إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / منظمات وأحلاف وتكتلات / حلف وارسو (WARSAW)





تنظيم حلف وارسو

التكتلات الدولية في أوروبا
اتجاهات عمل حلف وارسو



حلف وارسو

المبحث الثاني

قرارات مجلس حلف وارسو 1966، وأثرها

    اجتمعت اللجنة السياسية الاستشارية، التابعة لمعاهدة وارسو للصداقة والتعاون والمساعدة المتبادلة، في بوخارست، في الفترة من 4 ـ 6 يوليه 1966، وانتهى المشتركون في الاجتماع، إلى إصدار الإعلان الخاص بدعم السلام والأمن في أوروبا.

    وافقت الدول الأطراف، في معاهدة وارسو للصداقة والتعاون والمساعدة المتبادلة، وهي جمهورية بلغاريا الشعبية، وجمهورية المجر الشعبية، وجمهورية ألمانيا الديمقراطية، وجمهورية بولندا الشعبية، وجمهورية رومانيا الاشتراكية، واتحاد الجمهوريات الشعبية السوفيتية، على الإعلان التالي:

    إن صياغة السلام والأمن، في أوروبا، تتوافق، مع رغبة شعوب القارة الأوروبية؛ ومع مصالح السلام العالمي، أيضًا.

    وإن واجب شعوب أوروبا، التي بذلت الكثير من أجل التقدم الإنساني، يحتم عليها العمل على تخفيض حدة التوتر الدولي، في هذه المنطقة من العالم، بما من شأنه أن يزيد من فرص الفهم المتبادل، وأن يعين كل شعب من شعوبها، على استخدام مصادره المادية والروحية، وفقا لإرادته.

    ولا يخفى أن العلاقات الأوروبية تؤثر، بشكل حاسم، على الشؤون الدولية، فعلى أرض القارة الأوروبية، انبثقت حربان عالميتان، دفعت الإنسانية ثمنهما ملايين الضحايا والأرواح. ومشكلة الأمن ليست حديثة العهد، وإنما ترجع جذورها إلى وقت قيام الحرب العالمية الأولى. وقد تجلت خطورة هذه المشكلة، تمامًا، بظهور القوى الفاشية في أوروبا، والتي ساقت العالم وراءها إلى الحرب، وكان الاعتقاد السائد، آنذاك، أن هذه الحرب ستكون آخر الحروب العالمية.

    وفى عام 1945، بدا أن الطريق إلى دعم الأمن الأوروبي كان مفتوحا؛ فالفاشية الألمانية خرجت، مدحورة، من الحرب، وكانت الشعوب مصممة، بعد قتالها المرير، ضد ألمانيا النازية، على تصفية قوى العدوان، وكبح جماح الروح العسكرية، التي جرَّت الوبال والدمار على أجيالٍ وأجيالٍ من البشر.

    وكانت اتفاقية بوتسدام، التي توجت علاقات الحلفاء، الذين ضمهم الائتلاف ضد هتلر، بمثابة البرنامج، الذي يمكن أن يوفر السلام في المستقبل. وقد برهنت هذه الاتفاقية على أنه كان من الممكن لأوروبا ـ لأول مرة في تاريخها ـ أن تحل مشاكل الأمن المتعلق بها، وكان هذا راجعاً، بصفة رئيسية، إلى رغبة دول القارة الأوروبية، فىالحيلولة دون إحياء العسكرية الألمانية والنازية، بما يضمن عدم اعتداء ألمانيا على جيرانها والسلام العالمي، مرة أخرى، ولم يكن هذا ليتم، لو لم يكن هناك تعاون ودي وشريف بين تلك الدول الأوروبية، التي تود صيانة السلام الأوروبي والعالمي. ولكن تطورات الأحداث خيبت هذه الآمال، وكانت المسؤولية تقع أساساً على تلك الدول، التي لجأت، بعد أن تم لها الانتصار على ألمانيا النازية، إلى قطع تعاونها مع الأطراف الأخرى في التحالف ضد هتلر، وإلى نبذ طريق دعم الأمن الأوروبي، وإلى اتباع سياسات عدوانية، لا تتوافق مع الأهداف، التي عبرت عنها اتفاقية بوتسدام. والآن، وبعد انتهاء أكثر من عشرين عاما على انتهاء الحرب العالمية الثانية، لم يمكن التخلص من رواسبها، في أوروبا، فليست هناك معاهدة سلام ألمانية، هذا فضلا عن جو التوتر والمواقف المليئة ببذور التناقض والاحتكاك، الذي ينعكس على علاقات الدول الأوروبية، في عصر الحرب البارده.

    وتعتقد الدول الاشتراكية، الموقعة على هذا الإعلان، أن دعم السلام والأمن في أوروبا، لابد أن يسبقه التخلي عن التهديد باستخدام القوة، والاستعداد لتسوية الخلافات الدولية بالطرق السلمية، وحدها، على أساس مبادئ السيادة والاستقلال القومي، والمساواة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، أو الاعتداء على وحدتها الإقليمية.

    وواجب الدول الأوروبية هو، أن تبحث عن الإجراءات والترتيبات الكفيلة بإزالة خطر الحرب المسلحة، وصيانة الأمن الجماعي الأوروبي، وهذا يتطلب قيام كل دولة أوروبية، كبيرة كانت أو صغيرة، ومهما كان نظامها الاجتماعى والسياسي، ببذل ما في وسعها لإيجاد تعاون مثمر، على أساس من التكافؤ، والاحترام المتبادل للسيادة والاستقلال.

    إن الدول الاشتراكية، بإمكاناتها الاقتصادية والسياسية والعسكرية الضخمة، وكذلك الطبقة العاملة الدولية، بزعامة الأحزاب الشيوعية، وحركات التحرر الوطني، والدول، التي حصلت على استقلالها حديثا، والقوى التقدمية والديموقراطية في العالم، كلها، تقف بإصرار ضد السياسات الإمبريالية العدوانية، من أجل أمن الشعوب كلها. ويدعم هذه القوى، في صراعها ضد الإمبريالية، الاتجاهات النامية في أوروبا، التي ترمي إلى تصفية مخلفات الحرب الباردة، وكل العوائق، التي تحول دون النمو الطبيعى للتعاون الأوروبي، وتمنع تسوية المشاكل الخطيرة، في إطار من الفهم المتبادل. ولا يعارض هذه الاتجاهات سوى الدوائر الإمبريالية والرجعية، التي تعمل على زيادة حدة التوتر الدولي، تسهيلاً لأغراضها العدوانية، وبهدف تسميم العلاقات الأوروبية.

