إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / منظمات وأحلاف وتكتلات / منظمة التحرير الفلسطينية، والأحزاب والفصائل الفلسطينية





الهيكل التنظيمي لمنظمة التحرير
روافد وانشقاقات حركة فتح
روافد وانشقاقات الفصائل الفلسطينية




المبحث السادس

المبحث السادس

الفصائل الفلسطينية

أولاً: الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين:

    انبثقت "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" من "حركة القوميين العرب"، التي ترجع جذور نشأتها إلى نخبة من الطلبة العرب، معظمهم من الفلسطينيين الدارسين في الجامعة الأمريكية، في بيروت، عام 1948 - 1949؛ إذ أخذوا يتبادلون الآراء والأفكار، التي يمكنها أن تحقق أهداف الشعوب العربية، وخاصة بعد هزيمة الجيوش العربية، عام 1948، وما ترتب عليها من ضياع فلسطين، وتشتت أهلها، والهيمنة عليهم واستتباعهم؛ على الرغم من كل القرارات، التي صدرت عن الجامعة العربية، والتي دانت كلَّ هيمنة عربية على الشعب الفلسطيني.

    آذنت حرب يونيه 1967 بالقطيعة، بين القوميين العرب والناصريين، وخاصة بعد أن دانت "حركة القوميين العرب" "الناصرية"، واتهمتها بأنها "حركة برجوازية صغيرة، محكوم عليها بالفشل". وشهدت المرحلة اللاحقة لعام 1967، تحوّل "حركة القوميين العرب" إلى تنظيمات قطْرية، كان نصيب فلسطين منها، تنظيم "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين".

    تكوّنت الجبهة الشعبية من ثلاثة تنظيمات، كانت تعمل في الساحة الفلسطينية قبل الخامس من يونيه 1967. الأول، منظمة "أبطال العودة"، المرتبطة بـ"حركة القوميين العرب"؛ والثاني، "جبهة التحرير الفلسطينية"، التي كونها الضابط الفلسطيني في الجيش السوري، أحمد جبريل، من ثلاث فِرق، هي: فرقة الشهيد عبداللطيف شرور، وفرقة الشهيد عز الدين القسام، وفرقة الشهيد عبدالقادر الحسيني. أما التنظيم الثالث، فهو "منظمة شباب الثأر"، التي تعرف، كذلك، باسم "الجبهة القومية لتحرير فلسطين"؛ وكانت الجناح لـ"حركة القوميين العرب". إضافة إلى عدة جماعات فلسطينية أخرى، على أرض الوطن.

    ولكن اندماج المنظمات الثلاث، لم يستمر أكثر من عام واحد. ففي نوفمبر 1968، انفصلت "جبهة التحرير الفلسطينية"، وبدأت تعمل تحت اسم "الجبهة الشعبية - القيادة العامة". وتبع ذلك انشقاقات رئيسية في الجبهة، أدت مصادمات دامية، واتهامات متبادلة بعدم الولاء لمبادئ الماركسية ـ اللينينية، الاشتراكية العلمانية والتي تبنتها الجبهة، في مؤتمر أغسطس 1968، الذي وافق، بالإجماع، على الموضوعات، التي طرحها الفريق التقدمي، بزعامة نايف حواتمة. ولكن الفريق اليميني، الذي يتزعمه جورج حبش، سرعان ما أبدى معارضته كلِّ ما اتفق عليه؛ وهو الذي قلّما آمن بكثير من قرارات المؤتمر. وبدأت المشاكل والاتهامات، فاعتقلت جماعة من الفريق التقدمي؛ غير أن الجبهة الشعبية ـ القيادة العامة، ارتأت تحكيم العقل، ودعت إلى مؤتمر عام، يكون الحكم فيه وفقاً للأغلبية الديموقراطية الثورية. ولكن هذا المؤتمر لم يعقد، واستمر الخلاف داخل الجبهة. وبعد مصادمات عنيفة، وجّه الفريق التقدمي نداء إلى كافة منظمات المقاومة، فاستجابت له، ودعت إلى اجتماع سريع لمكتب التنسيق، في 30 يناير 1969، رفض الفريق اليميني حضوره. وكذلك، تدخلت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وبمساعدة تنظيمات المقاومة الفلسطينية، التي عملت على تجميد الخلاف داخل الجبهة. وفي 21 فبراير 1969، قرر الفريق المنشق، أن يعمل تحت اسم "الجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين".

    صدر أول بيان سياسي عن الجبهة الشعبية، في 11 ديسمبر 1967. وتحدثت فيه عن نشوئها وفلسفتها، ونظرتها القومية العربية الشاملة، وإيمانها بوحدة القوى التقدمية. ضمّنته نداء إلى كافة القوى والفئات الفلسطينية، للالتقاء الوطني الثوري العريض، من أجل الوصول إلى وحدة وطنية راسخة، بين سائر فصائل العمل الفلسطيني المسلح.

