إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / منظمات وأحلاف وتكتلات / حلف وارسو (WARSAW)





تنظيم حلف وارسو

التكتلات الدولية في أوروبا
اتجاهات عمل حلف وارسو



حلف وارسو

سادساً: القدرة السوفيتية لشل مواصلات المحيط الأطلسي:

    ركزت الإستراتيجية البحرية، على ضرورة شل حركة المواصلات البحرية، والتجارية، والعسكرية، في المحيط الأطلسي، بصورة تؤدي إلى عزل المسرح الأوروبي، باستخدام الغواصات النووية المسلحة من نوع "يانكي"، والتي يبلغ عددها 34 غواصة، مجهزة بصواريخ نوع س س.ن 6، مداها ثلاثة آلاف كيلو متر، مخصصة للعمل ضد الأهداف البحرية، مثل السفن وناقلات النفط وحاملات الطائرات، مع إمكان تحقيق تعاون إستراتيجي بين الغواصات وحاملات الطائرات Task Force، في إطار عمليات بحرية، تهدف إلى تدمير وإغراق قوافل كاملة من السفن، في حالة سقوط رأس حربي على مسافة ستة كيلومترات من القافلة. أما في حالة سقوط الرأس الحربي على مسافة 12 كم، فإن الإشعاعات الناتجة عن الانفجار كفيلة بقتل جميع أطقم سفن القافلة، دون الحاجة إلى إغراقها. زُودت البحرية السوفييتية بوسائل الاستطلاع الدقيقة والمراقبة والمتابعة؛ بما يجعل من السهل تحديد الأهداف البحرية، بدقة متناهية، اعتماداً على مجموعة متكاملة من وسائل الاستطلاع البحري بعيد المدى. وقد قدرت وسائل استطلاع الناتو، أن الاتحاد السوفييتي أطلق، خلال عام 1978 وحده، 35 قمراً صناعياً استطلاعياً، و6 مركبات لرصد الحركات في المحيطات، من نوع "كوزموس"، وجميعها تعمل بالطاقة النووية. وفي هذا الوقت كان هذا العدد يمثل 8 أضعاف ما أطلقته الولايات المتحدة الأمريكية من أقمار ومركبات فضائية، خلال هذا العام. وقد كشفت عناصر الاستطلاع الأمريكية، عند الكشف على حطام المركبة "كوزموس ـ 954"، التي سقطت في الأراضي الكندية في 1982، أن أجهزتها الرادارية والاستطلاعية المزودة بالطاقة النووية، كانت متقدمة على كل ما تستخدمه الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية أعضاء حلف الناتو. وقد تناولت مجلة " بروسيدنجز الصادرة عن المعهد البحري التابع لسلاح البحرية الأمريكية هذا الموضوع وقالت: إن تقدم السوفيت، في مجال تحديد الأهداف البحرية المعادية للغوا صات النووية السوفيتية، يعود إلى كفاءتهم في إدخال الغواصات الجديدة من نوع "Delta دلتا" للخدمة العاملة، مسلحة بصواريخ باليستية من نوع " س س ن ـ 8، ومداها 9600 كيلو متر ومجهزة برؤوس نووية متعددة الأهداف. وهكذا نجح السوفيت في السيطرة على مسرح العمليات البحري في المحيط الأطلسي، وإمكانية قطع المواصلات البحرية، بين أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية.

    اهتمت الإستراتيجية السوفيتية، أيضًا، بتحقيق وجود بحري سوفيتي في البحر المتوسط، باستغلال التسهيلات البحرية، التي أعطيت للبحرية السوفيتية من مصر وليبيا والجزائر وسوريا؛ بما كان يهدد الجناح الجنوبي للناتو، ويمكن أن يتدخل في المواصلات البحرية في البحر المتوسط.

    كما استفاد الاتحاد السوفيتي، من ميزة الاتصال البري مع دول أوروبا الشرقية، أعضاء حلف وارسو؛ بما يؤمن مؤخرة الحلف، بالمقارنة بانعدام هذه الميزة الإستراتيجية، لدى الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا الغربية؛ مما زاد من أهمية السيطرة على مضيق جبل طارق الإستراتيجي؛ لضمان التحركات البحرية عبره، مع تزايد الاهتمام بأن تكون البحرية البريطانية قادرة على التحكم في مضيق الجزر؛ لإغلاق الطريق البحري في وجه الملاحة السوفيتية، من قواعدها في أقصى الشمال، حيث القواعد البحرية السوفيتية في ميناء "يارينتش"، مع توقع استخدام الألغام البحرية من جانب البحرية البريطانية؛ لإغلاق هذا الممر الملاحي الإستراتيجي، في شمال المملكة المتحدة.

