إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / منظمات وأحلاف وتكتلات / منظمة المؤتمر الإسلامي





علم المنظمة




المبحث الأول

 

المبحث الأول

نشأة المنظمة وأهدافها ومبادئها

أولاً: نشأة المنظمة

    بدأت فكرة إنشاء منظمة دولية، لتنظيم العلاقات بين الدول الإسلامية، في منتصف الخمسينات من القرن العشرين. وتبلورت في تكوين "المؤتمر الإسلامي العام"، الذي ظهرت فكرة إنشائه في 1954، وتم التصديق على ميثاقه في مارس 1956. وكان نشاط هذا المؤتمر، مقصوراً على النواحي الدينية والثقافية. ويوضح ميثاق المؤتمر الإسلامي العام، الصادر في مارس 1956، أن الغرض من المؤتمر كان تقوية أواصر الثقة والأخوة، ورفع مستوى المسلمين ثقافياً واقتصادياً، وإنشاء صلات جديدة أو تعزيز الصلات القائمة بينهم، والنظر بصفة عامة في شؤون المسلمين،. ويدخل في أغراض المؤتمر ـ طبقاً لميثاقه ـ ما يلي:

1. دراسة أحوال المسلمين وظروف حياتهم في شتى بلادهم.

2. تقديم المعونة الفنية للمسلمين.

3. تنسيق الأحوال الشرعية والقانونية، المنظمة لأحوال المسلمين.

4. إنشاء وتوثيق الصلات الاقتصادية والمالية.

5. إنشاء وتوطيد الصلات الثقافية، والتعاون في أمور التعليم.

    بيد أن هذا المؤتمر لم يستمر طويلاً، إذ ما لبثت باكستان أن انسحبت منه، ثم انتهى نشاط المؤتمر كتنظيم دولي، بعد أن دب الخلاف بين الدولتين الأخريين المؤسستين.

    وفي العام 1962، أنشأت المملكة العربية السعودية، رابطة العالم الإسلامي. وهي مؤسسة ثقافية دينية تخضع للقانون السعودي، ولكنها تقوم بأنشطة في مختلف الدول والمجتمعات الإسلامية. وقد عقدت الرابطة عدة مؤتمرات، أحدها في مدينة مقديشو 1962. وقد خاطب الرئيس الصومالي آنذاك، آدم عثمان، هذا المؤتمر، مطالباً بعقد مؤتمر قمة للدول الإسلامية لتدارس شؤون المسلمين. وفي السنة نفسها، خطب الملك فيصل، في المؤتمر المنعقد في موسم الحج في مكة، مثنياً على دعوة الرئيس الصومالي. واتخذ المؤتمر قراراً بالدعوة إلى عقد قمة للدول الإسلامية. وكُلف الملك فيصل بالسعي لتحقيق هذا الهدف. وقد علّل بيان المؤتمر الدعوة إلى عقد القمة، بعدد من الاعتبارات، أهمها:

1.     أن العالم الإسلامي يشكل كتلة واحدة، تربط بين أجزائها وشعوبها عقيدة الإسلام.

2.     أن الهجمات السياسية والفكرية، التي تتعرض لها الشعوب الإسلامية، تحتم على تلك الشعوب التعاون لإقامة كتلة عالمية.

وعرّف بيان المؤتمر، الدعوة إلى عقد القمة الإسلامية بأنها تعني:

1.     أن يكون الولاء للعقيدة الإسلامية، ومصلحة الأمة الإسلامية في مجموعها، فوق الولاء للقوميات.

2.     أن تتجه الحكومات الإسلامية لتوثيق الصلات فيما بينهما، في مختلف الحقول السياسية والثقافية والاجتماعية.

3.     عدم معاداة الطوائف غير الإسلامية.

4.     الإسلام نظام متكامل مستقل، ولابد من إتباع التعاليم الإسلامية، بدلاً من المذاهب الاشتراكية، أو المذاهب الديمقراطية الرأسمالية.

