إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / منظمات وأحلاف وتكتلات / جامعة الدول العربية




محمود رياض
محمد عبد الخالق حسونة
أحمد عصمت عبد المجيد
الشاذلي القليبي
علم الجامعة
عمرو موسى
عبد الرحمن عزام





المبحث العاشر

الأنشطة العسكرية لجامعة الدول العربية بعد حرب عام 1956

أولاً: النشاط العسكري لجامعة الدول العربية بين حربي 1956 و 1967

1. مواجهة تحويل إسرائيل لمياه نهر الأردن وروافده

    بعد انتهاء حرب السويس، ظل النشاط العسكري لجامعة الدول العربية مشلولاً، حتى ظهرت في الأفق بوادر عدوان إسرائيلي جديد، تمثل في مشروع تحويل مياه نهر الأردن عن مجراه الطبيعي، ليسير في الأرض المحتلة، بهدف ري مساحات واسعة من الأراضي، في النقب، وللاستفادة منه أيضاً في توليد الطاقة الكهربائية.

    أمام هذا الخطر الجديد، تحركت الجامعة العربية وعهد مجلس الجامعة، في دورته غير العادية، في 28 أغسطس1960، بقراره الرقم (1696)، إلى اللجنة العسكرية الدائمة بوضع خطة للتصدي لهذا العدوان.

قدمت اللجنة العسكرية الدائمة تقريرها، وضمنته ما يلي:

أ. تقديراً عاماً للموقف، خلصت فيه إلى أن عملية منع إسرائيل من التحويل قد تتطور من عمليات محدودة قرب الحدود إلى استخدام جميع القوات المسلحة.

ب. وفي هذه الحالة يقتضي الأمر أن تكون جيوش الدول العربية من القوة بحيث تواجه هذا الاحتمال، وأن يتم وضع مخطط موحد شامل دقيق للعمل العسكري المشترك، وأن يسبق ذلك فترة تحضير لا تقل عن سنتين.

ج. التوصية باجتماع مجلس رؤساء أركان حرب الجيوش العربية (الهيئة الاستشارية العسكرية)، للنظر في أمر تشكيل جهاز مشترك متفرغ ذي فاعلية للقيام بهذا الواجب، مكون من نحو مائة ضابط، بدلاً من اللجنة العسكرية، التي كانت تتألف من عدة ضباط أكثرهم من الملحقين العسكريين، في السفارات العربية، في القاهرة.  

    عقد وزراء خارجية الدول العربية اجتماعاً في بغداد، وأصدروا قراراً بتاريخ 4 فبراير 1961، نتيجة دراستهم تقريري اللجنة الفنية واللجنة العسكرية الدائمة، دعوا فيه "الهيئة الاستشارية لمجلس الدفاع للاجتماع في أقرب وقت، منضماً إليها رؤساء أركان حرب باقي الدول الأعضاء غير المشتركة في معاهدة الدفاع المشترك، وذلك لبحث العمل العسكري المضاد، الذي يُبنى عليه التخطيط الشامل للحيلولة دون تنفيذ المشروع الإسرائيلي بتحويل مياه نهر الأردن".

اجتمعت الهيئة الاستشارية في 22 إبريل1961، وخلصت إلى نتائج أهمها:

أ.  ينتظر أن تنهي إسرائيل مشروع تحويل مياه نهر الأردن في نهاية عام 1963. وسيخلق هذا الوضع موقفاً أمام الدول العربية يقتضيها القيام بعمل دفاعي موحد، على أن يدخل في الاعتبار استخدام الفلسطينيين بجميع إمكانياتهم.

ب. يتطلب هذا العمل أعداداً مبكراً يجب إنجازه قبل عام 1963.

ج. يتطلب الإعداد للعمل الموحد جهازاً مشتركاً ذا فاعلية.

د. التوصية بدعوة مجلس الدفاع للتصديق على هذه التوصيات.

عقد مجلس الدفاع دورته الثالثة في10 يونيه 1961، وقرر ما يلي:

أ.تشكيل قيادة عامة مشتركة لقوات الدول العربية حسب التنظيم المقترح من اللجنة العسكرية.

ب. إنشاء هيئة الأركان الخاصة بالقيادة، وتأليفها من ضباط أركان ذوي كفاية، وذلك في مدى شهرين.

ج. تشكيل هيئة الأركان من 60 ضابطاً كنواة، وتصبح كاملة عندما يغدو قوامها حوالي 90 ضابطاً. ويبلغ مجموع أعضاء القيادة العامة، ومن ضمنها هيئة الأركان، 108 ضابط.

د. إنجاز المهمة في شكلها العام، خلال أربعة أشهر.

هـ. التصديق على التنظيم، الذي اقترحته اللجنة العسكرية، ودعوة الدول إلى إرسال نصيبها من الضباط في القيادة العامة.

و. دعوة الدول إلى إعداد قواتها.

    وضعت الأمانة العامة للجامعة تفصيلات هذه القرارات وأرسلتها إلى حكومات الدول الموافقة عليها، فأرسلت بعضها ردودها، ولم ترسل بقية الدول ردوداً. وفي أثناء ذلك جرت أحداث شغلت الحكومات العربية والجامعة، عن العدوان الإسرائيلي على مياه نهر الأردن، كان في مقدمتها الخلاف العراقي الكويتي، في يونيه 1961، وتشكيل "قوات أمن الجامعة العربية"، وتلا ذلك انفصال سورية عن الجمهورية العربية المتحدة، في 28 سبتمبر 1961.

2. قوات أمن جامعة الدول العربية

    خاضت جامعة الدول العربية، في عام 1961، تجربة عسكرية عربية ثالثة، بعد تجربتي جيش الإنقاذ ودخول الجيوش العربية إلى فلسطين. وكانت التجربة تتعلق بحماية الأمن والسلم في قطر عربي نال استقلاله، وهو الكويت، وهي التجربة الأولى في هذا المجال.

    أنشئت "قوات أمن جامعة الدول العربية" بموجب أحكام المادة السادسة من الميثاق، في إثر الأزمة العراقية ـ الكويتية، التي أثارتها مطالبة حكومة العراق بالكويت، ونزول القوات البريطانية في الأرض الكويتية، في30 يونيه 1961، بناء على طلب أمير الكويت، إذا لم يجد بديلاً عربياً له فاعليته في الدفاع[1].

    وفي اجتماع جامعة الدول العربية، في 12 يوليه 1961، قدّمت حكومة الكويت مذكرة إلى لجنة الشؤون السياسية، التابعة للجامعة، تضمنت طلبيْن، طلب الانضمام إلى الجامعة العربية، وطلب مساندة الدول العربية لها ضد التهديد العراقي. كما تعهد أمير الكويت، في المذكرة نفسها، بسحب القوات البريطانية من الكويت، على أن تحل محلها قوات عربية.

    وفي الحقيقة، كان أمام مجلس الجامعة مشروع قرار، يحدَّد في إطاره بديلان للعمل. أبدى الوفد الكويتي، برئاسة جابر الأحمد الصباح، استعداد بلاده لقبول أي منهما، وهما:

أ. أن يتخلى عبدالكريم قاسم عن مطالبه وادعاءاته، وأن يقدّم اعترافه باستقلال الكويت الكامل. كما يعلن هذا الاعتراف أمام مجلس جامعة الدول العربية، ومجلس الأمن، التابع لمنظمة الأمم المتحدة.

ب. أن ترسل جامعة الدول العربية قوة عسكرية، تابعة لها، إلى دولة الكويت، لتحل محل القوات البريطانية.

