إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / منظمات وأحلاف وتكتلات / حلف وارسو (WARSAW)





تنظيم حلف وارسو

التكتلات الدولية في أوروبا
اتجاهات عمل حلف وارسو



حلف وارسو

المبحث الثالث

إستراتيجية الحلف ونهايته

    كان على حلف وارسو مواجهة مجموعة من الإستراتيجيات، كان أشدها إستراتيجية الانتقام الجسيم Massive Retaliation، التي وصفها جون فوستر دالاس في بداية الخمسينيات، بأنها تصحح من أخطاء ونقط ضعف سياسة الاحتواء، ضد الاتحاد السوفيتي، في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، بحيث يحق للولايات المتحدة الأمريكية حرية الانتقام الفوري والعنيف، والتي يجب أن يتوقع الخصم معها انتقاماً نووياً رادعاً، بصفته نوعًا من العقاب، إذ تكون الطريقة الوحيدة، لردع أي معتد في المستقبل، أن تقنعه مقدما بأنه إذا لجأ إلى العدوان، فسوف تُوجَّه إليه ضربات انتقامية عنيفة، تجعله الخاسر في النهاية من وراء عدوانه. وليس هذا فقط، بل إنها ستتمكن من تحرير دول الكتلة الشيوعية أو تحطيمها، فيما لو استخدمت الأسلحة النووية، وبذلك فإنها تعني الدخول في حرب عامة، وليست محدودة. وقد كانت هذه الإستراتيجية محل نقد، مما أدي إلى التخلي عنها، والتحول إلى نظرية أكثر واقعية، عُرفت بإستراتيجية الاستجابة المرنة Flexible Response، والتي وضعت مع بداية الستينيات، والتي أصبحت نهجا لحلف الناتو، وأساساً لتطبيق سياسته العسكرية، منذ عام 1967، بما يحقق قدراً من الحركة والمرونة الدبلوماسية الأمريكية، في مختلف النزاعات. ويرجع أصل وضعها إلى الجنرال ماكسويل تيلور، (رئيس هيئة الأركان المشتركة للجيش الأمريكي في هذا الوقت)، لإيمانه بأهمية التنويع في وسائل الردع والقتال بالأسلحة النووية أو التقليدية. وعليه، فقد واجه حلف وارسو تطبيقاً عملياً لهذه الإستراتيجية، من خلال بناء القوه العسكرية المضادة على النحو التالي:

1. بناء قوات مجهزة بالصواريخ الإستراتيجية، التي لا يمكن إصابتها في قواعدها في مرحلة الانطلاق، وذلك بهدف توجيه ضربات قاضية للعدو، حتى بعد وقوع هجوم نووي من جانبه.

2. بناء قوات خفيفة الحركة، مزودة بأحدث الأسلحة، يمكن استخدامها في ظروف الحرب المحدودة (النزاع المسلح، الذي يقل في نطاقه عن الحرب الشاملة، بين كتلتين من القوي النووية).

3. إقامة بناء قوي من قوى التحالفات العسكرية.

4. ضمان استخدام الوسائل الممكنة والإمكانات المتاحة لبرنامج التسلح الأمريكي، بأقصى كفاءة ممكنة.

    وقد بنى خبير الأمن الأمريكي هيرمان كاهن وجهة نظره الإستراتيجية، على إستراتيجية مشابهة، أسماها "سياسة الردع المتعدد الأشكال"، واقترح العناصر التالية:

1. مضاعفة مخزون الولايات المتحدة الأمريكية من الأسلحة النووية، مع العمل على رفع قدرتها التدميرية؛ بما يمنع العدو من أن يمتلك سلاحا يستعمله، أو يلوح باستخدامه.

2. تطوير القدرات العسكرية التقليدية، لخوض الحرب المحدودة، دون حاجة إلى استخدام أسلحة الإبادة الشاملة، في مواجهة الاستفزازات القليلة الأهمية، نسبيا.

3. العمل على تقليل احتمالات إصابة القوة الضاربة الإستراتيجية، التي أطلق عليها القوه الثأرية الإستراتيجية الضاربة، باتخاذ عدة إجراءات وقائية متشابكة: إقامة نظام للرد والتحذير ذي كفاءة عالية، بما يعطي الوقت القاذفات الإستراتيجية، أن تنطلق إلى أهدافها، دون إبطاء، وفور التأكد من قرب وقوع هجوم مضاد، مع الاحتفاظ بجزء كبير من الأسطول الجوي الأمريكي، في حالة تحليق دائم في الجو، حتى لا يكون عرضة لهجوم مدمر على الأرض، مع توزيع الجزء الباقي على الأرض حتى لا يكون عرضة لهجوم مدمر، بما يقلل من إصابته، مع تركيب الصواريخ على منصات إطلاق متحركة، كعربات اللواري، وعربات السكة الحديد، حتى يصعب تحديد موقعها وضربها، مع إخفاء عدد آخر من هذه الصواريخ، في الغواصات النووية الضاربة، في أعماق البحار والمحيطات، مع توفير الحماية لمراكز القيادة من التدمير، حتى يكون هناك مسؤولون عن توجيه الضربات الانتقامية المضادة، مع ضرورة العمل علي الاحتفاظ بقدرة مستمرة، على تدمير العدو تدميراً شاملاً، بالضربة الأولى، مع الاهتمام باستعمال تجهيزات الدفاع المدني. وقد أطلق الرئيس كنيدي على هذه الإستراتيجية اسم إستراتيجية القوة المضادة Controlled Counter-Force.

