إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / منظمات وأحلاف وتكتلات / جامعة الدول العربية




محمود رياض
محمد عبد الخالق حسونة
أحمد عصمت عبد المجيد
الشاذلي القليبي
علم الجامعة
عمرو موسى
عبد الرحمن عزام





المبحث الثاني

المبحث السابع

جامعة الدول العربية وأزمة العلاقات المصرية ـ العربية

(1979 ـ 1989)

    إذا كانت الجامعة العربية قد استمرت تباشر مهامها منذ عام 1945، وذلك على الرغم من ضخامة حجم المشكلات والأزمات التي واجهتها، وكان بعضٌ منها بالغ الحدة والتعقيد، إلاّ أن هذا الاستمرار يكاد يكون قد قطع، من الناحية الفعلية، بنشوب الأزمة بين مصر، من جانب، وباقي الدول العربية الأخرى، من جانب آخر، في أعقاب إقدام مصر على إبرام معاهدة سلام مع إسرائيل عام 1979. فالثابت، أن هذه الأزمة، وما أدت إليها من تداعيات، تُعدّ من أشد الأزمات، التي واجهتها الجامعة العربية في تاريخها. وذلك بالنظر إلى ما أدت إليه من حدوث انعكاسات خطيرة، ليس فقط على ما يتعلق بالأداء الوظيفي لهذه المؤسسة العربية القومية، وإنما كذلك على ما يتصل ببنيتها الهيكلية، وهو أمر لم يحدث منذ نشأة الجامعة.

أولاً: تسلسل أحداث الأزمة

    نشبت الأزمة في أعقاب قيام الرئيس الراحل محمد أنور السادات، رئيس جمهورية مصر العربية، بما عرف بمبادرة السلام، التي أسفرت عن توقيع اتفاقية كامب ديفيد، في 17سبتمبر1978، ومعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل في 26 مارس 1979.

    أحدثت هذه التطورات، في العلاقات المصرية ـ الإسرائيلية، ردود فعل عنيفة ضد مصر من كافة الدول العربية. واتهِمت مصر بالتواطؤ مع إسرائيل والولايات المتحدة، على حساب المصالح العربية العليا، وعلى رأسها قضية الشعب الفلسطيني، وتحرير الأراضي العربية المحتلة. كما اتهِمت، كذلك، بأنها خرجت على الإجماع العربي، لا سيما ما تم التأكيد عليه في قمتي الجزائر والرباط، عامي 1973 و 1976، في شأن عدم توقيع أي معاهدة صلح منفردة مع إسرائيل.

    تُرجمت ردود الأفعال هذه إلى مواقف عربية عملية، وقرارات تنفيذية، لمحاولة إثناء مصر عن الاستمرار في مسار التصالح مع إسرائيل، وتعدّ القرارات، التي أصدرها مجلس جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية والاقتصاد والمال العرب في دورته غير العادية، التي عقدها في بغداد، خلال الفترة من 27 إلى 31 مارس 1979، بمثابة الرد الحاسم، من جانب الدول العربية، لمواجهة التوجه المصري الجديد في العلاقات مع إسرائيل، الذي تم تقنينه في معاهدة السلام المصرية ـ الإسرائيلية.

ثانياً: قرارات مجلس الجامعة في دورة بغداد (أُنظر قرارات المؤتمر الاستثنائي لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية والاقتصاد العرب المنعقد في بغداد (بالفترة من 27 إلى 31/3/1979)

    بمراجعة منطوق قرارات مجلس الجامعة، في دورة بغداد، يمكن القول بأنه بعد الديباجة الطويلة، التي أشير فيها إلى مخالفة حكومة جمهورية مصر العربية لالتزامها بموجب أحكام ميثاق الجامعة، وقرارات مؤتمرات القمة العربية في شأن عدم جواز توقيع اتفاق منفرد مع إسرائيل. . . الخ، قرر مجلس الجامعة العربية، على مستوى وزراء الخارجية، ما يلي:

1: أ. سحب سفراء الدول العربية من مصر فوراً.

ب. التوصية بقطع العلاقات السياسية والدبلوماسية مع الحكومة المصرية، على أن تتخذ الحكومات العربية الإجراءات اللازمة لتطبيق هذه التوصية، خلال مدة أقصاها شهر واحد من تاريخ صدور هذا القرار، وفقاً للإجراءات الدستورية النافذة في كل قطر.