    لقد أكدت الجبهة الشعبية رؤيتها، وفق المبادئ الآتية: إن العدوّ لا يفهم إلا لغة العنف الثوري؛ وإن المقاومة المسلحة، لا تقتصر على الفدائيين وحدهم، بل يجب على كلِّ إنسان فلسطيني، أن يشارك في مقاومة العدوّ، وعلى كافة المستويات، مع مقاطعته وعدم التعامل معه، اقتصادياً وسياسياً ومدنياً وثقافياً وعلمياً؛ وإن الجماهير، هي مادة المقاومة وقيادتها. وأكدت الجبهة أن العمل الفلسطيني المسلح، يحدد موقفه، عربياً، مع من يقف إلى جانب نضاله، في مواجهة من يعاديه.

    وللجبهة الشعبية هدفان: أولهما، إستراتيجي، وهو تحرير فلسطين من الاحتلال الاستعماري، وإقامة دولة ديموقراطية على كامل التراب الوطني الفلسطيني، وعاصمتها القدس؛ تكفل الحقوق المشروعة لجميع مواطنيها، على أساس المساواة وتكافؤ الفرص، دون تمييز بسبب الدين أو الجنس أو العقيدة أو اللون؛ وتكون معادية للصهيونية والإمبريالية، وذات أفق وحدوي ديموقراطي مع سائر الأقطار العربية. أما الهدف الثاني، فهو الهدف المرحلي للنضال، الذي تخوضه الجبهة الشعبية، جنباً إلى جنب مع سائر قوى الثورة الفلسطينية، وهو "انتزاع حق العودة، وتقرير المصير، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على ترابها الوطني، وعاصمتها القدس".

    وكان للجبهة الشعبية موقفها من رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، أحمد الشقيري. وقد تمثَّل في بيانها، الصادر في 19 ديسمبر 1967؛ إذ أيدت فيه مذكرة أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، الذين طالبوا بعزله عن رئاسة المنظمة. وفي هذا البيان، وصفت الجبهة الشعبية المنظمة، بأنها "هيكل فارغ، وأنها مؤسسة تسيطر عليها الدكتاتورية الفردية، والارتجال والدجل السياسي، والاستخفاف بالجماهير". ودعت إلى وضع كافة إمكانيات المنظمة في خدمة المقاومة الفلسطينية، والتنسيق بين المنظمات الفلسطينية، من أجل الوحدة، وتخليص المنظمة من التسلط الفردي والارتجالي. كما دعت إلى إزالة العقبات من وجه العمل الفلسطيني، حتى ينمو بشكل طبيعي وفعال.

    كانت الجبهة الشعبية ترفض، باستمرار الحلول السلمية. فقد رفضت في بيان، نشرته في 4 ديسمبر 1967 قرار مجلس الأمن، الرقم 242، الصادر في 22 نوفمبر 1967. وعزت رفضها إلى أنه يمثّل دعوة صريحة إلى الاعتراف بدولة إسرائيل؛ "وتفريطاً بالحقوق والمصالح القومية للأمة العربية في فلسطين، وبحقوق عرب فلسطين في أرضهم، وتصفية للقضية الفلسطينية على حساب الحق والمصالح العربية برمّتها". وأكدت "أن الطريق الوحيد لحل القضية الفلسطينية، هو تحرير فلسطين بكامل ترابها".

    كان من الطبيعي أن تقاطع الجبهة أعمال المؤتمر الأول لحركة المقاومة الفلسطينية، الذي عقد في القاهرة، خلال الفترة من 17 إلى 20 يناير 1968، بدعوة من "حركة فتح"؛ على الرغم من أنها كانت قد دعت، في بيانها السياسي الأول، إلى وحدة وطنية راسخة، بين سائر فصائل العمل الفلسطيني المسلح. وعلّلت رفضها المشاركة فيه بعدم مساواة تمثيلها في المنظمة، بفتح، التي رأت أن وزن الجبهة الفعلي، لا يسمح بتساويهما.

