إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / منظمات وأحلاف وتكتلات / حلف بغداد (الحلف المركزي CENTO)









ملحق رقم (10)

محضر الجلسة الثامنة

    في الساعة العاشرة، من صباح يوم الخميس، الموافق 27 منه، عقد رؤساء حكومات الدول العربية اجتماعهم الثامن، بوزارة الخارجية، برئاسة السيد الرئيس جمال عبد الناصر، رئيس وزراء مصر. وقد حضر هذه الجلسة، إلى جانب الوفود، التي حضرت في الجلسة الماضية، وفد المملكة العراقية، الذي يرأسه فاضل الجمالي، وعضوية برهان الدين باش أعيان وزير الخارجية بالوكالة؛ ونجيب الراوي، سفير المملكة العراقية في مصر؛ وخليل إبراهيم. وكذلك حضر عن ليبيا خليل القلال، سفير المملكة الليبية المتحدة بالقاهرة، نائباً عن رئيس وزراء ليبيا.

الرئيس: افتتح الجلسة، ورحب بوجود الوفد العراقي، والوفد الليبي.

الجمالي ـ تلا برقية واردة من نوري السعيد، إلى رؤساء الحكومات. وقد شكر فيها إخوانه لسؤالهم عنه، ومعتذراً عن عدم الحضور، بسبب مرضه، مؤكداً أن ما قامت به العراق، يتفق تماماً مع المصالح العربية.

الرئيس: تعلمون أن الغرض من الدعوة لهذا الاجتماع، هو بحث سياستنا الخارجية، على ضوء البيان، الصادر في بغداد، والذي فُهم منه نية دخول العراق في حلف مع تركيا؛ وأن هدفنا من هذه الدعوة، الحرص على الوحدة العربية، التي نعمل كلنا من أجلها. وقد عقدنا، حتى الآن، سبعة اجتماعات، وصلنا فيها إلى قرارات محددة، وإليكم ملخصاً بما دار حتى الآن.

الجمالي: أقدم شكري على هذا التلخيص. وأحب أن أؤكد بأننا نهدف جميعاً إلى وحدة الصفوف، وأن سياسة العراق، تتلخص في ثلاث نقاط.

  الأولى: تحرير العرب ووحدتهم.

  الثانية: سلامة العراق، والمحافظة على صداقتنا مع جيراننا.

  الثالثة: وهي تتعلق بسياستنا الدولية؛ فإننا كافحنا للتخلص من الانتداب، ونجحنا فيه، عام 1932، ودخلنا عصبة الأمم. وكانت سياستنا دائماً إيجابية مع الغرب، وهذه هي سياستنا المثلثة، التي تتوجها القومية العربية، والتي لم تتبدل، حتى الآن؛ كما أننا لم نخرج عنها أبداً. وهذه السياسة تنسجم مع مقررات وزراء الخارجية، التي ترتكز على ميثاق الجامعة، ومعاهدة الدفاع المشترك، وميثاق الأمم المتحدة. وإن العراق من حقه تنظيم الدفاع عن أراضيه، ولا يعتبر هذا خروجاً على المواثيق المتفق عليها. وإذا رجعنا إلى الأصل، فلا أجد هناك خلافاً بيننا؛ إنما قد يكون الخلاف في الوسيلة.

الخوري: إننا حضرنا هذا الاجتماع، لنقرر موقفنا إزاء المشروع العراقي ـ التركي. ونرغب في أن تكون خطتنا واحدة، ونتفاهم على المصلحة العربية، حتى لا تنفرد دولة بعمل، وحدها.

الجمالي: ولماذا هذا التحديد، والتصلب بالانفراد أو الإجماع؟ فميثاق الجامعة، لا يقول بعدم قيام دولة بعقد أي اتفاق، وإلا فإننا، بذلك، نقضي على استقلالنا.

الخوري: أردنا أن نعرف شيئاً عن هذا الاتفاق، حتى نستطيع رسم خطتنا، والتشاور، على ضوء المصلحة القائمة بيننا. وإن كل دولة حرة في عقد أي اتفاق؛ ولكن هذا، لا يعتبر ملزماً للباقين، ما لم يوافقوا ويقروا هذا الاتفاق. وقد سمعنا، الآن، كثيراً من البيانات، ورأيت أن أتشاور مع إخواني في البلاد العربية، خاصة وأن اسم سورية، ذكر في المحضر، الذي وضع في أنقرة، لدعوتنا إلى الدخول في هذا الاتفاق. وقد سمعنا، الآن، كثيراً من البيانات والإيضاحات، من الوفد العراقي. وإنني أقترح تأجيل الاجتماع، حتى نتداول ونتشاور، قبل البت في الموضوع.

برهان الدين باش أعيان: عندما وصلتنا الدعوة لحضور هذا الاجتماع، فهِمنا أن الغرض منها بحث موضوع الاتفاق، وهل هو منسجم مع مواثيق الجامعة، ومقررات وزراء الخارجية؛ وإننا نحرص أشد الحرص على احترام كل هذه المواثيق، والعمل على تعزيزها. وقد جرت محادثات بين مصر والعراق، لتقوية ولتدعيم معاهدة الدفاع المشترك، ولكن، لأسباب خارجة عن إرادة العراق، توقفت هذه العملية. وأحب أن أوضح، أن البيان، الذي صدر في أنقرة، أذيع قبل اجتماع وزراء الخارجية، ولم يعترض أحد على هذه المحادثات.

