إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / منظمات وأحلاف وتكتلات / جامعة الدول العربية




محمود رياض
محمد عبد الخالق حسونة
أحمد عصمت عبد المجيد
الشاذلي القليبي
علم الجامعة
عمرو موسى
عبد الرحمن عزام





المبحث الثاني

المبحث الثاني

نشأة وقيام جامعة الدول العربية[1]

أولاً: اللجنة التحضيرية وبروتوكول الإسكندرية عام 1944

    انتهت المشاورات العربية، مع بداية عام 1944. وكانت الحرب العالمية الثانية على وشك الانتهاء بانتصار الحلفاء الذين كانت جيوشهم تسيطر على الوطن العربي بأسره، وبعد هزيمة قوات المحور في المغرب العربي. سعى الحلفاء في ذلك الوقت لإعادة اقتسام العالم في مؤتمرات طهران والدار البيضاء ويالطا. وكانت الصيغة الدولية المقبولة لتغطية مناطق النفوذ، أن تنشأ منظمات إقليمية تحت مظلة الأمم المتحدة وتتعاون معها في حفظ السلام والأمن العالميَيْن.

    وكان الرأي العام العربي، بأحزابه وصحفه ومنظماته، يضغط في اتجاه قيام وحدة عربية حقيقية. وتبوأت مصر مقاماً خاصاً في نفوس العرب بعد المشاورات الأولية التي أجراها مصطفي النحاس مع وفود الدول العربية.

    في هذا المناخ الدولي والعربي، وجه "مصطفى النحاس"، رئيس وزراء مصر، في 12يوليه1944، الدعوة إلى الحكومات العربية التي شاركت في المشاورات التمهيدية لإرسال مندوبيها للاشتراك في اللجنة التحضيرية، للمؤتمر العربي العام، التي ستتولى صوغ المشروعات لتحقيق الوحدة العربية.

    اجتمعت اللجنة التحضيرية بالإسكندرية، في 25 سبتمبر 1944، بحضور مندوبين عن مصر وسورية ولبنان والعراق وشرق الأردن والسعودية واليمن وعن عرب فلسطين، وعقدت ثماني جلسات متوالية.

    استبعد المجتمعون، منذ البداية، فكرة الحكومة المركزية ومشروعي سورية الكبرى والهلال الخصيب، بعد مناقشات مطولة. وانحصر النقاش في اقتراح نوري السعيد، بتكوين مجلس اتحاد، له سلطة تنفيذية، أو تكوين مجلس اتحاد لا تنفذ قراراته إلاّ الدول التي توافق عليها.

    وشرح نجيب الهلالي، من الوفد المصري، الرأي بهاتين الصيغتين من التعاون فقال: "إن هناك من يفضل الصورة الثانية على الصورة الأولى، وهؤلاء يبنون رأيهم على أن في الصورة الأولى افتئاتاً على سيادة الدولة التي لا تقبل القرارات، لأنها ترغم على اتخاذ خطوة لا ترضيها. وإن الإجماع منعقد على تكوين هيئة للأمم العربية، والخلاف هو هل يكون رأي هذه الهيئة ملزماً أو غير ملزم؟. فإذا اجتمعت مثلاً سبع دول، خمس منها توافق على رأي والدولتان الأخريان لا تريان هذا الرأي لأنه ضار بهما، فهل يجب أن تلزم هاتان الدولتان بتنفيذ القرار أم لا ؟".

    وتدخل مصطفى النحاس، فأكّد أن فكرة اتحاد عربي له سلطة تنفيذية وقراراته ملزمة أمر يستبعده الجميع للأسباب نفسها، التي أدت إلى استبعاد فكرة الحكومة المركزية. وأنه لا يبقى بعد ذلك إلاّ الرأي القائل بتكوين اتحاد، لا تكون قراراته ملزمة، إلاّ لمن يقبلها.

    وتبين من المناقشات أن لدى الوفد المصري مشروعاً متكاملاً عن الجامعة العربية، وأن الدبلوماسيين والخبراء المصريين يتجهون في صيغهم نحو إنشاء منظمة إقليمية تقوم على أساس التعاون والتنسيق، لا على أساس الالتزام بخط سياسي قومي عربي. وأعطى الوفد هذه المنظمة اسم "الجامعة العربية"، لتكون مقبولة لدى الرأي العام العربي المتعطش للوحدة. وأثارت كلمة "جامعة" جدلاً طويلاً بين الوفود العربية.

