إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / منظمات وأحلاف وتكتلات / جامعة الدول العربية




محمود رياض
محمد عبد الخالق حسونة
أحمد عصمت عبد المجيد
الشاذلي القليبي
علم الجامعة
عمرو موسى
عبد الرحمن عزام





المبحث التاسع

الأنشطة العسكرية لجامعة الدول العربية من قيامها إلى حرب عام 1956

أولاً: النشاط العسكري للجامعة من قيامها إلى حرب عام 1948

1. مقدمة تاريخية

    أُنشئت جامعة الدول العربية، منذ أربعة وأربعين عاماً، في وقت كان الوطن العربي فيه يمر بالحركات التحررية، للتخلص من نير الاستعمار القديم، المتمثل في الاحتلال البريطاني والفرنسي. وكانت الصهيونية تعمل، بمؤازرة الاستعمار الجديد، على إقامة الكيان الصهيوني في فلسطين العربية. ومع ذلك، فإن واضعي ميثاق الجامعة لم يعيروا العمل العسكري الاهتمام اللازم، في بنود الميثاق، على الرغم من أن بروتوكول الإسكندرية، الذي وقعت عليه الحكومات العربية، في أكتوبر 1944، وأقرت فيه إنشاء الجامعة قد نص على: "أن من مهامها تنسيق الخطوات السياسية فيها وصيانة استقلالها وسيادتها من كل اعتداء بالوسائل الممكنة".

    وعندما صدر الميثاق، في مارس 1945، (أُنظر ملحق ميثاق جامعة الدول العربية) نص في مادته السادسة[1]على مبدأ المساعدة المتبادلة حين عهد إلى مجلس الجامعة مهمة اتخاذ التدابير اللازمة لدفع العدوان الواقع على دولة عضو أو التهديد به، إلاّ أن واضعوه لم يحددوا الوسائل والأدوات الضرورية لتحقيق هذا الهدف.

    وربما كان أحد المبررات لإهمال الجانب العسكري في الميثاق، هو أن الظروف التي نشأت فيها الجامعة والمرحلة التمهيدية التي سبقت إنشاءها، لم تكن تسمح ببلورة مفهوم موحد أو واضح للدفاع العربي[2]. فقد كانت الدول العربية المستقلة في ذلك الوقت، وهي مصر، وسورية، والعراق، والسعودية، والأردن، ولبنان، واليمن، إمّا حديثة العهد بالاستقلال، أو ذات ارتباط أجنبي معين، أو غير ذات نظام دفاعي مكين. كانت مصر، والعراق، مرتبطتين بمعاهدة مع بريطانيا، تتيح للقوات البريطانية الإقامة في أراضي البلدين. وكان الجيش الأردني بريطاني القيادة، والقوات الفرنسية لم تجل عن سورية ولبنان. ولم يكن للمملكة العربية السعودية، واليمن نظام دفاعي متكامل. ولهذه الأسباب، لم يكن هناك بد من أن يسقط اقتراح رئيس وزراء سورية بأن تكون هناك مشاركة في شؤون الدفاع.

    ومهما قيل في تبرير إغفال شؤون الدفاع من ميثاق الجامعة فإن سعي الدول العربية، إلى التخلص من الاستعمار ومؤسساته وآثاره وإدراك الخطر الصهيوني الماثل في فلسطين ومواجهته، وضرورة تنظيم التعاون لمواجهة الاستعمار والصهيونية، كانت كلها أسباباً تدعو إلى إبراز التعاون العسكري في الميثاق، بمثل ما برز فيه التعاون في " شؤون الجنسية والجوازات والتأشيرات وتنفيذ الأحكام وتسليم المجرمين".

    لقد كان طي صفحة شؤون الدفاع من الميثاق أحد الأسباب، التي جعلت المعركة العربية الأولى ضد الصهيونية في مايو 1948، تصاب بالفشل والهزيمة، لأن غياب مفهوم الدفاع من الميثاق عطّل أي إمكانية لتنظيم وتنسيق عسكرييْن سابقين، فكان أن غاب من إطار الجامعة كل جهد تنظيمي، من أجل الاستعداد للمعركة قبل خوضها. ومن اللافت للنظر، أن مؤسسي الجامعة، عام 1945، هم أنفسهم، وبعد ثلاث سنوات من إهمال شؤون الدفاع، الذين قرروا دخول جيوشهم معركة تحرير فلسطين من الاحتلال الصهيوني. وكانت الدول العربية، طيلة الأعوام الثلاثة، التي انقضت بين إنشاء الجامعة ومعركة فلسطين، غافلة عن اتخاذ أي تدبير دفاعي، أو البحث في أي فكرة دفاعية من أجل مواجهة الخطر الصهيوني، على الرغم من أنها لم تكن غافلة عن هذا الخطر وعواقبه، وكانت جادة في تهيئة وسائل الدفاع، وحسن استخدامها في المعركة لتحقيق استقلال فلسطين (أُنظر ملحق ميثاق جامعة الدول العربية)، في إثر انسحاب القوات البريطانية منها في مايو 1948، فربما تغير مجرى الأحداث والنتائج التي انتهت إليها حرب 1948، آنذاك. ولم يكن ثمة حاجة لتذكير المسؤولين العرب بالخطر الصهيوني، إذ كانوا يعرفونه ويلمسونه، ويعرفون تاريخه وأهدافه القريبة والبعيدة. كما أنهم شعروا بأهميته في بعض القرارات (أُنظر القرار الرقم ق 16/دع 2/ج 11- 2/12/1945) التي اتخذوها، فأشاروا في بعضها، وفي وقت مبكر إلى: "أن الخطر الصهيوني يهدد البلاد العربية، وإلى أن هدف الصهيونية هو تأسيس وطن قومي ودولة يهودية في فلسطين".

