إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / منظمات وأحلاف وتكتلات / جامعة الدول العربية




محمود رياض
محمد عبد الخالق حسونة
أحمد عصمت عبد المجيد
الشاذلي القليبي
علم الجامعة
عمرو موسى
عبد الرحمن عزام





ثانياً: ميثاق الضمان الجماعي العربي

    شهد الوطن العربي، بعد انتهاء الحرب العربية الإسرائيلية الأولى، وتوقيع اتفاقيات الهدنة الدائمة مع إسرائيل من قبل مصر، والأردن، ولبنان، وسورية، نشاطاً سياسياً ودبلوماسيا كبيراً نتيجة النكبة، التي حلت والهزيمة، التي لحقت بجيوش الدول العربية، التي اشتركت بتلك الحرب، وما ترتب على ذلك من نشأة دولة إسرائيل على جزء كبير من أرض فلسطين العربية. إذ أصبح هذا الكيان الصهيوني الغريب، وما له من أهداف توسعية، يشكل خطراً يهدد أمن وسلام الوطن العربي بكامله.

    كان للوضع الجديد، الذي ترتب على ذلك، أثره في الاتجاهات السياسية داخل الدول العربية، مما دفعها إلى التفكير للعمل على حماية أمنها واستقرارها، في مواجهة الأطماع التوسعية الإسرائيلية.

    وعلى ضوء ذلك، سعت تلك الدول إلى بلورة أسلوب جديد للتعاون في المجالات السياسية، والاقتصادية، والعسكرية، بشكل أكثر دقة وتنظيماً ووضوحاً.

    لذا، ظهرت فكرة الضمان الجماعي العربي، لتوحيد الجهود، وتنسيق المواقف، وتعبئة الطاقات، وتنمية القوة العربية الذاتية القادرة على الدفاع عن البلاد، في لحظات الخطر.

    وقد تعددت مواقف الدول العربية من فكرة الضمان الجماعي العربي، وكان لكل دولة وجهة نظرها الخاصة بها، والمتأثرة بالأوضاع السياسية، التي كانت سائدة فيها، في ذلك الحين.

1. نشأة وتطور فكرة الضمان الجماعي العربي

    لم تكن فكرة الضمان الجماعي العربي، التي طرحت على مجلس الجامعة، بتاريخ 20 أكتوبر 1949، وليدة تلك اللحظة فقد كانت هذه الفكرة قد طرحت ـ أول ما طرحت ـ من قبل الملك فيصل، ملك العراق، عام 1931 حين أوفد لهذا الغرض وفدا عراقياً برئاسة نوري السعيد، إلى كل من الأردن، والسعودية، واليمن، لتوثيق الروابط القومية، وطرح مشروع إقامة حلف عربي يجمع بين دولهم.

    وفي 2 إبريل 1936، تم عقد معاهدة تحالف بين العراق، والسعودية، نصت في مادتها الرابعة على ما يلي "في حالة وقوع اعتداء على أحد الفريقين المتعاقدين من جانب دولة ثالثة بالرغم من المساعي المبذولة وفق أحكام المادة الثالثة، وكذلك في حالة وقوع اعتداء مفاجئ لا يتسع معه الوقت لتطبيق أحكام المادة الثالثة على الفريقين المتعاقدين أن يتشاوروا في ماهية التدابير التي يراد القيام بها بقصد توحيد مساعيهما بالطرق المفيدة لرد الاعتداء المذكور، ويجوز لأية دولة عربية أن تنضم إلى هذه المعاهدة.

    وفي 29 إبريل 1937، انضمت اليمن إلى هذه المعاهدة، بتوقيعها معاهدة مماثلة مع العراق، وترك الباب مفتوحاً أمام الدول العربية الأخرى الراغبة في الدخول إلى هذا الحلف.

    وقد ظهرت فكرة الضمان الجماعي العربي مجدداً في عام 1943، في مشاورات الوحدة العربية بين مصر والعراق، حين اقترح رئيس وزراء العراق أن يكون التعاون بين الدول العربية الراغبة في ذلك على النحو التالي:

أ. التعاون السياسي، ويشمل الدفاع والشؤون الخارجية.

ب. التعاون الاقتصادي.

ج. التعاون الثقافي والاجتماعي.

    وعاد الحديث حول فكرة الضمان الجماعي مرة أخرى في اجتماعات اللجنة التحضيرية للمؤتمر العربي العام، تلك الاجتماعات، التي دعا إليها "مصطفي النحاس" رئيس وزراء مصر في ذلك الوقت، لمناقشة ما تم التوصل إليه في مشاورات الوحدة العربية التي سبق ذكرها. وقد طرح "النحاس" أمام المؤتمرين رأي كل دولة من الدول، التي اشتركت في تلك المشاورات في المسائل التي بحثت من خلالها، وفي مقدمة تلك المسائل مسألة التعاون السياسي بشقيه الدفاع والشؤون الخارجية.

    وفي ضوء ذلك، اقترح سعد الله الجابري، رئيس وزراء سورية، آنذاك، الاتفاق على التعاون في الدفاع، إذا ما تعرضت إحدى الدول العربية للخطر، لأن مثل هذا الاتفاق له سوابق قائمة بين بعض الدول العربية (العراق، السعودية، اليمن)، فما المانع أن يشمل الاتفاق كل الدول العربية ويأخذ صيغة مشتركة، وتنظم على ضوء هذا الأساس وسائل الدفاع، لكي تكون موحدة في كل بلد ولا تأخذ أشكالاً متفاوتة.

