة، كما شددت قمة جاكرتا على أهمية النمو الاقتصادي والاجتماعي وعلى حقيقة أن كلا من النفقات العسكرية العالمية والهياكل الدولية الجائرة والعلاقات غير المتكافئة أسفرت عن تفاوتات عميقة ومظالم غير مقبولة ستظل توسع من الفجوة بين الدول المتقدمة والنامية، ولذلك طالبت بمواجهة البيئة الاقتصادية الخارجية غير المواتية، التي تتسم بانعدام التكافؤ في العلاقات الاقتصادية بين الشمال والجنوب، كما طالبت قمة جاكرتا كذلك بالاهتمام بتعزيز التعاون متعدد الأطراف من أجل التنمية، وأهمية التعاون بين دول الجنوب، وإقامة أشكال محددة وعملية من التعاون في المجالات المختلفة، مع تحديد الوسائل الكفيلة بوضعها موضع التنفيذ، كما أيدت تنسيق جهود حركة عدم الانحياز مع مجموعة السبعة والسبعون من خلال إقامة لجنة تنسيق مشتركة لهذا الغرض.

    ركزت وثيقة رسالة جاكرتا على القضايا العالمية ذات الأهمية الخاصة، والتي تمثلت في دعم حقوق الإنسان والحريات الأساسية والاتجاه المتنامي نحو الديموقراطية، وحماية البيئة وتدعيم التنمية الاجتماعية، كذلك أكد المؤتمر على الدور المحوري والأساسي الذي تقوم به الأمم المتحدة، باعتبارها التجسيد العالمي للتعددية والمكان الذي تعبر فيه حركة عدم الانحياز عن آرائها، ومن ثم أكدت الحركة على أهمية دعم الأمم المتحدة وتأييد دورها المتنامي في حفظ السلام والأمن الدوليين واحترام القانون الدولي.

رابعا: مؤتمر القمة الحادية عشرة لحركة عدم الانحياز في قرطاجنة

    عُقدت القمة الحادية عشرة لدول عدم الانحياز قى قرطاجنة بكولومبيا خلال الفترة من 18 - 20 أكتوبر 1995، وتركزت أعمالها حول إعادة تجديد دور الحركة وتطوير أساليب مكافحة الفقر والعنف والإرهاب، كذلك عرض أسلوب التفاعل بين حركة عدم الانحياز والمتغيرات الدولية مع المحافظة على مبادئها، ولقد طالب زعماء الحركة خلال مؤتمرهم إلى ضرورة إصلاح مجلس الأمن الدولي من أجل منح الدول النامية صلاحية اتخاذ القرار في الشؤون الدولية، وتغيير أسلوب احتكار السلطة في مجلس الأمن من جانب الدول الكبرى، كما أكد المؤتمر على ضرورة مكافحة الإرهاب بكل أشكاله، كما طالب إسرائيل بالتخلي عن أسلحتها النووية والانضمام إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، كما أعلنت القمة في بيانها إلى أن دول عدم الانحياز لن تقبل محاولات إقصائها من عملية توسيع عضوية مجلس الأمن. إلا أنه من الملاحظ خلال هذه القمة فشل جمهورية البوسنة والهرسك في الانضمام لحركة عدم الانحياز، بسبب معارضة بعض الدول الأفريقية رغم وجود تأييد عربي قوي لانضمامها، إلا أن الدول الأفريقية بقيادة زيمبابوي نجحت في تأجيل قرار الانضمام، ولقد وصل عدد أعضاء حركة عدم الانحياز خلال انعقاد القمة الحادية عشر إلى مائة وثلاث عشر عضواً بينما شارك خمسة وثلاثون دولة بصفة مراقب.

    بذلك تكون القمة الحادية عشر لدول عدم الانحياز خلال بيانها قد بدأت تتجه نحو المسار الصحيح لعملها في المناخ الدولي المتغير، غير أن قدراتها محدودة على تحقيق مبادئها وأهدافها إلى سياسات وإجراءات محددة، وهو ما سوف يحدد مستقبلها في مراحل تطورها التالية، ومن ثم فإن عملية تحويل الخطط العامة إلى إطار جديد للحركة تعمل من خلاله الانتقال بفكرة اللا انحياز بين المعسكرين الشرقي والغربي إلى فكرة تقوم على الحوار المتكافئ بين الشمال والجنوب، ويكون ذلك بتنسيق متكامل مع مجموعة السبعة والسبعون حتى يمكن بناء تجمع فعال ومتماسك يحقق الحماية لمصالح دول الجنوب، كذلك وضح أهمية التركيز على الدور الاقتصادي للحركة، مع الاستفادة من خبرات دول العالم الثالث لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وكذلك أهمية التعاون بين أعضاء حركة عدم الانحياز لتحقيق مزيد من التقدم العلمي والتكنولوجي ومواكبة التطورات العالمية، ويهدف هذا التعاون تضييق الفجوة المتزايدة بين الشمال والجنوب.