    غير أن الأمر لم يتعد ذلك، فعلى الرغم من أن الخطر الصهيوني، في ذلك الوقت، بدأ يأخذ طابعاً عسكرياً عنيفاً في صراعه المسلح واحتلاله الأرض الفلسطينية، خاصة بعد أن اشتد ساعد المنظمات العسكرية الصهيونية الثلاث (هاجاناه، ارجون، شتيرن)، التي راحت تعمل على تحقيق المطامع الصهيونية بقوة السلاح والإرهاب والمجازر، وعلى الرغم من إدراك مجلس الجامعة أهمية هذا الخطر ومداه[3]، فإن المجلس لم يفكر باتخاذ أي تدبير عملي لحماية عرب فلسطين، والحفاظ على كيانهم ضد خطر هذه المنظمات العسكرية الصهيونية، إذ ليس بين القرارات، التي اتخذها مجلس الجامعة في شأن فلسطين في السنة الأولى من حياته أي قرار ذي طابع عسكري.    

2. في مواجهة قرار التقسيم

    حينما بدأت معالم تنفيذ المؤامرة الصهيونية في فلسطين تظهر إلى الوجود، عن طريق تقارير اللجان الدولية، عقد مجلس الجامعة دورة استثنائية في بلودان (سورية)، من 8 إلى 12 يونيه 1946، للبحث في مسألة فلسطين وتنظيم الدفاع عنها، واتخذ عدداً من القرارات العلنية والسرية لم يكن بينها أي قرار عسكري.

    استمرت الجامعة في تجنب الشؤون العسكرية، أو اتخاذ تدابير عسكرية، حتى حل خريف عام 1947، وأصدرت لجنة التحقيق الدولية، التي شكلتها الجمعية العامة للأمم المتحدة، تقريرها موصية بتقسيم فلسطين وتدويل مدينة القدس وأعلنت بريطانيا عن نيتها بالانسحاب من فلسطين قي منتصف مايو 1948، فعندها تنادت اللجنة السياسية للجامعة إلى الانعقاد في صوفر (لبنان)، في 16 سبتمبر 1947، وشكّلت لجنة الخبراء العسكريين، لدراسة الموقف في فلسطين، وتقديم تقرير بذلك إلى اللجنة السياسية. وفي 7 أكتوبر 1947، اجتمع مجلس الجامعة في عالية (لبنان)، وبحث تقرير لجنة الخبراء العسكريين. وهكذا بدأ المسؤولون العرب يشعرون بأهمية الشؤون العسكرية.

    تضمن تقرير اللجنة تقييماً دقيقاً للقوات المسلحة الصهيونية في فلسطين (ما لا يقل عن ستين ألف مقاتل، مجهزين بأسلحة جديدة وعتاد وافر)، وللقوات العربية، وأوصت اللجنة بالآتي:

أ. جعل العرب الفلسطينيين الأساس في الدفاع عن بلادهم، ووضعهم في وضع مماثل للوضع، الذي فيه اليهود، من حيث تسليحهم وتنظيمهم وتحصين مدنهم وقراهم تحصيناً فنياً، والاستعانة بالمتطوعين القادمين من الأقطار العربية لمساعدة فلسطين.

ب. مرابطة الجيوش العربية على حدود فلسطين لمساندة الشعب الفلسطيني في نضاله ومساعدته بالعتاد والأفراد عند الحاجة.

ج. تشكيل قوات من المتطوعين العرب للقتال إلى جانب الشعب الفلسطيني داخل فلسطين وبالتعاون مع قوى الداخل.

    وقد حظيت توصيات اللجنة بالموافقة الجماعية من قبل مجلس الجامعة، الذي شكّل لجنة عسكرية فنية مرتبطة بالأمين العام، عهد إليها بمهمة تنفيذ قرارات اللجنة الأولى في تنظيم الدفاع عن فلسطين وإعداد المتطوعين العرب. واتخذت اللجنة الفنية من دمشق مقراً لها.

    وهكذا ولد مفهوم الدفاع الجماعي القومي في رحاب الجامعة، التي خطت بهذه التدابير خطوة في أداء دورها العسكري. لكنها كانت خطوة متواضعة، لم تؤد إلى النتائج المرجوة منها.