    وفي جلسة جامعة الدول العربية، يوم 20 يوليه 1961، لم يقبل الوفد العراقي بالحل الأول، وانسحب من الاجتماع. فقرر المجلس قبول انضمام الكويت إلى الجامعة (أُنظر القرار الرقم ق 1777/ د ع 35/ ج 8 - 20/7/1961)، والتزام الدول العربية بتقديم المساعدة الفعالة، لصيانة استقلال الكويت بناء على طلبه. وعهد المجلس إلى الأمين العام باتخاذ الإجراءات اللازمة لوضع هذا القرار موضع التنفيذ العاجل، على أن يشمل هذا الالتزام الدول، التي وافقت على الاشتراك في تنفيذه.

    وعبر رسالتين متبادلتين بين الأمين العام للجامعة وأمير الكويت ، في 12 أغسطس 1961، (أُنظر ملحق نص الرسالتين المتبادلتين بين الأمين العام للجامعة العربية، وأمير دولة الكويت) تم الاتفاق على وضع "قوات أمن الجامعة العربية"، في الكويت، كما أتم مراسم انضمام الكويت إلى معاهدة الدفاع المشترك، التي جرى تشكيل قوات الأمن في ظل أحكامها. وكان من نتيجة ذلك أن طلبت حكومة الكويت في اليوم نفسه انسحاب جميع القوات البريطانية من الأراضي الكويتية.

وضع الأمين العام للجامعة مبادئ تشكيل قوات الأمن في مذكرات إلى الحكومات العربية، وهذا موجزها:

أ. قوات الأمن العربية ذات طبيعة دولية، بوصفها هيئة تابعة للجامعة، ولها مزاياها وحصانتها، التي تكفل لها الأداء المستقل لوظائفها.

ب. لقائد الوحدة الوطنية، التي تقدمها الدولة، ممارسة السلطات التأديبية والنظامية.

ج. من المتفق عليه أن الوحدة الوطنية للدولة لن تسحب قبل إشعار سابق مناسب، يُبلغ إلى الأمين العام.

د. مهمة القوات مؤقتة، تنتهي بناء على طلب أمير الكويت. وتسحب بالطريقة، التي يتم الاتفاق عليها بين رئيس الدولة والأمين العام.

    أسفرت جهود الأمين العام عن توقيع اتفاقيات مع تونس، والسودان، والأردن، والسعودية، في شأن اشتراكها في قوات الأمن. غير أن أحداث "بنزرت" في تونس، أدّت إلى اعتذار حكومتها عن الاشتراك.

أصدر الأمين العام عدة قرارات تنظيمية، من أهمها:

أ. إنشاء الهيئة التنفيذية لقوات أمن الجامعة العربية برئاسة الأمين العام المساعد، مهمتها إعداد القرارات والإجراءات، التي يصدرها الأمين العام إلى قيادة القوات في النواحي السياسية، والعسكرية، والمالية، والقانونية.

ب. إنشاء "اللجنة الاستشارية"، وتضم ممثلين عن الدول المشتركة في القوات. وتجتمع بدعوة من الأمين العام، ويكون رأيها استشارياً.

ج. إنشاء "صندوق تمويل قوات أمن الجامعة العربية"، ومهمته تحمل النفقات اللازمة لتحقيق أغراضها[2].

د. لائحة عمل القوات، اعتباراً من تاريخ وصولها إلى الكويت، وفيها أن الأمين العام هو المسؤول وحده عن إصدار التعليمات لهذه القوات، بعد التشاور مع اللجنة الاستشارية، وأن أوامر قائد القوات تخضع لمراجعة الأمين العام.

هـ. تعيين قائد ورئيس أركان القوات من ضباط المملكة العربية السعودية، تطبيقاً لإحكام معاهدة الدفاع المشترك.    

    اكتمل وصول قوات الأمن العربية إلى الكويت، يوم 3 أكتوبر 1961، وكانت تتألف من 1281 جندياً سعودياً، 785 جندياً أردنياً، 112 جندياً سودانياً، 159 جندياً من الجمهورية العربية المتحدة، بمجموع 2337جندياً، ثم تغير التشكيل والعدد حينما سحبت الجمهورية العربية المتحدة وحداتها، في 12 أكتوبر 1961، حيث أصبح المجموع 2225 جندياً، ويلاحظ أن مجموع هذه القوات يقل عن المجموع، الذي قدرته بعثة عسكرية تابعة للجامعة وقدره 3000 : 3500 جندي.

    ظلت قوات الأمن العربية تؤدي مهامها، بالرغم مما طرأ على تشكيلها من تعديل وانسحاب، حتى قامت ثورة 8 فبراير 1963، في العراق، فأصدرت قيادة الثورة تصريحات ودية تجاه الكويت، فأخطرت الحكومة الكويتية الأمين العام، يوم 12 فبراير 1963، بزوال الظروف، التي اقتضت وجود قوات أمن الجامعة. فأصدر الأمين العام أوامره في اليوم التالي بانسحاب القوات الذي تم في 20 فبراير 1963.

    يمكن تقييم تجربة قوات أمن الجامعة، على أنها ناجحة من الناحية العسكرية، بصورة عامة. وأبرز ما فيها أن الجامعة استطاعت أن تشكل قوة ـ وإن كانت رمزية المعنى، صغيرة الحجم، محدودة المهمة ـ من وحدات تابعة لعدة دول، تحت قيادة عسكرية واحدة، وقيادة سياسية عليا واحدة. وقد تم تشكيلها ونقلها وتمركزها لمباشرة مهامها بسرعة ملحوظة. غير أن ظاهرة النجاح هذه رافقتها سلبيات عديدة، فقد لاقى استخدام القوات صعوبات ومشكلات عدة، نشأ بعضها عن الاختلاف في التسليح والتجهيز والتدريب والكفاءة والتنظيم والمصطلحات اختلافاً واضحاً. ويمكن القول أيضاً، إن هذه القوات لم تستطع أن تقاتل قتالاً ناجحاً، وبذلك يمكن اعتبارها قوات رمزية تعبر عن دعم الدول العربية لاستقلال الكويت وسلامة أراضيه.

3. تشكيل القيادة العربية الموحدة  

   في عام 1963، وبعد انقضاء أكثر من عامين على قرارات مجلس الدفاع، الذي شملت الموافقة على تشكيل قيادة عربية مشتركة، وبعد أن تقدمت أعمال تحويل إسرائيل لمياه نهر الأردن، ووصلت إلى إنجاز المرحلة الأخيرة من المشروع، رأى مجلس الجامعة، في اجتماع عقده في 19سبتمبر 1963، دعوة مجلس الدفاع المشترك إلى الانعقاد لمواجهة المرحلة الأخيرة.

    اجتمعت الهيئة الاستشارية (رؤساء الأركان)، في المدة من 7 إلى 9 ديسمبر 1963، تمهيداً لاجتماع مجلس الدفاع المشترك، واتخذ توصيات (أُنظر وثيقة توصيات الهيئة الاستشارية العسكرية "مجلس رؤساء أركان حرب جيوش الدول العربية في الدورة السابعة غير العادية – المنعقدة في المدة من 21 - 23 من رجب سنة 1383هـ الموافق 7 - 9 ديسمبر 1963م ) منها:

أ. تشكيل القيادة المشتركة السابق إقرارها، والتصديق على تنظيمها من مجلس الدفاع المشترك، وتشكيل هيئة الأركان الخاصة بها، أو على الأقل نواتها (60 ضابطاً).