    ويظهر التهديد المباشر للسلام، في أوروبا، واضحاً، في السياسة الحالية، التي تتبعها الولايات المتحدة الأمريكية، وهي السياسة نفسها، التي نشبت في جنوب شرقي آسيا، وتسببت في إشعال حرب عدوانية، ضد الشعب الفيتنامى. كما تسببت هذه السياسة، في خلق عدة أزمات دولية، وفى زيادة حدة التوتر والتدهور، في علاقات الكثير من الدول. وتقوم السياسة الأمريكية على التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وهي، في هذا، تلجأ إلى أساليب القهر، والتدخل الاستعماري، بما يتناقض وحق كل دولة في تقرير مستقبلها. ويبدو هذا، أشد ما يكون وضوحاً، في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، حيث تؤيد الولايات المتحدة الأمريكية القوى الرجعية، والأنظمة الفاسدة، التي تكرهها الشعوب وتعاديها.

    وليس هناك من شك، في أن سياسة الولايات المتحدة، في أوروبا، إنما تتعارض مع مصالح الشعوب الأوروبية، وتهدد الأمن الأوروبي. كما لا يخفى أن الدوائر الحاكمة، ترغب في فرض إرادتها على حلفائها، في غرب أوروبا. مما يجعل المنطقة أداة ضغط في يد السياسة الأمريكية. ويبرهن، على ذلك، المحاولات، التي تبذلها هذه الدوائر نحو جر بعض دول غرب أوروبا، وتوريطها في مغامراتها العسكرية، في أجزاء أخرى من العالم، لا سيما في آسيا.

    كما أنه، عن طريق حلف شمال الأطلسي، تسعى الولايات المتحدة، بمساعدة حلفائها من بين العناصر الرجعية في غرب أوروبا، إلى زيادة الانقسام بين الدول الأوروبية، وتشجيع سباق التسلح، وزيادة حدة التدهور الدولي، والحيلولة دون قيام علاقات طبيعية، بين دول غرب وشرق أوروبا. وهذا هو السبب، الذي من أجله تحتفظ الولايات المتحدة الأمريكية بقواعد وقوات لها في دول غرب أوروبا، مع العمل على زيادة مخزونها من الأسلحة النووية، هناك. ومثل هذه السياسات الخطيرة على الأمن الأوروبي، تتوافق، على نحو متزايد، مع مخططات القوى العسكرية والعدوانية في ألمانيا الغربية، وهي القوى، التي تدفع الولايات المتحدة إلى اتباع طريق وعر وخطير، في سياستها الأوروبية. وتقوم سياسة هذه القوى العدوانية في ألمانيا، على السعي نحو تملك أسلحة نووية. وقد استطاعت الدول والشعوب المحبة للسلام، أن تحول، بفضل جهودها المشتركة، دون إنشاء القوة النووية المندمجة التابعة لحلف الأطلسي، التي كان قيامها يعني فتح الطريق أمام ألمانيا الغربية، للحصول على أسلحة نووية، ولا يعني عدم التنفيذ الفعلي لهذا المشروع، أن الخطط المرتبطة به قد تم التخلي عنها نهائيا.

    من المؤكد، أن مشروع القوة النووية متعددة الأطراف، يناقض المصالح الحيوية لكل الشعوب، وفي حالة عدم الرجوع عن هذا المشروع، أو إذا ما تم تزويد ألمانيا الغربية بأسلحة نووية، بأي شكل من الأشكال، فلن يسع دول حلف وارسو، إلا أن تتخذ كل الترتيبات الدفاعية، الكفيلة بحماية أمنها.

    وإن الواجب ليقتضى، أيضا، التصدي للادعاءات الإقليمية لألمانيا الغربية؛ إذ لا أساس ولا مستقبل لها. فمشكلة الحدود في أوروبا، تم حلها، نهائيا، ولا مجال للرجوع فيها، بما في ذلك، الحدود بين جمهورية ألمانيا الديمقراطية، وبين بولنده وتشيكوسلوفاكيا.

    وتعلن الدول الممثلة في هذا الاجتماع، عن استعدادها لسحق أي اعتداء، من جانب القوى الإمبريالية والرجعية، كما تعلن أنه ليست لها أي مطالب إقليمية، في أي دولة أوروبية. وترى أن مصلحة الأمن والسلام، في أوروبا والعالم، تقتضي، من حكام جمهورية ألمانيا الاتحادية، الإقرار بحقائق الموقف الأوروبي الراهن، والاعتراف بأن هناك دولتين ألمانيتين، وأن يتخلوا، في مشاريعهم الخاصة، عن إعادة رسم الحدود الأوروبية، وأن يتنازلوا عن آرائهم بأنهم وحدهم، الذين لهم حق تمثيل كل ألمانيا، وأن يرجعوا عن محاولات الضغط، الذي يمارسونه على الدول، التي تعترف بجمهورية ألمانيا الديموقراطية، كما يجب عليهم أن يبرهنوا، للعالم، أنهم تخلوا عن الرغبة في العدوان، وأنهم يتبعون سياسة، من شأنها تنمية علاقات التعاون بين الدول والشعوب.

    وننوه هنا بالمحاولات، التي تبذلها جمهورية ألمانيا الديمقراطية، وهي دعامة كبيرة لحماية السلام في أوروبا، وذلك عن طريق المقترحات البناءة، التي تقدمت بها إلى برلمان جمهورية ألمانيا الاتحادية، ومنها: التخلي عن المطالبة بتملك أسلحة نووية، وتخفيض جيشي الدولتين الألمانيتين، والتعهد بعدم استخدام إحداهما القوة ضد الأخرى، وأن تحل المشكلات، بين الدولتين، عن طريق المفاوضات. ولكن الذي حدث هو أن حكومة ألمانيا الاتحادية لم تول هذه المقترحات اهتماما. وتعلن دول الأطراف، في هذا الاجتماع، تأييدها للاقتراحات، التي تقدمت بها جمهورية ألمانيا الديمقراطية.

    ولا يسع الدول، الممثلة في هذا الاجتماع، إلا أن تعلن، بعد تحليل شامل لأبعاد الموقف الراهن في أوروبا، وللقوى، التي تتحكم في تطوره؛ أن الدول الاشتراكية، التي تمثل نصف الدول الأوروبية، تقريبا، هي الضمان ضد تطور الموقف الحالي، في اتجاه غير مرغوب فيه. كما تعلن أن مشكلة الأمن الأوروبي لن يمكن حلها، إلا من خلال الجهود المشتركة لجميع الدول الأوروبية، بالتضامن مع القوى الشعبية، التي تعمل من أجل السلام، وبغض النظر عن ارتباطاتها الأيديولوجية والدينية والسياسية. وأن هذه القوى الشعبية تشكل، في الواقع، قيداً، متزايداً، على مغامرات الإمبريالية بإشعال الحرب وهي تدرك أن تخفيف التوتر العالمي، وتنمية علاقات ودية طبيعية بين الدول، دون تميز، يتطلبان تجاوز وجهات النظر السياسية والعقائدية، وأن نفوذ هذه القوى يزداد يوماً بعد يوم، في الوقت، الذي تهتز فيه الأرض، تحت أقدام دعاة السياسات العدوانية التوسعية.