    لم يقف الاتحاد السوفيتي ساكناً، أمام مواجهة هذه الإستراتيجية، وإنما عمد إلى بناء شبكة من الصواريخ الدفاعية؛ لكي يضمن بها التقليل، قدر الإمكان، من كمية الدمار، الذي يمكن أن يحيق به، في حالة وقوع حرب هجومية نووية. وبدأت الولايات المتحدة الأمريكية، في إطار ما عُرف ببرنامج سنتييل، ببرنامج مماثل للبرنامج السوفيتي، في عام 1967، بهدف تأمين المدن الأمريكية، وتحول إلي مشروع سيفجارد Safeguard، وهدفه تأمين قواعد الصواريخ الإستراتيجية الهجومية. وقد أعيد النظر في إستراتيجية "الاستجابة المرنة" في التسعينيات ليعود الفكر الإستراتيجي إلى إستراتيجية جديدة، ظهرت عام 1980، وعرفت بإستراتيجية التصدي الشامل، "أو إستراتيجية المواجهة الشاملة"، بما يضع الخصم تحت التهديد المستمر، ويجعل الحرب بين الغرب والسوفيت تتمثل في خمس صور:

1. الحرب النووية الإستراتيجية الشاملة.

2. الحرب النووية المحدودة.

3. الحرب التقليدية المحدودة.

4. الحرب التقليدية العامة.

5. الحرب التقليدية المحلية أو الإقليمية.

    ونوعية الحرب النووية الإستراتيجية الشاملة، هي صورة الحرب، التي يمكن أن تنشب بين حلفي الناتو ووارسو، وفيها تستخدم كل الأسلحة في الترسانة الحربية لكليهما، بما يجعل العمليات الحربية تجري علي مسارح القتال الرئيسية في العالم. وتضع الإستراتيجية الأمريكية، في اعتبارها، توجيه الضربات النووية المركزة والمضادة، بما يؤدي إلي إحداث انخفاض حاد في قوة الخصم النووية، وينقل زمام المبادأة الإستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية. أما في الحرب النووية المحدودة، التي قد تنشأ بين الكتلتين، فتستخدم فيها الأسلحة النووية التكتيكية وإمكانات القوة التقليدية، وبصورة جزئية، الوسائل النووية ذات المستوى الإستراتيجي. هذه النوعية لا تنشأ إلا في أوربا بين دول حلفي الناتو ووارسو.

    اعتمدت هذه الإستراتيجية على مبادئ ثلاثة:

1. الكفاءة الإستراتيجية Strategic Efficiency.

2. مبدأ اختيار الأهداف Chosen Targets.

3. مبدأ التحرك الإستراتيجي السريع "المرونة الإستراتيجية" Strategic Mobility.

    ويعني المبدأ الأول القدرة على توجيه ضربات قاصمة، أما المبدأ الثاني، فيعني الضرب الشامل لأهداف مختارة بدقة، مع إمكانية توجيه ضربات نووية للأهداف العسكرية، دون تدمير المدن، والقدرة على ضرب أجهزة إطلاق الصواريخ الإستراتيجية الدقيقة. أما المبدأ الثالث، فإنه يعني امتلاك قدرات النقل الإستراتيجي، وتوسيع مسارح العمليات الحربية.

    كانت هذه الإستراتيجيات هي أكبر التحديات، التي واجهها حلف وارسو، في أي حرب محتملة مع حلف الناتو، بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية، ولكنه واجه ذلك عن طريق تنامي القدرة العسكرية السوفيتية، في إطار الفكر الإستراتيجي السوفييتي.

أولاً: الدفاع الإستراتيجي السوفييتي وبناء القوة العسكرية:

    كان للسوفييت وجهة نظر إستراتيجية نحو بناء قوتهم العسكرية، لتكون قوة عظيمة في نظام القطبية الثنائية، وفي إطار حلف وارسو. ويمكن أن نعدّ الفكر الإستراتيجي السوفييتي يرتكز على مفهوم الدفاع الإستراتيجي، ومن ثم يختلف عن المفهوم الإستراتيجي الأمريكي اختلافًا واضحًا؛ إذ يقوم على مفهوم "الردع"، الذي يسعى إلى المحافظة على قدرة إستراتيجية حربية كافية، تضمن منع اندلاع الحرب النووية الشاملة، من خلال ردع الخصم عن شنها، بينما يشدد الفكر الإستراتيجي السوفييتي، على أهمية امتلاك قدرة تسعى لمنع الحرب، ثم القدرة على خوضها والانتصار فيها، إذا دعت الحاجة إلى الدخول في حرب. ومن هذا المنطق الفكري تصبح حالة الردع جزئية هامة، في إطار الدفاع الإستراتيجي. وهذا يقود إلى القول إن الفكر الإستراتيجي السوفييتي يرى أن الدفاع الإستراتيجي حجر الزاوية في توفر القدرة على استيعاب الضربة الأولى، ومن ثم القدرة على متابعة الحرب من أجل الانتصار الحاسم على العدو.

انعكس هذا الفكر الإستراتيجي في بناء القوة العسكرية السوفيتية لتكون قوة قادرة على:

1. تدمير قدرة العدو على شن الحرب النووية، بما يملكه من قدرة هجومية ذاتية؛ باستباق الهجوم المحتمل، أو الرد عليه في حالة حدوثه، باستخدام القوات الإستراتيجية الهجومية، بفروعها المختلفة (صواريخ باليستية، وقاذفات ثقيلة، ومتوسطة).

2. الدفاع عن النفس، في مواجهة الهجمات المحتملة، بالتصدي لها، واستيعاب نتائجها، والتقليل من أضرارها، قدر الإمكان. من أجل ذلك، تكوّنت قوات دفاع إستراتيجي ذات أهمية كبيرة بصفتها عنصرًا من عناصر تكوين القوة الإستراتيجية السوفيتية الشاملة.