    ثم قام الملك فيصل بجولة واسعة، شملت عدداً من الدول الإسلامية، امتدت من ديسمبر 1965 حتى سبتمبر 1966، للحصول على تأييدها لفكرة القمة الإسلامية. فزار إيران، والأردن، والسودان، وباكستان، وتركيا، والمغرب، وغينيا، ومالي، وتونس.

    كما زار رئيسا الصومال والنيجر المملكة العربية السعودية، لمناقشة الموضوع ذاته (القمة الإسلامية)، وقد واجهت الدعوة السعودية لعقد مؤتمر القمة، ثلاثة أشكال من ردود الفعل لدى الدول الإسلامية الأخرى، جاءت على النحو الأتي:

1.     دول أيدت الدعوة إلى عقد القمة من دون تحفظات، وهي الصومال وإيران.

2.     دول أيدت فكرة التضامن الإسلامي بشكل عام، من دون أن تلتزم بفكرة عقد مؤتمر قمة للدول الإسلامية، وهي الأردن، والسودان، وباكستان، والمغرب، وغينيا، والنيجر.

3.     دول عارضت تماماً عقد مؤتمر قمة إسلامي، أهمها العراق، والجزائر، ومصر، وسورية.

    وقد عللت هذه المجموعة معارضتها للمشروع، على أساس أن الدعوة للقمة هي دعوة سياسية، تهدف إلى تكوين ائتلاف دولي إسلامي ضد الدول، التي تتبنى التيار القومي العربي، وضد مجموعة الدول التي تعتنق المذهب الاشتراكي. كما أن هذا المشروع يهدف إلى تشكيل تحالف موال للغرب، في الشرق الأوسط.

    والواقع، أن معارضة هذه الدول كانت نتيجة للخلاف السياسي، الذي نشب بينها وبين الأردن والمملكة العربية السعودية، عقب انهيار مؤتمرات القمة العربية، وفشل محاولات تسوية القضية اليمنية، مما أدى إلى دخول المشروع في معترك الخلاف السياسي العربي.

وقد رد الملك فيصل، على هذه المعارضات في جولاته المختلفة، بما يلي:

1.     إن الدعوة إلى عقد مؤتمر قمة إسلامي، لا تهدف إلى تكتل مجموعة من الدول ضد الدول الأخرى، لأن الدعوة ستوجه إلى كل الدول الإسلامية، بصرف النظر عن نظمها السياسية والاجتماعية.

2.     إن الدعوة لعقد مؤتمر قمة غير موجهة من عناصر خارجية، ولا تهدف لتكوين حلف. كما أشار خلال زيارته للسودان، إلى تجربة "المؤتمر الإسلامي العام"[1]، موضحاً أن مشروع عقد قمة إسلامية ليس مشروعاً جديداً.

    مع نهاية الستينيات ظهرت متغيرات جديدة على الساحة العربية، أدت إلى خفوت المعارضة القومية العربية، ضد فكرة القمة الإسلامية. وكانت أهم هذه المتغيرات "نكسة" يونيه 1967، التي أدت إلى ظهور نمط جديد من التضامن السياسي بين الدول العربية، وبالذات بين مصر والمملكة العربية السعودية، أدى إلى تلاشى المعارضة لمشروع القمة الإسلامية. إضافة إلى ذلك، أدى تعاظم تيار الصحوة الإسلامية، إلى تزايد وزن البعد الإسلامي في سياسات عدد أكبر من الدول الإسلامية. وقد مثلت هذه المتغيرات الخلفية السياسية، لانعقاد أول مؤتمر قمة إسلامي. ولكن العامل المباشر، الذي أدى إلى عقد المؤتمر، كان حريق المسجد الأقصى.