    وقد تطور هذا المفهوم متمثلاً آنذاك في ثلاث وقائع هي: تشكيل جيش الإنقاذ، ودخول الجيوش العربية فلسطين في 15 مايو 1948م، ومعاهدة الدفاع المشترك.

    فجيش الإنقاذ، الذي صدر قرار تشكيله عن اللجنة العسكرية، بموافقة الأمين العام، بوصفه أول مشروع عسكري عربي، وأول نتائج العمل العسكري العربي المشترك، لم يستطع أن يحقق المهام الموكولة إليه بسبب عوامل كثيرة أهمها:

(1) عدم تحديد هدف واضح لهذا الجيش، حيث يعتبر الهدف الواجب بلوغه هو روح أي تشكيل عسكري، فعليه يبني الهيكل، وتخصص الطاقة البشرية، ويزود التشكيل بالأسلحة، والقوات.

(2) غياب التنسيق الميداني بين جيش الإنقاذ والقوات المسلحة الأخرى الموجودة على الساحة الفلسطينية وغير الفلسطينية قبل 15 مايو 1948، ومع الجيوش العربية بعد هذا التاريخ. فلم يحدد له قطاع جغرافي محدد، ولم تضع له القيادة خطة للتعاون مع هذه القوات، مما أدى إلى خلل كبير في العمليات الحربية.

(3) عدم وجود قيادة موحدة للقوات العاملة في الساحة الفلسطينية، ويمكن القول نظريا إن الأمانة العامة للجامعة كانت تشرف من خلال اللجنة العسكرية على القوات العاملة في الميدان الفلسطيني قبل 15 مايو 1945. وكانت هذه القوات تتألف من:

(أ) جيش الإنقاذ.

(ب) قوات الجهاد المقدس، وكانت تتبع للهيئة العربية العليا.

(ج) حاميات محلية فلسطينية مستقلة.

(د) القوات العاملة في جنوبي فلسطين، وكانت تتلقى الدعم والتوجيه من الحكومة المصرية.

    ويؤكد الواقع التاريخي أن إشراف اللجنة العسكرية كان مقتصراً على جيش الإنقاذ، وبذلك افتقدت القوات العاملة على الساحة الفلسطينية أسس القيادة السياسية والقيادة العسكرية الواحدة.

    ويأتي في قمة القيادة العسكرية "المفتش العام لقوات المتطوعين" وهو بمثابة رئيس اللجنة العسكرية التي كانت تشكل، إلى حد ما "هيئة الأركان"، وكان الأمين العام للجامعة هو المشرف الأعلى على اللجنة العسكرية. ولم تكن لقيادة جيش الإنقاذ هيئة أركان عامة بالمعنى الدقيق للكلمة.

(4) ضعف الأعداد والتسليح والتوجيه. فقد تم تشكيل جيش الإنقاذ على عجل، وكان من الطبيعي أن يكون المتطوعون قادمين من مجتمعات، وفئات، وشرائح اجتماعية وثقافية مختلفة. ونظراً لأن القتال اتسع في حدوده ومناطقه في مختلف أنحاء فلسطين، فقد كان التدريب لا يتجاوز أسابيع قليلة، لم تكن قط كافية لإعداد المتطوع للتعرف إلى أنواع القتال، والتدريب عليها، واستخدام الأسلحة. وكان النقص في القادة والضباط وضباط الصف والمدربين، واضحاً وشديداً. ولا سيما أن العدو الصهيوني كان يولي عناية خاصة للتدريب، وبخاصة القتال الليلي.

    أمّا التسليح فقد كان موضوعه أكثر خطراً من التدريب، وأزمته أشد استحكاماً وتعقيداً. وكانت قلة الأسلحة سبباً مستمراً لتذمر قيادة الإنقاذ والجهاد المقدس والحاميات المحلية من اللجنة العسكرية، وسبباً لتذمر اللجنة من الأمانة العامة للجامعة، التي لم تكن تستطيع أن تفرض على الحكومات العربية الوفاء بما التزمت به.

    كانت أسلحة جيش الإنقاذ على قلتها خليطاً عجيباً من البنادق والرشاشات ومدافع الهاون، ذات المصادر والأنواع والمقاسات المختلفة. وما يقال عن الأسلحة، يقال أيضاً عن الذخائر والتجهيزات والعتاد وأجهزة الاتصال ووسائل النقل وغيرها.

    وإلى جانب هذه النواقص المادية الفادحة، كان جيش الإنقاذ يعاني نقصاً كبيراً- بل فقداناً- في التوجيه السياسي والتعبئة المعنوية، فقد أهمل الجانب الأيديولوجي الذي يؤدّي دوراً هاماً في ثقل المقاتل، وتعميق إيمانه، ليستطيع التغلب على ما يعانيه من مشاق، ويواجهه من مصاعب ونواقص.

