إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / منظمات وأحلاف وتكتلات / جامعة الدول العربية




محمود رياض
محمد عبد الخالق حسونة
أحمد عصمت عبد المجيد
الشاذلي القليبي
علم الجامعة
عمرو موسى
عبد الرحمن عزام





المبحث الثاني

المبحث الثالث

أهداف جامعة الدول العربية ومبادئها

    جامعة الدول العربية هي بمثابة منظمة سياسية إقليمية. فهي منظمة سياسية، لطبيعة المبادئ والأهداف، التي أخذ بها ميثاقها، والغرض الأساسي، الذي أنشئت من أجله، والذي جعلها أداة للتعاون بين الدول العربية الأعضاء المنضمة لها. وهي أداة لدعم الروابط التاريخية، المختلفة، التي تربط هذه الدول بعضها بالأخر، آخذاً في الاعتبار احترام سيادة هذه الدول العربية الأعضاء بها.

    وهذه الأداة للتعاون بين البلاد العربية، التي وافق ممثلو هذه البلاد على إنشائها عام 1945، هي أداة اختيارية للتعاون يصبح التعاون باستخدامها ممكناً في القضايا، التي يجمع عليها الأعضاء، ومتعذراً فيما عدا ذلك، لأن جامعة الدول العربية لا تتمتع بسلطة إلزامية فوق الأعضاء، وإنما هي بمثابة رابطة اتحادية اختيارية، لا تنتقص من سياسات الدول الأعضاء واستقلالها ويجتمع في رحابها شمل البلاد العربية المختلفة.

    غير أن هذه السمة الاختيارية لهذه الرابطة أو للتعاون، الذي تبغيه بين الدول الأعضاء لها، لا ينتقص من الصفة السياسية للجامعة، وهي التي تتمثل في مبادئ وأهداف الجامعة. وهي مبادئ وأهداف أقرها ميثاق جامعة الدول العربية. وأشار إليها من قبل بروتوكول الإسكندرية[1].

    كما أن هذه الجامعة العربية تعد أيضاً منظمة إقليمية، لأنها لا تضم غير دول من مجموعة إقليمية واحدة من العالم، هي المجموعة العربية: مثلها في ذلك مثل عديد من المنظمات والهيئات الإقليمية، التي تكونت في العالم، نتيجة لتزايد الاتجاه في العالم نحو التكتل والاندماج.

    ورغم أن مفهوم المنظمة الإقليمية لم يتضح فعلياً، أو يستقر في صورة محددة في الفقه الدولي، إلا بعد إنشاء منظمة الأمم المتحدة، عندما أشار في الفصل الثامن من ميثاقها إلى هذا المفهوم. ومع ذلك، فإن هناك فريقاً كبيراً من الباحثين والدارسين قد أقر جامعة الدول العربية منظمة إقليمية، لانطباق شروط التنظيم الدولي الإقليمي، التي يحددها ميثاق الأمم المتحدة عليها. فهذه الشروط تتركز في أن يكون هدف المنظمة الإقليمية هو (المحافظة على السلم والتعاون الإقليمي والاجتماعي)، وأن يتوافر لها (عنصر التنظيم الداخلي) باعتبارها منظمة دائمة، وأن تكون عضويتها مفتوحة لمجموعة من الدول، التي تربط بينها الوحدة الجغرافية، والتعاون المؤسس على الجوار، ووحدة المصالح والأهداف، بصورة تحملها على التفكير في الدفاع عن مصيرها المشترك في صورة المحافظة على السلم والأمن في المنطقة التي توجد فيها هذه الدول، وتقوية أواصر التعاون الاقتصادي والاجتماعي والثقافي بينها[2].

    من هنا صارت جامعة الدول العربية منظمة إقليمية بمفهوم ميثاق منظمة الأمم المتحدة. ويؤكد ذلك النظر في أهداف ومبادئ الجامعة، التي لا تخرج عن إظهار المبادئ والأهداف، التي يحددها الفصل الثامن من ميثاق الأمم المتحدة للمنظمة الإقليمية[3].

أولاً: أهداف جامعة الدول العربية

    أنشئت جامعة الدول العربية، بصفة عامة، للدفاع عن مصالح الدول العربية الأعضاء بها من ناحية، وللدفاع عن مصالح كل المجتمع العربي من ناحية أخرى، وهذا هو الجوهر الأساسي لأهداف هذه المنظمة العربية، أو الغرض الأساسي من بين مختلف أغراضها، والذي تتفرع عنه بقية الأهداف والأغراض الأخرى.

    ويمكن لنا أن نتبين أهداف جامعة الدول العربية من نصوص وثائقها:

    فالوثيقة الأولى لها ـ وهي بروتوكول الإسكندرية ـ تنص على أن: "تكون مهمة مجلس الجامعة مراعاة تنفيذ ما تبرمه هذه الدول فيما بينها من الاتفاقات، وعقد اجتماعات دورية لتوثيق الصلات بينها، وخططها السياسية تحقيقاً للتعاون بينها، وصيانة لاستقلالها وسيادتها من كل اعتداء بالوسائل الممكنة، وللنظر بصفة عامة في شؤون البلاد العربية ومصالحها".

    وتقول أيضاً في موضع آخر: "ويتوسط المجلس في الخلاف، الذي يخشى منه وقوع حرب بين دولة من دول الجامعة وبين أي دولة أخرى لها أو غيرها".

    ومعنى ذلك أنه قد حدد أهدافاً لجامعة الدول العربية تدور حول ما يلي:

1. توثيق الصلات بين البلاد العربية الأعضاء في الجامعة، ودعم التعاون في مختلف المجالات بينها، والاهتمام بالتنسيق بين خططها السياسية.

2. صيانة استقلال وسيادة هذه الدول الأعضاء ودفع أي اعتداء عليها.

3. المحافظة على السلام والأمن في المنطقة العربية، وتصفية كل خلاف قد يؤدي إلى وقوع حرب بين الدول العربية الأعضاء بها أو حتى غير الأعضاء.

4. وأخيراً، النظر بصفة عامة في شؤون البلاد العربية ومصالحها.

أما الوثيقة الثانية للجامعة العربية ـ وهي الميثاق ـ فتشير بوضوح أكثر إلى أهداف الجامعة وأغراضها.

    ومقدمة هذا الميثاق تُجْمل هذه الأهداف في: "العمل على دعم الروابط بين الدول العربية، وتوطيدها، وتوجيه جهود تلك البلاد إلى ما فيه خير البلاد قاطبة، وصلاح أحوالها، وتأمين مستقبلها، وتحقيق أمانيها وآمالها".

    ثم تأتي المادة الثانية من الميثاق وتحدد هذه الأهداف مفصلة، وتميزها في نوعين من الأهداف أو الأغراض:

1. الأغراض السياسية: وهي التي تحددها الفقرة الأولى من المادة الثانية من ميثاق الجامعة، وتنص على:"الغرض من الجامعة توثيق الصلات بين الدول المشتركة فيها، وتنسيق خططها السياسية، تحقيقاً للتعاون بينها وصيانة لاستقلالها وسيادتها، والنظر بصفة عامة في شؤون البلاد العربية".

2. الأغراض غير السياسية: وهي متنوعة، وتحددها أيضاً المادة الثانية في فقرتها الثانية، التي تنص على: "كذلك من أغراضها- أي الجامعة العربية- تعاون الدول المشتركة فيما بينها تعاوناً وثيقاً بحسب نظم كل دولة منها وأحوالها في الشؤون الآتية:

أ. الشؤون الاقتصادية والمالية، ويدخل في ذلك التبادل التجاري، والجمارك، والعمل، وأمور الزراعة والصناعة.