    وترجع هذه التسمية التي تحملها المنظمة إلى الاقتراح الذي تقدمت به مصر إلى اللجنة التحضيرية في 2 أكتوبر 1944، تدعو فيه إلى: "تأليف جامعة الدول العربية من الدول التي تقبل الأفضل لها". وكانت هناك عدة اقتراحات أخرى قُدمت إلى اللجنة التحضيرية، مثل اقتراح سوري بتسميتها "التحالف العربي"، وآخر عراقي بتسميتها "الاتحاد العربي". أمّا الوفد المصري فقد رأى أن اسم "الجامعة العربية" أكثر ملائمة للتنظيم العربي لأسباب متعددة، منها:

1. إن هذا الاسم يتفق مع المصطلحات اللغوية والسياسية العربية، لأن كلمة "الجامعة" تفيد الرأي أو النظام، الذي يربط بين الأفراد والجماعات. ولأنها في الشريعة الإسلامية تعني جماعة المؤمنين، وقد يقابل اصطلاح الأمة. وتفيد كذلك الاتفاق. وأيضاً فإن العرب ـ كما قال نجيب الهلالي، عضو الوفد المصري، وهو يشرح أسباب تفضيله لاسم الجامعة ـ يستعملون كلمة جامعة لأداء معاني الارتباط الوثيق، فيقولون (الصلاة جامعة)، (اجتماع الناس حول من يحمل اللواء)، (ويد الله مع الجماعة)... الخ.

2. كما أن هذا الاسم يتميز بإزالة الغموض وسوء الفهم المتولدين عن كل من اسم (التحالف) و(الاتحاد). فالاسم الأول يعني الاقتصار على الروابط العارضة، الأمر الذي لا يتفق مع حقيقة العلاقات العربية التي ترجع إلى عدة قرون عريضة، فالأمر إذن لا يتعلق بالبحث عن إنشاء هذه الروابط، ولكن يتعلق بإنشاء جهاز دائم يرعى هذه الروابط ويدعمها. أمّا الاسم الثاني (الاتحاد) فلا يتفق مع حقيقة الروابط والعلاقات المراد صياغة ميثاق المنظمة على أساسها. ولا تعبر عن حقيقة الاختصاص راغبة في التنازل عن أي من مظاهر سيادتها السياسية والاقتصادية لهذه المنظمة.

    وأخيراً وافق المجتمعون على اسم الجامعة بعد تنقيحه من "الجامعة العربية" إلى "جامعة الدول العربية"، وأصدر ممثلو الحكومات العربية، الذين حضروا اجتماعات اللجنة التحضيرية للمؤتمر العربي العام بالإسكندرية، في نهاية هذه الاجتماعات، بروتوكولاً، عرف باسم "بروتوكول الإسكندرية" (أُنظر ملحق بروتوكول الإسكندرية)، يسجل اتفاقهم على إنشاء "جامعة للدول العربية".

    حدثت مناقشات عامة داخل اللجنة التحضيرية حول الصيغة التي قدمها مصطفى النحاس، ونوقشت صلاحيات مجلس الجامعة، واتفق في النهاية أن يتضمن ميثاق الجامعة العربية النقاط التالية:

1. الاعتراف بسيادة واستقلال الدول الأعضاء بحدودها القائمة فعلاً.

2. الاعتراف بالمساواة التامة بين الدول الأعضاء كبيرها وصغيرها.

3. الاعتراف لكل دولة بحق إبرام المعاهدات والاتفاقات مع غيرها من الدول العربية أو غير العربية بشرط ألا تتعارض مع أحكام وميثاق الجامعة.

4. ليس هناك إلزام واضح لإتباع سياسة خارجية موحدة.

5. عدم اللجوء إلى القوة لفض المنازعات والخلافات التي قد تنشب بين الدول الأعضاء، وتشمل القوة فرض القيود الاقتصادية أو حشد الجيوش على الحدود.

6. يقوم مجلس الجامعة بالوساطة بين الدول الأعضاء بناء على طلبها.