سابعاً: دور التطورات التسليحية والتكنولوجية في بناء القوات العسكرية السوفيتية وحلف وراسو:

    أثار القلق، لدى قيادات حلف الناتو امتلاك السوفيت لسلاحين، من أكثر الأنظمة الإستراتيجية السوفيتية كفاءة، وهما: ـ الصاروخ الباليستي متوسط المدى (IRBM)، من نوع س س ـ 20، وقاذفة القنابل المتوسطة " تو ـ 22م باكفير Backfire، أو " تو 26 ". وقد وصف هارولد براون، وزير الدفاع الأمريكي، هذين السلاحين، في تقريره السنوي المقدم إلى الكونجرس الأمريكي، بقوله: "إن الصاروخ س س ـ 20"، والقاذفة " باكفاير " يشكلان، في نظرنا، أهم عناصر برنامج البناء العسكري السوفيتي، وأكثرها مدعاة للقلق". ومن هذا المنطلق، كان حرص القيادات الغربية على إدخال هذين السلاحين، في محادثات الحد من الأسلحة الإستراتيجية، مع الاتحاد السوفيتي. وقد ركز هلموت شميث المستشار الألماني الغربي، أثناء زيارته لموسكو، على تناول موضوع هذين السلاحين، بشكل مركز في مباحثاته. وقدرت المصادر الغربية عدد الصواريخ العاملة من هذا النوع، بنحو 250 صاروخاً، نصفها على الأقل مخصص للعمل في المسرح الأوروبي. وقد كانت خطورة هذا النوع من الصواريخ، أن من الصعب اكتشاف أماكن تمركز منصات إطلاقه، وبالتالي عدم القدرة على السبق في ضربها، وتزداد الصعوبة؛ بسبب قدرته على تبديل مواقعه، حسبما تتطلب الظروف الميدانية الطارئة.

    حدث تطور في الذخائر الجوية، إذ توافرت أنواع من الصواريخ جو ـ أرض التكتيكية، الموجهة بأشعة الليزر، وبالأشعة تحت الحمراء ، بجانب القنابل الذكية الموجهة بالليزر، والقنابل السايحة (Glide)، والقنابل العنقودية(Cluster)، وتحتوى على ذخائر مضادة للدروع، وقنابل تفجير وقود يختلط بالهواء (fuel-Air Explosives)، وقذائف صاروخية ثقيلة غير موجهة، وقنبلة جديدة مخصصة لتدمير مدارج الطائرات، المعروفة في الدوائر الغربية باسم " ديبر Dibber). وتتسلح بهذه الذخائر المختلفة المقاتلات السوفيتية، من نوع مج ـ 23، ومج ـ 27 وسوخوي ـ 17/20/24.

    كذلك تمكن الاتحاد السوفيتي، من تطوير طائرة عمودية ثقيلة جديدة، من نوع "ميل ـ 26" (HALO)؛ لتحل محل الطائرة " ميل ـ 6 "، التي تعمل في مهام النقل الثقيل، والدعم اللوجستي، والاقتحام العمودي. وتستطيع أن تحمل أكثر من مائة جندي أو عشرين طن معدات مختلفة، بما يعادل حمولة طائرة نقل تكتيكية متوسطة، من نوع " س ـ 130 " هيركيوليز، وأنتينوف ـ 12".

    إن تطوير هذه الأسلحة في إطار العقيدة السوفيتية، التي كانت تعتنق مبدأ " الاختراقات العميقة"، بالقوات المدرعة والميكانيكية، بمعاونة القوات المحمولة جواً، وتحت حماية المقاتلات الأرضية والمقاتلات الأخرى، يتوافق مع خصائص معركة الأسلحة المشتركة والمتطورة، التي تتصف بالمناورة، وخفة الحركة العالية، والقدرات النيرانية للأسلحة الجوية والبرية، ومبدأ التعاون بين مختلف صنوف الأسلحة البرية، مع اهتمام السوفيت بتوفير المساندة النيرانية الصاروخية، وبالمدفعيات الثقيلة بعيدة المدى ومتوسطة المدى، والتي حاولت العقيدة الغربية أن تجد لها عقيدة مضادة، تمثلت في المعركة الجو ـ برية، بالخصائص التكتيكية لمعارك الأسلحة المشتركة، وتزامنها مع مبدأ التعاون والاختراقات العميقة؛ بحيث يتهدد العمق التكتيكي والتعبوي والإستراتيجي، ويتهدد المناطق الدفاعية الأمامية.

ثامناً: اختبار قدرات المقاتلة "الميج ـ 23" في مواجهة المقاتلات الجوية الأمريكية:

    حرصت القيادات الأمريكية والأوروبية الغربية، على إجراء سلسلة من الاختبارات الميدانية، تستهدف تقويم أداء وفاعلية المقاتلات الأمريكية، في إطار الحرب الجوية والمعارك الجوية التكتيكية، التي يمكن أن تنشب بين القوات الجوية لحلف وارسو، بما فيها المقاتلات السوفيتية، وبين القوات الجوية لحف الناتو، بما فيها المقاتلات الأمريكية. وثبت أن الطائرة المقاتلة، من نوع "ميج ـ 23" تمثل أخطر التهديدات الموجهة إلي المقاتلات الأمريكية الحديثة، من نوع "ف ـ 4 فانتوم"، و "ف ـ 15 إيجل"، و"ف ـ 16 فالكون"، وهي الطائرات، التي تشكل عصب السلاح الجوى الأمريكي، وتشكل عنصر القتال الجوي، المشارك بجزء رئيسي من قواته، في إطار تحالف الناتو.

    ولم يقتصر الاهتمام على تقويم أدائها العملياتي في المسرح الأوروبي، بل تعدى إلى اختبار دورها في أي صراع جدي محتمل، في إطار الصراع العربي ـ الإسرائيلي، حيث كانت المقاتلات السوفيتية تمثل عنصراً جوياً أساسياً في تنظيم القوات الجوية الحديثة، لبعض الدول العربية، وبالأخص دولتي المواجهة مصر وسوريا، إضافة إلى ليبيا والجزائر والعراق. وقدرت الدوائر الغربية للناتو أن سلاح الجو السوري، لديه من 50 إلى 60 طائرة، بينما العراق لديه من 40 إلى 50 طائرة، وليبيا لديها من 30 إلى 40 طائرة، مع وجود طلب بزيادة أعدادها في سوريا وليبيا.