    وكان من الصعب تحقيق هذا الاقتراح السوري، في ذلك الوقت، نظراً إلى أن بعض الدول العربية وجدت أن الظروف لم تكن مهيأة لضمان جماعي مشترك.

    لكن، وبعد أن ثبت أن المواجهة العسكرية بين دول الجامعة وبين المنظمات الصهيونية في فلسطين أمر لا مفر منه، رأت الحكومة السورية ضرورة إعادة النظر في إيجاد نظام دفاع مشترك بين الدول العربية المعنية في قضية فلسطين. وعلى ضوء ذلك، قدّم الوفد السوري اقتراحاً بعقد معاهدة تحالف سياسي وعسكري بين دول الجامعة، ينص على ما يلي: "يوصي مجلس جامعة الدول العربية بوضع معاهدة تحالف سياسي وعسكري (أُنظر القرار الرقم ق 216/ دع 7 / ج 10 - 22 /2 / 1948) توقعها كل من دول الجامعة، تلزم بها نفسها بسلوك سياسة موحدة في علاقاتها الخارجية، وبإنشاء دفاع مشترك".

    لم يكن هذا الاقتراح أسعد حظاً من الاقتراح السوري الأول، الذي قدمه سعد الله الجابري إلى اللجنة التحضيرية للمؤتمر العربي القادم.

    وفي 3 نوفمبر 1948، قدّم الوفد العراقي اقتراحاً إلى مجلس الجامعة يقضي بتكوين لجنة عسكرية، لمعالجة الوضع العسكري على أرض فلسطين، في ذلك الوقت، إلاّ أن هذا الاقتراح لم يلق آذاناً صاغية، ولم يقَّدر حق قدره. اقترح المسؤولون العراقيون، مرة أخرى، على مجلس الجامعة، تكوين هيئة أركان حرب لجيوش الدول العربية، تكون تابعة للجامعة العربية، ولكن هذا الاقتراح لم يلق التأييد.

2. تأثير نتائج حرب 1948 على فكرة الضمان الجماعي

    أظهرت نتيجة حرب 1948، والهزيمة، التي منيت بها جيوش الدول العربية، حاجة دول الجامعة العربية إلى عمل عربي مشترك لحماية حريتها واستقلالها، الأمر الذي لا يمكن تحقيقه إلاّ بالعمل على تحقيق أمنها القومي، الذي أصبح مهدداً من الكيان الصهيوني.

    وعلى الرغم من توقيع اتفاقيات الهدنة، فإن هذا الكيان رفض تنفيذ قرارات الأمم المتحدة الخاصة بفلسطين، أرضاً وشعباً. لذا، بدأت بعض الدول العربية تتحرك لإيجاد قوة عربية، قادرة على التصدي للكيان الصهيوني. فبدأت المشاورات بين سورية والعراق، في أمر قيام تعاون سياسي وعسكري، تمهيداً لقيام وحدة أو اتحاد بينهما.

    وعلى ضوء هذا التطور الإيجابي السريع لفكرة الوحدة بين البلدين، تحركت الحكومات العربية الأخرى، وأعيد طرح فكرة الضمان الجماعي العربي، بديلاً لفكرة الوحدة السورية ـ العراقية.

    جاء هذا التحرك الجديد من طريق مجلس جامعة الدول العربية، وذلك على شكل اقتراح سعودي، أيّدته مصر، يتضمن أن التصدي للخطر الصهيوني لا يكفله توحيد دولتين عربيتين، بل إن جامعة الدول العربية هي الإطار، الذي يتيح للعرب تبني فكرة بديلة، تستند إلى العمل العسكري الموحد، بدلاً من الاتحادات الثنائية (أُنظر القرار الرقم ق 255 / د ع 11 / ج 6 - 30 /10/ 1949).

    وبعد أن تدارس أعضاء الوفود العربية فكرة الضمان الجماعي العربي المطروحة، اتفقوا على تأليف لجنة لوضع مشروع "معاهدة الضمان الجماعي" المقترح، وعرضه على حكومات الدول العربية الأعضاء في الجامعة، لدراسته وإبداء اقتراحاتهم عليه. وبناء على ذلك، أصدر مجلس الجامعة القرار التالي:

    "تنفيذاً للقرار المبدئي، الذي اتخذه مجلس الجامعة في شأن قيام ضمان جماعي عربي بين الدول العربية، تؤلف لجنة من مندوبين من كل دولة، لوضع صيغة المشروع، على أن تضم إليها عند البحث في المسائل العسكرية والاقتصادية أخصائيين من كل دولة، ثم تعرض نتيجة عملها على اللجنة السياسية، تمهيداً لعرضه على مجلس الجامعة" (أُنظر القرار الرقم ق 256 / د ع 11 / ج 6 - 30 / 10 / 1949).

    وقد قدمت أربع دول عربية، هي العراق، وسورية، ولبنان، ومصر، مشروعاتها إلى لجنة الضمان الجماعي، التي بدأت جلساتها في 10 نوفمبر 1949، في مقر جامعة الدول العربية في القاهرة، لمناقشة المشاريع المقدمة. وبعد البحث والمناقشة، استقر رأي أعضاء اللجنة على اتخاذ المشروع المصري أساساً للبحث.