    لقد انضمت "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين"، عام 1968، إلى صفوف منظمة التحرير الفلسطينية، وشاركت في أعمال المجلس الوطني الفلسطيني، واللجنة التنفيذية، في الدورة الرابعة، المنعقدة في القاهرة، خلال الفترة من 10 إلى 17 يوليه 1968؛ وحصلت فيها على عشرة من مقاعد المجلس الوطني المائة. إلاّ أنها قاطعت أعمال دورته الخامسة، المنعقدة في القاهرة، خلال الفترة من الأول إلى الرابع من فبراير 1969؛ بحجة أنها لن توافق على التشكيلات المقترحة، التي ستسفر عن سيطرة فصيل واحد على النضال الفلسطيني، فتعرقل المساعي نحو تحقيق وحدة ذلك النضال، وتقود إلى انقسامات وأزمات؛ وأن لها "آراء وممارسات مستقلة عن مجمل العمل الفلسطيني. وهي ترى أن كثيراً من التعميمات الفكرية، التي اتصفت بها حركة المقاومة الفلسطينية، لا تنطبق على الجبهة". ولم تشارك، كذلك، في قيادة الكفاح المسلح الفلسطيني، الذي دعت إلى تشكيله اللجنة التنفيذية، في اجتماعها في عمّان، خلال الفترة من 16 إلى 17 فبراير 1969. ولكن، بعد أحداث فبراير1970، التي وقعت في الأردن، شاركت الجبهة في القيادة الموحدة، والأطُر المنبثقة منها، وفي اللجنة المركزية لمنظمة التحرير الفلسطينية، التي كانت قد تشكلت، بناء على بيان مايو 1970. وظلت الجبهة في صفوف المنظمة، حتى عام 1974، حينما انفصلت عنها، لتشكل وتدعم قيادة المعارضة الفلسطينية لسياسة منظمة التحرير، التي تبنت البرنامج السياسي المرحلي والنقاط العشر؛ وهي المعارضة التي سميت، في تلك الفترة، "جبهة الرفض الفلسطينية". غير أنها عادت إليها، عام 1978، بعد تصالُح الفصائل الفلسطينية، الرافضة والموافقة.

    لقد تعرض أعضاء الجبهة الشعبية للاعتقال والسجن والتعذيب، بمن فيهم زعيمها، جورج حبش، الذي اعتُقل، في سورية، في 19مارس 1968، مع اثنَين من رفاقه، هما: فايز قدورة، وعلي بشناق؛ وفشلت محاولات المغرب والعراق الإفراج عنهم. وفي20 أبريل 1968، اعتقلت السلطات السورية أحد قادة الجبهة الشعبية، وأحد كبار المسؤولين في الاتحاد العام لعمال فلسطين، وهو أحمد اليماني؛ رداً على مطالبة المجلس الوطني الفلسطيني، المنعقد في أوائل أغسطس 1968، بالإفراج عن جورج حبش ورفيقَيه. وفي 4 نوفمبر 1968، بادرت وحدة من فدائيي الجبهة إلى اختطاف الدكتور جورج حبش، أثناء نقله من السجن إلى مركز التحقيق، بعد أن أُوْدعَ سجون دمشق 232 يوماً.

    عقدت الجبهة الشعبية، في أغسطس 1968، مؤتمرها الثاني، الذي بينت فيه إستراتيجيتها، اعتماداً على الفكر الماركسي ـ اللينيني. واتخذت الرجعية العربية، والصهيونية، والإمبريالية، وإسرائيل أعداء لها؛ أمّا أصدقاؤها، فهُم: العمال والفلاحون، والبرجوازية الصغيرة، والجنود، والمثقفون الثوريون. وانتهجت الكفاح المسلح، مقروناً بالعمل السياسي.

    لقد بدأ النضال العسكري للجبهة الشعبية، في أعقاب حرب 1967؛ إذ رأت في بلاغها الأول، الصادر في 21 ديسمبر1967، أن الانطلاقة الحقيقية للثورة الفلسطينية المعاصرة، كانت في 6 أكتوبر1967، حينما شرعت الجبهة تزرع الألغام، وتكمن للدوريات العسكرية الإسرائيلية، وتهجم عليها. ومن أشهر هذه العمليات، هو الهجوم على مقر الحاكم العسكري، في قطاع غزة، في 12يناير 1968.

    ركزت الجبهة الشعبية عملياتها الفدائية في داخل الأرض المحتلة؛ وفقاً لشعارها: "الداخل هو الأساس، والخارج هو الرديف". وعزّزت ذلك بإرسال الجزء الأكبر، من مقاتليها وأسلحتها، إلى المناطق المحتلة؛ بهدف خلق "البؤرة الثورية". وقد حرصت الجبهة على أولوية العمل في داخل الأرض المحتلة، وعدم فتح المعارك في منطقة الأغوار الحدودية؛ من أجل تسهيل مرور الفدائيين والأسلحة إلى عمق المناطق المحتلة. بيد أن الإجراءات الإسرائيلية المضادة، في الأرض المحتلة، أفسدت على الجبهة خططها، فسعت إلى تركيز نقلها في الأردن.

    اعتمدت الجبهة الشعبية حرب العصابات، التي تتجنب المواجهة المباشرة للعدوّ؛ وتستهدف الهجوم على نقاطه الضعيفة، ثم الانسحاب السريع؛ هي الحرب نفسها التي حملت الجبهة على الانسحاب من معركة الكرامة، قبْل بدايتها. ولكنها، بعد الخروج من الأردن، عام1971، صنّفت القوى المسلحة صنفَين: نظامية أو شبه نظامية، تتحمل المسؤولية العسكرية الأساسية عن حماية المخيمات؛ وميليشيا، تتولى الدفاع المحلي.

