إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / منظمات وأحلاف وتكتلات / حلف وارسو (WARSAW)





تنظيم حلف وارسو

التكتلات الدولية في أوروبا
اتجاهات عمل حلف وارسو



حلف وارسو

المبحث الأول

نشأة وتنظيم حلف وارسو

أولاً: الأوضاع السياسية والعسكرية والتكتلات الدولية:

    عاش العالم، بعد الحرب العالمية الثانية، في ظل مناخ الحرب الباردة، الذي يعني وجود حالة من العداء والتنافس الشديدين في العلاقات، بين الدول الغربية ذات النظم الديمقراطية، بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية (القطب الأمريكي)، بصفتها عظمى، وبين الدول الشرقية الشيوعية، بزعامة الاتحاد السوفييتي (القطب السوفييتي)؛ بسبب وجود تناقضات جذرية في المصالح، وتباين في المعتقدات الأيديولوجية، بين النظرية الماركسية اللينينية (الشيوعية)، والنظرية الديمقراطية (الحريات السياسية). وقد تميزت المراحل الأولى من تطور الحرب الباردة، بوجود الصراع العقائدي، والتهديد الدبلوماسي، والحرب النفسية والدعائية، والضغوط الاقتصادية، وتصاعد خطير في سباق التسلح، بشكل لم يسبق له مثيل، مع وجود توترات مستمرة في العلاقات بين القطبين وحلفائهما، انعكس في تفجر العديد من الحروب المحلية، أو المحدودة في مناطق من العالم، مثل كوريا والهند الصينية وفيتنام، والصراع العربي الإسرائيلي في منطقة الشرق الأوسط، وهي الحروب، التي من خلالها عمل كل من القطبين، على تحقيق مصالحه وممارسة إستراتيجية الحرب بالوكالة، في إطار تدخل محسوب العواقب، تجنبًا لنشوب صراع مسلح مباشر بينهما، له مخاطره الأمنية المدمرة، ولتجنب مخاطر خوض حرب نووية شاملة.

    وهكذا اتضح، منذ عام 1947، أنه لا أمل في التوصل إلى تسوية سلمية بين القطبين، وأنه لا أمل، كذلك، في التوصل إلى اتفاق على توحيد ألمانيا، كفراغ سياسي، تسارع كل كتلة إلى ملئه. واندفعت كل منهما إلى داخل ألمانيا؛ حتى واجه كل منهما الآخر داخلها. فمن الشرق مد الاتحاد السوفييتي نفوذه إلى الثلث الشرقي من ألمانيا، إضافة إلى الجزء الواقع تحت سيطرة النمسا. وتخطى الاتحاد السوفييتي ذلك إلى السيطرة على الدول الشرقية الواقعة على حدوده الغربية: بولندا وتشيكوسلوفاكيا والمجر ورومانيا وبلغاريا ويوغسلافيا وألبانيا.

    وعلى الجانب الآخر، وقفت الدول الثلاث المتحالفة، الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، وقد احتلت القطاعات الباقية من ألمانيا، وكونت تحالفاً بينها. وعمد الاتحاد السوفييتي والدول المتحالفة معه، إلى وضع حاجز يحجب أوروبا الشرقية عن الغرب كله، ذلك الحاجز الوهمي، الذي أطلق عليه الغربيون اسم "الستار الحديدي".

    وهكذا برز، بين من كانوا حلفاء الأمس، إبان الحرب العالمية الثانية، نظام عالمي ثنائي القطبية Bipolar System، وهو يعني وجود قطبين متفوقين في مراكز القوى السياسية العالمية، يحيط بكل منهما عدد من الدول التابعة، التي تقلّ إمكاناتها كثيرًا عن إمكانات القوتين العظميين؛ لتتشكل إستراتيجية الأحلاف السياسية العسكرية، في توافق مع نظم التكتلات الاقتصادية[1].

    وبدأ الصراع يشتعل منذ 5 مارس 1946، عندما صرّح ونستون تشرشل، رئيس وزراء إنجلترا، بتأييد من الرئيس الأمريكي ترومان، أنه أصبح مقتنعاً تماماً أن الروس لا يحترمون إلا القوة، ومن ثم، يجب على الشعوب الناطقة بالإنجليزية، أن تتحد؛ لمنع أي مغامرة توسعية، يقدم عليها جوزيف ستالين، زعيم الاتحاد السوفييتي.

    ثم تفاقمت الخلافات، حين بدأت الولايات المتحدة مع دول أوروبا، مشروع "مارشال"، ودفعت بمقتضاه أموالاً طائلة، في شكل مساعدات مجانية وافرة؛ لسد العجز في موازين مدفوعات الدول الأوروبية الغربية. ورد الاتحاد السوفييتي، بحملة ضد مشروع مارشال، متهماً الولايات المتحدة بمحاولة السيطرة على دول أوروبا اقتصادياً، وسياسياً، بهدف فرض الحصار على الاتحاد السوفييتي.