    وقد تحفظت المملكة العربية السعودية واليمن على التعاون السياسي بين الدول العربية.

    وانتهى الأمر إلى تشكيل لجنة فرعية للصياغة، تأخذ في الحسبان الملاحظات التي أبدتها الوفود العربية، وقد اعتمدت لجنة الصياغة المشروع المصري، من دون إدخال عليه أي تعديلات جوهرية، سوى إضافة عبارة واحدة وهي "لا يجوز في أي حال إتباع سياسة خارجية تضر بسياسة جامعة الدول العربية أو أي دولة منها".

    وافق المجتمعون على قبول اقتراح مقدم من الوفد السوري، بإصدار تصريح يتضمن اعتراف الدول العربية باستقلال لبنان بحدوده الراهنة، وقدّم الوفد المصري بياناً متكاملاً عن القضية الفلسطينية، بعد انتهاء مندوب عرب فلسطين، موسى العلمي، من عرضه لتطور القضية الفلسطينية. واشتمل البيان المصري على دعوة الحكومة البريطانية إلى تنفيذ ما جاء في الكتاب الأبيض البريطاني، عام 1939.

    وقّع البروتوكول رؤساء الوفود العربية[2] الممثلة في اللجنة التحضيرية، في 7 أكتوبر 1944، بإدارة جامعة فاروق الأول بالإسكندرية (جامعة الإسكندرية حالياً). ولم يتخلف عن التوقيع سوى وفدي المملكة العربية السعودية واليمن، (لعرض القرارات المذكورة على الملك عبدالعزيز آل سعود والإمام يحيى حميد الدين). وقد وقّعت المملكة العربية السعودية البروتوكول في 3 يناير 1945، تلتها اليمن في 5 فبراير من العام نفسه.

    ولم يعترض على ما جاء في هذه الوثائق سوى لبنان. فعند مناقشتها في اجتماع ضم رئيس الجمهورية اللبنانية ورئيس الوزراء ووزير الخارجية، اعترض رئيس الجمهورية على الفقرة القائلة "بأنه لا يجوز في أية حال اتباع سياسة خارجية تضر بسياسة جامعة الدول العربية أو أية دولة منها". وتقرر أن يطلب الوفد اللبناني في اجتماعات اللجنة الفرعية السياسية حذف هذه العبارة عند صوغ الميثاق النهائي.

    والواقع أن بروتوكول الإسكندرية كان مجرد بيان بالمبادئ التي ستنشأ عليها الجامعة، وتعبيراً صادقاً عن الحد الأدنى للتعاون السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، الذي يمكن للدول العربية مجتمعة على اختلاف نظمها السياسية واتجاهاتها أن تقبل به.

ثانياً: اللجنة الفرعية السياسية ومشروع الميثاق عام 1944

    على الرغم من التعديلات الوزارية التي طرأت على حكومات بعض الدول العربية الموقعة على بروتوكول الإسكندرية، فقد استمرت الجهود العربية المبذولة لتنفيذ ما أوصى به ذلك البروتوكول، وبالخصوص ما يتعلق بإعداد النظام الأساسي لجامعة الدول العربية، التي أقر البروتوكول تكوينها، أو ما عرف فيما بعد بميثاق الجامعة.

    أنهت اللجنة السياسية الفرعية، التي أوصى بروتوكول الإسكندرية بتشكيلها بوزارة الخارجية المصرية، اجتماعاتها في الإسكندرية في 3 مارس سنة 1945، بعد أن عقدت ست عشرة جلسة، لإعداد النظام الأساسي للجامعة ولائحة عمل مجلسها.

    وقد اشترك في أعمال هذه اللجنة التحضيرية للميثاق مندوبو الدول العربية الموقعة على بروتوكول الإسكندرية، وكذلك، مندوبا المملكة العربية السعودية واليمن.