    لم تشغل الجبهة عملياتها الفدائية، في داخل الأرض المحتلة، عن عملياتها الخارجية، التي تميزت بها عن سائر المنظمات الفدائية الفلسطينية وخاصة اختطاف الطائرات؛ وكانت أولاها طائرة إسرائيلية، تابعة لشركة العال، اقتيدت إلى مطار الجزائر بعد إقلاعها من مطار روما، في إيطاليا، في منتصف يوليه 1968. وظلت تنتهج أسلوب الاختطاف حتى عام 1972، حينما أعلنت تخليها عنه؛ دونما التخلي عن فكرة العمليات الخارجية الانتقامية، كلما أمكن ذلك. وكان هدف الجبهة من اختطاف الطائرات، هو ضرب العدوّ ومنشآته وطائراته ومكاتبه المدنية؛ وعُدَّت الخطوط الجوية الإسرائيلية، والخطوط الجوية الأجنبية المتوجهة إلى إسرائيل، جزءاً من خطوط المواصلات العسكرية، التي تهدف إلى خدمة مصالح العدوّ.

    كانت أسلحة الجبهة الشعبية أسلحة خفيفة، حصلت عليها، قبْل حرب يونيه 1967، من مصدرَين رئيسيَّين، هما: مصر وجيش التحرير الفلسطيني، اللذان تربط العلاقات الطيبة، قيادتيهما بـ"حركة القوميين العرب". أضف إلى ذلك بقايا الأسلحة والذخائر، التي تركت في ساحات حرب 1967، أو تلك التي بقيت في المستودعات الجيش المصري وجيش التحرير الفلسطيني، في قطاع غزة. زد على ذلك الأسلحة المشتراة من السوق السوداء. ولم يطرأ على تسليح الجبهة، حتى منتصف السبعينيات، تغيير مهم، إلا الحصول على بعض المدافع الخفيفة. أمّا في خارج الأرض المحتلة، فكانت تحصل على مستلزمات قواتها العسكرية من العراق؛ ومن الأسواق الحرة، في حالات نادرة. واستمرت في اعتمادها على بغداد، لفترة طويلة، ثم تلقت الأسلحة من ليبيا، بعد عام 1978. وبعد توقيع الاتفاقية المصرية ـ الإسرائيلية (كامب ديفيد)، حصلت الجبهة على الأسلحة من كوريا الشمالية، والاتحاد السوفيتي، ودول أوروبا الشرقية.

    دربت الجبهة بعض أعضائها، قبل حرب 1967، في معسكر أنشاص، في مصر؛ وبعضهم الآخر في الأردن، سرّاً. وبعد تلك الحرب، افتتحت معسكراً للتدريب، في سورية، ثم في الأردن، ثم في لبنان. واشترك بعض أعضائها وضباطها في الدورات، التي كانت توفرها لهم منظمة التحرير الفلسطينية، في الدول الصديقة. وكذلك، أرسلت الجبهة مقاتليها إلى الاتحاد السوفيتي، ودول أوروبا الشرقية، للتدريب هناك.

    لقد حدث انشقاق في الجبهة الشعبية، في مارس 1972، بقيادة جناح اليسار، التابع لسورية. وتأسست جبهة، أطلق عليها "الجبهة الشعبية الثورية لتحرير فلسطين"؛ لم يتجاوز عدد أعضائها، في تلك الفترة، 55 شخصاً.

    وقد عقدت الجبهة الشعبية، عام 1973، مؤتمرها الثالث؛ وأقرت فيه نظامها الداخلي، على أساس المبادئ اللينينية في التنظيم المركزي، والتي تشمل الديموقراطية، القيادة الجماعية، النقد والنقد الذاتي، والعمل مع الجماهير والكفاح المسلح. وكانت الجبهة ضد أي مبادرة سياسية، تعترف بالعدوّ الإسرائيلي، وضد التفاوض معه. ورفضت قرارَي مجلس الأمن الدولي: 242، و338، والاعتراف بهما أساساً للتفاوض.

    ولقد تعرض قادة الجبهة الشعبية للاغتيال، حيث اغتالت أحدهم، في باريس، في أبريل 1973، وهو الدكتور باسل رؤوف كبيسي، مجموعة من المنظمات الصهيونية.

    ويؤخذ على الجبهة الشعبية، فلسطينياً، هو أنه كلما حصل خلاف، أو عدم التقاء بينها وبين ما تتبناه الأغلبية العظمى لمنظمة التحرير الفلسطينية، عمدت إلى مقاطعة اجتماعات أو لقاءات أجهزة المنظمة، إلى أن تُلبَّى شروطها، أو تطرأ متغيرات جديدة مؤثرة، كما حصل في عام 1970؛ ولذا، لم تنضم إلى اللجنة التنفيذية. ولكن، بعد أحداث 1970، اشتركت في أجهزة المنظمة، وحضرت اجتماعاتها. ولكنها تزعمت، عام 1974، قيادة جبهة الرفض الفلسطينية؛ لتعود إلى صفوف المنظمة، بعد توقيع وثيقة طرابلس، عام 1978.

