إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / منظمات وأحلاف وتكتلات / حركة عدم الانحياز





الهيكل التنظيمي




المبحث السادس

المبحث السادس

حركة عدم الانحياز والعلاقات الدولية

    منذ بداية الخمسينيات كان العالم الثالث يواجه كل من الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية وإلى حد ما الدول الغربية والصين بسياسة توفيقية، يحاول من خلالها أن يخفف من حدة الصراع الدولي وآثار الحرب الباردة والابتعاد عن سياسة القوى التي تتبعها الكتل المتصارعة، والتي أدت في الماضي إلى حروب عالمية، وبنهاية الحرب العالمية الثانية تحول النسق العالمي من حيث توزيع القوى فيه إلى نسق ثنائي القوى القطبية، ثلاثي القوى السياسية، حيث كانت القوتان العظميان في النسق الدولي هما اللتان تحددان وتقرران الإستراتيجية العامة للنسق الدولي، ويوجد مع هاتين القوتين بعصبيتهما حلفي شمال الأطلسي ووارسو، وفي إطار النسق ذاته يوجد العالم الثالث الذي كان عاجزاً عن المشاركة في تحديد إستراتيجية توزيع القوى في النسق الدولي، لكن تواجده السياسي كان مرتبطاً بعامل التحرك الثنائي للقوى القطبية ذاتها.

    ولقد ارتبط مصطلح العالم الثالث الذي بدأ ظهوره كقوى سياسية بين عامي 1959م و1960م بعدة معايير متداخلة إلى حد بعيد، فكان المعيار التاريخي يربط مصطلح العالم الثالث بالدول المستقلة حديثاً أو بالميراث الاستعماري، كما رُبط المعيار الاقتصادي بين مصطلح دول العالم الثالث وبين الدول المتخلفة اقتصادياً أو النامية، حيث يغلب طابع تدني مستوى الدخل الفردي والتخلف التكنولوجي على دول العالم الثالث، أما المعيار السياسي فيقوم على ربط مصطلح العالم الثالث بالدول غير المنحازة، بينما ربط المعيار الجغرافي مصطلح العالم الثالث بالدول الآسيوية والأفريقية، وبعض دول أمريكا اللاتينية، وبذلك شمل العالم الثالث الدول المستقلة حديثاً والتي تمتلك الرغبة في عدم الارتباط بتحالفات مع أي من الكتلتين الشرقية والغربية، واختار فلسفة الحياد الإيجابي كمنهج وعدم الانحياز كسياسة يتبعها في تعاملاته الدولية، ومن هذا المفهوم وفي إطار التواجد العالمي الذي كان متداخلاً بين القوتين العظمتين والعالم الثالث في مجال علاقات القوى، كان العالم الثالث هو المجال من العالم الذي استمر خارج حدود القوى العالمية، حيث أنه لم يملك القوة التي يستطيع من خلالها أن يجعل النسق الدولي العالمي الثنائي القوى القطبية نسقاً ثلاثياً، ولذلك كان العالم الثالث يشكل دائماً مسرحاً مناسباً لتنافس القوتين. إلا أن تحقيق ميزان القوة بين القطبين بعد الحرب العالمية الثانية هيأ لدول العالم الثالث حرية التحرك بينهما، ومع ذلك استمر العالم الثالث هدفاً رئيسياً لهيمنة القوى العظمى، مكتفياً بالتطلع إلى أن يكون لها دور توفيقي فقط، حيث لم تتوافر لها عوامل القوة المادية التي تمكنها من المشاركة في تحديد أبعاد صورة النسق الدولي المتفجر بالصراع، وأصبحت سياسة عدم الانحياز هي السياسة التي يلجأ إليها معظم دول العالم الثالث للحفاظ على استقلالية قرارها السياسي الوطني.

أولاً: دول العالم الثالث وحركة عدم الانحياز

1. دور حركة عدم الانحياز في تأييد ودعم حركات التحرر الوطني

    تميز القرن العشرين وخاصة النصف الثاني منه بزيادة حركات التحرر الوطني، حيث ظهرت في العالم موجات من حركات التحرر في قارات آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، ونظراً للظروف الاستعمارية المتشابهة التي عاشتها هذه الحركات التحررية، بدأت تشعر بضرورة وحتمية وحدة مصيرها، وكذلك توحدت في البداية قارياً، ثم أصبح على المستوى الأفرو ـ آسيوي، ومنذ بداية الستينيات أصبح على مستوى العالم كله، وتمثل ذلك في تحالف حركات التحرر الوطني مع المعسكر الاشتراكي ضد المعسكر الرأسمالي الإمبريالي، ولقد شجع هذه الحركات التحررية في نضالها تزايد قوة ونفوذ الكتلة الاشتراكية في العالم، خاصة بعد انتصار الثورة الاشتراكية في الصين، وظهور الحركة الأفرو ـ آسيوية عام 1955م، حيث خصت الدول الأفرو ـ آسيوية ودول حركة عدم الانحياز فيما بعد جزءاً كبيراً من نضالها لمساعدة حركات التحرر الوطني في المستعمرات. ومن ثم فإن دول حركة عدم الانحياز لم تبق على الحياد فيما يتعلق بالنزاع القائم بين الشمال والجنوب، وبذلك تكون قد اختلفت بمواقفها في إطار الحياد الإيجابي عن مواقف دول الحياد التقليدي السلبية من قضايا العالم، وخاصة من حروب وحركات التحرر الوطني، والتي استطاعت من خلال تصاعد نضالها من جهة والدور المتزايد لحركة دول عدم الانحياز من جهة أخرى أن تحقق استقلالها، وخاصة في القارة الأفريقية والتي استقلت سبع عشرة دولة فيها عام 1960م.

    انضمت الدول الأفريقية المستقلة إلى منظمة الأمم المتحدة، حيث أصبحت قارة أفريقيا تحتل مكانة خاصة في أنشطة المنظمة، ومنذ إعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة الخاص بمنح الاستقلال للأقاليم والشعوب المستعمرة في ديسمبر عام 1960م، تأكدت مشروعية النضال القومي والتحرري لحركات التحرر الوطني، من خلال دعوة ممثلي الحركات التحررية الوطنية والقومية إلى الاشتراك في مناقشات أجهزة الأمم المتحدة المتعلقة بالمناطق غير المستقلة، وكذلك دعوة منظمة الأمم المتحدة لأجهزتها ووكالاتها والحكومات والمنظمات غير الحكومية إلى تقديم العون لحركات التحرر، ولقد تدعم الوضع القانوني لحركات التحرر التي فرضت نفسها على المسرح الدولي من خلال قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الرقم 2621 عام 1970م، الذي أكد على حق حركات التحرر في حضور دورات الجمعية العامة للأمم المتحدة المتعلقة بمناقشة الوضع في أقطارها. وبعد جهود أعضاء حركة عدم الانحياز داخل الأمم المتحدة تمكنت من إصدار قرار للجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1974م، بدعوة حركات التحرر كأعضاء مراقبين بصفة دائمة.

    لقد تمثل اهتمام دول حركة عدم الانحياز لحركات التحرر الوطني في تأييدها لمنظمة التحرير الفلسطينية، ولقد وضح ذلك في المواقف المعنوية من خلال القرارات التي اتخذتها دول الحركة لتعلن دعمها للقضية الفلسطينية في إطار مؤتمراتها المختلفة منذ المؤتمر التأسيسي في بلجراد عام 1961م. كذلك كان هناك مواقف عملية تمثلت في الممارسات المختلفة لدول حركة عدم الانحياز في دعمها وتأييدها للقضية الفلسطينية على صعيد منظمة الأمم المتحدة والمنظمات المتفرعة عنها أو خارجها، ولقد نتج عن هذا التأييد الاعتراف بحق التمثيل لمنظمة التحرير الفلسطينية داخل الأمم المتحدة قبل أن تحصل على منصب العضو المراقب، ولقد تأكد أهمية دور حركة عدم الانحياز المؤيد للقضية الفلسطينية بعد حرب يونيه 1967، حيث تبنت مجموعة عدم الانحياز قرار الجمعية العامة الذي دعا إلى انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي العربية المحتلة دون شروط، كذلك قامت معظم دول حركة عدم الانحياز وخاصة الأفريقية منها بقطع علاقاتها مع إسرائيل بعد حرب أكتوبر 1973م. ورغم أن إسرائيل نجحت في إقامة العديد من العلاقات السياسية والاقتصادية مع دول حركة عدم الانحياز مستغلة في ذلك الاتفاقيات التي وقعتها مع الفلسطينيين، إلا أن توتر الأوضاع في الأراضي الفلسطينية وزيادة العنف الإسرائيلي بعد انتفاضة الأقصى في سبتمبر 2000 أدى إلى قيام دول حركة عدم الانحياز باتخاذ موقف محدد، حيث عقدت اجتماعات لمندوبي الدول الأعضاء للجنة فلسطين[1]التابعة لحركة عدم الانحياز وكذلك مندوبوها الدائمين لدى مجلس الأمن بمدينة جوهانسبرج خلال الفترة من 3 إلى 4 مايو 2001، أيدت خلالها نضال الشعب الفلسطيني وحقه في إقامة دولته المستقلة وطالبت مجلس الأمن بتوفير الحماية اللازمة للفلسطينيين في الأراضي المحتلة.