    وكانت المشكلة الوحيدة، التي اعترضت تشكيل هذه اللجنة، هي اشتراك مندوب الأحزاب الفلسطينية في الأعمال التحضيرية لها. إذ آثار اشتراكه اعتراض بعض الأعضاء في اللجنة وعلى الخصوص مندوب لبنان. فقد كان رأي لبنان ينصرف إلى أن عدم استقلال فلسطين يحول دون إسهام مندوب عنها في أعمال اللجنة الفرعية السياسية المؤلفة من مندوبين عن الدول العربية المستقلة، وكان هذا هو السبب الأساسي والوحيد لاعتراض لبنان على اشتراك مندوب فلسطين في أعمال اللجنة. وكان يؤيد هذا الرأي جميل مردم، وزير خارجية سورية، وقتئذ. وانتهى الأمر بعد مناقشات واسعة إلى دعوة موسى العلمي، مندوب الأحزاب الفلسطينية الوطنية، إلى حضور جلسات اللجنة التحضيرية للميثاق، مراقباً فقط، له حق الاشتراك في المناقشات، ولكن ليس له حق الاقتراح والتصويت على القرارات. وذلك، نوعاً من التوفيق بين الآراء المؤيدة والمعارضة لاشتراكه في اللجنة، وأخذاً في الاعتبار القرار الخاص الذي تضمنه بروتوكول الإسكندرية، في شأن قضية فلسطين.

    وفي الجلسة الأولى للجنة الفرعية السياسية، عُرض عليها مشروعان لميثاق جامعة الدول العربية.

الأول: قدمه الوفد العراقي باسم "نوري السعيد" رئيس وزراء العراق.

الثاني: قدمه الوفد اللبناني باسم "هنري فرعون" وزير خارجية لبنان ورئيس وفدها.

    وإلى جانب هذين المشروعين تقدم الوفد السعودي ببعض المقترحات المكملة لهما.

    وكان أمام أعضاء اللجنة الفرعية السياسية، "بروتوكول الإسكندرية"، والمبادئ التي أُقرت، وهي المبادئ التي وافق عليها ممثلو الحكومات العربية بالإسكندرية.

    أمّا المشاريع والمقترحات الأخرى، فلقد جاءت مكملة للبروتوكول، وبخاصة أن هذا البروتوكول كان قد حدد بوضوح ودقة طبيعة المبادئ، التي تقوم عليها جامعة الدول العربية، عندما لم يأخذ بفكرة أن تكون جامعة الدول العربية بمثابة سلطة أعلى من الدول الأعضاء، وأكد على أن هذه الجامعة المقترحة تقوم على:

"التعاون الاختياري بين الدول العربية الأعضاء لها، وعلى المساواة بينها، وتضمن احترام الاستقلال وسيادة الدول الأعضاء التي تنضم إليها".

    وبعد ستة عشر اجتماعاً، أنهت اللجنة أعمالها، في 3 مارس 1945، بعد أن أعدّت مشروعاً كاملاً لميثاق جامعة الدول العربية، وأصدرت اللجنة في هذه المناسبة بياناً أعلنت فيه:

"إن ممثلي الدول العربية المستقلة، وُفِّقوا إلى وضع مواد المشروع وتهيئتها لتعرض على اللجنة التحضيرية، التي تنظر فيها وتقرّها في اجتماعها في 17 مارس، على أن يعقبه اجتماع المؤتمر العربي، الذي يرجع إليه حق إقراره ميثاقاً لجامعة الدول العربية".

    وفي قصر الزعفران، في القاهرة، اجتمعت اللجنة التحضيرية، في 17 مارس 1945، لإقرار ميثاق جامعة الدول العربية في صيغته النهائية. وقد راجعت اللجنة التحضيرية مشروع اللجنة الفرعية السياسية على هدى الاقتراحات والصياغات، التي كان قد أعدّها الدكتور عبدالحميد بدوي، أستاذ القانون الدولي، لإخراج الميثاق وثيقة دولية وقانونية كاملة. وانتهت اللجنة التحضيرية من إعداد الميثاق، بعد إجراء بعض التنقيح على مشروع اللجنة الفرعية، في جلستها الثانية، في 19مارس 1945.

    وجاء الميثاق بعد إعداده ثمرة اقتراحات وملاحظات جميع أعضاء الوفود العربية المشتركة في الاجتماعات التحضيرية، سواء اجتماعات اللجنة الفرعية السياسية، أو اللجنة التحضيرية العامة.

وقد تألف ميثاق الجامعة (أٌنظر ملحق ميثاق جامعة الدول العربية) من ديباجة وعشرين مادة، وثلاثة ملاحق خاصة.