خامساً: القمة الثانية عشرة لحركة عدم الانحياز في ديربان

    عُقدت القمة الثانية عشر لدول عدم الانحياز يومي 2 - 3 سبتمبر 1998م، حيث مثلت منعطف واضح في مسيرتها، فبعد أن وضحت ثوابت المتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية كان لزاماً على أعضاء الحركة إعادة تقييم لمسيرة الحركة التاريخية، حيث أصبح المنعطف الدولي مغايراً تماماً لما كان عليه في مراحل نشأة الحركة ونموها، ولقد تناولت القمة خلال مباحثاتها العديد من القضايا والمشاكل كان في مقدمتها الضربات الأمريكية التي وجهتها الولايات المتحدة الأمريكية لكل من السودان وأفغانستان، وإعادة هيكلة وتنظيم الأمم المتحدة وخاصة مجلس الأمن، كذلك نُوقشت الأوضاع الداخلية في الكونغو الديموقراطية ومنطقة البحيرات العظمى، وكذلك عملية السلام في الشرق الأوسط، والعقوبات الاقتصادية والحظر المفروض على كل من العراق وليبيا، كما جرى بحث موضوع التوتر بين الهند وباكستان، والتحولات الاقتصادية ومشاكلها في أعقاب الأزمة المالية الآسيوية.

    وصدر عن القمة الثانية عشر إعلان ديربان بتبنيها 514 قراراً ترسم نهجاً جديداً لهوية ودور الحركة في المرحلة الحالية، كما يحدد سياستها للقرن الحادي والعشرين ويعكس فهماً بحجم المتغيرات الدولية الجديدة، فقد طالبت بالعمل على احتلال موقع الصدارة في ثورة عالمية جديدة، كما طالبت بعقد مؤتمر دولي للإرهاب تشرف عليه الأمم المتحدة، لتحرير أسلوب منسق لمواجهة كافة أشكال الإرهاب، كما أعرب المؤتمر عن القلق الذي تستشعره دول الحركة حيال تطور الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل، خاصة بعد التجارب النووية التي جرت في آسيا خلال شهري مايو ويونيه 1998م، كما أكد إعلان ديربان على خطورة وشمولية البيئة الاقتصادية العالمية التي أدت إلى تهميشاً متزايداً للعديد من الدول النامية، وطالبت بقيام شراكة وإجراء حوار هادف وبناء بين الشمال والجنوب، كما تبنت حركة عدم الانحياز خلال المؤتمر سياسة تحديد العقوبات الدولية لفترة محدودة وعلىأسس شرعية، كما اعترف رؤساء دول وحكومات حركة عدم الانحياز بوجود انقسامات داخل الحركة حول إصلاح وتوسيع مجلس الأمن في الأمم المتحدة، إلا أنهم أكدوا على أن الإصلاح لابد أن يأخذ في الاعتبار الحاجة الماسة إلى الشفافية والديموقراطية في أساليب عمله، كما أعربت عن أسفها لما تعرض له السودان من اعتداء أمريكي، كما أصدرت القمة بياناً يؤيد الموقف الليبي في قضية لوكيربي، ويطالب بتوفير ضمانات عادلة للمتهمين في القضية، كما طالب المؤتمر بأهمية امتثال العراق لقرارات مجلس الأمن مع المطالبة برفع العقوبات عنه، ولقد تعهد الرئيس الجديد لحركة عدم الانحياز نيلسون مانديلا بأن تترجم هذه القرارات إلى إجراءات فعلية.

سادساً: القمة الثالثة عشرة لحركة عدم الانحياز، في كوالالامبور

عُقدت القمة الثالثة عشرة لدول عدم الانحياز، يومَي 25 و26 فبراير 2003، في كوالالامبور، عاصمة ماليزيا. وحضرها زعماء 114 دولة. وقد واجهت العديد من المشاكل والتحديات، التي أثرت في العديد من الدول الأعضاء في الحركة. كما اتضح اختلاف مواقف دول حركة عدم الانحياز وتبايتها، تجاه العديد من المشكلات الدولية. فعلى الرغم من معارضة القمة للحرب، التي كانت تستعد الولايات المتحدة الأمريكية لشنها على العراق إلا أن المؤتمرين طالبوا، في بيانهم الختامي، بضرورة التزام العراق قرارات الأمم المتحدة، الخاصة بنزع أسلحته. وعلى خلاف ما كان متوقعاً، في شأن الوصول إلى صيغة توافقية حول العراق، فقد تخلت بغداد عن مطالبها الأساسية، الداعية إلى إدانة الدول، التي تقدم مساعداتها أو تسهيلاتها للقوات الأنجلو ـ أمريكية، التي تستعد للعدوان؛ وهي الصيغة التي كانت تعترض عليها كلّ من الكويت وقطر. وقبل العراق، في المقابل، صيغة أكثر اعتدالاً، نصت على ترحيب الحركة بالقرار، الذي اتخذه العراق، تسهيل العودة غير المشروطة لمفتشي منظمة الطاقة الذرية، والتعاون معهم، في إطار القرار الدولي الرقم 1441، والذي يؤكد على نزع أسلحة الدمار الشامل العراقية.