ب. شؤون المواصلات ويدخل في ذلك السكك الحديدية والطرق والطيران والملاحة والبرق والبريد.

ج. شؤون الثقافة.

د. شؤون الجنسية والجوازات والتأشيرات وتنفيذ الأحكام وتسليم المجرمين.

هـ. الشؤون الاجتماعية.

و. الشؤون الصحية.

    وقد نص الميثاق أيضاً في مادته الرابعة على أن: "تؤلف لكل من هذه الشؤون المبينة في المادة الثانية لجنة خاصة، تمثل فيها الدول المشتركة في الجامعة، وتتولى هذه اللجان وضع قواعد التعاون، ومداه، وصياغتها في شكل مشروعات تعرض على المجلس للنظر فيها، تمهيداً لعرضها على الدول المذكورة".

    أي أن هذه اللجان تشكل وتعمل تحت إشراف مجلس الجامعة وبمعاونة الأمانة العامة.

    وعموماً، فإنه يمكن ـ من خلال بروتوكول الإسكندرية، وميثاق جامعة الدول العربية ـ تمييز أهداف جامعة الدول العربية إلى الآتي:

(1) السعي نحو تحقيق مزيد من الوحدة بين الدول العربية الأعضاء بها وغير الأعضاء.

(2) صيانة استقلال الدول الأعضاء.

(3) المحافظة على السلام والأمن العربي.

(4) تحقيق التعاون العربي وتوطيده في شتى المجالات السياسية وغير السياسية (اقتصادية- اجتماعية- ثقافية...).

(5) التعاون مع الهيئات والمنظمات الدولية.

(6) النظر بصفة عامة في شؤون ومصالح المجتمع العربي.

    وتتضح أهداف جامعة الدول العربية من نصوص وثائقها في الآتي:

1. تحقيق مزيد من الوحدة بين الدول العربية

    كانت الدعوة إلى إقامة نوع من الوحدة أو الاتحاد بين الدول العربية أوثق من مجرد هيئة أو تنظيم للتعاون الاختياري بينها، وهو أحد الاتجاهات الأساسية، التي برزت أثناء المباحثات التمهيدية الثنائية، والأعمال التحضيرية، التي تلتها وساهمت في التحضير والإعداد لإنشاء الجامعة العربية.

    فقد طالب فريق من الحكومات العربية في هذه المباحثات التمهيدية، والأعمال التحضيرية، بإقامة شكل من الوحدة، أو الاتحاد بين الدول العربية، يتميز بوجود حكومة أو سلطة مركزية يمكنها فرض إرادتها على الدول العربية الأعضاء بها، وتوحيد سياسات هذه الدول في مختلف المجالات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، سواء كان هذا الشكل الوحدوي المرغوب فيه اتحاداً فيدرالياً يزداد فيه شأن ونفوذ هذه السلطة المركزية، أو مجرد اتحاد كونفدرالي يقل فيه شأن هذه السلطة، ولكن لا ينفي وجودها.

    وبرغم أنه كان لأصحاب هذا الاتجاه أسبابهم الخاصة، التي تفسر حماستهم لهذا النوع من الوحدة. فهذه الوحدة التي يدعون إليها تنسجم مع الروابط التاريخية، والصلات الجغرافية، التي توجد بين هذه الدول، إلا أن أغلبية الحكومات العربية، فضلت إنشاء الجامعة بهذه الصورة، التي قامت عليها فعلاً، لأنها لم توافق على التنازل عن سيادتها واستقلالها لأية سلطة مركزية عربية تقوم فوقها. ولذلك انتهت هذه المباحثات إلى الموافقة على هيئة للتعاون الاختياري بين الدول العربية، وكانت الجامعة العربية.

    وعلى الرغم من موافقة هذه الحكومات المؤسسة للجامعة العربية، على أن يكون من بين أهداف هذه الجامعة تحقيق المزيد من الوحدة بين الدول العربية، وألا تقتصر أهدافها على هذا القدر، الذي تسمح به من تعاون بين الدول الأعضاء بها فقط والذي تحدده الصفة الاختيارية لهذه الرابطة أو الجامعة العربية.

    ولقد تم التعبير عن هذا الهدف في أول وثيقة للجامعة العربية، وهو بروتوكول الإسكندرية في البند الثالث منه، "تدعيم الروابط العربية في المستقبل[4]".

    ولقد طرأت على جامعة الدول العربية منذ إنشائها تطورات جاءت تؤكد هذا الهدف بوصفه أحد أهداف الجامعة، وكان جوهر هذه التطورات هو تقوية الروابط القانونية، التي تربط دول الجامعة، وبصفة خاصة في شؤون الدفاع والاقتصاد. ففي عام 1950، وَقَّعَتْ خمس دول أعضاء في الجامعة، معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي لدول الجامعة. وانضمت لها فيما بعد عدة دول أخرى.

    وبعدها أبرمت عدة اتفاقات لدعم التعاون ولتحقيق مزيد من التنسيق بين الدول الأعضاء، ومن هذه الاتفاقات:

أ. اتفاقية تسهيل التبادل التجاري.

ب. التعريفة الجمركية الموحدة.

ج. إنشاء المؤسسة المالية العربية للإنماء الاقتصادي.

د. اتفاقية الوحدة الاقتصادية.

2. صيانة استقلال الدولة الأعضاء

    ورد هذا الهدف في ديباجة الميثاق والمادة الثانية منه. والغرض منه، تنسيق المواقف، والسياسات العربية، أمام المشكلات الدولية، والمجتمع الدولي، وتعاونها، وتضامنها، داخل الجامعة وخارجها، حتى يؤدي هذا التضامن إلى دعم استقلالها، في مواجهة الأطماع الأجنبية.

    غير أن هذا الهدف كان له في ذهن الحكومات العربية، التي أنشأت هذه الجامعة العربية، معنى مزدوج: فمن جانب، كان الهدف يعني صيانة استقلال الدول الأعضاء بالجامعة من أي محاولة استعمارية للنيل من هذا الاستقلال، سواء كانت هذه المحاولة مجرد تدخل في شؤونها الداخلية، أو وصلت إلى درجة العدوان العسكري السافر.

    ولقد كانت الدول العربية الأعضاء بالجامعة في حاجة لوضوح مثل هذا الهدف للتنظيم، الذي وافقت على إنشائه، فهي عند إنشاء الجامعة كانت وما برحت تسعى لاستكمال مقومات استقلالها، وتحاول أن تتخلص من مختلف مظاهر سيطرة التبعية الأجنبية، بمختلف صورها، السياسية والاقتصادية، ولذلك، كان هذا الهدف ماثلاً في الأذهان بوصفه أحد الأهداف السياسية للجامعة عند إنشائها.

    ومن جانب آخر، كان الهدف يعني ألاّ ترتب عضوية التنظيم العربي الوليد أي التزامات، من شأنها أن تنتقص من سيادة واستقلال هذه الدول العربية الأعضاء به.