    وأنشأت موسكو مكتب الاستعلامات الشيوعي، أو الكومينفورم، وهو يعد منظمة فرض، ستالين، من خلالها، سيطرته على دول أوروبا الشرقية، والأحزاب الشيوعية في أوروبا الغربية. وكان مشروع مارشال والكومينفورم هما السبب الأساسي في تقسيم أوروبا، إلى معسكرين متصارعين. ثم جاءت أول خطوة، اتخذها الحلفاء لتنظيم الدفاع ضد الدول الشيوعية، وهي تأسيس حلف شمال الأطلسي، في 4 أبريل 1949م، من الولايات المتحدة الأمريكية، وكندا، وبريطانيا، وفرنسا، وبلجيكا، وهولندا، ولوكسمبرج، والنرويج، والدانمرك، وأيسلندا، وإيطاليا، والبرتغال. ونص ميثاقه على أن أي هجوم مسلح على أي دولة من هذه الدول، أو أي دولة في أوروبا أو أمريكا الشمالية، يعد عدواناً عليها جميعاً. وأعقب توقيع حلف شمال الأطلسي، اتفاقات ثنائية: مع اليابان عام 1950، والفلبين عام 1951، وكوريا عام 1953، والصين الوطنية عام 1954، وأستراليا ونيوزلندا عام 1951، واتفاقية دفاع مشترك مع كل من إيران وتركيا وباكستان عام 1959، وغيرها.

ثانياً: نشأة حلف وارسو Warsaw Pact:

    في 5 مارس 1953، تُوفي جوزيف ستالين، وبدأت مرحلة جمود نسبي في مناخ الحرب الباردة؛ ففي ذلك الوقت، كانت الحرب المشتعلة في الصين، منذ عشرين عاماً، قد انتهت بسيطرة الشيوعيين على السلطة، وإعلان ماوتسي تونج إنشاء الجمهورية الشعبية الصينية، في سبتمبر 1949، ولجأ معارضه شان كي تشك إلى فورموزا، واستمر يمثل جمهورية الصين الوطنية، بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية. وبعد فترة وجيزة من الانتصار الشيوعي في الصين، بدأت حرب كوريا؛ عندما عبرت القوات الكورية الشمالية الشيوعية، في 25 يونيه 1950، الحدود، وتوغلت في أراضي كوريا الجنوبية، وباءت محاولات التفاوض كلها بالفشل، إلى أن مات ستالين، فبدأ مسار المفاوضات يتغير، في ظل الانفراج. وصرح جورجي مالينكوف، السكرتير الأول للحزب الشيوعي السوفييتي، في 15 مارس 1953، بأنه: "لا يوجد، فيما يخص علاقتنا مع الدول جميعاً، أي موضوع يثير النزاع، أو غير قابل للحل بالوسائل السلمية، والاتفاق المتبادل مع الدول المعنية، بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية". وعقب ذلك طلبت موسكو، من الولايات المتحدة الأمريكية، الإسراع في المفاوضات، حول مسألة الهدنة الكورية، إلى أن تم التوقيع عليها في شهر أغسطس 1953. كذلك كفت الحكومة السوفييتية عن مطالبها الإقليمية في تركيا، ومدت يد الصداقة لكل من تركيا واليونان، وأعادت علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل، وتبادلت السفراء مع يوغوسلافيا واليونان، وتحدثت عن الهند بلهجة هادئة ودود، وبدأت تتقارب مع اليابان، وتثني على الرأي العام البريطاني. ووقّع الاتحاد السوفيتي، والولايات المتحدة، وإنجلترا، وفرنسا، اتفاقية في فيينا، عاصمة النمسا، في 15 مايو 1955، تنص على سحب الجيوش السوفييتية من النمسا، بشرط أن تُعلن النمسا دولة محايدة، ولا تنضم إلى تحالف أوروبا الغربية، ولا إلى أي حلف عسكري آخر.

    في الوقت الذي كانت تجري فيه هذه الأحداث، التي تبشر بانفراج دولي على صعيد الحرب الباردة، كانت الدول الأوروبية، وعلى رأسها فرنسا، تتابع المفاوضات، حول توسيع حلف الدول الأوروبية، الذي بدأ في بروكسل وانتهى بإعلان حلف شمال الأطلسي. وبين 12 و 23 أكتوبر 1954، نُشر مشروع معاهدة وحدة دول أوروبا الغربية في باريس ولندن؛ فكان، على الاتحاد السوفيتي، أن يواجه هذا الحدث الجديد، الذي كان يدعو إلى إدخال ألمانيا الغربية في هذه الوحدة، والسماح لها بالتسلح. فدعا إلى مؤتمر يعقد في موسكو بين 29 نوفمبر و2 ديسمبر، حول الأمن الأوروبي. وشملت هذه الدعوة فرنسا وإنجلترا وإيطاليا. وبما أن الدول الأوروبية الغربية لم تحضر المؤتمر، أعلنت دول أوروبا الشرقية أنَّها، إذا أُقرّت معاهدة الوحدة الغربية، ستتخذ إجراءات مشتركة، تتعلق بتنظيم وتوحيد قيادة قواها العسكرية. وفي أوائل مايو 1955، أَقرّت، معاهدةَ الوحدة، جميعُ الدول الغربية المشتركة فيها. فما كان من الاتحاد السوفيتي إلا أن أعلن بطلان المعاهدات، التي سبق أن ارتبط بها مع إنجلترا 1942، وفرنسا 1944. وبين 11 و14 مايو، عُقد في وارسو، عاصمة بولونيا، مؤتمر ضم دول الكتلة الشرقية: الاتحاد السوفيتي، وبولونيا، وتشيكوسلوفاكيا، وألمانيا الشرقية، ورومانيا، وبلغاريا، وألبانيا، والمجر، صدر على إثره اتفاق تعاون ومساعدة متبادلة، وتوحيد القيادة العسكرية، بين تلك الدول. وهكذا، تشكل حلف وارسو في مواجهة حلف شمالي الأطلسي؛ وذلك لاستكمال عدد من المعاهدات الثنائية، التي كانت تربط بين جميع الدول الأعضاء، باستثناء ألبانيا، التي لم توقع أي معاهدة ثنائية، مع أي من الدول المذكورة. ورومانيا، التي لم توقع معاهدة ثنائية مع ألمانيا الشرقية.