    وعلى الصعيد الإسرائيلي، كانت المقاتلات الأمريكية، من نوع "ف ـ 15"، و "ف ـ 16"، و"ف ـ 4" تشكل عماد القوات الجوية الإسرائيلية، إذ يستخدم سلاح الجو الإسرائيلينحو مائتي مقاتلة، من نوع "ف ـ 4 فانتوم"، في مهام متعددة، وتستخدم حوالي 40 طائرة مقاتلة، من نوع " ف ـ 15 ايجل "، إضافة إلى " ف ـ 16 ".

    أثبتت الاختبارات، التي أجريت على الميج 23، تفوقها، بشكل كامل تقريباً، على المقاتلة " ف ـ 4 فانتوم " الأمريكية، في نوعيات التسليح، والمعدات الإلكترونية والرادارية، والقدرة على المناورة، وتفوقها على المقاتلة " ف ـ 16 " الأمريكية فيما يتعلق بالتسليح، والمعدات الإلكترونية / الرادارية، مع توازنها في القدرات على المناورة. بينما تفوقت المقاتلة " ف ـ 15 " في القدرات الرادارية والتسليح، وتساوت في القدرة. على المناورة. وقد جرى الاختبار على ارتفاع 6 إلى 7 آلاف متر (19 ـ 21 ألف قدم) وبسرعة من 0.9 إلى 1.2 ماك (ماك = سرعة الصوت)، وفى أحوال جوية معتدلة.

كانت نتائج الاختبارات على النحو التالي:

    الاشتباك مع المقاتلة ف ـ 4 فانتوم: تمكنت المقاتلة الميج ـ 23، من اكتشاف المقاتلة الأمريكية فانتوم وتعقبها رادارياً، من مسافة 85 كم، في حين أن الفانتوم لم تكتشف الميج إلا من على مسافة 65 كم.

    تغلبت المقاتلة الميج ـ 23 على الفانتوم، من حيث قدرة صواريخها جو ـ جو، من نوع "أ.أ ـ 7 أبيكس AA-7 Apex" على الاشتباك، من مسافة 35 كم، وعلى ارتفاع 6 آلاف متر، ومواجهة الصواريخ "سبارو ـ 7 أى" من تسليح الفانتوم، بحيث لم يتجاوز مداه 25 كم، وهذا يعني قدرة الميج على إطلاق الصواريخ من مسافة أبعد، وضرب الهدف الجوي قبل أن يُطلق عليها صاروخ مماثل.

    تفوقت المقاتلة ميج ـ 23 على المقاتلة فانتوم، في اكتشاف وملاحقة الأهداف، على ارتفاع أدنى من ألف متر، بما يعرف بقدرة الملاحقة والاشتباك Look-down/ shoot down، على مسافة ارتفاع أدنى من ألف متر.

    الاشتباك مع المقاتلة "ف ـ 16 فالكون": تفوقت المقاتلة السوفيتية ميج على المقاتلة " ف ـ 16؛ فقد وصل مدى رادارها إلى نحو 78 كمً، في مواجهة المقاتلة فالكون، بينما لم يتجاوز المدى الراداري للمقاتلة الأمريكية ف ـ 16 فالكون 70 كم.

    تفتقر المقاتلة ف ـ 16 إلى إمكانية حمل صواريخ جو ـ جو متوسطة المدى؛ بما يضعف من قدرتها على الاشتباك الجوي، وبالتالي الدفاع عن نفسها؛ فالصواريخ، التي فيها موجهة بالأشعة تحت الحمراء، من نوع "سايدوندر"، مخصصة للقتال التلاحمي، وبالتالي فإن إمكانية المقاتلة الميج أن تصيب المقاتلة ف ـ 16 بصواريخها، من نوع (AA-7 Apex)، بمدى 35 كم، في حين أن المقاتلة الأمريكية، لا تستطيع أن تطلق صواريخها، إلا من مسافة 5ر7 كم. والمقاتلة ف ـ 16 غير مزودة بقدرة على اكتشاف وملاحقة الأهداف المحلقة، على ارتفاع يقل عن ارتفاعها، في حين أن المقاتلة السوفيتية لها تلك القدرة؛ فلا تكون مهددة من هدف معاد أقل منها ارتفاعا.

    الاشتباك مع المقاتلة "ف ـ 15 إيجل": يصل المدى الراداري للمقاتلة السوفيتية ميج إلى 90 كم، بينما يصل المدى الراداري للمقاتلة الأمريكية إلى 130 كم. كما تتفوق المقاتلة الأمريكية بتسليحها بالصورايخ جوـ جو، من نوع " سبارو ـ 7ف "، مداها 45 كم، من ارتفاع ستة آلاف متر. بينما لا يتعدى الصاروخ أبيكس 35 كم.

    وقد خلص سلاح الجو الأمريكي، إلى حقيقة أن الصواريخ جو ـ جو، من نوع " أ.أ ـ 9"، التي زودت بها المقاتلة الجديدة السوفيتية " ميج ـ 25 "، من شأنه أن يهمش تفوق المقاتلة " ف ـ 15 ". وأوصى المصدر الأمريكي، بضرورة أن تزود المقاتلات الأمريكية بأجهزة رادارية للمقاتلة " ف ـ 16 "، مع تزويدها بالقدرة على حمل صواريخ جو ـ جو متوسطة وبعيدة المدى، مثل الصاروخ " سبارو "؛ حتى تكون المقاتلة " ف ـ 16 " أكثر المقاتلات مناسبة، خلال الثمانينات.