    ففي أغسطس 1969، اعتدى بعض اليهود على المسجد الأقصى في القدس، مما أدى إلى تنادي الدول الإسلامية إلى عقد مؤتمر قمة إسلامي، لمناقشة هذه القضية الإسلامية. وخلال شهر واحد، تحديداً في 22 سبتمبر 1969، انعقد في الرباط أول مؤتمر إسلامي للملوك والرؤساء، حضرته خمس وعشرون دولة إسلامية هي: أفغانستان، والجزائر، وتشاد، وغينيا، وإندونيسيا، وإيران، والأردن، والسعودية، والكويت، ولبنان، وليبيا، وماليزيا، ومالى، والمغرب، وموريتانيا، والنيجر، وباكستان، وتونس، والسنغال، والصومال، واليمن الجنوبي، والسودان، وتركيا، ومصر، واليمن الشمالي. على أن بعض الدول الإسلامية، لم تحضر هذا المؤتمر، وأهمها العراق، وسورية.

    وكان المؤتمر أقرب إلى كونه اجتماعاً، لمناقشة موضوع حريق المسجد الأقصى، من كونه مؤتمراً لإنشاء تنظيم دولي إسلامي. فقد ركز "إعلان مؤتمر القمة الإسلامي"، الصادر عن المؤتمر، على قضية عودة القدس إلى ما كانت عليه قبل يونيه 1967، والانسحاب العاجل للقوات الإسرائيلية، وتعاون الدول الإسلامية لمساعدة الشعب الفلسطيني لاستعادة أراضيه. وقد ظهر في المؤتمر تياران، بخصوص إقامة تنظيم دولي إسلامي:

التيار الأول:   نادى بإقامة تنظيم دولي دائم للدول الإسلامية، تكون له أمانة عامة دائمة.

التيار الثاني:   طالب بأن يقتصر المؤتمر على المهمة، التي انعقد من أجلها، وهي مناقشة القضية الفلسطينية.

    وللتوفيق بين التيارين، نص الإعلان على تشاور حكومات الدول الأعضاء، بغية التعاون الوثيق والمساعدة المتبادلة، في الميادين الاقتصادية والعلمية والثقافية والروحية، وحياً من تعاليم الإسلام. ويلاحظ أن الإعلان لم ينص على التعاون السياسي، بل تحدث عن التعاون والمساعدة المتبادلة. كما اتخذ المؤتمر قراراً منفصلاً، بالدعوة إلى عقد اجتماع لوزراء خارجية الدول المشاركة، في جدة في مارس 1970. وأوضح القرار أن مهمة مؤتمر جدة هي:

1.     بحث نتائج العمل المشترك، الذي قامت به الدول المشاركة على الصعيد الدولي في موضوع القرارات الواردة في الإعلان.

2.     بحث موضوع إقامة أمانة عامة دائمة، يكون من جملة واجباتها الاتصال مع الحكومات الممثلة بالمؤتمر، والتنسيق بين أعمالها.

    وفي مارس 1970، انعقد أول مؤتمر لوزراء خارجية الدول الإسلامية في جدة، وحضره ممثلون لسبع عشرة دولة هي: أفغانستان، والجزائر، وغينيا، وإندونيسيا، وإيران، والأردن، والكويت، ولبنان، والنيجر، وباكستان، والسعودية، والسنغال، والصومال، وتونس، ومصر، واليمن الشمالي، وتركيا. ويلاحظ تغيب ثمان من الدول التي حضرت مؤتمر القمة الأول، وهي في الأغلب، التي طالبت في مؤتمر الرباط، أن تقتصر المناقشات على موضوع القدس. وقد ناقش مؤتمر جدة اقتراح إقامة تنظيم دولي للدول الإسلامية، يعمل وفقا لميثاق محدد، وفي إطار أمانة عامة دائمة. وقد عارضت بعض الدول المُشاركة هذا الاقتراح، وطالبت بأن يقتصر الأمر على إقامة أمانة مؤقتة، وألاّ يصدر المؤتمر ميثاقاً لهذه المنظمة، أو ينشئ أي أجهزة دائمة. إلاّ أن اتجاه إنشاء منظمة دولية للدول الإسلامية، لها أمانة عامة وميثاق كان هو الاتجاه المسيطر. وهكذا، قرر المؤتمر أن ينعقد مؤتمر وزراء الخارجية مرة كل سنة، لمراجعة التقدم الذي أحرزه في ميدان تطبيق قراراته، ومناقشة المسائل ذات الأهمية المشتركة، وتعيين مكان مؤتمرات القمة الإسلامية وزمانها. كما قرر إنشاء أمانة دائمة، يكون من أغراضها، أن تصبح حلقة اتصال بين الدول الأعضاء، ومتابعة تنفيذ القرارات، التي يصدرها المؤتمر، والإعداد لدورات انعقاد المؤتمر وتنظيمها. وتقرر أن يرأس الأمانة، أمين يعينه مؤتمر وزراء الخارجية لمدة عامين، وكُلفت ماليزيا ـ على الرغم من عدم حضورها المؤتمر ـ باختيار الأمين. كما تقرر أن تكون جدة هي مقر الأمانة بصفة مؤقتة، إلى أن تتحرر القدس وتصبح هي المقر الدائم، على أن تتحمل الدول الأعضاء نفقات إدارة نشاط الأمانة. وأخيراً، قرر مؤتمر جدة عقد اجتماعه القادم في باكستان. كذلك، ناقش المؤتمر قضية القدس والقضية الفلسطينية، واتخذ قرارات لا تختلف كثيراً، عن قرارات المؤتمر الأول للقمة في الرباط.