    والتسمية الرسمية للحلف هي "حلف الصداقة والمساعدة والتعاون". وفي البداية، كان القرار أن يستمر الحلف، لمدة 20 عاماً، على أن تمدد هذه الفترة، لمدة عشرة أعوام أخرى، إذا وافقت الدول الأعضاء على ذلك. ينص الاتفاق على تشكيل قيادة عسكرية موحدة لقوات الدول المشتركة، وعلى مرابطة وحدات سوفييتية في أراضي الدول المشتركة.

    كان الحلف أحد أهم الخطوات، التي قام بها كل من نيقولاي بولغانين ونيكيتا خروتشوف، بعد توليهما السلطة في أوائل العام 1955؛ وجاء رداً على اتفاق باريس، وقبول ألمانيا الغربية في حلف شمالي الأطلسي، في 9 مايو 1955. وجاء في البيان السوفيتي عن الدوافع، التي حدت بدول الكتلة الشرقية، إلى تشكيل الحلف، أن الأطراف الموقعة كانت قد وافقت على الامتناع عن استخدام العنف أو التهديد باستخدامه، طبقاً للوائح الأمم المتحدة. إلا أن إعادة تسليح ألمانيا الغربية، بموجب اتفاق باريس، يمثل تهديداً للدول المحبة للسلام.

    انسحبت ألبانيا من الحلف، عام 1968؛ فأصبح أعضاؤه سبع دول فقط، في مقابل 15 دولة أعضاء حلف الناتو، وبقاء 13 دولة غير منحازة. (أُنظر خريطة التكتلات الدولية في أوروبا).

    اقتصرت مهام حلف وارسو على الدفاع عن المناطق الأوروبية (أُنظر خريطة اتجاهات عمل حلف وارسو)، للدول الأعضاء، بما يستثنى المناطق السوفيتية الآسيوية. ولكن في الحقيقة، وكما يظهر من خريطة أوروبا، يبدو واضحاً أن دول أوروبا الشرقية، تمثل خطاً دفاعياً متقدماً عن المناطق السوفيتية الآسيوية؛ إذ يوجد تلاحم واتصال بري، بين عمق دول أوروبا الشرقية مع المناطق السوفيتية الآسيوية. ومن ثم فإن الدفاع عن المناطق السوفيتية الآسيوية واقع قائم، بحكم التجاور الجغرافي بينهما، ولو لم يُنص عليه.

    جاء قيام حلف وارسو تعزيزاً للمعاهدات الثنائية الأمنية، بين الاتحاد السوفييتي من جهة، وكل من بلغاريا، وتشيكوسلوفاكيا، وألمانيا، الشرقية، وبولندا، والمجر، ورومانيا من جهة أخرى، إضافة إلى وجود معاهدات مماثلة فيما بينها. وهذا يعنى أن الإجراءات الدفاعية الأمنية، في أوروبا الشرقية، لا تقوم فقط على نصوص حلف وارسو، بل على شبكة متكاملة من العلاقات الثنائية المترابطة، تشكل ركيزة أساسية، في منظومة هذا التحالف، وأن حلف وارسو، من هذا الواقع، يمثل نظاماً سياسياً أمنياً للمحافظة على النظم الشيوعية في أوروبا الشرقية، ويهدف، أيضاً، إلى استمرار تقسيم ألمانيا، وعدم السماح بوحدتها. وهو ما يتوافق مع هدف المعسكر الغربي كذلك، ويشكل حالة التوازن الإستراتيجي بين المعسكرين، في ظل الحرب الباردة.

    وأضفى قيام حلف وارسو المشروعية على وجود القوات السوفيتية، على أراضى دول أوروبا الشرقية، من منطلق دفاعي أمنى، في إطار التحالف، والمحافظة على دول أوروبا الشرقية، في قبضة الاتحاد السوفييتي، وخاضعة له، بحكم عقيدة أيديولوجية واحدة، تجمع بينهم، وهي الشيوعية الماركسية. وهذا ما جعل للاتحاد السوفييتي حق الوجود العسكري لقواته على أرض دول صديقة، وعزز القدرات الدفاعية لدول أوروبا الشرقية، في مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا الغربية، بنظمها الغربية الرأسمالية والديموقراطية، التي مثلت تهديداً أمنياً قوياً لدول حلف وارسو، يجب مواجهته بحشد القدرات العسكرية؛ لدرء أي عدوان محتمل على أوروبا الشرقية.

ثالثاً: الأسباب التي أدت إلى إنشاء هذا الحلف (من وجهة نظر السوفيت):

1. تنظيم التأييد للسياسات السوفيتية، وتنسيق السياسات القومية للاتحاد السوفيتي، مع دول أوروبا الشرقية.

2. تنظيـم التعاون العسكري، بما لا يتعارض مع سياسة ستالين، إزاء دول أوروبا الشرقية، والساعية إلى فرض التنظيمات والعقائد العسكرية السوفيتية، على جيوش أوروبا الشرقية.