    لقد كان جيش الإنقاذ وليد الحكومات العربية، وما كان يحكم علاقاتها وتوازناتها واتجاهاتها وسياساتها يوم ذاك. وكان مؤسسة شبه عسكرية قومية، وشبه نظامية، فلا هو استطاع أن يتطور إلى مؤسسة نظامية، ولا استطاع أن يتحول إلى جيش شعبي ثوري. ولم تتوفر له الظروف والعوامل ليصبح أحد هذين الشكلين، فجاء وليداً قاصراً، وتحرك بقدر ما أعطى من قوة وما بث فيه من روح. ونجح وأخفق، ولم يكن في الحالة تلك خيراً من حال الجيوش العربية النظامية.

    أمّا التوصيات الأخرى التي اتخذتها اللجنة العسكرية وأقرها مجلس الجامعة فلم تكن أحسن حالاً. فمهمة دعم الشعب الفلسطيني بالسلاح والمعدات ليتولى بنفسه الدفاع عن أراضيه ـ كما نصت قرارات مجلس الجامعة ـ لم تتم على الوجه الأكمل، لعدم وفاء الدول العربية بتعهداتها، ولعدم وجود قيادة فلسطينية واحدة تقود الجهاد ضد الصهيونية.

3. دخول الجيوش[4]العربية إلى فلسطين 1948      

    في 29 نوفمبر 1947، أقرّت الجمعية العمومية للأمم المتحدة مشروع تقسيم فلسطين بأكثرية ثلاثة وثلاثين صوتاً مقابل ثلاثة عشر وامتناع عشرة عن التصويت.

    وبعد صدور التقسيم، تنادى رؤساء الحكومات العربية إلى اجتماع عقدوه في القاهرة، من 12 إلى 18 ديسمبر 1947، وبعد نقاش طويل قرروا ضرورة العمل الحثيث لإحباط مشروع التقسيم، وإقامة لجنة عسكرية لهذا الغرض واعتبار فلسطين جزءاً حيوياً من الوطن العربي.

    وفي ذلك الوقت كان الموقف العسكري في فلسطين ينذر بالخطر، حيث بدأت القوات البريطانية سحب قواتها من المدن وتسليم مهام الأمن إلى الشرطة اليهودية والعربية. وقد جاء هذا الترتيب، بطبيعة الحال، لصالح المنظمات اليهودية، التي كانت تكدس الأسلحة، وتنفذ التدريب العسكري الجاد، تحت سمع السلطات البريطانية وبصرها، وتمارس أعمال العنف ضد المدنيين العرب العزل.

    ولعل أفظع المذابح الجماعية، التي لا تزال حتى اليوم تصم الصهيونية بالعار، هي مذبحة "دير ياسين" التي أزهقت فيها منظمة الأرجون الصهيونية أرواح جميع سكان تلك القرية، ويربو عددهم عن الثلاثمائة شخص، كان أكثرهم من النساء، والشيوخ، والأطفال، مما أدى إلى انتشار الذعر بين السكان العرب وحملهم على الجلاء عن أرضهم ووطنهم.

    أدركت اللجنة العسكرية في خريف 1947، خطورة الوضع في فلسطين وشراسة الهجمة الصهيونية، وهزال المقاومة العربية، فأوصت في تقرير قدمته إلى أمانة الجامعة يوم 27 نوفمبر1947 ـ أي قبل صدور قرار التقسيم بيومين ـ بأنه "لا يمكن التغلب على قوات اليهود بعصابات، ولابد من مجابهتهم بقوات نظامية مدربة ومسلحة تسليحاً عصرياً، مع الاستفادة من القوات الفلسطينية غير النظامية ومن العصابات". ثم سرعان ما قدمت تقريراً آخر بعد نحو شهر قالت فيه "يجب على الجيوش العربية أن تشترك بحركات إنقاذ فلسطين". وفي 8 فبراير1948، استمع مجلس الجامعة في القاهرة إلى تقرير رفعه رئيس اللجنة العسكرية وصف فيه الوضع في فلسطين وصفاً قاتماً يدل على أنه سيزداد سوءاً، إذا لم تتدخل الجيوش العربية بكامل أسلحتها.

    مضى على هذا القرار السياسي الكبير مدة 4 أشهر، سقطت خلالها مواقع فلسطينية عديدة بيدي العدو، وتراجعت القوات الشعبية الفلسطينية وقوات الإنقاذ، فاجتمع مجلس الجامعة يوم 12 إبريل 1948، وقرر زحف الجيوش العربية على فلسطين[5]. وكان هذا القرار حصيلة وجهات نظر مختلفة تمثلت باتجاهات ثلاثة سيطرت على مناقشات المجلس:

الأول: ينادي بضرورة حل القضية عن طريق الكفاح الشعبي الفلسطيني، مع دعمه بالمتطوعين العرب.

الثاني: يدعو إلى التحرير بالقوة المسلحة النظامية.

الثالث: يدعو إلى التدخل العسكري النظامي المحدود.