    ومن ثم، فإن المشتركين في هذا الاجتماع، يطالبون كل دولة أوروبية بأن تلعب دورها في الشؤون الدولية، وأن تسهم، بقدر ما تستطيع، في بناء أوروبا، ودعم أمنها، دون تدخل خارجي، وإلى إقامة العلاقات الأوروبية، وفقاً لمبادئ مراعاة السيادة القومية لكل دولة، واستقلال الوطن، ودون تدخل في شؤونها الداخلية. ولا يبدو هذا عسيراً، على الرغم من وجود بعض العوائق، في جو السياسة الأوروبية الراهنة؛ فالدول الأوروبية تحميها الصلات التجارية التقليدية، وهذا يشجع فرص التعاون الاقتصادي بينها، على أساس متبادل، ومن شأن هذا التعاون أن يؤدي، في المستقبل، إلى تهيئة جو الثقة والفهم المتبادل بين شعوب أوروبا، كما يفتح المجال أمام المزيد من التعاون في المجالات العلمية والتكتيكية والثقافية، مما يزيد من التعارف بين الشعوب، ويرسي الأساس المادي للأمن الأوروبي، ودعم السلام العالمي، على رغم الاختلافات السياسية والاجتماعية والأيديولوجية، التي تفصل بين الأنظمة المختلفة.

    وتعلن الدول الموقعة على هذا الإعلان، أن تطور الموقف، يتطلب من الدول الأوروبية مزيداً من النشاط والجهد؛ لتدعيم السلام في أوروبا؛ إذ لا يمكن لحكومات الدول الأوروبية أن تركن إلى مجرد التأكيدات، التي تصدر عن تلك الدوائر، التي تتبنى مخططات عدوانية، وتحاول الرجوع عن تسويات الحرب العالمية الثانية، وتطالب بتملك أسلحة نووية خاصة بها. ومن ثم، لا يمكن التزام موقف سلبي من هذه القوى؛ لأن مثل هذه الاتجاهات السلبية تشجعها، صراحة أو ضمنا، على إشعال حرب نووية مدمرة في أوروبا. وهذا يتطلب، في رأي الدول الممثلة في هذا الاجتماع، ضرورة الإقدام على اتخاذ الإجراءات، وعمل ترتيبات بناءة، بأسرع ما يمكن، لدعم الأمن الأوروبي، وتعرب عن اعتقادها بأن ليس في الموقف الحالي، ما يحول دون اتخاذ هذه الإجراءات. وهي على أتم استعداد للتعاون مع غيرها من الدول؛ من أجل التوصل إلى ضمانات قوية ومستقرة، لحماية السلام والأمن في أوروبا.

    وتقترح الدول الموقعة على هذا الإعلان، الإجراءات التالية من أجل صيانة الأمن الأوروبي:

أولاً:   دعوة كل الدول الأوروبية إلى تنمية علاقات الجوار، فيما بينها، بما يتفق مع مبادئ احترام الاستقلال الوطني، والسيادة القومية، والمساواة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وفقاً لمبادئ التضامن السلمي، بين الدول ذات الأنظمة الاجتماعية المختلفة. ويتبع ذلك، الحاجة إلى تنمية الروابط التجارية والاقتصادية بين الدول الأوروبية، وزيادة حجم التعاون، فيما بينها، في ميادين العلم والتكنولوجيا والثقافة والفنون، وغيرها من المجالات[1].

        ويرتبط بهذا التعاون ضرورة تخلِّي هذه الدول عن كل أساليب التمييز والاضطهاد والضغط، اقتصاديا كان أو سياسيا، ضد الدول الأخرى، ويقتضي ذلك إقامة علاقات ودية وطبيعية فيما بينها، بما في ذلك العلاقات بين دولتي ألمانيا. ومن شأن اتساع نطاق التعاون بين الدول الأوروبية، أن يخلق جواً من الثقة والاحترام المتبادل بينها، وأن يحسن من المناخ السياسي في أوروبا، بوجه عام.

ثانيا:   إن الدول الاشتراكية طالما نددت بانقسام العالم بين الكتل والأحلاف العسكرية، وطالبت بإلغائها حماية للسلام والأمن الدولي.

        "ومعاهدة وارسو للصداقة والتعاون والمساعدة المتبادلة"، وهي حلف دفاعي من دول مستقلة ذات سيادة، هدفه حماية أمن الدول المشتركة فيه، ودعم السلام في أوروبا؛ لم تنشأ إلا ردًّا على تحالف الناتو NATO العدواني، الذي ضم ألمانيا الغربية إليه". والدول الأعضاء في منظمة حلف وارسو، تعتبر أن استمرار وجود التكتلات والقواعد العسكرية، فوق أراضي الدول، بفعل الضغط، الذي تمارسه القوى الإمبريالية، إنما يشكل عائقا في وجه التعاون بين الدول. والضمان الحقيقي لأمن وتقدم الدول الأوروبية، يكمن في ضرورة ابتعادها عن الارتباط بعجلة هذه الأحلاف العسكرية، التي لا تتواءم مع الاتجاهات المعاصرة، في السياسة الدولية، ثم استبدال هذه المحالفات بنظام فاعل للأمن الأوروبي، يقوم على أساس علاقات المساواة والاحترام المتبادل، بين كل الدول الأوروبية.

        وتعتقد الدول الموقعة على هذا الإعلان، أن الحاجة أصبحت ماسة إلى إنهاء المحالفات العسكرية الحالية، وتؤكد، من جديد، أن التخلي عن منظمة حلف شمال الأطلسي، ستجعل وجود حلف وارسو غير ذي معنى، وبدلا منهما، يمكن قيام نظام جديد للأمن الأوروبي، وهي على استعداد للتخلي عن منظمة حلف وارسو، إذا ما تم التخلي عن منظمة حلف شمال الأطلسي، أما إذا تشبثت الدوائر الإمبريالية العدوانية بهذه المنظمة العسكرية، فلن يسع الدول الاشتراكية الممثلة في هذا الإجماع، إلا أن تكون دائما على حذر، وأن تزيد من قدراتها الدفاعية.

ثالثا:   من الأمور ذات الأهمية الفائقة، لتخفيف حدة التوتر العسكري في أوروبا، إتباع الإجراءات الجزئية التالية:

1. تصفية القواعد العسكرية الأجنبية.

2. واستدعاء جميع القوات المسلحة الأجنبية في الدول الخارجية، والاحتفاظ بها داخل الحدود القومية.

