إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / منظمات وأحلاف وتكتلات / جامعة الدول العربية




محمود رياض
محمد عبد الخالق حسونة
أحمد عصمت عبد المجيد
الشاذلي القليبي
علم الجامعة
عمرو موسى
عبد الرحمن عزام





جامعة الدول العربيــــة

 

المبحث الأول

خلفية تاريخية لمحاولات الوحدة

أولاً: لمحة تاريخية

    عاشت المنطقة العربية قروناً طويلة، تشكو الفُرقة والشتات، على الرغم من أن واقع المنطقة، كان يدعوها إلى الوحدة والتكتل؛ إذ إن شعوبها تكوّن أمّة واحدة، تشكلت عبر التاريخ، تضمها رقعة جغرافية واحدة، متكاملة، وتجمعها أواصر اللغة والثقافة والتاريخ والحضارة والتطلعات، والآمال الواحدة.

    وقد تبلورت هذه الأمّة على هذا النحو المتجانس، منذ القرن السابع الميلادي، حينما أمكن العرب، وهم ينشرون الإسلام، توحيد هذه المنطقة، من طريق الثقافة العربية الإسلامية، التي تُحلق بجناحَين: أولهما مقوم العقيدة، وهو الإسلام، وثانيهما مقوم اللسان وهو اللغة العربية. وإلى هذا المعنى، أشار الله ـ سبحانه ـ حين وصف كتابه الكريم: ]إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ[ (سورة يوسف: الآية 2)، وقوله تعالى ]بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ[ (سورة الشعراء: الآية 195). فسادت اللغة العربية، لغة القرآن، بدلاً من اللغات الأخرى المتعددة، وهيمنت الثقافة العربية المتجانسة على الثقافات القديمة المتفرقة.

    وهكذا، تحوّل العرب، منذ القرن السابع الميلادي، من قبائل متفرقة، تقطن في الجزيرة العربية، عدا عدد قليل منها، يعيش في سورية وبلاد ما بين النهرين، إلى أمّة واحدة، يجمع بين أهلها صفات شتى.

    غير أن شعوب هذه الأمّة الواحدة، لم تنعَم بالوحدة المركزية، والتماسك السياسي، إلاّ لثلاثة قرون فقط، ثم بدأت تراودها النزعات الانفصالية اللامركزية.

    وقد واجهت هذه الأمّة، أول ظهورها،الكتلتَين السياسيتَين العظميَين، عصرئذٍ: وهما الفرس والروم، ودحرتهما. بيد أن الوهن، عرف طريقه إليها، منذ أواخر العصر الأموي. وما لبث، مع بداية عصر الفرس والترك، منذ القرن العاشر الميلادي، أن دَب إلى وحدتها السياسية.

ويُعَدّ فرار عبدالرحمن الداخل (صقر قريش)، وهو حفيد الخليفة الأموي، هشام بن عبدالملك، من مذبحة العباسين، إلى الأندلس، عام 750م، ليكوّن هناك دولة أموية، مركزها قرطبة، ومبايعة مسلمي الأندلس وشمالي أفريقيا له بالخلافة، إيذاناً بهذه الفُرقة.

    وسرعان ما شهد شمالي أفريقيا انبثاق خلافة أخرى، هي الخلافة الفاطمية، التي اتخذت مصر مركزاً لها. وإذا مراكز السلطات السياسية في الأمّة العربية شتى، ووحدتها السياسية أشتات. وظل انحسار سلطان الخلافة العباسية، حتى قضى عليها المغول بُعَيد منتصف القرن الثالث عشر الميلادي، على إثر احتلال العراق والشام؛ ولم يحُل دون تردّيها نجاح مصر في صد غارات المغول عليها وعلى الشام، بعد ذلك.