    وهذا هو ما جعل عدداً من ممثلي الحكومات العربية يرفضون فكرة أن تستبدل جامعة الدول العربية بشكل وحدوي آخر تكون له سلطة مركزية تفرض إرادتها على الدول الأعضاء بها، لأن هذا من شأنه الانتقاص من سيادة هذه الدول الأعضاء واستقلالها. ولذلك، رفضت أثناء المباحثات الثنائية والأعمال التحضيرية للجامعة إنشاء اتحاد فيدرالي أو كونفدرالي بين الدول العربية. وانتهى الأمر فقط إلى إنشاء رابطة للتعاون الاختياري بين هذه الدول وهي جامعة الدول العربية، تقوم على أساس المحافظة الكاملة على سيادة أعضائها. بل عندما استقر الأمر على تكوين هذه الهيئة للتعاون الاختياري بين الدول العربية الأعضاء، كان هناك اهتمام واضح من فريق من ممثلي الحكومات العربية وقتها، واستمر بعدها، بألاّ يرد في النظام الأساسي لهذه الهيئة أي نص قد ينتقص من سيادة الدول الأعضاء.

    ولذلك اهتم هذا الفريق ـ وعلى رأسه نوري السعيد، رئيس وزراء العراق وقتها ـ بالدفاع عن قاعدة الإجماع في التصويت على القرارات داخل مجلس الجامعة ولجانها المختلفة، والرفض أيضاً لقاعدة الأغلبية، حتى عندما تطرق الأمر إلى مسألة (رد الاعتداء الخارجي)، لم يتخل هذا الفريق عن حماسته لقاعدة الإجماع، وحماسته ضد قاعدة الأغلبية، خشية أن تلتزم أي دولة عضو من أعضاء الجامعة بأي قرارات للجامعة لا توافق هي عليها، أو بالأصح تضطر لذلك[5].

    ومن هنا جاءت قرارات الجامعة ـ نتيجة لغلبة هذا الاتجاه أثناء مناقشات التأسيس ـ لا تلزم إلاّ الدول التي توافق عليها فقط، ولا تصبح لها قوة تنفيذية إلاّ إذا اتخذت الدول، التي توافق عليها، الإجراءات التشريعية أو الدستورية اللازمة لتنفيذها.

    كما اهتم الفريق الذي لا يريد للجامعة أية قوة إلزامية إجبارية، برفض فكرة التحكيم الإجباري خوفاً من أن يرتب ذلك على الدول الأعضاء أي التزامات لا توافق عليها، وهو ما ينتقص من سيادتها واستقلالها. ولم تفلح في ذلك الأمر اعتراضات الفريق الآخر، وعلى رأسه مصر، كما لم تفلح حتى الآن المحاولات المتكررة لتعديل ميثاق الجامعة، التي تطالب بفكرة إضافة التحكيم الإجباري وجعله واحداً من الاختصاصات لجامعة الدول العربية، لفض المنازعات، التي قد تنشأ بين الدول الأعضاء بها.

    وكان وراء ذلك كله اهتمام واضح بأن تكون جامعة الدول العربية بمثابة هيئة للتعاون الاختياري بين الدول الأعضاء بها، تقوم بتقوية الروابط الوثيقة ودعم التعاون بينها في مختلف المجالات، على أساس (احترام سيادة هذه الدول واستقلالها) كما نص ميثاق الجامعة نفسه.

    لذا، كان هدف الجامعة، الذي يدور حول صيانة استقلال الدول الأعضاء بها كالأتي:

أ. صيانة استقلال الدول الأعضاء بها في مواجهة أي محاولة استعمارية أو خارجية للنيل من هذا الاستقلال.

ب. صيانة هذا الاستقلال وهذه السيادة داخل الجامعة نفسها وفي مواجهتها، حتى لا يصير لهذه الجامعة سلطة تفرض إرادتها على هذه الدول.

3. المحافظة على السلام والأمن العربي

    فرضت المادتان الخامسة والسادسة، على الدول الأعضاء في الجامعة، عدم اللجوء إلى القوة لحل المنازعات الناشئة بينها، وأوجبت اللجوء إلى مجلس الجامعة، لعرض النزاع، وفض الخلاف القائم بينها إمّا بالتحكيم أو بالوساطة.

    فقد عدّت الجامعة من خلال وثائقها أحد أهدافها، (المحافظة على السلام والأمن العربي).

    لذا، فرض ميثاق الجامعة على الدول الأعضاء، بعض الواجبات التي تقتضيها ضرورة تحقيق هذا الغرض الذي من أجله أنشئت الجامعة بالإضافة إلى الأهداف الأخرى.

وأهم هذه الواجبات هي:

أ. عدم لجوء الدول العربية، الأعضاء بالجامعة، إلى القوة لفض المنازعات، التي تنشأ بينها. وعلى الرغم من أن ميثاق الجامعة سابق في إبرامه على ميثاق هيئة الأمم المتحدة، فإنه لم يخرج على الحكم نفسه، الذي أخذ به فيما بعد ميثاق المنظمة الدولية. وكان ميثاق الجامعة العربية يتماشى في ذلك مع إدراك الأخطار، التي برزت في المجتمع الدولي وقتها، والتي تنادي بنبذ وتحريم اللجوء إلى القوة لفض المنازعات أياً كان سبب هذه المنازعات، خاصة أن المجتمع الدولي كان خارجاً لتوه من حرب طاحنة شملت أغلب أجزائه، ومعظم دوله، وخلفت لشعوبه دماراً رهيباً.

ب. أن يقوم المجلس بالتدخل في كل خلاف يخشى منه وقوع حرب بين دولة من دول الجامعة وأخرى عضو فيها أو غيره، للتوفيق بينهما، والوصول إلى نوع من التسوية السلمية. غير أن هذا التدخل ظل محكوماً بعدة ضوابط، تبدأ بضرورة لجوء الأطراف المتنازعة إلى الجامعة، وتنتهي بأن قرارات المجلس في حالة الوساطة لا تتصف بالإلزام. بمعنى أنه في حالة نزاع ينشأ بين دول الجامعة، أو بين دولة من دولها وأخرى خارجها، لا يحق لمجلس الجامعة التدخل بالوساطة والتوفيق بين هذه الدول إلاّ إذا طلبت هذه الدول نفسها ذلك من مجلس الجامعة، كما أن قرارات المجلس في حالة الوساطة ـ حتى إذا طلبت منه الأطراف المتنازعة التدخل ـ ليست ملزمة لهذه الأطراف إلاّ إذا وافقت عليها. أي أن قبول قرارات المجلس في حالة الوساطة هو شرط تنفيذ هذه القرارات من قبل الأطراف المتنازعة.

ج. احترام كل دولة من الدول الأعضاء نظم الحكم القائمة في دول الجامعة الأخرى، واعتباره حقا من حقوق تلك الدولة، والتعهد بعدم القيام بأي عمل يرمى إلى تغيير ذلك النظام فيها. فإن إباحة تدخل أي عضو في الجامعة في الشؤون الداخلية للأعضاء الآخرين يتناقض مع إمكانية المحافظة على السلام والأمن العربيين . ولأهمية هذا الواجب أفرد ميثاق الجامعة مادة كاملة خاصة به، هي المادة الثامنة منه، والخلاصة أن ميثاق الجامعة العربية عدّ (المحافظة على الأمن والسلام العربي) أحد أهداف الجامعة. لذلك، اهتم بوضع نظام الأمن وقمع العدوان لتحقيق هذا الهدف، غير أنه قام على الفكرة نفسها، وهى فكرة (التعاون الاختياري)، أي أنه كان نظاماً اختيارياً للأمن وقمع العدوان، ويتضح ذلك عندما لم يحدد هذا النظام مدلول أو مفهوم العدوان وترك المسألة تقديرية لمجلس الجامعة، وعندما لم يحدد التدابير، التي يمكن أن تتخذ لقمع العدوان، ولم ينشئ الأداة المنفذة له، تُرك الأمر هنا أيضاً لمجلس الجامعة يتصرف في كل حالة على حدة. كما أنه، في البداية، لا يتدخل إلاّ بالإجماع إذا لجأت إليه الدولة التي وقع عليها العدوان. وإذا تدخل لا يصدر قراراته إلاّ بالإجماع. وهي، أخيراً، قرارات ليست ملزمة ولا نافذة، ولكن تنفيذها مرهون بقبول الأطراف المتنازعة أساساً. ولقد حدث نوع من التعديل لذلك النظام فيما بعد بقيام معاهدة الدفاع العربي المشترك والتعاون الاقتصادي في يونيه 1950، إذ قررت تلك المعاهدة اتخاذ تدابير ووسائل ـ بما في ذلك القوة المسلحة ـ لرد أي اعتداء يقع على دولة من الدول الأعضاء، كما أُخذ في تلك المعاهدة بقاعدة الأغلبية (أغلبية الثلثين)، إلاّ أنها تركت الاختصاص النهائي في حفظ السلام لمجلس الأمن، كما نصت على ذلك المادة الحادية عشر منها.