2. حركة عدم الانحياز وشرعية عدم التدخل في النزاعات المحلية

    ظهرت مشكلة التدخل في شؤون الغير من الناحية التاريخية بوجود الصراعات والنزاعات سواء كانت بين الأفراد والقبائل أو بين الدول، وقد تطور مفهوم التدخل بتطور المجتمعات عبر المراحل التاريخية المختلفة، الأمر الذي ساعد على ظهور مبدأ عدم التدخل كمبدأ مناقض لمبدأ التدخل الذي يعتبر كقاعدة عامة مبدأ غير معترف به في القانون الدولي الذي يحمي الشخصية القانونية الدولية للدول ولذلك يمثل مبدأ عدم التدخل انتصاراً لعدالة القانون الدولي، حيث تأكد في ظل عصبة الأمم المتحدة واجب كل دولة في احترام وضمان سلامة الأقاليم والدول الأعضاء واستقلالها السياسي ضد أي اعتداء خارجي. أما ميثاق منظمة الأمم المتحدة فقد أكد على امتناع الأعضاء جميعاً في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة، أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة، أو على وجه آخر لا يتفق ومبادئ الأمم المتحدة. إلا أن ميثاق منظمة الأمم المتحدة يجيز حسب ما نصت عليه بعض مواده استخدام القوة العسكرية في بعض الحالات، حيث لم ينتقص ميثاق الأمم المتحدة حق الدول فرادى وجماعات في الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء الأمم المتحدة، وذلك حتى يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدوليين.

    بالإضافة إلى ما نص عليه ميثاق الأمم المتحدة فقد نصت بعض المواثيق الدولية الأخرى على معارضة مبدأ التدخل في شؤون الغير، مثل مشروع إعلان حقوق وواجبات الدول المقترح من قبل لجنة القانون الدولي عام 1949م، كذلك أكدته مواثيق المنظمات الدولية الإقليمية مثل منظمة الوحدة الأفريقية، كما أكد ميثاق جامعة الدول العربية على نفس المبدأ، ومن ثم يكون كافة أنواع التدخل مرفوضاً سواء كان هذا التدخل عسكرياً أو تدخل ضد الكيان السياسي والاقتصادي والثقافي للدولة، كما أنه ليس من حق أي دولة اللجوء لأسلوب الضغوط الاقتصادية والسياسية بهدف إخضاع الدولة والمس بحقوقها أو الحصول على امتيازات مهما كان نوعها.

    من المبادئ الأساسية التي قامت عليها السياسة الأفرو ـ آسيوية وعدم الانحياز مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، ولقد مثل هذا المبدأ أهمية خاصة منذ مؤتمر باندونج عام 1955م وحتى مؤتمر ديربان في جنوب أفريقيا عام 1998م، كما كان لهذا المبدأ دور خاص في سياسة بلدان عدم الانحياز سواء في ممارساتها الخارجية أو من خلال المؤتمرات التي عُقدت. حيث أولت الدول الأفرو آسيوية في مؤتمر باندونج اهتماماً كبيراً لمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، ويرجع هذا الاهتمام بسبب تدخلات الدول الإمبريالية في شؤون الدول الصغيرة خلال هذه المرحلة، ولذلك أكد مؤتمر باندونج على احترام سيادة جميع الدول والامتناع عن أعمال التهديد أو استخدام القوة ضد أي دولة، أما في مؤتمر بلجراد عام 1961، فكان من بين الموضوعات التي نوقشت مبدأ احترام سيادة الدول وسلامة أراضيها وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، كذلك تأكد موقف دول حركة عدم الانحياز وتمسكها بمبدأ عدم التدخل في مؤتمر القاهرة عام 1964م، وطالبوا باعتماد مبدأ التعايش السلمي كأساس قانوني للعلاقات الدولية، واستمر بعد ذلك تمسك حركة عدم الانحياز بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.

    رغم تعدد حالات التدخل في شؤون الغير، إلا أنه كان هناك تباين واضح في مواقف دول عدم الانحياز، وتمثل ذلك في التدخل الفرنسي في تشاد عام 1968م، حيث قامت فرنسا بتقديم العون العسكري للقوات التشادية خلال الحرب الأهلية التي بدأت عام 1968م، وتطور هذا الدعم الفرنسي إلى تدخل مباشر، ورغم أن هذا التدخل من دولة كبرى منحازة في شؤون دولة من دول عدم الانحياز إلا أن موقف دول عدم الانحياز كان يشوبه التضارب بين التأييد وعدم التأييد أو عدم إعلان الرأي في هذا التدخل، كذلك كان هناك التدخل السوفيتي في أفغانستان عام 1979م، والذي يعتبر تدخل من دولة عظمى في الشؤون الداخلية لدولة من دول عدم الانحياز، إلا أنه كان هناك تباين واضح في مواقف بلدان عدم الانحياز إزاء هذا التدخل السوفيتي، الأمر الذي أكد عدم تنسيق السياسات واتفاقها على مفهوم موحد لعدم التدخل، وتمثل هذا التباين في موقف العراق وهي دولة غير منحازة حيث عارضت بشدة هذا التدخل، بينما كان موقف سورية مؤيداً لهذا التدخل، كذلك كان موقف كوبا وهي دولة غير منحازة مؤيداً من التدخل السوفيتي في أفغانستان، وبصفة عامة فإن عدد الدول غير المنحازة التي عارضت التدخل السوفيتي يفوق بكثير عدد الدول التي أيدته، وتمثل المواقف السابقة مواقف انفرادية لدول عدم الانحياز من التدخل السوفيتي، أما عن موقف حركة عدم الانحياز الجماعي فقد وضح خلال مناقشات مجلس الأمن لموضوع التدخل السوفيتي حيث اختيرت مجموعة من دول عدم الانحياز لصياغة توصية خاصة بالمشكلة، وجرى خلالها التنديد ورفض التدخل في أفغانستان، كذلك طُرحت هذه المشكلة على مؤتمر وزراء خارجية حركة عدم الانحياز الذي عقد في نيودلهي عام 1981م، فقد تأكد تباين مواقف الدول من التدخل السوفيتي، حتى وضح صعوبة الوصول إلى قرار نهائي يتفق عليه دول حركة عدم الانحياز.

3. دور حركة عدم الانحياز في نزع السلاح والتعايش السلمي

    اتسمت مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية بسباق تسلح بين الدول، رغم ما أكده ميثاق منظمة الأمم المتحدة باللجوء إلى الوسائل السلمية لفض المنازعات الدولية وحظر استخدام القوة، وأهمية أن يلجأ أطراف النزاع إلى اتباع طرق التفاوض والتحقيق والوساطة والتوفيق والتحكيم والتسوية القضائية، أو أن يلجئوا إلى الوكالات والتنظيمات الإقليمية لإنهاء نزاعاتهم. إلا أن فشل سياسة الأمن الجماعي في إطار الثورة التكنولوجية في المجال النووي قد فرضت شكلاً جديداً من السلم وهو ما يطلق عليه السلم من خلال توازن ميزان الرعب، أو السلم النووي الذي قام على مبدأين أساسيين: هما مراقبة التسليح ونزع السلاح. ولتحقيق نزع السلاح نص ميثاق منظمة الأمم المتحدة بأنه من بين المسؤوليات التي يتعين على الجمعية العامة القيام بها لتحقيق السلم والأمن الدوليين، تحديد المبادئ المتعلقة بنزع السلاح، وتنظيم التسليح، ويتضح مما سبق أن حفظ السلم والأمن الدوليين وفقاً لميثاق الأمم المتحدة يتعلق بتنظيم التسليح، بحيث يكون هذا التنظيم أحد المبادئ الأساسية التي يتحقق بها السلام العالمي.

    اعترفت الجمعية العامة للأمم المتحدة بالحاجة الماسة إلى وضع قواعد عامة لتنظيم التسليح، لذلك شكلت لجنة الطاقة الذرية عام 1946م، ولجنة الأسلحة التقليدية عام 1947م، إلا أنه بعد إخفاق هاتين اللجنتين في تحقيق مهامها شكلت لجنة نزع السلاح التي عهد إليها بأعمال اللجنتين السابقتين، وتوقفت هذه اللجنة عن نشاطها بسبب توتر الوضع الدولي أثر نشوب الحرب الكورية خلال الفترة بين عام 1950م وعام 1953م، واستمر بعد ذلك أسلوب عمل لجنة نزع السلاح بين عودة النشاط والتوقف، وفقاً للتنافس القائم بين الكتلة الشرقية والكتلة الغربية، حيث بلغت التجارب النووية ذروتها من قبل الطرفين منذ منتصف الخمسينيات.

    في ظل هذا التنافس المتصاعد بين الكتلتين وتأزم العلاقات الدولية، عقد مؤتمر بلجراد لحركة عدم الانحياز عام 1961م، الذي أولى موضوع نزع السلاح أهمية خاصة، وطالب أعضاء المؤتمر بأهمية تمثيل الدول غير المنحازة في جميع المؤتمرات الدولية التي تعقد لبحث موضوع نزع السلاح، كما أكدوا على ضرورة إجراء المناقشات حول ذات الموضوع تحت رعاية منظمة الأمم المتحدة، كما ينبغي نزع سلاح كامل وشامل في إطار نظام فعال للإشراف والرقابة، على أن تنضم إلى الفرق المنفذة لهذه المهمة أعضاء منتمين إلى الدول غير المنحازة. كما أكد المؤتمر بأهمية عقد اجتماع خاص للجمعية العامة لمناقشة موضوع نزع السلاح، أو عقد مؤتمر عالمي لنزع السلاح تحت إشراف الأمم المتحدة، وبالفعل تناولت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1961م مناقشة موضوع التجارب النووية، وأخذت قراراً بإيقافها بأغلبية 71 صوتاً ضد 20 صوتاً.

    في عام 1964م إثر توقف أعمال لجنة نزع السلاح التابعة للأمم المتحدة انعقد المؤتمر الثاني لدول عدم الانحياز، الذي أكد الأعضاء من خلالها على أهمية نزع السلاح العام والشامل واستخدام الطاقة الذرية للأغراض السلمية، وتحريم التجارب النووية وإنشاء مناطق مجردة من الأسلحة النووية، وقد طالب أعضاء حركة عدم الانحياز من الجمعية العامة للأمم المتحدة اعتبار القارة الأفريقية منطقة خالية من الأسلحة النووية. وفي الفترة ما بين عام 1969م ـ عام 1973م، أُبرمت معاهدة سولت الأولى، وبدأ الطرفين في المحادثات لإبرام معاهدة سولت الثانية، وخلال هذه الفترة انعقد مؤتمري حركة عدم الانحياز في لوساكا عام 1970م، ومؤتمر الجزائر عام 1973م، أكدت فيهما دول الحركة عن ارتياحها لسياسة الوفاق.