كذلك اتُّفِق على دعم القضية الفلسطينية؛ وإدانة التوسع الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية وقطاع غزة؛ والمطالبة بمحاكمة الإسرائيليين، المتهمين بارتكاب جرائم حرب، في الأراضي الفلسطينية المحتلة؛ وضرورة اتخاذ الإجراءات اللازمة لوقف أعمال العنف، التي ترتكبها القوات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، وحِسبانها جزءاً من جرائم الحرب، بموجب اتفاقية جنيف الرابعة. كما طالب البيان الختامي إسرائيل بالانسحاب من المدن الفلسطينية، إلى المواقع التي كانت فيها، في 28 سبتمبر 2000؛ تمهيداً لاستئناف المسيرة السلمية، والوصول إلى سلام عادل، وشامل، على أساس الانسحاب الكامل من الأراضي: الفلسطينية والعربية، المحتلة منذ عام 1967، بما في ذلك القدس الشرقية.

كذلك انتقل اهتمام القمة إلى المسألة الكورية الشمالية، التي كانت نقطة خلاف رئيسية، وبدت كأنها مشكلة مستعصية على الحل، وخاصة بعد رفض وفد بيونج يانج كلّ الصيغ التوفيقية، التي طُرحت للمناقشة، إذ أكدت رفضها العودة لإخضاع منشآتها النووية لتفتيش منظمة الطاقة الذرية، وطالبت بعقد معاهدة عدم اعتداء مع الولايات المتحدة الأمريكية، تكون صيغة للخروج من الأزمة. وفي الوقت نفسه، كان هناك تصميم من الدول الآسيوية، الأعضاء في حركة عدم الانحياز، على ضرورة تراجع كوريا الشمالية عن قرارها، الانسحاب من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية؛ ولذلك، طالبها البيان الختامي للقمة الثالثة عشرة بإعادة النظر في قرارها ذاك. وفي المقابل، استمعت الدول الأعضاء لشكاوى كوريا الشمالية، في شأن السياسة الأمريكية تجاهها.

وكانت الولايات المتحدة الأمريكية، وكوريا الجنوبية، قد شاركتا في جهود لدعم مواقف الدول، التي طالبت بتراجع كوريا الشمالية عن مواقفها المتعنتة، إذ أوفدت واشنطن وفداً خاصاً، للمشاركة في القمة (بصفة مراقب). كذلك أوفدت سيول وفداً مماثلاً، برئاسة مبعوث خاص، بدرجة سفير.

سابعاً: القمة الرابعة عشرة لحركة عدم الانحياز، في هافانا

أكدت القمة الرابعة عشرة لحركة عدم الانحياز، التي عُقدت يومَي 15 و16 سبتمبر 2006،  في العاصمة الكوبية، هافانا، وحضرها 118 عضواً، في إعلان، أصدرته في ختام أعمالها، حق الشعوب كافة في تقرير مصيرها، وحقها في تنسيق أعمال وإستراتيجيات، تمكّن دولها من المواجهة المشتركة لكلّ ما يهدد السلم والأمن الدوليَّين بما في ذلك أعمال التهديد والعدوان والاحتلال الأجنبي، أو أيّ انتهاك آخر للسلم تقترفه دولة واحدة، أو جماعة من الدول.

كما أكد الإعلان، الذي صدر تحت عنوان: "أهداف ومبادئ حركة عدم الانحياز ودورها في الوضع الدولي الراهن"، ضرورة مواصلة الجهود، لتحقيق نزع شامل للسلاح النووي، وإقامة مناطق منزوعة السلاح في ظل مراقبة دولية صارمة، وفعالة. كما طالب الإعلان جميع الدول بالامتناع عن ممارسة الضغوط على دول أخرى، أو فرض إجراءات أحدية الجانب؛ لكون هذه الإجراءات، تتعارض مع مبادئ القانون الدولي.

وأعرب الإعلان عن رفض الإرهاب، بكافة أشكاله وصوره؛ مؤكداً وجوب عدم حسبان كفاح الشعوب، الخاضعة للاحتلال الأجنبي أو الاستعمار، من أجل تقرير المصير مرادفاً للإرهاب. كما أكد البيان رفض التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية للدول، وخاصة محاولات بعض الدول تغيير أنظمة الحكم في دول أخرى، أو رفض الاعتراف بالحكومات المنتخبة انتخاباً ديموقراطياً.