    وما أن انجلت هذه المحنة، حتى واجهت الأمّة العربية محنة أدهى وأمرّ، تمثلت في الحروب الصليبية، التي شنها الاستعمار الأوروبي للسيطرة على المنطقة العربية. ومع أن هذه الحروب انتهت باندحار الصليبيين، بعد مقاومة عربية عنيفة، إلاّ أن البلاد العربية، أنست إلى تمزقها، حتى احتضنها العثمانيون في الإمبراطورية العثمانية الكبرى، لمدة أربعة قرون كاملة. ولما كان هَمُّ الدّولة العثمانية الأوّلُ التوّسُّعَ غرباً وشمالاً، لم تُولِ البلاد العربية عنايتها الكبرى، إلا فيما يتعلق بتشرفها بخدمة الحرمين الشريفين، وحماية ديار الإسلام المقدسة، فبسطت نفوذها على بلاد الشام وغرب الجزيرة العربية بوصفها الطرق المؤدِّية إلى الحرمين الشريفين. فعاني عرب الشام والجزيرة العربية من قدر كبير من الجهل والتخلف على فترة ركود وضَعْفٍ في الدولة العثمانية، بل إنّ بعض ولاة الدولة العثمانية في البلاد العربية هذه أساءوا إلى الناس، وكانوا يجبون منهم الأموال على فقرهم، مما تسبب في تملمُل العرب الذين يرون أنفسهم مادة الإسلام وأحفاد نبيه، فنشأت فيهم نعرة العروبة، التي شجعتها بريطانيا، نكاية وتربصاً بالدولة العثمانية، فزحفت قوات الشريف حسين إلى سورية، نصيرة للحلفاء على الدولة العثمانية، وذلك مقابل وعود من الحلفاء بالاعتراف استقلال العرب بعد الحرب. ابتداءً من نهاية القرن التاسع عشر، فاستولت فرنسا على الجزائر وتونس والمغرب، وانفردت إيطاليا بليبيا، واحتلت إنجلترا مصر، ومدت نفوذها إلى عدن ومناطق الخليج العربي.

    وما إن وضعت الحرب أوزارها، حتى نكث الحلفاء وعودهم، بل ائتمروا بالعرب، فنفذوا ما كانوا قد أعدوه قبْل الحرب. إذا قرروا في "سان ريمو" وضع كلٍّ من سورية ولبنان، تحت الانتداب الفرنسي، ووضع العراق وفلسطين وشرق الأردن، تحت الانتداب البريطاني. بل اعترفوا لليهود بحق تأسيس وطن قومي لهم، في فلسطين. وهكذا انتهى الأمر بالاستعمار، إلى بسط نفوذه على كل البلاد العربية؛ علماً أن نفوذ بريطانيا، كان قد تسلل إلى اليمن، قبْل الحرب، وتأكد بعدها.

    وخلال فترة ما بين الحربَين، الأولى والثانية، لم تنِ الشعوب العربية في مقاومة الاستعمار. فشهدت كلٌّ من العراق وسورية ولبنان وفلسطين والمغرب ومصر، انتفاضات وطنية، وثورات تترى، تنادي بالاستقلال. وقد حققت هذه الحركات قدراً من النجاح، فتأتّى وجْه من الاستقلال السياسي لبعض البلاد العربية.

    وواكب حركات المقاومة العربية المتصاعدة ضد الاستعمار، وعيٌ يدعو إلى الوحدة العربية، متوخياً توحيد الدول العربية الناشئة، تمهيداً لتخلصها التام من السيطرة الاستعمارية والتبعية الأجنبية ومساعدة سائر الشعوب العربية الأخرى على نيل استقلالها، والتخلص من التبعية.

    لامست الدعوة إلى الوحدة العربية رغبة قوية لدى الدول العربية المستقلة. انبثقت منها الدعوة إلى كيان وحدوي يجمعها، ويساعد الشعوب العربية، التي ما برحت مستعمرة، على نيل استقلالها. فكانت فكرة جامعة الدول العربية.

    تكشفت الحرب العالمية الثانية، عن الأهمية الاقتصادية البالغة للمنطقة العربية، الزاخرة باحتياطي نفطي ضخم، يتجاوز ثلثَي الاحتياطي العالمي. إضافة إلى الأهمية الإستراتيجية لقناة السويس، في نقل هذا النفط، خاصة أن الحاجة إليه، كانت قد تضاعفت بسبب الحرب. فضلاً عن الأهمية الإستراتيجية للقناة، بل للمنطقة، المستمدة من الموقع الجغرافي، والتي تجلت على أثر احتدام المعارك فيها، بعد سقوط معظم دول القارة الأوروبية في قبضة الألمان، مع بداية الحرب.

    ومن ثمّ، تأكدت وحدة المنطقة العربية، الاقتصادية والإستراتيجية، فضلاً عن وحدتها الجغرافية.

    أدركت القوى الاستعمارية هذا الواقع خير إدراك. ولكنها سعت إلى استغلاله أسوأ استغلال، فحرصت خلال الحرب وعشية انتهائها، على الاحتفاظ بسيطرتها على المنطقة، في مواجَهة الخطر الإمبريالي الجديد الزاحف إليها (الولايات المتحدة). والحيلولة دون بسط نفوذه عليها. ولذلك، كان قرارها، أن تمد سيطرتها إلى كل المنطقة، بوصفها ضماناً ضرورياً لتأمين هذه السيطرة.