الملحق الأول: خاص بفلسطين.ويعلن فيه مجلس الجامعة توليه أمر اختيار مندوب عربي من فلسطين للاشتراك في أعماله حتى يتمتع هذا القطر بممارسة استقلاله فعلاً، نظراً إلى أن وجود هذا البلد (فلسطين) واستقلاله الدولي من الناحية الشرعية أمر لا شك فيه، كما أنه لا شك في استقلال البلاد العربية الأخرى. وإذا كانت المظاهر الخارجية لذلك الاستقلال ظلت محجوبة لأسباب قاهرة، فلا يسوغ أن يكون ذلك حائلاً دون اشتراكها في أعمال مجلس الجامعة[3].

والملحق الثاني: خاص بالتعاون مع البلاد العربية غير المشتركة في مجلس الجامعة[4]. وفيه تحث الدول الأعضاء بالجامعة مجلسها على التعاون مع الدول غير الأعضاء، إلى أبعد مدى مستطاع، والعمل على إصلاح أحوالها وتأمين مستقبلها، بكل ما تهيئه الوسائل السياسية من أسباب.

أمّا الملحق الثالث: فهو خاص بتعيين أول أمين عام للجامعة (أُنظر ملحق السيرة الذاتية لأمناء جامعة الدول العربية)، وهو عبدالرحمن عزام، الوزير المفوض بوزارة الخارجية المصرية، لمدة سنتين.

    وتضمنت المواد العشرون لميثاق الجامعة الأحكام الخاصة بالعضوية وأجهزة الجامعة، ومقرّها وحصانتها، وتعديل الميثاق. ويمكن تقسيم هذه الأحكام إلى مجموعتين:

الأولى: مجموعة الأحكام التنظيمية أو الإجرائية.

الثانية: مجموعة الأحكام الموضوعية، التي تقرر المبادئ الأساسية، التي يقوم عليها مجلس الجامعة، ويلتزم بها الأعضاء في علاقاتهم وتعاملهم

    وقد عهد الميثاق إلى مجلس الجامعة، وضع النظم الداخلية الخاصة به وباللجان والأمانة العامة، فقد أعد الأمين العام مشاريع تلك النظم، بعد أن استمد أحكامها من نظم عصبة الأمم وعرضها على المجلس. وقد أنشأ مجلس الجامعة، فعلاً، في دور انعقاده الثاني، من 31 أكتوبر إلى 14ديسمبر1945، لجنة لمراجعة هذه المشروعات. وأعيد تشكيلها، مرة أخرى، في دور الاجتماع العادي الثالث، جلسة 25مارس 1946، ليُمثل فيها جميع دول الجامعة. وانتهى الأمر بأن وافق المجلس على هذه المشروعات، بعد إدخال ما رُئِيَ إدخاله عليها من تعديلات، وأقرّ نظامه الداخلي، والنظام الداخلي للجان، في دورته العادية الثالثة بجلسته الخامسة المنعقدة في أول إبريل 1946، ولائحة شؤون الموظفين، بالدورة نفسها في جلستها الحادية عشرة المنعقدة في 13 إبريل 1946.

    وبعد إقرار اللجنة التحضيرية لميثاق جامعة الدول العربية في صورته النهائية بثلاثة أيام فقط، وفي 22 مارس 1945، اجتمع المؤتمر العربي العام بقصر الزعفران، في القاهرة، برئاسة محمود فهمي النقراشي، رئيس الوزراء المصري، ووقع مندوبو الوفود العربية[5]، باستثناء ممثلي المملكة العربية السعودية واليمن، ميثاق جامعة الدول العربية، الذي يُعدّ وثيقة ميلادها.

    وحضر جلسة التوقيع ممثل الأحزاب الفلسطينية، ولكنه لم يوقع الميثاق. وقد وقعت المملكة العربية السعودية فيما بعد النسخة الأصلية المؤرخة في 22 مارس 1945. أمّا اليمن، فقد وقعت صورة طبق الأصل من الميثاق في 5 مايو 1945، وكان التوقيع في صنعاء عاصمة المملكة اليمنية.