    وقد عبر المارشال السوفييتي أندريه جريشكو، وزير الدفاع السوفييتي الأسبق، عن أهمية الدفاع الإستراتيجي، في كتابه " القوة العسكرية للدولة السوفيتية " بقوله: " إن الإستراتيجية السوفيتية تحتم أن يكون في إمكاننا التخفيض، قدر الإمكان، من الآثار التدميرية للحرب النووية، عبر برنامج دفاعي شامل، يتضمن الحفاظ على قاعدة الدولة، سياسيًا، واقتصاديًا، وعسكريًا، وحماية القوة المعنوية والنفسية للشعب السوفييتي. كما أكد الجنرال ألتونين، قائد قوات الدفاع المدني السوفييتي، في مقال نشر بمجلة "المعرفة العسكرية"، عام 1937، أن تجهيز البلاد وتمكينها من مقاومة وسائل التدمير الشامل، أصبحا من العوامل الإستراتيجية المحددة والمؤكدة لقدرة الدولة، على الاستمرار في العمل في أوقات الحرب، وبالتالي التوصل إلى القصد ".

    برز مبدأ " التقليل من الإضرار"، من خلال الجهود المضنية في مجالات العمل الدفاعي الإستراتيجي، الذي انعكس على مجالات مختلف أفرع القوات المسلحة السوفيتية، لبناء نظام دفاع، متعدد المراحل والمستويات، بدءاً بالاهتمام بمجالات الدفاع جو ـ فضائية، في أنماط الدفاع التقليدي عن المنطقة. وعليه يمكن تناول مجالات الدفاع الإستراتيجي في إطار الآتي:

ثانياً: الدفاع الفضائي:

    ويشتمل على جهود التطوير الهادفة، التي تحلق إلى حلول فاعلة، تكفل إمكانية التصدي للأقمار الصناعية، وغيرها من أسلحة الفضاء خارج الغلاف الجوي للأرض. ووفقًا للمصادر الأمريكية، كان السوفييت يملكون قدرة عملية، على تدمير الأقمار الصناعية والسفن الفضائية، ضمن مدارات منخفضة نسبيًا. وذلك عن طريق استخدام أسلحة إشعاعية، تعمل بالليزر، أو غير ذلك من الشحنات الإشعاعية المكثفة القابلة للتوجيه، مضافًا إليها الوسيلة التقليدية، في التصدي للمركبات الفضائية باستخدام الأقمار القاتلة "Miller ـ Statellites"، التي يتم توجيهها نحو أهدافها، حتى تصل إلى مسافة قريبة منها، فتنفجر ممّا يؤدي إلى تدميرها. وكانت التقارير الأمريكية تؤكد أن السوفييت متقدمون في مجال الحرب الفضائية، ما بين 5 إلى 10 سنوات، عن الأمريكيين.

ثالثاً: الدفاع المضاد للصواريخ الباليستية:

    ويشتمل على وجود نظام صواريخ مضاد للصواريخ (ABM)، يعرف باسم "جالوش". ودخل هذا النظام في أواسط الستينات، واستخدم 64 صاروخًا، تم تركيبها على 16 منصة إطلاق حول موسكو، كما كان السوفييت، في هذا الوقت، يمتلكون صاروخاً مضاداً للصواريخ، أُطلق عليه اسم ش ـ إكس (SH ـ X).

رابعاً: الدفاع الجوي:

    يقّدر الأمريكيون أن للسوفييت قيادة دفاع جوي Pvo ـ Stany مسؤولة، فقط، عن حماية الأجواء السوفييتية، ضد أي محاولات للاختراق الجوي، ذات طابع إستراتيجي. وتستخدم هذه القيادة 2600 طائرة مطاردة، بجانب 10 آلاف منصة إطلاق صواريخ أرض ـ جو، وسبعة آلاف محطة رادار وكشف وإنذار، ويركز السوفييت على صد أي محاولات للإغارة الجوية على الأراضي السوفييتية بالقاذفات، كما أنها تمتلك إمكانات التصدي لهجمات الصواريخ الإستراتيجية غير الباليستية.

خامساً: الدفاع المضاد للغواصات:

    تستخدم القوات الجوية السوفييتية معظم أنواع القطع البحرية السوفييتية الصنع، بما في ذلك حاملات الطائرات "كييف" و "موسكفا" والطرادات الحديثة "كارا" و "كيروف"، وطائرات الدوريات والاستطلاع الحربي، والطائرات العمودية، إضافة إلى الغواصات الهجومية المزودة بالصواريخ الموجهة، والطوربيدات المزودة برؤوس نووية.

سادساً: الدفاع المدني:

    تضم القوات المكلفة بمهمة الدفاع المدني مئة ألف فرد، بما في ذلك الأطباء، والممرضون، ورجال الإطفاء والإنقاذ، والمتطوعون. وتشتمل عملية الدفاع المدني على بناء الملاجئ النووية، وعلى تدريب السكان على التصرف في حالة الحرب، مع توافر قدرات حماية المنشآت الاقتصادية والإنتاجية، وتأمين قدرتها على الاستمرار في العمل. وتكفل جهود الدفاع المدني السوفييتي القدرة على مواجهة آثار التدمير، والتخلص منها، بقدرات تفوق القدرات الأمريكية.