    ولئن كانت الحرب كلها مصائب، فإنها لم تخلُ من فائدة للبلاد العربية، التي ظهرت فيها الحركات الاستقلالية، وواتت شعوبها رياح الحرب، للتخلص من سيطرة الدول الاستعمارية، التي دفعتها إلى حرب ليس لها فيها مصلحة.

    فاشتدت مقاومة الاستعمار البريطاني، في كلٍّ من مصر والعراق. ونشطت مقاومة الاستعمار الفرنسي، في كلٍّ من سورية ولبنان. بل حاول بعض فصائل المقاومة التعاون مع الألمان، لنيل مساعدتهم على التخلص من الاستعمار، مثلما حدث في كل من مصر والعراق. وهلّل الألمان لهذه المبادرة، وأبدوا تشجيعهم لذلك.

    وما لبثت الأخطار أن حاقت بالمنطقة وشعوبها، بسبب الهجرة الصهيونية الجماعية، التي سمحت بها الحكومة البريطانية، إلى فلسطين، تنفيذاً لفكرة الدولة الصهيونية. بيد أن تلك الأخطار ساعدت، كذلك، على تزايد الاهتمام العربي بضرورة "جمع الصفوف"، لمواجهة الخطر الصهيوني القادم، والخلاص من السيطرة الاستعمارية مصدر هذا الخطر.

    وإزاء الضغط، النازي والفاشي، المتزايد على الدول الاستعمارية الغربية، أثناء الحرب، خاصة بعد أن تمكن النازيون، في بدايتها، من اجتياح أوروبا بسهولة. وحيال النفوذ الأمريكي المتزايد، الذي يسعى إلى فرض سيطرته على المنطقة كلها ـ عمدت الدول الاستعمارية الغربية، خاصة بريطانيا، إلى محاولة التخفيف من حدّة العداء العربي تجاهها، بل عملت على كسب الدول العربية إلى جانبها. فأعلنت، والحرب تدور رحاها، عن تعاطفها مع دعوات الاستقلال، التي نادى بها بعض الدول العربية، وترحيبها بأي عمل في اتجاه الوحدة العربية. وقد صدر هذا التصريح على لسان وزير خارجية بريطانيا، أنتوني إيدن، في  29 مايو 1941، حين قال: "لقد خطا العالَم العربي خطوات واسعة في طريق الرقيّ. وهو يطمح، الآن، إلى تحقيق نوع من الوحدة، يجعل منه عالَماً متماسكاً. ويرجو أن تساعده بريطانيا العظمى على بلوغ هذا الهدف. ويسرني أن أعلن، باسم حكومة صاحبة الجلالة، ترحيب بريطانيا بهذه الخطوة، واستعدادها لمساعدة القائمين بها، حالَما تتأتى لها الأدلة على تأييد الرأي العام العربي لها".

    وبعد أقلّ من عامين، كرر وزير الخارجية البريطاني، مضمون تصريحه السابق، حينما سأله عضو في مجلس العموم البريطاني، مستفسراً إن كانت هناك تدابير، تتخذ لزيادة التعاون السياسي بين البلدان العربية في الشرق الأوسط، بهدف إنشاء حلف عربي، آخر الأمر. وكان رد وزير خارجية بريطانيا: "إن الحكومة البريطانية، تنظر بعين العطف إلى كل حركة بين العرب، لتعزيز الوحدة، الاقتصادية أو الثقافية أو السياسية، بينهم. ولكن الجليّ أن الخطوة الأولى، لتحقيق أي مشروع، لا بدّ أن تأتي من جانب العرب أنفسهم؛ والذي أعرفه، أنه لم يوضع، حتى الآن، مشروع كهذا. أما إذا وضع، فإنه سينال استحساناً عاماً"[1].

ثانياً: مشاورات من أجل الوحدة العربية

    تلقفت الحكومات العربية التصريحات البريطانية. فدعا مصطفى النحاس باشا، رئيس وزراء مصر، في يونيه 1942، كلاًّ من جميل مردم، رئيس وزراء سورية، والشيخ بشارة الخوري، رئيس الكتلة الوطنية في لبنان، الذي أصبح رئيساً للجمهورية، فيما بعد، إلى زيارة مصر، لتبادل الرأي في بعض الشؤون العربية. وفي مباحثاتهم، تناولوا الموقف بين سورية ولبنان، وسُبُل التعاون بين البلاد العربية، وإنشاء جامعة عربية لتوثيق الروابط بينها. وكانت تلك المرة الأولى، التي تثار فيها فكرة الجامعة، بمثل هذا الوضوح.