ولمواجهة مشكلة الصحراء الغربية، طالب البيان الختامي للحركة بضرورة التعاون الكامل مع الأمين العام للأمم المتحدة، ومبعوثه الشخصي، من أجل التوصل إلى حل سياسي، يوافق عليه جميع أطراف المشكلة. وكانت حركة عدم الانحياز، قد عهدت بمشكلة الصحراء الغربية إلى الإطار الدبلوماسي، إذ كانت مدرجة، منذ سنوات عديدة، في أعمال الأمم المتحدة، بصفتها المنتدى الأكثر أهلية لمناقشة قضايا السلام والأمن في العالم؛ وذلك لتفادي الازدواجية في معالجة المشاكل: الدولية والإقليمية. ولم يشر البيان الختامي، خلافاً لرغبة الجزائر، إلى وثيقة دوربان (2004)، ولا إلى مخطط التسوية، ولا إلى مخطط السلام بيكر الثاني؛ ومن ثَم، فبإقرار هذه الوثيقة، تكون حركة عدم الانحياز، قد تخلت، للمرة الأولى منذ عام 1991، عن الإحالة على مخطط التسوية الدولي، بصفته حلاً لقضية الصحراء.

كما صدر عن القمة وثيقة ختامية، أكدت تصميم دول حركة عدم الانحياز على عدم تبني، أو تنفيذ إجراءات أحدية الجانب، وخاصة العقوبات الاقتصادية، أو القيود، التي تستهدف ممارسة ضغوط على دول حركة عدم الانحياز؛ إضافة إلى احترام سيادة الدول ووحدة أراضيها، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية. وطالبت الدول المستعمرة بدفع تعويضات كاملة عن الأضرار: الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، الناجمة عن الاحتلال.

طالبت الوثيقة كذلك إسرائيل بالانضمام الفوري إلى معاهدة حظر الانتشار النووي، ووضع منشآتها النووية كافة تحت نظام الضمانات الشاملة، للوكالة الدولية للطاقة الذرية، ووفقاً لقرار مجلس الأمن، الرقم 487، لعام 1981. وفي هذا الإطار، عبَّر قادة دول حركة عدم الانحياز عن قلقهم من حيازة إسرائيل للقدرات النووية. كما رحبوا بالمبادرات، الرامية إلى إنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل، في الشرق الأوسط، وفي مقدمتها الأسلحة النووية؛ منوهين بمشروع القرار، الذي كان مقدماً من سورية، باسم الجماعة العربية، إلى مجلس الأمن، في 29 ديسمبر 2003؛ لتحويل منطقة الشرق الأوسط إلى منطقة خالية من الأسلحة النووية.

كما عبَّر قادة حركة عدم الانحياز عن قلقهم العميق من فرض الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات أحدية الجانب على سورية. ورأوا أن ما سُمي بقانون محاسبتها مخالف لمبادئ القانون الدولي، وانتهاك لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة وأهدافه. وطالبوا الإدارة الأمريكية بإعلان إلغاء ذلك القانون وبطلانه؛ بل طلبوا منها بدء حوار مع دمشق، على أساس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.

كما دان قادة حركة عدم الانحياز العدوان الإسرائيلي على لبنان، وأعلنوا تأييدهم ودعمهم لهذا البلد. وأشادوا بمقاومته البطولية. وأكدوا قناعتهم التامة بوجوب عدم التسامح مع الخروقات الإسرائيلية للقانون الدولي، وحقوق الإنسان. وطالبوا إسرائيل بتعويض الحكومة اللبنانية، والشعب اللبناني. كما أكد قادة دول الحركة ضرورة حل النزاع العربي ـ الإسرائيلي، وفقاً لقرارات الأمم المتحدة. وأعلنوا تأييدهم لأيّ مبادرة استثنائية، تؤدي إلى سلام عادل، وشامل، في الشرق الأوسط، يوافق مبادرة السلام العربية على مضمونها. كذلك طالب البيان الختامي إسرائيل بالانسحاب الكامل من الجولان السوري المحتل، إلى حدود الرابع من يونيه 1967.

وأكد رؤساء دول وحكومات حركة عدم الانحياز حق الدول النامية، غير القابل للتصرف، في السعي إلى إجراء أبحاث الطاقة النووية وإنتاجها للأغراض السلمية، من دون تمييز، وفقاً لما أكدته معاهدة الانتشار النووي.

كذلك أعادت وثيقة البيان الختامي تأكيد عدم جواز إلصاق الإرهاب بأيّ دين أو جنسية أو حضارة أو جماعة عرقية. وأكدت عدم جواز مساواة الإرهاب بالنضال المشروع للشعوب، الرازحة تحت السيطرة الاستعمارية والاحتلال الأجنبي، من أجل تقرير مصيرها، وتحررها الوطني.