2: اعتبار تعليق عضوية جمهورية مصر العربية في جامعة الدول العربية نافذاً من تاريخ توقيع الحكومة المصرية معاهدة الصلح مع العدو الصهيوني. ويعني ذلك حرمانها من جميع الحقوق المترتبة على عضويتها.

3: أ. أن تكون مدينة تونس عاصمة الجمهورية التونسية مقراً مؤقتاً لجامعة الدول العربية، ولأمانتها العامة، والمجالس الوزارية المتخصصة، واللجان الفنية الدائمة، اعتباراً من تاريخ التوقيع على المعاهدة بين الحكومة المصرية والعدو الصهيوني، وبإبلاغ جميع المنظمات والهيئات الدولية والإقليمية بذلك. وبأن التعامل مع الجامعة يتم مع أمانتها في المقر الجديد المؤقت.

ب. مناشدة حكومة الجمهورية التونسية لتقديم المساعدات الممكنة لتسهيل إقامة مقر الجامعة المؤقت وموظفيها.

ج. تشكيل لجنة من ممثلي كل من العراق، سورية، تونس، الكويت، السعودية، الجزائر، بالإضافة إلى ممثل عن الأمانة العامة بهدف تنفيذ أحكام هذا القرار. والسعي لدى الدول الأعضاء لتقديم المساعدات التي تطلبها. وتخول اللجنة كافة صلاحيات مجلس الجامعة، التي يتطلبها تنفيذ هذا القرار بما في ذلك حماية كافة ممتلكات الجامعة، وأرصدتها ووثائقها، ومسجلاتها، واتخاذ التدابير اللازمة، ضد أي إجراء قد تتخذه الحكومة المصرية لعرقلة نقل مقر الجامعة أو المساس بحقوقها وممتلكاتها.

د. يوضع تحت تصرف اللجنة مبلغ قدره خمسة ملايين دولار لمواجهة نفقات النقل.

هـ. نقل موظفي الأمانة العامة للجامعة، الذين يمارسون أعمالهم عند صدور هذا القرار من المقر الدائم إلى المقر المؤقت خلال المدة المحدودة في هذا القرار (أي خلال مدة شهرين من تاريخ هذا القرار ما لم تر اللجنة مده لمدة شهر آخر)، وتخول اللجنة المشار إليها في الفقرة الثالثة أعلاه صلاحية دفع تعويضات مالية لهم (أي موظفي الأمانة العامة) تتناسب ومستوى المعيشة في المقر الجديد، وتسوية أوضاعهم لحين وضع نظام دائم لذلك.

4: أن تقوم المنظمات، والهيئات، والمؤسسات، والاتحادات النوعية العربية المتخصصة، باتخاذ التدابير اللازمة لتعليق عضوية مصر فيها، ونقل مقرات ما هو مقيم منها في مصر إلى دول عربية أخرى، بصورة مؤقتة، وذلك على غرار ما يتم في شأن الأمانة العامة للجامعة.

وتجتمع المجالس والهيئات التنفيذية لتلك المنظمات والهيئات والمؤسسات والاتحادات فوراً، لتنفيذ هذا القرار، خلال فترة لا تتجاوز الفترة المحددة أعلاه.

5: العمل على تعليق عضوية جمهورية مصر العربية، في حركة عدم الانحياز، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، ومنظمة الوحدة الأفريقية، لانتهاكها قرارات تلك المنظمات، فيما يتعلق بالصراع العربي ـ الصهيوني.  

6: استمرار التعاون مع شعب مصر العربي الشقيق ومع أفراده، عدا المتعاونين بصورة مباشرة أو غير مباشرة مع العدو الصهيوني.

7: قيام الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية بإبلاغ جميع الدول الأجنبية موقفها من المعاهدة المصرية ـ الإسرائيلية، والطلب إليها بعدم دعم هذه المعاهدة لما تشكله من اعتداء على حقوق الشعب الفلسطيني والأمة العربية، وتهديد للأمن والسلام في العالم.

8: إدانة السياسة، التي تمارسها الولايات المتحدة الأمريكية، فيما يتعلق بدورها في عقد اتفاقيتي كامب ديفيد والمعاهدة المصرية ـ الإسرائيلية.

9: اعتبار التدابير المتخذة من هذا القرار مؤقتة، وتلغى بقرار من مجلس الجامعة، فور زوال الظروف التي بررت اتخاذها.