    في 30 إبريل 1948، عقد رؤساء أركان الجيوش العربية أوّل مؤتمر لهم، في عمان وحضره رئيس اللجنة العسكرية والأمين العام للجامعة، وقرروا: أن التغلب على القوات اليهودية يتطلب ما لا يقل عن ست فرق كاملة التنظيم والسلاح، وستة أسراب من الطائرات المقاتلة والقاذفة، وأن تكون جميع القوات العربية التي ستخوض المعركة خاضعة لقيادة موحدة، تسيطر على جميع القوات وتحركها وفق خطة معينة.

    استكثرت اللجنة السياسية التي انعقدت في عمان أيضا، هذه الأرقام ورأت أن تشرع الجيوش العربية، بما لديها من قوات، مهما كان حجمها وتسليحها، بالعمل في فلسطين. وكانت اللجنة السياسية، إذ قررت ذلك، تعتقد بأن حشد القوات النظامية وشروعها بالحركات سيؤديان إلى سيطرة الرعب على الصهيونيين، وتدخل الدول الكبرى لإرغامهم على قبول المطالب العربية.

    وعقد رؤساء الأركان، بعد ذلك، عدة اجتماعات لوضع خطط العمليات الحربية الموحدة، التي تعرضت فيما بعد إلى تغييرات جذرية فرضتها القيادة العامة.

    في 10 مايو 1948، وافقت الدول العربية على تولي الملك عبد الله بن الحسين القيادة العامة للجيوش العربية في فلسطين، والذي تولى القيادة اسماً حيث لم تكن له في الواقع أية صلاحيات، ولعدم ثقة الأطراف به. وأصبح كل جيش لا يأتمر إلا بأوامر دولته، ولم تشكل له قيادة مشتركة، ولم يزود بوسائل اتصال هاتفية سلكية أو لاسلكية ولم يسمح للقائد العام بتفقد جيوشه والإلمام بحقيقة قدراتها العسكرية، وأوضاعها القتالية ومشاكلها الإدارية. ولم يتعد عمل القائد العام مجرد تحديد واسع الإطار لعمليات عامة، كان على كل جيش أن ينفذها في توقيت فضفاض، ثم ينتظر تعليمات تالية قد تصله أو لا تصله، وقد أدت هذه التعديلات إلى حدوث ثغرات واسعة بين الجيوش وتعرض أجنابها، ومؤخراتها لخطر القطع والتطويق وبإضعاف التعاون. ورغم اعتراض اللجنة السياسية لجامعة الدول العربية على هذا التعديل وموافقة الملك عبد الله على إلغائه، إلا أن الفريق جون ياجوت جلوب باشا لم يوافق ورفض الانصياع للأوامر، بل نجح في إلزام باقي الجيوش العربية بالتقيد بالتعديل .

    وهكذا لم يقتصر الأمر على غموض المهام وضعف التنسيق والتعاون بين الجيوش العربية، بل أن هذا التعاون زاد ضعفاً بتعديل المهام في اللحظات الأخيرة، كما أدى إلى رفض القيادات الانصياع لأوامر القائد العام لهذه الجيوش، بل في واقع الأمر أن أول من رفض تنفيذ أوامر القائد العام للجيوش العربية هو الجيش الأردني التابع أصلاً للقائد العام وجيش مملكته.

    وفي مساء 14 مايو 1948، ومع انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين أعلن بن جوريون قيام دولة إسرائيل. وقي صبيحة الخامس عشر، من الشهر نفسه، بدأت القوات العربية النظامية الدخول إلى فلسطين، من أجل إعادة الأمن إليها، والحفاظ على عروبتها، وحماية شعبها.

    وحددت الأمانة العامة للجامعة مهمة هذه الجيوش (أُنظر ملحق مذكرة الأمانة العامة لجامعة الدول العربية إلى الأمم المتحدة بشأن تدخل القوات العربية في فلسطين) بأنها: "لمجرد مساعدة سكانها على إعادة السلم والأمن وكلمة العدل والقانون إلى بلادهم، وحقناً للدماء"[6].

    لقد دخلت الجيوش العربية فلسطين من دون أن يكون للجامعة إستراتيجية سياسية واضحة، وإستراتيجية عسكرية منبثقة عنها، في شأن قضية فلسطين، ومواجهة العدوان الصهيوني، لا في اللحظة الراهنة، في ذلك الوقت، ولا في المدى القريب أو البعيد. وكانت هناك ردود أفعال، إلاّ أنها لم تكن في حجم ونوعية الأفعال عينها. وينطبق هذا القول على الفترة، التي امتدت من تاريخ صدور قرار التقسيم في 29 نوفمبر 1947، إلى توقيع اتفاقيات الهدنة في عامي 1949 و1950.

    وبلغ الحجم الإجمالي للجيوش العربية الخمسة، التي احتشدت على حدود فلسطين يوم 14 مايو 1948 العدد التالي: (أُنظر جدول حجم القوات من الجانبين التي احتشدت على حدود فلسطين يوم 14 مايو 1948)

أي أن نسبة حجم القوات النظامية المعادية نحو 4.5 أضعاف حجم القوات النظامية العربية[7].