ولقد أتاحت القمة الفرصة لإجراء حوار سلمي، بين الجانبَين: الهندي والباكستاني، اللذَين أعلنا بدء المفاوضات في مشكلة كشمير. كما أكد المشاركون، بالإجماع، أن مبادئ الحركة وأهدافها، ظلت تتمتع بحيدة كبيرة. ورأوا أنه يجب تفعيل إمكانيات الدول، أعضاء الحركة، وإذكاء حيويتها، من خلال الوحدة والتعاون والإصلاح، في ظل الأوضاع العالمية الجديدة. وكانت القمة قد انتخبت الجمهورية العربية السورية نائباً لرئيس الحركة. كما تقرر عقد القمة الخامسة عشرة المقبلة، عام 2009، في جمهورية مصر العربية.

واللافت، في القمة الرابعة عشرة، سعي كوبا إلى تحويل حركة عدم الانحياز إلى كتلة دولية، تواجه الهيمنة الأمريكية، إذ رأت هافانا أنه يجب ألا تقف الحركة مكتوفة اليدَين، عندما يتعرض أحد أعضائها لتهديد القوى الغربية، وخاصة القوة العظمى الأمريكية، أو استخدامها القوة ضده. كما أُعلن انضمام عضوَين جديدَين إلى حركة عدم الانحياز: هايتي، وتقع في نصف الكرة الأرضية الغربي؛ وسات كيتس ونيفيس، وهي دولة تتكون من جزيرتَين في البحر الكاريبي؛ وبذلك أصبح عدد الدول، أعضاء الحركة، 118 دولة.

ثامناً: تقويم مسيرة حركة عدم الانحياز

    احتدم الجدل حول جدوى حركة عدم الانحياز كعقيدة ونهجاً سياسياً بعدما أخذت تتضح معالم الوفاق الدولي مع نهاية مرحلة الحرب الباردة، وتبدلت ملامح القطبية الثنائية والاتجاه نحو نظام عالمي جديد، كما زادت حدة الخلافات بين دول حركة عدم الانحياز ذاتها ودخول بعض دول الحركة في صراع مسلح، ومن خلال تقويم مسيرة حركة عدم الانحياز نجد أن ظهورها كحركة منذ منتصف الخمسينيات والستينيات كانت متزامنة مع زيادة حركات التحرر الوطني وتمسك الدول حديثة الاستقلال بسيادتها وحريتها وعدم انحيازها لأي من المعسكرين الشرقي أو الغربي، وكان هناك ارتباط واضح بين حركة عدم الانحياز ودول العالم الثالث، وافتقرت مجموعة عدم الانحياز إلى ميثاق يحدد معايير عضويتها وإلى قيادة عليا تكون مسؤولة عن توجيهها، وكذلك عدم وجود سكرتارية دائمة يعهد إليها بمهام إدارية إجرائية، ولقد اعتمدت المجموعة عند إصدار قراراتها على أسلوب الاتفاق والتراضي بدلاً من التصويت، وهذا الأسلوب رغم أنه أكسب المجموعة مظهراً موحداً حيال اتخاذ القرارات إلا أنه غير ملزم لأعضائها، وتنعقد مؤتمرات القمة لحركة عدم الانحياز كل ثلاث سنوات حيث ينتخب رئيس المؤتمر في الجلسة الافتتاحية الذي جرى العرف على أن يكون رئيس الدولة المضيفة للمؤتمر، وفيما بين انعقاد مؤتمرات القمة يلتقي وزراء خارجية دول عدم الانحياز سنوياً في نيويورك عقب انتهاء أعمال الدورة العادية للجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة أو في أي مكان آخر حسب اتفاق مسبق، وحرصاً على إكساب مجموعة عدم الانحياز طابعاً تنظيمياً ثابت الشكل أُنشئ مكتب تنسيق لحركة عدم الانحياز عام 1973م، وبدأت عضويته من سبعة عشر دولة حتى أصبح يضم حالياً أربعة وسبعين دولة يجتمعون بصفة دورية في نيويورك بهدف تحديد أسلوب تنفيذ قرارات القمة السابقة والإعداد للقمة التالية.