        لقد ألقى قيام حلف وارسو، بأعباء عسكرية جسيمة، على القيادة السوفيتية، وبمسؤوليات ضخمة لبناء القوات المسلحة لأوروبا الشرقية، وتوحيد أساليب القتال، والاستخدام الإستراتيجي للقوات المسلحة المشتركة لحلف وارسو؛ مما جعل الاتحاد السوفيتي يدخل في سباق تسلح؛ لمواجهة القدرات العسكرية الأمريكية ودول أوروبا الغربية، وأحدث توتراً في العلاقات الثنائية المباشرة بين القوتين العظميين، مع تنامي القدرات العسكرية لكل من الحلفين. ومن ثم، عندما حدث الوفاق والانفراج في العلاقات بين القوتين العظميين، شهد المسرح الأوربي نزعة قوية لعدم المواجهة العسكرية، وقبول التخفيض المتبادل للقوات التقليدية وغير التقليدية، بما فيها خفض التسلح النووي، في إطار إستراتيجيات الحد من الأسلحة الإستراتيجية؛ وهذا الأمر خفض من التوتر، وأرسى قواعد الانفراج في العلاقات، حتى مع امتلاك كل من فرنسا والمملكة المتحدة لأسلحة نووية.

        عانى حلف وارسو من نقاط ضعف، إذ قررت رومانيا، منذ البداية، عدم التدخل في شؤون بلاد أخرى. واعتباراً من عام 1963، جنحت رومانيا إلى اتخاذ قراراتها الخاصة بها، في السياسة الخارجية الدفاعية، وتعمدت، منذ نوفمبر 1964، خفض مدة الخدمة العسكرية من 24 إلى 16 شهراً فقط.

        وعلى أثر اجتماع ثنائي بين يوغوسلافيا ورومانيا، في مايو 1967، أعلن شاوشيسكو تأييده إلغاء الكتل العسكرية، وإزالة القواعد الأجنبية، وسحب القوات الأجنبية من أراضي الدول الأخرى. وعلى أثر ذلك، قام بريجنيف بزيارة بوخارست (10 ـ 13 مايو). وفي يونيه 1966، استقبلت رومانيا شوإن لاي، وأقامت علاقات دبلوماسية مع ألمانيا الاتحادية، في يناير 1967. وقد رفضت التدخل في تشيكوسلوفاكيا، ورفضت التسليم بأن الدستور يجيز ذلك التدخل، وفقا لإعلان الجمعية الوطنية، بتاريخ 22 أغسطس 1968. كما رفضت كل من يوغوسلافيا ورومانيا التدخل في المجر، عام 1956، وفى تشيكوسلوفاكيا في عام 1968.

رابعاً: تنظيم حلف وارسو وميثاقه:

1. الهيئة السياسية العليا:

    وهي "اللجنة السياسية الاستشارية"، التي تضم أمناء سر الأحزاب الشيوعية في الدول الأعضاء، ورؤساء حكوماتهم، ووزراء الخارجية والدفاع فيها. وتعد هذه اللجنة بمثابة العقل المفكر والموجه لسياسة الحلف، ووضع الخطط، التي تسهم في تحقيق الأهداف الإستراتيجية له، وهي لا تعقد اجتماعاتها، إلا في الظروف غير العادية والملحة؛ لحل المشكلات، التي تهدد وجود هذا التحالف.

2. لجنة وزراء الدفاع:

    تشكلت في عام 1969، وهي تمثل السلطة العسكرية العليا في الحلف. وتضم وزير الدفاع السوفيتي، ووزراء دفاع الدول الأوروبية الشرقية، وآخرين، وتتولى مسؤولية تنفيذ السياسة العسكرية للحلف.

3. القيادة العليا المشتركة:

    هدفها توثيق التعاون بين القوات المتحالفة، وتقوية قدراتها الدفاعية، والتخطيط العسكري في حالة الحرب، واتخاذ القرارات في شأن انتشار القوات المتحالفة. ويتفرع منها:

أ. هيئة الأركان.

ب. مكتب القائد العام.

ج. مجلس عسكري: يضم القائد العام، ورئيس الأركان، وممثلين دائمين في قوات التحالف، بما يمثل الجهاز العسكري الرئيسي، الذي يتولى توزيع المهام والواجبات، في وقت السلم، وهو بمثابة الموجه الرئيسي لتبادل الآراء، حول القرارات المشتركة، في الظروف العادية.

    وتقتصر مناصب القائد العام ونائبه ورئيس الأركان، على الضباط السوفييت وحدهم؛ بما يحقق الهيمنة على التحالف. (أُنظر شكل تنظيم حلف وارسو)

4. ميثاق وارسو:

    عندما تم التوقيع، في 14 مايو 1955، على "معاهدة وارسو للصداقة والتعاون والمعونة المتبادلة "، وحضر الاجتماع وزير دفاع جمهورية الصين الشعبية، بوصفه مراقباً؛ صِيغ الهدف الرئيسي من إقامة هذا التحالف، في ديباجة المعاهدة، وهو أن الأطراف المتعاقدة "..إذ تأخذ في الاعتبار، الموقف، الذي طرأ في أوروبا؛ نتيجة التصديق على اتفاقيات باريس، التي تنص على تكوين تجمع عسكري جديد في صورة "اتحاد أوروبي غربي"، إلى جانب إعادة تسليح ألمانيا الغربية، وإدماج ألمانيا الغربية في كتلة شمال الأطلسي، مما يزيد من التهديد بحرب أخرى، ويخلق تهديداً للأمن القومي للدول المحبة للسلام؛ تتفق فيما بينها، اليوم على توقيع معاهدة الصداقة والتعاون والمعونة المتبادلة، وتكون هذه المعاهدة ملزمة للأطراف الموقعة عليها".

أ. أهم نصوص ميثاق وارسو:

المادة الأولى

يشدّد الأطراف المتعاهدون على الامتناع، في علاقاتهم الدولية، عن التهديد بالقوة أو استخدامها، وتسوية منازعاتهم الدولية بالطرق السلمية؛ حتى لا يُعرَّض السلام والأمن الدوليان للخطر.