    وقبل أن ينتهي عام على توقيع الميثاق بالقاهرة، كانت حكومات الدول العربية قد انتهت من التصديق عليه، وإيداع وثائق تصديقه في الأمانة العامة بالترتيب التالي:

    شرق الأردن في 10 إبريل 1945، ومصر في 12 إبريل 1945، والمملكة العربية السعودية في 16إبريل 1945، والعراق في 25 إبريل 1945، ولبنان في 16 مايو 1945، واليمن في 5 مايو1945، وسورية في 9 فبراير 1946.

    وهكذا، أصبح الميثاق نافذ المفعول ابتداء من 11 مايو 1945، وهو اليوم السادس عشر بعد إيداع العراق (رابع دولة) وثائق تصديقها عليه بالأمانة العامة للجامعة. وذلك وفقاً لما جاء في المادة العشرين من الميثاق.

    غير أن مجلس الجامعة أصدر قراراً في 30 مارس 1946، بأن يكون يوم 22 مارس من كل عام، وهو يوم توقيع الميثاق، يوما قوميا ـ يوم الجامعة ـ ويوصى البلاد العربية بالاحتفال به بالطريقة التي تراها كل منها.

    ومنذ إنشاء الجامعة، وحجم نشاطها يتسع وعدد أعضائها يتزايد، فلقد تكونت لجامعة الدول العربية عدد من اللجان والهيئات والمجالس المتخصصة في كثير من المجالات، الاقتصادية والاجتماعية، والثقافية. وإذا كانت الجامعة غداة تكوينها قد ضمت سبع دول فقط، فإنها الآن، وبعد مرور أكثر من ثلاثة وخمسين عاماً على إنشائها، أصبحت تضم اثنين وعشرين عضواً، أخرها جمهورية جزر القمر الإسلامية، في عام 1993.

    وخلال هذه الأعوام ظلت الجامعة العربية تحتفظ بنظامها الأساسي (ميثاقها)، الذي تكونت به كما هو بلا تغيير حتى الآن، وإن كانت قد ضمت إلى وثائقها، بالإضافة إلى بروتوكول الإسكندرية، والميثاق، عدداً آخر من الوثائق في شكل اتفاقات، ومعاهدات، وقرارات، وغيرها.

ثالثاً: الشخصية القانونية لجامعة الدول العربية

    تتمتع الجامعة بالشخصية القانونية الدولية المستقلة والمنفصلة عن إرادة أعضائها. وذلك على الرغم من عدم تخويل الجامعة اختصاصات قوية، ومن قاعدة الإجماع، في صدور قراراتها، ومن خلو الميثاق من أي نص حول هذه النقطة، مما أدى إلى النزاع بين بعض الفقهاء، في البداية، في شخصيتها القانونية المستقلة.

    وربما ـ تلافياً لذلك ـ نص في المادة الأولى من " اتفاقية حصانة وامتيازات جامعة الدول العربية"، على أن تتمتع بشخصية قانونية، من حيث أهلية التملك والتعاقد والتقاضي.

    وانطلاقاً من هذه الاتفاقية، التي وافقت عليها الدول الأعضاء، لم يعد هناك مجال للمنازعة في الشخصية القانونية للجامعة، وكذلك انطلاقاً من العرف المستقر في قواعد القانون الدولي بخصوص الشخصية القانونية للمنظمات الدولية، يمكن القول إن شخصية الجامعة ـ على صعيد العلاقات الخارجية مع الدول الأجنبية والمنظمات الدولية التي تعترف بها ـ تتمثل في تمتعها بالسلطات التالية:

1. إبرام المعاهدات الدولية

    إذا كان ميثاق الجامعة لم يشر إلى هذه السلطة صراحة، واقتصر على النص في المادة التاسعة على حق الدول الأعضاء في عقد المعاهدات، في سبيل تعاون أوثق وروابط أقوى مما ينص عليه الميثاق، إلاّ أنها سلطة ضمنية للجامعة بحكم ما قامت من أجل تحقيقه من أهداف وما منحته في سبيل ذلك من اختصاصات. ولا شك أن أداة تحقيق ذلك هي المعاهدات الدولية التي تعقدها الجامعة مع الأمم المتحدة والوكالات الدولية المتخصصة.