تاسعاً: المراحل الأساسية التي مرت بها حركة عدم الانحياز

1. المرحلة الأولى 1961م ـ 1970م، مرحلة الاستمرار والبقاء ومواجهة التحديات

    خلال هذه المرحلة لم تقم الحركة على أسس وقواعد تنظيمية محددة بل كان يجمعها المشاكل والأزمات ومحاولات درء الأخطار الخارجية التي تهدد كيانهم كدول مستقلة ذات سيادة، ولذلك لم يكن هناك اهتمام واضح بالجوانب الإجرائية والشكلية، ولم يكن هناك برنامجاً محدداً للقاءات والاجتماعات، مكتفية في هذا الإطار على المبادرات الفردية التي كانت تتأثر بالظروف والمتغيرات العالمية المحيطة. وكان للعلاقات الشخصية الحميمة التي ربطت بين أقطاب حركة عدم الانحياز من أهم أسباب نجاح الحركة خلال نشأتها، إلا أنها تأثرت مع وفاة نهرو وإقصاء سوكارنو وأحمد بن بيلا عن الحكم، كذلك تأثرت زعامة عبدالناصر بعد هزيمة 1967م، إضافة إلى العديد من المتغيرات، كان منها تعقد مشكلة الكونغو وتصاعد حدة الحرب الفيتنامية، مما أدى إلى إحباط دول حركة عدم الانحياز، وخلال هذه المرحلة وضح أهمية دور جوزيف بروز تيتو الذي سارع بتشكيل لجنة استشارية في بلجراد عام 1969م، وأخرى في دار السلام عام 1970، تمهيداً لانعقاد القمة الثالثة لحركة عدم الانحياز في لوساكا عام 1970م، والتي من خلالها أُرسيت القواعد الثابتة والدائمة لحركة عدم الانحياز، إلا أن هذه القمة شهدت غياب جمال عبدالناصر لانشغاله بأحداث الصراع المسلح في الأردن بين الفلسطينيين والقوات الأردنية، كذلك غاب عن هذه القمة كل من نهرو ونكروما وسوكارنو، ومن ثم تراجعت خلالها فاعلية حركة عدم الانحياز.

2. المرحلة الثانية 1970م ـ 1979م، المرحلة الراديكالية

    اتسمت هذه المرحلة بالراديكالية، وكان أبرز قادتها الرئيس الجزائري هواري بومدين، وساعد على إذكاء التيار الراديكالي داخل حركة عدم الانحياز ما عانت منه دول الحركة آنذاك من تدهور اقتصادي ملموس، وتعثر مساعي استقلال أنجولا وروديسيا وناميبيا، مع استمرار سياسة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، كذلك تصاعد حدة التوتر في الشرق الأوسط ونشوب حرب أكتوبر 1973، ولقد برز الشكل السياسي الجزائري خلال هذه المرحلة حيث قدمت نموذجاً يحتذي به لأعضاء حركة عدم الانحياز من الاشتراكيين والراديكاليين، وخلال هذه المرحلة نجح بومدين من خلال نشاط دبلوماسي متميز في أن يجتمع في القمة الرابعة لدول عدم الانحياز حوالي ستة وسبعين دولة، وطالب خلالها بالتركيز على المناهضة العسكرية للاستعمار والإمبريالية، مؤكداً على أن مصدر التوتر الدولي يتجسد في الصراع بين الدول الغنية والدول الفقيرة، وليس بين الشرق والغرب، أما الزعامات المعتدلة في الحركة والتي كان في مقدمتها تيتو لم يعارضوا هذا الاتجاه. وفي مارس 1974م اجتمع مكتب تنسيق عدم الانحياز لصياغة إستراتيجية موحدة للحركة قبيل انعقاد الدورة غير العادية للجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي صدر خلالها قرار ينص على وضع برنامج عمل لتأسيس نظام اقتصادي عالمي جديد، استند مباشرة على ما تضمنه البيان الختامي لقمة الجزائر من توصيات منتقداً لما عرف باسم ميثاق الحقوق والواجبات الاقتصادية للدول باعتباره يرتب الحقوق للدول الكبرى على حين يحمل الدول النامية بالواجبات والتبعات.

    أصبحت إستراتيجية التنسيق هي الطابع الغالب على نشاط حركة عدم الانحياز مما أكسبها شكلاً تفاوضياً على الساحة الدولية خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبدأت تتضح معالم التنسيق الاقتصادي خلال مؤتمر باريس للتعاون الاقتصادي عام 1976م، حيث توحدت توجهات مجموعة عدم الانحياز ومجموعة السبع والسبعين، ومن ثم اعتبرت قمة الجزائر بداية لاتخاذ مجموعة عدم الانحياز بأسلوب التكتل الاقتراعي داخل الأمم المتحدة، وكذلك في زيادة شعور مناهض للدول الغربية والإمبريالية داخل المنظمة الدولية، وخلال هذه المرحلة كانت القمة الخامسة لدول عدم الانحياز والتي عقدت في كولومبو عام 1976م، وحضرها سبعة وثمانون دولة، إلا أنه وضح خلالها التناقض بين التوجهات الراديكالية والمعتدلة من حيث المطالبة بالإدانة الصريحة والعلنية للسياسة الأمريكية، ويرجع ذلك التناقض إلى خشية تأثير هذه الإدانة على قدرة المجموعة في مفاوضاتها المستقبلية.