4. تحقيق التعاون العربي وتوطيده

    أفرد ميثاق الجامعة مادة مطولة للحديث عن هذا الهدف بوضوح كامل، وهي المادة الثانية،التي تنص على أن "الغرض من الجامعة توثيق الصلات بين الدول المشتركة فيها وتنسيق خططها السياسية تحقيقاً للتعاون بينها". وبالإضافة إلى المجال السياسي حدّدت المادة الثانية عدة مجالات أخرى مختلفة للتعاون بين الدول العربية الأعضاء بالجامعة هي بترتيب ذكرها: "الشؤون الاقتصادية، وشؤون المواصلات، وشؤون الثقافة، وشؤون الجنسية والجوازات، والشؤون الاجتماعية، والشؤون الصحية".

    ونصت المادة الرابعة من الميثاق على "إنشاء لجنة فنية خاصة لكل من هذه الشؤون تمثل الدول المشتركة في الجامعة، تتولى هذه اللجان وضع قواعد التعاون ومداه، وصياغتها في شكل مشروعات اتفاقات تعرض على المجلس للنظر فيها تمهيداً لعرضها على الدول المذكورة".

    يُستخلص من ذلك، أن الميثاق لم يكتف فقط بالإشارة إلى ضرورة التعاون العربي، إنما حدد بالتفصيل أوجه هذا التعاون تأكيداً لأهميته، وميّز بين التعاون السياسي، والتعاون في المجالات الأخرى.

    كما اهتم أيضاً بإيضاح وتحديد جوهر التعاون السياسي وقَصْرِهِ على التنسيق بين الخطط السياسية الخارجية للدول العربية، بينما ترك الأوضاع السياسية الداخلية من شأن كل منها، واهتم بالنص في مادته السابعة على أن "قرارات مجلس الجامعة تنفذ في كل دولة وفقا لنظمها السياسية"، بل وحَظرَ على أية دولة أخرى من الدول الأعضاء في الجامعة، التدخل لتغيير هذه الأوضاع بأية صورة.

    واهتم الميثاق أيضاً بسرد مجالات التعاون الأخرى بالتفصيل في مادته الثانية. وقرر في مادته الرابعة أيضاً إنشاء لجان لتنظيم التعاون العربي في هذه المجالات.

    ولم يقتصر اهتمام ميثاق جامعة الدول العربية، عند إنشائها، على تنمية التعاون بين الدول الأعضاء بها فقط، لكنه أهتم أيضاً بتنمية التعاون بين شعوب البلاد العربية التي لم تستقل بعد، ولم تتمكن من الانضمام إليها، خاصة أنها اعتبرت نفسها ـ كما جاء في ديباجة ميثاقها ـ رمزاً لوحدة العالم العربي بأجمعه، واستجابة للرأي العام في جميع الأقطار العربية.

    لذا، نص ميثاق جامعة الدول العربية في مادته الثانية على (واجب النظر في شؤون المجتمع العربي كله ورعاية مصالحه)، وأصبح هذا الواجب هدفاً من أهداف الجامعة، وهذا النص يتحدد معناه في الملحق الخاص بالتعاون مع البلاد العربية غير المشتركة في الجامعة، الذي جعل من واجبات الجامعة العربية (رعاية أماني الدول غير الأعضاء بها، والعمل على تحقيق هذه الأماني، وتأمين مستقبلها بكل ما تهيؤه الوسائل السياسية من أسباب). وأماني هذه الدول كانت الظفر بالاستقلال. فقد كان استمرار الاحتلال والسيطرة الاستعمارية المفروضة عليها بمثابة تهديد لاستقلال الدول الأخرى التي تمكنت من الحصول على هذا الاستقلال، وبمثابة انتقاص من قدر الوحدة العربية.

    وبعد أن انضمت هذه الدول إلى الجامعة العربية، على إثر إعلان استقلالها السياسي، كان من الضروري أن يتضاعف اهتمام الجامعة بالتعاون معها.

5. التعاون مع الهيئات والمنظمات الدولية

    جاء في المادة الثالثة من الميثاق، أن من مهمّات مجلس الجامعة "تقرير وسائل التعاون مع الهيئات الدولية، التي قد تنشأ في المستقبل لكفالة الأمن والسلام ولتنظيم العلاقات الاقتصادية والاجتماعية".

    وعلى الرغم من أن الجامعة العربية قد ولدت قبل إنشاء هيئة الأمم المتحدة ببضعة شهور، إلاّ أن ميثاقها اهتم بالتعاون مع الهيئات والمنظمات الدولية، التي قد تنشأ في المستقبل كأحد الأهداف للجامعة. لذلك، اهتم ميثاق جامعة الدول العربية بإقرار التعاون معها، عندما يتم إنشاؤها، والتعاون مع غيرها من المنظمات العالمية، التي قد تنشأ هي الأخرى فيما بعد بغرض كفالة الأمن والسلام في العالم.

    وقد أبرمت الجامعة لهذا الغرض اتفاقاً مع منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم الثقافية (اليونيسكو) في 26 نوفمبر1957، وثلاث اتفاقيات أخرى لاحقة، في عامي 1961،1963، وكذلك اتفاقاً مع منظمة العمل الدولية في 26 مايو 1958، واتفاقية مع منظمة الأغذية والزراعة في 30 مايو 1960، واتفاقية مع منظمة الصحة العالمية في 22 أغسطس 1961، واتفاقاً مع الاتحاد الدولي للمواصلات السلكية واللاسلكية في 23 فبراير 1961، واتفاقاً مع اتحاد البريد العالمي في 4 سبتمبر 1961، كما عقدت الجامعة اتفاقاً مع منظمة الأمم المتحدة في عام 1961، عن طريق تبادل الرسائل بين أمين عام المنظمة، وأمين عام الجامعة، في شأن تنظيم الاتصال بين الجانبين للتشاور والعمل المشترك وتبادل المعلومات والوثائق بقصد تنمية التعاون بينهما في مختلف المجالات .

    وعقدت الجامعة، كذلك، اتفاقاً مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية عام 1970، للتعاون في مجال الاستخدام السلمي للطاقة الذرية، كما تتبادل الجامعة التمثيل مع المنظمات الإقليمية مثل منظمة الوحدة الأفريقية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي.