                   كما أننا فهِمنا، أن رئيس وزراء تركيا، أبدى رغبته في الحضور إلى القاهرة، في سبتمبر الماضي، ولكن مصر رأت تأجيل الزيارة. وكان هناك اتجاه لحضور الملك فيصل، في نفس الوقت، ويرافقه نوري السعيد؛ وبذا، يكون اجتماع ثلاثي.

                   ولذا، حضر مندريس إلى العراق، عندما لم يستطع زيارة القاهرة؛ ولم يكن في نيتنا إجراء أي مفاوضات معه، مكتفين بما تم في أنقرة.

                   ولكنه فاتحنا، بعد يومين من وصوله، بأنه لم يحضر لزيارة مجاملة؛ وإنما للبحث. وفعلاً، تمت ثلاثة اجتماعات، وفي أول اجتماع، طلب منا الأتراك، ألاّ يعودوا إلى تركيا صفر اليدين.

الخوري: ولكن البلاغ، الذي نشر، يتضمن كلاماً ومعاني واسعة. ونريد أن نسأل: ما هو الهدف؟

الجمالي: الهدف هو تنظيم الدفاع عن الشرق الأوسط.

الرئيس: إذا تركنا استخدام الألفاظ جانباً، وتكلمنا حسب الواقع، يكون المقصود، حينئذ، هو إقامة حلف.

برهان الدين باش أعيان: أرجو تحديد البحث في النقط الآتية: هل هذا الاتفاق يتعارض مع مواثيق الجامعة، ومقررات وزراء الخارجية؟ وهل الدول العربية ممنوعة من الانضمام إلى هذا الاتفاق؟

الرئيس: لا توجد دولة ممنوعة؛ فالعراق بلد مستقل، له مطلق الحرية في اتخاذ أي قرار يشاء. ولكننا، عندما نبحث مثل هذه الأمور، فإنما ننظر إليها بنظرة عربية جامعة، ولا ننظر إليها من الزاوية المصرية، أو العراقية، أو أي بلد عربي آخر. وأعتقد أننا كلنا متفقون على ذلك، وإلا لما اجتمعنا لهذا البحث.

الخوري: إن العراق يحتل نصف التاريخ العربي، فكيف ينفرد بأي إجراء من جانبه؟ ولذا، يجب أن نوحد موقفنا.

الرئيس: أحب أن أعود إلى ما ذكره السيد برهان، الخاص بتحديد البحث. فأعتقد أن هذا لا يفيدنا في شيء؛ إذ إننا لا نبحث فقط في ورقة الاتفاق هذه؛ وإنما نبحث الموضوع من أساسه، وندرس الأسباب والعوامل، التي تحيط بالاتفاق وعواقبه.

الجمالي: أحب أن أضيف، أن السياسة الثابتة في العراق، هي عدم خروج جندي واحد من العراق؛ وكذلك، لا تسمح بدخول جندي تركي في بلادنا؛ وأن التعامل بيننا وبين تركيا، لا يزيد عن التفاهم في تبادل المعلومات، والسماح للعتاد بالمرور في بلادنا؛ ولن نتوسع أكثر من ذلك.

الرئيس: إن بحثنا، كما ذكرت، سيكون على نطاق واسع، لندرس نتائجه، بالنسبة إلى جميع البلاد العربية. وبما أن دولة فارس الخوري، اقترح التأجيل للبحث والتشاور، فأرى، بعد موافقتكم، رفع الجلسة، واستئنافها بعد الظهر، الساعة السادسة.

ورفعت الجلسة، على أن تنعقد، مرة أخرى، في الساعة السادسة، من بعد ظهر يوم الخميس، 27 منه.

محضر الجلسة التاسعة

وعقدت الجلسة في موعدها. وافتتحها الرئيس.

الأتاسي: ما فائدة الاتفاق العراقي ـ التركي؟

الجمالي: فائدته إيجاد نوع من التعاون بين البلدَين، وتبادل المعلومات؛ وضرب مثلاً، بتبادل المعلومات عن النشاط الشيوعي، بين العراق وتركيا.

الرئيس: إن تبادل المعلومات الخاصة بالشيوعية، يمكن أن يدخل تحت اتفاق الصداقة مع تركيا، المعقود عام 1946.

فوزي: في نهاية الجلسة الماضية، طلبت من سفير العراق، أن يزودنا بنص الاتفاق، خصوصاً وأن هناك تبايناً بين هذه الاتفاقية والبيان، الذي صدر في العراق، في 12 يناير عام 1955.

الجمالي: هذا المشروع، الآن، بين دولتَين. ومع استعدادنا لتزويد إخواننا به، فإنه سرّي، ولم نتفق على إذاعته؛ ودخولنا في هذا الاتفاق غير موعز به، من أي جهة من الجهات.

                   وبالأمس، عرضت عليكم، أن سبب دخولنا في هذا الاتفاق، هو وضعنا الإستراتيجي، فإننا نشعر بالخطر الشيوعي الدائم.

                   وقد سألنا الدكتور فوزي عما وراء الاتفاق العراقي ـ التركي؛ وإن ما ذكرته أنا، أمس، هو كل شيء. وإذا جد شيء آخر، ستطلعون عليه، قبْل إنجازه.

                   أمّا البيان المشترك، فهو بين الأهداف الكبرى.

الرئيس: ما معنى تبادل المعلومات؟

الجمالي: هو تبادل معلومات عسكرية بين الطرفَين، وتنسيق الخطط، في الحدود الشمالية، لصد الهجوم الروسي.