    نخلص مما سبق، أن التعايش السلمي معترف به من كافة دول العالم، وتتلخص اتجاهات دول عدم الانحياز في تبني سياسة جديدة تخفف من حدة التوتر العالمي، في إطار إجماع شعبي اشتركت فيه كثير من الدول خلال العديد من المؤتمرات الرسمية والشعبية وداخل الأمم المتحدة بهدف الوصول إلى حل لمشكلة نزع السلاح، ورغم تعدد الآراء حول مبدأ التعايش السلمي إلا أنه ارتبط أساساً بسياسة عدم الانحياز، حيث كان تعبيراً عن رغبة الشعوب التي لا تؤيد الحروب بكافة أشكالها، وتطالب بإقامة جسور من التعاون والتفاهم بين الدول التي تختلف نظمها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.

4. موقف دول عدم الانحياز من التمديد اللانهائي لمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية

تُعَدّ قضية إزالة خطر التهديد النووي، ووضع حدّ للتسابق النووي، قضية مركزية في توجهات الحركة، التي ترى أن انتشار الأسلحة النووية واختزانها تهديد للسلم العالمي. ويزيد من خطر المواجهات النووية حصول الدول النامية على هذه الأسلحة؛ لكثرة خلافاتها ونزاعاتها، التي قد تؤدي إلى استخدام هذه الأسلحة في الصراع المسلح. وفي عام 1968، وقعت 130 دولة معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية. وكان لبعض دول عدم الانحياز موقف مخالف، يُعْزى إلى عدم وجود ضمانات حقوقية، وعالمية، كافية لضمان أمن الدول، التي لا تمتلك تلك الأسلحة. ورأت دول أخرى، أن المعاهدة غير عادلة، إذ تحرم الدول النامية الحصول على التكنولوجيا النووية، وخاصة في مجال الاستخدام السلمي، وتوليد الطاقة.

طُرحت فكرة إنشاء مناطق خالية من السلاح النووي، للمرة الأولى، عام 1956؛ إلا أنها لم تظهر في دبلوماسية عدم الانحياز إلا في أوائل الستينيات. وفي عام 1967، وُقِّعت معاهدة حظر استعمال الأسلحة النووية، في أمريكا اللاتينية؛ وانضم إليها، حتى الآن، 25 دولة. وكانت القارة الأفريقية، قد أُعلنت، عام 1964، منطقة خالية من الأسلحة النووية؛ غير أن ذلك لم يتأتَّ إلا بعد سقوط النظام العنصري، في جنوب أفريقيا. وفي عام 1974 طرحت حركة عدم الانحياز فكرة، أن تُعلن منطقة الشرق الأوسط منطقة مجردة من الأسلحة النووية. وكان الاقتراح مكوناً من ثلاثة أُسُس:

أ. تمتنع دول المنطقة عن إنتاج الأسلحة النووية واختزانها.

ب. تمتنع الدول النووية عن نشر الأسلحة النووية في المنطقة، أو إرسالها إليها.

ج. يتولى نظام دولي فاعل تقديم الضمانات الدولية الكافية، والإشراف على تنفيذ هذه الاتفاقيات.

    في عام 1974، أي بعد عام واحد من انعقاد مؤتمر الجزائر لحركة عدم الانحياز، أجرت الهند أول تفجير نووي في 18 مايو 1974م، وبذلك انضمت الهند للنادي النووي وهي دولة من دول عدم الانحياز، وقد كان لهذا التفجير الهندي آثار سلبية على التوجه نحو نزع السلاح، حيث شجع العديد من دول العالم بصفة عامة ودول العالم الثالث بشكل خاص على السعي لامتلاك السلاح النووي. ومنذ انعقاد المؤتمر الخامس لدول عدم الانحياز في كولومبو عام 1976، وأعضاء دول حركة عدم الانحياز يبدون تخوفهم من تفاقم التوتر الدولي والسباق نحو التسليح، خاصة بعد تزايد عدد الدول التي تمكنت من الانضمام للنادي النووي، وأصبح هناك سباق واضح للحصول على الأسلحة التقليدية والنووية، وكان آخرها السباق النووي بين الهند وباكستان في نهاية التسعينيات والذي تباينت آراء دول عدم الانحياز حوله.

    رغم البدء في تنفيذ معاهدة انتشار الأسلحة النووية منذ عام 1970، إلا أن دول عدم الانحياز التي انضمت لهذه المعاهدة كانت تشعر بالقلق حيال العديد من القضايا، وخاصة قضية التوصل لمعاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية، وقضية الضمانات الأمنية، وقضايا الاتجار في مواد نووية ومعداتها، وما يتصل بذلك من قضايا إقليمية. ومنذ أن بدأت مؤثرات مراجعة المعاهدة عام 1975، أعلنت دول عدم الانحياز تخوفها من عدم إحراز تقدم ملموس حيال القضايا، ووضح موقف دول عدم الانحياز من قضايا التمديد اللانهائي لمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية خلال المؤتمر الوزاري الحادي عشر لمجموعة دول عدم الانحياز بالقاهرة خلال الفترة بين 31 مايو - 3 يونيه 1994، حيث قامت دول المجموعة بتحويل جزء كبير من اهتمامها إلى نزع السلاح والأمن الدولي، وتمثل ذلك في وثيقة صدرت عن هذا المؤتمر، حيث أبدت دول المجموعة قلقها من جراء انعدام التوازن المطرد بين التزامات ومسؤوليات الدول النووية والدول غير النووية، وقد أدركت دول الحركة حجم المشكلة التي واجهتها عند تفاوضها حول مؤتمرات المراجعة لمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية وكذلك مؤتمر نزع التسلح، وناشدت دول عدم الانحياز جميع الدول بشكل عام ودول مؤتمر نزع السلاح بشكل خاص إلى اعتبار أن نجاحها في التوصل إلى معاهدة عالمية فعالة للحظر الشامل للتجارب النووية يمكن التحقق من تنفيذها على المستوى الدولي، هو من الأمور التي ينبغي أن تأخذ أكبر قدر من الأولوية، وانتظاراً لما سوف تسفر عنه جهود التوصل إلى معاهدة لمنع إنتاج وتخزين المواد الانشطارية التي تصلح لإنتاج الأسلحة النووية والمتفجرات النووية الأخرى، ربما كانت إسهاماً متميزاً في مجال نزع السلاح النووي وعدم الانتشار النووي، وعلى صعيد اتفاقية جنيف أكدت دول عدم الانحياز على ضرورة أن تقوم الدول النووية بإعادة تأكيد التزاماتها بالإزالة الكاملة للأسلحة النووية، كما اقترحت دول المجموعة خطة عمل مرتبطة بجدول زمني ينتهي بتوقيت مستهدف لتحقيق الإزالة الكاملة للأسلحة النووية.

    أكدت دول عدم الانحياز على ضرورة وجود خطة زمنية لنزع السلاح النووي يجري خلالها الربط بين الضمانات الأمنية وإزالة جميع الأسلحة النووية، ولذلك حثت مؤتمر نزع السلاح على التفاوض حول اتفاقية دولية متوازنة الأسس تمنع استخدام أو التهديد باستخدام الأسلحة النووية تحت أي ظرف من الظروف، كما اعتبرت دول المجموعة أن تبني قرار من مجلس الأمن يوفر تأكيدات أمنية فعالة وغير مشروطة وشاملة للدول غير النووية ضد الاستخدام أو التهديد باستخدام الأسلحة النووية، قد يكون إسهاماً إيجابياً لمنع انتشار الأسلحة النووية، وربما يكون كذلك خطوة لتحقيق نزع السلاح النووي.

    اعتبرت دول عدم الانحياز أن إقامة مناطق خالية من الأسلحة النووية يعد بمثابة خطوة أساسية لتحقيق إزالة أسلحة الدمار الشامل، كما رحبت دول المجموعة بمبادرات إنشاء هذه المناطق منها منطقة الشرق الأوسط. ولحين تحقيق ذلك طالبت دول المجموعة من إسرائيل أن تعلن عن امتلاكها للأسلحة النووية، وأن تنضم إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، وأن تضع جميع منشآتها النووية داخل الإطار الكامل لضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، كما رحبت دول عدم الانحياز كذلك بالتقدم الذي أُنشئت عن طريقه منطقة خالية من الأسلحة النووية في أفريقيا.

    ظلت دول عدم الانحياز تسعى من خلال مؤتمرات نزع السلاح لتحقيق مبدأ اعتماد الضمانات الأمنية السلبية لتكون في إطار معاهدة دولية متعددة الأطراف وذات شروط قانونية ملزمة. وكان ذلك التوجه هو المسيطر على فكر دول حركة عدم الانحياز، وفي ظل افتقاد ضمانات أمنية ذات طبيعة عالمية، وعدم صدور قرار جديد من مجلس الأمن حول الضمانات الأمنية السلبية أو الضمانات الإيجابية، فإن دول الحركة لم تغير موقفها تجاه المد اللانهائي لمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، حيث أنها ظلت تفضل دائماً أن تكون الضمانات السلبية في صورة معاهدة.

ومنذ دخول معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، عام 1970، عُقدت مؤتمرات لمراجعتها، مرة كلّ خمس سنوات. ولقد سعى المؤتمر إلى الاتفاق على إعلان نهائي، يقيّم تنفيذ بنود المعاهدة، ويقدم توصيات في شأن التدابير الآنية للمضي في تعزيزها؛ إلا أن الخلافات تركزت في التزام الدول، الحائزة السلاح النووي، متطلبات معاهدة نزع السلاح النووي. وفي إطار الإعداد لمؤتمر عدم انتشار الأسلحة النووية، عام 2005، عقدت اللجنة التحضيرية المختصة ثلاث دورات متعاقبة، في الفترة الممتدة من أبريل 2002 إلى مايو 2004؛ إلا أن استمرار تنافر الآراء، حال دون الاتفاق على القضايا الجوهرية. ومن ثَم، تقرر إنشاء ثلاث لجان، لإعداد مسودة القواعد الإجرائية: رأست أُولاها إندونيسيا، ممثلة حركة عدم الانحياز؛ وثانيتها هنغاريا، ممثلة أوروبا الشرقية؛ والثالثة السويد، ممثلة جماعة الدول الغربية.