    أمَّا عربياً، فيؤخذ عليها هجومها على المؤتمرات العربية، ومؤتمر القمة العربي الثلاثي، خاصة الذي عقد في القاهرة، في سبتمبر1973، وضم الرئيس المصري الراحل، أنور السادات؛ والرئيس حافظ الأسد؛ والملك حسين؛ إذ أكدت: "أن هذا اللقاء، بجوهره الحقيقي، هو جر واحتواء سعودي للنظامَين: المصري والسوري، إلى مواقع النظام الأردني، وليس العكس".

    ويمكن القول، إن الجبهة الشعبية، كانت، ولا تزال، إحدى فصائل الثورة الفلسطينية، التي اتسمت بكفاءة أجهزتها الإعلامية، وعمق النوعية التنظيمية في صفوفها، وأساليب الضبط التنظيمي الصارمة؛ ما أهّلها لكي تكون صاحبة "التنظيم الحديدي"، في حركة المقاومة الفلسطينية برمّتها، كما امتازت عملياتها الخارجية بمستوى عالٍ من الدقة والتخطيط والتنظيم، وخاصة عمليات اختطاف الطائرات.

ثانياً: الجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين:

    تأسست "الجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين"، في 11 فبراير 1969، بزعامة نايف حواتمة، بعد انشقاق في صفوف "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين". وظلت تُعرَف باسمها الآنف، حتى عام 1974. وكان معظم المنشقين ينتمون إلى "حركة القوميين العرب" سابقاً، أو هم ممن انضموا إلى الجبهة الشعبية، بعد تأسيسها، في أواخر عام 1967.

    امتلك أعضاء الجبهة الديمقراطية الخبرة العسكرية الواسعة، بفضل اشتراكهم في الكفاح المسلح، ضمن صفوف التنظيمات الأخرى؛ فضلاً عمّا تميزت به الجبهة من مواقف سياسية تقدمية إضافة إلى متانة الأطر التنظيمية؛ ما أتاح لها احتلال مكانة بارزة في صفوف الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة.

    أسهمت الجبهة، منذ تأسيسها، في الحوار الفكري، الذي شمل حركة المقاومة الفلسطينية كلها، في الموضوعات الرئيسية، مثل: الوحدة الفلسطينية، التصدي للمؤامرات، مصادمة السلطة الأردنية. وشاركت في اللجنة التنفيذية، وفي اللجنة المركزية لحركة المقاومة، وفي القيادة الموحدة، وفي دورتَي المجلس الوطني الثامنة والتاسعة؛ وقدمت مجموعة من المشاريع المستفيضة لتصوراتها للوحدة الوطنية، وغيرها من الموضوعات.

    وعارضت الجبهة الديمقراطية جميع الحلول السلمية، وقرارَي مجلس الأمن الرقمَين 242 و338. واتهمت كلَّ الدول العربية، التي تسير في ركب الحلول السلمية، بالتواطؤ والعمالة. وكان رأي نايف حواتمة، في أحداث الأردن، في السبعينيات "أن حل المشكلة في الأردن، يتمثّل في إقامة جبهة وطنية فلسطينية ـ أردنية، تسترد، بالكفاح الشعبي المسلح، حقوق شعب فلسطين، وحقوق سكان الضفة الغربية للأردن. ونقيم حكومة وطنية ديموقراطية، في عمّان".

    لقد أيدت الجبهة الديمقراطية انطلاقة الكفاح المسلح الفلسطيني (حركة فتح)، عام 1965. وتبنت إستراتيجية الحرب الشعبية الطويلة الأمد، المستندة إلى ثلاثة أعمدة، هي: الكفاح المسلح، النضال السياسي، والنضال الجماهيري. كذلك، دعت، في بيان في 22 فبراير في مناسبة الذكرى الثانية لتأسيسها، إلى توحيد منظمات المقاومة الفلسطينية، بارتباطها ببناء الجبهة الأردنية ـ الفلسطينية؛ وذلك من أجل مواجهة الدعوات إلى الحل السلمي، ومحاولات القضاء على المقاومة.

    وعارضت الجبهة فكرة الدولة الفلسطينية، المقترح إنشاؤها على جزء من أرض فلسطين؛ ورأت أنه لا يشكل حلاً جدياً، ولا يفي بحقوق الشعب الفلسطيني. وأكدت أن الحقوق القومية لشعب فلسطين لن تُستَوْفى كاملة، إلا عند سحق الكيان الإسرائيلي، وتحرير كامل التراب الوطني. كذلك، استنكرت، في بيان، في 26 أغسطس 1971، مشروع الحكم الذاتي في الضفة الغربية، الذي طالب به بعض سياسيي تلك الضفة؛ متهمة إياه بإشاعة التفريط في حقوق الشعب الفلسطيني، في العودة وحق تقرير المصير وتحرير الأرض برمّتها؛ ما ينجم عنه آثار سيئة في الدول العربية، اقتصادياً وعسكرياً.