ب. مبادرة الدول بإرسال الضباط، الذين تختارهم لتلك النواة حسب التوزيع، الذي تم الاتفاق عليه من قبل.

    لم يجتمع مجلس الدفاع المشترك، وإنما اجتمع رؤساء الدول العربية في القاهرة في أول مؤتمر قمة، في الفترة من 13 إلى 17 يناير 1964، بناء على دعوة مصر، لوضع خطة العمل العربي الجماعي في مواجهة العدوان الصهيوني، في صورته الأخيرة الممثلة في تحويل إسرائيل لمجرى نهر الأردن.

    عالج مؤتمر القمة الأول، موضوع تحويل إسرائيل مياه الأردن من جميع جوانبه، وخاصة الجانب العسكري منه، فقرر إنشاء قيادة عامة موحدة لجيوش الدول العربية، وعيَّن الفريق علي عامر، قائداً عاماً لها، وأعلن التزام الدول العربية جمعاء بتشكيل القوات، التي تقترحها القيادة العامة، ووضعها تحت تصرف هذه القيادة، وحتى لا تبقى هذه التشكيلات العسكرية في إطارها النظري، فلا يتوفر لها الأساس المادي لإنشائها وإدامتها، فقد حدّد المؤتمر موازنة للإنفاق على التعزيزات العسكرية، كما حدّد نصيب كل دولة في تلك الموازنة.

    وبتشكيل هذه القيادة، دخل الدور العسكري لجامعة الدول العربية مرحلة جديدة، وأصبح لمجلس الجامعة أداة تنفيذية كانت تفتقر إليها وسد النقص الكبير، الذي كانت تعانيه معاهدة الدفاع المشترك.

    وفي مؤتمر القمة الثاني بالإسكندرية، في الفترة من 5 إلى 11 سبتمبر 1964، قرّر الملوك والرؤساء العرب تعزيز الدفاع العربي على وجه يؤمن للدول، التي تجري فيها روافد نهر الأردن حرية العمل العربي في الأرض العربية. وأمروا بأن يبدأ تنفيذ المشروع العربي لاستغلال مياه نهر الأردن وروافده فوراً، وأن تُحشد القوات المخصصة لحماية أعمال التنفيذ، وأن يمنح القائد العام حق تحريك القوات العسكرية من دولة لأخرى، وفق الأحكام الدستورية والنظم المرعية في كل دولة.

    وأعلن المؤتمر الاكتفاء بالعون المالي المقرّر في المؤتمر الأول، وهو 150 مليون جنيه إسترليني، لشراء الأسلحة والمعدات وإقامة المنشآت الرئيسية، وأضاف إليه 24.8 مليون جنيه إسترليني لغرض إدامة تلك المنشآت.    

    وفي مؤتمر القمة الثالث، في الدار البيضاء، المنعقد في الفترة من 13 إلى 17 سبتمبر 1965، قرّر الملوك والرؤساء الاستمرار في أعمال المشروع العربي الموحد لاستثمار مياه نهر الأردن وروافده، وفقاً للخطة المرسومة.

    وهكذا، شهد العمل العربي المشترك، عامي 1964 و 1965، جواً من التضامن تحقق من خلال مؤتمرات القمة العربية، وعلى أرضية هذا التضامن بدأت القيادة العربية الموحدة ـ الجهاز العسكري الرئيسي للجامعة العربية ـ تمارس مهامها القيادية وتضع اللمسات الأولى في بناء عسكري عربي موحد. فبدأت في تشكيل القوات، التي تقرر تشكيلها، ووضعت خطة عمليات مشتركة لمواجهة العدوان.

    وعلى أرضية هذا التضامن العربي، ولدت منظمة التحرير الفلسطينية، كذلك، لتجسد الشخصية النضالية للشعب العربي الفلسطيني.

    لذا، فإن الحدث الإيجابي البارز خلال هذه الفترة كان بروز التنظيمات الفلسطينية المسلحة، واندلاع الثورة الفلسطينية في الأول من يناير 1965. ففي ذلك العام، نفذ الفدائيون 35 عملية فدائية، ارتفعت عام 1966 إلى 41 عملية. وفي النصف الأول من عام 1967، شهدت الأرض المحتلة 37 عملية فدائية.

    إزاء هذه التطورات الإيجابية، ومع تصاعد النضال المسلح، شعرت القوى الكبرى المؤيدة لإسرائيل بالخطر يهدد مصالحها. لذلك، لجأت إلى تشجيع أداتها (إسرائيل)، لتنفيذ عدوان واسع، وأمدتها بكل أشكال الدعم العسكري، والمادي، والسياسي.

    وبدأت إسرائيل التحضير للعدوان، متذرعة بمحاولة سورية تحويل مصادر المياه الموجودة في الأراضي السورية، تلك المحاولة، التي اتفق عليها في نطاق جامعة الدول العربية، وأُقيمت القيادة العربية الموحدة أصلاً لحمايتها، والرد على أي تدخل إسرائيلي لعرقلتها.

    وخلال الأشهر الخمسة الأولي من عام 1967، اشتد التوتر على خطوط الهدنة العربية الإسرائيلية، نتيجة الاعتداءات الإسرائيلية بحجة الرد على أعمال الفدائيين العرب. وقد وقعت خلال تلك الفترة عشرات الاشتباكات، خاصة بين سورية وإسرائيل، استخدمت فيها كل أنواع الأسلحة، كان أعنفها الاشتباك الجوي الكبير، الذي جرى في الأجواء السورية، يوم الجمعة 7 إبريل 1967، بين الطيران السوري والإسرائيلي.

    خلال هذا كله، كانت الخلافات السياسية تدب بين بعض الدول العربية من جديد، وكان من أهم أحداث المرحلة ذلك التصادم بين الجمهورية العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، بسبب حرب اليمن إلى غير ذلك من الخلافات الهامشية، التي كان لها أثر سيئ على نشاط القيادة العربية الموحدة وخططها الخاصة بحماية مشروع التحويل، الذي توقف كليّاً في النصف الأول من عام 1967، حين رفع الفريق علي عامر، استقالته من منصبه في شهر إبريل من ذلك العام، بعد أن رفع تقريراً عن الوضع السيئ للقيادة وانعدام صلاحيتها.

    إزاء هذا الموقف الخطير، ولمواجهة الأحداث التالية، اتخذت كل من مصر وسورية ـ اللتين كانت تجمعها قيادة مشتركة واحدة في البدء ثم انضمت إليها الأردن والعراق ـ تدابير حاسمة لمواجهة العدوان المحتمل. وحشدت مصر قواتها، في سيناء، لمؤازرة سورية، حال تعرضها للعدوان، وطلبت من أمين عام الأمم المتحدة سحب قوات الطوارئ الدولية من غزة وشرم الشيخ. ثم تطورت الأمور إلى سحب تلك القوات من كل مواقعها في سيناء، والإعلان عن إغلاق خليج العقبة، أمام الملاحة الإسرائيلية. أمّا سورية، فقد وضعت قواتها في حالة الاستعداد الكاملة، كما فعلت الأردن ذلك. وأرسل العراق جزءاً من قواته إلى سورية، أولاً، ثم عدل عن ذلك وقرر إرسالها إلى الأردن، لتوضع تحت أمر القيادة المشتركة، التي أُنشئت هناك، على عجل، بقيادة الفريق عبدالمنعم رياض.