6. النظر بصفة عامة في شؤون المجتمع العربي ومصالحه:

    عندما أقيمت الجامعة العربية لم تضم غير سبع دول عربية، وهي الدول العربية المستقلة وقتها، بينما بقيت الأقطار العربية الأخرى خارج نطاقها ولا تتمتع بعضويتها لأنها لم تكن قد حصلت على استقلالها السياسي بعد.

    ولذلك كان من البديهي أن تهتم الجامعة العربية عند إنشائها بشعوب هذه البلاد، التي لم تستقل بعد، ولم تتمكن من الانضمام إليها، لأنها ـ كما سبق أن ورد في ميثاقها تعتبر نفسها ـ رمزاً لوحدة العالم العربي بأجمعه.

    والآن وبعد أن انضمت هذه الدول إلى الجامعة العربية بالفعل على أثر إعلان استقلالها السياسي، لم يعد لهذا الهدف، نفس المعنى السابق. وإنما صار معناه: "رعاية أماني الدول الأعضاء بالجامعة العربية والعمل على تحقيق هذه الأماني وتأمين مستقبلها".

ثانياً: مبادئ جامعة الدول العربية

    لم تصدر حكومات الدول، التي وافقت على إنشاء جامعة الدول العربية، إعلان مبادئ يتصدر ميثاق هذه المنظمة، ويتضمن المبادئ، التي تعمل وفقاً لها الدول المشتركة في الجامعة، وتباشر الجامعة نشاطها، واختصاصاتها على أساسها، وذلك على غرار ما اسَتهلّتْ به الأمم المتحدة ميثاقها بالديباجة أو المقدمة، التي ذكرت فيها المبادئ، التي تهتدي بها الهيئة وأعضاؤها في سعيها لتحقيق أهداف وأغراض الأمم المتحدة.

    إلاّ أن عدم وجود تصريح في صيغة نظرية في مستهل ميثاق الجامعة، لا يعني انتفاء وجود المبادئ، التي تستلهمها الجامعة العربية في ممارستها ومباشرة اختصاصاتها، كأي تنظيم إقليمي أو دولي. والجامعة العربية مثلها مثل أي تنظيم دولي لها من المبادئ مثل ما لها من أهداف أو أغراض تسعى لتحقيقها.

    وإذا كان ميثاق الجامعة لم يتصدره إعلان بالمبادئ، فقد تضمنت ديباجة الميثاق والمواد 5، 6، 8، المبادئ، التي تقوم عليها جامعة الدول العربية، وهي على النحو التالي:

1. الالتزام بمبادئ الأمم المتحدة:

    لم يذكر هذا المبدأ صراحة في ميثاق جامعة الدول العربية، حيث أعلن قيام جامعة الدول العربية قبل إنشاء الأمم المتحدة، ولذلك كان من البديهي أن يكتفي ميثاق المنظمة العربية بتوجيه عام حث فيه الدول الأعضاء على التعاون مع أي هيئات دولية قد تقام مستقبلاً، وتسعى لحفظ الأمن والسلام الدوليين، خاصة أن مشاورات إنشاء الأمم المتحدة كانت دائرة أثناء إعلان قيام الجامعة العربية، وجاء هذا التوجيه في المادة الثالثة، التي تنص على: "تقرير وسائل التعاون مع الهيئات الدولية، التي قد تنشأ في المستقبل لكفالة الأمن والسلام ولتنظيم العلاقات الاقتصادية والاجتماعية".

    غير أنه يمكننا استخلاص هذا المبدأ- الذي لم يذكر صراحة في ميثاق جامعة الدول العربية ـ من خلال نشاط الجامعة وممارساتها لاختصاصاتها، ومن خلال تطور علاقاتها بالمنظمة الدولية أيضاً.

    فبعد خمس سنوات من إعلان قيام جامعة الدول العربية، يتم تدارك هذا النقص في ميثاقها بخصوص "مبدأ الالتزام بمبادئ الأمم المتحدة" بالإشارة الواضحة إليه في نصوص معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي، التي وقعتها الدول العربية الأعضاء بالجامعة في عام 1950.

    فهذه المعاهدة تقول في مقدمتها: "أن الدول العربية قد وافقت على عقد هذه المعاهدة، استجابة لرغبة شعوبها- أي شعوب الجامعة- في ضم الصفوف لتحقيق الدفاع المشترك عن كيانها وصيانة الأمن والسلام وفقا لمبادئ ميثاق جامعة الدول العربية، وميثاق الأمم المتحدة ولأهدافها".

    كما تأتي المادة الثانية منها لتنص على : "وتطبيقاً لأحكام المادة السادسة من ميثاق جامعة الدول العربية، والمادة الحادية والخمسين من ميثاق الأمم المتحدة، يخطر على الفور مجلس الجامعة ومجلس الأمن بوقوع الاعتداء، وما اتخذ في صدده من تدابير وإجراءات".

    ويتزايد وضوح معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي في إعلان التزام الدول العربية أو دول الجامعة الموقعة على هذه المعاهدة بمبادئ الأمم المتحدة، عندما تذكر المادة الحادية عشرة أنه: "ليس في أحكام هذه المعاهدة ما يمس أو يقصد به أن يمس بأية حال من الأحوال الحقوق والالتزامات المترتبة، أو التي قد تترتب للدول الأطراف فيها بمقتضى ميثاق هيئة الأمم المتحدة أو المسئوليات، التي يضطلع بها مجلس الأمن في المحافظة على السلام والأمن الدولي".

    وهكذا جاء هذا الإعلان لهذا المبدأ واضحاً، ثم كانت تطورات العلاقة بين الجامعة العربية والمنظمة الدولية، تأكيداً عملياً لهذا الإعلان النظري.

    فلقد دأب الأمين العام للجامعة العربية باستمرار منذ توقيع هذه المعاهدة على الاشتراك شخصيا في دورات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وكان ذلك على أثر تكليف من الجمعية العمومية للسكرتير العام للأمم المتحدة بدعوة الأمين العام للجامعة العربية لحضور دوراتها في عام 1950.

    كما اهتمت الجامعة العربية بالاحتفاظ بتمثيل دائم لها لدى الأمم المتحدة. وامتد هذا الاهتمام أيضاً ليشمل المشاورات والمعلومات والوثائق والتمثيل ووسائل الاتصال، ولذلك قامت الجامعة بإنشاء مكتب اتصال برئاسة الأمين المساعد للجامعة للشؤون السياسية، وعضوية سائر مديري الإدارات، التي تتكون منها الأمانة العامة للجامعة، وهدف هذا المكتب هو تنظيم الاتصال بين المنظمة الدولية والجامعة العربية والإشراف عليه.

2. المساواة القانونية بين الدول الأعضاء.

    جامعة الدول العربية منظمة دولية، ذات طابع سياسي وشخصية قانونية مستقلة، تضم دولاً مستقلة، ذات سيادة متساوية، قائمة على أساس التعاون الاختياري، وليست سلطة سياسية لها اختصاصات تعلو حكومات الدول الأعضاء.

    لذلك، فإن كل الدول الأعضاء تتمتع في مجلس الجامعة ولجانها وفروعها بحقوق متساوية، ولكل منها صوت واحد، ورئاسة مجلس الجامعة حق لكل دولة عضو، تمارسه بالتناوب مع غيرها.

    وقد نصّت الفقرة الأولى، بعد الديباجة، في بروتوكول الإسكندرية على أن: "يكون لهذه الجامعة مجلس يسمى مجلس جامعة الدول العربية، تمثل فيه الدول المشتركة في الجامعة على قدم المساواة".