سيف الإسلام الحسن: ما هو الموقف، بالنسبة إلى مطالب العرب الأخرى؟

الجمالي: إن أساس حديثنا، كان قضية فلسطين، والتي لها الأولوية الكبرى.

                   وفي مناقشة أمس، أشير إلى أن مرور القوات المسلحة، وقت الحرب، ما هو إلاّ تحالف؛ وإنّا لا يهمنا الأسماء، وإنما الحقائق، فإنه في حالة حدوث عدوان على تركيا، أو العراق، فمن الضروري، أن تمر النجدة عبْر البلد الآخر؛ فإن قضية الدفاع عن النفس قضية شرعية، وإن أي بلد لها الحق في اتخاذ الوسائل الطبيعية، الميسورة، للقيام بذلك. وإن مرور العتاد، لا يهمني تسميته؛ وإنما أنا أفهم أنه نوع من التعاون. كما ستقوم مصر بذلك؛ فإنها في الاتفاق الأخير مع بريطانيا، وافقت على تقديم القاعدة، وقت الحرب.

الخوري: إذا كانت المادة الثالثة خاصة بالسلم فقط، فهذا تعاون. أمّا إذا كان في مدة السلم والحرب؛ فهذا تحالف؛ لأن الروس، عندئذ، يمكنهم إعلان الحرب عليكم.

الجمالي: المادة الثالثة مطلقة: في السلم والحرب.

الرئيس: تصوير وضع مصر مبالغ فيه؛ فإننا نحاول تصفية القاعدة. والغرض من الاتفاق، هو جلاء القوات، مقابل نوع من التعاون، لمدة محدودة.

الجمالي: إنني أؤكد لكم بأننا، بعد التفاهم مع المتنورين، في العراق، أصبحوا يؤيدون ما قمنا به تماماً؛ لأنهم يهتمون بسلامة العراق. ولهذه المناسبة، أودّ أن تعلموا، أن سياسة التعاون مع تركيا، لقيت تأييد جميع رؤساء وزراء العراق السابقين، أثناء اجتماعهم بصاحب الجلالة الملك. وقد استعرضوا الموقف، وأجمعوا على أن هذه الخطوة سليمة. فالمسألة، إذاً، ليست رأي نوري السعيد، بل يشاركه في ذلك رؤساء الحكومات السابقون كلهم.

الرئيس: هناك موضوعان، أحب التكلم فيهما:

  الموضوع الأول: يتعلق بجميع الدول العربية؛ ولذا، فأحب أن أكون على بينة تامة بموقف الجميع، حتى أستطيع تحديد سياستي في مصر؛ وعلاوة على أنني مسؤول عن مصلحة مصر، فإنني يجب علي أيضاً، أن أعمل لمصلحة المحيط العربي.

                   فالموضوع الأول هو خاص بالمادة الثانية من ميثاق الجامعة العربية، الخاص بتوثيق الصلات، وتنسيق السياسة بين البلاد العربية.

  الموضوع الثاني: التجارب الماضية، فإننا عندما عملنا، كمجموعة، فشلنا، ولم نصل إلى أي نتيجة إيجابيـة. فإذا اتبعنا، الآن، نفس السبيل، فلن ننجح. وأعود، بذلك، إلى النقطة الأولى: هل سنسير، كما سرنا في الماضي، على أساس أن الجامعة العربية عبارة عن زاوية، وليست فكرة أو حقيقة؟ فإذا كانت مجرد نظرية، فأقول للمصريين، بأن سياستنا، يجب أن تدور حول مصر فقط؛ إذ لا يوجد أي سبب، يجعلني أربط سياستي بسياسة فاشلة باستمرار.

                   وإنني أحب أن أعرف منكم الموقف، بصراحة تامة، خاصة وهذا هو أول اجتماع عربي، أحضره؛ حتى إذا تبين لي، أن آمالي وعواطفي أكبر من الحقيقة، عملت على كبتها.

                   وأحب معرفة ما إذا كان الموقف، سيستمر كما كان عليه في الماضي، أي كما حدث في بلودان وغيرها؟ فإذا كان الأمر كذلك، فلا داعي، إذاً، لاجتماعات سياسية، وليسر كلٌّ في طريقه؛ ويمكننا أن نقصر اجتماعاتنا على بحث الأمور الثقافية، فإذا كنا سنسير في هذا الطريق، فلنتصارح، ولا يخدع بعضنا بعضاً، أو نخدع شعوبنا.

الجمالي: إنني أتفق مع سيادتكم، في الأمور، التي ذكرتموها، فإنني أشعر بنفس المرارة، وقد خبرت الجامعة، منذ نشأتها. والمشكلة سببها وجود شقة بين أهدافنا القومية وبين الجامعة، كما نصبت. فسيادتكم تفكرون بطريقة قومية سليمة. ولكن لا وضع الحكومات العربية الحالية، ولا الجامعة، يحققان الأهداف القومية، التي تتوخّونها؛ فهذا هو الواقع المر. وهذا الموضوع يحتاج إلى درس طويل، ومباحثات سياسية طويلة.

                   فالمشكلة التي تذكرونها حقيقة، وهي قائمة؛ فالدول العربية، بأوضاعها الراهنة، بينها وبين أهدافها شقة واسعة؛ ولسد هذه الشقة، نحتاج إلى جهود، وزمان، وإلى أن نحقق ذلك، علينا أن نحل قضايانا.