10: أن تقوم الدول العربية بإصدار التشريعات والقرارات والإجراءات، التي يقتضيها تنفيذ هذا القرار.

ثالثاً: قرارات صدرت في اجتماع المجلس، على مستوى وزراء الخارجية والاقتصاد والمال العرب، في إطار الدورة نفسها، وقد نصت على ما يلي (أُنظر القرار الرقم ق 3840/ د غ ع - 31/3/1979):

1.  إيقاف تقديم أية قروض، أو ضمانات، أو تسهيلات مصرفية، أو مساهمات، أو مساعدات مالية أو عينية أو فنية، من قبل الحكومات العربية، أو مؤسساتها، إلى الحكومة المصرية ومؤسساتها، وذلك اعتباراً من توقيع المعاهدة.

2.  حظر تقديم المساعدات الاقتصادية، من الصناديق، والمصارف، والمؤسسات المالية العربية، القائمة في نطاق الجامعة العربية، والتعاون العربي المشترك، إلى الحكومة المصرية ومؤسساتها.

3.  امتناع الحكومات، والمؤسسات العربية، عن اقتناء السندات، والأسهم، والأذون، وقروض الدين العام، التي تصدرها الحكومة المصرية، ومؤسساتها المالية.

4.  تبعاً لتعليق عضوية مصر في الجامعة العربية، تعلق عضويتها أيضاً في المؤسسات، والصناديق، والمنظمات المنبثقة عنها، وتوقف استفادة حكومة مصر ومؤسساتها منها، ونقل ما هو مقيم منها ـ أي من هذه المؤسسات والصناديق ـ في مصر إلى دول عربية أخرى، بصورة مؤقتة.

5.  نظراً لما احتوته المعاهدة المصرية ـ الإسرائيلية المشؤومة، وملحقاتها، من التزام مصر ببيع النفط إلى إسرائيل، تمتنع الدول العربية عن تزويد مصر بالنفط ومشتقاته.

6.  منع التبادل التجاري مع المؤسسات الحكومية والخاصة المصرية، التي تتعامل مع العدو الصهيوني.

7.  المقاطعة الاقتصادية:

أ. تطبيق قوانين المقاطعة العربية، ومبادئها، وأحكامها على الشركات، والمؤسسات، والأفراد، في جمهورية مصر العربية، الذين يتعاملون بصورة مباشرة أو غير مباشرة مع العدو الصهيوني، ويناط بمكتب المقاطعة متابعة تنفيذ هذه المهام.

ب. يشمل حكم الفقرة (أ) الأعمال الفكرية، والثقافية، والفنية، التي تروج للتعامل مع العدو الصهيوني، أو التي لها صلة بمؤسساته.

ج. تؤكد الدول العربية على أهمية استمرار التعامل مع المؤسسات الخاصة الوطنية المصرية، التي يتأكد امتناعها عن التعامل مع العدو الصهيوني، وتشجيعها ـ أي هذه المؤسسات ـ على العمل والنشاط في البلاد العربية، في إطار الميادين التي تعنى بها.

د. تؤكد الدول العربية على أهمية رعاية مشاعر أبناء شعب مصر العربي العاملين والموجودين في البلدان العربية، ورعاية مصالحهم، وتعزيز انتمائهم القومي للعروبة.

هـ. تعزيز دور المقاطعة العربية وإحكام طوقها، في هذه المرحلة.

8. يطلب من الأمم المتحدة نقل مقرات مكاتبها الإقليمية، التي تخدم المنطقة العربية، من جمهورية مصر العربية إلى أي عاصمة عربية أخرى، وتقوم الدول العربية بعمل جماعي موحد لتحقيق هذا الهدف.

9. تكليف الأمانة العامة للجامعة العربية بدراسة وضع المشاريع العربية المشتركة لاتخاذ الإجراءات الضرورية لحماية مصالح الأمة العربية، بما ينسجم مع أهداف هذه القرارات، وتتقدم الأمانة العامة بمقترحاتها إلى مجلس جامعة الدول العربية، في أول اجتماع له.

10. مواجهة المخطط الصهيوني، بوضع استراتيجية عربية للمواجهة الاقتصادية لاستثمار عناصر القوى الذاتية العربية.

