إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / منظمات وأحلاف وتكتلات / حلف بغداد (الحلف المركزي CENTO)









المقدمة

المقدمة

    بعد أن استطاعت الولايات المتحدة الأمريكية، التغلغل في بلدان الشرق الأوسط، من طريق قروض مصرف الإنشاء والتعمير، ومشروعات النقطة الرابعة، وما شابههما ـ شرعت تستحوذ على تلك البلدان، سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، بتكوين تكتل عسكري، في الشرق الأوسط، على غرار ذاك الذي شكّلته في غربي أوروبا. وقد اشتدت لديها هذه الرغبة، بعد تطور الوعي القومي في هذه المنطقة؛ وانتشار حركات التحرير؛ والرغبة في التخلص من الاستعمار، والعمل على إقلاق راحته بشتى الوسائل، وكذلك بعد نمو رغبة بلدان هذه المنطقة، في التخلص من المعاهدات غير المتكافئة، التي ارتبطت بمقتضاها بالدول، الاستعمارية والرأسمالية، ارتباطاً، أدى إلى الإقلال من هيبة هذه البلدان، وزعزعة كيانها.

    ومع أن بريطانيا، ما فتئت تحارب مشروعات التغلغل الأمريكي، في مناطق، تعدها خاضعة للنفوذ البريطاني؛ إلاّ أنها وافقت على مشروع قيادة الشرق الأوسط، بحكم تبعيتها للولايات المتحدة الأمريكية؛ وبدافع محاولة الاحتفاظ بجزء من هيبتها ونفوذها المتداعي، في تلك المنطقة، خاصة بعد إلغاء معاهدة عام 1936، وحرب الفدائيين في منطقة قناة السويس، وحركة تأميم النفط في إيران.

    وفي 14 أكتوبر 1951، أصدرت كل من بريطانيا وأمريكا وفرنسا وتركيا، بياناً حول مشروع قيادة الشرق الأوسط، دعت فيه الدول العربية، وإسرائيل، وجنوب أفريقيا، وأستراليا، ونيوزيلندا، إلى الاشتراك في ذلك المشروع.

    وقد اقترح أن يكون مقر تلك القيادة في مصر؛ وأن تبادر الحكومات العربية إلى وضع قواتها المسلحة، وقواعدها العسكرية، وموانئها، وطرق مواصلاتها، ومنشآتها الأخرى ـ تحت تصرف القائد العام للمنطقة. وأردفت تلك الدول الأربع بيانها الآنف، ببيان، أصدرته في 10 نوفمبر 1951، أوضحت فيه الأُسُس التي يُبنى عليها مشروع القيادة. وجاء فيه: "إن الدفاع عن الشرق الأوسط أمر حيوي، بالنسبة إلى العالم الحر. وإن تشكيل هذه المنظمـة، سيجلب معه التقدم، الاقتصادي والاجتماعي، للمنطقة المذكورة". وكان الغـرض من إصدار البيان، هو معرفة الانتقادات، التي ستوجه إلى المشروع المقترح. وحددت النقطة السادسة في البيان، مهمة القائد الأعلى في الشرق الأوسط، فقالت: "إن القائد الأعلى، سيتولى قيادة القوات الموضوعة تحت تصرفه. ويضع خطط العمليات لتلك القوات، ضمن المنطقة، في وقت الحرب، أو عند الطوارئ الدولية".

    وما إن أذيعت تفاصيل هذا المشروع، حتى قوبل بمقاومة عنيفة من الأوساط الشعبية، في البلدان العربية بصفة خاصة، فاضطرت الحكومات العربية، على الرغم من موافقتها على المشروعات الأنجلو ـ أمريكية، إلى أن تُظهر، ولو سراً، عدم موافقتها على هذا المشروع. وقد كانت الحكومات العربية مدفوعة، في رفضها المشروع، بعوامل عدة، أهمها ثلاثة:

1.     المقاومة الشعبية، التي شنت حملة عنيفة، واسعة، توضح إلى أي مدى، ستصبح البلاد العربية محطات للقوات، الأمريكية والفرنسية والتركية، فضلاً عن القوات الإنجليزية الموجودة فعلاً.

2.     اشتراك إسرائيل في هذه القيادة، وهو ما يعني صلح معها، واشتراك قواتها في العسكرة، مع القوات الأخرى، في البلاد العربية.

3.     المذكرات السوفيتية، الموجهة إلى الدول العربية، لافتة إياها إلى أن الاشتراك في هذا الميثاق، معناه الإضرار بعلاقاتها بالاتحاد السوفيتي، وتهديد للسلام والأمن، في بلدان الشرقَين، الأدنى والأوسط.

    وهكذا، جاء مشروع قيادة الشرق الأوسط، متمماً للأحلاف التي سبقته، كحلف شمال الأطلسي، بل رمى إلى جعل الشرق الأوسط قاعدة مناهضة للاتحاد السوفيتي، استئثاراً بالسيطرة على المناطق، الإستراتيجية والاقتصادية، الحيوية، ومصادر الخامات، ومناطق استثمار رؤوس الأموال الأمريكية؛ وكذلك لاستغلال شعوب الشرقَين، الأدنى والأوسط؛ فضلاً عن رغبة الولايات المتحدة الأمريكية في إحلال نفوذها محل نفوذ بريطانيا وفرنسا، في هذه المنطقة. وما اشتراك تركيا في هذا الحلف، إلا بدافع من واشنطن، التي تسيطر سيطرة فاعلة على جيش أنقرة وإمكانياتها؛ ناهيك أن قلة نفقات الجيش التركي، قياساً بنفقات الجيش الأمريكي ـ ستخفف العبء عن كاهل الميزانية الأمريكية. إزاء المقاومة، التي لقيها المشروع من شعوب الشرق الأوسط وعناصره الوطنية، عمدت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، إلى تعديله تعديلاً شكلياً؛ وأوفدتا أساطين الدبلوماسيين إلى عواصم العالم العربي، ليتبينوا مواقفها من التعديلات والمقترحات، مع محاولة الاحتفاظ بالقيادة والسيطرة والنفوذ.

    وكانت النتيجة الحتمية للتراجع في مشروع قيادة الشرق الأوسط، هي عقد المعاهدات الثنائية مع بلدان هذه المنطقة، وضم بلدان أخرى إليها، على غرار الميثاق التركي ـ الباكستاني؛ والحلف العراقي ـ التركي، وانضمام إنجلترا إليه؛ والتمهيد لاشتراك باقي الدول العربية فيه؛ ومحاولة الولايات المتحدة الأمريكية، ضم مصر إليه، على الرغم من أن واشنطن نفسها أحجمت عن الانضمام إليه، مكتفية فيه بدور المراقب.