3. والاتفاق، حسب معدلات معينة وفى حدود زمنية محددة، على تخفيض حجم القوات المسلحة التابعة لكل من دولتي ألمانيا.

4. وتقليل خطر قيام حرب نووية، عن طريق إقامة مناطق منزوعة السلاح النووي، مع تعهد الدول النووية بعدم استخدام أسلحتها النووية ضد الدول، التي تدخل ضمن هذه المناطق.

5. وإيقاف تحليق الطائرات الأجنبية، التي تحمل القنابل الذرية والهيدروجينية، فوق أقاليم الدول الأوروبية، وكذلك منع دخول الغواصات الأجنبية، والقطع البحرية العائمة المجهزة بالأسلحة النووية، في موانئ هذه الدول.

رابعاً: تقديراً للخطر، الذي ينجم عن تملك ألمانيا الاتحادية لأسلحة نووية، بالنسبة إلى لسلام في أوروبا، يجب على الدول الأوروبية أن تركز جهودها في الحيلولة دون تملك جمهورية ألمانيا الاتحادية لهذه الأسلحة، بأي صورة، مباشرة أو غير مباشرة. ويرتبط أمن أوروبا بالكيفية، التي ستُحل بها هذه المشكلة. ولكن، من المؤكد أن الحلول الجزئية لن تكون مقبولة؛ لعدم جدواها.

خامساً: إن عدم التعدي على الحدود الراهنة، يشكل الأساس في توفير سلام دائم Permanent Peace في أوروبا. وإقامة علاقات طبيعية بين الدول الأوروبية، في ظل الاعتراف بالحدود الحالية في أوروبا، والحدود بين دولتي ألمانيا.

سادساً: إن التوصل إلى تسوية سلمية، مع ألمانيا، هو من مصلحة السلام في أوروبا. وتعلن الدول الاشتراكية الممثلة في هذا الاجتماع، عن استعدادها للبحث عن حل لهذه المشكلة، يراعى مصالح وأمن كل الدول، التي يعنيها الأمر، وكذلك أمن أوروبا عامة.

        والاتجاه السليم نحو حل المشكلة الألمانية، يبدأ بالاعتراف بالحقائق الدولية الراهنة، وعلى رأسها وجود دولتين ألمانيتين، جمهورية ألمانيا الديمقراطية، وجمهورية ألمانيا الاتحادية. وتحتم تسوية المشكلة الألمانية الاعتراف بالحدود القائمة، كما تحتم رفض أي طلب، قد تتقدم به هاتان الدولتان، لتملك أسلحة نووية.

        إن مشاركة دولتي ألمانيا، على قدم المساواة، في الجهود المبذولة لدعم علاقات التعاون بين الدول الأوروبية، في مختلف مجالات النشاط السياسي والاقتصادي والعلمي والفني والثقافي؛ سوف يمكن الطبقات العاملة فيهما، والفلاحين والمثقفين وباقي شعبيهما، من الإسهام، على قدر المستطاع، إلى جانب الدول الأوربية الأخرى، في دعم قضية السلام الأوروبي.

        أما فيما يتعلق بتوحيد دولتي ألمانيا، فإن الطريق إلى هذا يكمن في تخفيف حدة التوتر، وفى زيادة التقارب بين هاتين الدولتين المستقلتين، ومن خلال الاتفاق على نزع السلاح في ألمانيا وفى أوروبا، وبعد التأكد من أن دولة ألمانية موحدة لابد أن تتوافر لديها نوايا سلمية حقيقية، وأن تكون دولة ديمقراطية، وأن يكون خطرها على السلام في أوروبا قد زال تماما.

سابعاً:     الدعوة إلى عقد مؤتمر أوروبي عام، لمناقشة المشكلات المتعلقة بدعم الأمن الأوروبي، وتنظيم مجالات التعاون بين الدول الأوروبية، ومن شأن انعقاد مثل هذا المؤتمر، أن يؤدى إلى إنشاء نظام للأمن الجماعي في أوروبا؛ ولسوف يكون حدثاً بارزاً في التاريخ المعاصر للقارة الأوروبية.

        وتبدي الدول الممثلة في هذا الاجتماع استعدادها للمشاركة في هذا المؤتمر، في أي وقت، يبدو مناسبا لدول منظمة حلف شمال الأطلسي، وغيرها من الدول الأوروبية المحايدة، التي تستطيع أن تلعب دوراً إيجابياً في مثل هذا المؤتمر. ويمكن الاتفاق على جدول أعمال المؤتمر والنقاط، التي ستكون موضع نقاش فيه، من خلال التشاور بين الدول المشتركة في أعماله.

        كما تبدي الدول الممثلة في هذا الاجتماع، استعدادها لمناقشة غير ذلك من المسائل المؤدية إلى دعم الأمن الأوروبي، من خلال التباحث بالطرق الدبلوماسية، واجتماعات وزراء الخارجية، أو ممثلين خصوصيين، على أساس ثنائي أو متعدد الأطراف، وكذلك من خلال اتصالات القمة بين حكومات الدول الأوروبية. كذلك، فهي على استعداد لمناقشة أي مقترحات، تتقدم بها الدول الأوروبية المختلفة، لحل مشكلة الأمن الأوروبي.

        وتعلن الدول المشتركة في هذا الاجتماع، أن الدول الواقعة في قارات أخرى من العالم، لا يمكنها أن تتبع موقفاً سلبياً إزاء ما يدور في أوروبا، وهي القارة، التي اندلعت فيها نيران حربين عالميتين، امتدتا إلى أماكن كثيرة من العالم، ومن ثم، فإن أي دولة تهتم بدعم السلام العالمي، لا يمكنها أن تكون سلبية، في ضرورة إزالة عوامل التوتر في أوروبا.

        وتعرب الدول الأطراف في هذا الاجتماع، عن استمرار تأييدها لضرورة حل الخلافات الدولية بالطرق السلمية، وتعلق أهميةً كبيرة، في هذا الخصوص، على منظمة الأمم المتحدة، وتطالب بضرورة مراعاة ميثاقها، بكل دقة، والعمل من أجل تأكيد سمعتها العالمية، وتطوير نشاطها، بما يتلاءم والتغييرات، التي حدثت في العالم. كما تعلن عن استعدادها لبذل كل ما من شأنه زيادة فاعلية هذه المنظمة الدولية؛ من أجل حماية الأمن والسلام، وتنمية العلاقات الودية بين الشعوب.

        وتدعو الدول الموقعة على هذا الإعلان، كل الحكومات والدول الأوروبية، وكذلك القوى المحبة للسلام في القارة، بصرف النظر عن معتقداتها الأيديولوجية والسياسية والدينية، للعمل من أجل أن تكون أوروبا، وهي أحد المراكز البارزة للحضارة العالمية، قارة تزدهر بالتعاون الشامل بين دولها على أساس من المساواة، مما يشكل عاملاً حيوياً في توفير سلام مستقر، وفهم متبادل في العالم أجمع.