سابعاً: القوة الإستراتيجية السوفيتية وتطورها، وردود الأفعال لدى حلف الناتو:

    كان الهدف السوفييتي الإستراتيجي هو تنمية القوات المسلحة السوفييتية، في مختلف المجالات البرية والجوية والبحرية، على الصعيدين الإستراتيجي والتكتيكي، في إطار برنامج شامل، يهدف إلى إقامة قوة عسكرية دائمة متكاملة عالمية التوجهات والقدرات. وقد أبرز تقرير وزارة الدفاع الأمريكية، وتقارير المعلومات للدول الغربية، خلال عام 1981، تطورات القوات المسلحة السوفييتية المحتملة وانعكاساتها على توازنات القوى، كالتالي:

ثامناً: في المجال الإستراتيجي:

1. الصواريخ

ينفذ الاتحاد السوفييتي برنامجاً عاماً، لتطوير قوته الصاروخية الباليستية العابرة للقارات (ICBM) بعيدة المدى، وهي تشكل الركيزة الأولى في بناء القوات السوفييتية الإستراتيجية. وقد تم تقدير هذه القوة على النحو التالي:

أ. أكثر من 200 صاروخ ثقيل إس إس ـ 18 SS - 18.

ب. حوالي 150 صاروخ إس إس ـ 17 SS - 17.

ج. أكثر من 200 صاروخ إس إس ـ 19 SS – 19.

مع الوضع في الاعتبار، أن تصل مستويات القوة الصاروخية إلى 300 صاروخ إس إس ـ 18، وأكثر من 300 صاروخ إس إس ـ 19، مع المحافظة على 150 صاروخ إس إس ـ 17. وقد جاء في التقرير أن معظم الصواريخ إس إس ـ 18 من الجيل الثاني (Mod. 2)، المزود بـ 8 إلى 10 رؤوس نووية متعددة الأهداف، كما زود معظم الصواريخ إس إس ـ 19 بـ 3 رؤوس متعددة الأهداف، بينما زود جميع الصواريخ إس إس ـ 17 من النوع الأول (Mod. 1) بـ 4 رؤوس متعددة الأهداف. وتتميز الصواريخ من الجيل الثاني بتحسن مستوى الأداء، من حيث الدقة في الإصابة، وبعد المدى، ولا تقل فاعلية عن الصواريخ الأمريكية " مينتمان ـ 3".

حققت منظومة الصواريخ الباليستية السوفيتية عابرة القارات، مظلة أمنية قوية لدول حلف وارسو، في مواجهة أي تهديد غربي محتمل، بجانب امتلاك السوفييت الذراع الطويلة، التي تستطيع أن تعاقب الولايات المتحدة الأمريكية عقابًا شديدًا، إذا ما بدأت حرباً عامة.

وقد أدى السبق الواضح، الذي أحرزه السوفييت على الولايات المتحدة، الأمريكية، في إنتاج الصواريخ الإستراتيجية العابرة للقارات، إلى استخدام اصطلاح فجوة الصواريخ Missile Gap، التي سببت صدمة عنيفة للولايات المتحدة الأمريكية، ولحلفائها في حلف الناتو، وهز كثيرًا من ثقة الرأي العام الأمريكي، في ادعاءات التفوق العلمي والتكنولوجي والعسكري للولايات المتحدة الأمريكية، التي طالما رددتها وروجت لها الأجهزة الإعلامية الغربية والأمريكية. وقد ادعت دوائر البنتاجون، أنها كانت على علم بذلك، وبناء عليه طلبت من الرئيس أيزنهاور الموافقة على البدء في برنامج لتوعية الشعب الأمريكي، يُعرف باسم "Opertation Candor" عن الأبعاد الحقيقية لتطور سباق التسلح النووي. وقد وجد الأمريكيون أن قصور الاستعدادات العسكرية الأمريكية، في مجال الصواريخ، يستلزم إعادة تقويم مشاريع السياسات الدفاعية الأمريكية.

وقد اشتدت وطأة هذه المشكلة على حلف الناتو، بشكل مباشر؛ عندما أدخل السوفييت نحو مائة من الصواريخ المتحركة المتوسطة المدى (الأورو ـ إستراتيجية)، من نوع إس إس ـ 20، البالغ مداها نحو خمسة آلاف كم، إضافة إلى 50 قاذفة متطورة من نوع " باكفاير " ت ـ يو 22 م، مداها خمسة آلاف كم، مما أدى إلى الإخلال بميزان القوى في أوروبا الوسطى، حسب رأي الخبراء العسكريين في الحلف، ورجحان كفة السوفييت بشكل خطير.

وقد أدى هذا إلى بروز خلافات سياسية شديدة، بين مجموعتين داخل صفوف الناتو. المجموعة الأولى، وتضم ألمانيا الاتحادية، وبريطانيا، وبلجيكا، وإيطاليا، إضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، تطالب بضرورة تقوية القوات النووية. أما المجموعة الثانية، ومنها الدانمارك، والنرويج، وهولندا، وتركيا، فتطالب بموقف مترجح بين الرفض والقبول. وتبرر المجموعة الأولى صحة رأيها بالمبررات التالية:

أ. إن الصواريخ إس إس 20 المتحركة، مع طائرات الباكفاير، تعطي السوفييت القدرة على تغطية كل مسرح العمليات الأوروبي، وتسمح بقيام احتمال هجوم سوفييتي مفاجئ، من داخل الأراضي السوفييتية نفسها، ولا تمتلك القوات النووية لحلف الناتو القدرة العملياتية الكافية، للرد على هذا الخطر، في الوقت نفسه.

ب. إن رجحان ميزان القوى لصالح السوفييت، ربما يوفر له القدرة على فرض المواقف السياسية على الغرب، مما سيؤدي إلى " فنلدة " Finlandisation أوروبا، أي تحديدها وتجميد حركتها وقدرتها على التحرك سياسيًا. (أُنظر جدول ميزان القوى العسكري بين حلف شمال الأطلسي وحلف وارسو) و (جدول المقارنة العددية بين قوات حلف الأطلسي وقوات حلف وارسو، في 1975 - 1976).