    وشاركت في وفود المقاومة الفلسطينية إلى الخارج؛ فضم الوفد إلى بكين، مثلاً، في مناسبة أسبوع فلسطين العالمي، في مايو1971، مندوبين عن "حركة فتح" و"الصاعقة"؛ إضافة إلى الجبهة الديمقراطية.

    لقد شنت الجبهة العديد من العمليات العسكرية الناجحة، على العدوّ، في الأرض المحتلة. ولم تؤيد العمليات الخارجية، التي كانت تشنها على حركة المقاومة الفلسطينية، مثل اختطاف الطائرات. وأكدت أن ضرب المصالح الاستعمارية، في الوطن العربي، يجب أن يواكب تعبئة الجماهير لمواجهة الوجود الإمبريالي؛ أمّا الهجوم على بعض الأهداف الإسرائيلية، في الخارج، فلا يؤثر في اقتصاد العدوّ؛ وإنما ينحصر أثره في مجال الدعاية، الذي طالما كانت حصيلته سلبية؛ كما أنه يتيح للدعاية الصهيونية فرصة تصوير الفدائيين كأنهم جماعة من القتلة والمجرمين. كذلك، كانت الجبهة ترى أن العمل الجماعي، هو أفضل من العمل الفردي؛ لأن أولهما يشرك كافة الجماهير؛ بينما الآخر يقتصر على البطولة الذاتية، وينمّي النزعة الفردية، بدلاً من تنمية الكفاح الجماعي في العمل.

    لقد انتقدت الجبهة جعْل الكفاح المسلح أسلوباً وحيداً للنضال الوطني، بدلاً من جعْله أسلوباً رئيسياً. وأكدت ضرورة توازي الأسلوب الدبلوماسي والعمل العسكري. وهكذا، تكون قد وافقت "حركة فتح"، ومنظمة التحرير الفلسطينية، في البرنامج السياسي المرحلي، الذي طرح في عقب حرب أكتوبر 1973، إستراتيجية سياسية، تسعى إلى إنشاء الدولة الفلسطينية المستقلة، على أي جزء من تراب فلسطين، بعد تحريره. ولا تجيز الجبهة الديمقراطية التدخل في الشؤون العربية. وترى أن الصهيونية، تهدد القضايا العربية، ولا تكتفي بالجزء، الذي استولت عليه عام 1948؛ إذ شنت، بعد ذلك العديد من الحروب، من أجل الاستيلاء على أكبر جزء من الأراضي العربية، مثل حربَي 1956 و1967. لذلك، فإن على الدول العربية الالتزام بالواجب، القومي والوطني، تجاه القضية الفلسطينية، بما يقتضي التنسيق مع منظمة التحرير الفلسطينية ومساعدتها، حتى تستطيع النهوض وتحرير فلسطين.

    عندما انفصلت الجبهة الديمقراطية عن الجبهة الشعبية، كان عدد أفرادها يراوح بين 60 مقاتلاً و100 مقاتل. إلا أنها استقطبت أعداداً جديدةً من المتطوعين، وشهدت نموّاً، كغيرها من التنظيمات الفدائية، خلال فترة السبعينيات. ولكن، بعد الخروج من الأردن، عام 1971، تراجع حجم قوّتها؛ وانتقلت إلى هضبة الجولان السورية، ومنطقة العرقوب اللبنانية؛ وما لبث فدائيوها أن انتشروا، عام 1972، في المخيمات الفلسطينية، في جنوبي لبنان .

    كانت الجبهة الديمقراطية تحصل على إمداداتها العسكرية، من التنظيمات الفدائية الأخرى، والاتحاد السوفيتي، واليمن، وليبيا. وكانت تدرب عناصرها في معسكراتها الخاصة، في لبنان؛ كما أرسلت كثيراً من ضباطها وعناصرها إلى الخارج وخصوصاً الاتحاد السوفيتي.

ثالثاً: الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين (القيادة العامة):

    ترجع أصول نشأة "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ـ القيادة العامة"، إلى عام 1959، حين شرعت جماعة قليلة من الفدائيين، بقيادة الضابط الفلسطيني، أحمد جبريل، تهيِّئ لعمل عسكري فلسطيني. وحملت، خلال سنواتها الأولى، اسم "جبهة التحرير الفلسطينية". واتخذت سورية قاعدة لها، حتى عام 1967. وتبنت برنامجاً إستراتيجياً، أطلق عليه "المبادئ الائتلافية"، وهي:

1. الشعب العربي الفلسطيني، هو المسؤول الأول عن قضيته، ومن خلفه الشعوب العربية.

2. رفض الوصاية على الشعب الفلسطيني، من أيّ جهة، سواء كانت نظاماً أو حاكماً أو حزباً. وقضية فلسطين قضية قومية، من واجب كلِّ عربي دعمها.