    وفي الساعة 08.40 من صباح الخامس من شهر يونيه 1967، شنّ الطيران الإسرائيلي هجوماً جوياً، استهدف عشرة مطارات مصرية، في آن واحد. وكان الهجوم الجوي بداية لعدوان مدبر واسع النطاق، هدفت إسرائيل من وراء تنفيذه تحقيق عدة أهداف، منها تصفية القضية الفلسطينية، وتوسيع رقعة إسرائيل باحتلال أراضي جديدة، وتحطيم القوة العربية المتنامية.

    أسفر العدوان عن نكسة أليمة للأمة العربية وقواتها المسلحة، وأسفر عن احتلال إسرائيل لكل الأراضي الفلسطينية، ولمرتفعات الجولان السورية، وشبه جزيرة سيناء، كما أسفر عن تحطيم معظم القوة العسكرية المصرية، ووقوع خسائر بالغة بالقوات السورية والأردنية.

    كان الموقف الاستراتيجي للقوات العربية المسلحة ينبئ بتلك النتائج السيئة. فقد خاضت القوات العربية المسلحة هذه الحرب من دون استراتيجية عسكرية محددة، ومن دون قيادة عربية واحدة، قادرة على مواجهة احتمالات الموقف. فالقيادة العسكرية العربية الموحدة، التي كان من المفروض أنها تشكلت منذ أربع سنوات لتكون القيادة الاستراتيجية العليا للقوات العربية، ولتخطط لمواجهة العدوان الإسرائيلي، والتي تستمد سلطتها من أعلى سلطة سياسية عربية، وهو مؤتمر القمة العربي، وتعمل في إطار جامعة الدول العربية، هذه القيادة فقدت فاعليتها منذ أمد وانتهت بشكل عملي قبل شهرين، فقط، من العدوان الإسرائيلي، باستقالة قائدها لتقوم بدلاً منها قيادات مشتركة ثنائية وثلاثية ورباعية، كانت كلها قيادات شكلية أقيمت على عجل من دون أي فعالية، حتى أن بعضها أُنشئ قبل أيام معدودة من بدء العدوان.

    لكن الهزيمة لم تفت من عضد الأمة العربية، التي بدأت فور توقف القتال باستعادة قواتها وتعزيز قدراتها استعداداً للمستقبل.

ثانياً: النشاط العسكري لجامعة الدول العربية في الفترة بين حربي 1967 و 1973

    على إثر العدوان الإسرائيلي، عقد الملوك والرؤساء العرب مؤتمرهم الرابع، في الخرطوم. واعتبر المؤتمر أن إزالة العدوان على الأراضي العربية مسؤولية جميع الدول العربية، ويحتم تعبئة الطاقات العربية، وأن الهزيمة يجب أن تكون حافزاً قوياً، لوحدة الصف ودعم العمل العربي المشترك. وجاءت قرارات المؤتمر رد فعل قوياً على الهزيمة، لا مفاوضات، ولا اعتراف، ولا صلح مع العدو الإسرائيلي. وهكذا حدد المؤتمر الخط الاستراتيجي للعمل العربي، السياسي، والعسكري، المتمثل بإزالة آثار العدوان.

    بدأت الدول العربية، بعد العدوان، تعمل على استرداد قوتها. وساد العلاقات العربية جو من التضامن، وبدأ العمل العربي المشترك يتم من طريق الاتفاقيات بين دول المواجهة والمساندة، التي أسفرت عن إنشاء "قيادة الجبهة الشرقية".

    وبرز ذلك أوّل ما برز في سوريا والأردن والعراق، التي تشكل العماد الرئيسي للجبهة الشرقية، واتفقت القيادات العسكرية لهذه البلدان الثلاثة على إنشاء قيادة الجبهة الشرقية، لتتعاون مع الجبهة الجنوبية في مصر لتحقيق مطالب تحرير الأراضي المغتصبة. وقد شكلت قيادة الجبهة الشرقية عام 1968، وتحددت مدينة السويداء في سوريا مقراً لها، وعين لها قائد عراقي يعاونه ضباط أركان من كل من سوريا والعراق والأردن، وعين بها ضباط أركان من القيادة المصرية للقيام بأعمال التنسيق المطلوبة مع الجبهة الجنوبية، واشتملت القيادة على الفروع المختلفة الواجب توافرها في القيادة، وقد أوكل إلى هذه القيادة مهمة "قيادة القوات، التي تعمل على الجبهة السورية، والمملكة الأردنية، والقوات العراقية، التي دفعت للعمل بالجبهة الأردنية والقيام بأعمال التنسيق.

    ولم تتمكن قيادة الجبهة الشرقية من تأدية مهامها، ولم يتحقق لها سلطات كافية على القوات المخصصة لها، وأصدرت الدول المشتركة تعليمات وتوجيهات تتعارض مع تعليمات قيادة الجبهة، الأمر الذي أدى إلى حل القيادة عام 1970.

   واعتباراً من عام 1969، وفي دورتي مجلس الدفاع الحادية عشرة والثانية عشرة عادت الأجهزة العسكرية في جامعة الدول العربية للعمل من جديد باتجاه تعزيز المجهود الحربي لدول المواجهة.

    وفي اجتماع مجلس الدفاع العربي في دورته الثالثة عشرة، في نوفمبر 1971، تقرر أن تقوم الدول العربية المساندة بتدعيم دول المواجهة بالقوات على الوجه التالي:

·    العراق: سربا سوبر هنتر للجبهة الأردنية، ثلاثة أسراب ميج 21 للجبهة السورية، فرقة مدرعة للجبهة الأردنية، فرقة مشاة للجبهة الأردنية.

·    المملكة العربية السعودية: سربا لايتينج للجبهة الأردنية.

·    الجماهيرية العربية الليبية: سرب ميراج للجبهة المصرية.

    وفي سبتمبر 1972، قرر مجلس الجامعة، في دورته الثامنة والخمسين، تأليف لجنة من وزراء الخارجية والدفاع في دول المواجهة والكويت والمملكة العربية السعودية، لتقييم الموقف، ووضع الأسس لخطة عمل عربي مشترك، محدد الوسائل والالتزامات، لمواجهة العدو الإسرائيلي، على أن تجتمع بالكويت، في 15 نوفمبر 1972.

    ناقشت اللجنة، التي ضمت 13 دولة، موضوع توفير المعونة، وتحديد الدعم الواجب تقديمه إلى دول المواجهة. كما بحثت اللجنة، وللمرة الأولى، موضوع إنشاء مؤسسة عربية للصناعة الحربية، تساهم فيها كل دولة عربية بنسبة 8% من دخلها القومي، لإنتاج مختلف أنواع الأسلحة.

    وفي سبتمبر 1972، اجتمعت الهيئة الاستشارية، المكونة من رؤساء الأركان للجيوش العربية، واتخذت عدة توصيات، أهمها الاستمرار في تقديم الدعم العسكري، طبقاً لمقررات مجلس الدفاع المشترك في دورته الثالثة عشرة، والتزام كل دولة عربية بتخصيص 15% على الأقل من دخلها القومي، لتطوير ورفع الكفاءة القتالية لقواتها المسلحة، مع إعطاء الأسبقية الأولى، في التطوير، للقوات الجوية، وقوات الدفاع الجوي. والإسراع بإنشاء مؤسسة عربية للإنتاج الحربي، تسهم فيها كل دولة بنسبة 2% على الأقل من دخلها القومي لمدة خمس سنوات.