وفي فبراير 2005، صدَّقت 63 دولة، طرف في معاهدة عدم انتشار أسلحة الدمار الشامل، على البروتوكولات الإضافية. وعُقِد المؤتمر الخامس، لمراجعة المعاهدة، في 27 مايو 2005، في الولايات المتحدة الأمريكية. واختُتم بإقرار وثيقة مقتضبة، على خلفية الأزمتَين النوويتَين: كوريا الشمالية وإيران؛ فضلاً عن ضرورة تقوية النظام، المنبثق من معاهدة منع انتشار أسلحة الدمار الشامل. ومن جهة أخرى، يبيِّن تطور أوضاع الطاقة عالمياً، أن الطاقة النووية، كان لها، وسيكون لها، دور أساسي، تضطلع به، من منظور التنمية المستدامة؛ وهو أمر ينطوي على تطوير التعاون الدولي.

5. دور حركة عدم الانحياز في مكافحة الاستعمار الجديد

    يمثل مكافحة الاستعمار في كافة صوره الركيزة الأساسية التي تقوم عليها سياسة عدم الانحياز، حيث أن معظم الدول التي تبنت هذه السياسة كانت خاضعة للاستعمار، سواء كان استعماراً مباشراً أو غير مباشر في صورة حماية أو انتداب أو حتى وصاية، ومن ثم فإن التجربة الاستعمارية التي مرت بها دول عدم الانحياز أدت إلى اتخاذها من مكافحة الاستعمار هدف أساسي لسياستها الخارجية، وإذا كانت دول عدم الانحياز قد اتفقت على وضع فكرة مكافحة الاستعمار في مقدمة أهدافها، إلا أنها اختلفت في مؤتمر باندونج على تحديد مفهوم الاستعمار الجديد وأشكاله، فمنها من رأي بأن الاستعمار ظاهرة غربية محضة، ولا يمكن أن يحدث إلا بوساطة الدول الغربية الرأسمالية، كذلك كان هناك من رأي أن الاستعمار يمكن أن يكون شرقياً شيوعياً، وبذلك يمكن للتسلط والهيمنة الاستعمارية أن تجرى بوساطة دول غربية رأسمالية أو دول شرقية شيوعية.

    وإذا كانت الخلافات قد اشتدت حول مفهوم وتحديد الاستعمار فإن هذا الخلاف قد بدأ يتلاشى في مؤتمرات الحركة منذ انعقاد مؤتمرها التأسيسي عام 1961، حيث أجمعت دول عدم الانحياز على أن الاستعمار الذي يتحتم مكافحته هو الاستعمار الغربي أما احتمالات التسلط السوفيتية أو الصينية الذي طرحته بعض الدول غير المنحازة فهو في رأي أغلبية بلدان عدم الانحياز غير قائم، ولا يمكن مقارنته بالاستعمار الغربي. ومع تطور حركة عدم الانحياز تطور معها فكر المنظمة التي أصبحت لا تعمل فقط على محاربة الاستعمار التقليدي الاستيطاني، بل بدأت في مناهضة الاستعمار الجديد الذي هو أساساً امتداد للاستعمار التقليدي الذي اتخذ أشكالاً جديدة متنوعة بسبب ضعف الاستعمار التقليدي أمام تصاعد موجات حركات التحرر الوطني والقومي، كذلك كان هناك ضرورة أن يطور الاستعمار التقليدي مع معطيات العصر وتطور العلاقات الدولية، فكان هناك الاستعمار الجديد الذي يختلف في أهدافه وأشكاله وأساليبه وكذلك في المحتوى والمضمون، بحيث أصبح من خلال أساليبه الغير مباشرة أكثر خطورة وتأثيراً من الاستعمار التقليدي.

    وإذا كان الاستعمار الجديد يختلف عن الاستعمار التقليدي من حيث الشكل والمضمون، فإن للاستعمار الجديد أسس يقوم عليها في الدول التي يستعمرها، أو في الدول حديثة الاستقلال تتمثل في الآتي:

أ. وجود نظم سياسية وحكومات تابعة له من الناحية السياسية والعسكرية.

ب. تبعية الهياكل والمؤسسات الاقتصادية في الدول المتخلفة للنظام الرأسمالي العالمي.

ج. هيمنة وسيطرة الشركات المتعددة الجنسيات على الأنشطة الاقتصادية في هذه الدول.

د. التبعية الثقافية لشعوب بلدان العالم الثالث إلى النظم التربوية الاستعمارية.

    وبذلك يكون محاور نشاط الاستعمار الجديد سواء كانت سياسية أو عسكرية هي نفس محاور نشاط الاستعمار الجديد إضافة إلى إيجاد محاور وأسس أخرى تشمل الجوانب الأيديولوجية والاقتصادية والثقافية.

    ولمواجهة أساليب الاستعمار الجديد اتبعت دول حركة عدم الانحياز في محاربتها للاستعمار الجديد عدة وسائل تمثلت في الآتي:

أ. مطالبة الدول الاستعمارية بمنح الاستقلال للبلاد التي مازالت خاضعة لها.

ب. العمل على إصدار توصيات من هيئة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية المتخصصة المختلفة التابعة لها بإدانة الدول الاستعمارية.

ج. دعوة الدول الكبرى إلى الامتناع عن مساندة وتأييد الحكومات والأنظمة الاستعمارية.

د. مطالبة الدول غير المنحازة بقطع علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية مع الدول الاستعمارية والدول التي تؤيدها.

هـ. مطالبة الدول غير المنحازة بمساندة حركات التحرر الوطني سياسياً واقتصادياً وعسكرياً.

ولقد ركزت دول عدم الانحياز نضالها ضد الاستعمار التقليدي والاستعمار الجديد، خلال ثلاث محاور أساسية هي:

أ. المطالبة بتصفية القواعد العسكرية، وخاصة تلك القواعد الموجودة في دول عدم الانحياز.

ب. محاربة التكتلات والأحلاف العسكرية واعتبارها مصادر للحرب والتوتر والدعوة إلى تصفيتها

ج. المطالبة بإنشاء مناطق سلام، وهي المناطق الخالية من السلاح النووي وخاصة منطقة البحر المتوسط والمحيط الهادي وأفريقيا وأضيف إليها مؤخراً منطقة الشرق الأوسط.

6. دور حركة عدم الانحياز في مكافحة التمييز العنصري

    إن مكافحة التمييز العنصري أو الأبارتيد[2] Aparthied بالنسبة لدول حركة عدم الانحياز تدخل ضمن كفاحها ضد الحركة الإمبريالية والاستعمار التقليدي والاستعمار الجديد ككل، لأن التمييز العنصري ما هو إلا شكل من أشكال العنصرية التي تقوم أساساً على التفرقة العرقية، كما يعتبر والأبارتيد الشكل الأكثر تخلفاً وشراسة من بين أنواع التمييز العنصري، ولقد تمثل موقف دول حركة عدم الانحياز من هذه السياسة منذ انعقاد مؤتمر بلجراد في تأكيد الحركة المستمر على مكافحة التمييز العنصري، ولكن كان ذلك بدرجات متفاوتة ومتباينة من حيث الأهمية، فبينما استنكرت دول الحركة في مؤتمري بلجراد عام 1961م والقاهرة عام 1964م السياسات والممارسات العنصرية التي تطبقها أنظمة الأقليات البيضاء في جنوب أفريقيا، والكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة، إلا أن مؤتمر لوساكا عام 1970م لم يول اهتمام لمسألة التمييز العنصري، بل اقتصر على تأكيد مقررات المؤتمرات السابقة في هذا الشأن. أما في مؤتمر الجزائر عام 1973م، فرغم أنه ركز أساساً على القضايا الاقتصادية، إلا أنه أولى اهتماماً كبيراً بموضوع التمييز العنصري، وأصبحت هذه السياسة المناهضة للتمييز العنصري هي السمة الأساسية لمؤتمرات عدم الانحياز.

    وبذلك أصبح موقف دول عدم الانحياز من سياسة التمييز العنصري والأبارتيد التي تمارسها بعض الدول الاستعمارية، بتشجيع من الإمبريالية العالمية قد شكلت وما تزال تشكل إحدى المشاكل الرئيسية لسياسة حركة عدم الانحياز، رغم أن تصفية الاستعمار قد أصبحت في مرحلتها النهائية والحاسمة، إلا أن عدداً من الشعوب مازال يكافح ضد الإمبريالية والتمييز العنصري والصهيونية في بعض الدول الأفريقية وفي فلسطين.

7. حركة عدم الانحياز وجهود تفعيل دور المرأة[3]

عُقد، في ماليزيا، خلال الفترة من 9 إلى 11 مايو 2005، مؤتمر وزاري لدول حركة عدم الانحياز، تحت عنوان: "تمكين المرأة من مواجهة تحديات العولمة". حضره ثمانية وخمسون وزيراً، وخمسة وثمانون رئيس وفد. وكانت هذه هي الخطوة الأولى، في تاريخ حركة عدم الانحياز، نحو الاهتمام بشؤون المرأة، ومواجهة المشاكل، التي تعوق تقدمها، في دول الحركة؛ وبحث السبل إلى تمثيل المرأة تمثيلاً عادلاً في مواقع اتخاذ القرار. كما نُوْقِش وضع المرأة في مناطق النزاعات المسلحة، وتعرُّضها للعنف. ولقد تقرر رفع نتائج المؤتمر  التالية إلى قمة عدم الانحياز، لإبرامها، والأخذ بها، وفقاً لمبادئ الدول الأعضاء والتزاماتها.