    تعد هذه الوثيقة الدولية من أهم الإنجازات، التي بلورت وجهة نظر دول حلف وارسو، بزعامة الاتحاد السوفيتي، حول السلام والأمن الأوروبي. وقد تحقق الكثير منها، بعد تحول العلاقات الثنائية بين القوتين العظميين، إلى عصر الوفاق والانفراج الدولي، وما ترتب عليه من تخفيف حدة التوتر والدخول في مباحثات الحد من الأسلحة الإستراتيجية سالت ـ 1، سالت ـ 2، وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي والنظم الشيوعية في أوروبا الشرقية، وما ترتب عليه من توحيد الألمانيتين، بعد سقوط حائط برلين وظهور أوروبا الموحدة، وانعكاس هذا كله بصورة مباشرة على انهيار حلف وارسو، بكل أجهزته ومؤسساته وقواته؛ هذا الانهيار، الذي أدى إلى انهيار النظم الاقتصادية لدول حلف وارسو، وسقوط الكوميكون. وقد أدى هذا كله إلى تحقيق السلام والأمن الأوروبي بصورة، وإن كانت مختلفة، إلا أنها كانت في إطار ما جاء من مقترحات لقرارات مجلس حلف وارسو في عام 1966، وإلى ظهور مؤسسات جديدة، مثل الاتحاد الأوروبي European Union (EV)، ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا Organization For Security and Cooperation in Europe (OSCE) Western European Union (WEU) ، مع وجود منظمة اتحاد غرب أوروبا (التي تطورت إلى الاتحاد الأوروبي)، مع بقاء حلف شمال الأطلسي (الناتو) North Atlantic Treaty Organization (NATO)، وتوسيعه بانضمام ثلاث دول من أوروبا الشرقية إلى عضويته، وإقامة مجلس التعاون لشمال الأطلسي North Atlantic Cooperation Council (NACC).

    من الوثائق الدولية، التي تظهر أبعاد الصراع السياسي، بين دول حلف شمال الأطلسي ودول حلف وارسو؛ ما جاء بشأن الجدل بين حلف الأطلسي وحلف وارسو حول قضية تشيكوسلوفاكيا، وهي تظهر مدى فاعلية حلف وارسو، قبل أن ينهار.

    اجتمع مجلس حلف شمال الأطلسي، على المستوى الوزاري، في 15 و16 نوفمبر 1968. وحضر الاجتماع وزراء الخارجية والدفاع والمالية؛ من أجل بحث الموقف الخطير الناجم عن التدخل العسكري في تشيكوسلوفاكيا، واحتلال قوات الاتحاد السوفيتي، وأربع من الدول الأعضاء في حلف وارسو، هذه الدولة.

    وأنكر جميع أعضاء الحلف هذا الاتجاه إلى القوة، الذي يهدد السلام والأمن العالمي، ويهدد مبادئ ميثاق الأمم المتحدة. وجاء في بيانهم ما يلي:

    إن ما يؤكده الزعماء السوفيت، عن الحق في التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء، فيما يسمى "الجماعة الاشتراكية"، يخالف ميثاق الأمم المتحدة، ويشكل خطراً على الأمن الأوروبي، وقد أثار قلقاً خطيراً. وخوفاً من استخدام العنف في حالات أخرى، فإن اللجوء إلى القوة، ووجود قوات سوفيتية في تشيكوسلوفاكيا، لم تكن موجودة بها من قبل، قد أديا إلى قلق بالغ، مما يضطر دول حلف الأطلسي إلى الحذر الشديد.

    وبناء على هذا الموقف، يؤكد وزراء الحلف تصميم الحلف على الاستمرار في مجهوداته؛ سعياً للمشاركة في حل سلمى للمسألة الألمانية، ينبع من الاختيار الحر للشعب الألماني، ويضمن مصالح الأمن الأوروبي. وبما أن حكوماتهم لا تعترف بجمهورية ألمانيا الديموقراطية، فهم يعترضون على أي ادعاء يؤكد تقسيم ألمانيا، ضد إرادة الشعب الألماني.

    يؤكد الوزراء مساندة حكوماتهم لإعلان إرادة الدول الكبرى الثلاث، في الحفاظ على أمن برلين، وضمان حرية الوصول إليها، كما يشارك الوزراء في النداء، الذي قدمته الدول الثلاث الكبرى إلى الاتحاد السوفيتي، من أجل احترام الاتفاقات الرباعية الخاصة ببرلين، وأيضا القرارات التي اتخذت، بناء على هذه الاتفاقات، في الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا والمملكة المتحدة.

    وفي الوقت نفسه، يحتاج تطوير النشاط السوفيتي إلى يقظة، تضمن سلامة وأمن الحلفاء، خاصة فيما يتعلق بتزايد عدد الوحدات البحرية السوفيتية في البحر المتوسط.

    ويلح أعضاء الحلف في دعوة الاتحاد السوفيتي، لصالح السلام العالمي، إلى الامتناع عن اللجوء إلى القوة، وعن التدخل في شؤون الدول الأخرى. وتصميما منهم على المحافظة على حرية واستقلال دولهم، لن يكون في استطاعتهم البقاء مكتوفي الأيدي، عند أي تطورات تُعرِّض أمنهم إلى الخطر، فمن الواضح أن أي تدخل سوفيتي، له آثار مباشرة، أو غير مباشرة، على الوضع في أوروبا أو في البحر المتوسط، سينشئ أزمة دولية خطيرة العواقب.

    وسوف تظل تلك الشكوك الجديدة قائمة، طالما تمسك الزعماء السوفيت بسياسة القوة. ويستمر اقتناع الحلفاء بأن تضامنهم السياسي يبقى ضرورياً؛ لإبعاد العدوان، أو أي صور للضغط (والتهديد). والحلفاء، قبل أي شئ، مصممون على مواجهة التزاماتهم المشتركة، وعلى الدفاع عن أعضاء الحلف، ضد أي هجوم مسلح، وفقاً للمعاهدة.

    هذا، وقد اضطرت الدول الحليفة، (لا تعتبر فرنسا شريكة في هذا البند)، المشتركة في برنامج الدفاع المتكامل لحلف الأطلسي، إلى إعادة تقدير وضع نظمها الدفاعية، وهي تعتبر أن الموقف الناجم عن الأحداث الأخيرة يدعو إلى رد فعل جماعي، وسوف تُجرى تحسينات في قوات حلف الأطلسي، من حيث النوعية والفاعلية والانتشار، للأفراد أو العتاد، بحيث تكون أكثر قدرة على تأمين الدفاع المتقدم، وسوف تحسِّن، أيضاً، نوعية القوات الاحتياطية، وترفع قدرتها على سرعة التعبئة.