    وهكذا يتضح، أنه خلافاً لمواضيع الدعم العسكري، لدول المواجهة، لم يكن للجامعة العربية، دور في مجال التخطيط للعمليات الحربية، وقيادتها. وذلك، لافتقارها إلى الإدارة الرئيسية لهذا الواجب ـ القيادة العربية المشتركة ـ وتولت هذه المهمة القيادة المشتركة، التي أنشئت بين مصر وسورية، والتي خططت لهذه الحرب بدقة، ظهرت نتائجها في حرب أكتوبر 1973، التي تلقت فيها إسرائيل أول ضربة موجعة في تاريخها، وانهارت نظرية الأمن الإسرائيلي، التي دأبت إسرائيل على التشدق بها. كما انهارت أسطورة الجيش، الذي لا يهزم، ناهيك عن الزلزال، الذي أصاب كيانها الداخلي، وتعرض مؤسساتها العسكرية إلى التجريح والنقد، الأمر الذي كشف عنه بوضوح  تقرير لجنة "الأجرانات" اليهودية.

    لقد تمثل الدور العسكري للجامعة في هذه الحرب على تأمين الدعم العسكري لدولتي المواجهة قبل حرب أكتوبر وخلالها والذي بلغ الحجم التالي:

1. الدعم الذي تلقته الجبهة المصرية

    سرب ميج 21، وسرب سوخوي، وسرب ميج 17، من الجزائر (وصلت يومي 9، 10 أكتوبر). سرب هوكر هنتر عراقي (وصل في شهر مارس 1973). لواء مدرع ليبي، تمركز في مصر قبل حرب أكتوبر. لواء مدرع جزائري (وصل يوم 17 أكتوبر). لواء مشاة مغربي (وصل خلال حرب أكتوبر). لواء مشاة سوداني (وصل بعد وقف إطلاق النار). كتيبة مشاة كويتية (تمركزت في مصر قبل حرب أكتوبر). كتيبة مشاة تونسية (وصلت أثناء حرب أكتوبر).

2. الدعم، الذي تلقته الجبهة السورية

    ثلاثة أسراب ميج 21، وسرب ميج 17، عراقية (بدأت في الوصول يوم 8 أكتوبر)، فرقة مدرعة، وفرقة مشاة عراقية (بدأت طلائعهما في الوصول يوم 11أكتوبر). لوآن مدرعان أردنيان (وصلا  يوم 16 أكتوبر). لواء مغربي (وصل في أبريل 1973). لواء مشاة سعودي (وصل في 22 أكتوبر). كتيبة دبابات كويتية معززة (وصلت في 22 أكتوبر).

    يتبين من كل ذلك أن الجامعة العربية قد قامت عبر أجهزتها العسكرية بدور فعال في سبيل تأمين الدعم العسكري لدول المواجهة. كما أظهرت الحرب بعض الحقائق أهمها، أن حداً أدنى من التضامن العربي قد أدى إلى تحقيق التوازن الاستراتيجي مع العدو، كما أظهرت أن العامل العسكري هو أكثر العوامل حسماً في الصراع العربي الإسرائيلي، وهو يفوق العامل السياسي، والاقتصادي، وأن حسم الصراع لصالح العرب لن يكون إلا بامتلاك العرب للقدرة العسكرية، التي تسيطر عليها وتقودها إرادة سياسية عربية واحدة.

    اجتمع مجلس الدفاع المشترك في 30 يناير 1973، في دورته العادية الثالثة عشرة، بعد تحضير اشتمل على انعقاد لجنة فرعية عسكرية منبثقة من لجنة وزراء الخارجية والدفاع، التي عقدت في الكويت بتاريخ 15 نوفمبر 1972، وبعد اتفاقات ثنائية مع كلٍّ من الجزائر والمغرب في فبراير 1972، ودراسة لجنة وزراء دفاع الدول العربية بتاريخ 28 يناير 1973. وقد حدد مجلس الدفاع المشترك الهدف العربي الاستراتيجي وقواعد العمل المشترك، كما وافق على تقرير وزير حربية جمهورية مصر العربية، واتخذ قراراً بتقسيم مسرح العمليات إلى ثلاث جبهات: شمالية وشرقية وغربية؛ وبأن يعمل الفدائيون من هذه الجبهات بتنسيق مع قيادات الجبهات وفقاً لخطة يصدِّق عليها القائد العام للقوات المسلحة العربية؛ وبأن تكون هذه الجبهات تحت قيادة القائد العام للقوات المسلحة المصرية، تعاونه مجموعة عمليات من البلدان المشتركة في القتال، ويخول كامل الصلاحيات على القوات المسلحة في مسرح العمليات للجبهات الثلاث؛ واعتبرت أراضي بقية البلدان العربية الأعضاء مسرحاً للأعمال القتالية لتحقيق الهدف العربي الإستراتيجي، مع اشتراط استخدام أراضي البلدان غير الداخلة في الجبهات الثلاث في مرحلة الاستعداد القتالي بموافقة البلد المعني. كما وضع المجلس قراراً في غاية الأهمية، يقضي بأن يتولى قائد القوات الجوية السورية قيادة القوات الجوية في الجبهتين الشمالية والشرقية، بينما يتولى قائد القوات الجوية المصرية قيادة القوات الجوية في الجبهات الثلاث. وأخيراً، فقد حددت حجوماً معينة من القوات تكون جاهزة في أماكن تمركزها في بلدانها في نهاية مارس  من السنة نفسها، مستعدة للتحرك إلى الأماكن، التي يحددها القائد العام للقوات المسلحة العربية. واشتملت هذه القوات على وحدات وتشكيلات برية وجوية من العراق، والسعودية، والكويت، وليبيا، والجزائر، والمغرب، والسودان. وقد اهتم قرار المجلس بأن تكون الوحدات كاملة التجهيز والتسليح والتدريب، وأن تتحمل الدول صاحبة الدعم كل نفقاتها.

    وقد قرر المجلس، إضافة إلى ذلك، أن تقوم كل من الإمارات العربية المتحدة، والسعودية، وليبيا بإعداد قوات أخرى منها ما بين عامي 1973 و1974، ووافق المجلس على الدعم المالي المطلوب للعمليات الحربية، كما أوصى ببناء قاعدة صناعية حربية مع ترك أعمال الدراسة، وتقدير رأس المال المطلوب، وشروط ونظام عمل المؤسسة للأمين العام، وأوصى كذلك بتخصيص مبلغ 15 بالمائة من الدخل القومي لكل دولة لمصلحة قواتها المسلحة[3]. وتعتبر هذه القرارات من أهم قرارات المجلس، إن لم تكن أهمها على الإطلاق. إلا أنه يلاحظ أن المجلس وقد عين قائداً عاماً للقوات المسلحة العربية، اكتفى بأن تعاونه مجموعة عمليات من البلدان المشتركة، ولم يشكل له قيادة موحدة تتولى إدارة العمليات. كما أنه قد عين قائد القوات الجوية المصرية لتولي قيادة القوات الجوية في الجبهات الثلاث، ولم يشكل له قيادة للقيام بهذا الواجب تختلف عن قيادته للقوات المصرية. وينطبق ذلك أيضاً على قائد القوات الجوية السورية، الذي تولى قيادة القوات الجوية في الجبهتين الشمالية والشرقية. وظهر أثر ذلك واضحاً عند بدء العمليات في أكتوبر 1973. كما أن حجم القوات، الذي حدده مجلس الدفاع المشترك كان أقل في كثير من الأحوال مما استطاعت الدول العربية المساندة توفيره في أثناء الحرب، وكان يحتاج إلى قيادة متفرغة لأعمال التنسيق العربي، بدلاً من تركها إلى قيادات الدول- ولو كانت هذه الدول أكبر - حيث شغلت قيادات القوات المسلحة للدول بمهامها عن أعمال قيادة القوات العربية الأخرى أو التنسيق فيما بينها.