                   والجامعة، إذا حمّلناها، وطلبنا منها أموراً أكثر من قابليتها، نكون قد خدعنا أنفسنا؛ فالجامعة لم توضع للأهداف السامية، التي ذكرتموها.

محضر الجلسة الحادية عشرة

    وفي الساعة السادسة والنصف، من مساء يوم الجمعة، 28 منه سنة 1955، عقد رؤساء الحكومات العربية اجتماعهم الحادي عشر، برئاسة السيد الرئيس جمال عبدالناصر، وبحضور كافة الوفود العربية، التي حضرت جلسة الصباح.

    وقد انضم إلى المجتمعين مصطفى بن حليم، رئيس وزراء المملكة الليبية المتحدة، ممثلاً لليبيا.

الرئيس: رحب بدولة رئيس وزراء ليبيا.

الجمالي: لا أودّ تكرار ما قلْته عن سياسة العراق؛ ولكن، أودّ أن أقول، إن ميثاق الأمم المتحدة شامل، وبموجبه نستطيع أن نعمل على التفاهم مع جيراننا، لتنسيق دفاعنا. أمّا إذا كان هذا غير مقبول، فأحب أن أقدم تحفظاً صريحاً.

الرئيس: ولو كان ميثاق الأمم المتحدة، هو، وحده، الذي ينظم سياستنا الخارجية، لما اجتمعنا هنا؛ إننا ننسق سياستنا، بحيث لا تخرج عن الميثاق.

الخوري: ميثاق الأمم المتحدة، يسمح لكل مجموعة من البلاد، في إقليم واحد، بالدخول في أحلاف، لتنظيم وتنسيق أعمالها؛ ولا يحجز على حرية أية دولة في الانضمام إلى أي مجموعة من الدول، لتعالج نُظُم الدفاع عن بلادها.

الرئيس: إن المادة 9، الفقرة 2، من ميثاق الجامعة العربية، تقول بعدم إلزام الأعضاء الآخرين للمعاهدات والاتفاقات، التي قد تعقدها دولة من دول الجامعة العربية، مع دولة أخرى. ولكن، في الواقع، إن ما يعقد من اتفاقات، لا شك، يؤثر على الأعضاء الآخرين؛ فالمادة 2 من معاهدة الدفاع المشترك، تنص على اعتبار الدول المتعاقدة كل اعتداء مسلح، يقع على أي دولة، أو أكثر منها، أو على قواتها ـ اعتداءً عليها جميعاً، ويلزمها بأن تبادر إلى معونة الدولة، أو الدول المعتدى عليها؛ وبأن تتخذ جميع التدابير، وأن تستخدم جميع ما لديها من وسائل، بما في ذلك استخدام القوة المسلحة، لرد الاعتداء. فالمادتان، إذاً، مترابطتان، فلا يتأتى أن يأتي شخص، موقع على هذا الميثاق، ثم  يقول أنا حر، لأن النتيجة النهائية، أننا ملزمون، أمام بعضنا البعض.

                   فلنقُل إن ميثاق الضمان الجماعي، وميثاق الجامعة العربية، حبر على ورق. ولنتفق على هذا، ونواجه الشعوب بذلك، أو أن نضع التزاماتنا موضع التنفيذ، وننسق سياستنا الخارجية.

                   إن المادة العاشرة من معاهدة الدفاع المشترك، تنص على تعهد كل دولة من الدول المتعاقدة، بألا تعقد أي اتفاق دولي، يناقض هذه المعاهدة؛ وبألا تسلك، في علاقاتها الدولية مع الدول الأخرى، مسلكاً، يتنافى مع أغراض المعاهدة.

باش أعيان: المجال الواسع، لا زال موجوداً في المادة العاشرة من ميثاق الدفاع المشترك.

الرئيس: هذه المادة، هي التي تلزمني بهذا الميثاق.

الجمالي: إن احتمال وقوع حرب عالمية، أمر بعيد، حالياً. ولكن العراق، يخشى من حركات داخلية، مثل ما حدث في كوريا؛ فإن ملا مصطفى موجود في روسيا، متزعماً حركة الأكراد؛ وقد يدخل العراق، على رأس قوة منهم. وإن تعهدنا مع تركيا، لا ينقص من اهتمامنا بمعاهدة الدفاع المشترك.

الرئيس: إن الواضح، أن الإنجليز والأمريكان، يرغبون في عمل حلف في الشرق الأوسط. ولكن البنود، التي ذكرتموها، لا تحقق للعراق أي شيء عملي. وأحب أن أعرف ما هي الحكمة في دعوتكم لنا للانضمام إلى هذا الاتفاق؟

الجمالي: إننا نعتبر، أن انضمام البلاد العربية لنا، في هذا الاتفاق، يعزز ميثاق الضمان الجماعي، ويبين مدى التعاون بين البلاد العربية.

الرئيس: ما هو الغرض من دعوة البلاد العربية؛ بينما أن ميثاق الضمان الجماعي، أقوى بكثير من الاتفاق العراقي ـ التركي؟

الجمالي: هو من نوع تقوية الجبهة كلها.

الرئيس: قد يقول البعض، إن هذا الاتفاق، سينتج عنه التزامات عسكرية. فقد يعرّض العراق لعدوان. وطبقاً لمعاهدة الدفاع المشترك، فإننا جميعاً، سنهب لنجدته؛ ولذا، فمن الضروري أخذ رأي البلاد العربية، قبْل عقد هذا الاتفاق.