    أمّا الميثاق فهو ينص بوضوح في مادته الثالثة على أن: "يكون للجامعة مجلس يتألف من ممثلي الدول المشتركة في الجامعة، ويكون لكل منها صوت واحد مهما يكن عدد ممثليها".

    وهذا المبدأ يتمثل في عدة أمور:

أ. جميع الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية أعضاء في هيئاتها العاملة، سواء كان مجلس الجامعة أو لجانها المتخصصة.

ب. لكل دولة عضو في الجامعة صوت واحد مهما كبر شأنها أو كثر عدد ممثليها، سواء كان ذلك بالنسبة إلى مجلس الجامعة العربية، أو اللجان الفنية المتخصصة. كما نصّ النظام الداخلي لها، في مادته السادسة، على أن: "لكل دولة عضو في الجامعة، أن تمثل بمندوب واحد أو أكثر، في كل لجنة، ويكون لها صوت واحد".

ج. جميع أصوات الأعضاء في الجامعة متساوية، فهذه الأصوات لها نفس الأهمية، لا تعلو أهمية صوت إحدى أو بعض الدول الأعضاء على بقية الدول الأخرى الأعضاء في الجامعة. ويظهر ذلك بوضوح في المسائل، التي وافق ميثاق الجامعة على اتخاذ قرارات فيها بالأغلبية وليس بالإجماع، مثلما يحدث في حالات إقرار ميزانية الجامعة وشؤون الموظفين، وتقرير فض أدوار الاجتماع وغيرها. فلم يمنح النظام الأساسي للجامعة أي حق لدولة أو أخرى للاعتراض على هذه القرارات. ولذلك، نلاحظ خلو الميثاق من ذكر أي نص مخالف لمثل هذه المساواة في أهمية الأصوات. وفي هذا الشأن، تختلف الجامعة العربية عن هيئة الأمم المتحدة، التي مَيَّزّتْ الدول الكبرى على الدول الصغرى، عندما أعطت الأولى مزايا وحقوقاً لا تتمتع بها الأخيرة، مثل حق الاعتراض، على أي قرار يتخذه مجلس الأمن.

د. رئاسة مجلس الجامعة حق لكل دولة عضو فيه، تتولاه بالتناوب، وهذا ما تنص عليه المادة الخامسة عشرة من الميثاق بوضوح: "ويتناوب ممثلو دول الجامعة رئاسة المجلس في كل دور انعقاد عادي". وهذا تأكيد لمبدأ المساواة القانونية بين الدول الأعضاء في الجامعة العربية. ولم يفرّق الميثاق في هذا الأمر بين دولة صغيرة وأخرى كبيرة، أو دولة مؤسسة للجامعة وأخرى انضمت فيما بعد إتمام مرحلة التأسيس.

    وكل هذه الحقائق السابقة لا تؤكد قيام جامعة الدول العربية على مبدأ المساواة القانونية بين الأعضاء فقط، بجانب المبادئ الأخرى، وإنما تقوم بترجمة هذا المبدأ عملياً.

3. عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء

    تنص المادة الثامنة من الميثاق على أن: "تحترم كل دولة من الدول المشتركة في الجامعة نظام الحكم القائم في دول الجامعة الأخرى، وتعتبره حقاً من حقوق تلك الدول، وتتعهد بألاّ تقوم بعمل يرمي إلى تغيير ذلك النظام".

    وهكذا ترجمت هذا المبدأ، الذي تقوم عليه جامعة الدول العربية، في واجبين أساسيين، يجب أن تلتزم بهما الدول الأعضاء جميعها، وهما:

أ. وجوب احترام كل دولة عضو في الجامعة نظام الحكم القائم في بقية الدول الأعضاء بالجامعة، باعتبار نظام الحكم حقاً من حقوق هذه الدول. وهذا الاحترام يعني أن تمتنع كل دولة عن الازدراء بنظم الحكم في بقية الدول الأعضاء، وعن التهجم على هذه النظم.

ب. التعهد بعدم القيام بأي عمل يستهدف الإطاحة بهذه النظم أو محاولة تغييرها. والميثاق لم يُحَرِّمْ العمل العسكري وحده، الذي يأخذ شكل الاعتداء، ولكنه حَرَّمْ أي عمل يهدف إلى الإطاحة بهذه النظم، أو بأي منها، سواء كان هذا العمل عدواناً عسكرياً أو تدبير لانقلابات عسكرية أو اقتصر العمل على مجرد التحريض السياسي والإعلامي، فكل هذه الأعمال حَظرت المادة الثامنة من الميثاق القيام بها عندما نصّت على: "أي عمل".

    وهذا المبدأ الذي تقوم عليه جامعة الدول العربية يرجع إلى طبيعة الجامعة نفسها، باعتبارها منظمة للتعاون الاختياري بين الدول العربية المنظمة لها، وليست سلطة سياسية فوق هذه الدول، تستطيع أن تفرض نظماً معينة على البلاد العربية الأعضاء بها، أو على الأقل لها من الصلاحيات ما يمكنها من القيام بإجراءات تعديل لهذه النظم السياسية والاقتصادية أو الاجتماعية المعمول بها في هذه البلاد.

4. فض المنازعات العربية بالطرق السلمية

    لمّا كان أحد أهداف الجامعة العربية المحافظة على الأمن والسلام في المنطقة العربية، كان من الطبيعي أن يكون أحد المبادئ، التي تقوم عليها هذه الجامعة وتلتزم بها، مبدأ فض المنازعات بين البلاد العربية الأعضاء بها بالطرق السلمية، خاصة أن تنمية التعاون بين هذه البلاد ـ وهو أحد أهداف الجامعة أيضاً ـ لا يستقيم تحقيقه مع استعمال القوة في فض المنازعات التي تنشأ بينها، بل يعرقل مثل هذا التعاون المنشود، إن لم يقفل الباب أمام أي صور من هذا التعاون.

    وهذا المبدأ الذي أخذت به الجامعة العربية ورد في أكثر من وثيقة من وثائقها. فالوثيقة الأولى للجامعة وهي بروتوكول الإسكندرية، تحذر بوضوح من استعمال القوة في فض المنازعات بين الدول الأعضاء، وتذكر في القسم الأول منها: "لا يجوز على أي حال الالتجاء إلى القوة لفض المنازعات بين دولتين من دول الجامعة، ولكل دولة أن تعقد مع دولة أخرى من دول الجامعة أو غيرها اتفاقات خاصة لا تتعارض مع نصوص هذه الأحكام أو روحها".

    ويكرر ميثاق الجامعة، بعد ذلك، هذا التحذير بوضوح في المادة الخامسة منه، التي تنص على أنه: "لا يجوز الالتجاء إلى القوة لفض المنازعات بين دولتين أو أكثر من دول الجامعة. فإذا نشب خلاف لا يتعلق باستقلال الدولة، أو سيادتها، أو سلامة أرضيها، ولجأ المتنازعون إلى المجلس لفض هذا الخلاف، كان قراره عندئذ نافذاً أو ملزماً".

    ولقد جاء التزام الجامعة العربية بهذا المبدأ استجابة لرغبة دولية عارمة، كانت قد بدأت تستقر في وجدان العالم، أساسها نبذ الحروب وكراهية استعمال القوة في تسوية الخلافات والمنازعات السياسية بين الدول.

    لم تكتفِ الجامعة العربية بتحذير أعضائها من اللجوء إلى القوة في تسوية نزاعاتهم وخلافاتهم، بل قرنت هذا التحذير بتقديم عدة وسائل لهم تعينهم على تسوية هذه المنازعات سلمياً. وأهم هذه الوسائل كان التحكيم والوساطة[6].