    وتمكنت اللجنة من وضع صيغة أولية لمشروع الضمان الجماعي العربي المقترح، في جلستها الختامية، بتاريخ 26 نوفمبر 1949. وقد وفق هذا المشروع الموحد بين المشروعات العربية، الآنفة الذكر، وأطلق عليه اسم "معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي بين دول الجامعة العربية" (أُنظر ملحق معاهدة للدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي بين دول الجامعة العربية وملحقها العسكري والبروتوكول الإضافي)، وذلك تمهيداً لعرضها على حكومات الدول العربية الأعضاء في الجامعة، للإطلاع عليها، وإبداء الرأي، قبل عرضها على مجلس الجامعة.

    وبتاريخ 27 مارس 1950، عرضت لجنة الضمان الجماعي مشروعها الموحد على مجلس الجامعة العربية، في دور انعقاده الثاني عشر، بعد أن اطلعت الحكومات العربية عليه. وقرر المجلس إحالة المشروع الموحد إلى اللجنة السياسية لجامعة الدول العربية، المؤلفة، عادة، من رؤساء الوفود العربية ووزراء الخارجية.

    وتنفيذاً لهذا القرار، بدأت اللجنة السياسية للجامعة جلساتها، في الأول من إبريل 1950، لبحث معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي بين دول الجامعة العربية، وبدأت بمناقشة واسعة، استمرت سبع جلسات مطولة، أحاطت بكل الجوانب السياسية والعسكرية والاقتصادية للمعاهدة. وانتهت من مناقشتها، وأقرتها بعد قراءة موادها، وبعد أن أدخلت عليها بعض التعديلات، وحذف بعضها الآخر، وذلك في جلستها المنعقدة بتاريخ 11 إبريل 1950.

    وبتاريخ 13 إبريل 1950، اجتمع مجلس الجامعة للنظر في مشروع معاهدة الدفاع المشترك والملحق العسكري، بعد أن أقرته اللجنة السياسية. وبعد أن ناقش المجتمعون مشروع المعاهدة اتفقوا على ما يلي:

أ. الرجوع إلى محاضر اللجنة السياسية في تفسير المعاهدة، وتعد من الأعمال المكملة لها.

ب. إن الاعتداء الذي تتضامن الدول العربية في صده هو الاعتداء الذي يقع أصلاً على إحدى الدول العربية لا الاعتداء الذي تجره إحدى الدول العربية على نفسها نتيجة لارتباطات معينة مع دولة أجنبية.

ج. الموافقة على مشروع المعاهدة وملحقها العسكري بالإجماع وإحالته (أُنظر القرار الرقم  ق 311 / د ع 12 / ج 6 - 13 / 4 / 1950) إلى الحكومات العربية للتوقيع عليه، في موعد لا يتجاوز الثالث من مايو 1950.

    بعد صدور قرار مجلس الجامعة بالموافقة على المشروع، طلب العراق أن يلحق بالمعاهدة برتوكول إضافي، يتضمن تأليف هيئة استشارية من رؤساء أركان جيوش الدول المتعاقدة تختص بتوجيه اللجنة العسكرية الدائمة، المنصوص عليها في المعاهدة، واشترط موافقة دول الجامعة على البروتوكول الإضافي (أُنظر القرار الرقم ق 313 / د ع 12 / ج 6 - 13 / 4 / 1950).

    وبتاريخ 17 يونيه 1950، عندما عقد مجلس الجامعة جلسته الثامنة للإطلاع على موقف حكومات دول الجامعة من مشروع معاهدة الدفاع المشترك، قدّم الوفد العراقي مشروع البروتوكول الإضافي، طالباً إلحاقه على المعاهدة وملحقها العسكري. وبعد مناقشة هذا البرتوكول، لم توافق الدول عليه، ورأت أنه لا داعي لإنشاء هيئة استشارية عسكرية. وفي هذه الجلسة قررت خمس دول عربية التوقيع على المعاهدة، وهي مصر، والمملكة العربية السعودية، وسورية، ولبنان، واليمن.

    ومن الجدير بالذكر أن حكومة الأردن قد تخلفت عن الاشتراك في الأعمال التحضيرية والنهائية لوضع مشروع المعاهدة وإقرارها من قبل الدول المتعاقدة بسبب أزمة الضفة الغربية.

    أمّا الحكومة العراقية، فقد أرجأت توقيعها، بسبب عدم موافقة دول الجامعة على البروتوكول الإضافي الخاص بتأليف هيئة استشارية عسكرية من رؤساء أركان جيوش الدول العربية المتعاقدة.

    وترتب على إرجاء الحكومة العراقية التوقيع على المعاهدة، أن انعكس ذلك على المعاهدة ودولها المتعاقدة. لذلك، عدل مجلس الجامعة في موقفه تجاه البروتوكول الإضافي، فقرر في جلسته المنعقدة بتاريخ 2 فبراير 1951، الموافقة على هذا البروتوكول. وعلى إثر ذلك قررت الحكومة العراقية التوقيع على معاهدة الدفاع المشترك، وملحقها العسكري، والبروتوكول الإضافي.