3. المرحلة الثالثة 1979م ـ 1983م، مرحلة التعارض بين التوجهات المعتدلة والتوجهات الراديكالية

    شهدت هذه المرحلة تعارض بين توجهات المعتدلين بقيادة يوغسلافيا والراديكاليين بقيادة كوبا، حيث سعى كاسترو إلى صبغ حركة عدم الانحياز بالطابع الثوري ذات الاتجاه اليساري، إلا أن تيتو عمل على الاحتفاظ بالطابع التقليدي المتوازن لحركة عدم الانحياز، والتمسك بقيمها الأصلية ومبادئها التي أقرها مؤتمر باندونج وبلجراد، وخلال هذه المرحلة عُقدت القمة السادسة في هافانا عام1979م، حضره مائة دولة كاملة العضوية في الحركة إضافة إلى خمس عشرة دولة حضرت كمراقب، ووضح اتفاق أعضاء الحركة حول قضيتين أساسيتين هما استمرار عضوية مصر بعد توقيعها اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل، واستجابة للضغوط الراديكالية العربية اتُخذ قرار بتعليق عضوية مصر وإخضاعها لفترة اختبار مدتها ثمانية عشر شهراً، مع إدانة صريحة لاتفاقية السلام المبرمة بين مصر وإسرائيل. أما القضية الثانية فكانت شرعية الوفد الممثل لكمبوديا حيث تمكنت كوبا من استصدار قرار بإسقاط الشرعية عن الوفد، وبقاء مقعدها شاغراً، وفي هذه المرحلة غزت القوات السوفيتية أفغانستان في ديسمبر 1979م وأيده كاسترو، مما أدى إلى فقد كوبا فرصة تمثيل دول أمريكا اللاتينية في مجلس الأمن، كما ناهض هذا المسلك الغالبية العظمى من دول عدم الانحياز المقترعة بالموافقة على إدانة التدخل السوفيتي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة.

    بدأت عملية تحجيم الدور الكوبي وتصويب مسار حركة عدم الانحياز خلال اجتماع وزراء الخارجية لدول عدم الانحياز في نيودلهي عام 1981م، والذي اتخذ قرار بدعوة مصر لاتخاذ مقعدها في مؤتمرات الحركة المستقبلية، مع المطالبة الصريحة بانسحاب القوات الأجنبية من كمبوديا وأفغانستان، ورغم المحاولات الصادقة لرأب الصدع في مسيرة حركة عدم الانحياز، إلا أن تفجر الصراع المسلح بين العراق وإيران وهما عضوين من أعضاء حركة عدم الانحياز والفشل في احتواء هذا الصراع قد عمق حدة الأزمة التي تمر بها الحركة، ومن ثم تأجيل انعقاد القمة السابعة لدول عدم الانحياز والذي كان تحدد له موعداً في سبتمبر 1982م، نظراً لانتفاء دواعي الأمن في العاصمة العراقية أثر الغارة الإسرائيلية على المفاعل النووي العراقي في يونيه 1981، كذلك إسقاط طائرة وزير خارجية الجزائر محمد بن يحيى في مايو 1982م، أثناء قيامه بمحاولة احتواء الصراع المسلح بين العراق وإيران، والذي تطور بعد ذلك إلى قصف المدن لكلا الطرفين ومن ثم أصبحت بغداد مقراً غير آمن لقمة عدم الانحياز واعتذرت العراق عن استضافتها.

4. المرحلة الرابعة 1983 ـ 1989م، مرحلة الانقسامات الداخلية

    بانتقال القمة السابعة وانعقادها في نيودلهي حضرها مائة وواحد دولة هم عدد أعضاء الحركة في ذلك التوقيت، كان هناك العديد من المشاكل التي واجهت دول عدم الانحياز والتي أثارتها قمة هافانا، ورغم أن المسؤولية التي تحملتها الهند في رئاسة الحركة خلال هذه المرحلة والتي استحكمت فيها الخلافات بين أعضاء الحركة، سواء كانت بسبب زيادة حدة الصراع المسلح بين إيران والعراق أو ظهور قضية الصحراء الغربية، أو شرعية نظام الحكم القائم في تشاد، كذلك الانقسام الواضح بين المجموعة العربية حول عضوية مصر في المجموعة وحضورها للمؤتمر، كذلك قضية كمبوديا التي وضعت مجموعة دول جنوب شرقي آسيا في مواجهة حادة مع كل من فيتنام والهند وكوبا، ومؤداها أحقية وفد كمبوديا في احتلال مقعدها ضمن الوفود المشاركة، ولم تُحل المشكلة، كذلك طرحت قضية الغزو السوفيتي لأفغانستان ولم يكن هناك قرار حاسم حيال هذا الغزو العسكري، كذلك لم يكن هناك قرار واضح حيال الصراع المسلح بين العراق وإيران، وبنفس أسلوب الحلول الوسط الذي كان يحقق توافق الرأي للغالبية العظمى بصرف النظر عن فعاليتها، كانت كذلك القرارات الاقتصادية، حيث أصدرت القمة إعلاناً اقتصادياً لتحديد أسباب المشاكل الاقتصادية دون أن تُحدد آليات حل هذه المشاكل.