11. تكليف اللجنة الوارد ذكرها في المادة (الثالثة) فقرة (ج) من قرارات السادة وزراء الخارجية العرب للإشراف على تنفيذ هذه القرارات، وتكلف بتقديم تقرير متابعة إلى مجلس الجامعة، في أول اجتماع له.

12. تتولى الدول العربية إصدار القرارات، والتشريعات، واتخاذ الإجراءات، التي يقتضيها تنفيذ هذه القرارات.

13. تعتبر هذه الإجراءات، التي اتخذها وزراء الخارجية والاقتصاد العرب الحد الأدنى من الإجراءات لمواجهة أخطار المعاهدة، ويترك للحكومات (العربية) ـ انفرادياً ـ اتخاذ ما تراه ضروريا لها.

14. يدعو وزراء الخارجية والاقتصاد العرب الأمة العربية، في كافة أقطارها، إلى مساندة الإجراءات الاقتصادية المتخذة ضد العدو الصهيوني والنظام المصري.

    هذا هو مجمل القرارات السياسية والاقتصادية، التي أصدرها مجلس الجامعة العربية في دورته غير العادية، التي عقدها في بغداد، خلال الفترة من 27 إلى 31 مارس 1979، رداً على قيام الحكومة المصرية بإجراء المفاوضات مع إسرائيل وتوقيع معاهدة سلام معها. والراجح، في ضوء ما عُرض من منطوق هذه القرارات، أنه يصعب الحديث عن دور الجامعة في معالجة هذه الأزمة في العلاقات المصرية ـ العربية، خلال الفترة من 1979 ـ 1989. ومرد ذلك إلى حقيقة أن الأزمة في هذه المرة، وربما على نحو غير مسبق في تاريخ العلاقات العربية ـ العربية المعاصرة، لم تنشب بين دولة عربية وإحدى أو بعض الدول العربية الأخرى. لذا، فإن الجامعة في هذه الحالة ـ وباعتبارها تمثل تعبيراً عن الإرادة العربية الجماعية ـ قد انحازت إلى الإجماع العربي الرسمي الرافض للمنهج المصري في التصالح مع إسرائيل. ولعل هذا هو الذي يمكن أن يفسر حقيقة أن الجامعة العربية قد أصابها من جرّاء هذه الأزمة ما أصاب العلاقات المصرية ـ العربية من تدهور، بل زاد الأمر على ذلك بأن تركت الأزمة انعكاساتها السلبية ليس على ما يتعلق بأداء الجامعة في المجالات المختلفة ذات الصلة بالعمل العربي المشترك فقط، وإنما فيما يتصل بالبنية الهيكلية لهذه المؤسسات القومية أيضاً. ويبدو ذلك، جلياً، في المسائل القانونية العديدة، التي عرضت لهذه القرارات المذكورة، وتمثلت في الأساس في النقاط الأربع التالية:

·    تعليق عضوية مصر في الجامعة العربية، وكافة المنظمات والمؤسسات العربية الحكومية وغير الحكومية.

·    نقل الجامعة من مقرها الأصلي بحسب الميثاق إلى مقر جديد مؤقت في العاصمة التونسية.

·    توقيع الجزاءات على مصر بدعوى مخالفتها لأحكام ميثاق الجامعة وغيره من المواثيق العربية ذات الصلة.

·    استقالة الأمين العام.

    فيما يتعلق بالجزاءات، التي أشارت القرارات إلى توقيعها، وكذا تجميد عضوية مصر في الجامعة وفي غيرها من المنظمات والمؤسسات العربية المشتركة، يُلاحظ أنها أثارت جدلاً واسعاً في شأن مدى اتفاقها مع أحكام ميثاق الجامعة العربية، الذي لم يشر إلاّ إلى جزاء واحد فقط، هو جزاء الفصل من الجامعة بوصفه جزاء غير عسكري.

    إلاّ أن بعض المفسرين أوضحوا بأنه يمكن تأسيس القرارات المشار إليها بإرجاعها إلى القاعدة، التي تقضي بأن "من يملك الأكثر، يملك الأقل". وبعبارة أخرى، فإذا كان مجلس الجامعة يتمتع ـ بموجب المادة 18 من الميثاق ـ بسلطة فصل الدولة المخالفة، إذاً فهو يتمتع من باب أولى بسلطات أدنى من ذلك فيما يتصل بتوقيع الجزاءات، متى قَدّر ـ أي مجلس الجامعة ـ أن إخلال هذه الدولة "بواجبات الميثاق" لا يستأهل توقيع جزاء الطرد من الجامعة عليها (أُنظر ملحق ميثاق جامعة الدول العربية). والواقع، إن مثل هذا التفسير يمكن أن يجد سنداً له في بعض القواعد التي استقر عليها العمل الدولي، فيما يتعلق بتفسير المعاهدات، "كنظرية السلطات الضمنية، ومبدأ إعمال النص".