    وبناء على توقيع دول الجامعة على البروتوكول الإضافي في جلسة مجلس الجامعة المنعقدة بتاريخ 2 فبراير 1951 دخلت المعاهدة حيز التنفيذ اعتباراً من 23 أغسطس 1952[10]. (اُنظر شكل الهيكل التنظيمي2)

ثالثاً: النشاط العسكري للجامعة في ظل معاهدة الدفاع المشترك، منذ توقيعها وحتى العدوان الثلاثي، عام 1956:

1. إقامة التنظيم العسكري العربي

    جاءت معاهدة الدفاع المشترك لتكفل إقامة التنظيم العسكري العربي، ولتنشئ الأجهزة اللازمة لاستخدام هذا التنظيم، وتردف الدفاع الجماعي باقتصاد عربي منظم، وبذلك خطت الجامعة الخطوة الأولى في طريق الوحدة العسكرية.

    وثمة إجماع على أن القصد من المعاهدة، كان تعويض الخلل، الذي لوحظ في الجانب الدفاعي في الميثاق، سواء فيما يتعلق بالشؤون العسكرية، أو الالتزام بإرادة ثلثي أعضاء مجلس الدفاع، عند التصويب في المجلس.

    وتضمنت المعاهدة مبادئ كثيرة، أهمها ما جاء بالفقرة الثانية، وهي "اعتبار أي اعتداء مسلح يقع على أية دولة أو أكثر منها أو على قواتها اعتداء عليها جميعاً. ولذلك فأنها، عملاً بحق الدفاع الشرعي الفردي والجماعي، تلتزم بأن تبادر إلى معونة الدولة أو الدول المعتدى عليها، وبأن تتخذ على الفور، منفردة ومجتمعة، جميع التدابير، وتستخدم جميع ما لديها من وسائل بما في ذلك القوة المسلحة لردع العدوان ولإعادة الأمن والسلام إلى نصابهما".

    كذلك نصّت المادة الرابعة على أن: "تتعاون الدول المتعاقدة فيما بينها لدعم مقوماتها العسكرية وتعزيزها، وتشارك هذه الدول حسب مواردها وحاجاتها في تهيئة وسائلها الدفاعية الخاصة والجماعية لمقاومة أي اعتداء مسلح".

    ونصت المعاهدة على قيام مجلس للدفاع المشترك، يتكون من وزراء الخارجية والدفاع، وتشكيل لجنة عسكرية من ممثلي رؤساء الأركان. كما نصّ البروتوكول الإضافي على إنشاء هيئة استشارية عسكرية، تتكون من رؤساء هيئات الأركان، وتختص بالإشراف على اللجنة العسكرية، ودراسة تقاريرها ومقترحاتها، قبل رفعها إلى مجلس الدفاع المشترك.

    لم تنصّ المعاهدة على إنشاء قيادة عسكرية موحدة للجيوش العربية، زمن السلم، بل اكتفت بالإشارة إلى تشكيل مثل هذه القيادة، زمن الحرب، لقيادة القوات في الميدان، "على أن تكون هذه القيادة من حق الدولة، التي تكون قواتها المشتركة في العمليات أكثر عدداً وعدة من كل قوات الدول الأخرى، إلاّ إذا تم اختيار القائد العام على وجه آخر بإجماع أراء حكومات الدول المتعاقدة. وتعاون القائد العام في إدارة العمليات الحربية هيئة ركن مشتركة".

    وفي سبتمبر 1953، أُنشئت الأمانة العسكرية، ويرأسها الأمين العام المساعد العسكري، الذي يُعين طبقاً لأحكام لائحة، وضعها مجلس الدفاع المشترك. وتعدّ الأمانة العسكرية جزءاً من الأمانة العامة للجامعة، وتعاون الأمين العام، في مهمته، وتقوم بأعمال التحضير والإعداد للأجهزة العسكرية، التي نصت عنها المعاهدة.

    ومما يسترعي النظر في تشكيل الأجهزة، أن مجلس الدفاع المشترك ـ وهو مؤلف من وزراء الخارجية والدفاع ـ قد وضع، بموجب أحكام المادة السادسة من المعاهدة، تحت إشراف مجلس الجامعة. وعلى الرغم من أن الميثاق لم يحدد مناصب ممثلي الدول في مجلس الجامعة، بل اكتفى بالقول إنه "يتألف من ممثلي الدول"، جاء هذا الربط مغايراً لمفهوم التنظيم، ومبدأ التسلسل الهرمي. إذ ليس مقبولاً، إذا ما نفذ الربط تنفيذاً حرفياً، أن يتخذ وزراء الخارجية والدفاع معاً قراراً في مجلس الدفاع المشترك، حيث تؤخذ  القرارات بأغلبية الثلثين وتكون ملزمة للجميع حتى للذين لم  يوافقوا عليها،  ثم ينقضه وزراء الخارجية في مجلس الجامعة، حيث تؤخذ القرارات بالإجماع أو بالأكثرية، وحينذاك يكون القرار ملزماً لمن يقبله، (المادة السابعة من الميثاق). ولقد جاء مؤتمر القمة، بوصفه مؤسسة قائمة واقعياً، حلاً مناسباً لإزالة هذه العقبات الشكلية في تنظيم الجامعة.

    من الملاحظ، كذلك، أن أي جهاز من هذه الأجهزة لا يشكل "هيئة أركان عامة مشتركة" تستطيع، أثناء السلم، وضع خطط العمليات الحربية المشتركة، ووضع خطط توحيد التدريب والمناورات المشتركة، وغير ذلك من الشؤون العسكرية، كما أن أي جهاز من هذه الأجهزة لا يشكل "قيادة عامة مشتركة"، تعد الجيوش العربية في السلم، وتضع خطط العمليات، ثم تقود هذه الجيوش أثناء الحرب، وتطبق خطط العمليات التي وضعتها زمن السلم.