    وسوف تتم دراسة إرسال التعزيزات إلى أجنحة أقاليم الحلف، وتقوية الجيوش المحلية في تلك الأقاليم، كما ستعزز القدرة التقليدية لقوات الطيران التكتيكي، الخاص بحلف الأطلسي. وسوف يتم وضع عدد أكبر من الوحدات الوطنية، تحت تصرف قيادات الحلف، وقد اتخذت، أيضًا، الترتيبات الخاصة بزيادة المقدرة التقليدية لقوات حلف الأطلسي. وقرر الوزراء تنسيق تلك الترتيبات عمليا، وتوفير الموارد المالية الإضافية، باعتباره جزءاً من خطة الحلف، التي ستقدم في يناير 1969 لاتخاذ القرار، للفترة 1969 ـ 1973. ورأوا أيضاً أن تضامن الحلف يمكن أن يزداد قوة بالتعاون بين الأعضاء، لتخفيف الالتزامات المترتبة عن عجز ميزان المدفوعات لكل دولة؛ نتيجة للمصروفات العسكرية اللازمة، للدفاع الجماعي.

    وسوف يستمر حلف شمال الأطلسي، في كونه الأساس الضروري للأمن الأوروبي، والقاعدة الأساسية للوفاق الأوروبي.

    يُلاحظ على بيان وزراء الخارجية ووزراء الدفاع والمالية لحلف الناتو، أنه ركز على موضوعين أساسين:

1. مطالبة الاتحاد السوفيتي بعدم استخدام القوة والتدخل في شؤون دولة أخرى. وأن حق التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء للجماعة الاشتراكية، يتعارض مع المبادئ الأساسية لميثاق الأمم المتحدة، ويشكل خطراً على الأمن الأوروبي، وأن هذا ينطبق على التدخل بالقوة في تشيكوسلوفاكيا. وهناك اتهام صريح بأنّ الاتحاد السوفيتي يقيم العقبات في وجه أي تقارب بين قسمي ألمانيا، ويثير توترات في حوض البحر المتوسط.

2. إن التدخل السوفيتي في تشيكوسلوفاكيا، بما يحمله من إضرار بالأمل في تسوية المشاكل، التي تقسم القارة الأوروبية وألمانيا، وبالأمل في التوصل إلى قامة سلام دائم في أوروبا؛ له انعكاساته على احتمالات الخفض المتبادل والمتوازن لقوات الحلفين وإصابته بنكسة. وتأكيداً على دور حلف الناتو، فسوف يستمر وجوده؛ لكونه الضامن الضروري للأمن الأوروبي والقاعدة الأساسية للوفاق الأوروبي.

    وقد رد الاتحاد السوفييتي على بيان وزراء دول حلف شمال الأطلسي في 23 نوفمبر 1968، وأوضح في هذا الرد اتهامه الولايات المتحدة الأمريكية، بأنها عملت على تهيئة الجو، سياسياً، في دول أوروبا الغربية، كجزء من التحضيرات لزيادة النشاط العسكري للناتو، وقد اتهم السوفيت موجهي الأمور في بروكسل، بأنهم هم، الذين يعملون على إبقاء حالة التوتر، وأنهم يفكرون بأساليب الحرب الباردة، ويرفضون طريق التعاون السلمي، وأنهم يضعون العراقيل، أمام سبل نزع السلاح والتسويات السلمية للمنازعات الدولية. وأن الولايات المتحدة تلجأ إلى هذه السياسة، وهذه الأساليب؛ لمنع اتجاه بعض الدول الأوروبية الغربية من الخروج من التحالف، وإدارة سياسة مستقلة. واتهم الاتحاد السوفيتي الولايات المتحدة الأمريكية، بأنها تعمل على وضع الدول الضعيفة تحت سيطرتها ونفوذها، وعلى توسيع عضوية الناتو. وقد أثار الاتحاد السوفيتي مشكلة أمن البحر المتوسط، واعتبر وجود الأسطول السادس الأمريكي نوعاً من التحكم والسيطرة، وأن وجود الأسطول السوفيتي لا يشكل تهديدا لأمنه.

أولاً: قدرة الدعم اللوجيستي بعيد المدى:

    دلت خبرة حرب أكتوبر 1973، على إمكانية قيام السوفيت بعملية إنزال مباشرة، منطقة الشرق الأوسط، إذ قامت طائرات " أ. ن. ـ 12 " و " أ. ن. ـ 22 " بنحو ألف طلعة، بين 10 أكتوبر و 23 أكتوبر، تم خلالها نقل 12.500 طن من المعدات الحربية إلى مصر وسوريا والعراق. وقد انطلقت الطائرات السوفييتية من مدينة بودابست في المجر، وأعيد تزويدها بالوقود في يوغوسلافيا. وما بين 25 أكتوبر و 4 نوفمبر حلقت 125 طائرة "أ. ن. ـ 12" فوق الأراضي التركية باتجاه سوريا، كما حلقت 17 طائرة مماثلة، فوق الأراضي الإيرانية باتجاه العراق. وخلال الحرب الأنجولية، عام 1975، نقلت القيادة السوفييتية ثلاثة آلاف طن من المعدات، عبر حوالي 8500 كيلو متر، إلى الأراضي الأنجولية، باستعمال طائرات "أ. ن. ـ 22"، التي توقفت في الجزائر، وكوناكري في غينيا، لإعادة تزويدها بالوقود. وقد اشتركت طائرات " أ. ن. ـ 22 " في العملية، التي استمرت، على فترات متقطعة، بين أكتوبر 1975 وأبريل 1976. وفيما بين نوفمبر 1977 ويوليه 1978، قامت 220 طائرة من قيادة النقل الجوي بنقل معدات، قدرتها المصادر الغربية بمليار دولار، إلى القوات الأثيوبية، انطلاقا من أوديسا، مع التوقف في عدن. وقد أثبتت كفاءتها، تجارب قيادة النقل الجوي السوفييتي، خلال الغزو السوفييتي لأفغانستان. وتم إنزال وحدات رئيسية من الفرقة المحمولة جوًا 105، خلال يومين متتاليين، ما بين 24 إلى 26 ديسمبر، في مطار كابول، في عملية قامت بها 280 طائرة من نوع " ال ـ 76 " و " أ. ن. ـ 22 " و " أ. ن. ـ 12". ويمكن استخلاص القدرات الحقيقية السوفييتية، من هذه العملية؛ إذ إن الفرقة 105 اتخذت مركزها في منطقة " تركستان "، التي تقع على الحدود الشمالية لأفغانستان، على الرغم من ضخامة التحركات السوفييتية.