المادة الثانية:

يعلن الأطراف المتعاهدون استعدادهم للاشتراك في جميع التعهدات الدولية، المراد بها حماية السلام والأمن الدوليين، والعمل، من أجل اتخاذ تدابير فاعلة، بالاتفاق مع الدول الأخرى الراغبة في التعاون في هذه المسألة، نحو إجراء خفض عام للأسلحة، وتحريم الأسلحة الذرية والهيدروجينية، وغيرها من أسلحة الدمار الشامل.

المادة الثالثة:

وجوب التشاور في جميع المسائل الدولية المهمة، المتصلة بمصالحهم المشتركة، والتشاور، على الفور، إذا رأى أحدهم ظهور تهديد بهجوم مسلح على دولة، أو عدة دول من الدول الموقعة على الاتفاقية. وذلك تمشياً مع مصالحهم في تنظيم دفاعهم المشترك، ودعم السلام والأمن.

المادة الرابعة:

في حالة هجوم مسلح في أوروبا على دولة، أو عدة دول، من الدول الموقعة على الاتفاقية، وعند ممارستها حق الدفاع عن النفس الفردي أو الجماعي، طبقاً للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، سوف تُقدم للدولة، أو الدول، التي هوجمت، المعونة الفورية، بصفتها الفردية، وبالاتفاق مع الأطراف الأخرى، وبجميع الوسائل، التي قد تراها ضرورية، بما في ذلك استخدام القوة المسلحة.

المادة الخامسة والسادسة:

إنشاء قيادة مشتركة لقواتهم المسلحة، ولجنة سياسية استشارية، تضم ممثلاً عن كل طرف.

المادة السابعة:

عدم الاشتراك في أي ائتلاف، ومحالفات، وألا تعقد أي دولة عضو أي اتفاقات، تتعارض أغراضها مع أغراض المعاهدة.

المادة الثامنة:

تنمية ودعم العلاقات الاقتصادية والثقافية، مع التمسك بمبادئ الاحترام المتبادل لاستقلالهم وسيادتهم، وعدم التدخل في شؤونهم الداخلية.

المادة التاسعة:

الباب مفتوح أمام انضمام دول أخرى، بغض النظر عن نظمها الاجتماعية، وأنظمة الحكم فيها.

مدة الاتفاق (المادة 11)

يستمر هذا الاتفاق لمدة 20 عاما ويمدد تلقائياً، إلا إذا أخطر أحد الأطراف برغبته في الانسحاب قبل اتمامه بسنة.

هكذا وُلد حلف وارسو في ظل نظام القطبية الثنائية، أثناء مرحلة الوفاق الدولي، وجاء تكريساً لتوزيع مناطق النفوذ بين القطبين، بناءً على اتفاق ضمني بينهما؛ بحيث يُحظر، على كل منهما، التدخل في مناطق نفوذ الآخر؛ فقد ترك حلف الناتو دول حلف وارسو تتدخل في المجر ويوغوسلافيا، دون أي ردود فعل عسكرية. وعلى الرغم من عدم تدخل الولايات المتحدة الأمريكية لمنع قيام نظام موالٍ للاتحاد السوفييتي، في كوبا عام 1959، فإنها تصدت لمحاولات نصب صواريخ سوفييتية في كوبا، عام 1962. وفي المقابل، لم يستطع الاتحاد السوفييتي أن يمنع تدخل القوات الأمريكية في مناطق عديدة من العالم.

ب. مجلس المعونة الاقتصادية المتبادلة (كوميكون):

جاء التحرك السوفيتي، تجاه دول أوروبا الشرقية، متوافقاً مع أهداف التعاون، التي لم تكن قاصرة على التعاون العسكري، بل امتدت إلى تعاون اقتصادي. ففي يناير 1949 أُنشئ مجلس المعونة الاقتصادية المتبادلة (الكوميكون)، بعضوية الاتحاد السوفيتي، وبلغاريا، وبولندا، وتشيكوسلوفاكيا، ورومانيا، والمجر، وانضمت ألبانيا في فبراير (ولكنها توقفت عن المشاركة في نشاط المجلس في نهاية عام 1961؛ بسبب خلافها مع دول حلف وارسو، كما انضمت ألمانيا الديمقراطية، في سبتمبر 1950، وجمهورية منغوليا في يونيه 1962.

وفي يونيه 1962 عُقد اجتماع على مستوى عال، ضم ممثلين عن الأحزاب الشيوعية، وأحزاب العمال في الدول الأعضاء، وأوصى بالتنسيق بين خطط التنمية، وتطويرها في جوانب متعددة.

(1) الهيكل التنظيمي للكوميكون:

الكوميكون منظمة دولية إقليمية، عضويتها مفتوحة لكل الدول، التي تتفق مبادئها وأهدافها مع الدول الأعضاء، ومن الناحية الفعلية، انضمت إليه مجموعة دول أوروبا الشرقية (ألبانيا ـ أبريل 1949، وألمانيا الشرقية سبتمبر 1950، ويوغوسلافيا بصفة مراقب خلال دورتين للمجلس 1956 ـ 1958).