    وفي ديسمبر 1970، انعقد المؤتمر الثاني لوزراء خارجية الدول الإسلامية في باكستان. وحضرته ثلاث وعشرون دولة، هي الدول التي حضرت المؤتمر السابق إضافة إلى الدول الآتية: تشاد، وليبيا، وماليزيا، ومالي، وموريتانيا، والمغرب. وقد صادق المؤتمر على ترشيح السيد تنكو عبدالرحمن، رئيس وزراء ماليزيا، ليكون أمنياً عاماً، وأقر وثيقة تتناول تنظيم الأمانة العامة، ووسائل تنظيمها، وأوجه نشاطها. وطلب من الأمين العام أن يوزع خلال شهر من انعقاد المؤتمر، مشروع وثيقة تتضمن الأهداف والمبادئ الأساسية للمؤتمر، ولائحته الإجرائية، من واقع ملاحظات الدول المشاركة ورغبتها. وهكذا، تحول المؤتمر إلى صياغة ميثاق يحدد إطار عمله في المستقبل. كذلك، درس المؤتمر الاقتراحين المقدمين من باكستان ومصر، لإنشاء بنك إسلامي، واتحاد للبنوك الإسلامية. وعُهد إلى مصر بإعداد دراسة شاملة للمشروع، على ضوء اقتراحها، وعلى ضوء المناقشات التي دارت، على أن تقدم الدراسة للمؤتمر خلال ستة أشهر، وعلى أن يحيلها الأمين العام للمؤتمر إلى الدول الأعضاء، قبل تقديمها للمؤتمر القادم لوزراء الخارجية، لاتخاذ قرار في شأنها.

    وأخيراً، وافق المؤتمر على إنشاء وكالة أنباء إسلامية. وعُقد اجتماع في طهران لممثلي وخبراء الدول الأعضاء، لمناقشة خطوات إنشاء مراكز ثقافية إسلامية في الدول الإسلامية كافة. وقد اتخذ المؤتمر عدة قرارات خاصة بالقضية الفلسطينية، لا تختلف عما اتخذ في المؤتمر السابق. وقرر المؤتمر أن يكون اجتماعه القادم في أفغانستان في سبتمبر 1971، ولكن هذا المؤتمر لم ينعقد في أفغانستان، بسبب موجة القحط والجفاف، التي أصابت أفغانستان في تلك السنة. فانعقد المؤتمر الثالث لوزراء الخارجية في جدة، في فبراير/ مارس 1972. واشتركت فيه ثلاثون دولة، هي الدول التي حضرت المؤتمر الثاني إضافة إلى الدول التالية: الإمارات، والبحرين، وعُمان، وقطر، وسورية، والسودان، وسيراليون. وفي هذا المؤتمر تم إنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي، فقد وافق المؤتمر على مشروع الميثاق، الذي تقدم به الأمين العام. وأقر ميزانية الأمانة العامة. كذلك وافق المؤتمر على تأسيس وكالة الأنباء الدولية الإسلامية، على أن يكون مقرها جدة.