أ. الإقرار بأن مشاركة المرأة في كلّ القطاعات، وفي المستويات كافة، تُعَدّ عاملاً مهماً في سبيل رفع قدراتهن، وتحقيق المساواة بين الجنسَين.

ب. تأكيد ضرورة المحافظة على مبادئ الحركة وأفكارها النبيلة، كما حددها مؤسسوها؛ وذلك من أجل تقوية الحركة، وجعْلها قوة قيادية، في القرن الحادي والعشرين.

ج. طلبُ رؤساء الدول والحكومات، الأعضاء في حركة عدم الانحياز، من الدول غير الموقعة معاهدة إزالة جميع أشكال التمييز ضد المرأة، أن تعمل، بصورة فعالة، على التصديق على هذه المعاهدة، أو الانضمام إليها، أو إلى بروتوكولها الاختياري.

د. الإقرار بالحاجة إلى التطبيق الشامل، والعاجل، لمعاهدة إزالة جميع أنواع التمييز ضد المرأة، في كلّ الدول، الأطراف في المعاهدة.

هـ. تأكيد التأييد لبيان بكين، وبرنامج العمل المنبثق من الدورة الثالثة والعشرين للجمعية العامة، واللذَيْن حملا شعار: المرأة 2000 المساواة بين الجنسَين، والتنمية والسلام في القرن الحادي والعشرين، إذ يُعَدّان إسهامَيْن مهمَّيْن في ترقية مكانة المرأة في العالم، في تحقيق المساواة بين الجنسَين.

و. اعتماد بيان مفوضية شؤون المرأة، الذي صدر عن دورة الانعقاد التاسعة والأربعين للجنة.

ز. الإشادة بالتطور، الذي طرأ على تناول الموضوعات المتعلقة بالمرأة، ومراعاة المفارقات والتحديات والعوائق، الملقاة على عاتق أعضاء حركة عدم الانحياز، في سبيل تنمية دور المرأة، وتحقيق المساواة بين الجنسَين.

ح. الإقرار بأن التعاون والمشاركة، في سياق الأفضلية النسبية، وبناءً على مبدأ القيم المشتركة في التنوع، يمثلان الطريقة الأكثر فاعلية في العمل على دعم المرأة، والمساواة والإنصاف بين الجنَسين.

ط. أهمية توسيع نطاق جهود حركة عدم الانحياز، والمسارعة في دفع عملية بناء قدرات المرأة، والحاجة إلى تضافر هذه الجهود مع الالتزامات، التي تعهدت بها مؤتمرات الأمم المتحدة وقِممها؛ وكذلك الأهداف التنموية المتفق عليها دولياً، ومن بينها تلك المُدْرَجة في إعلان الألفية الثالثة.

ي. الإقرار بالمشاكل المستمرة، التي تواجه المرأة (نساء ـ فتيات)؛ والتعهد بالعمل على دعم وبناء قدراتها، من خلال خطوات وإجراءات عملية في الجوانب التالية:

(1) المرأة والفقر والتنمية الاقتصادية

يُعَدّ الارتقاء بشأن المرأة ومشاركتها الفعالة، والمباشرة، في المجال الاقتصادي، ضرورة في سبيل تحقيق التنمية المستدامة، واستئصال الفقر، في دول حركة عدم الانحياز. ومن ثَم، فإن رفْع قدرات المرأة، وزيادة نسبة مساهمتها في المجال الاقتصادي، في كِلا القطاعَين: العام والخاص، يُعَدّان عاملَين قوميَّيْن مهمَّين. وفي هذا الشأن، فإن الأسرة، التي تحترم حقوق الإنسان، والخاصة بكلّ أعضائها، في مؤسسة أسرية، توفر الكثير من القِيم: المادية والمعنوية، لأبناء المجتمع؛ ولذلك تعهدت حركة عدم الانحياز بالآتي:

 (أ) إدراج مصالح المرأة واهتماماتها في الإصلاحات والسياسات الاقتصادية الكلية، على أساس المساواة مع الرجل؛ مع مراعاة تأثير توجهات الاقتصاد العالمي.

(ب) تعزيز دور القطاع العام، لضمان توفير خدمات صحة شاملة للمرأة؛ إضافة إلى التعليم، وخدمات الضمان الاجتماعي؛ وذلك لتمكينها من الاندماج الكامل في النشاطات الاقتصادية.

(ج) دعم قدرات الاقتصاديين، في كلّ المستويات والمؤسسات، على تحليل مسائل الاختلاف بين الجنسَين.

(د) تطوير وتأطير ميزانيات، تكفل الموازنة بين الجنسَين.

(هـ) انتهاج سياسات، تدرك، وتقيّم مساهمة النساء في الاقتصاد غير الرسمي؛ فتزيد من إنتاجهن الاقتصادي، والحماية الاجتماعية.

(و) إيجاد برامج، ترفع من القدرات الإنتاجية للنساء؛ وتشمل إمكانية الحصول على التقنية والعلوم والمهارات.

(ز) تأمين مشاركة المرأة، بفاعلية، في وضع السياسات الاقتصادية الكلية والإستراتيجيات والبرامج، وتنفيذها ومراقبتها وتقييمها.

(ح) الحث على دراسات، تهتم بتأثير العولمة، وتحرير التجارة، في وضع المرأة؛ للوقوف على قضاياها، ومراعاة تلك القضايا في عملية صناعة القرار.

(ط) تشكيل إستراتيجيات، لحصر مسببات التأثيرات السلبية للعولمة في وضع النساء والفتيات، في العالم أجمع.

(ي) خلق فرص عمل، وأوضاع وظيفية كريمة للنساء؛ لأجل الترقي بأوضاعهن في سوق العمل.

(2) المرأة في عملية اتخاذ القرار

تساوي الرجل والمرأة في المشاركة في عملية اتخاذ القرار، سيوجد توازناً، ينعكس بفاعلية على تركيبة المجتمع؛ فضلاً عن إسهامه في تقوية العملية الديموقراطية، وزيادة النمو. وقد حققت المرأة تطوراً طفيفاً في اهتمام القوى السياسية بأوضاعها؛ بيد أن تمثيلها، ما برح ضئيلاً، في كلّ القطاعات، وكلّ مستويات القرار في الحكومة. ولذلك، فإن ارتفاع نسب مشاركة المرأة في عملية اتخاذ القرار، هي ضرورة، لأجل ترقيتها؛ وهو الأمر نفسه، الذي حمل دول حركة عدم الانحياز على الآتي:

(أ) انتهاج سياسات، تؤكد التمثيل المتساوي للجنسَين في كلّ المفوضيات، والمحاكم الدولية، وأجهزة الحكم المحلي، والأجهزة القضائية الأخرى وغيرها، ومرافق حكومية.

(ب) زيادة نسبة النساء، في مستوى اتخاذ القرار (على الأقل 30%) في كلّ أجهزة الدولة، بما فيها الأجهزة القضائية.

(ج) مراجعة معيار وطريقة تعيين أجهزة اتخاذ القرار، في القطاعَين: العام والخاص؛ وذلك لتشجيع مشاركة المرأة وتمثيلها.

(د) اتخاذ الترتيبات والإجراءات، التي تؤكد ضرورة التزام الأحزاب السياسية، ونقابات العمل، وأجهزة القطاع الخاص، تساوي الجنسَين في المشاركة، والتمثيل في عملية اتخاذ القرار.

(3) المرأة والتعليم

لا ريب أن التعليم هو الوسيلة المهمة، والفعالة، إلى تحقيق المساواة بين الجنسَين، وتحقيق التنمية والسلام؛ إلا أن نسبة كبيرة من الأطفال، تُحْرَم التعليم، وخاصة الفتيات، في المستويَين: المتوسط والثانوي. ولذلك، لا تزال المرأة دون المستوى المطلوب، في المجالات: العلمية والتكنولوجية، وخاصة في مجال الهندسة والعلوم والفيزياء والرياضيات. ومن ثَم، فإن ترقيتها، في الدول الأعضاء في حركة عدم الانحياز، تعتمد على مستوى تعليمها ونوعيته؛ وذلك من خلال إتاحة الفرص المتساوية في طرائق التدريس والتوجيه الأكاديمي وأساليبهما، بعيداً عن أيّ تأثير لعامل الانحياز إلى أحد الجنسَين. ولذلك، التزمت دول حركة عدم الانحياز الآتي:

(أ) تأمين حصول الجنسَين على فرص متساوية، من المنح التعليمية، وغيرها من التسهيلات الأخرى.

(ب) خلق نوع من التوعية بأهمية المساواة بين الجنسَين، وتطوير مقدرات تحليلية بينهما، في مدى النظام التدريبي، والتعليمي.

(ج) اتخاذ الضوابط كافة، التي تؤكد إتاحة الفرص المتساوية بين الجنسَين، للحصول على التعليم النظامي، وغير النظامي، وكذلك التدريب المهني، في المستويات كافة.

(د) مراقبة معاهدة التعليم الخاصة، لتأكيد اتباعها ضوابط وسياسات، تساوي بين الجنسَين؛ بهدف تشجيع النساء، ولاسيما الفتيات، على التعليم.

(هـ) توفير الفرص والتسهيلات، لتأمين مراحل تعليمية طويلة للنساء؛ مع إتاحة الفرص المتساوية بين الجنسَين، للمشاركة الفعالة في الأنشطة المدرسية كافة.

(و) التخلص من العوائق: التركيبية والثقافية، لزيادة نسبة الطالبات، في العلوم والتكنولوجيا.

(4) المرأة والصحة

صحة النساء مهمة جداً؛ وذلك لتأمين قدرتهن على المشاركة في كلّ مجالات الحياة: الخاصة والعامة. لكن طرائق حصولهن على الخدمات الصحية الأولية مختلفة، وغير متساوية. ويتضح ذلك من خلال تزايد أعداد المصابات بمرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز)، والذي أصبح هاجساً لدول حركة عدم الانحياز، حتى حَمَلَها على التزام الآتي:

(أ) وضع السياسات والبرامج، التي تراعي الحقوق الصحية للنساء؛ مع الأخذ في الحسبان العوامل والظواهر، التي تميزهن من الرجال.