ثانياً: قدرة الحرب الكيماوية:

    لا تتوافر أي معلومات واضحة حول هذا الموضوع؛ لأن المصادر السوفييتية لا تتطرق، من بعيد ولا من قريب، إليه، ولكن القدرات السوفييتية، في مجال الحرب الكيماوية، ذكرت تقارير المصادر الغربية أن السوفييت يضعون الحرب الكيماوية في مكانة تالية في الأهمية، بعد الأسلحة الحاسمة للحرب " أي أسلحة الحرب النووية ". وتشتمل القدرات السوفييتية في هذا الصعيد على أساليب دفاعية وأخرى هجومية.

ثالثاً: الأساليب الدفاعية:

    ذكرت التقديرات الغربية أن السوفييت يهتمون، اهتمامًا بالغًا، بضرورة توفير الوقاية في الحرب الكيماوية، وأساليب الدفاع ضدها، وأن عدد أفراد القوات الكيماوية الخاصة، بلغ نحو 80 إلى 100 ألف رجل، موزعين على مختلف الوحدات. تشتمل مهام الوحدات الكيماوية على الاستطلاع وتحديد المواقع الكيماوية المعادية، واستعمالات الدخان للتمويه والإخفاء، وتطهير الأفراد والمنشآت من آثار الهجمات الكيماوية المضادة "decontamination". والوحدات الكيماوية موزعة على كل قطاعات القوات المسلحة، في القوات الجوية، والبحرية، والقوات الصاروخية. وهناك تعاون وتنسيق بين وحدات الحرب الكيماوية والوحدات الطبية والهندسية. ويكلف سلاح المهندسين بمهام نقل المعدات الثقيلة (معدات تكرير المياه مثلاً) إلى أرض المعركة، وتقتصر مهام الوحدات الطبية، على الإسعافات الأولية، مع التعاون على إمداد الوحدات المختلفة بمعلومات حول نوعية الهجمات الكيماوية، التي قد تتعرض لها.

    وهناك اهتمام سوفييتي بتدريب الوحدات والأفراد، على كيفية التعامل مع الأسلحة والمعدات، تحت مختلف الظروف الكيماوية والنووية والجرثومية، بما في ذلك لبس الأقنعة الواقية لفترات طويلة، وإجراء دورات استخدام مواد التطهير. وقد خصص الاتحاد السوفييتي نحو ألف منطقة تدريب، في جميع أنحاء الاتحاد السوفييتي. وانتقل هذا الاهتمام بتدريباته إلى حلف وارسو، بما يحقق تطوير أساليب مكافحة الحرب الكيماوية.

    نتيجة لخبرة إعداد القوات المسلحة المصرية، لخوض حرب أكتوبر 1973، أنشأ السوفييت إدارة الحرب الكيماوية، ووحدات كيماوية للكشف الكيماوي، عن استخدام إسرائيل للأسلحة الكيماوية، كما تدربت الوحدات المصرية على لبس الأقنعة، وعلى تجهيز الملاجئ بأجهزة التنقية ومصافي الهواء، بجانب إنشاء وحدات التطهير والغسيل؛ للتخلص من آثار الهجمات الكيماوية الإسرائيلية المحتملة، في إطار القدرات الدفاعية، لا الهجومية، بما حقق قدرة العمل للقوات المصرية، في ظروف استخدام العدو للأسلحة الكيماوية، وقد جُهزت أماكن لتدريب القوات على لبس الأقنعة لفترات طويلة، كما تدربت القوات على فتح الثغرات، في حقول الألغام الكيماوية، وعبور المناطق الملوثة، من خلال ممرات محدودة، وفرض المواقف التكتيكية لتلوث الوحدات، واتخاذ الإجراءات للتطهير والإخلاء ومعالجة المصابين، وتطهير الأسلحة والمعدات الملوثة، وفقًا لفترات زمنية محددة، لاستعادة الكفاءة القتالية، مع افتراض نسبة الخسائر في الأفراد والمعدات، في حالة عدم اتخاذ الإجراءات السليمة كاملة؛ للوقاية من التلوث الناتج عن الهجمات الكيماوية المعادية.

رابعاً: أساليب هجومية:

    لم تستبعد القيادة السوفيتية، وفقًا للمصادر الغربية، احتمال استعمال الأسلحة الكيماوية، على نطاق واسع، في أي مجابهة مع الغرب، إما في مسرح العمليات مباشرة أو لقصف الأهداف المدنية في المؤخرة. وصار لدى القوات السوفييتية، مثلها مثل القوات الغربية، القدرة على نقل أو إيصال الأسلحة الكيماوية بواسطة الطائرات، أو المدفعية أو راجمات الصواريخ، أو الصواريخ التكتيكية قصيرة المدى، وربما الصواريخ الجوالة. وأشارت المصادر الغربية إلى أنه، في العمليات التكتيكية، من المحتمل استخدام الأسلحة الكيماوية لتحقيق اختراق المناطق الحيوية، أو اعتراض مواصلات العدو. وفي قدرة الصواريخ التكتيكية تفجير المواد الكيماوية (السائلة أو الغازية) الدائمة فوق القواعد الجوية، والمطارات، ومراكز القيادة لحلف الناتو، كما يمكن استعمال أنواع دائمة منها لتلويث الأهداف بصفة دائمة، وهو ما يعرف "بختم" المواقع؛ حتى لا يمكن استخدامها، كما يمكن استخدام المواد الكيماوية "غير الدائمة"، التي تطلقها المدفعية، أو راجمات الصواريخ؛ من أجل تلويث المواقع الدفاعية المضادة للدروع، التي تشكل خطرًا أساسيًا على سير العمليات الهجومية السوفييتية. امتلك السوفييت، كذلك، قدرات استخدام الدخان، على نطاق واسع، في العمليات الدفاعية والهجومية، مع إمكانية استخدام الغازات السامة؛ لتأمين هجمات مدرعات حلف وارسو، مع استخدام الدخان لإخفاء المنشآت ومناطق حشد وتجميع القوات الصديقة. تستطيع الدبابات السوفييتية عمل ستائر دخان ذات كثافة عالية، من إحراق الوقود بالدبابات. وقد شملت تدريبات القوات المدرعة والميكانيكية السوفييتية، إنتاج ستائر الدخان، ذاتيًا، من المحركات (كمولدات للدخان).