    واطلع المؤتمر على الدراسة، التي قدمتها مصر لإنشاء البنك الإسلامي. وقرر إنشاء إدارة مالية تابعة للأمانة العامة، تتولى إعطاء المشورة في الموضوع، وان تكون هذه الإدارة نواة لوكالة متخصصة في الميادين الاقتصادية، التي تهم الدول الأعضاء. كما قرر عقد دورته الرابعة في كابول، في أبريل 1973. وقد درس المؤتمر القضية الفلسطينية، ولأول مرة اتخذ عدة قرارات تتعلق بقضايا أخرى وهي، العلاقات الهندية الباكستانية، وقضية التمييز العنصري في أفريقيا، وأوضاع المسلمين في الفليبين، ومن ثم تحول المؤتمر، لأول مرة، من الاقتصار على قضية واحدة، وهي القضية الفلسطينية، إلى مناقشة قضايا أخرى تهم أعضاء المؤتمر.

    وفي فبراير سنة 1973، اكتمل النصاب القانوني لتصديقات الدول على الميثاق. ومن ثم أصبح للميثاق قوة قانونية، باعتباره معاهدة دولية، ملزمة للدول الأعضاء في المنظمة.

ثانياً: أهدافها ومبادئها

    حددت المادة الثانية من ميثاق منظمة المؤتمر الإسلامي، مجموعة من الأهداف والمبادئ، التي تحدد إطار عمل المنظمة. ويقصد بالأهداف، الغايات النهائية التي تسعى المنظمة إلى تحقيقها، والتي تبرر إنشاء المنظمة. أمّا المبادئ فهي مجموعة من القواعد، التي تحدد أسلوب عمل المنظمة، في سعيها لتحقيق أهدافها.

فقد حددت المادة الثانية، فقرة (1)، سبعة أهداف لمنظمة المؤتمر الإسلامي، هي:

أولاً

تعزيز التضامن الإسلامي، بين الدول الأعضاء: ويُقصد بذلك أن المنظمة تسعى إلى بلورة سياسات خارجية مشتركة أو متقاربة، بين الدول الأعضاء تجاه القضايا التي تهمهم، وتكثيف التعامل الاقتصادي والاتصالي بين تلك الدول. وتؤكد هذه المادة أن هذا التضامن، يستند إلى قواعد الشريعة الإسلامية، ولا ينطلق من أي أيديولوجيات أخرى. ويُلاحظ أن هذا الهدف قد اقتصر على تأكيد التضامن بالمعنى السالف، من دون أن يؤكد على الوحدة والاندماج.

ثانياً

1. دعم التعاون بين الدول الأعضاء، في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمية، وفي المجالات الحيوية الأخرى

ينصب هذا الهدف، على سعى المنظمة لتطوير التعاون الفني، بين الدول الأعضاء. ويقصد بالتعاون الفني المجالات غير السياسية (الاقتصادية، والاجتماعية .. الخ).  وقد يبدو هذا الهدف تكراراً لما جاء في الهدف الأول، ولكن يبدو أن واضعي الميثاق قصدوا من ذلك، أن يحددوا المجال الرئيسي لنشاط المنظمة وفلسفتها، في تحقيق أهدافها. بمعنى أن المنظمة تركز على التعاون في الميادين غير السياسية، وذلك كمقدمة للتعاون في الميادين السياسية. ويبدو أن واضعي الميثاق قد تبنوا النظرية الوظيفية في التكامل الدولي، وتؤكد هذه النظرية أن الطريق الأمثل، لتحقيق التعاون والتكامل بين الدول، يبدأ بالتعاون في الميادين الفنية، أو ما تسميه هذه النظرية ميادين (السياسة الدنيا)، أي السياسة التي تتعلق بالميادين الفنية. فإذا تم تطوير التعاون في هذه الميادين، وخلق شبكة كثيفة في المعاملات بين هذه الدول، فإن ذلك لا بد أن يمتد تلقائياً إلى الميادين السياسية (أو ما تسميه النظرية السياسة العليا). فإذا بدأت الدول التعاون في ميدان السياسة العليا، وهو ميدان يتعلق بسيادة الدولة وأمنها ومكانتها الدولية، فإن هذا التعاون في أغلب الظن لن يسفر عن نتيجة ملموسة، لأن الدول غير مستعدة للتنازل عن سيادتها، أمّا إذا رأت الدول، أن التعاون الفني أثمر نتائج طيبة، فإن ذلك سيشجعها على مدّ نطاق التعاون إلى الميادين السياسية.