(ب) العمل على حصول الجنسَين على فرص متساوية، لخدمات الرعاية الأولية؛ وتخصيص قضايا المرأة، وخاصة في مجال الصحة، بخدمات تزيد من إنتاجيتها.

(ج) إنشاء صندوق مالي، يسخَّر لحصول المرأة على العلاج الوقائي، وخدمات الرعاية المنزلية.

(د) تأسيس مرفق خاص بالإناث، لمراقبة مرض الإيدز، وحث المجتمع على الرفق بأولئك المرضى ورعايتهن.

(5) المرأة وتقنية المعلومات

حيث فرضت ثورة المعلومات تحديات عديدة، في ما يتعلق بموضوع المساواة بين الجنسَين، وخاصة أنه لا يمكن تجاهل دور تقنية المعلومات في تحقيق التنمية. ولمواجهة تلك التحديات، التزمت دول حركة عدم الانحياز الآتي:

(أ) تطوير سياسات التعليم والتدريب، في المستويات كافة؛ إضافة إلى تدريب المعلمين، وإدارة المؤسسات، والتعليم المتواصل.

(ب) تطوير برامج التعليم تطويراً، يتيح للنساء فرص اكتساب المهارات، والمعرفة الضرورية؛ وذلك لزيادة فاعلية مشاركتهن في مجال تقنية المعلومات.

(ج) إعداد برامج تعليم إلكترونية للمرأة، ترسخ مهاراتها بتقنية المعلومات.

(د) تسهيل حصول المرأة على رأس المال، الذي يسهم في بناء قدراتها، في مجال المشاريع المرتبطة بتقنية المعلومات، ومن بينها مشاريع (المكتب ـ المنزل).

(هـ) تطوير أساليب العمل عن بُعد؛ لتمكِّن النساء من العمل أكثر عدد من الساعات.

(6) المرأة والنزاع المسلح

إن معظم المتضررين من الحروب الحالية، والنزاعات المسلحة، همْ من المدنيين، وغالبيتهم من النساء والأطفال. كما تعاني المرأة انخفاض معدل مشاركتها في عملية السلام والأمن، واتخاذ القرار في شأن المفاوضات والاتفاقيات. ومن ثَم، فإن دول حركة عدم الانحياز، تؤمن بأهمية القضايا المتعلقة بالمرأة، ولاسيما إبّان النزاع المسلح؛ ولذلك التزمت حركة عدم الانحياز الآتي:

(أ) إيجاد الضوابط، التي تؤكد دور المرأة وحقوقها، خلال مفاوضات السلام، ومراحل التحول وإعادة البناء.

(ب) تأكيد مشاركة المرأة وتمثيلها في حالات منع النزاعات، ووضع التوصيات، وبناء السلام؛ ومرحلة ما بعد النزاعات، ومراحل إعادة البناء.

(ج) زيادة دعم المرأة في العمليات السياسية، في الدول التي تعاني النزاعات؛ ما يمكِّن المرأة من التأثير في احتواء النزاعات، والمساهمة في بناء عملية السلام وإعادة البناء.

(د) تحديد الأساليب وبرامج التدخل، لحماية النساء، في معسكرات اللاجئين، من أعمال العنف، وكلّ أنواع الاستغلال الجنسي.

(7) العنف ضد المرأة

حيث أصبح العنف ضد المرأة، يمثل خرقاً لحقوق الإنسان الأساسية؛ كما يُعَدّ عائقاً لتحقيق أهداف المساواة والتنمية والسلام؛ وهو يشكل العديد من الصور المفزعة؛ فإن محاربته تتطلب تغيير طريقة أدوار وعلاقات قوى المجتمع. ومن ثَم، التزمت دول حركة عدم الانحياز الاضطلاع بدور أساسي، في مواجهة كلّ أنواع العنف ضد المرأة، من خلال الآتي:

(أ) تعليم النساء، وتعريفهن بحقوقهن، وتقديم المساعدة القانونية، والإشراف، وغيرها من الخدمات المساعدة.

(ب) تعليم الرجال والأبناء احترام المرأة، بصفتها شريكاً مثيلاً في المجتمع.

ثانياً: حركة عدم الانحياز من المنظور الدولي

1. موقف الكتلة الشرقية من الحياد الإيجابي وحركة عدم الانحياز

    رغم ظهور النظرية الماركسية في أوروبا، إلا أن أبعادها منذ البداية كانت عالمية التوجه وتناقض الرأسمالية، تهدف أساساً إلى إقامة أمة شيوعية لا تعتمد على الدول الأوروبية فقط، ويعتبر لينين أول من ساهم في نشر الفكر الماركسي في الدول والشعوب غير الأوروبية، ولقد وضح ذلك من خلال اهتمام لينين بالدول الآسيوية والأفريقية بهدف تحقيق الآتي:

أ. إقامة الثورات في المستعمرات سيمنع البورجوازية الأوروبية المستغلة لهذه المستعمرات من ثرواتها الضخمة، وقد يؤدي ذلك إلى التعجيل بالثورة في دول أوروبا.

ب. إذا أمكن للاستعمار من إيقاف تزايد الحركات الثورية لدى الطبقة العمالية، فإنه قد أوجد ثورات قومية في الأقاليم الخاضعة للاستعمار، وهذه الثورات تناهض الماركسية، وينعكس ذلك على إمكانية نجاح الماركسية في الدول الأوروبية وفي الدول غير الأوروبية، ولذلك يكون محاربة الاستعمار والقضاء عليه هو الهدف الأساسي للماركسية.

ج. في الدول الأفرو ـ آسيوية يكون القطاع الرأسمالي ضعيفاً مما يتيح إمكانية تغلب الثورات عليه.

    لقد كان إعلان باكو في المؤتمر الأول لشعوب الشرق عام 1920م الأول من نوعه الذي هدف إلى دراسة أوضاع شعوب القارة الآسيوية، وفي النهاية وجه دعوته لحث شعوب الشرق إلى الاتحاد مع بروليتاريا الغرب لمحاربة الاستعمار والإمبريالية، ومنذ هذا المؤتمر بدأت الاتصالات بين ماركسي أوروبا وشيوعي شعوب الشرق، وبدأت تتسع دائرة مناهضة الاستعمار والإمبريالية، واستمرت سياسة الاتحاد السوفيتي في دعم ومساندة الحركات الثورية في الدول الخاضعة للاستعمار، كما سعت إلى مواجهة الحركات التي تنادي بالوحدة الإسلامية أو الوحدة الآسيوية. حيث رأت أن هذه الحركات إذا كانت تعمل على محاربة الاستعمار الأوروبي فإنها في ذات الوقت تعمل على دعم النفوذ التركي الإسلامي والاستعمار الياباني وسيطرة النبلاء وكبار الملاك، كذلك رفض الاتحاد السوفيتي قيام أي تكتل إقليمي أو قاري بين الدول الأفريقية أو بين الدول الآسيوية، وحتى رفضت التكتلات التي نادي بها بعض الشيوعيين المسلمين واعتبرتها خروجاً على الحركة الشيوعية الدولية

    يتضح مما سبق أن هناك تناقض بين الحركة القومية التحررية في آسيا وأفريقيا من جانب والحركة الماركسية من جانب آخر، ولقد أدى هذا التناقض إلى عدم انتشار الماركسية في الدول الأفرو ـ آسيوية، كما كان هناك اقتناع سوفيتي بعدم إمكانية قيام صراع طبقي في آسيا وأفريقيا بسبب عدم وجود طبقة بروليتارية منظمة، كما أنكرت إمكانية نجاح الحركات الثورية لدى الشعوب الأفريقية والآسيوية، التي تميزت بالدور القيادي لطبقة الفلاحين في تحرير بلادهم من الاستعمار، إلا أنه مع وصول الشيوعيين في الصين إلى الحكم عام 1949م، عملت على تطور الماركسية وفق خصوصيات المجتمع الصيني، مما أدى إلى تطور المفاهيم الماركسية لدى الحزب الشيوعي السوفيتي خاصة في مجال علاقاته بالدول حديثة الاستقلال، ومع تأقلم الفكر الماركسي بدأ التناقض بين الماركسية والإيديولوجية الأفرو ـ آسيوية يزول نسبياً، حيث أصبحت بعض الأنظمة الماركسية الاشتراكية مثل الصين الشعبية ويوغسلافيا تنظر إلى الحركة الأفرو ـ آسيوية وحركة عدم الانحياز على أنها حركة تاريخية تتماشى مع متطلبات تطور النظام العالمي وهي متممة للماركسية ومؤيدة لها

    لقد عارض الاتحاد السوفيتي في عهد ستالين سياسة الحياد الإيجابي وعدم الانحياز، وكان هذا التعارض قائم على أن العالم منقسم إلى كتلتين أحدهما شرقية شيوعية والأخرى غربية رأسمالية، كما وصفوا هذه السياسة بأنها مشبوهة، لأنها تؤدي إلى انقسام الجبهة المعادية للاستعمار، وكان لتبني يوغسلافيا سياسة عدم الانحياز دور أساسي في مواجهة الاتحاد السوفيتي لهذه السياسة.