تاسعاً: تقويم الطائرة العمودية "ميل ـ 24":

    أثارت الطائرة العمودية " ميل ـ 24 "، عند ظهورها في السبعينات، جدلاً كبيراً في قيادات الناتو، حيث أطلقت عليها اسم " هايند Hind"، وهي أول طائرة مساندة تكتيكية، تستطيع مقاومة الدبابات، مع قدرتها على حمل أنواع متعددة من الأسلحة والمعدات الهجومية، وحمل مجموعة من الجنود (مشاة محمولة جوا ـ وحدات كوماندوز خاصة)؛ لتنفذ مهام الاقتحام الرأسي المسلح، وكذا النقل التكتيكي والدعم اللوجيستى العام. وهي نوعية من الطائرات العمودية، تفتقر إليها الطائرات العمودية الهجومية المتعددة، التي تم تطويرها في الغرب. وفي المعتقد أنها تتفوق على مثيلاتها الغربية، وهي قادرة، بما لديها من أجهزة ملاحية، أن تعمل، في مختلف الأحوال الجوية، وليلاً ونهاراً، مع قدرتها على التحليق على مختلف أنواع التضاريس الأرضية، على ارتفاعات منخفضة جدا.

مع مطلع عام 1980، كانت هناك خمسة أنواع من هذه الطائرة العمودية، وهى:

"هايند ـ أ ": مجهزة أساسا لمهام النقل، والاقتحام الرأسي المسلح.

"هايند ـ ب": جُهزت بطريقة أفضل؛ لتلائم عمليات القصف، ومقاومة الدبابات.

هايند ـ سى": تتميز بقدرات مثالية مباشرة.

"هايند ـ ف": من أحدث الأنواع، مع تجهيزها بأسلحة متطورة، بما يجعلها ملائمة لأعمال القتال الرئيسية.

    وقد روعي، في تجهيز هذه الطائرات، حداثة نظم الملاحة الجوية والرادارية، وتزويدها بمقدر مدى / محدد للأهداف، يعمل بأشعة ليزر، بالتنسيق مع الصاروخين المضادين للدبابات " أ.ت 60 سباريل "، والصارخ جو ـ أرض " أ.س ـ 8 " وهما تسليح رئيسي لها، مع وجود نظام رؤيا وتحديد أهداف، يعمل بالأشعة تحت الحمراء، ونظام تليفزيوني، يُستخدم، كذلك، للملاحة وتحديد الأهداف، ليلاً، مع توافر معدات إنذار وتشويش.

    وتتميز بقوة تسليحها بالصواريخ المضادة للدبابات، من نوع " أ.ب.6 سي بال "، وعددها ستة صواريخ، وعدد مماثل من الصواريخ جو ـ أرض " أ.س ـ 8 "، ولها قدرة عالية على القتال الجوي الدفاعي، مع توافر قدرة عالية في المناورة، على ارتفاعات منخفضة، وإمكانية تزويدها ب 4 ـ 6 صواريخ جو ـ جو، من نوع " أ.أ.2 أتولAttol "، أو " أ.أ ـ 8 أفيد"، المخصصين للقتال الهجومي التلاحمي، جواً، وبذلك يمكن أن تعمل في مهام هجومية، من دون الحاجة إلى حماية المقاتلات، كما أنها قادرة على مقاومة الطائرات الهجومية المعادية، ومنعها من ضرب القوات البرية الصديقة. ومن ثم يمكنها:

1. تقديم المعاونة التكتيكية للقوات البرية، أثناء تحركاتها.

2. التنسيق المباشر والعضوي، مع عمليات القوات المدرعة والميكانيكية (في حالات الهجوم، والدفاع، وعند التصدي للدبابات المعادية).

3. كبح النيران المعادية للمدفعية والصواريخ، وتليين (أو إضعاف) مواقع المدفعية والصواريخ المعادية، في مناطق حشدها.

4. تنفيذ كمائن جوية على خطوط المواصلات، وعلى محاور الإمداد، وأثناء تقدم القوات المعادية، وبالأخص المدرعات.

5. القيام بدور " عربة مشاة قتالية طائرة"، لتنفيذ مهام الاقتحام الرأسي المسلح، وعمليات الإنزال، خلف خطوط العدو.

6. تقديم الدعم التكتيكي واللوجستي، في مختلف الأحوال الجوية.

    إن هذا يعنى أن هذه النوعية من الطائرات العمودية، يمكن للقادة استخدامها، طلائع حرس أمامية وجانبية، في الهجوم على الدبابات المعادية، وتدمير الجزء الأكبر منها، في معارك تلاحم؛ بما يهيئ أفضل الظروف الميدانية، لتقدم الدبابات الصديقة، والقيام بعمليات الالتفاف والتطوير، بالمدرعات، كما أنها قادرة على مهاجمة مواقع المدفعية والصواريخ، لإسكاتها. وبذلك يمكن عزل القوات المدرعة والمشاة الميكانيكية المعادية، في معاونة المدفعيات والصواريخ.