ج. إن إدخال أسلحة نووية جديدة لحلف الناتو، يعطي الغرب القوة التفاوضية الإضافية لإدارة محادثات الحد من الأسلحة الإستراتيجية سالت ـ 3 "SALT-3"، المقبلة والمفترضة.

د. إن توفير قوات غربية نووية، يفرض على الولايات المتحدة التزامًا جديدًا بالدفاع عن أوروبا؛ بما يضمن بقاء قرار استخدام الأسلحة النووية، في يد الأمريكيين.

أما المجموعة المعارضة، فبنت موقفها على الأسس التالية:

أ. إن السوفييت لهم كل الحق في تطوير قوتهم النووية، داخل أراضيهم. ولقد أدخل السوفييت، للخدمة العامة، الصواريخ إس إس ـ 4، إس إس ـ 5، التي تصل إلى جميع أنحاء أوروبا قبل عشرين عامًا.

ب. إن أوروبا لن تستطيع مجاراة السوفييت، عسكريًا، مهما اتسع نطاق برنامج التجديد المقترح، ومهما كانت نوعية الأسلحة المتطورة، التي ستدخل الخدمة.

ج. إن السوفييت أبدوا استعدادًا طيباً وواضحًا، للبدء في عملية جدية، لتخفيض القوات في أوروبا؛ بما قد يكفل تحقيق الأمن الأوروبي.

د. إن إدخال الأسلحة النووية الجديدة، قد لا يؤدي بالضرورة إلى إقدام الولايات المتحدة الأمريكية على الدخول في حرب نووية؛ دفاعًا عن أوروبا الغربية. وفي حالة نشوب حرب نووية أوروبية، قد تختار الولايات المتحدة مقايضة أوروبا الغربية بروسيا الأوروبية، وعدم دخول حرب شاملة تنتهي بتدمير الولايات المتحدة الأمريكية نفسها. ومن ثم، فإنه لا علاقة بين تصحيح " الخلل " في ميزان القوى الأوروبية، وضمان الرادع الأمريكي، في الوقت نفسه.

وكان انعكاس هذا كله طرح عدة بدائل، أو خيارات صعبة، إذ دعت المجموعة الأولى، المؤيدة للتجديد في إمكانات الصواريخ في أوروبا، إلى تبني برنامج لمحاولة إصلاح الخلل في توازن القوى يشتمل على الآتي:

أ. الموافقة على تطوير سلاحين جديدين، هما الصاروخ " كروز " والصاروخ " الأورو ـ إستراتيجي ـ بيرشينج ـ م"، بما يعني بناء 464 نموذجًا من النوع الأول، و108 من النوع الثاني، ليبلغ مداه 2200 كم.

ب. أو الدخول، مباشرة، في محادثات لخفض القوات مع السوفييت، قبل دخول الأسلحة الجديدة.

ج. تخفيض عدد الرؤوس النووية الأمريكية، الموجودة في الساحة الأوروبية، بنحو ألف رأس.

د. الموافقة على اتخاذ إجراءات " زيادة الثقة " مع السوفييت، مثل الإعلان المسبق عن بدء المناورات والتحركات العسكرية.

أما المجموعة المعارضة، فكانت ترى العمل على اتخاذ الإجراءات، بتجميد القرار النهائي حول التجديد، إلى ما بعد الدخول في مفاوضات مع السوفييت؛ لخفض القوات في المسرح الأوروبي. ولا شك أن عدم الاتفاق كان سيؤدي إلى أخطر انقسام سياسي، داخل حلف الناتو، بعد أن جمدت فرنسا عضويتها.

2. الغواصات النووية:

عمل السوفييت على امتلاك عدد من الغواصات النووية الحديثة، من فئة " دلتا ـ 3.5 " المزودة بصواريخ باليستية إستراتيجية، تقدر بنحو 32 غواصة (في ذلك الوقت) كما زودت الغواصات من نوع دلتا ـ 1، التي لديها 12 أنبوب إطلاق، والغواصات من نوع دلتا ـ 2، والتي لديها 16 أنبوب إطلاق، بالصواريخ إس إس ـ ن 8، إضافة إلى تزويد الغواصات دلتا ـ 3 بـ 16 أنبوب إطلاق لإطلاق الصواريخ الجديدة من نوع إس إس ن ـ 18، النوع الأول منها مزود بـ 3 رؤوس متعددة الأهداف، بينما يحمل النوع الثاني 7 رؤوس. (يصل مدى الصاروخ إس إس ن ـ 8، المزود برأس نووي واحد، إلى 8 آلاف كم، في حين يصل مدى الصاروخ إس إس ن ـ 18 إلى 7700 كم. وهذا ما جعل لهذين الصاروخين خاصية أنهما أبعد الصواريخ المنطلقة من الغواصات السوفييتية مدى، وبالتالي أبعد من مدى الصاروخ الأمريكي ترايدنت. ومن ثم فإن ظهور نوعية الغواصات دلتا، في مطلع السبعينيات، يعد تطوراً بارزاً في مجال الغواصات الإستراتيجية السوفييتية.