دكتور فاضل الجمالي: الإجابة على ذلك، أن الدول غير ملزمة بأي اتفاق، يتم بيننا وبين تركيا، حسب المادة التاسعة من ميثاق الجامعة العربية.

الرئيس: نعود إلى الموضوع الأساسي. أعتقد أن العراق، من واجبه التشاور مع البلاد العربية، قبْل توقيع أي حلف.

الخوري: ما قاله الدكتور الجمالي، من الناحية القانونية، صحيح؛ بأن الدول العربية غير ملزمة بنجدة العراق، إذا حدث عليه عدوان، نتيجة الحلف التركي ـ العراقي. ولكن، هل نستطيع أن نقف متفرجين على العراق، وهو معتدى عليه، ونقول بأنه حسب المادة 9 من ميثاق الجامعة إننا غير ملزمين؟ إن قوميتنا، لا تسمح لنا أبداً، أن نفعل ذلك.

                   إن العراق أدرى بالخطر، الذي يحيق به؛ ولا يمكننا أن ننفي الخطر، الذي يحدث له، ولا يجوز أن نمنعه من تلافي الخطر، الذي يحيق به. فإذا كان الشعب العراقي، يعتقد أن من مصلحته عقد الحلف التركي ـ العراقي، فعليه أن يفعل ذلك، دون أن آمره به، أو أنهاه عنه. أمّا إذا سئلنا، كسورية، للانضمام إلى هذا الاتفاق، فإننا لا نستطيع ذلك، ولا نوافق عليه. وطالما أن العراقيين مستعدون للمشاورة؛ وليس ثمة عجلة في الموضوع، فإن العراق يستطيع تأجيل هذا الموضوع شهراً، أو شهرَين، إلى أن تتبين الظروف لنا، فنجد حلاً ملائماً لهذا الموقف. ولا يجوز أن نفترق دون وفاق.

الرئيس: إنني دعوت لهذا الاجتماع، حرصاً على أخوّتنا للعراق؛ إذ إننا نعتبر أنفسنا جزءاً مكملاً لبعضنا، في هذه المنطقة.

                   وإن نصوص المواثيق، قد تفسر تفسيراً مخالفاً؛ ولكنني أفهم منها أننا ملتزمون بتنسيق سياستنا مع بعض؛ لأن أي عدوان، سيكون نتيجة السياسة الخارجية.

                   وفي انتظار وصول التحفظ العراقي، ننتقل إلى الموضوع الثاني، الخاص بدعوة الانضمام إلى هذا الحلف.

الخوري: سبق وأجبت، بأن سورية، ترفض مثل هذه الدعوة.

الرئيس: سبق وتقرر هذا الأمر، في جلسة سابقة. وقد يحب الوفد الليبي الإجابة على ذلك.

مصطفي بن حليم: لا أرى في الاتفاق ما يغري على شيء، وهو لا يهم ليبيا.

فيصل: إن بيانات الوفد العراقي صريحة، وواضحة. والسؤال المطروح أمامنا، عن الدعوة، وهي لم تقدم. كما أننا في انتظار التحفظ العراقي.

أبو الهدى: مهما كانت الصيغة، فالتحفظ أصبح مفهوماً؛ فالوفد العراقي، يقول بأن العراق دولة مستقلة، تستطيع أن تتفق أي اتفاق تشاء ..

فيصل: أعتقد أن الجميع، يشاركونني في الرجاء إلى العراق، ألاّ يسلك طريقاً، يفسر بأنه مخالف لإجماع الدول العربية، أو رغبتها، أو مصالحها. وإنني أرجو ألاّ يسير العراق في طريق منفرد.

الجمالي: إننا متفقون على ضرورة التشاور وتبادل الرأي. وإن العراق، إذا اتخذ أية إجراءات، لحماية حدوده، فإنه يفعل ذلك، من أجل البلاد العربية جميعاً.

فيصل: هل أفهم من ذلك، أن العراق، لن يقدِم على خطوة، دون التشاور معنا؟

الجمالي: بالنسبة للاتفاق، فقد عرفتم نيتنا. وعندما نصل إلى صيغة نهائية، سنبلغها إلى حضراتكم.

الصلح: قبل التوقيع.

الجمالي: هذه مسؤولية رئيس الحكومة.

فيصل: هل أفهم، أنكم، كإخوة، تصرحون بأنه سوف لا يتم أي شيء، قبل التشاور مع بقية البلاد العربية؟

الجمالي: هل سنعود إلى التشاور من جديد؟ أعتقد أننا تشاورنا فعلاً.

باش أعيان: يمكننا أن نعِد بأن أي تقدم في سبيل توقيع هذا الاتفاق، سنخطر به البلاد العربية.

فيصل: التبليغ شيء، والتشاور شيء آخر.

باش أعيان: التبليغ لأخذ الرأي، بالطبع.

الرئيس: أعتقد أننا تشاورنا كثيراً. والوضع، الآن، هو هل سنسير في سياستنا العربية، ونقوي دفاعنا، حسب معاهدة الدفاع المشترك؟ أو أننا سنعمل على تنظيم الدفاع عن هذه المنطقة، عن طريق الدخول في أحلاف، مع دول أخرى خارج المنطقة؟

فيصل: إننا اتفقنا على ذلك.

الرئيس: العراق يرى، نظراً لظروفه، أن يتحالف مع تركيا. ولقد ذكرنا وجهة نظرنا في هذا الشأن. والآن، لدي اقتراح من مصر، بدعوة العراق، أن تسير في نطاق السياسة، التي وافقت عليها البلاد العربية، والتي تضمنتها مقررات وزراء الخارجية.