    من جهة أخرى، يلاحظ أن هذه الجزاءات، التي جرى توقيعها ضد مصر، تمثل واحدة من الحالات القليلة جداً، التي طبق فيها مجلس الجامعة ذلك ضد دولة عضو. فالراصد لتطورات الخبرة التاريخية للجامعة في هذا الخصوص، يمكنه أن يقف على حقيقة أن مسألة الجزاءات هذه قد أثيرت في ثلاث حالات فقط، إضافة إلى هذه الحالة المصرية.

أولاً:   كانت هناك الحالة الخاصة بأزمة الضفة الغربية عام 1950، والناتجة عن قيام مملكة شرق الأردن بضم الضفة الغربية إليها. فرداً على هذا التصرف الأردني، اقترحت مصر في الدورة الاستثنائية، التي عقدها مجلس الجامعة، في مايو من العام نفسه، لبحث هذه الأزمة، فصل الأردن من الجامعة لمخالفته أحكام الميثاق. غير أن هذا الاقتراح المصري لم يلق قبولاً. وأمكن بعد ذلك التوصل إلى حل وسط، وافق عليه جميع الأعضاء.

ثانياً: كانت هناك الحالة، التي جرت فيها محاولات من جانب بعض الدول العربية لفصل كل من تونس، والعراق، من الجامعة نتيجة لإصرارهما على مقاطعة جلسات مجلس الجامعة، فضلاً عن موقف هاتين الدولتين المخالف لأحكام الميثاق "موقف الرئيس التونسي السابق "بورقيبة" في شأن العلاقات العربية مع إسرائيل، ومطالبة العراق بضم الكويت). وهنا أيضاً نجد أن مجلس الجامعة لم يصدر أي قرار في شأن فصل أي من الدولتين المذكورتين من الجامعة.

ثالثاً: الحالة التي ينبغي الإشارة إليها في هذا الخصوص، هي حالة النزاع بين شطري اليمن في صيف عام 1978. فلم يتردد مجلس الجامعة في إدانة اليمن الجنوبية بشكل قاطع وصريح، وإيقاع العديد من الجزاءات ضدها كتجميد العلاقات السياسية والدبلوماسية بينها وبين باقي الدول الأعضاء، ووقف مختلف العلاقات الاقتصادية والثقافية والمعونات الفنية معها.      

    فيما يختص بنقل الجامعة من مقرها الأصلي والدائم بالقاهرة إلى مقر جديد مؤقت في العاصمة التونسية، فقد آثار أيضا نفس الجدل في شأن مدى قانونيته وفقاً لأحكام ميثاق الجامعة، الذي نص في المادة العاشرة منه على أن "تكون القاهرة المقر الدائم لجامعة الدول العربية، ولمجلس الجامعة أن يجتمع في أي مكان آخر يعينه" وهو ما يعني أن أي قرار بنقل الجامعة العربية من القاهرة لا يكون صحيحاً ما لم يتم تعديل الميثاق وإلغاء النص المشار إليه في المادة العاشرة منه.

    وأصبح واضحاً أنه بدلاً من أن تكون الجامعة أداة معاونة لتسوية الخلافات العربية، كانت هي أداة الصراع وضحيته الأولى في أزمة العلاقات المصرية ـ العربية، خلال الفترة من 1979 إلى 1989. وبدا للراصد لتطورات الوضع بأن هناك جامعتين عربيتين لا جامعة واحدة: الأولى في القاهرة، والثانية في تونس.

رابعاً: المصاعب الأساسية التي واجهت الجامعة عند انتقالها إلى تونس

واجهت الجامعة نتيجة هذا الوضع الخاص صعاباً أساسية ثلاثاً:

1. المصاعب الإدارية والمالية

    لم تنتقل الجامعة بكل كفاءاتها ووثائقها وأموالها، وإذا كانت الأموال قد عُوّضت، فإن عدداً لا يستهان به من الكفاءات الفنية بقي في القاهرة.