3. تحريم التكتل والنشاط الحزبي، ضمن صفوف الجبهة.

4. الديموقراطية، والاستشارة، والإجماع، ضرورات لتحقيق انتصار المسيرة النضالية.

5. رفض أنصاف الحلول، والحلول الوسطى، للقضية الفلسطينية، أو أيّ مشروع تسوية، القصد منه القضاء على القضية الفلسطينية.

6. شكل الحكم، وكلُّ ما يتعلق به، متروك إلى ما بعد التحرير؛ ويقره مجلس وطني فلسطيني.

    ابتغت الجبهة من هذه المبادئ، تثبيت الشخصية الفلسطينية، والمحافظة عليها من الذوبان، وتقوية الروابط بين أبناء الشعب الفلسطيني.

    وفي عام 1965، انقسمت جبهة التحرير إلى ثلاث جماعات قتالية، هي: جماعة الشهيد عبدالقادر الحسيني، ومركزها في الضفة الغربية؛ وفِرقة الشهيد عبداللطيف شرور، وتعمل في جنوبي لبنان؛ وفِرقة الشهيد عز الدين القسام، ومركزها في سورية، وعملها في شمالي فلسطين، في سهل الحولة، وطبريا، وقرى الجليل الأعلى.

    بدأت الجبهة عملياتها العسكرية الفعلية، عام 1966، وخاصة بعد انطلاقة "حركة فتح"؛ وسقط أول شهدائها في أواخر العام نفسه. وما لبث أن انضمت إلى "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين"، وعملت ضمن صفوفها، حتى أكتوبر1968، حينما انفصل أحمد جبريل عن جورج حبش، معلناً الاسم الجديد: "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ـ القيادة العامة"؛ أمّا انفصالهما، فمردّه إلى أن جبهة أولهما، كانت تريد السيطرة على جبهة الثاني، وصرفها عن خطها، الذي اختطته لنفسها؛ إدراكاً منها للعقبات، التي تواجه العمل الفدائي الفلسطيني، وللمؤامرات الرامية إلى القضاء على القضية الفلسطينية.

    كانت الجبهة تشدد على نموّ القدرات الفنية، من أجل ضمان تنفيذ العمليات العسكرية على أكمل وجه. وهي تؤمن بارتباط النشاط الفلسطيني المسلح بالجهد العربي الواسع، وخصوصاً جهد الجيوش العربية النظامية؛ ما يعني الاكتفاء بمنح العمل الفدائي دوراً ثانوياً. وهو السبب الذي جعل أحمد جبريل ينسحب، مع عناصره، من معركة الكرامة، في 21 مارس 1968، وترْك قوات فتح بمفردها في المعركة؛ وقد أثر هذا الانسحاب في الجبهة، فيما بعد، جماهيرياً.

    يصعب تقدير عدد مقاتلي "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ـ القيادة العامة"، عند انطلاقها؛ ويظن أنه لم يزد على مائة، حتى حرب 1967. وقد انطلقت الجبهة، مجدداً، بعد معركة الكرامة، وازداد عدد قواتها، فناهز 200 مقاتل. وترجع قِلة عدد مقاتلي الجبهة إلى تشددها في انتقائهم، وإخضاعهم للتدريب الشاق، والانضباط الصارم؛ بل إن الخط البياني لنموّها، طالما مال إلى تراجع عددهم.

    زودت الجبهة مقاتليها بالأسلحة الفردية الخفيفة، التي كانت تحصل عليها من سورية، حتى أوائل السبعينيات؛ ومن التنظيمات الأخرى، والسوق الحرة. وبعد الخروج من الأردن، حصلت على أسلحة من العراق، ودول أوروبا الشرقية، وكذلك ليبيا. وكانت تدرب عناصرها، في بادئ الأمر، في معسكرات، في سورية، وفّرها لها الجيش السوري، حتى عام 1968. ثم أنشأت معسكراتها الخاصة في الأردن، حتى عام 1971. وبعد ذلك، خرجت من الأردن، وانتقلت إلى لبنان وسورية، حيث استمرت من عام 1971 إلى 1973. ثم تمركزت بعد عام 1973، في جنوبي لبنان، وتحديداً في القطاع الشرقي؛ وأنشأت في هذا البلد معسكرات تدريب خاصة. وقد اشترك الجبهة في الدورات الفلسطينية الجماعية، في الاتحاد السوفيتي، وبعض الدول الاشتراكية. واتصفوا بسمات بارزة، مثل الكفاءة الفنية المرتفعة، وتحديداً في مجال الهندسة القتالية؛ حتى إن بعض التنظيمات الفدائية الأخرى، كانت تستعين بهم على المهام الهندسية، المتعلقة بالعمليات العسكرية. كما امتازوا "بالاحتراف العسكري"؛ ما جعل الجبهة تنجح في تنفيذ العديد من العمليات العسكرية، التي استهدفت الطائرات الإسرائيلية المدنية، والمؤسسات والمكاتب التجارية، في البلدان الغربية؛ فضلاً عن نجاح عملياتها الانتحارية، مثل "عملية اقتحام مستوطنة كريات شمونا، شمال فلسطين"، في أبريل 1969، والتي تجاوزت، بين عامَي 1967 و1969، 400 عملية قتالية، شملت كلَّ الأراضي العربية المحتلة. وقدرت خسائر العدوّ، في العمليات، بنحو 3500 إصابة، بين قتيل وجريح؛ وتدمير ما لا يقل عن 280 آلية مختلفة. في حين بلغ عدد شهداء الجبهة 52 شهيداً و30 أسيراً ومفقوداً.