الجمالي: إن العراق سائر، فعلاً، مع البلاد العربية، في السياسة الخارجية.

الرئيس: إنك دعوتني للانضمام معكم في الاتفاق، مع تركيا. وأنا أدعوكم إلى البقاء معنا في سياستنا الخارجية.

الجمالي: وإن تحفظي ضروري؛ فكل شيء خلاف ذلك، هو ضد المصلحة العامة، والمصلحة العربية. وإننا ندعو إلى الأخوّة والصراحة.

الرئيس: أعتقد أننا، جميعاً، تبادلنا هذه الصراحة. وأننا انتهينا إلى أن البلاد العربية، اتفقت على عدم الدخول في أحلاف. والعراق، وحده، يرى الدخول في حلف.

الجمالي: إن العراق، يرفض هذه الدعوة، كما أنكم تدعوننا إلى الموت.

الرئيس: ولكن، قد تكون دعوتي هي دعوة إلى الحياة. ولا أستطيع أن أطلب الموت لدولة شقيقة. وعذري معي، إنني مؤمن بالدعوة إلى الحياة، وإن من حق الصديق، أن يدعو صديقه إلى مثل هذه الدعوة.

الخوري: هل التعاون مع الغرب، يدخل فيه تركيا؟

الرئيس: نعم. ولكن التعاون يقف دون التحالف.

الجمالي: إن هذه الأساليب، لا تخدم العرب.

الرئيس: أنا لا أعرف ما هي هذه الأساليب؛ ولم أرَ خدمة للعرب في الماضي. ولكن الذي أعرفه أن العرب نكبوا في الماضي بسبب الأساليب السابقة. وأعتقد أن الأسلوب، الذي أتبعه، يخدم العرب؛ فقد يوصلنا إلى اتحاد شامل.

                   وإن الأساليب الملتوية، لا نتبعها في مصر أبداً. يجب أن نتصارح. وإنني مؤمن بأن ما يفعله العراق خطأ. ولهذا، فإنني أدعوك ألاّ تستمر في هذه السياسة، دون أن يكون في ذلك أي أسلوب من الأساليب، التي يتصورها فاضل الجمالي.

الجمالي: إنني أعتقد، أنه ما لم تترك أساليب الدعاية والهجوم، فإن المشاكل لا تتعقد، فإذا كنا نريد أن نعمل، كإخوة، فيجب أن يتحمل بعضنا البعض.

الرئيس: سبق وحاولنا إقناع نوري السعيد، في سرسنك، وفي القاهرة، برأينا. وليس الغرض، بتاتاً، هو الدعاية، كما يظن فاضل الجمالي. ولكن الغرض منه، أن نبحث سياسة، سبق أن تحدثنا بشأنها، في كل عاصمة عربية.

الجمالي: إنني أعود إلى ما قلته، صباحاً، وهو أنه إلى أن يتم اتحاد عربي فيدرالي، يجب أن نعمل على ما يتفق عليه الجميع. كما أن لكل عضو الحق في أن يبحث عن مصالحه؛ وليس للجامعة العربية أن تلزم أي عضو بعمل معين. وهذه الدعوة، أعتبرها تدخلاً في سياستي وحقي ومصلحتي. بأي صفة نخرج من الجامعة؟ وإنني لا أرى مبرراً، أن يطلب من دولة مستقلة عمل معين. وحقكم الأدبي، يجب ألاّ يتخذ شكلاً رسمياً.

الرئيس: قرأ الاقتراح، مرة أخرى، بناء على طلب معالي فيضي الأتاسي، وهو دعوة العراق إلى السير في سياسته الخارجية في نطاق السياسة، التي وافقت عليها بقية الدول العربية، وهي مقررات وزراء الخارجية.

الجمالي: لا يمكنا أن نتفق كلنا تماماً؛ فهناك أشياء خاصة بكل دولة. فإن المغزى الأول، أن ساسة العراق، لا يفهمون شيئاً. والمغزى الثاني، أن الجامعة العربية، أصبحت سادتكم، وعليكم أن تطيعوها. والمغزى الثالث، أن الوضع الدولي هذا، ليس في مصلحة العرب، بل يعتبر في مصلحة إسرائيل.

الرئيس: لم يخطر في ذهننا أي أسياد أو أتباع. وأمامنا، الآن، سياستان وفكرتان. وأرحب بأن نخرج بسياسة واحدة.

                   إنني أدعو فقط، ولا أطلب إجبار العراق؛ وهذا أمر حيوي. إذ إن هذا الحلف، سيجر من ورائه الكثير، فهناك دول أخرى، ستدخل هذا الحلف.

                   فلذا، لا أستطيع القول بأننا تفاهمنا قط. فطالما أنني مقتنع بأن السياسة، التي أطلب اتباعها، هي السياسة الصحيحة، فمن واجبي أن أدعو العراق إلى رأي البلاد العربية.

باش أعيان: لا داعي لكل هذا التوسع، فإن الدعوة تسيء إلى العراق، ولاشك.

الأتاسي: إن اقتراحكم، في شكله الحاضر (أي دعوة العراق) يفيد بأن السبع دول في جهة، والعراق في جهة أخرى. والأصح، في نظري، أن يوضع القرار. فإذا شاء وفد، أن يبدي اعتراضاً أو تحفظاً، فليفعل ذلك.