5. المرحلة الخامسة 1989م ـ 1998م، مرحلة ظهور أزمة الهوية وأزمة الدور

    خلال هذه المرحلة عقدت أربعة مؤتمرات قمة لحركة عدم الانحياز وضح خلالها حقيقة الأزمة التي تواجهها حركة عدم الانحياز، والتي تتمثل في أزمة الهوية وأزمة الدور الذي تقوم به، فأزمة الهوية مبعثها أساساً أن الحركة قد نشأت في ظروف استقطاب عالمي بين القوتين العظميين ترفض الانحياز المسبق إلى أي منهما، ولكن الظروف والنظام العالمي قد تغير حالياً فدول حركة عدم الانحياز لم تعد تواجه تكتلات أو أحلاف أو أيديولوجيات متعارضة أو خيارات اقتصادية واجتماعية وسياسية، ومن ثم وضح توجه القمة الأخيرة في ديربان جنوب أفريقيا في أن الهوية الصحيحة التي تضمن استمرار الحركة واستمرار فعاليتها، هي أن تصبح حركة عدم الانحياز حركة العالم الثالث كله، التي تبحث عن حلول واقعية للمشاكل التي تواجهها، فالحركة لم تنشأ فقط للتعامل مع المتغيرات الدولية خلال فترة الحرب الباردة، إلا أنها كانت تعبيراً عن فكر وفلسفة يؤكد على التحرر والتنمية ويطالب بالتقدم، أما في إطار أزمة الدور فإن التوجه السائد داخل حركة عدم الانحياز يتجه للربط بينها وبين مشاكل العالم الثالث، والمشاركة الفعالة من أجل احتواء المشاكل وإنهاء الصراع والأزمات في العالم.

6. المرحلة السادسة (1998-2006) مرحلة الثقة بالنفس، واسترجاع القوة، وتأكيد مبادئ الحركة

من الواضح، أن حركة عدم الانحياز، احتاجت، خلال هذه المرحلة، إلى إعادة تنظيم وتفعيل دورها؛ لمواكبة التحديات الجديدة، التي أصبحت تواجهها، في المستوى الدولي، ومنها: انحسار دور الأمم المتحدة؛ والحاجة المُلِحَّة إلى إيجاد حلول عملية لمشكلات الإرهاب والأمراض والأوبئة والبطالة والجهل والفقر والحرمان؛ إضافة إلى الآليات: الاقتصادية والسياسية، التي تحكم العالم، لمصلحة الدول الغنية المتقدمة (العالم الأول)، على حساب الدول الفقيرة (النامية).

فالعالم، خلال هذه المرحلة، أصبح أحدي القطبية، تنفرد به الولايات المتحدة الأمريكية، وتهيمن عليه، وخاصة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001. وبعد إعلان الحرب على الإرهاب، أمست الشرعية الدولية، وحقوق الإنسان، والنظام الدولي، مهدَّدة بعد التجاوزات، التي اعترت العديد من دول الجنوب. وفي هذا الإطار، ومناخ التناقضات وثقافة الحقد وتصفية الحسابات، كثرت الانتهاكات والتدخلات في الشؤون الداخلية للعديد من الدول والشعوب؛ ما أدى إلى التعدي على سيادة الدول، والمساس بكرامتها، وبحقوق الشعوب في تقرير مصيرها.

وإذا كان هناك اعتقاد، أن انهيار الكتلة الشرقية، والثنائية القطبية، قد أدى إلى افتقاد حركة عدم الانحياز لتوجهاتها؛ إلا أن الحركة، شهدت فترة استدراك واسترجاع لقواها، من أجل تأكيد الذات، ومواصلة التعاون على مواجهة الأوضاع العالمية، التي أصبحت أكثر تعقيداً وخطراً، إذ تحتم المتغيرات العالمية الحالية، الآن أكثر من أي وقت مضى، أن يكون لها دور فاعل في العلاقات الدولية الجديدة؛ وتعتمد وسائل ومناهج جديدة، تلائم النظام الدولي الجديد.

ومن ثَم، فإن المرحلة الحالية لحركة عدم الانحياز، هي مرحلة الثقة بالنفس، واسترجاع القوة، وتدعيم وتأكيد المبادئ والثوابت، التي أنشئت عليها الحركة، وما زالت تمثل نقاط القوة فيها. ففي هذه المرحلة، هناك جهود واضحة لحركة عدم الانحياز في التأقلم والتكيف مع المعطيات الجديدة، وتأليف قوة لمواجهة الدول الكبرى، التي أصبحت تسيطر على النظام: السياسي والاقتصادي، في العالم.