    فالمادة الخامسة، التي تتضمن تحذير الأعضاء بالجامعة بعدم اللجوء إلى القوة لفض المنازعات، تطرح أيضاً إمكانية توسط الجامعة في أي خلاف يخشى منه وقوع حرب بين دولة من دول الجامعة وبين أية دولة أخرى من دول الجامعة أو غيرها للتوفيق بينهما.

    كما تنص أيضاً المادة السادسة من الميثاق على حق مجلس الجامعة في اتخاذ التدابير اللازمة لدفع الاعتداء، الذي يقع على دولة من أعضاء الجامعة أو يخشى وقوعه.

    وكذلك فإن ميثاق الجامعة العربية قد أَقر إمكانية إجراء أي تعديلات عليه بموافقة ثلثي دول الجامعة، واعتبر أن أهم أغراض التعديل، التي يجب أن يهتم بها هؤلاء الأعضاء في تقديره ثلاثة، واحد منها إنشاء محكمة عدل عربية، تضطلع بمهمة التحكيم الإجباري بدلاً من التحكيم الاختياري يعد واحداً من اختصاصات الجامعة[7].

    إن التزام الجامعة العربية، منذ إنشائها، بهذا المبدأ، أمر مفهوم في ضوء الآتي:

أ. إن أحد أهداف الجامعة العربية المحافظة على الأمن والسلام في المنطقة العربية. ولن تنجح الجامعة في تحقيق ذلك إلاّ إذا اعتمدت مبدأ التسوية السلمية للمنازعات بين الدول الأعضاء بها، وجعله واحداً من المبادئ التي تقوم عليها. أمّا فض المنازعات بالقوة فهو أمر يتناقض مع هذا الهدف.

ب. إن من أهداف الجامعة العربية، كذلك، تنمية التعاون بين البلاد العربية الأعضاء بها. وأحد الشروط الأساسية، اللازم توافرها لتنمية هذا التعاون، ألاّ تلجأ هذه الدول إلى فض منازعاتها بالقوة، وأن تتولى تسوية هذه المنازعات بالطرق السلمية فقط. فليست هناك إمكانية وجود تعاون ولا تنمية هذا التعاون بين دول متحاربة، أو قد تلجأ إلى الحرب لتسوية منازعاتها.

ج. إن من أهداف الجامعة العربية، كذلك، تحقيق مزيد من الوحدة العربية بين البلاد العربية، داخل وخارج الجامعة، ولجوء الدول العربية إلى فض منازعاتها بالقوة من شأنه تكوين الفُرقة والانقسام بين الدول العربية. أمّا التزامها بفض منازعاتها بالطرق السلمية فسوف يؤدي إلى زيادة إمكانية نجاح الجامعة العربية في تحقيق بعض أهدافها.

    لكل هذه الأسباب، يُعدّ مبدأ فض المنازعات بالطرق السلمية، وعدم اللجوء إلى القوة في فض هذه المنازعات، أحد مبادئ الجامعة، التي قامت عليها.

5. المساعدة المتبادلة

    لمّا كان أحد أهداف الجامعة العربية: "صيانة استقلال الدول العربية الأعضاء بالجامعة والمحافظة على سيادتها ضد كل اعتداء"، فإنه من الضروري أن تقوم الجامعة العربية على مبدأ المساعدة المتبادلة ضمن المبادئ الأخرى.

    ومن الصعب تصور إمكانية نجاح الجامعة العربية في تحقيق هدف صيانة استقلال أعضائها، من دون أن تتضمن مبادئها هذا المبدأ، لأنه يعني التزام الجامعة العربية بتقديم كل عون لأية دولة عربية يقع عليها عدوان خارجي، واتخاذ كافة التدابير الممكنة، السياسية أو الاقتصادية، أو العسكرية لدفع هذا الاعتداء.

    أفرد الميثاق مادة كاملة للحديث عن ذلك بالتفصيل، تنص على أنه: "إذا وقع اعتداء من دولة على دولة أخرى من أعضاء الجامعة، أو خشي وقوعه، فللدولة المعتدى عليها أو المهددة بالاعتداء أن تطلب دعوة المجلس للانعقاد فوراً. ويقرر المجلس التدابير اللازمة لدفع هذا الاعتداء، ويصدر القرار بالإجماع".

    وتأتي، بعد ذلك، معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي لتؤكد هذا المبدأ وتزيده إيضاحاً في المادة الثالثة منها، التي تنص على أن: "تعتبر الدول المتعاقدة، كل اعتداء مسلح يقع على أية دولة أو أكثر منها أو على قواتها المسلحة، اعتداء عليها جميعا، ولذلك فإنها عملاً بحق الدفاع الشرعي (الفردي أو الجماعي) عن كيانها تلتزم بأن تبادر إلى معاونة الدولة أو الدول المعتدى عليها، بأن تتخذ على الفور جميع التدابير وتستخدم جميع ما لديها من وسائل، بما في ذلك استخدام القوة المسلحة لرد الاعتداء، ولإعادة الأمن والسلام إلى نصابهما".

    وحتى تتمكن الجامعة العربية والدول الأعضاء بها من تنفيذ ما توصي به المادة السادسة من ميثاق الجامعة والمادة الثانية من معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي، نصت المادة الرابعة من نفس المعاهدة على: "التعاون بين الدول العربية لدعم المقومات العسكرية لكل منها".        

    وهذه النصوص كلها تؤكد على ضرورة بذل المساعدة في حالة الاعتداء على إحدى الدول العربية الأعضاء بالجامعة، وترتب على مجلس الجامعة التزاماً باتخاذ مختلف التدابير الاقتصادية أو السياسية أو العسكرية، التي يرى أنها مناسبة لظروف الأحوال.

    وفي الوقت نفسه، ترسم هذه النصوص حدوداً واضحة لممارسة هذا المبدأ من قبل جامعة الدول العربية، وهذه الحدود هي:

أ. لا تبادر الجامعة باتخاذ التدابير اللازمة والمناسبة، لدفع الاعتداء عن أي دولة عضو فيها يتعرض لهذا الاعتداء، إلاّ إذا طلبت الدولة نفسها ذلك من مجلس الجامعة. غير أن معاهدة الدفاع المشترك في مادتها الثانية أعطت حق المبادرة للدول المتعاقدة، وهي أعضاء في الجامعة، لمعاونة الدولة أو الدول المعتدى عليها، واتخاذ جميع التدابير اللازمة، بما فيها استخدام القوة المسلحة، على الفور.

ب. يجب ألاّ يتخذ مجلس الجامعة أي قرارات في شأن التدابير اللازمة، لدفع الاعتداء، الذي وقع على عضو من أعضائه، إلاّ بالإجماع، وليس بالأغلبية، باستثناء الدولة المعتدية. وكذلك، نصّت المادة الثانية من معاهدة الدفاع المشترك، لتجاوز هذا الشرط، على أن الدول المتعاقدة يجب أن تبادر على الفور لنجدة الدولة التي وقع عليها الاعتداء، سواء مجتمعة أو منفردة.

ج. وأخيراً، لم ينص ميثاق الجامعة على تحديد مفهوم العدوان.

د. أمّا معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي، فقد اعتبرت العدوان: "كل اعتداء مسلح يقع على الدولة".

    مجمل القول أن وثائق الجامعة نصت بوضوح على مبدأ المساعدة المتبادلة، وفي الوقت نفسه، وضعت لممارسة هذا المبدأ بعض الحدود والضوابط.