قاتلت الجيوش العربية ضمن الظروف والعوامل الآتية:

أ. ضعف الثقة أو فقدانها، بين الزعماء السياسيين والقادة العسكريين، إذ لم يشرك المدنيون العسكريون في أي نقاش حول الحرب مما وضع هؤلاء القادة في موقف شاذ، فهم لم يطلعوا ـ معظمهم على الأقل ـ على قرار الحرب إلا قبل أيام قليلة من اندلاع القتال[8].

ب. رجحان ميزان القوى لصالح العدو رغم الكثرة السكانية العربية، وذلك بسبب وعي الصهيونيين لمعنى الحرب وأهدافهم منها ومتطلباتها في إشراك جميع القوى والإمكانيات المتوفرة لديهم. فقد أعلنوا التعبئة وتمكنوا من تجنيد 11% من اليهود في فلسطين. وكانت الجماهير العربية الممتلئة حماساً واندفاعاً للاشتراك في المعركة تستمع إلى الخطب النارية والوعود الجازمة بالنصر، ولا أحد يحقق مطالبها، حتى أن نسبة القوات التي دخلت المعركة إلى مجموع سكان الدول الخمس (مصر، سورية، العراق، لبنان، الأردن) لم تزد عن 0.05 % من السكان.

ج. هزال القدرة والخبرة العسكريتين لدى القوات العربية، فمنها ما كانت حديثة التشكيل في إثر نيل الاستقلال، ومنها ما كانت تحت قيادة أجنبية، ومنها ما كانت غير حرة في تصرفها وتحركاتها وعملياتها.

د. ضعف التسليح، وعدم تمكن القوات العربية من شراء السلاح من المصادر الغربية، التي فرضت آنذاك حظراً على إرسال الأسلحة إلى الدول العربية. أمّا الذخائر فلم تكن تكفي إلا لمدة من الزمن جد قصيرة.

هـ. فقدان القيادة السياسية والقيادة العسكرية الموحدة، فضاع بذلك التخطيط والتنسيق والتعاون بين القوات العربية. وما سمي بالقيادة الموحدة يومذاك لم تكن تمثل سوى مصالح وغايات محددة، وخلقت بقراراتها تناقضات استراتيجية وعملياتية سواء في مجال أغراض الحرب أو أمر العمليات وخططها. وهكذا تعددت القيادات، وتضاربت المصالح[9].

و. ضحالة المعلومات المتوفرة في قيادات الجيوش العربية عن قوات العدو، بينما كانت لدى قيادة العدو معلومات جيدة عن القوات العربية.

ز. فقدان الحكومات العربية البصيرة الاستراتيجية في المستوى الدولي، فقد غاب عنها إدراك مرامي استراتيجيات الدول الكبرى، واستكانت للوعود والمماطلات.

    ومع كل هذه السلبيات، بدأت جيوش الدول العربية الخمس، التي دخلت إلى فلسطين وهي مصر، والأردن، والعراق، وسورية، ولبنان، تشتبك مع القوات الصهيونية فور دخولها واستطاعت أن تحقق في الأيام الأولى نجاحاً ملموس، لكن القتال توقف يوم 11 يونيه، بناء على قرار مجلس الأمن، الذي دعا إلى هدنة لمدة أربعة أسابيع تمتنع الحكومات المعنية خلالها عن إدخال الرجال والمعدات إلى المنطقة، وعُيّن الكونت "برنادوت" وسيطاً لترتيب الهدنة.

    وقد استغل الإسرائيليون الهدنة، لاستدراك ما عندهم من نقص بالأسلحة والمعدات، مُخلين بقرار مجلس الأمن. وما أن انتهت فترة الهدنة حتى اندفعوا للاستيلاء على كافة المنطقة المخصصة لهم بموجب قرار التقسيم. بل وتجاوزوها إلى القسم العربي منه.

    وقد قرر مجلس الأمن وقف القتال من جديد، فقبلت الأطراف القرار اعتباراً من 18 يوليه 1948، ولأجل غير مسمى.

    وبذلك انتهت حرب فلسطين الأولى، بتوقيع أربع اتفاقيات هدنة بين إسرائيل والدول العربية، وبنشأة دولة إسرائيل، على جزء من فلسطين العربية.

    وتبين من سير الأحداث، وما نشر بعد ذلك، أن الهدف من دخول الجيوش العربية، لم يكن أكثر من القيام بمظاهرة سياسية تهدف إلى إجبار الدول الكبرى على الضغط على الإسرائيليين، للقبول بالمطالب العربية.