ثالثاً: النشاط العسكري للجامعة في الفترة بين حرب 1973 والغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982

1. تعزيز مكاسب حرب أكتوبر

    شهدت الساحة العربية، في أعقاب حرب 1973، جهوداً عربية حثيثة، تهدف إلى استثمار نتائج تلك الحرب في دعم التضامن العربي، ودعم دولتي المواجهة، اللتين خاضتا الحرب بكامل قواتهما، كما تهدف إلى تعزيز موقع منظمة التحرير الفلسطينية، وإعطائها الدور الكامل في تمثيل الشعب الفلسطيني. فقد حدد مؤتمر القمة السادس، الذي انعقد في الجزائر في الفترة بين 26 : 28 نوفمبر 1973 (في أعقاب حرب أكتوبر مباشرة)، أهداف النضال العربي المشترك في المرحلة الراهنة بأنها[4]:

أ. التحرير الكامل لجميع الأراضي العربية المحتلة في عدوان عام 1967.

ب. تحرير مدينة القدس.

كما حدد الوسائل العسكرية التاليةـ إلى جانب الوسائل السياسية والاقتصادية ـ لبلوغ هذه الأهداف:

أ. تضامن جميع الدول العربية مع مصر، وسورية، والشعب الفلسطيني في النضال المشترك لتحقيق الأهداف العربية.

ب. تقديم جميع وسائل الدعم العسكري والمالي لجبهتي القتال المصرية والسورية، تدعيماً لقدراتهما العسكرية على خوض معركة التحرير.  

ج. دعم المقاومة الفلسطينية بكل الوسائل الممكنة لتأمين دورها في المعركة.

    بعد انقضاء نحو عام على هذا المؤتمر، عقد الملوك والرؤساء مؤتمرهم السابع في الرباط في الفترة من 26 : 27 أكتوبر 1974، واتخذوا في المجال العسكري القرارات التالية:

أ. تعزيز القوى الذاتية للدول العربية عسكرياً، واقتصادياً، وسياسياً ومتابعة بناء القوى العسكرية لقوى المجابهة وتوفير متطلبات هذا البناء.

ب. تحقيق تنسيق سياسي، وعسكري، واقتصادي بما يؤدي إلى تحقيق تكامل عربي في مختلف المجالات.

    ومن أجل تنفيذ الأساس الأول، قرّر المؤتمر تقديم 1369 مليون دولار سنوياً، إلى دول المواجهة، وهي مصر، وسورية، والأردن، ومنظمة التحرير الفلسطينية. كما قرّر المؤتمر أن يعقد مؤتمره التالي في مقديشيو، في شهر يونيه 1975.

    لم ينعقد مؤتمر القمة الثامن في مكانه وزمانه المحددين، وإنما انعقد في القاهرة، يومي 25 و 26 أكتوبر 1976، في ظروف طارئة هي ظروف أحداث لبنان. وأصدر المؤتمر قراراً (أُنظر القرار الرقم ق ق 94/ د 8/- 26/10/1976) بإعادة تعمير لبنان وتقديم الاحتياجات المادية المطلوبة لإزالة آثار النزاع المسلح والأضرار، التي حلت بالشعبين اللبناني والفلسطيني، وأن تبادر الدول العربية بتقديم العون العاجل للحكومة اللبنانية ومنظمة التحرير الفلسطينية. كما أصدر قراراً آخر (أُنظر القرار الرقم ق ق 96/ د 8/- 26/10/1976) بإنشاء صندوق لتمويل قوات الأمن العربية في لبنان، ومساهمة كل الدول الأعضاء في الجامعة العربية في الصندوق بنسبة مئوية تحددها كل دولة.

2. تشكيل قوات الردع العربية

    في النصف الأول من شهر أبريل عام 1975، اندلعت الحرب الأهلية في لبنان، وتطورت بشكل جعلت السلم والأمن العربيين معرضين للخطر، مما دعا وزراء الخارجية العرب، الذين اجتمعوا في دورة طارئة لمجلس الجامعة، في القاهرة، في 9 يونيه 1976، إلى اتخاذ قرار تشكيل قوات أمن عربية رمزية (أُنظر القرار الرقم ق 3456/ د غ ع/ جـ 1 - 9 /6 / 1976)، تحت إشراف الأمين العام لجامعة الدول العربية، للحفاظ على الأمن والاستقرار في لبنان، على أن يتم تحريك هذه القوات لمباشرة عملها، "وتنتهي مهمة قوات الأمن العربية بناء على طلب رئيس الجمهورية اللبنانية المنتخب". وكان تشكيل هذه القوات الرمزية يقوم على أساس قرار آخر، اتخذه المجلس، وهو "الطلب إلى جميع الأطراف وقف القتال فوراً، وتثبيت هذا الوقف".

    ويعني هذا أن المجلس افترض سلفاً قبول جميع الأطراف اللبنانية بوقف القتال، ولذلك جعل القوات "رمزية"، ولم يكلفها مهمة الرد بالسلاح على الطرف الذي يخرق وقف القتال.

    وكان من المنتظر أن تضم القوات وحدات من سورية، والمملكة العربية السعودية، والسودان، وليبيا، والجزائر، وفلسطين (جيش التحرير الفلسطيني)، إضافة إلى وحدات من الجيش اللبناني. وتم تعيين ضابط مصري قائداً للقوة. وبدأت طلائع بعض الوحدات تصل إلى لبنان وتقيم مراكز للمراقبة. ثم أخذت الوحدات تصل واحدة تلو الأخرى، بدءاً من 21 يونيه 1976.

    لم يتم تثبيت وقف إطلاق النار، على الرغم من الاتفاق بين الأطراف المتحاربة في الساحة اللبنانية على تثبيته مرات عديدة. وقد أدى ذلك، إلى أن يعقد وزراء الخارجية اجتماعاً طارئاً في القاهرة، في الأول من يوليه 1976، قرروا فيه:

أ. تشكيل لجنة عربية خاصة وإرسالها إلى لبنان، لمتابعة تنفيذ قرار وقف إطلاق النار.

ب. استعجال إرسال قوات السلام العربية إلى لبنان.

    تضمن تقرير اللجنة، التي شكلها مجلس الجامعة، لمتابعة الوضع في لبنان، الذي قدمته إلى المجلس، في اجتماعه على مستوى وزراء الخارجية العرب، يومي 13،12 يوليه 1976، التأكيد على أن الأزمة اللبنانية، لن يحلّها إلاّ عمل عربي على مستوى القمة .

    تقدمت الكويت، في هذه الأثناء بمذكرة إلى الأمانة العامة، تطلب فيها عقد مؤتمر قمة عربي لبحث الوضع في لبنان، وقد اجتمع مجلس الجامعة، على مستوى وزراء الخارجية، في 14 سبتمبر 1976، وانتهى الرأي إلى أن يجتمع مؤتمر القمة في الأسبوع الثالث من أكتوبر. وقد رؤى أن يمهد لهذا المؤتمر الشامل، بمؤتمر قمة محدود، انعقد فعلاً بالرياض بين 16، 18 أكتوبر 1976، وضم ملوك ورؤساء المملكة العربية السعودية، ومصر، وسورية، ولبنان، وفلسطين، والكويت. وقد انتهى إلى القرارات التالية:

(1) وقف إطلاق النار وإنهاء الاقتتال في كافة الأراضي اللبنانية من قبل جميع الأطراف (أنظر القرار الرقم ق ق 84/ د غ ع/- 18/10/1976).