    ومن خبرة حرب أكتوبر 1973، كانت تدريبات الفرق المدرعة والميكانيكية تشتمل على إنتاج ستائر الدخان ذاتيًا؛ لوقاية الدبابات والمركبات المدرعة، ولستر الدبابات والمركبات المدرعة، وتوفير الوقاية لها، حتى تستطيع أن تغير أوضاعها المعرضة لنيران العدو، بجانب استخدام وحدات الدخان؛ لإخفاء المعابر والكباري على قناة السويس، ولستر تحرك المشاة في القوارب ومعدات العبور، حتى لا يمكن للعدو أن يعرف الكباري الحقيقية من الكباري الهيكلية، بجانب استخدام الدخان الملون لإرشاد القوات الجوية، عن أوضاع القوات الصديقة، والأخرى المعادية. قد يكون استخدام الدخان بقصد إيهام القوات المعادية أن هناك هجمة كيماوية تتعرض لها القوات المعادية؛ بما يسبب الذعر والارتباك، ويؤدي إلى خفض مقاومة العدو، أو أن تقوم قوات المشاة المهاجمة، بلبس الأقنعة الواقية؛ لإيهام العدو أن هناك استخداماً للغازات الحربية؛ مما يجعل العدو في حالة ذعر وارتباك، وقد يؤدي إلى انسحابه. وقد ارتدى بعض أفراد القوات المصرية الأقنعة الكيماوية، بعد عبور القناة تنفيذًا لتدريباتها السابقة على ذلك، مما أشاع الذعر في القوات الإسرائيلية.

    وأكدت المصادر الغربية أن نحو 50%، من مخزون الذخائر السوفييتية في أوروبا الوسطى والشرقية، يتكون من الأسلحة الكيماوية بمختلف أنواعها، وأن الترسانة الكيماوية السوفييتية تشتمل على الغازات بأنواعها، ومنها غازات الأعصاب ـ Nerve gas المصنوعة من مادتي " تايون " و " سومان " وغيرهما.

    ورداً على ذلك، أولت القوات الأمريكية والغربية اهتمامًا كبيرًا لامتلاك الأسلحة الكيمائية الهجومية؛ لمواجهة احتمالات شن السوفييت وحلف وارسو هجمات كيماوية، على حلف الناتو. وزودت إسرائيل بذخائر كيماوية، وضعتها في مستودعات مؤمنة، وبالأخص الغازات الحربية، لإمكانية استخدامها في أي حرب مقبلة، مع أي دولة عربية. ولا شك أن الدوائر الغربية والأمريكية توجَّه اهتمامًا بالغًا للكشف عن الأسلحة الكيماوية، لدى بعض الدول العربية، ومنها الأزمة مع ليبيا حول وجود منشأة كيماوية ليبية، وما تقوم به من حملة إعلامية، على امتلاك سوريا وإيران والعراق، من قبل، للغازات الحربية، ووسائل إطلاقها.

    وقد أدى الاهتمام الدولي، بتجريم إنتاج وتخزين الأسلحة الكيماوية والبيولوجية، إلى توقيع اتفاقية في 10 أبريل 1972، بين كل من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي وبريطانيا، دخلت مرحلة التنفيذ الفعلي، في 26 مارس 1975. وبلغ عدد الدول المنضمة إلى تلك الاتفاقية أربعًا وتسعين دولة. وقد ازداد اهتمام الولايات المتحدة الأمريكية، مؤخراً، بإلزام دول العالم بالتوقيع على هذه الاتفاقية.

خامساً: تنامي القدرات السوفييتية الجوية، للمعاونة والقصف الميداني:

    تمكن الاتحاد السوفييتي، من تحقيق إنجازات هامة، في مجال تصميم وإنتاج الطائرات المعدة لتنفيذ مهام الهجوم الأرضي مباشرة، بالتنسيق مع القوات البرية الصديقة. وقد أدى هذا إلى ظهور عدة نوعيات من الطائرات المقاتلة الأرضية Ground Attack aiteraft، أو المقاتلة القاذفة Fighter ـ bomer aircraft.، والطائرات العمودية المسلحة والمجهزة؛ لتقديم المساندة القريبة للقوات البرية، ولقصف المواقع المعادية، وأماكن التجمع والحشد للقوات البرية، وأرتال المدرعات، مع التركيز على إمكانية قصف المطارات، والقواعد الجوية، وقواعد الصواريخ أرض / أرض وأرض / جو الأمامية. وقد أنتجت المصانع السوفييتية المقاتلة القاذفة (رام ـ جي ـ Ram ـ J) وهي تشابه الطائرة "10 ـ A" "ثندر بولت" Thander bolt، وكذلك المقاتلة الهجومية "سوخوي ـ 17"، المزودة بأجنحة متحركة (معدل الإنتاج 200 طائرة سنويًا)، وهي مصممة أساسًا للقيام بمهام المساندة القريبة والقصف الميداني، لعزل ميدان المعركة، وتستطيع أن تحمل الصاروخ أ. سي ـ11 و أ. سي ـ12، لقصف قواعد صواريخ الدفاع الجوي، ومراكز الرادار، إضافة إلى حملها القنابل الذكية الموجهة بالليزر. يمكن لهذه المقاتلة الوصول إلى أهدافها في كل مناطق حلف الناتو، انطلاقا من قواعدها غرب الأراضي السوفيتية. وهناك كذلك سوخوي ـ20، وسوخوي ـ22، كما أمكن للسوفيت إنتاج الط ائرة العمودية " ميل 24 " القادرة على حمل الدبابات، وراجمات الصواريخ، وقنابل موجهة، إلى جانب صواريخ جو ـ جو ومدفع رباعي عيار 23مم. وذكرت المصادر الأطلسية أن الطائرة ميل 24 أثبتت فاعليتها، في مهام المساندة القريبة، التي استخدمت فيها في أفغانستان، وبذلك شكلت أحد الأسلحة الخطيرة، على وحدات الناتو المدرعة.

    كان هذا هو الذي دفع التحالف الأمريكي الأوروبي، إلى التفكير في عمل خط دفاعي إلكتروني، على الحد الأمامي لدفاعات الناتو، في مواجهة دول أوروبا الشرقية.


 



[1] ذكر أن سياسة التضامن السلمي هي السياسة، التي نادى بها نيكيتا خروشوف رئيس الوزراء السوفيتي ( السابق)، أمام المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفيتي، في فبراير 1956، والتي تقوم على التراجع عن مبدأ حتمية الحرب بين النظامين الشيوعي والرأسمالي، والإقرار، بدلاً من ذلك، بإمكانية التعايش السلمي بين الدول ذات الأنظمة السياسية والاجتماعية المختلفة. ولقد كان هذا الإعلان السوفيتي يمثل إحدى نقاط التحول الثوري في السياسة الدولية، في عالم ما بعد الحرب؛ نظراً لأنها أذابت الجليد من طريق العلاقات بين الشرق والغرب. وقد هيأت المجال لبدء حوار طويل بين الطرفين، وتدعيم فرص التفاهم المتبادل بينهما، وتعميق مصالحهما المشتركة، والدخول إلى عصر الوفاق.