الرئيس: أحب أن ألفت النظر، بأن هذا ليس مجلس جامعة، بل هو اجتماع لرؤساء وزراء الدول العربية. اجتمعوا بسبب الحلف العراقي ـ التركي. وانتهينا، في اجتماعاتنا السابقة، إلى عدم قبول الدعوة للانضمام إلى هذا الحلف. أمّا العراق، فيصرّ عليه. وعند بحث هذا الموضوع، تبين أن سياسة العراق مختلفة عن السياسة، التي أقرت؛ والمسألة لا تندرج تحت المادة السابعة من ميثاق الجامعة العربية

الجمالي: إذا لم نتفق، الآن، فقد نتفق، مستقبلاً. فيجب ألاّ نفعل شيئاً، يؤدى إلى تفريق الشمل.

الرئيس: إن العراق دعنا، بصورة علنية، وقد سردت كل حججي لإقناعه. وإن حرصي على أخوة العراق، تدعوني إلى ما أطلبه، وعدم وضع قرار لهذه الدعوة، والاكتفاء بدعوة شفوية، أو لك أن تعتبره رجاء.

الجمالي: إنني مستعد أن أحمل إلى رئيس الوزراء العراقي، كل ما أبديتموه.

محضر الجلسة الثانية عشرة

    وفي الساعة السادسة ونصف، من مساء يوم السبت، 29 منه، عقد رؤساء حكومات الدول العربية، الذين حضروا الجلسة الماضية، اجتماعاً، برئاسة الرئيس جمال عبدالناصر.

الجمالي: قرأ تحفظاً جديداً، يحل محل التحفظ الأول، الذي بعث به وزير الخارجية العراقية، في شهر ديسمبر الماضي، إلى وزراء خارجية الدول العربية، ومستشار جلالة الملك سعود. وينص التحفظ الجديد على أن "العراق، مع تأكيد التزاماته بميثاق جامعة الدول العربية، ومعاهدة الدفاع المشترك بين دول الجامعة العربية ـ يحتفظ بحق اتخاذ إجراءات إضافية، من أجل ضمان سلامته".

الرئيس: بعد هذا التحفظ العراقي، فإن مصر تسحب اقتراحها الخاص بتقوية ميثاق الضمان الجماعي، ولا توافق عليه.

                   إن على مصر التزامات نحو الجميع. وسبق أن أبدت استعداها للسير في التزاماتها إلى أقصى مدى. ولكن الوضع، الآن، اختلف وتغير؛ فإن مثل هذا التحفظ يخل بكل شيء، فهو تحفظ على السياسة الخارجية، ولا أرى فائدة من إحياء معاهدة الدفاع المشترك، الآن، ولتستمر كما هي عليه، سنوات أخرى.

                   وإذا كان العراق يرى، أن له الحرية في أن يقوم بأي عمل، أو بأي إجراء، فهذا موضوع واسع جداً، ولا ينتهي. وإذا كانت مصر، لا تستطيع أن تقوم بالتزاماتها، على أوسع مدى، فإن معاهدة الدفاع المشترك، تحتم علينا تنسيق سياستنا. ولكن تغير الوضع، الآن، فيمكن لأي بلد عربي آخر، أن يقدم مثل هذا التحفظ، ويعقد اتفاقات أخرى مع أي بلد.

الخوري: إذا سحبته مصر، فإن سورية ستتبناه، وتتقدم به.

الرئيس: المسألة ليست مسألة كلام، بل واقع، وحقيقة. ولقد حاولت أن أكون عملياً، وأحقق كل شيء للبلاد العربية. ولا أرغب في أن أخدع أحداً.

الخورى: العراق قد يقصد المشاورة مع البلاد العربية، وأخذ موافقتها، قبل أي إجراء.

الجمالي: المشاورة فقط. ولكن، لا يمكن طلب الموافقة؛ فإن العراق بلد مستقل.

باش أعيان: الحقيقة، أنه كانت مفاجأة غير منتظرة سحبكم الاقتراح.

الرئيس: إنه بناء على هذا التحفظ، قدّمنا الاقتراح الأول.

                   أمّا الاقتراح الثاني، فهو إلغاء معاهدة الدفاع المشترك؛ لأنها أصبحت غير ذات موضوع؛ إذ إن مصر ستنسحب من هذه المعاهدة؛ لأنها لا تقبَل أن تكون حبراً على ورق.

                   إننا عندما نعمل في المحيط العربي، عملنا على أن تصبح هذه المعاهدة حقيقة.

                   ولكن قضي على هذا الميثاق، وتوفي إلى رحمة الله، نتيجة هذا الاجتماع. يجب أن لا يضحك بعضنا على بعض؛ فلكل دولة أن تتحالف مع أي بلد تشاء، طالما أنكم قد أعطيتم لأنفسكم الحرية في أن تفعلوا ما تشاءون. وإن مصر لحرة أيضاً في الانسحاب، فإنها لا تستطيع أن تكون في موقف، يجعل العالم العربي، لا يثق فيها.

                   إنني أصبحت مؤمناً، بعد هذه الاجتماعات الطويلة، أن هذا الموضوع، قد فشل، ولا أريد خداعكم؛ إذ إن معاهدة الدفاع المشترك، قد انتهت، ويجب أن نعلن ذلك؛ وإن ميثاق الجامعة، ليس إلاّ اتفاقاً ثقافياً واقتصادياً؛ ولا أقبل خداع الناس.