    وقد قدرت مصادر الاستطلاع الغربية في حلف الناتو، أن ما تم إنتاجه من هذه الطائرات العمودية، يقدر بأكثر من 750 طائرة، تضم حوالي 600 من نوع " هايند ـ د، ف". وقد دخلت الخدمة في القوات العاملة السوفيتية، ودول حلف وارسو، بجانب (18) طائرة في كوبا، و(18) طائرة في أثيوبيا، و(17) طائرة في أفغانستان، و(41) طائرة في العراق، و(40) طائرة في سوريا، و(26) طائرة في ليبيا، و(24) طائرة في الجزائر، و(6) طائرات في اليمن الديمقراطية، بجانب حصول الجيوش العربية المستوردة للأسلحة السوفيتية، على نوع الطائرة العمودية " هايند ـ د ".

عاشراً: مجموعة القوات الشمالية في بولندا:

    تتمركز فرقتان مدرعتان سوفيتيتان، في مدينة لجنيكا" شرقي البلاد، (على حدود ألمانيا الشرقية)، بقوة 650 دبابة، و30 ألف رجل، إضافة إلى جيش الطيران السابع والثلاثين (نحو 350 مقاتلة، في 41 قاعدة جوية، معظمها في الشرق). وأشارت التقديرات الغربية إلى وجود 57 قاعدة سوفيتية رئيسية في بولندا، (منها 24 قاعدة تابعة للقوات البرية، ومركز الاتصالات اللاسلكي، في مدينة يوزنان في الشرق)

حادي عشر: مجموعة القوات الوسطى في تشيكوسلوفاكيا:

    تتكون من فرقتين مدرعتين، وثلاث فرق مشاة ميكانيكية (نحو 70 ألف رجل، و1400 دبابة)، مع وجود قيادتين جويتين.

ثاني عشر: مجموعة القوات الجوية في المجر:

    تتكون من فرقتين مدرعتين، وفرقتي مشاة ميكانيكية (نحو 40 ـ 50 ألف جندي، 1200 دبابة) بالقرب من دول أوروبا الشرقية، في العمق الإستراتيجي التعبوي، بينما ترابط حوالي 30 فرقة (14 مدرعة، 16 فرقة مشاة ميكانيكية)، في المناطق العسكرية الغربية، في الاتحاد السوفيتي، (قوتها 350 ألف رجل، عند التعبئة الكاملة)، وتمثل الاحتياطي الإستراتيجي للقوات السوفيتية، في أوروبا الشرقية. تنتشر نحو 10 فرق منها، في المنطقة الممتدة من مدينة "كالينجراد" على ساحل البلطيق، حتى " مدينة لوفوف " في الكاربات، بمحاذاة الحدود البولندية الشرقية. هناك، كذلك، فرق محمولة، جواً (نحو 22 ألف رجل)، يمكن نقلها إلى أوروبا الشرقية، في وقت الأزمة.

تكون القوات السوفيتية على درجة استعداد قتالي وتأهب، وفقا لدرجات مختلفة:

1. الدرجة الأولى:

تشمل جميع الفرق الموجودة في أوروبا الشرقية، التي تملك من 75 إلى 100% من عتادها العسكري، والكوادر البشرية (100% = 11 ألف رجل، و335 دبابة، في الفرقة المدرعة؛ 14 ألف رجل و 266 دبابة، في فرق المشاة الميكانيكية).

2. الدرجة الثانية:

وتشمل ما يزيد على نصف القوات، في المناطق الغربية في الاتحاد السوفيتي.

3. الدرجة الثالثة:

وتشمل القوات السوفيتية في العمق السوفيتي، والشرق الأقصى، التي لا تزيد نسبة الاستكمال فيها على 25% من كامل قوتها. وهناك نظام لسرعة رفع درجات الاستعداد القتالي، عند الأزمات، أو عند التعبئة العامة. ويذكر الأدميرال روبرت فالو، رئيس اللجنة العسكرية التابعة لحلف الناتو، في أحد تقاريره، "أن جميع القوات غربي الاتحاد السوفيتي وأوروبا الشرقية، قد رفعت درجة التأهب إلى الدرجة الأولى، خلال فترة قريبة. "

4. القوات المتحالفة:

تضم قوات "الجناح الشمالي" (ألمانيا الشرقية ـ وبولندا ـ وتشيكوسلوفاكيا)، وقوات "الجناح الجنوبي" (المجر، ورومانيا، وبلغاريا)، كالتالي:

5. الجناح الشمالي:

تشكل القوات البولندية أكبر القوات العسكرية، في الحلف، وأكثرها فاعلية وحداثة، بعد الاتحاد السوفيتي. يتكون الجيش البولندي من 5 فرق مدرعة، و8 فرق مشاة ميكانيكية، وفرقة محمولة جواً، وفرقة اقتحام بحرية، بما يعادل 220 ألف رجل، و3500 دبابة.

يتوافر للقوات نظام دفاع جوي، حديث ومتكامل. وتنتشر القوات البولندية في الأوقات العادية في غربي البلاد، بالقرب من الحدود الألمانية الشرقية.

يمتلك سلاح الجو البولندي نحو 700 طائرة مقاتلة، أكثرها ميج 21، 17، أما الأسطول البحري البولندي (أكبر الأساطيل البحرية غير السوفيتية)؛ فقد أوكلت إليه مهام الدفاع عن منطقة بحر البلطيق.

تشكل القوات الألمانية الشرقية فرقتين مدرعتين، و4 فرق مشاة ميكانيكية، بقوة 110 آلاف رجل، و 2600 دبابة. ويمتلك سلاح الجو الألماني 350 طائرة مقاتلة (من بينها مقاتلات ميج ـ 23، 27، سوخوي ـ 17).