    ولهذا فإن هذه الأجهزة غير قادرة على مجابهة الطوارئ، في حال حدوثها، خاصة أنها لا تملك قوات مشتركة موضوعة تحت تصرفها، ففقدت بذلك الوسائل اللازمة للتخطيط والقيادة والتنفيذ.

    يستدل كذلك، من البند الخامس من الملحق العسكري لمعاهدة الدفاع المشترك، أن "القيادة العامة للقوات العاملة في الميدان" تُشكّل زمن الحرب وفي الميدان نفسه، إذ تكون القيادة من حق الدولة، التي تكون قواتها المشتركة في العمليات أكثر عدداً وعدة من كل من قوات الدول الأخرى، إلاّ إذا تم اختيار القائد العام على وجه آخر بإجماع آراء حكومات الدول الأعضاء. إن هذا الأسلوب في تشكيل القيادة العامة في زمن الحرب، وفي ميدان القتال عينه، لا يتلاءم مع شروط القتال وظروف المعركة الحديثة، وخاصة في مواجهة عدو يسعى دائماً إلى تحقيق مبدأ المفاجأة، وأن حربي 1956 و 1967 مثلان على ذلك.

ولما كان أي تحالف عسكري يتكون من عنصرين أساسيين هما:

أ. قيادة مشتركة، تخطط، وتُعد، وتقود.

ب. قوات مشتركة، تنفذ أوامر القيادة المشتركة.

    فإن معاهدة الدفاع العربي المشترك لم تُشِر إلى تكوين أيٍّ من هذين العنصرين، فأخرجتها الأحداث ـ بالإضافة إلى عوامل هامة أخرى ـ من إطار الوجود والتأثير، حينما تعرضت للتجربة.

    وفي إطار مناقشة النصوص، يبدو واضحاً أن واضعي "معاهدة الدفاع المشترك"، عام1950، استفادوا استفادة واسعة من نصوص "معاهدة شمالي الأطلسي"، التي عقدت عام 1949. فالمادة الثانية العربية تكاد تكون مماثلة للمادة الخامسة الأطلسية[11]، والمادة الثالثة العربية تكاد تكون مماثلة للمادة الرابعة الأطلسية[12]. وقد اكتفت المعاهدة الأطلسية بإنشاء "مجلس المعاهدة" و "لجنة الدفاع"، وفوضت المجلس إنشاء الأجهزة التي يراها لازمة. أمّا المعاهدة العربية، فقد أنشأت "مجلس الدفاع المشترك"، و"الهيئة الاستشارية العسكرية"، و"اللجنة العسكرية الدائمة"، وأجازت للجنة أن تشكل "لجاناً فرعية دائمة أو مؤقتة".

2. عمل أجهزة المعاهدة

    بعد أن دخلت المعاهدة مرحلة التنفيذ، تجددت آنذاك الجهود الأمريكية البريطانية المشتركة لربط البلاد العربية، أو بعضها، بالأحلاف الغربية، والتشكيك في جدوى الدفاع الجماعي العربي، وفي قدرته على تهيئة أسباب الحماية. وكردة فعل على ذلك، قرّر مجلس الجامعة، في 9 مايو 1953 (أُنظر القرار الرقم ق 572 / د ع 18 / ج 4 - 9 / 5 / 1953)، "إن معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي، التي أبرمتها دول الجامعة العربية، فيها ما يهيئ أسباب الدفاع عن البلاد العربية، ويكفل تنظيم التعاون العسكري والاقتصادي بينها"، وكلف الأمانة العامة دعوة الهيئات، التي تضمنتها المعاهدة، إلى الاجتماع، خلال شهرين.

    تواصلت اجتماعات هيئات المعاهدة في صيف 1953. فاجتمعت اللجنة العسكرية الدائمة، ثم الهيئة الاستشارية العسكرية، فمجلس الدفاع المشترك، في الفترة من 4 ـ 9 سبتمبر 1953. وعُيِّن رئيس للجنة الاستشارية العسكرية، وأمين عام مساعد عسكري للجامعة، وكان ذلك في اجتماع مجلس الجامعة، في 9 يناير 1954. وبذلك، اكتملت إقامة أجهزة المعاهدة، وباشرت عملها.

3. مواجهة حلف بغداد

    ما كاد مجلس الدفاع المشترك يصدر توجيهاته، في مجال تنسيق أعمال الدفاع العربي المشترك، حتى عادت المحاولات الغربية المناوئة إلى سعيها لتعطيل المسيرة الدفاعية العربية، فطرحت مشروع حلف بغداد، الذي كان سبباً في نشوء صراع عربي ـ عربي، انتهي بإنشاء الحلف وارتباط العراق الملكي، في عهد نوري السعيد، بعجلة التبعية الغربية، وشبكة الأحلاف المعادية للمصالح العربية العليا.