 



[1]  حين عقد مجلس جامعة الدول العربية جلسته الأولى، في شهر يونيه 1945، بَحَثْ في الاعتداءات الفرنسية على سورية ولبنان (مايو 1945)، فاقترح مندوب العراق إنشاء جيش عربي للمحافظة على السلم والأمن في البلدين، ولدفع الاعتداءات الفرنسية. وقد أبدى الأمين العام للجامعة عبد الرحمن عزام أن للمجلس أن يتدخل في مثل هذه الحالة بقوته، باعتباره مسؤولاً عن الأمن الدولي في المنطقة العربية، ولو بقوة رمزية، الأمر الذي سيجعل فرنسا تتردد كثيراً قبل القيام بأي عمل ضد سورية ولبنان. أما مندوب مصر الدكتور السنهوري فقال إنه لا يتصور دخول جيوش عربية إلى سوريا ولبنان إلا في ثلاثة فروض: الفرض الأول: وهو ما يستبعده، دخول جيوش عربية فيها للحفاظ على الأمن الداخلي، لأن هذا يعتبر تدخلاً في الشؤون الداخلية للبلاد العربية. الفرض الثاني: التدخل لصون الأمن الدولي، وهو أمر سابق لأوانه لأن الأمن الدولي لم يتم تنظيمه بعد (كان ميثاق الأمم المتحدة لم يصدر آنذاك، ولم تكن منظمة الأمم المتحدة قد قامت بعد). الفرض الثالث: دخول الجيوش العربية كتدبير لدفع الاعتداء، ذلك أن للجامعة أن تتخذ أحد طريقين في حالة وقوع الاعتداء، الطريق الأول، بذل الوساطة، والطريق الثاني، اتخاذ التدابير اللازمة لفض النزاع. وفي هذه الحالة يمكن التفكير في إرسال جيوش عربية كتدبير لفض النزاع ومنع الاعتداء لا للمحافظة على الأمن الداخلي أو الدولي.

[2]  يتحدث د. سيد نوفل في كتابه "العمل العربي المشترك" عن ظروف إنشاء الجامعة، فيقول: "إن الجامعة نشأت بموافقة الاستعمار البريطاني، إذ لم يجد بداً من هذه الموافقة مجاراة للشعور القومي، عاملاً في الوقت ذاته على إلهاء الأمة العربية بنظام صوري عن الوحدة الحقيقية التي تتطلع إليها، وعلى تسيير الحكومات العربية مجتمعة وفق الخطة البريطانية التي ترسم لها.. ولهذا جاءت الجامعة تنظيماً إقليمياً، يضم دولاً يحتفظ كل منها باستقلالها وسيادتها. ولا تلتزم إلا بما توافق عليه من قرارات، ولا تنفذ هذه القرارات إلا وفق ما تراه.. ومع ذلك، فقد فرضت الوحدة العربية نفسها، لأن حياة الشعوب وتطورها الفكري واندفاعاتها الإرادية أقوى من القيود، وأقدر على المغالبة لأشد النصوص جموداً وتضييقا".

[3]   في قرار اتخذه مجلس الجامعة، في14 ديسمبر 1945، شكل المجلس لجنة، مهمتها توحيد الخطة، الواجب إتباعها، دفاعاً عن حقوق العرب في فلسطين. وفي قرار ثانٍ، اتخذه المجلس، في 12 ديسمبر 1946، جاء ما يلي: "إن حكومات دول الجامعة العربية. تجد نفسها في موقف، تخشى أن يؤدي الأمر إلى قيام الشعوب العربية، بالتطوع، بجميع الوسائل، لنصرة عرب فلسطين". وفي قرار ثالث، في 12 يونيه 1946، قال المجلس: "بالنظر لما أعلنته الحكومة البريطانية، وما ظهر من تقرير لجنة التحقيق، إن الصهيونية قد شكلت جيوشاً مسلحة في فلسطين، وإن بريطانيا العظمى، لم تستطع، إلى الآن، أن تحل هذه الجيوش وتنزع سلاحها. فاللجنة ترى أن هذا من شأنه، أن يؤدي إلى اضطرار الشعوب العربية للدفاع عن نفسها ومقاومة القوة بالقوة. ولا تستطيع حكومات الجامعة العربية، أن تمنع هذه الشعوب عن أن تأخذ عدتها للدفاع الشرعي عن نفسها".

[4]  جيوش مصر، وسورية، ولبنان، والأردن، والعراق، والسعودية، واليمن. ويقصد بتعبير (جيوش) هنا (قوات من هذه الجيوش).

[5]  يروي اللواء أحمد المواوي قائد القوات المصرية، أنه في يوم 10/5/1948 (أي قبل بدء القتال بخمسة أيام) قابل محمود النقراشي باشا، رئيس وزراء مصر يومذاك، في رئاسة الجيش، فقال له النقراشي بعد أن استمع إلى تقريره عن الوضع السيئ للجيش المصري: "سوف تسوى المسألة سياسياً وبسرعة، وأن الأمم المتحدة ستتدخل، وأن الاشتباكات لن تخرج في حقيقتها عن مظاهرة سياسية، وليست عملاً حربياً".

[6]  من مذكرة مطولة، قدّمتها الأمانة العامة للجامعة، في 15 مايو 1948، إلى الأمين العام للأمم المتحدة.