[1]  جاء في القرار الخاص بلبنان المرفق ببروتوكول الإسكندرية تعريف للجامعة يحمل هذا المفهوم بوضوح، هذا نصه: وتعتبر جامعة الدول العربية بمثابة مؤتمر دائم للدول العربية يرمي إلى القيام بمهمات خاصة محددة في هذا الميثاق وليس لهذه الجامعة شخصية دولية مستقلة عن الحكومات الممثلة في مجلسها، فكل دولة من دول الجامعة تحتفظ بحقوقها الكاملة في السيادة والاستقلال سواء في الخارج أو الداخل.

[2]  هناك اتجاه ينظر إلى جامعة الدول العربية على أساس أنها نوع ضعيف من الاتحادات الدولية، وأبرز أصحاب هذا الاتجاه موسكيل، الذي رأى أن جامعة الدول العربية ليست سوى رابطة بين دول ذات سيادة لا تتمتع بالسيادة، ولا توصف بالدولة، ولا ينتج عنها إنشاء سلطة فوق الدول تهيمن على الدول الأعضاء بشكل قانوني داخلياً ودولياً، وهي بهذه الصورة تختلف عن الاتحادات الفيدرالية، كما أنها أيضاً تختلف عن الاتحادات الكونفدرالية لانعدام العلاقات المباشرة بين الجامعة والأجهزة الوطنية في الدول الأعضاء، التي تقتضي فكرة الاتحاد الكونفدرالي وجودها. وأيضاً هناك من نظر إلى الجامعة العربية على أنها تمثل إحدى الصور الضعيفة للتحالفات الدولية، وأبرز ممثلي هذا الاتجاه جورج سيل. ويلاحظ بصفة عامة أن أصحاب هذه الآراء، كانوا يبحثون عن طبيعة جامعة الدول العربية في نطاق نظرية الاتحادات الدولية أساساً، ولذلك لم تتوصل إلى اعتبار هذه المنظمة العربية منظمة إقليمية، ولعل التردد في اعتبار جامعة الدول العربية من المنظمات الدولية قد يجد أساساً له في أن القرارات، التي تصدر عن مجلس الجامعة في بعض المسائل بالإجماع، بحيث لا يلزم القرار الدول، التي لم توافق عليه، وهو ما يؤدي إلى طمس الإرادة الذاتية للمنظمة، أحد شروط قيام التنظيم الإقليمي المستقرة في الفقه الدولي القانوني والسياسي، غير أن جامعة الدول العربية لا تتميز وحدها بهذه الظاهرة، بل أننا نجد مقابلاً لها في أكثر المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة، حيث يوجد نظام  الفيتو، وهو الذي يقتضي الإجماع في القرارات، التي تصدر حتى تكون ملزمة.

[3]  اعترفت الأمم المتحدة في مناسبات عديدة بصفة المنظمة الإقليمية لجامعة الدول العربية، بل ودعت ممثلين عن الجامعة للاشتراك في مناقشات بعض القضايا العربية.

[4]  كانت معظم محاولات تعديل ميثاق جامعة الدول العربية تبغي إتاحة الفرصة لجهاز الجامعة العربية وتنظيماتها لتحقيق هذا الهدف، وهو (جعل الروابط بين البلاد الأعضاء بها أمتن وأوثق). ولقد تعددت هذه المحاولات والمشروعات، وكان أهمها:

* المشروع السوري في فبراير 1948، الذي دار في الأساس حول تعديل المادة التاسعة الخاصة بتقييد حرية الدول الأعضاء في عقد معاهدات مع الدول الأجنبية حفاظاً على كيان الجامعة). * المشروع السوري في يناير 1952، الخاص بإنشاء الدول العربية المتحدة) محل جامعة الدول العربية)، وهو المشروع، الذي قدمه ناظم القاسي بدون علم المسئولين في دمشق أيامها، وقبل أن يطرد من الحكم على يد الشيشكلي. * المشروع العراقي في يناير 1954، الذي قدمه فاضل الجمالي وقتها، مطالباً بإقرار مبدأ الاتحاد بين الدول العربية واستعداد العراق للدخول في اتحاد مع أي قطر عربي يريد ذلك، وإن كان البعض قد فسر هذا المشروع بأنه عودة إلى فكرة الهلال الخصيب بشكل غير مباشر. * مشروع ديسمبر 1954، الخاص بتعديل قاعدة الإجماع وتدعيم معاهدة الدفاع المشترك. المشروع، الذي قدم في يوليه 1955، حول ضرورة إضافة هيئة عاملة جديدة إلى جانب الهيئات القائمة في الجامعة على أن تتخذ شكل مجلس شعبي. * مذكرة التعديل، التي قدمها أمين الجامعة في مارس 1956، والتي اشتملت على سبعة مقترحات محددة. * المشروع المغربي في سبتمبر 1959، بهدف تقوية الروابط بين الدول العربية. * مقترحات اللجنة الخاصة بتعديل الميثاق، التي اجتمعت في أول يونيه 1961، والتي قدمت ما لا يقل عن 15 اقتراحاً، نتيجة مناقشات واسعة على ضوء مشروعين قدمتهما العراق وتونس. المشروع السوري الجزائري العراقي، الذي قدم عام 1966 بعد بحث الموضوع وتقديم تقرير عنه.

[5]   قدم نوري السعيد مذكرة إلى اللجنة الفرعية السياسية، في فبراير 1945، يقول فيها: "إن منح مجلس الجامعة حق التدخل في حل خلاف، قد ينشأ بين بعض دول الجامعة، من دون رضاء الطرفَين المختلفَين، يؤدي إلى قيام حالة خطيرة، تهدد كيان الجامعة". أمّا مندوب مصر، فقد تقَّدم بمذكرة أخرى، يعارض فيها هذا الاتجاه، ويطالب بالتحكيم الإجباري. وقال فيها: " لقد جاء في نظام دومبارتون أوكس، الذي يكون متمماً لنظامنا، أن الدول ستتفق فيما بينها، على حفظ السلام والأمن في العالم، بإجراءات شتى، منها استعمال القوة لتنفيذ التحكيم الإجباري، ونظامنا- على حالتنا الراهنة- يتضاءل إلى لا شئ".

[6]  أثناء المناقشات التحضيرية لإنشاء الجامعة العربية، برز اتجاه، يطالب بإضافة فكرة التحكيم الإجباري، كأحد الاختصاصات الممنوحة للجامعة العربية. وترجم أصحاب هذا الاتجاه آراءهم، عملياً، بالدعوى إلى إنشاء محكمة عدل عربية، تتولى هذا النوع الإجباري من التحكيم. غير أنه كان هناك اتجاه آخر، عارض فكرة التحكيم الإجباري، وعارض إنشاء محكمة عدل عربية، خوفاً من أن يؤدي ذلك إلى إضعاف الجامعة. ولذلك، تشبث أصحاب هذا الاتجاه بفكرة التحكيم الاختياري. وكان للاتجاه الأخير الغلبة، في النهاية، وهو الاتجاه الذي أخذ به ميثاق الجامعة، ولم يتخلَّ عنه.

[7]  تقدمت بعض الدول العربية بعدة اقتراحات مختلفة ضمن مشروعات ـ لتعديل ميثاق الجامعة ـ لإنشاء مثل هذه المحكمة العربية، غير أن هذه الاقتراحات لم يؤخذ بها من قبل بقية الدول الأعضاء حتى الآن.