يأتي الأسطول الألماني الشرقي، في المرتبة التالية، بعد الأسطول البولندي. وتوضع القوات الألمانية الشرقية، تحت القيادة المباشرة والدائمة لقيادة قوات المجموعة السوفيتية، في ألمانيا الشرقية، وليست تابعة لقيادة حلف وارسو الجماعية. في الأوقات العادية، تتمركز فرقتان مدرعتان ألمانيتان، في الغرب بالقرب، من الحدود البولندية، قرب مدينة "أغسين" في الشمال، وقرب مدينة "درسوف" في الجنوب.

تتشكل القوات التشيكية من 5 فر ق مدرعة، و5 فرق مشاة ميكانيكية (ما يعادل 140 ألف رجل، و3400 دبابة). يملك سلاح الجو التشيكي 470 طائرة مقاتلة (فيها طائرات ميج 23، 27).

6. الجناح الجنوبي:

وهو، بصفة عامة، أقل حداثة من قوات الجناح الشمالي. هناك 6 فرق "مجرية"، منها واحدة مدرعة (ما يعادل 80 ألف رجل و 1300 دبابة)، و8 فرق مشاة ميكانيكية و 5 ألوية مدرعة " بلغارية " (ما يعادل 110 آلاف رجل، و1200 دبابة). والقوات الرومانية لديها 10 فرق، (منها فرقتان مدرعتان) نحو 400 ألف رجل. (أُنظر ملحق القدرة العسكرية لدول حلف وارسو 1990 ـ 1991).

ثالث عشر: تماسك الحلف وقدراته:

    ذكرت مجلة القوات المسلحة والمجتمع (Armed Forces and Society) الأمريكية، أنه يمكن للجيش البولندي صد الهجمات الخارجية، مهما كان مصدرها. وأن الجيش الروماني له القدرات، نفسها، على صد أي هجوم. أما الجيش المجري فلن يقاوم هجوماً غربياً، لكنه قد يقوم بالدفاع المحدود، ضد هجوم غربي. إن جيش ألمانيا الشرقية على استعداد للتدخل في بولندا، ولكنه قد لا يكون ذا نفع في مواجهة الجيش الألماني الغربي. أما الجيش البلغاري، ففي استطاعته، أن يقاوم هجوماً غربياً، بدرجة كبيرة. أما الجيش التشيكي فإنه لا يمكن الاعتماد عليه في أي ظرف.

    اشتركت القوات الألمانية الشرقية والبولندية والمجرية والبلغارية، في التدخل العسكري السوفيتي في تشيكوسلوفاكيا، عام 1968، ولذلك، يصعب تقبل مقولة عدم استعداد هذه الدول لمواجهة هجوم غربي عليها، كما يصعب تقبل احتمال تشرذم وتفكك التحالف كلية، في حالة اتخاذ القرار بمواجهة حلف الناتو، عسكريا. إضافة إلى أن الاتحاد السوفيتي، بقدراته، يحتل مركز الثقل في التحالف، وقادر على السيطرة على الأجهزة القيادية للتحالف، في الوقت، الذي يجب فيه معرفة أن إعادة تنظيم هيكلة التحالف، التي جرت في 1969 (بعد أحداث تشيكوسلوفاكيا)، قد أفسحت المجال لأن تتخذ الدول الأعضاء مزيداً من الاستقلالية، بشأن سياستها الدفاعية، وأدى هذا إلى مزيد من إمكانية التحاور والتشاور بين أعضائه، مما يزيد من القدرة على اتخاذ قرارات جماعية، متماسكة، ومتفقا عليها. وإن فاعلية القدرات العسكرية لدول التحالف، تشكل قائمة في إطار ما يمكن اتخاذه من قرارات جماعية، بما يحقق المزيد من فاعلية العمل العسكري للحلف.

    لعل الكسب الإستراتيجي، الذي كان يتوقعه السوفيت من مثل هذا التحالف، يمكن أن يحدد في النقاط التالية:

1. الهيمنة السوفيتية الشاملة (أيديولوجية، وسياسية، وعسكرية، وأمنية)، يعززها الوجود السوفييتي، بصورة مباشرة ودائمة، على أراضي دول الحلف؛ ليكون الاتحاد السوفييتي قادراً على مواجهة القدرات العسكرية للناتو.

2. إن الحلف علاقة تعاقدية، ومن ثم، فالمفروض أن يكون انضمام دول التحالف، بمحض إرادتهم، بما يكسب التحالف شرعيته الدولية، في وجود قوات سوفيتية في شرق أوروبا. والتغيير، الذي حدث عام 1969، عقب الأزمة التشيكية، قد أكسب الأعضاء استقلالية مناسبة؛ لاتخاذ القرارات، في إمكانية التنسيق لما يصدر.

3. عدم استطاعة أي دولة من دول الحلف، الانسحاب من العضوية؛ لأنها سوف تجد مقاومة رادعة من الدول الأعضاء، وهذا يضطرها إلى العودة والتماسك، في إطار التحالف.

4. إن هذا التحالف له دوره في قدرة الاتحاد السوفيتي، على ممارسة أشكال المساومة الدبلوماسية، التي تدخل طرفاً مباشراً مع الغرب؛ بما يعنى تهيئة أنسب الظروف للسوفيت، عند التفاوض، من مركز القوة، مع الجانب الأمريكي والغربي. وهذا ما حدث في محادثات الحد من التسلح.