    وجدت الدول العربية في سياسة الحكومة العراقية ما يعرض مفهوم الدفاع الجماعي العربي ومؤسساته إلى خطر التفكك والانحلال. كما وجدت في هذا السلوك نقضاً وانتهاكاً للمادة العاشرة من معاهدة الدفاع العربي[13]، وخروجاً على المصلحة العربية العليا. فتداعت الدول العربية إلى اجتماع في إطار اللجنة السياسية للجامعة، حضره وزراء خارجية الدول العربية الموافقة على المعاهدة، وقرروا في 13 ديسمبر 1954، أن على السياسة الخارجية للدول العربية أن ترتكز "على ميثاق الجامعة العربية، وميثاق الأمم المتحدة، وعدم إقرار عقد أحلاف غيرها". غير أن الحكومة العراقية تحفظت على هذا القرار، وتابعت مباحثاتها مع تركيا، واتفقت الحكومتان، في 13 يناير 1955، على عقد اتفاق بين البلدين، يهدف إلى تحقيق التعاون لصد أي اعتداء قد يقع على أحدهما من داخل المنطقة أو خارجها.

    وكان ردة الفعل أن دعت مصر رؤساء الحكومات الموقعة على معاهدة الدفاع المشترك، من دون الحكومة العراقية، إلى اجتماع عُقد في القاهرة، وانتهوا فيه، يوم 24 يناير 1955، إلى الموافقة على قرار اللجنة السياسية، الصادر في 13 ديسمبر 1954، إلى إقرار عدم الانضمام إلى الحلف بين تركيا والعراق. وبغية دعم مفهوم الدفاع الجماعي العربي وتطوير مؤسساته، وتوسيع مجالات تطبيقه، قرر رؤساء الحكومات "إنشاء قيادة مشتركة وقت السلم، تكون نواة تتوسع إلى قيادة عامة مشتركة وقت الحرب بجميع أفرعها وإداراتها بحيث تكون هذه القيادة مستديمة، لها مقر رئيسي، وعليها أن تنسق أعمال التدريب والتسليح والخطط والصناعات الحربية، والمواصلات السلكية واللاسلكية، كما تحدد مقدار وتوزيع القوات اللازمة لكل دولة على حدة، في نطاق الخطة العامة لدول الجامعة العربية الموقعة على معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي، والتزامات وإمكانيات كل منها من حيث الدفاع في حالة وقوع عدوان".

    تتالت الأحداث بشكل سريع، كان أبرزها اشتداد المقاومة العربية لحلف بغداد، سعياً وراء تصفيته، وتواتر الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية، ومعارضة الولايات المتحدة تسليح البلاد العربية، وتهديد تركيا لأمن سورية والحشود التركية على حدودها.

    في مواجهة هذه الأحداث والتطورات، نشطت بعض الدول العربية، في مجال الدفاع المشترك لتعمل في الإطار الثنائي، وخارج إطار الجامعة ومعاهدة الدفاع المشترك، فعقدت فيما بينها اتفاقيات عسكرية، تنص على التعاون لصد العدوان الإسرائيلي المحتمل، وإقامة قيادة مشتركة. فخلال الفترة من 20 أكتوبر 1955 إلى 21 إبريل 1956، عقدت مصر اتفاقيات عسكرية ثنائية مع سورية، والمملكة العربية السعودية، والأردن. وتبعت ذلك اتفاقية ثلاثية بين مصر، وسورية، والأردن، واتفاقية مماثلة أخرى بين مصر، والمملكة العربية السعودية، واليمن، وكانت القيادات المشتركة في جميع هذه الاتفاقية الثنائية والثلاثية تعقد ألويتها لمصر.

    وكان من نتيجة هذا النشاط الجاري خارج إطار الجامعة ومعاهدة الدفاع المشترك، أن أصاب الجمود هيئات المعاهدة، وتوقفت اجتماعات مجلس الدفاع المشترك في إثر دورته الثانية، التي عقدت في الفترة من 9 إلى 13 يناير 1954، واستمر هذا التوقف حتى عقدت الدورة الثالثة غير العادية في الفترة من 10 ـ 18 يونيه 1961، حين برز موضوع بدء إسرائيل تنفيذ مشروع تحويل مياه نهر الأردن.

    وهكذا ضاع من عمر تنظيم الدفاع العربي سبعة أعوام، نشطت خلالها الاتفاقيات الدفاعية العربية خارج إطار الجامعة، ووقع العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، دون أن يكون للجامعة العربية وأجهزتها العسكرية أي دور في ردعه والتصدي له. واقتصر القتال خلال العدوان الثلاثي على الجبهة المصرية، وخاضته القوات المصرية وحدهـا ولم يتعدهـا إلـى الجبهات العربية ـ الإسرائيلية الأخرى.

    وإذا كانت الجامعة العربية وأجهزتها الدفاعية لم تقم بأي دور في هذه الحرب، وإذا كانت الدول العربية لم تشارك رسمياً بالقتال، فإن الشعب العربي أثبت في تلك الحرب وحدته وتجاوزه للأشكال القانونية للاتفاقيات والمعاهدات، وذلك بوقوفه إلى جانب مصر، وتدميره لخطوط الأنابيب، التي تنقل النفط إلى الغرب، واستعداده لتوسيع ساحة الصراع، بتدمير المصالح الغربية في المنطقة.

    وأمام مقاومة وصمود الشعب العربي المصري، وتحت ضغط الرأي العام الدولي ومساندة الدول الصديقة، اضطر البريطانيون والفرنسيون إلى الانسحاب من مصر، ولم تجد إسرائيل ـ تحت ضغط الرأي العام والضغط الدولي عليها ـ بُداً من التراجع، فانسحبت في مارس 1957، إلى ما وراء خطوط الهدنة.