    لذلك فقد استقر حق جامعة الدول العربية في الدخول في اتفاقات دولية مع الدول الأعضاء فيها ومع المنظمات الدولية أو الإقليمية الأخرى. والجامعة فعلاً مرتبطة بعدد من الاتفاقيات مع الدول العربية. وهي طرف في اتفاقيات تعاون مع عدد من المنظمات الدولية المتخصصة، مثل، منظمة العمل الدولية، ومنظمة الصحة الدولية، ومنظمة الزراعة، والوكالة الدولية للطاقة الذرية.

2. التمثيل الدبلوماسي

    تملك الجامعة حق تبادل التمثيل الدبلوماسي بالنسبة للمسائل التي تدخل في اختصاصها. ولهذا التمثيل صور متعددة، منها: الوفود المؤقتة أو المراقبون الدائمون للجامعة لدى المنظمات الدولية، ومنها مكاتب الجامعة الدائمة لدى الدول الأجنبية.

3. المسؤولية الدولية

    يمكن للجامعة، إعمالاً لقواعد المسؤولية القانونية للمنظمات الدولية أن تطالب بالتعويض عن الأضرار، التي تلحقها أو تلحق موظفيها نتيجة أعمال غير مشروعة، كما أنها تتحمل في مواجهة المنظمات الدولية والدول، مسؤولية ما يسببه نشاطها في مواجهتهم من أضرار.

4. المزايا والحصانة

    تتمتع جامعة الدول العربية، بوصفها شخصاً قانونياً دولياً، بمزايا وحصانة المنظمات الدولية. وكذا، يتمتع أعضاء مجلس الجامعة ولجانها وموظفوها، الذين ينص عليهم النظام الداخلي، بالمزايا والحصانة الدبلوماسية أثناء تأدية عملهم، وتكون حرمة المباني التي تشغلها هيئات الجامعة مصونة، طبقاً للمادة (14) من الميثاق.

    وتأكيداً لما ورد في هذا النص، وافق مجلس الجامعة، في 10 مايو 1953، على اتفاقية مزايا وحصانة جامعة الدول العربية. وتتضمن الاتفاقية الحصانة والامتيازات التالية:

أ. الحصانة القضائية لأموال الجامعة الثابتة والمنقولة، أينما كانت، وللمباني، التي تشغلها الجامعة، والأموال والمحفوظات، حرمة، بحيث لا تخضع لإجراءات الحجز أو التفتيش أو المصادرة (المواد 2، 3، 4، 5 من الاتفاقية).

ب. إعفاء أموال الجامعة من الضرائب المباشرة والرسوم الجمركية، باستثناء رسوم الإنتاج أو نقل الملكية (المادة 7 من الاتفاقية).

ج. الحصانة والإعفاءات الدبلوماسية لممثلي الدول لدى الجامعة، باستثناء الإعفاء من رسوم الإنتاج والرسوم الجمركية، فيما عدا أمتعتهم الشخصية (المادة 11 من الاتفاقية)، ولكن لا يتمتع بهذه الحصانة ممثلو الدول في مواجهة الحكومات، التي يمثلونها أو التي يكونون من رعاياها (المادة 15 من الاتفاقية).

د. الحصانة والإعفاءات الدبلوماسية لموظفي الأمانة العامة بالجامعة، بصرف النظر عن جنسياتهم، وفي حدود ما تقتضيه مصلحة الجامعة.

    ويتمتع موظفو الجامعة بالمزايا والحصانة المقررة لقرنائهم العاملين في المنظمات الدولية، غير أن الاتفاقية تميز بين ثلاث فئات هي:

أ. الأمين العام والأمناء المساعدون والموظفون الرئيسيون: يتمتعون هم، وأزواجهم، وأولادهم القصر، بالمزايا والحصانة الممنوحة لرجال السلك الدبلوماسي وفقاً للعرف الدولي "المادة 22 من الاتفاقية".

ب. باقي موظفي الأمانة: يتمتعون، بصرف النظر عن جنسيتهم، بالحصانة القضائية عما يصدر عنهم، بصفتهم الرسمية، وبالإعفاء من الضريبة على مرتباتهم، التي يتقاضونها من الجامعة (المادة20)، ويعفون من التزامات الخدمة العسكرية (المادة 21)، بالإضافة إلى ذلك يعفى موظفو الجامعة من غير رعايا دولة المقر من قيود الهجرة، والإجراءات الخاصة بإقامة الأجانب، ويتمتعون بالتسهيلات، التي تمنح لرجال السلك الدبلوماسي فيما يتعلق بالنقد والإعفاء من الرسوم الجمركية، عما يستوردونه من أثاث عند قدومهم لدولة المقر، وذلك خلال سنة من تاريخ تسلمهم للعمل.    