    ركز التحالف على عدم توسيع نطاقه مع دول شيوعية أخرى، خارج النطاق الأوروبي، وهو ما جعل، من غير الممكن، أن تشمل المسؤوليات الدفاعية اشتراك الصين، وكوريا الشمالية، وفيتنام، وكوبا.

    نصت المادة السادسة من المعاهدة، على إنشاء لجنة سياسية استشارية، لإمكانية التشاور حول الأمور المتعلقة بمسؤوليات الدول داخل الحلف، وهي أداة تنسيق وتشاور مستمر، وقادرة على الإعلان عن آراء دول الحلف، حول العديد من المسائل الدولية.

    ما لا يمكن إغفاله أن السوفيت، على مدار ثلاثين عامًا، كانوا قادرين على تحقيق انضباط كامل، في علاقاتهم بحلفائهم في دول أوروبا الشرقية، باستثناء ما حدث في بولندا والمجر عام 1956، وفي تشيكوسلوفاكيا عام 1968، وفي بولندا للمرة الثانية في عامي 1980، 1981، ثم رومانيا، إلا أنهم تمكنوا من السيطرة عليها.

    ولا شك أن أحداث المجر وبولندا الأولى، مثَّلت تحدياً جاداً وتهديداً قوياً حقيقياً، لزعامة الاتحاد السوفيتي، داخل مجموعة التحالف. وقد اختلفت تلك الأحداث في بولندا، عنها في المجر، ومن ثم اختلفت النتائج.

    ففي بولندا، وافق الزعيم الشيوعي البولندي "جومولكا"، على البقاء داخل حلف وارسو، على الرغم من التظاهرات الشعبية، التي طالبت بوضع حد لنهاية التسلط السوفيتي على بولندا، ووجوب تحرير بولندا، من قيد هذه العلاقة غير المتكافئة. من هنا كان رد الفعل السوفيتي أقل صرامة وشدة، مما حدث في المجر؛ عندما أعلن رئيس وزراء المجر "إيمري فاجي" انفصاله عن حلف وارسو وحياد المجر، وعندها أدرك السوفييت أن تيار الأحداث، في المجر، يوشك أن يجرف كل شيء في طريقه؛ لذا كان التدخل السوفيتي، بكل وسائل القهر العسكري؛ لإنقاذ الأوضاع المتأزمة في شرق أوروبا، وخطر الانهيار الكامل للحلف. وبذل السوفيت مجهوداً خارقاً؛ لتطويق الأزمة واحتوائها.

    أما أحداث تشيكوسلوفاكيا، عام 1968، فقد شكلت تحديا آخر لزعامة السوفيت، في حلف وارسو؛ فالتغيرات السياسية، التي حاولت شق طريقها إلى مركز الحياة السياسية، في تشيكوسلوفاكيا، في ذلك الوقت، تحت قيادة السكرتير العام للحزب الشيوعي التشيكي، "الكسندر دوبشيك"، جعلت السوفييت يتدخلون، باستخدام قوات حلف وارسو؛ لقمع حركة التمرد، واقتلاع دويتشيك من السلطة، واستبدال آخر به، أكثر ولاء للعقيدة السوفيتية. وجاء مبدأ بريجينيف، ليعكس اتجاه السوفييت المتشدد، ضد أي محاولة تهدف إلى إضعاف روابط التضامن داخل الحلف، حتى، وإن جاءت متسترة تحت شعارات الليبرالية والمرونة العقائدية، وما إلى ذلك. لقد صور مبدأ بريجنيف أن الحلف لم يكن مجرد تجمع عسكري أو سياسي، ولا مجرد تكتل دولي عارض، وإنما هو كيان قائم موحد ثابت، لا يقبل المساس به.

    أما في بولندا عام 1980، فقد أُعلن عن تشكيل نقابات عمالية مستقلة، تمثل "التضامن"، وكانت تعنى بادرة انهيار سلطة الحزب الشيوعي على الطبقة العاملة في بولندا، وبروز زعامات لها هوية عقائدية، لا تدور في فلك الماركسية التقليدية، وكان هذا أخطر ما واجهه السوفييت، في تاريخ وجودهم في أوروبا الشرقية، فإما التدخل بقوات حلف وارسو، كما حدث مع تشيكوسلوفاكيا عام 1968، وله أخطاره ومضاعفاته، وإما تفويض هذه المهمة إلى بعض القوة الداخلية، في بولندا نفسها؛ لكي تقي السوفيت من مغبة التدخل العسكري، بقوات حلف وارسو. وقد حدثت المعالجة بالخيار الثاني، وحدث انقلاب عسكري، نفَّذه الجنرال باروزلسكي، وترتب عليه حل نقابات "التضامن"، واسترجاع زمام السلطة والسيطرة على الموقف. وتم تحجيم الخطر، بصورة لم تبن معها زعامة السوفيت لحلف وارسو، أمام تحديات ومخاطر قاتلة.

    أما أحداث رومانيا، فكانت حالة غير عادية، من حيث علاقة رومانيا بالسوفيت؛ فالزعيم الروماني "نيكولاى تشاوشيسكو"، دعا إلى إنهاء تبعية دول شرق أوروبا المطلقة للاتحاد السوفييتي. وقد سلم السوفييت بتمايز السياسات الرومانية، واختلافها عن المنهج السوفيتي، واعتبروها مظهراً لحرية التعبير، طالما أنها لم تصل إلى نقطة التمرد أو العصيان.