 



[1]  حين عقد مجلس جامعة الدول العربية جلسته الأولى، في شهر يونيه 1945، بَحَثْ في الاعتداءات الفرنسية على سورية ولبنان (مايو 1945)، فاقترح مندوب العراق إنشاء جيش عربي للمحافظة على السلم والأمن في البلدين، ولدفع الاعتداءات الفرنسية. وقد أبدى الأمين العام للجامعة عبد الرحمن عزام أن للمجلس أن يتدخل في مثل هذه الحالة بقوته، باعتباره مسؤولاً عن الأمن الدولي في المنطقة العربية، ولو بقوة رمزية، الأمر الذي سيجعل فرنسا تتردد كثيراً قبل القيام بأي عمل ضد سورية ولبنان. أما مندوب مصر الدكتور السنهوري فقال إنه لا يتصور دخول جيوش عربية إلى سوريا ولبنان إلا في ثلاثة فروض: الفرض الأول: وهو ما يستبعده، دخول جيوش عربية فيها للحفاظ على الأمن الداخلي، لأن هذا يعتبر تدخلاً في الشؤون الداخلية للبلاد العربية. الفرض الثاني: التدخل لصون الأمن الدولي، وهو أمر سابق لأوانه لأن الأمن الدولي لم يتم تنظيمه بعد (كان ميثاق الأمم المتحدة لم يصدر آنذاك، ولم تكن منظمة الأمم المتحدة قد قامت بعد). الفرض الثالث: دخول الجيوش العربية كتدبير لدفع الاعتداء، ذلك أن للجامعة أن تتخذ أحد طريقين في حالة وقوع الاعتداء، الطريق الأول، بذل الوساطة، والطريق الثاني، اتخاذ التدابير اللازمة لفض النزاع. وفي هذه الحالة يمكن التفكير في إرسال جيوش عربية كتدبير لفض النزاع ومنع الاعتداء لا للمحافظة على الأمن الداخلي أو الدولي.

[2]  يتحدث د. سيد نوفل في كتابه "العمل العربي المشترك" عن ظروف إنشاء الجامعة، فيقول: "إن الجامعة نشأت بموافقة الاستعمار البريطاني، إذ لم يجد بداً من هذه الموافقة مجاراة للشعور القومي، عاملاً في الوقت ذاته على إلهاء الأمة العربية بنظام صوري عن الوحدة الحقيقية التي تتطلع إليها، وعلى تسيير الحكومات العربية مجتمعة وفق الخطة البريطانية التي ترسم لها.. ولهذا جاءت الجامعة تنظيماً إقليمياً، يضم دولاً يحتفظ كل منها باستقلالها وسيادتها. ولا تلتزم إلا بما توافق عليه من قرارات، ولا تنفذ هذه القرارات إلا وفق ما تراه.. ومع ذلك، فقد فرضت الوحدة العربية نفسها، لأن حياة الشعوب وتطورها الفكري واندفاعاتها الإرادية أقوى من القيود، وأقدر على المغالبة لأشد النصوص جموداً وتضييقا".

[3]   في قرار اتخذه مجلس الجامعة، في14 ديسمبر 1945، شكل المجلس لجنة، مهمتها توحيد الخطة، الواجب إتباعها، دفاعاً عن حقوق العرب في فلسطين. وفي قرار ثانٍ، اتخذه المجلس، في 12 ديسمبر 1946، جاء ما يلي: "إن حكومات دول الجامعة العربية. تجد نفسها في موقف، تخشى أن يؤدي الأمر إلى قيام الشعوب العربية، بالتطوع، بجميع الوسائل، لنصرة عرب فلسطين". وفي قرار ثالث، في 12 يونيه 1946، قال المجلس: "بالنظر لما أعلنته الحكومة البريطانية، وما ظهر من تقرير لجنة التحقيق، إن الصهيونية قد شكلت جيوشاً مسلحة في فلسطين، وإن بريطانيا العظمى، لم تستطع، إلى الآن، أن تحل هذه الجيوش وتنزع سلاحها. فاللجنة ترى أن هذا من شأنه، أن يؤدي إلى اضطرار الشعوب العربية للدفاع عن نفسها ومقاومة القوة بالقوة. ولا تستطيع حكومات الجامعة العربية، أن تمنع هذه الشعوب عن أن تأخذ عدتها للدفاع الشرعي عن نفسها".

[4]  جيوش مصر، وسورية، ولبنان، والأردن، والعراق، والسعودية، واليمن. ويقصد بتعبير (جيوش) هنا (قوات من هذه الجيوش).

[5]  يروي اللواء أحمد المواوي قائد القوات المصرية، أنه في يوم 10/5/1948 (أي قبل بدء القتال بخمسة أيام) قابل محمود النقراشي باشا، رئيس وزراء مصر يومذاك، في رئاسة الجيش، فقال له النقراشي بعد أن استمع إلى تقريره عن الوضع السيئ للجيش المصري: "سوف تسوى المسألة سياسياً وبسرعة، وأن الأمم المتحدة ستتدخل، وأن الاشتباكات لن تخرج في حقيقتها عن مظاهرة سياسية، وليست عملاً حربياً".

[6]  من مذكرة مطولة، قدّمتها الأمانة العامة للجامعة، في 15 مايو 1948، إلى الأمين العام للأمم المتحدة.