(2) تعزيز قوات الأمن العربية، وإيفاد مبعوث خاص للجامعة لتصبح قوة ردع تعمل داخل لبنان، بإمرة رئيس الجمهورية اللبنانية شخصياً، على أن تكون في حدود الثلاثين ألف جندي (أُنظر القرار الرقم ق ق 85/ دغ ع/- 18/10/1976).

(3) إعادة الحياة الطبيعية في لبنان إلى الحالة، التي كانت عليها البلاد قبل بدء الأحداث (أُنظر القرار الرقم ق ق 86/ د غ ع/- 18/10/1976).

(4) تنفيذ اتفاقية القاهرة وملحقاتها والالتزام بمضمونها نصاً وروحاً (أُنظر القرار الرقم ق ق 87/ د غ ع/- 18/10/1976).

(5) تأكيد منظمة التحرير الفلسطينية احترامها لسيادة لبنان وسلامته، وعدم تدخلها في شؤونه الداخلية (أُنظر القرار الرقم ق ق 88/ د غ ع/- 18/10/1976).

(6) تعهُّد الدول المجتمعة باحترام سيادة لبنان وسلامته، ووحدة أراضيه (أُنظر القرار الرقم ق ق 89/ د غ ع/- 18/10/1976).

(7) تأكيد الدول العربية المجتمعة التزامها بمقررات القمة في الجزائر، والرباط، ومساندة المقاومة الفلسطينية (أُنظر القرار الرقم ق ق 90/ د غ ع/- 18/10/1976).

(8) وقف الحملات الإعلامية والتعبئة النفسية السلبية من كافة الأطراف، والعمل على توحيد الإعلام الرسمي (أُنظر القرار الرقم ق ق 91/ د غ ع/- 18/10/1976).  

    واجه تشكيل قوات الردع صعوبات جمة، حتى إذا انعقد مؤتمر القمة الثامن في القاهرة يومي 25،26 أكتوبر 1976، وافق على قرارات المؤتمر السداسي بالرياض (أُنظر القرار الرقم ق ق 93/ د 8/- 26/10/1976)، وقرر تعزيز قوات الردع، وإنشاء صندوق خاص للإنفاق على متطلباتها، ووضعه تحت تصرف الرئيس اللبناني، وحدد له فترة ستة أشهر قابلة للتجديد، بقرار من مجلس الجامعة (أُنظر القرار الرقم ق ق 96/ د 8/- 26/10/1976)، وبطلب من رئيس الجمهورية اللبنانية.

وافق المؤتمر أيضاً على مهام قوات الردع، التي حددها المؤتمر السداسي، بالشكل التالي:

أ. فرض الالتزام بوقف إطلاق النار، والعزل بين القوات المتحاربة.

ب. تطبيق اتفاق القاهرة خلال 45 يوماً.

ج. حفظ الأمن الداخلي في مختلف المناطق اللبنانية.

د. إزالة المظاهر المسلحة وفق جدول زمني محدد.

هـ. الإشراف علـى انسحاب المسلحين إلـى الأماكن، التي كانـوا فيها قبل بدء الأحداث، في 13 أبريل 1975.

و. جمع الأسلحة الثقيلة والعربات المدرعة.

ز. مساعدة السلطات الشرعية اللبنانية على تسلم المؤسسات والمرافق العامة.

ح. إعادة الحياة الطبيعية إلى لبنان، كما كانت عليه، في 13 إبريل 1975.

ط. فتح الطرق الدولية خلال خمسة أيام وتسيير الدوريات عليها.

    بادر الأمين العام للجامعة في 30 أكتوبر 1976، إلى توجيه رسائل إلى الحكومات المشتركة في قوات الردع، طالباً الإسراع في إرسال وحداتها. غير أن الوضع الأمني العام في لبنان لم يهدأ، بل ازداد اشتعالاً وانهياراً. وفي مواجهة هذا الوضع لم تستطع قوات الردع، وهي في طور تشكيلها، أن تؤدّي دورها الذي حدده لها مؤتمر القمة.

    عيّن الرئيس اللبناني قائداً جديداً لقوات الردع، الذي أخذ في نشر الوحدات، وكانت تتألف من "3500 جندي سعودي، وليبي، وسوداني، 500 جندي من دولة الإمارات العربية المتحدة، و500 جندي من اليمن، و600 جندي سوداني جاءوا لدعم الوحدة السودانية، و20000 جندي سوري". بمجموع 25100 جندي.

    طرأت فيما بعد، تعديلات على تشكيل قوات الردع، حيث سحبت الدول العربية ـ عدا سورية ـ وحداتها فأصبحت قوات الردع تتألف فقط من قوات سورية، وظلت هذه القوات في لبنان تمارس مهامها، وتعالج ما يطرأ على الأوضاع الأمنية في لبنان من تطورات، في ضوء المهام التي حددها مؤتمر القمة، إلا أنها لم تنجح في وقف إطلاق النيران والحفاظ على الأمن والاستقرار في لبنان.

3. تطوير الأمانة العسكرية لجامعة الدول العربية         

    نتيجة للتطورات، التي طرأت على العمل العسكري العربي، وخاصة أحداث لبنان، وتشكيل قوات الردع العربية، فقد ظهرت الحاجة إلى تطوير الأمانة العسكرية للجامعة، وتوسيعها، وتكليفها بمهام إدارية ومالية لخدمة قوات الردع، أو أية قوات، تعمل مباشرة تحت إشراف الجامعة، كذلك ظهرت الحاجة إلى وجود جهاز للبحث العسكري لإعداد الدراسات العسكرية المخصصة وتقديمها للمسؤولين في الجامعة.

    كذلك أصدر مجلس جامعة الدول العربية في دورته الرقم 67، مارس 1977، قراراً (أُنظر القرار الرقم ق 3590/ د 67/ جـ 3 - 29 /3 /1977) بتطوير الأمانة العسكرية لجامعة الدول العربية، وذلك بتحويلها من مجرد أمانة سر للهيئات العسكرية، التي نصت عليها معاهدة الدفاع المشترك، إلى جهاز إداري، ومالي، وجهاز للدراسات العسكرية، وذلك بإنشاء إدارة للدراسات، والبحوث العسكرية، وإدارة الشؤون المالية والإدارية[5].

    وقد وضع التنظيم الجديد موضع التنفيذ اعتباراً من بداية عام 1978، وبدأت الأمانة العسكرية بإعداد الدراسات والبحوث في مختلف المجالات العسكرية.

4. النشاط العسكري في أعقاب معاهدة كامب ديفيد

    تطورت الاستراتيجية العسكرية في إطار الجامعة، ودخلت مرحلة جديدة، بدءاً من مؤتمر القمة التاسع، الذي انعقد في بغداد، في الفترة من 2 إلى 5 نوفمبر 1978، في إثر توقيع الحكومة المصرية على اتفاقيات كامب ديفيد، في 17 سبتمبر 1978.

    أرسى مؤتمر القمة هذا مبادئ مهمة، تعدّ أُسساً تقوم عليها الإستراتيجية العسكرية العربية وترتكز عليها في عملها، وتكون إطاراً لها، وهي بإيجاز:

أ. إن قضية فلسطين قضية عربية مصيرية. وهي جوهر الصراع مع العدو الصهيوني. وإن النضال من أجل استعادة الحقوق العربية في فلسطين والأراضي العربية المحتلة مسؤولية قومية عامة. وعلى جميع العرب المشاركة فيها كل من موقعه، وبما يمتلك من قدرات، عسكرية، واقتصادية، وسياسية، وغيرها.