حددت المادة الخامسة من الميثاق هذه الأجهزة: مجلس الكوميكون، واللجنة التنفيذية (حلت محل مجلس ممثلي الدول الأعضاء)، واللجان الدائمة، والأمانة العامة، ولكنه عُدِّل ليكون:

أولاً: مجلس الكوميكون

هو أعلى هيئة، لها الحق في مناقشة جميع المسائل والموضوعات، التي تتعلق بالتعاون الاقتصادي والعلمي والفني بين دول الحلف، واتخاذ توصيات بخصوصها؛ إذ تقرر المادة الرابعة من الميثاق، أن للمجلس الحق في اتخاذ التوصيات المختلفة، في مسائل التعاون الاقتصادي والعلمي والفني، أما القرارات، فتتعلق بأمور تنظيمه وإجراءاته فقط. وهذه تصبح نافذة فور إصدارها. والمهمة الأساسية لدورات المجلس هي مناقشة المشاكل، التي تحيلها إليه أجهزة الكوميكون المختلفة، مثل اللجنة الدائمة والأمانة العامة، كما ينظر في المسائل، التي ترفعها إليه الدول الأعضاء للدراسة. يعقد المجلس دورتين كل عام، ويمكن عقد دورة غير عادية؛ بناء على طلب ثلث الأعضاء، على الأقل. ولكن المجلس لم ينعقد، في الفترة من نوفمبر 1950 إلى مارس 1954. ولعل ذلك كان؛ بسبب ظروف مرحلة الانتقال الصعبة. أما عدم انعقاده في الفترة الثانية من مارس 1954 إلى يونيه 1958، فيمكن تبريره بالوضع السياسي غير المستقر، الذي أعقب المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفيتي، الذي انتهى باجتماع الأحزاب الشيوعية الأحد عشر، في موسكو عام 1957.

تُعقد اجتماعات المجلس في مختلف عواصم دول الكوميكون، ويحضرها وفود من الدول الأعضاء، ومراقبون من الدول الأخرى، ولا تستغرق الدورة، عادة، أكثر من يومين إلى أربعة أيام، باستثناء الدورة السابعة، التي استغرقت أسبوعاً، وهي تعد من أهم اجتماعات مجلس الكوميكون، وتقرر فيها إنشاء إحدى عشرة لجنة دائمة، ناقشت برنامج التخصص لدى الدول الأعضاء، في حوالي 600 نوع من الآلات. ويشير قصر فترة الانعقاد لدورة مجلس الكوميكون إلى أنه، إما أنه كان هناك اتفاق كامل في الآراء بخصوص شتى الموضوعات؛ فلا حاجة إلى مناقشات طويلة، وإما أن المناقشات تمت بالفعل قبل اجتماع المجلس. ومن الجدير بالذكر، أن القرارات المهمة كانت تتخذ في اجتماعات زعماء الأحزاب الشيوعية لدول الكوميكون، قبل اجتماعات مايو 1958، وفبراير 1960، ويونيه 1962، ويوليه 1963.

ثانياً: اللجنة التنفيذية:

تقرر إنشاؤها في اجتماع قادة أحزاب دول الكوميكون في موسكو، في يونيه 1962، وحلت بذلك، محل مجلس ممثلي الدول الأعضاء. مهمتها تنفيذ السياسات، التي رسمها مجلس الكوميكون،وتتكون من ممثلين دائمين لكل دولة عضو، على مستوى نائب رئيس الوزراء، يتفرغون تماما لأعمال المنظمة. وتعقد اجتماعاتها الدورية كل 4 أشهر. يشمل عمل اللجنة التنفيذية تنسيق الخطط الاقتصادية للدول الأعضاء، وبرامج الاستثمار، والسياسات التجارية، ومتابعة الأحداث العلمية والتكنولوجية والاقتصادية.

يتبع اللجنة مباشرة "مكتب مشكلات التخطيط الاقتصادي"، ويتألف من نواب رؤساء اللجان الوطنية للتخطيط، في الدول الأعضاء، وهو أعلى جهاز تخطيطي، على مستوى الدولة، (يساوي وزارة التخطيط). ووظيفة هذا المكتب توفير المعلومات والحقائق للجان، بخصوص تنسيق الخطط بين الأعضاء.

هناك آراء تقول إن اللجنة التنفيذية لديها، من السُّلطات، ما يزيد على مجلس الكوميكون،، ويحتمل أن يكون قد عُدِّل الميثاق؛ لتصبح هذه اللجنة أعلى سلطة في الكوميكون.

ثالثاً: اللجان الدائمة:

وفقاً للمادة الثامنة من الميثاق، تتكون هذه اللجان من خبراء فنيين، من مختلف الدول الأعضاء، وعملها الأساسي هو الاتفاق على التفاصيل، بخصوص السياسات، التي أقرها مجلس الكوميكون، أو اللجنة التنفيذية، وهي تهتم كذلك بالتنسيق بين خطط الإنتاج، ووضع أولويات له، حسب تفصيلات معينة، وصياغة اتفاقات التجارة، واختيار مشاريع جديدة للاستثمار. وتختص كل لجنة في ميدان معيّن، من ميادين النشاط الاقتصادي؛ فهناك لجان الفحم، والكهرباء، وبناء الماكينات، والزراعة، والتجارة الخارجية، والنقل، والطاقة النووية، والإحصاء، والصناعات الغذائية، والإلكترونيات، والكيماويات، والاستعمالات السلمية للطاقة الذرية.. الخ. ويصل عدد هذه اللجان إلى 21 لجنة، مما يدل على تقدم العمل في مجال التكامل الاقتصادي، داخل الكوميكون، ولكل لجنة دائمة سكرتارية خاصة بها، وغالباً ما يكون رئيس اللجنة هو ممثل الدولة المضيفة.