                   ولذا، فإن مصر تتقدم باقتراح إلغاء معاهدة الدفاع المشترك، ويجب أن نصرح بذلك للجميع. ومن حقي، أن أعلن ذلك في مصر، ليعلم المصريون، أن معاهدة الدفاع المشترك، لا فائدة منها.

                   ماذا يقيد أي بلد عربي؟ فعلى كل منها أن يسير في سبيله. يريد العراق أن يكون واقعياً، فعلينا أن نفعل نفس الشيء.

الجمالي: سيدي، إنكم على حق، عندما تطلبون مواجهة الواقع. وفي السابق، كنا ندعي أننا متفقون؛ ولكن الحقيقة غير ذلك.

                   إنما أودّ أن أبدى ملاحظتَين:

  الأولى: خاصة بالاعتماد الكلي على أنفسنا، في الدفاع عن أراضينا؛ والآن، أستطيع أن أطمئن العراق بأن جيوش العرب، تستطيع أن تحمي العراق. وفي الحقيقة، لا توجد لدينا جيوش عربية كافية.

  الثانية: هل  نبدأ ببناء شيء من القوات، حتى يتكامل مع استعانتنا بالغير؟ وهنا، أرجو أن نعمل على تقوية أنفسنا. وإني أختلف معكم بعدم اعترافكم بضعفنا، وضرورة تقوية أنفسنا.

الرئيس: إن تركيا لا يمكنها، أن ترسل جندياً واحداً لكم. وحسب المشروع، فهي غير ملتزمة بتقديم أي قوات عسكرية.

                   أمّا البلاد العربية، فيمكنها أن تقدم لك قواتها، للدفاع عنك؛ لأن البلاد العربية موجودة في الخطوط الخلفية. فمن الميسور عليها، أن ترسل قوات إليك.

                   أمّا الباكستان، وإيران، وتركيا، فلن تقدم لك أي قوات؛ لأنها في الخطوط الأمامية، بل إن العراق، هو الذي سيقدم المعونة للخط الأمامي. وكذلك البلاد العربية الموجودة في الخطوط الخلفية، هي التي ستقدم لك المعونة، من القوات العسكرية.

                   أي أن الالتزامات، التي ستفرض على البلاد العربية، ستكون أكثر من التزامات تركيا.

                   أن اقتراحنا اقتراح عملي، ونقصد تنفيذه، فعلاً، لتقديم المساعدة لكم. ولذا، فإن مصر تتقدم باقتراح إلغاء معاهدة الدفاع المشترك، وأن تنسحب مصر منها.

نقاش: إن هذا الإلغاء، له تأثير كبير على مستقبل البلاد العربية؛ فإنها إذا عملت بهذه التدابير، لا يبقى لها أي أمل في الحياة. ولذا، أرجو أن تفكروا ملياً في هذا الموضوع.

الرئيس: إن كل ما عملته، هو أنني ترجمت الحقيقة إلى كلام. ولا يمكنني أن أخدع مصر، أو العالم العربي. لقد أصبحت مقتنعاً، أن هذه المواثيق، لا تزيد عن كلام.

                   إنني حاولت أن أجعل منها حقيقة واقعة. ولكن، للآسف! تبين لي أن ذلك غير مستطاع.

نقاش: فيما يتعلق بالتحفظ، الذي صدر من العراق، فإنه يجب علينا، أن نميز بين الحاضر والمستقبل. فيمكن للعراق وضع تحفظ مع الأتراك، يتطلب من العراق، أن يكتفي بهذا الاتفاق مع تركيا.

الرئيس: معنى هذا يا سيدي، أننا بدأنا السير في الاتجاه، الذي حاوله الغرب، سنة 1951، وأنه سيكون هناك حلف في الشرق الأوسط، يضم إسرائيل.

                   يا سيدي، علينا أن نواجه الحقائق. وقد اقتنعت، الآن، بأنني كنت على خطأ، وأن المصير، هو قيام حلف للدفاع عن الشرق الأوسط، مرتبط بالغرب، يريد ذلك. وأرى أن تعاوننا في الشرق الأوسط، قد انتهى، الآن.

نقاش: هل يمكن الإبراق إلى بغداد، وعرض الموضوع، لإعادة النظر؟

الجمالي: هذا هو ما سيحدث.

الخوري: إننا أمام وضع حقوقي دولي، بعد التحفظ العراقي. وعلينا أن نعالجه بطريقة سليمة؛ فإن القانون الدولي، يسمح بأن يقدم أحد الأطراف تحفظاً، ويعرض على المجموعة، فإذا رفضوه، فعليه إمّا أن يسحب تحفظه، أو ينسحب من المجموعة. ولا أرى أن تنسحب مصر من معاهدة الدفاع المشترك.

الرئيس: هل تقبل سورية التحفظ العراقي؟

الخورى: يوضع هذا الموضوع تحت البحث.

الجمالي: إن العسكريين، في العراق، يجدون ضرورة العمل على سلامة العراق، عن طريق دعم إضافي لمعاهدة الدفاع المشترك، وميثاق الجامعة العربية. وإذا كانوا على خطأ، فيمكنكم التفاهم معهم، وإقناعهم بأن معاهدة الضمان كافية لسلامة العراق. والذي أعرفه، أن قوة إسرائيل، تزيد على قواتنا.

الرئيس: بالنسبة لإسرائيل، لنا التفوق الكامل عليها. وإنني مستعد لأن أقدم، باكراً، 50 دبابة شيرما لسورية وهذه هي طريقتي في التعاون العسكري الصحيح.