ب. على جميع الأقطار العربية تقديم كافة أشكال المساندة والدعم والتسهيلات، لنضال المقاومة الفلسطينية، بشتى أساليبه من خلال منظمة التحرير الفلسطينية.

ج. تأكيد الالتزام بمقررات مؤتمرات القمة العربية، وخاصة المؤتمرين السادس والسابع المنعقدين في الجزائر والرباط، بتحديد الهدف المرحلي للنضال العربي المشترك.

    أمّا في المجال العسكري، فقد نصت قرارات المؤتمر على أن تنسق الدول، التي لديها الاستعداد والمقدرة على المشاركة عسكرياً بجهد فعال مع أطراف المجابهة مع العدو، من أجل إجراء الترتيبات لتوحيد جهودها، وإعداد الخطط اللازمة لهذا الغرض.

    من أجل دعم الجبهة الشمالية والجبهة الشرقية ومنظمة التحرير الفلسطينية ونضال الشعب الفلسطيني في الأرض المحتلة، خصص المؤتمر مساعدة مالية سنوية لسورية، والأردن، ومنظمة التحرير الفلسطينية مقدارها 3500 مليون دولار.

    عاد الملوك والرؤساء إلى الاجتماع في مؤتمرهم العاشر، في تونس، في الفترة من 20 إلى 22 نوفمبر1979، وأكدوا على المبادئ و القرارات، التي اتخذوها في المؤتمر التاسع، وأصدروا قراراً، جاء فيه "التأكيد على ضرورة التنسيق العسكري العربي و تعزيز القدرة العسكرية العربية (أُنظر القرار الرقم ق ق 123/ د 10/- 22/11/1979)، وبصورة خاصة لدول المواجهة الأمامية والمقاومة الفلسطينية والخطوط الخلفية المباشرة من الدول العربية التي تشكل العمق الاستراتيجي الحيوي، لصمود الخط الأمامي، ولتقوية إمكانات المواجهة، لا سيما في مجال التسليح والتدريب وتبادل المعلومات".

    انعقد المؤتمر الحادي عشر، في عمان، في الفترة من 25 إلى 27 نوفمبر 1980. وأضاف الملوك والرؤساء، على المبادئ والأهداف التي تبنوها في مؤتمراتهم السابقة، هدفاً جديداً هو "تحقيق التوازن العسكري الاستراتيجي مع العدو الصهيوني"، وساروا خطوة أولى في اتجاه إحياء "القيادة العسكرية العربية المشتركة"، وكلفوا مجلس الدفاع المشترك إعداد تفاصيل تشكيلها. كما بحثوا في إنشاء مؤسسة عربية للتصنيع الحربي.

    ولتنفيذ هذه القرارات، انعقدت في تونس، في شهر مارس 1981، اجتماعات لجان عسكرية متخصصة، لوضع مشروعات متكاملة لإنشاء القيادة العربية المشتركة، وإنشاء مؤسسة عربية للصناعة الحربية، حيث تم إقرار توصيات متكاملة لتنفيذ هذين المشروعين.

    وفي شهر إبريل، من العام نفسه، عقدت الهيئة الاستشارية العسكرية العربية المؤلفة من رؤساء الأركان العرب اجتماعاً، في تونس، ودرست فيه توصيات لجان الخبراء ووافقت عليها، ورفعتها إلى مجلس الدفاع العربي، لإقرارها، وذلك كما نصت قرارات القمة الحادية عشرة في عمان.

    لكن الأحداث، التي وقعت أثر ذلك، وخاصة الغزو الإسرائيلي للبنان، حال دون البدء في تنفيذ هذين المشروعين.

    ارتبط النشاط العسكري في إطار جامعة الدول العربية منذ قيامها في الأربعينات بالصراع العربي الإسرائيلي. وقد قامت معاهدة الدفاع المشترك بين دول الجامعة أساساً لمواجهة الخطر الصهيوني ولتكون الإطار، الذي تتم داخله كافة النشاطات العسكرية العربية لمواجهة ذلك الخطر.

    يتضح، من خلال دراسة، وتحليل نشاط جامعة الدول العربية في مواجهة ذلك الخطر، أن العامل العسكري أكثر العوامل بروزاً وحسماً في الصراع العربي الإسرائيلي. وإذا كانت العوامل الأخرى، السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والدولية بالغة الأهمية، فإن العامل الأهم كان ولا يزال هو العامل العسكري. فقد أثبتت التجارب، منذ عام 1948، حتى اليوم، أنه ما لم يتحقق التوازن أولاً، والتفوق العسكري للعرب ثانياً، من طريق خطة استراتيجية شاملة، فإنه من غير المجدي التطلع إلى حل عادل للقضايا العربية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.

    تميز النشاط العسكري العربي، سواء في نطاق جامعة الدول العربية أو خارج الجامعة، بأنه كان، ولا يزال، خاضعاً للظروف والطوارئ والمتغيرات، ومتأثراً ـ إلى حد كبير ـ بالعلاقات بين العواصم العربية. فكان هذا النشاط يتحرك حيناً بشكل صادق وفعال، أو يتخذ، حيناً آخر مظهراً شكلياً خالياً من أي مضمون جدي، أو يبلغ، حيناً ثالثاً، حد الجمود والشلل.

    وتميز هذا النشاط أيضاً بكثرة التجارب التي مر بها، وتعدُّد الأشكال التي اتخذها، حتى أصبحت اتفاقيات التعاون العسكري بين دولتين أو أكثر، تصاغ وتقرر وتوقع بسرعة. وعندما ينتابها أي حادث طارئ أو عامل سياسي مؤثر جديد، كانت هذه الاتفاقيات تتعرض للتجميد والشلل بالسرعة نفسها التي عُقدت بها. وكانت هذه الاتفاقيات تصادف بعض الصعوبات أثناء التطبيق. وكان حل هذه الصعوبات يجري في أغلب الأحيان ببطء وقد ينتابه الإهمال. وكثيراً ما كان تؤدي هذه الاتفاقات إلى إنشاء قيادات شكلية خالية من أي مضمون جدي صادق. كما كانت هذه الأجهزة القيادية، في بعض الأحيان، تتلاشى بصمت، وتذوب من تلقاء ذاتها، من دون أن تترك تأثيراً على الجيشين أو الجيوش التي تعاقدت على التعاون.

    إن أخطر درس يمكننا استخلاصه من الوقائع العسكرية للصراع العربي الإسرائيلي، وفي مقدمتها حروب 1948، و1956، و1967، و1973، سواء ما كان منها في إطار الجامعة أو خارج هذا الإطار، هو أن التعاون العسكري مهما بلغ شكله، ونوعه، ومضمونه من الرقي والتماسك والدقة، لم يكن ليرقى إلى مستوى متطلبات هذا الصراع، ولأسباب كثيرة أهمها اختلاف السياسات العربية والتناقضات الواقعة بين الأنظمة.

 



[1]  من تقرير الأمين العام للجامعة إلى اللجنة السياسية، في 12 يوليه 1961.

[2]  تبرعت حكومة الكويت بجميع نفقات ورواتب قوات الأمن العربية.

[3]  قرارات الدورة الثالثة عشرة (العادية) لمجلس الدفاع المشترك لجامعة الدول العربية المنعقدة في 30 يناير 1973.

[4]  قرار القمة الرقم 46، الدورة السادسة بالجزائر، في 28/11/1973.

[5]  القرار الرقم (3590)، الدورة السابعة والستون بالقاهرة، في 29/3/1977.