3. القاذفات الإستراتيجية، وسلاح الجو:

شمل برنامج التطوير السوفييتي تجهيز نحو ثلثي قوة القاذفات الإستراتيجية الثقيلة العاملة، في ذلك الوقت، من نوع تو ـ 20 (أي نحو 78 قاذفة من أصل 113)، والتي تحمل الصاروخ جو ـ أرض الإستراتيجي (وهو واحد من نوع الصواريخ أ. إس ـ 3 كانجارو)، في حين يحمل ما تبقى من هذه القاذفات المروحية، بعيدة المدى، قنابل نووية عادية، إضافة إلى 43 قاذفة ثقيلة نفاثة، من نوع "ما يا ـ 4". وتتألف باقي القوة الجوية السوفيتية الإستراتيجية، من نحو 100 قاذفة إستراتيجية متوسطة، من نوع "تو ـ 26" أو " تو ـ 22 " المشهورة باسم باكفاير، وأكثر من 400 قاذفة متوسطة "تو ـ 16" متعددة الأنواع والمهام، ونحو 100 إلى 150 قاذفة متوسطة "تو ـ 22"، معظمها مجهز لحمل الصاروخ جو ـ أرض الإستراتيجي، من نوع "أ. إس ـ 4 كتيشن"، إضافة إلى نحو 30 طائرة تزويد جوي بالوقود، من نوع "تو ـ 16"، و "طائرات استطلاع، من نوع" تو ـ 20 " و"تو ـ 16" و "تو ـ 22"، وعدد من طائرات الرصد والإنذار والسيطرة الجوية "تو ـ 126"، المعروفة باسم سيو ـ أواكس السوفيتية (SU ـ AWACS).

4. القاذفة "باكفاير تو ـ 22م":

من أكفأ القاذفات السوفيتية في مرحلة السبعينيات، أنتجها السوفيت لتكون بديلا عن القاذفة "تو ـ 16" المتوسطة، التي عملت بالخدمة منذ الخمسينيات. وقد أصر الاتحاد السوفييتي، خلال محادثات "سولت ـ 2"، على اعتبارها مجهزة لمهمات القصف التكتيكي، لا الإستراتيجي، ولكن الجانب الأمريكي شدد على دورها الإستراتيجي المحتمل، قاذفة إستراتيجية قادرة على قصف أهداف أمريكية؛ إذا ما تم تزويدها بالوقود جوا. وقد اتفق على فك أنابيب التزود من الوقود جوًّا، حتى تكون مهامها محصورة في مهام عمليات بالمسرح الأوروبي، إضافة إلى مهامها في قصف الأهداف الحيوية، في منطقة شمال الأطلسي. ولهذه القاذفة قدرات على تحريك أجنحتها، أثناء الطيران، مما يكسبها قدرة عالية على المناورة، بجانب قدرتها على تنفيذ القصف الاختراقي، على ارتفاعات منخفضة. وقد جُهزت لحمل 12 طناً من القنابل، وسرعتها ضعف سرعة الصوت من 2 إلى 2.1 ماك. وعندما تُكلف بمهام القصف المضاد للسفن، تحمل صاروخين جو ـ سطح، من نوع "أ.س. ـ 6 كينج"، مداه 450 كم، كل منهما مزود برأس نووي تكتيكي. في استطاعة هذه الطائرة أن تحمل صاروخًا جو ـ أرض نوويًّا، من نوع" أ.س ـ 4 " كتيشن "، مداه نحو 740 كم. وقد قدرت الاستخبارات الأمريكية أن مدى عمل هذه الطائرة ما بين 2900 و5300 م.

تستطيع هذه القاذفة قصف كل الأهداف الأوروبية، بما في ذلك غربي الجزر البريطانية، دون الحاجة إلى التزود بالوقود جواً. أما في حالة تزودها بالوقود جواً، فيصل مداها إلى 7500 ـ 9000 كم، بما يحقق إمكانية الوصول إلى أهداف أمريكية على ساحلي الأطلسي، بجانب قدراتها وكفاءتها على العمل، في كل مناطق المواصلات البحرية الحيوية، على جانبي الولايات المتحدة الأمريكية.

وأشارت التقديرات الغربية إلى أن عددها يصل إلى نحو 75 قاذفة، تابعة للقيادة السوفيتية الجوية، إضافة إلى وجود عدد مماثل، في خدمة البحرية بسلاح الجو التابع للبحرية. وقد حددت اتفاقية " سولت ـ 2 " إنتاجها، ليكون قاصراً على 30 طائرة سنوياً، وقد يزداد العدد إلى 50 ـ 60 طائرة سنوياً، في حالة تأخر الولايات المتحدة الأمريكية في التصديق على اتفاقية "سولت ـ 2".

5. أنواع متطورة من الطائرات المقاتلة السوفيتية:

اهتم الاتحاد السوفيتي بامتلاك نوعيات متطورة حديثة من الطائرات المقاتلة، مثل المقاتلات الاعتراضية نوع "ميج ـ 23" و "ميج ـ 25"، والمقاتلات الهجومية "ميج ـ 27" و سوخوي ـ 17" و "سوخوي ـ 24". وقد جاء إنتاج هذه الطائرات لمواجهة النوعيات المتطورة الحديثة، من المقاتلات الأمريكية، مثل المقاتلات "ف ـ 14 تومكات"، و"ف ـ 15 إيجل ن"، و"ف ـ 16 فالكون"، و " ف ـ 18 هورنت".