    من مميزات التحالف السوفيتي مع دول أوروبا الشرقية، أن ما أنتجه السوفييت من أسلحة، يمكن إنتاجه في الترسانات الحربية لدول أوروبا الشرقية؛ بما يؤكد على وحدة نظم التسلح؛ " فليس هناك أي مشكلات للامتزاج، مثل ما تواجهه دول حلف الناتو، وبالأخص في مجال التسليح الجوي، حيث كثرت أنواع أسلحة الجو داخل الناتو، بما شكل صعوبات لوجيستية في الإمداد بقطع الغيار، والإمداد بالذخائر.

    في مجال وحدة القيادة والسيطرة، كان للقائد السوفيتي صلاحيات، داخل حلف وارسو، تفوق مثيلتها لدى القائد الأمريكي في حلف الناتو. مما سهل مهمة وضع الإستراتيجيات العسكرية لحلف وارسو، أكثر من حلف الناتو، كما حقق التزاماً أقوى بأهداف التحالف، من دون وجود عراقيل عند التنفيذ العملي.

    تميز الحضور السياسي لحلف وارسو على الساحة الدولية، وكان شغله الشاغل "قضية الأمن الأوروبي"، وكيفية تقديم الحلول والمقترحات؛ لتخفيض حدة التوترات العسكرية، في أوروبا، من خلال ما قدمه من مقترحات عديدة ومتتالية، من أبرزها الدعوة إلى إقامة منطقة منزوعة السلاح النووي، في وسط أوروبا، في عام 1957، ودعوة حلف وارسو، في عام 1966، إلى إقامة نظام دائم وفاعل للأمن الأوروبي، يركز على جعل ألمانيا الغربية تعترف بالصيغة الدائمة، للحدود السياسية القائمة في وسط أوروبا، ثم إعلانه، في عام 1973، عن تحبيذه عقد مؤتمرات الأمن والتعاون الأوروبي، التي كان من أهمها ما صدر عن اللجنة السياسية الاستشارية للحلف، في يناير 1983، والتي اقترحت عقد ميثاق عدم اعتداء، بين حلفي وارسو والناتو، على أن يسبقه عقد اتفاق، بين الطرفين، يوجب الامتناع عن استخدام القوة العسكرية، والمحافظة على علاقات حسن الجوار، بين دول الحلفين، مع التفاوض حول كيفية تجميد ميزانيات الإنفاق العسكري أو تقليصها؛ بما يعد مدخلاً عملياً نحو احتواء المخاطر الناجمة عن تصاعد سباق التسلح، بين الطرفين، والاتجاه نحو نشر نظم أسلحة جديدة باهظة التكاليف.

    ويقول المراقبون: إن دافع دول حلف وارسو إلى تقديم مبادرة الحد من التسلح، واتفاقية عدم الاعتداء، إنما يرجع إلى الاعتبارات التالية:

1. تخفيف الاندفاع الأمريكي نحو تنفيذ خطة نشر الصواريخ بيرشنيج ـ 2، وكروز؛ لأن نشرها يتعارض مع توقيع اتفاق عدم الاعتداء، فلابد من اتخاذ قرارات لبناء الثقة، بما يتعارض مع التخطيط العسكري الأمريكي لأوروبا، في تنمية القدرات العسكرية.

2. تحريك مفاوضات "ستارت"، وإخراجها من حيز الجمود إلى حيز التنفيذ، بتقديم مقترحات، حاولت بها القيادات السوفيتية، في مرحلة بريجنيف، أن تبرهن على نواياها الحسنة والسلمية تجاه الغرب، وبالتحديد، إزاء الدول الأوربية الغربية، بما يحقق فاعلية لحركات السلام الأوروبية؛ بما يدفع الجانب الأمريكي والأوروبي إلى اتخاذ خطوات أكثر مرونة.

3. إحراج الجانب الأمريكي، وإلقاء اللوم عليه، ومسؤوليته عن تدمير "الوفاق الدولي"، بما يشمل تجميد مبادرات خفض التسليح في أوروبا.

    ولا شك أن أزمة الثقة ظلت حائلاً، دون التوصل إلى تهدئة التوتر، في العلاقات بين القوتين العظميين ودول أوروبا، أعضاء حلف وارسو وحلف الناتو، إلا أن هذا لم يوقف محاولة الخفض المتبادل للقوات التقليدية، في المسرح الأوروبي، والاتفاق على تخفيض الترسانة النووية، والتوصل إلى اتفاقية سولت ـ 2، إلى أن جاءت لحظة الانهيار للاتحاد السوفيتي، وانعكاسات ذلك على حلف وارسو، وتحولت المكاسب الإستراتيجية بالكامل، إلى الولايات الأمريكية وحلف الناتو.


 



[1] ذكر أن سياسة التضامن السلمي هي السياسة، التي نادى بها نيكيتا خروشوف رئيس الوزراء السوفيتي ( السابق)، أمام المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفيتي، في فبراير 1956، والتي تقوم على التراجع عن مبدأ حتمية الحرب بين النظامين الشيوعي والرأسمالي، والإقرار، بدلاً من ذلك، بإمكانية التعايش السلمي بين الدول ذات الأنظمة السياسية والاجتماعية المختلفة. ولقد كان هذا الإعلان السوفيتي يمثل إحدى نقاط التحول الثوري في السياسة الدولية، في عالم ما بعد الحرب؛ نظراً لأنها أذابت الجليد من طريق العلاقات بين الشرق والغرب. وقد هيأت المجال لبدء حوار طويل بين الطرفين، وتدعيم فرص التفاهم المتبادل بينهما، وتعميق مصالحهما المشتركة، والدخول إلى عصر الوفاق.