    عقدت "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ـ القيادة العامة"، مؤتمرها الأول، في نهاية عام 1968. وأقرت فيه برنامجها السياسي، المسمَّى "الميثاق"؛ أكدت فيه أن "الثورة المسلحة على العدوان والاستعمار، هي الطريق الوحيد، والحق المقدس لكلِّ الفلسطينيين. وأن القضية الفلسطينية قضية قومية. وأن الثورة الفلسطينية مرتبطة ارتباطاً، عضوياً ومصيرياً، بالثورة العربية، وهي أحد عناصرها. وأن إسرائيل، هي المخلب والرأس، الذي يشكله الاستعمار والإمبريالية، في الوطن العربي".

    عَدَّت الجبهة نفسها تنظيماً، لا ينتمي إلا إلى القضية العربية الفلسطينية، التي تستمد طاقاتها من الجماهير العربية؛ وتنظيماً جماهيرياً مستقلاً، وليس مرتبطاً بأيِّ حزب أو حركة سياسية أخرى. كانت الجبهة تحترم القوانين والأنظمة الموضوعة، في كلِّ بلد عربي تكون فيه، ما دامت تلك القوانين، لا تتعارض ودورها في الكفاح المسلح. وترى أيَّ حكم أو نظام، يحاول الحد من قدرتها أو منعها من أداء مهمتها، يعَد في مصافّ أعداء الثورة.

    وعقدت الجبهة مؤتمرها العام الثاني، في سبتمبر 1969، وتبنت فيه "الاشتراكية العلمية". وأكدت في مؤتمرها العام الثالث، في أبريل 1971، تبنّي تلك الاشتراكية، وبرنامج سياسي منبثق منها. وكان مؤتمرها الرابع في أغسطس 1973.

    انشق من الجبهة تنظيمان: الأول، باسم "جبهة التحرير الفلسطينية"، وهو لا يزال قائماً (جماعة أبو العباس)؛ والثاني، باسم "منظمة فلسطين العربية"، تزعمها أحمد زعرور، في أغسطس 1969؛ تستند إلى الفكر القومي الناصري.

    في أوائل أبريل 1970، أصدرت الجبهة الشعبية ـ القيادة العامة بيانها الرقم 192، الذي نددت فيه بالمشروعات الاستسلامية لقضية فلسطين، وموافقة بعض الأنظمة العربية على مشروع روجرز الاستسلامي. واتهمت، في بيانها الصادر في فبراير 1971، النظام الأردني، بالعمل على القضاء على المقاومة، بالتواطؤ مع عدد من الدول العربية، التي لزمت الصمت تجاه ما يجري في الأردن؛ واكتفت بالتنديد الكلامي. كما هاجم البيان مشروعات الحلول السلمية.

    لقد شاركت "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ـ القيادة العامة"، في اجتماع المجلس الوطني الرابع، الذي انعقد في القاهرة، خلال الفترة من 10 إلى17 يوليه 1967؛ وهو أول اجتماعاته، بعد حرب ذلك العام؛ وأول اجتماع تتلاقى فيه المنظمات الفلسطينية، وتشارك في جميع أعماله، وتوافق على مقرراته، التي تُعَدّ في مجموعها خطة ومنهاجاً للعمل الفلسطيني، في جميع المجالات. وهي تمثّل الأفكار والآراء المشتركة، التي تلاقت عليها، والتزمت بها جميع القوى العاملة، التي تمثّلت في المجلس.

    لم تشارك الجبهة في الدورة الخامسة للمجلس الوطني الفلسطيني، المنعقدة في القاهرة، خلال الفترة من الأول إلى الرابع من فبراير 1969. وشاركت، بعد ذلك، في جميع جلساته، حتى انضمت إلى الاتجاه المعارض للسياسة المرحلية، والبرنامج السياسي، الذي تبنته منظمة التحرير الفلسطينية؛ فشكلت مع بعض التنظيمات، ما سمِّي "جبهة الرفض الفلسطينية"؛ وذلك في عقب حرب أكتوبر1973. ووقفت موقفاً رافضاً لكافة المشروعات السياسية، التي طرحت لحل القضية الفلسطينية؛ بل عّدَّتها مشروعات استسلامية؛ لأنها تمنح الشرعية لوجود إسرائيلي.