أتاح إنشاء هذه اللجان، منذ الدورة السابعة للكوميكون، في مايو 1956، آلية مستمرة للحوار بين الدول الأعضاء، ومهَّد الطريق أمام توسيع نشاط المنظمة. وازدادت صلاحية هذه اللجان، فصارت قادرة على معالجة بعض المسائل العاجلة، في القطاعات الاقتصادية والحيوية. وقد تقرر في اجتماع لقادة أحزاب العمل ودول الكوميكون، في يونيه 1962، تطوير العمل في لجان معينة، خاصة تلك، التي تتعلق ببناء الماكينات والصناعات الكيماوية والتجارة الخارجية. وتتبع كلَّ لجنة من هذه اللجان لجانٌ تنفيذية متخصصة، تتكون من ممثلين لكل دولة، بدرجة نائب وزير، وتجتمع مرتين أو ثلاث مرات، سنوياً.

رابعاً: الأمانة العامة:

على الرغم من صدور قرار بإنشائها، منذ يناير 1949، فإنها، حتى مايو 1956، لم تكن قد اتضحت معالمها واختصاصاتها، وحسب الميثاق، فإن عمل الأمانة هو إعداد جدول أعمال دورات مجلس الكوميكون، والهيئات الأخرى، وتنسيق العمل بين اللجان الدائمة واللجان المؤقتة، وإجراء الأبحاث وإعداد التقارير والحقائق والإحصائيات اللازمة لدراسة موضوع معين. مقر الأمانة في موسكو. يصل عدد العاملين فيها إلى أكثر من ألفين، بينما تذكر مصادر أخرى أنهم لا يزيدون عن 400 فقط. ويبدو أن زيادة الأعداد مرتبطة بازدياد أعمال واختصاصات الكوميكون، وزيادة اهتمام الأعضاء به، وليس هناك أي معلومات عن مبالغ نفقات الأمانة، ولا كيفية توزيعها على الأعضاء، ولا التوزيع الجغرافي لجنسيات موظفي الأمانة.

إضافة إلى هذه الأجهزة الأربعة، هناك البنك الدولي للتعاون الاقتصادي (لم يرد ذكره في الميثاق). وقد تقرر إنشاؤه في اجتماع اللجنة التنفيذية، في 23 أكتوبر 1963؛ ليقوم بعمليات المقاصة الجماعية، بين الدول الأعضاء، ويضع فيه كل بنك مركزي من بنوك الدول الأعضاء، قدراً معيناً من المال؛ لدفع التزامات الدولة منه. وتضع كل دولة نسبة معينة، حسب نسب صادراتها في تجارة الكوميكون. ويمكن، للبنك، أن يعطي الدول الأعضاء قروضاً قصيرة الأجل لمدة عام مثلاً، ويعمل البنك على تدعيم التعاون الاقتصادي بين الدول الأعضاء، وتدعيم الروابط الاقتصادية بينها.

بصفة عامة، فإن الهيكل التنظيمي للكوميكون كان متطوراً دائماً. وكان إنشاء البنك الدولي للتعاون الاقتصادي، في أول يناير 1964، تأييداً واضحاً للرغبة في تدعيم مركز الكوميكون وتوسيع نشاطه.

(2) هدف الكوميكون: (وفقا للمادة الثالثة من ميثاق الكوميكون)

(أ) تنسيق التعاون في الميادين الاقتصادية والفنية والعلمية.

(ب) تقسيم العمل بين الدول الأعضاء، وتنسيق الخطط الاقتصادية بينها.

(ج) التخصص في الإنتاج، بما يؤدى إلى تكامل اقتصادي.

(د) إجراء البحوث الاقتصادية والفنية والعلمية، بما يحقق اهتمامات الدول الأعضاء.

(هـ) إعداد المشروعات المشتركة في مجالات الصناعة والزراعة والنقل والطاقة… إلخ.

(و) تنمية التبادل التجاري بين الدول الأعضاء.

(ز) تبادل المعلومات في الإنجازات العلمية والفنية.

ومن الملاحظ، أن أهداف المجلس لم تتحقق، كما هو متوقع، وواجه منذ البداية صعوبات لتحقيق التكامل الاقتصادي، خاصة من جانب رومانيا، التي اتجهت إلى إعلان أنها في طريق التصنيع الشامل بجهودها، وتنمية الصناعات المعدنية والكيماوية، وصنع الآلات. وهو اتجاه يتعارض مع سياسة التخصص في المواد الأولية والإنتاج الزراعي. وكان الرأي السائد، لدى رومانيا، خضوع الاقتصاد وخطط التنمية لسيادة الدولة، بما يحقق المصالح القومية العليا. وهذا يتنافى تماماً مع السياسة، التي تهدف إلى إشراف الكوميكون على خطط التنمية في الدول الأعضاء. وارتبطت الدول الأعضاء ارتباطاً قوياً وتابعاً للاتحاد السوفيتي باعتباره المصدر الوحيد للوقود والمواد الأولية.

من أهم المبررات، التي أدت إلى عدم إمكانية تحقيق أهداف الكوميكون، رغبة بعض الدول في التوسع في إنشاء علاقات اقتصادية وتجارية مع الغرب؛ فقد قامت رومانيا، مثلاً، بشراء نحو 45% من وارداتها، من دول غربية، وأيضا، فإن المجر، وعلى رغم ارتباطها بالكوميكون ووضع أولوية للتعاون، اتصلت مع دول غربية، لديها قدرة على النمو المطرد. بل ارتبطت معظم دول الكوميكون بعلاقات واتفاقات تجارية مع دول غربية، لمدة خمس سنوات. وذلك بهدف الحصول على تكنولوجيا غربية تحقق التقدم التكنولوجي، مع الرغبة في تخفيض التوتر في العلاقات بين شرق وغرب أوروبا.