    لم تعِر الحكومات العربية هذه الفكرة اهتمامها. ولكنها رأت في تصريح وزير الخارجية البريطاني، في مجلس العموم، ضوءاً أخضر، لبدء سلسلة من الاتصالات، الثنائية والجماعية، وتنسيق المشاورات، في شأن دراسة فكرة إقامة تنظيم عربي واحد، يلمّ في رحابه شمل الدول العربية كلها، ويسمح بدرجة أكبر من التنسيق بينها، في مختلف المجالات، السياسية والاقتصادية والثقافية، ويدعم تعاونها، في كل هذه الميادين.

    أمّا مصطفى النحاس باشا رئيس وزراء مصر، فبادر، بعد أقلّ من الشهر على تصريح وزير الخارجية البريطاني، إلى إلقاء بيان، في مجلس الشيوخ المصري، في 29 مارس، جاء فيه: "إنني معني، من قديم، بأحوال الأمّة العربية، والمعاونة على تحقيق آمالها في الحرية والاستقلال، سواء في ذلك أكنت في الحكم أم خارج الحكم. وقد خطوت خطوات واسعة، صادفها التوفيق. فاتجه الحكم، في بعض الأقطار العربية، الاتجاه الشعبي الصحيح. ومنذ أعلن إيدن تصريحه، فكرت طويلاً، ورأيت أن الطريق المثالي، الذي يمكن به التوصل إلى غاية مُرضية، هي أن تتناول هذا الموضوع الحكومات العربية الرسمية. وانتهيت من دراستي، إلى أنه يحسُن بالحكومة المصرية، أن تبادر باتخاذ خطوات في هذا السبيل. فتبدأ باستطلاع آراء الحكومات العربية المختلفة في ما ترمي إليه من آمال، كلٌّ على حدَة. ثم تبذل الجهود للتوفيق بين آرائها، ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً. ثم تدعوهم بعد ذلك إلى مصر معاً، في اجتماع ودّي لهذا الغرض، حتى نبدأ السعي للوحدة العربية، بجبهة متحدة بالفعل. فإذا تم التفاهم، أو كاد، وجب أن يعقد مؤتمر، لإكمال بحث الموضوع، واتخاذ ما يراه من القرارات محققاً للأغراض، التي تنشدها الأمّة العربية".

    وفي الوقت نفسه، صرح الأمير عبدالله، في الأردن، بأن العرب، سوف ينتهزون الفرصة، حالاً، للدعوة إلى مؤتمر عربي عام.

    وهكذا، وافق تصريح الأمير عبدالله تصريح رئيس وزراء مصر، مصطفى النحاس. ويؤكد كثير من الدراسات حول نشأة جامعة الدول العربية، رغبة كامنة عامة لدى الحكومات العربية الأخرى، في هذا الشأن.

1. المشاورات العراقية ـ المصرية (من 31 يوليو إلى 6 أغسطس 1943)

    نتيجة للتنسيق السياسي العراقي ـ البريطاني، سارع نوري السعيد، رئيس الوفد العراقي، باستبعاد فكرة اتحاد البلاد العربية في إطار حكومة مركزية، واقترح أن يتم التعاون العربي بإحدى الطريقتين:

أ. تكوين اتحاد له جمعية عامة تمثل الدول الأعضاء فيها بنسبة عدد سكانها ولجنة تنفيذية مسؤولة أمام الجمعية العامة، تتولى معالجة الشؤون السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية.

ب. تكوين اتحاد تكون قراراته ملزمة لمن يقبل بها من الدول الأعضاء، وتتساوى الدول الأعضاء فيه في عدد المندوبين الذين يمثلونها.

2. المشاورات الأردنية ـ المصرية (من 28 أغسطس إلى 2 سبتمبر 1943)

    رأس الوفد الأردني توفيق أبو الهدى، رئيس الوزراء، ومصطفى النحاس، عن الجانب المصري، وتناولت المشاورات بحث مشروع وحدة سورية الكبرى، وموضوع الوحدة العربية. وحاول أبو الهدى أن يبين للنحاس موافقة بريطانيا على المشروع. أمّا في مجال التعاون العربي، فقد وافق الرئيس الأردني على مقترحات نوري السعيد في هذا الصدد.