أنتج الاتحاد السوفيتي، كذلك، المقاتلة "ميج ـ 25م ف"، المتطورة والمجهزة برادار متطور، يملك قدرة كاملة على كشف وتعقب الأهداف المحلقة، على ارتفاع يقل عن ارتفاع الطائرة، التي تحمله، وينطبق الأمر على الصواريخ الثمانية، التي تحملها هذه الطائرة، من نوع جديد يعرف باسم أ. أ. ـ 9 AA-9، ويعمل رادار المقاتلة في البحث والكشف عن الأهداف، لمدى 305 كم، ولمدى 270 كم في مهام التعقب والملاحقة، بمدى أبعد من رادار المقاتلة الأمريكية "ف ـ 14 تومكات"، الذي لا يتعدى 250 كم في حالة البحث والكشف، وتتماثل في قدرتها مع قدرة المقاتلة السوفيتية، في مجال تعقب وملاحقة عدة أهداف، تصل إلى أربعة أهداف في وقت واحد. ومدى العمل للمقاتلة السوفيتية يصل إلى 1900 كم (بالمقارنة مع المقاتلة الأمريكية " ف ـ 15 إيجل، فمداها1200 كم) بما يعنى تفوق مداها بحوالي 700 كم، في حين أن مدى صواريخها من نوع أ.أ. ـ 9 يصل إلى 24 كم، على ارتفاعات منخفضة، وإلى 50 كم، على ارتفاعات عالية، وتقول المصادر الغربية إن التجارب العملية، لاختبار قدرة المقاتلة السوفيتية " ميج ـ 25 " تضمنت عمليات ملاحقة وإسقاط صواريخ جوّالة محلقة على مسافة 200 متر عن سطح الأرض، بسرعة تقارب سرعة الصوت. وقد أطلقت المقاتلة السوفيتية " ميج ـ 25"، صواريخها على أهداف، من ارتفاع سبعة آلاف متر، وعلى مسافة عشرين كم، وتمكنت من الإصابة.

وهكذا حققت القدرات القتالية للميج ـ 25 تفوقاً، في تنفيذ مهام القتال، ضد أهداف جوية أو صواريخ جوالة معادية، في أفضل ظروف قتالية، متميزة عن المقاتلات الأمريكية؛ بما يحقق قدرة على كسب المعارك الجوية، وصد الضربات الجوية المعادية، في المسرح الأوروبي.

تماثل المقاتلة السوفيتية الجديدة، التي رمز إليها بالاسم الرمزي رام ـ ك "Ram ـ K"، المقاتلتين الأمريكيتين " ف ـ 14 " و " ف ـ 15 "، من حيث الحجم والوزن والكفاءة، وسرعتها تصل إلى 2.3 ماك، على ارتفاع عال، إلى 1.1 ماك على ارتفاع منخفض، مع توافر قدرة عالية على المناورة، ومداها يصل إلى 1100 كم، وهي مزودة بصواريخ، مداها يصل إلى 35 كم. وهي قادرة على القتال المتلاحم في الجو، وأداء مهمات مطاردة، يصل مداها إلى 75 كم، ومجهزة برادار، مداه 110 كم، للكشف والبحث.

حققت تكنولوجيا التسليح السوفيتية إنتاج مقاتلة سوخوي جديدة، تعرف لدى الدوائر الأمريكية، بأنها "رام ـ ل "، وهي من نوعية المقاتلات الخفيفة، التي تماثل المقاتلات الأمريكية نوع " ف ـ 16 فاكون "، " ف ـ 18 هورنت "، وهي مخصصة للقتال الجوي المتلاحم، بجانب قدرتها على تنفيذ مهام القصف والهجوم الأرضي. وهي مزودة بـ 8 صواريخ جو ـ جو، ومدفع داخلي متعدد الفوهات، من عيار 30 مم، ومزودة برادار يبلغ مدى الكشف والبحث فيه نحو 240 كم، وإلى مدى 185 كم لمهام التعقب والملاحقة، ويصل مداها القتالي إلى مسافة ألف كم، وسرعتها على ارتفاعات عالية إلى 2.3 ماك، وعلى ارتفاعات منخفضة إلى 1.2 ماك، وتعدّ أحدث المقاتلات السوفيتية في فترة الثمانينيات.

كان الهدف السوفييتي من تطوير بناء القوة الجوية التكتيكية، المعروفة باسم: "سلاح الجو الأمامي Frontal Aviation "، تزويد هذه القوة الجوية التكتيكية بأنواع جديدة من الطائرات المقاتلة الهجومية، ومنها "ميج ـ 23"، والتي أُطلق عليها اسم "فلوجر ـ جي"، ولها قدرات مناورة عالية، على الارتفاعات المنخفضة، ومزودة بأنظمة إدارية وملاحية أكثر تطورًا. كما تم إدخال نوعين جديدين من المقاتلات الهجومية، من نوع "سوخوي ـ 17 / 20 / 22"، أُطلق عليهما تباعًا اسم "فيتر ـ جي" و "فيتر ـ هـ"، مزودتين بمعدات ملاحية وأجهزة تصويب متطورة، ولها مقدِّر مدى "ليزري". بجانب دخول المزيد من طائرات القصف والاختراق الجوي العميق، من نوع " سوخوي ـ 24 "، وقد رفع دخول هذه النوعيات، في السبعينات، قدرات القوة الجوية السوفييتية في سلاح الجو الأمامي.

وقد كانت خطة التطوير الشاملة تحتوي على إدخال ثلاثة أنواع، من الطائرات المقاتلة السوفيتية، النوع الأول يعرف باسم " رام ـ ل " (ويُعتقد أنه كان تصميمًا للميج ـ 29)، وقد جُهز ليلائم مهام القتال الجوي التلاحمي، وتحقيق السيطرة الجوية. والنوع الثاني المقاتلة ميج ـ 25، التي زُودت برادار جديد قادر على اكتشاف الأهداف المحققة، بمحاذاة سطح الأرض، أما النوع الثالث فخاص بالطائرة المقاتلة سوخوي، للقيام بمهمات المساندة التكتيكية القريبة، ومقاومة الدبابات.