 [7] يقول جلوب باشا: لقد اكتسبت إسرائيل منزلة عالية جداً في تقدير الغرب بل والعالم أجمع، بفضل أسطورة داود وجالوت. وقد أبدى غالبية البشر إعجابهم ببطولة إسرائيل الصغيرة التي تكافح ملايين العرب الآسيويين، ولكن الحقيقة المجردة على النقيض من ذلك تماماً، فقد كانت إسرائيل في كل حروبها مع العرب تتفوق عليهم عددياً في المسرح، وليست البطولة من الصفات الإسرائيلية التي تستحق الإشادة، ولكنها القدرة على التنظيم والمهارة الاقتصادية والدبلوماسية. فرغم أن القوات الإسرائيلية كانت متفوقة عددياً على خصومها العرب بصفة دائمة، فإن النجاح في حشد هذه النسبة العالية من إجمالي تعداد الشعب ودفعه إلى مسرح الحرب يعتبر في حد ذاته دليلاً على المهارة التنظيمية العالية التي تفتقر إليها كافة شعوب الشرق الأوسط الأخرى. لقد كان الفضل في تمتع إسرائيل بهذه المزايا يعود إلى ارتفاع مستوى التعليم والثقافة، وإلى الخبرة الإدارية المكتسبة من مخالطة اليهود للأوروبيين والمعيشة بينهم لأجيال طويلة. وقد تمتعت إسرائيل بنفس المزايا في مجالات التكنولوجيا، التي يمكن بفضلها اليوم أن ينتصر من يتفوق تكنولوجياً على خصمه المتخلف، بما يقلب الصراع من شكل الحرب إلى الردع.

[8]  ذكر الزعيم عبدالله عطفة، رئيس أركان الجيش السوري، آنذاك، أنه لم يعلم بقرار الحرب، إلا في 13 مايو 1948، أي قبْل بدء القتال بيومَين.

[9]  نضرب مثلاً واحداً على ذلك. فقد نصت الخطة الأولية على حشد الجيش السوري في بانياس، "أقصى الشمال من الجولان" مع الجيش اللبناني، للهجوم في اتجاه نهاريا وصفد. وبعد أن دخل جزء من الجيش السوري إلى البقاع (لبنان)، أمر القائد العام للقوات العربية، بأن يتوجَّه الجيش السوري كله إلى أقصى القطاع الجنوبي من الجبهة السورية، ليشن هجوماً تجاه سمخ (بحيرة طبرية)، مما حمل الجيش السوري على اللجوء إلى حركة انتقال واسعة، وسريعة، حتى يصل إلى منطقة العمليات الجديدة، في الساعات الأولى من صباح 15 مايو 1948.

[10]  'أُودِعت وثائق التصديق على المعاهدة، والملحق العسكري، والبروتوكول الإضافي، لكلِّ من سورية في 31 أكتوبر 1951، ومصر في 22 نوفمبر 1951، والأردن في 31 مارس 1952، والعراق في 7 أغسطس 1952، والمملكة العربية السعودية في 19 أغسطس 1952، ولبنان في 24 ديسمبر 1952، واليمن في 11 أكتوبر 1953.

[11] المادة الخامسة الأطلسية: "توافق الأطراف على أن أي هجوم مسلح، على واحد أو أكثر منها، في أوروبا أو أمريكا الشمالية، يُعَدّ هجوماً عليها جميعاً. وفي حالة حدوث مثل هذا الهجوم المسلح، تعمل الأطراف، بمقتضى ممارسة حق الدفاع، الفردي أو الجماعي، المعترف به في المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، على مساعدة الطرف أو الأطراف التي تعرضت للهجوم، وذلك بأن يتخذ كل طرف من الفور، بمفرده، وبالتنسيق مع الأطراف الأخرى، الإجراء الذي يراه ضرورياً، بما في ذلك استعمال القوة المسلحة، بغية إعادة الأمن إلى منطقة شمالي الأطلسي، والحفاظ عليه. ويجب إبلاغ مجلس الأمن، من الفور، بأي هجوم مسلح، وبجميع الإجراءات المتخذة نتيجة له. وتنتهي هذه الإجراءات، عندما يتخذ مجلس الأمن الإجراءات اللازمة، لإعادة السلام والأمن الدوليَّين، والحفاظ عليهما".

[12]  المادة الرابعة الأطلسية: "تتشاور الأطراف فيما بينها، بناء على طلب أي منها، عندما تكون وحدة أراضى أي من الأطراف، أو استقلاله السياسي، أو أمنه مهدداً".

[13]  المادة العاشرة من المعاهدة: "تتعهد كل من الدول المتعاقدة، بأن لا تعقد أي اتقاق دولي، يناقض هذه المعاهدة، وبأن لا تسلك في علاقتها الدولية بالدول الأخرى مسلكاً، يتنافى مع أغراض هذه المعاهدة". ومن الجدير بالذكر، أن بروتوكول الإسكندرية، نص على هذا المعنى، حين جاء في الفقرة الخامسة من المادة الأولى: "لكل دولة أن تعقد مع دولة أخرى، من دول الجامعة أو غيرها، اتفاقات خاصة، لا تتعارض مع نصوص هذه الأحكام أو روحها". غير أن واضعي الميثاق أغفلوا تسجيل هذا النص في الميثاق.