 [7] يقول جلوب باشا: لقد اكتسبت إسرائيل منزلة عالية جداً في تقدير الغرب بل والعالم أجمع، بفضل أسطورة داود وجالوت. وقد أبدى غالبية البشر إعجابهم ببطولة إسرائيل الصغيرة التي تكافح ملايين العرب الآسيويين، ولكن الحقيقة المجردة على النقيض من ذلك تماماً، فقد كانت إسرائيل في كل حروبها مع العرب تتفوق عليهم عددياً في المسرح، وليست البطولة من الصفات الإسرائيلية التي تستحق الإشادة، ولكنها القدرة على التنظيم والمهارة الاقتصادية والدبلوماسية. فرغم أن القوات الإسرائيلية كانت متفوقة عددياً على خصومها العرب بصفة دائمة، فإن النجاح في حشد هذه النسبة العالية من إجمالي تعداد الشعب ودفعه إلى مسرح الحرب يعتبر في حد ذاته دليلاً على المهارة التنظيمية العالية التي تفتقر إليها كافة شعوب الشرق الأوسط الأخرى. لقد كان الفضل في تمتع إسرائيل بهذه المزايا يعود إلى ارتفاع مستوى التعليم والثقافة، وإلى الخبرة الإدارية المكتسبة من مخالطة اليهود للأوروبيين والمعيشة بينهم لأجيال طويلة. وقد تمتعت إسرائيل بنفس المزايا في مجالات التكنولوجيا، التي يمكن بفضلها اليوم أن ينتصر من يتفوق تكنولوجياً على خصمه المتخلف، بما يقلب الصراع من شكل الحرب إلى الردع.

[8]  ذكر الزعيم عبدالله عطفة، رئيس أركان الجيش السوري، آنذاك، أنه لم يعلم بقرار الحرب، إلا في 13 مايو 1948، أي قبْل بدء القتال بيومَين.

[9]  نضرب مثلاً واحداً على ذلك. فقد نصت الخطة الأولية على حشد الجيش السوري في بانياس، "أقصى الشمال من الجولان" مع الجيش اللبناني، للهجوم في اتجاه نهاريا وصفد. وبعد أن دخل جزء من الجيش السوري إلى البقاع (لبنان)، أمر القائد العام للقوات العربية، بأن يتوجَّه الجيش السوري كله إلى أقصى القطاع الجنوبي من الجبهة السورية، ليشن هجوماً تجاه سمخ (بحيرة طبرية)، مما حمل الجيش السوري على اللجوء إلى حركة انتقال واسعة، وسريعة، حتى يصل إلى منطقة العمليات الجديدة، في الساعات الأولى من صباح 15 مايو 1948.

[10]  'أُودِعت وثائق التصديق على المعاهدة، والملحق العسكري، والبروتوكول الإضافي، لكلِّ من سورية في 31 أكتوبر 1951، ومصر في 22 نوفمبر 1951، والأردن في 31 مارس 1952، والعراق في 7 أغسطس 1952، والمملكة العربية السعودية في 19 أغسطس 1952، ولبنان في 24 ديسمبر 1952، واليمن في 11 أكتوبر 1953.

[11] المادة الخامسة الأطلسية: "توافق الأطراف على أن أي هجوم مسلح، على واحد أو أكثر منها، في أوروبا أو أمريكا الشمالية، يُعَدّ هجوماً عليها جميعاً. وفي حالة حدوث مثل هذا الهجوم المسلح، تعمل الأطراف، بمقتضى ممارسة حق الدفاع، الفردي أو الجماعي، المعترف به في المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، على مساعدة الطرف أو الأطراف التي تعرضت للهجوم، وذلك بأن يتخذ كل طرف من الفور، بمفرده، وبالتنسيق مع الأطراف الأخرى، الإجراء الذي يراه ضرورياً، بما في ذلك استعمال القوة المسلحة، بغية إعادة الأمن إلى منطقة شمالي الأطلسي، والحفاظ عليه. ويجب إبلاغ مجلس الأمن، من الفور، بأي هجوم مسلح، وبجميع الإجراءات المتخذة نتيجة له. وتنتهي هذه الإجراءات، عندما يتخذ مجلس الأمن الإجراءات اللازمة، لإعادة السلام والأمن الدوليَّين، والحفاظ عليهما".

[12]  المادة الرابعة الأطلسية: "تتشاور الأطراف فيما بينها، بناء على طلب أي منها، عندما تكون وحدة أراضى أي من الأطراف، أو استقلاله السياسي، أو أمنه مهدداً".

[13]  المادة العاشرة من المعاهدة: "تتعهد كل من الدول المتعاقدة، بأن لا تعقد أي اتقاق دولي، يناقض هذه المعاهدة، وبأن لا تسلك في علاقتها الدولية بالدول الأخرى مسلكاً، يتنافى مع أغراض هذه المعاهدة". ومن الجدير بالذكر، أن بروتوكول الإسكندرية، نص على هذا المعنى، حين جاء في الفقرة الخامسة من المادة الأولى: "لكل دولة أن تعقد مع دولة أخرى، من دول الجامعة أو غيرها، اتفاقات خاصة، لا تتعارض مع نصوص هذه الأحكام أو روحها". غير أن واضعي الميثاق أغفلوا تسجيل هذا النص في الميثاق.