وأخطر تهديد للقوات البرية المدرعة والميكانيكية، يكمن في استخدام نظام جوي مضاد للدبابات، يجمع ما بين خصائص الطائرة العمودية القتالية، "ميل ـ 24"، والصاروخ الجديد المضاد للدبابات "أ ت ـ 6 سبريال"، والذي يعمل، وفقًا لمبدأ "أطلق وانس Strike and Forget"، يعتمد على أشعة الليزر. وهناك طائرة عمودية سوفيتية للاقتحام والمساندة، من نوع "ميل ـ 8"، تصفها المصادر الغربية بأنها أثقل الطائرات العمودية العاملة، من حيث التسليح.

أخل هذا التطور، في مجموعات الطائرات المقاتلة والطائرة العمودية المسلحة، بالتوازن التكتيكي والتعبوي، بين القوات الجوية السوفيتية والقوات الأمريكية الجوية، لصالح السوفييت، وبالأخص في أجواء المسرح الأوروبي.

تاسعا: في المجال البحري:

تضمن برنامج البناء البحري السوفييتي وقتذاك الآتي:

1. تحويل المزيد من الغواصات النووية، من نوع "يانكي"، من غواصات مسلحة بصواريخ إستراتيجية، إلى غواصات هجومية تقليدية، مع إدخال المزيد من الغواصات من نوع "دلتا"، إلى الخدمة الفعلية، مما يزيد من قدرات الغواصات السوفيتية الهجومية، وفترات عملها المتواصلة في أعالي البحار.

2. إدخال نوع جديد من الغواصات النووية، من نوع "ألفا"، إلى الخدمة العاملة للقوات البحرية، من حيث كونها أكثر تطورًا وفاعلية، بصورة كبيرة، من أي غواصة سوفيتية سابقة. ومن أبرز خصائصها، سرعتها العالية تحت الماء، إذ تصل إلى 40 عقدة تقريبًا، وفي قدرتها على الغوص، التي تفوق قدرة أي غواصة عاملة في العالم حينذاك، إذ تصل إلى 600 متر، وربما إلى 800 ـ 900 متر، وفقًا للتقديرات الأوروبية. وقد شكلت هذه الغواصة تهديداً بحرياً للقوات البحرية الأمريكية والغربية؛ مما تطلب الإسراع في تطوير وسائل مضادة أكثر فاعلية.

3. العمل على بناء أول سفينة مستشفى سوفيتية، قادرة على مواكبة الأسطول السوفييتي، في أعالي البحار، لفترات طويلة، مع بناء المزيد من سفن المساندة والدعم اللوجستي الثقيل، من نوع " سيريزينيا "، التي تبلغ إزاحتها 40 ألف طن.

4. برنامج شامل هادف إلى تطوير قوة الطرادات السوفيتية، سواء من نوع طرادات القتال الثقيلة " كيروف "، المزودة بالطاقة النووية، والقادرة على حمل طائرات مقاتلة تقلع وتهبط عموديًا، أو من نوع "ياك ـ 36"، إلى جانب الطائرات العمودية المضادة للغواصات، من نوع "كاموف 25"، والمسلحة بالصواريخ الجوالة بعيدة المدى، مع تسليحها بشبكة دفاع جوي صاروخي مدفعي متكاملة. وقد تضمن البرنامج بناء أنواع جديدة من المدمرات، (تقدر إزاحتها بـ 7800 طن)، مزودة بطاقة تقليدية، مع تسليحها بصواريخ جوالة مضادة للسفن (سطح ـ سطح)، ومدافع عيار 180 ملليمترًا. وقد تم بناء طرادات مزودة بطاقة توربينية، (تقدر إزاحتها بنحو 2500 طن)، وقد سُلِّحت بالصواريخ الجوالة، ومدافع بعيدة المدى، ونظام دفاع جوي متميز. واعتمد التطور على نوع الطرادات " كارا ". أما الأنواع الأخرى، فكانت المدمرات المضادة للغواصات، (تبلغ إزاحتها 8400 طن).

    إضافة إلى ذلك، عمد الاتحاد السوفييتي إلى بناء أول حاملة طائرات هجومية ثقيلة، مزودة بالطاقة النووية، (تقدر الإزاحة بـ 60 ألف طن)، قادرة على حمل طائرات مقاتلة هجومية من نوع " ميج ـ 27"، وطائرات عمودية مضادة للغواصات، وأخرى مضادة للسفن والدبابات، مع استمرار العمل في بناء حاملات طائرات، من نوع " كييف "؛ ليصل مجموعها إلى نحو 8 حاملات من هذا النوع.

    شكلت هذه القوة البحرية السوفيتية تهديدًا قويًا للأساطيل الغربية، وبالأخص في البحر المتوسط، الذي يمثل الجناح الجنوبي لحلف الناتو، مع إمكانية أن تُوجه ضربات صاروخية نووية إلى أهداف غربية للناتو، في اتجاه البحر المتوسط؛ بما يشكل تهديدًا قويًا لدول الناتو، ويحتم وجود أساطيل أمريكية وغربية لمواجهة التهديد البحري، في البحر المتوسط فحسب، بل في المحيط الأطلسي كذلك؛ بما يهدد بعزل الولايات المتحدة الأمريكية عن تحقيق الاتصال البحري مع دول الناتو.


 



[1] يعني الوفاق الدولي وصول الكتلتين الشرقية والغربية إلى الاتفاق المشترك، حول العديد من القضايا الدولية الأساسية، وفي مقدمتها مشكلة الحرب والسلام في العصر النووي، فضلا عن إدراك القوتين العظميين، لما يمكن أن يحصلا عليه من وراء تعاونهما المتبادل، في مختلف النواحي السياسية والاقتصادية والتكنولوجية.