(3) تقويم نشاط الكوميكون:

إذا كان الهدف هو الوصول إلى التكامل الاقتصادي بين الدول الشيوعية. فإن هذا الهدف لم يتحقق. ولكن من الواضح، أن هناك أهدافاً عديدة قد تحققت؛ فقد تم تنسيق الخطط الاقتصادية، ولو على أساس ثقافي، وقبل كثير من الدول مبدأ التخصص، رغم أنه لم ينفذ على نطاق شامل. وأقيمت مشروعات إنتاجية مشتركة، كما تمت عمليات البحث العلمي على أساس جماعي.

ولكن الهدف الرئيسي، وهو تأسيس جهاز ذي سلطة عليا، يقوم بعمليات التنسيق والتخصص على نطاق واسع؛ لم يتحقق؛ لأسباب عديدة، أهمها أن إنشاء هذا الجهاز كان يعني، أن تتنازل كل دولة عن سيادتها على تنظيم اقتصادها.

وبالنظر إلى الصعاب، التي واجهت الكوميكون، في مجالات تنسيق الخطط والتخصص والتبادل التجاري؛ فلعل الإنتاج المشترك، على أساس ثنائي أو جماعي، كان هو النشاط الرئيسي للكوميكون، فهو يؤدي في نهايته إلى تخصيص واستغلال للموارد الأفضل، ومن ناحية أخرى إلى خفض للتكاليف، ولو على نطاق محدود.

ويرى بعض المحللين أن قيام الكوميكون، كان تعبيراً عن أزمة واجهها الاتحاد السوفيتي وتابعوه، أكثر من كونه انفتاحاً في مجال التعاون الاقتصادي؛ فقد كان عام 1949، ضمن المرحلة الأولى من الحرب الباردة بين القطبين. في تلك السنين العصيبة كان التوتر على أشده، والسباق محموم بينهما؛ للسيطرة على العالم. فمن ناحية شرعت الولايات المتحدة في تنفيذ خطة مارشال، التي، بموجبها، مدت أمريكا يد المساعدة إلى بريطانيا، وفرنسا، واليونان، والنمسا، وألمانيا الغربية، وهولندا، فدفعت نحو 13150 مليون دولار، في محاولة لإعادة بناء اقتصاد تلك الدول، كي تستطيع أن تقاوم خطر الزحف الشيوعي القادم من الشرق. من ناحية أخرى بدأت عزلة الاتحاد السوفيتي، إلى درجة قاربت إيقاف مبادلاته التجارية مع الغرب، خاصة بعد فشل مؤتمر تقديم المساعدات للاتحاد السوفيتي، بسبب إصرار الاتحاد السوفيتي على أن تكون المساعدات غير مشروطة. وبعد انهيار المفاوضات بدأت أحلام السوفيت، في إقامة علاقات تجارية واقتصادية متكافئة مع الغرب، تتضاءل. ووسط أحداث أخرى، منها الانقلاب الشيوعي في براج (المجر)، وبعد شهور قليلة عُزلت برلين الشرقية، وتكوّن الناتو، وبدأت المواجهة في الحرب الكورية، وتوترات الهند الصينية، مما أدى إلى سباق تسلح وعزل اقتصادي، شبه كامل، للاتحاد السوفيتي والدول السائرة في فلكه. ووسط هذا التزاحم من الأحداث، لم يكن أمام الاتحاد السوفيتي إلا الشروع في بناء كيان اقتصادي (كوميكون)، وسياسي عسكري (حلف وارسو)؛ لمواجهة هذه العزلة. وقد عانى الاتحاد السوفيتي وتوابعه أزمة حادة، في السبعينيات، كما عانى من ثورات 1968، ولم تكن الثمانينات أحسن حالاً، بل عانت المنظومة الاشتراكية كلها من أزمة كساءٍ عنيفة، ولم ينجح نظام التخطيط المركزي في تطوير وتطبيق التكنولوجيا الجديدة. وقد هلل الاقتصاديون الغربيون، فرحاً، قائلين إن الاقتصاد المخطط مركزياً تحررت له شهادة وفاة الآن، وهذا ما حدث بالفعل. وكانت ثورات أوروبا الشرقية، عام 1989، بمثابة الضربة القاضية، التي وجّهت إلى الكوميكون، ولم تنجح أي محاولات للتغلب على المشكلات، إلى أن جاء يوم 5 يناير 1991، عندما قرر الأعضاء في المجلس حله، بما يعكس مدى تعقيد المشاكل، التي عاناها اقتصاد تلك الدول، والتدهور الاقتصادي والسياسي.



[1] أدى النظام الدولي، الذي جاء في أعقاب الحرب العالمية الثانية، والذي عرف بأنه نظام القطبية الثنائية المحكمة Tight bipolarity ، ثم نظام القطبية الثنائية المفككة Loosee bipolarity ، إلى ظهور حالة التقسيم الثنائي لإمكانات القوة الدولية، وتفاقم الصراعات الأيديولوجية، ثم حيازة القوتين العظميين نسبة خطيرة من قدرات الحرب النووية. وقد استغرق نظام القطبية الثنائية المحكمة الفترة من نهاية الحرب العالمية الثانية إلى نهاية الخمسينيات، تقريبًا، بما تميز من اشتداد حدة الصراعات الأمريكية السوفيتية، وتطور أوضاع المجابهة بينهما، خاصة في المسرح الأوروبي. وقد تمخض ذلك عن قيام نشاط محموم لبناء المحالفات، والمحالفات المضادة، باعتبارها ظاهرة مصاحبة لوجود الحرب الباردة، والقطبية الثنائية للنظام الدولي.