2. موقف الكتلة الغربية من حركة عدم الانحياز

          تميز موقف الدول الغربية بصفة عامة والولايات المتحدة الأمريكية بصفة خاصة بأهمية ضمان تبعية الدول حديثة الاستقلال لها، حتى ولو كانت أنظمة الحكم بهذه الدول دكتاتورية، ولذلك تحدد هدف الكتلة الغربية في إبعاد هذه الدول عن دائرة النفوذ السوفيتي، كما تحددت رؤية السياسة الخارجية الأمريكية في سياسة الحياد الإيجابي وعدم الانحياز بأنها سياسة لا أخلاقية وقصيرة النظر، ولم تتوقف المعارضة الغربية لسياسة عدم الانحياز عند الإدانة والمهاجمة الإعلامية، بل كان هناك ضغوط على الدول المحايدة لضمها في أحلافها العسكرية، كما سعت الولايات المتحدة الأمريكية منذ عام 1956م، بعد هزيمة كل من بريطانيا وفرنسا وإسرائيل في حرب السويس تطبيق مبدأ أيزنهاور المتمثل في سياسة ملء الفراغ، والذي سعى جون فوستر دالاس لتطبيقه من خلال إجبار دول المنطقة على الانضمام في حلف بغداد الذي رفضته كافة الدول العربية.

3. محاولات الكتلة الشرقية والغربية في احتواء حركة عدم الانحياز

    لقد كان ظهور اتجاهات وعوامل جديدة في العلاقات الدولية، خاصة بين المعسكر الشرقي والمعسكر الغربي دوره في تغيير مواقفهما تجاه سياسة عدم الانحياز وتمثلت هذه العوامل في الآتي:

أ. تحقيق توازن القوى بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي، الأمر الذي أدى إلى استبعاد إمكانية الصراع المسلح، كذلك حُددت دوائر النفوذ لكل دولة منهما بكل دقة وحساسية.

ب. كان هناك تغير واضح في مواقف الدول الاشتراكية تجاه سياسة عدم الانحياز، حيث وجدت أن هذه السياسة الجديدة تساعد الدول حديثة الاستقلال على إنهاء السيطرة الغربية، وتمكنها من اتخاذ مواقف مناهضة للاستعمار على الصعيد السياسي والاقتصادي.

ج. رأت الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية في سياسة عدم الانحياز، إمكانية مكافحة الحركات الشيوعية وتجنب التوجهات الاشتراكية.

د. تمكن بعض دول عدم الانحياز من الاضطلاع بدور الوسيط في حل العديد من النزاعات والخلافات الحيوية.

هـ. زيادة العديد من الفوارق بين الدول الغنية والدول الفقيرة، وتنافس الكتلة الشرقية والغربية على تقديم المساعدات الاقتصادية والعسكرية لدول عدم الانحياز بهدف احتوائها والسيطرة عليها.

    لقد أعلن كل من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي دعمهما لسياسة حركة عدم الانحياز، ولقد وضح تأييد الاتحاد السوفيتي لهذه السياسية بوصفه لحركة عدم الانحياز بأنها منطقة سلام أو معسكر مناهض للإمبريالية وفقاً لوجهة النظر السوفيتية، كما أكدت مؤتمرات الحزب الشيوعي السوفيتي على وجود دول الحياد الإيجابي وعدم الانحياز، كذلك تحولت السياسة الأمريكية لتتصف بنوع من المرونة الانتهازية إزاء الوضع الثوري المتغير في المنطقة الأفرو ـ آسيوية، وتمثل ذلك في تأييد الرئيس كنيدي عام 1961م، لحركة عدم الانحياز بغض النظر عن ابتعادها عن الحرب الباردة، وبغض النظر عن النهج الذي تتبعه أو تختاره دول هذه الحركة.

    نظراً للتغيير الإيجابي في الموقف السوفيتي والأمريكي إزاء سياسة عدم الانحياز، اتجهت وسائل الإعلام الغربية إلى وصف سياسة عدم الانحياز بأنها تخفي التبعية للاتحاد السوفيتي، محاولة بذلك إيهام الدول الغير منحازة بالتأييد الأمريكي في سياستهم الحيادية. وطرح الغرب فكرة العالم الحر للرد على فكرة الاتحاد السوفيتي منطقة سلام، ولقد كان تحول رؤى القطبين والتوجه نحو العالم الثالث ومشاكله ما هو إلا خضوع القطبين لهذه السياسة، مقتنعين بالموقف الجديد القائم على فكرة مجتمع سلمي عالمي مكون من دول حرة ومستقلة لها الحرية في اختيار نظامها الاجتماعي والاقتصادي، إلا أنه استمرت في ذات الوقت محاولات الكتلتين لاحتواء دول حركة عدم الانحياز، متبعة في ذلك طرق وأساليب مختلفة تمثلت في دعوة دول الحركة بالانضمام إلى معسكر السلام أو إلى معسكر العالم الحر.

4. موقف حركة عدم الانحياز من محاولات الاحتواء

    بعد أن تصاعدت أهمية الدور الذي تقوم به حركة عدم الانحياز في حماية السلام العالمي من خلال المبادرات الإيجابية التي قامت بها، والتي دفعت كل من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي إلى بدء مفاوضات نزع السلاح بجنيف عام 1960م، وكانت المفاوضات تضم ثمانية دول غير منحازة، كان لها دوراً حيوياً في تقريب وجهات النظر بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية فيما يخص نقاط الخلاف، وبدأت العلاقات بينهما تتجه للانفراج، كما بدأت الحرب الباردة تتحول تدريجياً إلى نوع من التعايش المقبول، أطلق عليه الانفراج الدولي، واستمرت الضغوط الدافعة في اتجاه الانفراج تعمل من أجل تحسين العلاقات بين الدولتين العظمتين، وكان انضمام الصين للنادي النووي من دوافع سعي الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي للتوصل إلى ضوابط فعالة تمكن من تجنب التأثيرات الاختلالية المحتملة على أوضاع التوازن النووي، وكان نتيجة ذلك أن عقدت معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية عام 1968م، بعد اقتناع الطرفان بأن نظم الأسلحة الإستراتيجية لم تعد تضيف أي إضافات جديدة لها قيمة، ومن هذا المنطلق قُننت اتفاقية الحد من الأسلحة الإستراتيجية سولت عام 1972م كمؤشر عام على انتقال العلاقات بينهما إلى مرحلة الانفراج الدولي.

    خلال مرحلة الانفراج الدولي بدأت حركة عدم الانحياز تتباين مواقفها، حيث ظهر الانقسام الداخلي، إذ كان هناك اتجاهان، أولهما تقدمي مؤيد للاتحاد السوفيتي، والآخر محافظ يؤيد الولايات المتحدة الأمريكية، ولقد وضح الارتباط بين نشاط حركة عدم الانحياز وزيادة التوتر في مرحلة الحرب الباردة، حيث كانت تسعى كل من الكتلتين لمنع انضمام أعضاء الحركة إلى الجانب الآخر، ولذا قبلت كل منهما موقف عدم الانحياز على أساس أنه أقل الاحتمالات إضراراً، إلا أن معظم دول عدم الانحياز لم يكن في مقدورها أن تتجه نحو الكتلة الاشتراكية بحكم تكوين قيادتها البرجوازية الوطنية، كذلك لم يكن في مقدورهم التحالف مع الغرب الاستعماري.

    لقد تميزت مواقف كل من الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة تجاه العالم الثالث بصفة عامة ودول عدم الانحياز بصفة خاصة خلال فترة الثمانينيات بالثبات، ولم تتغير في جوهره خلال مرحلة الانفراج الدولي، فالتأييد الذي منحه الاتحاد السوفيتي لحركة عدم الانحياز لم يتغير، رغم الانتقادات التي كان يوجهها القادة السوفيت لبعض الدول التي انضمت إلى الحركة في مرحلة متأخرة، لكن لم يمنع ذلك دون استمرار الاتحاد السوفيتي في تقديم العون والتأييد لدول عدم الانحياز، بل وتزايد هذا العون مع تصاعد النزاع الصيني السوفيتي، ومن جانب آخر ظل القبول الأمريكي بحركة عدم الانحياز مستمراً، حيث كانت الرؤية الأمريكية للحركة على أنها مستقلة بالفعل بين الكتلتين، لكن هذه النظرة لم تمنع الولايات المتحدة من السعي لاحتواء عدد متزايد من هذه الدول، لكن العامل الأساسي الذي ساهم في نجاح الولايات المتحدة الأمريكية في فرض نفوذها في عدد كبير من دول العالم الثالث وبعض دول عدم الانحياز كان تحول بعض القيادات البورجوازية الوطنية الحاكمة فيها إلى التبعية الاقتصادية للغرب مرة أخرى، وبذلك لم يتمكن العديد من دول عدم الانحياز من مواجهة سياسات الاحتواء السوفيتية والأمريكية، وكانت النتيجة عجز العديد من الدول أن تأخذ مكانها متحررة من الضغوط الاستعمارية الجديدة، ولم تتمكن من تحقيق استقلالها الاقتصادي، ولذلك كان التقدم الذي حققته الدول المستقلة حديثاً منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، محدوداً بالقياس إلى مستوى التقدم الذي حققه العالم الأول والعالم الثاني، حيث استمرت سيطرتهما الاقتصادية على العديد من الدول النامية ودول العالم الثالث.

بدأ تحرك بعض الدول النامية، ومن بينها إيران وكوريا الشمالية وفنزويلا وكوبا، لتشكل تحالفاً مناهضاً للولايات المتحدة الأمريكية. ووضح ذلك، جلياً، خلال انعقاد القمة الرابعة عشرة لحركة عدم الانحياز، التي عُقدت في كوبا، عام 2006، إذ رُفض تفرد واشنطن واحتكارها للتكنولوجيا النووية. وأُنْكِرت عليها سياستها تجاه مناطق الصراع، في العديد من أنحاء العالم، وخاصة استخدام حق النقض (الفيتو)، في مجلس الأمن؛ لمنع مناقشة الجرائم الإسرائيلية ضد الفلسطينيين ولبنان. كما قررت الحركة تقديم دعمها لكلّ من فنزويلا وبوليفيا، اللّتَيْن تواجهان محاولات أمريكية لزعزعة استقرارهما. كذلك انتُقِد إنشاء مكتب التجسس الأمريكي، المعني بأمور فنزويلا وكوبا. كما أُعلن الدعم الدائم، والتضامن مع شعب وحكومة بوليفيا، التي تتعرض لمحاولات تفكيك الدولة، وزعزعة مؤسساتها، وتعريض الديموقراطية فيها للخطر. كذلك رفضت الحركة الحظر، الذي تفرضه الولايات المتحدة الأمريكية على كوبا، منذ عام 1962؛ على الرغم من أنه يعارض مبادئ الأمم المتحدة، ويلحق خسائر اقتصادية بالشعب الكوبي. كما نددت حركة عدم الانحياز بالإجراءات ضد الشعب الكوبي، ومنها البث المعادي: الإذاعي والتليفزيوني. كما طالبت الحركة بعودة السيادة الكوبية على قاعدة جوانتانامو.