    أمّا فيما يخص الوثائق، فقد أمكن تعويض بعضها بواسطة ما لدى بعض الدول العربية، بعد جهد كبير، أمّا الجزء الآخر ـ من هذه الوثائق ـ فلم يكن موجوداً عند هذه الدول، فاضطرت الجامعة أحياناً أن تعاود الجهود نفسها، التي بُذلت في القاهرة، لتغطية هذا الفراغ.

2. المصاعب الناتجة عن الاعتراف الدولي

    كان على الجامعة في مقرها الجديد أن تنتزع اعتراف الأطراف الدولية بشرعية وجودها في تونس، وقد أخذ ذلك كثيراً من الجهد.

    فالدول الأوروبية الغربية ـ على سبيل المثال ـ لم تتعامل مع الجامعة في مقرها الجديد، إلاّ بعد مضي ستة أو سبعة أشهر من انتقالها إلى تونس. أمّا الولايات المتحدة الأمريكية، فقد بقيت أكثر من عام قبل أن تعيد علاقة العمل مع الجامعة.

    على الرغم من أن المنظمات الدولية، لم تظهر رفضاً للتعاون مع الجامعة، فقد اتسم موقفها بالحيرة حيناً، والتردد أحياناً.

3. المصاعب الناتجة عن التأقلم العربي

    نتيجة خروج الجامعة، للمرة الأولى، من المشرق العربي إلى المغرب العربي، نشأ وضع فرض التأقلم في الحياة والمفاهيم العامة الجديدة وفي التعامل مع الجامعة في مقرها الجديد، في ظل تغيرات أساسية في الخريطة السياسية العربية أبرزها غياب اكبر دولة عربية في الجامعة.

    لذا يمكن القول إن الجامعة تحملت في انتقالها أثقالا هائلة، وأول ما سعت إليه الأمانة العامة، والأمين العام الجديد (بعد استقالة الأمين السابق من منصبه)، هو مواجهة الواقع الجديد والتحديات المطروحة، التي يمكن إيجازها في الآتي:

أ. الإبقاء على الجامعة مؤسسة عربية قومية مشتركة

    بعد غياب الكفاءات المصرية والنقص في الوثائق والأموال، كان هناك تصور كامل بأن الجامعة ستنهار. فجاء التحدي الأول (تحدي البقاء)، فكان على الجامعة أن تثبت بقاءها ودوامها، وقد شغلها ذلك في كثير من الوقت والجهود، نتيجة الهوة الكبيرة، التي كانت تفصل بين القرار بالانتقال وإرادة الثبات من جهة، وواقع الجامعة والأوضاع العامة من جهة أخرى.

ب. الجامعة رمز للموقف العربي

    بعد إثبات وجود هيكلية الجامعة في مقرها الجديد، كان التحدي الثاني أن تكون الجامعة رمزاً للموقف الرافض لسياسة كامب ديفيد، ولم يكن ذلك بالأمر اليسير حيث برزت صعوبة انتزاع التعاون الدولي مع الجامعة في مقرها الجديد. فعلى سبيل المثال جاء الطرف الأوروبي بعد تحديد أول جلسة للحوار العربي ـ الأوروبي، بعد انتقال الجامعة ليطلب حضور مصر لهذه الاجتماعات.

ج. الجامعة وإرادة التغيير

    أمّا التحدي الثالث فكان تحقيق التغيير، إذ كان المطلوب ترجمة آمال وطموحات المسؤولين العرب والشعب العربي عامة إلى واقع ملموس.

خامساً: انفراج الأزمة

    قدّر لهذه الأزمة في العلاقات بين مصر وباقي الدول العربية أن تستمر نحو عقد من الزمان، إذ كانت الجامعة العربية أول من تأثر سلباً بتداعيات هذه الأزمة، لذا فقد بات من الصعب أن يتوقع المرء منها أن تقوم ـ أي الجامعة العربية ـ بأي دور يذكر في مجال العمل من أجل تسوية هذه الأزمة. وبعبارة أخرى، فكما أن الجامعة كانت هي الإطار، الذي أجيزت من خلاله قرارات المقاطعة وتعليق عضوية مصر فيها، وفي غيرها من المنظمات والمؤسسات العربية، فقد كانت هي أيضاً القناة الرسمية، التي تحركت من خلالها الدبلوماسية العربية الجماعية، لإلغاء هذه القرارات ووقف العمل بها.