        والمزايا والحصانة المذكورة قُررت لصالح الجامعة، ولذلك فإن لمجلس الجامعة الحق في رفع الحصانة عن الأمين العام، والأمناء المساعدين، وكبار الموظفين، كما للأمين العام الحق في رفع الحصانة عن باقي الموظفين (المادة 23).

ج. الخبراء المنتدبون لأداء مهمات رسمية ومؤقتة: يتمتعون ببعض الحصانة فقط، أهمها الحصانة الشخصية، والقضائية، بالنسبة لما يصدر عنهم بصفتهم الرسمية (المادة 25).

بالإضافة إلى أن هناك معالم أخرى للشخصية القانونية في الجانبين التاليين، كما يؤكد كثير من فقهاء التنظيم الدولي:

أ. في صلات الجامعة بدولة معينة: يتفرع عن ذلك أهلية الجامعة لتملك الأموال الثابتة والمنقولة، بمقتضى اتفاقية امتيازاتها، وحصانتها، وقوانين دولة المقر أو أية دولة عضو، لها فيها مكاتب أو فروع، بما في ذلك التقاضي، ولها كذلك أن تتعاقد مع هذه الدولة في ظل قانونها الداخلي لاستئجار أو شراء ما يلزمها من أدوات وتجهيزات. بل لعل تعامل الجامعة العربية مع دول غير أعضاء يمكنها من الدخول مع هذه الدول أو رعاياها في عقود مختلفة لازمة لقيامها بمهامها، ما دامت هذه الدول غير الأعضاء تعترف بالشخصية القانونية المستقلة للجامعة.

ب. في صلات الجامعة بذاتها التنظيمية كمؤسسة: وللجامعة هنا أن تنظم على النحو، الذي تراه مناسباً، المركز القانوني لفروعها وموظفيها، وأن تعد في سبيل ذلك ما ترى إصداره من نظم وقرارات .

 



[1]  تعد جامعة الدول العربية، أقدم منظمة إقليمية، في عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية. فقد نشأت قبْل الأمم المتحدة بثلاثة أشهر (24أكتوبر 1945)، وقبْل منظمة الدول الأمريكية بثلاثة أعوام (3 مارس 1948)، وقبْل مجلس أوروبا بأربعة أعوام (3 أغسطس 1949)، وقبْل الجماعة الاقتصادية الأوروبية (السوق الأوروبية المشتركة) بثلاثة عشر عاماً (أول يناير 1958).

[2]  الموقعون على البروتوكول هم: الوفد السوري، برئاسة سعدالله الجابري، والوفد الأردني، برئاسة دولة توفيق أبو الهدى باشا، والوفد العراقي، برئاسة دولة حمدي الباجه جي، والوفد اللبناني، برئاسة دولة رياض الصلح، والوفد المصري، برئاسة رفعة مصطفى النحاس باشا.

[3]  وافق مجلس الجامعة على اقتراح، تقدمت به مصر، عام 1976، بقبول منظمة التحرير الفلسطينية، عضواً في جامعة الدول العربية، يتمتع بكل حقوق الأعضاء الآخرين، بعد أن كان لها حق الاشتراك في المناقشات فقط، وتحديداً تلك المتعلقة بقضية فلسطين.

[4]  تقلص نطاق هذا الملحق، بانضمام بقية الدول العربية، تباعاً إلى الجامعة العربية.

[5]  الموقعون على الميثاق هم: دولة محمود فهمي النقراشي باشا، رئيس الوزراء، عن مصر، أرشد العمري، وزير الخارجية، عن العراق، ودولة سمير الرفاعي، رئيس الوزراء، عن شرق الأردن، ودولة فارس الخوري، رئيس الوزراء، عن سورية، ودولة عبد الحميد كرامي، رئيس الوزراء، عن لبنان، الشيخ يوسف ياسين، نائب وزير الخارجية، عن المملكة العربية السعودية، الأمام يحيى حميد الدين، ملك اليمن، وكذلك أعضاء الوفود المرافقة لهم.