ومن ثَم، بدأت تتضح معالم تكوين كتلة معادية للولايات المتحدة الأمريكية، داخل حركة عدم الانحياز؛ وذلك من خلال تكوين شبكة علاقات عالمية، بين دول الجنوب، لتكوين نموذج عولمة بديلة من العولمة الأمريكية. ومن الملاحظ، أن العديد من الدول، التي تكوِّن تلك الكتلة، دول من أمريكا اللاتينية، وخاصة اليسارية. ولقد أبرزت إيحاءات كوبا رغبتها، من خلال القمة الرابعة عشرة، في تحويل حركة عدم الانحياز إلى كتلة عمادها هو أكثر الدول عداءً لواشنطن، لمواجهة الهيمنة الأمريكية. إلا أن الحقائق، تؤكد وجود خلاف بين أعضاء الحركة، وخاصة  بين خصوم واشنطن، الذين تتركز جهودهم في توضيح وتفنيد المساعي الأمريكية للسيطرة والهيمنة على النظام العالمي؛ وبين أصدقائها، الذين ركزوا في القضايا البيئية، والمشاكل التقليدية، ومنها: التنمية، وحقوق الإنسان، وغياب العدالة، واستغلال الموارد الطبيعية، وضرورة إصلاح الأمم المتحدة والتعاون بين دول الجنوب.

5. دول عدم الانحياز والأمم المتحدة

    أظهرت دول عدم الانحياز اهتماماً كبيراً بالأمم المتحدة كآلية حتمية لمعالجة الشؤون العالمية، ولم يرجع هذا الاهتمام بسبب محدودية قدرة هذه الدول فحسب، بل ومن اهتمامها المتزايد وقلقها من احتمالات تفجر الصراع المسلح نظراً لما كان يسود العالم من الاضطرابات والتجزئة، وإذا كانت الدول الكبرى لم تكن في حاجة ماسة للأمم المتحدة معتمدة على قوتها الذاتية، يضاف إليها الدول المنحازة المرتبطة إما مع الاتحاد السوفيتي أو مع الدول الغربية في أحلاف عسكرية ومواثيق دفاعية، لذلك كانت هذه الدول أقل ميلاً في طلب الحماية من الأمم المتحدة، أما الدول اللا منحازة، فإذا فقدت حماية الأمم المتحدة، فإنها بذلك تكون قد فقدت السبيل الوحيد أمامها للدفاع عن عالم كانت تسوده التوترات واستخدام القوة العسكرية لتحقيق الأهداف. ومن ثم وضح أهمية الأمم المتحدة عند دول عدم الانحياز حيث تمثل العضوية في الأمم المتحدة بالنسبة لها الرمز ومكانة الدولة كوحدة مستقلة ذات سيادة، ولقد حققت دول عدم الانحياز العديد من الفوائد باشتراكها في أنشطة الأمم المتحدة، ولقد وضح ذلك من خلال التأييد المطلق والتعلق الشديد بالأمم المتحدة.

    لقد كانت دائماً سياسة عدم الانحياز تعزيزاً لقضية السلام، إلا أن دول عدم الانحياز كانت تدرك الحقيقة المتمثلة في أن الأمم المتحدة ليست على قدر كاف من القوة يمكنها من الحفاظ على السلام وفرضه على القوى العظمى، ومن ثم أبدت العديد منها على إظهار استعدادها لأن تقدم إلى الأمم المتحدة العون العسكري والسياسي لمنع الصراعات الدولية والإقليمية، ولذلك كانت مساهمتها في إطار تكوين قوات الأمم المتحدة، ولا يعني ذلك أن دول حركة عدم الانحياز كانت موافقة على تطوير هذه القوة وتنميتها، وتزويدها بالأسلحة اللازمة التي تمكنها من تنفيذ مهامها طبقاً للمادة الثالثة والأربعون من ميثاق الأمم المتحدة حيث تغلبت النفعية على المثالية، وهي الحالة التي سادت توجهات معظم دول الأمم المتحدة، حيث كان التأييد محدود لدعم أجهزة الأمم المتحدة المنوطة بالعمل الجماعي لمواجهة الحالات الطارئة، كذلك هناك توجهات لبعض دول عدم الانحياز تقوم على أسس استثنائية بوساطة بعض الوحدات الصغيرة، لكن عدد محدود للغاية هو الذي كان له توجه قائم على إمكانية تكوين قوة سلام دائمة للأمم المتحدة.

    اتسمت المواقف الحيادية من إجراءات الأمم المتحدة في إحلال التسويات السلمية في إطار أهداف عامة، حيث تعددت مناطق النزاعات بين الدول النامية، وكانت تتورط فيها عدة دول حديثة الاستقلال، ولذلك كانت هناك رغبة الدول غير المنحازة في الحيلولة دون تدخل الدول العظمى

    الكبرى في دعمها للإجراءات السلمية التي تقوم بها الأمم المتحدة، ولذلك وضح الخلاف في مواقف دول عدم الانحياز بين صراعات الدول الكبرى والخلافات المحلية التي تؤثر على المصالح القومية لدول الحركة وخاصة الخلافات المتعلقة بمطامحها الإقليمية، فهي كدول محدودة القدرات نسبياً، تتطلع إلى الأمم المتحدة طالبة حمايتها، ولكن عدداً كبيراً من دول عدم الانحياز كان يعارض تدخل الأمم المتحدة عندما يتعارض هذا التدخل مع مصالحها القومية.

    وبالرغم من وجود اختلاف في الرأي حول الدور الذي يجب أن تقوم به الأمم المتحدة،إلا أنها تتفق في الرأي حول مهام المنظمة الدولية، والذي تمثل أساساً في مكافحة الاستعمار الغربي والحظر الذي يمثله الاستعمار الجديد، ولذلك ينبع إيمان دول عدم الانحياز بأن الدور الأساسي للأمم المتحدة يجب أن يوجه أساساً إلى محاربة كافة أشكال الاستعمار الجديد، كما أنه توجد مشاكل كبيرة أخرى تواجه الأمم المتحدة وهي مشكلة نزع السلاح والتنمية الاقتصادية والحفاظ على السلام العالمي، ولكن من وجهة نظر دول عدم الانحياز أن هذه المشاكل ثانوية إلى حد ما، من حيث أنها إما أن تكون مرتبطة ارتباطاً مباشراً بالاستعمار، وإما أنها ذات ارتباط عميق بالآثار السلبية لهذا الاستعمار.

    وعادة ما يوجه إلى الأمم المتحدة نقد يتناول أسلوب تعاملها مع المشكلات المختلفة بمعيار مزدوج، خاصة من دول غير منحازة، حيث رأت أنه قد نما في داخل الأمم المتحدة معيار مزدوج للعدالة والأخلاق، أحدهما للتعامل مع قضايا الغرب والآخر بالنسبة للدول النامية حديثة الاستقلال، ومن ثم وضح أهمية المحاولات التي سعت إليها دول آسيا وأفريقيا وخاصة دول عدم الانحياز من أجل توسيع نطاق مجلس الأمن والمجلس الاجتماعي والاقتصادي بالأمم المتحدة لتضمن الحصول على تمثيل أكبر في هذين الجهازين ولكن لم يتحقق ذلك حتى الآن، ويرجع ذلك للمعارضة الشديدة من الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن. أما عن قضية حق النقد أو الفيتو والذي لم يُحدد نطاق استخدامه، وطالبت دول عدم الانحياز بالحد من استخدامه وقصر حالات استخدامه على الإجراءات المتخذة في إطار الفصل السابع من الميثاق تمهيداً لإلغائه في المستقبل، رغم أن هذا مستبعد حيث لا يتصور موافقة الدول الدائمة العضوية بمجلس الأمن على حرمان نفسها من هذا الامتياز الذي يضعها في مرتبة أعلى من حيث الحقوق مقارنة بالدول الأعضاء الأخرى، ولقد تحددت هذه المطالب خلال مؤتمر قمة دول عدم الانحياز الحادي عشر في قرطاجنة عام 1995م، وكذلك في مؤتمر قمة دول عدم الانحياز الثانية عشر في عام 1998م. أما عن قضية إعادة تنظيم أجهزة الأمم المتحدة وإصلاح أساليب عملها فقد تبنت قمة دول عدم الانحياز في ديربان عام 1998م، مشروع قرار بشأن التمثيل العادل في عضوية مجلس الأمن، وزيادة أعضاءه ليكون إحدى عشر عضواً على أن يُخصص عدد من المقاعد الدائمة للدول النامية، وخاصة دول عدم الانحياز التي تمثل نحو ثلثي أعضاء المنظمة، حيث يبلغ عددها حوالي مائة وثلاثة عشر دولة، لا تمثل في مجلس الأمن سوى بأربعة أعضاء فقط غير دائمين، كذلك يطالب دول عدم الانحياز بزيادة أعضاء مجلس الأمن إلى ستة وعشرون عضواً، إلا أن هذه المطالب تواجه بمعارضة شديدة من الدول المتقدمة.



[1] تضم لجنة فلسطين في حركة عدم الانحياز تسعة دول أعضاء هي: الجزائر، بنجلاديش، كوبا، الهند، إندونيسيا، فلسطين، السنغال، زامبيا، زيمبابوي.

[2] هو نظام الفصل العنصري الذي كانت تطبقه جنوب أفريقيا.

[3] http://www.snni.org/events/nwmiularab.php?re=no=no&id133766.