    وقد كانت البداية في تلك القرارات، التي أصدرتها القمة العربية في عمان، عام 1987، والتي نصت على اعتبار أن الأجراء الخاص بإنهاء المقاطعة مع مصر، وإعادة العلاقات الدبلوماسية معها، من قبيل "أعمال السيادة". ومن ثم، فهي مسألة تخص كل دولة عربية، على حدة، وبموجب دستورها وقوانينها، وليست من اختصاصات جامعة الدول العربية.

    أعقب هذه الخطوة التمهيدية، استئناف عدد من الدول العربية العلاقات مع مصر، إلى أن عُقد مؤتمر القمة العربي الطارئ، في الدار البيضاء، خلال الفترة من 23 إلى 26 مايو 1989، حيث استأنفت مصر عضويتها في الجامعة العربية، لتنهي بذلك فترة العشر سنوات من الغياب المصري الرسمي، والكامل، عن الجامعة العربية، ومؤسساتها المختلفة.

سادساً: عودة الجامعة العربية إلى مقرها الأصلي بالقاهرة

    تمثلت الخطوة التالية، التي أعقبت استئناف مصر لعضويتها في الجامعة العربية، في سرعة المبادرة إلى النظر في مسألة عودة الجامعة إلى مقرها الأصلي، في القاهرة. وهي الخطوة التي تكفل بها القرار الرقم 4983، الذي أصدره مجلس الجامعة، في اجتماعه بالعاصمة التونسية في 11 مارس 1990، وينص القرار على ما يلي:

    إن مجلس جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية، إذ يشير إلى المادة العاشرة، من ميثاق جامعة الدول العربية، وإذ يشير إلى قرارات القمة التاسعة، عام 1978، وقرارات مجلس الجامعة، ببغداد عام 1979. يقرر:

1. الإعلان عن عودة مقر جامعة الدول العربية إلى القاهرة في دورة سبتمبر 1990.

2. إنشاء مركز آخر لجامعة الدول العربية بتونس.

3.  اعتبار تونس مقراً دائماً لكل من: المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، مجلس وزراء الداخلية العرب، اتحاد الإذاعات العربية.

4. استكمال بناء المركز الآخر لجامعة الدول العربية بتونس طبقاً لقرارات قمتي فاس عام 1981، وعمان عام 1987.

5. تسوية أوضاع الموظفين والعاملين، الذين لا يمكنهم الانتقال إلى القاهرة تسوية مجزية.

6.  تسوية أوضاع الموظفين والعاملين في المقر الدائم لجامعة الدول العربية في القاهرة، في حالة فقدانهم لوظائفهم عند عودة الجامعة إلى القاهرة تسوية مجزية.

7.  تكليف لجنة برئاسة السيد طارق عزيز نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير خارجية الجمهورية العراقية وعضوية معالي السادة وزراء خارجية مصر، وتونس، والمغرب، وسلطنة عمان، ومعالي الأمين العام، بدراسة التدابير الكفيلة بتنفيذ بنود هذا القرار ورفع تقريرها في هذا الشأن إلى مجلس الجامعة في دور انعقاده في سبتمبر 1990 بتونس.

    والملاحظ، أنه على الرغم من أن نشوب أزمة الخليج الثانية، في الثاني من أغسطس 1990، وما أعقبها من تداعيات، كان من شأنه التأثير على مسألة عودة الجامعة، إلى مقرها الأصلي في القاهرة. إلاّ أن مجلس الجامعة، في اجتماعه غير العادي، الذي عقد بالقاهرة، في 12سبتمبر1990، حسم هذا الموضوع، إذ اعتبر التنفيذ واقعاً من لحظة صدور قرار المجلس، في هذه الدورة غير العادية. واشترط أن يتم التنفيذ في موعد أقصاه 31 أكتوبر 1990، تعود خلالها الأمانة العامة بجميع إداراتها إلى القاهرة، مع منح بعض الإدارات مهلة، أطول أقصاها نهاية ديسمبر 1990.

    وقد تحقق ذلك بالفعل، وعادت الجامعة العربية، مرة أخرى، إلى مقرها الأصلي في القاهرة، لتنتهي بذلك واحدة من أخطر الأزمات، التي واجهتها جامعة الدول العربية منذ إنشائها، عام 1945.