3. المشاورات السورية ـ المصرية (من 26 أكتوبر إلى 3 نوفمبر 1943)

    بدأ "النحاس" المشاورات مع رئيس الوفد السوري، سعدالله الجابري، رئيس الوزراء، بعرض مشروع وحدة سورية الكبرى. وتناول العقبات التي تعترض تحقيقه، ثم انتقل إلى موضوع الوحدة العربية، مستبعداً مشروعي سورية الكبرى والهلال الخصيب، تاركاً الباب مفتوحاً للبحث عن صيغة للتعاون العربي، وعن أداة لهذا التعاون، تقبل بهما جميع الدول الأعضاء.

    وتحدث، بعد ذلك، رئيس الوفد السوري بإسهاب عن تجزئة بلاد الشام مؤكداً أنها كانت وليدة اتفاقات ومصالح أجنبية سرية وعلنية فُرضت على أهل البلاد بالقوة. ولكنه عاد وأكد استحالة توحيد الأقطار الشامية الأربعة بسبب اختلاف تطورها السياسي، وتنوع أنظمة الحكم فيها، ووجود الأقلية المارونية في لبنان، والأقلية اليهودية في فلسطين. ورحب بالتعاون العربي في الميادين السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، بين مصر والشام والعراق والمملكة العربية السعودية واليمن.

4. المشاورات السعودية ـ المصرية (26 نوفمبر 1943)

    دارت المشاورات بين يوسف ياسين ومصطفى النحاس، واتسم الموقف السعودي بالتحفظ والحذر. وعارض رئيس الجانب السعودي مشروعي سورية الكبرى والهلال الخصيب، وأعرب عن رغبته في تأجيل البحث في موضوع التعاون السياسي بين الدول العربية. أمّا التعاون في الميادين الاقتصادية والثقافية، فأبدى عدم معارضة بلاده له.

5. المشاورات اللبنانية ـ المصرية (يناير 1944)

    حدد وفد لبنان موقفه من مشاوراته مع النحاس ببيان مكتوب قدمه رياض الصلح، رئيس الوزراء. وتضمن البيان ثلاثة عوامل وراء رغبة لبنان في التعاون العربي وهي:

أ. ضعف المؤثرات الأجنبية التي كانت تسيطر عليه في عهد الانتداب.

ب. تفهم الدول العربية لموقفه المتحفظ من الوحدة العربية، واعترافها بكيانه المستقل وحدوده الحالية.

ج. تفهم لبنان لضرورات التعاون مع الأقطار العربية المجاورة.

6. المشاورات اليمنية ـ المصرية (فبراير 1944)

    تباحث وفد اليمن، في القاهرة، مع مصطفى النحاس حول موضوع الوحدة العربية، ولم يرد في محاضر مشاورات الوحدة سوى تلخيص لهذه المباحثات، تتضمن ترحيب اليمن بفكرة التعاون الثقافي والاقتصادي بين البلاد العربية، على أن تحتفظ كل دولة بكامل سيادتها وحقوقها، ويكون هذا التعاون قائماً على أساس التساوي بين جميع الدول في الحقوق والمصالح المتبادلة.

    أسفرت المشاورات والمباحثات السياسية التمهيدية بين الوفود العربية ومصر، إلى ظهور اتجاهات رئيسية ثلاث هي:

أ. الاتجاه الأول يدعو إلى وحدة سورية الكبرى بزعامة الأمير "عبدالله بن الحسين"، وبدعم من نوري السعيد، الذي كان يرى في هذه الوحدة خطوة نحو وحدة الهلال الخصيب.

ب. الاتجاه الثاني يدعو إلى قيام دولة موحدة تشمل أقطار الهلال الخصيب بزعامة العراق.

ج. الاتجاه الثالث يدعو إلى وحدة أو اتحاد اشمل واكبر بحيث يضم مصر والسعودية واليمن بالإضافة إلى أقطار الهلال الخصيب، واختلف أصحاب هذا الاتجاه وانقسموا إلى فريقين: فريق ينادي باتحاد فيدرالي أو كونفدرالي بين هذه الدول، أو نوع من الاتحاد له سلطة عليا تفرض إرادتها على الدول الأعضاء. وفريق آخر ينادي بصيغة اتحادية تجمع الدول العربية وتدعم التعاون بينها في مختلف الميادين، شريطة أن تحافظ كل دولة على استقلالها وسيادتها.



[1] جاء هذا التصريح الثاني لوزير الخارجية البريطاني بعد انسحاب قوات المحور من الشرق الأوسط، وبعد اعتراف بريطانيا باستقلال سورية ولبنان، وحصول شرق الأردن على وعد من بريطانيا بالاعتراف باستقلاله