2. التشاور بين الدول الأعضاء، في المنظمات الدولية

هذا الهدف يلزم الدول الأعضاء في المنظمة، التي تشترك في عضوية منظمات دولية أخرى، أن تتشاور بهدف تنسيق سياستها في إطار تلك المنظمات. فعلى سبيل المثال، بعض الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي، أعضاء أيضاً في منظمة الوحدة الأفريقية. كما أن الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي، أعضاء أيضاً في الأمم المتحدة. ويقع على عاتق هذه الدول أن تتشاور فيما بينها، لكي تتبنى موقفاً مشتركاً تجاه القضايا المعروضة أمام هذه المنظمات، يتفق مع سياسة منظمة المؤتمر الإسلامي. ويلاحظ أن هذا الهدف، لا يلزم الدول بالتوصل إلى رأي واحد، حول القضايا المعروضة أمام المنظمات الأخرى. وتطبيقاً لذلك الهدف، فإننا نلاحظ أن وزراء خارجية الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي، يجتمعون سنوياً في نيويورك قبيل انعقاد دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة، للتشاور حول تنسيق سياسات دولهم تجاه القضايا، التي ستعرض أمام الجمعية العامة.

ثالثاً

1. العمل على محو التفرقة العنصرية

ويقصد بهذا الهدف، أن المنظمة تسعى إلى إزالة كل أشكال التمييز بين البشر، على أساس اللون أو العرق. وذلك اتفاقاً مع التعاليم الإسلامية، التي تحظر التفرقة بين البشر إلاّ على أساس التقوى. ويلاحظ أن هذا الهدف جاء عاماً غير محدد مكانياً. فالمنظمة تسعى للقضاء على التفرقة العنصرية في جميع أنحاء العالم، وليس في منطقة معينة. كما أنها تسعى للقضاء على جميع أشكال التفرقة العنصرية، بصرف النظر عن الصورة التي تأخذها هذه التفرقة. وهنا يجب أن يُميز بين التفرقة العنصرية والفصل العنصري. فالتفرقة العنصرية ـ طبقاً للتعريف السابق ـ هي كل تمييز بين البشر على أساس العنصر، أمّا الفصل العنصري فيقصد به تلك السياسة التي تطبقها حكومة جنوب أفريقيا، وهي السياسة التي لا تكتفي بمجرد التمييز بين البشر في الحقوق والواجبات، لكنها أيضاً تفصل بينهم في الحياة الاجتماعية، بمعنى منع الاختلاط أو التزاوج، بين الفئات العرقية المختلفة. فالفصل العنصري هو صورة أكثر تعمقاً في التمييز من التفرقة العنصرية.

2. القضاء على الاستعمار في جميع أشكاله

أمّا هذا الهدف، فإنه يلزم المنظمة بالسعي من أجل إزالة أشكال الاستعمار كافة. والواقع أن النص على هذا الهدف كان شديد الأهمية، لأنه حدد هوية المنظمة، باعتبارها جزءاً من حركة التحرر الوطني المناهضة للاستعمار، في العالم الثالث. وقد أنهى ذلك الحجج والادعاءات، التي كانت تعارض إنشاء المنظمة، على أساس أنها مشروع غربي، يهدف إلى تحقيق مصالح الاستعمار في العالم الإسلامي والشرق الأوسط. وقد أوضح هذا الهدف صراحة أن المنظمة حركة مناهضة للاستعمار. وقد ألزم المنظمة بالقضاء على الاستعمار، سواء أكان غربياً أم شرقياً، وسواء اتخذ شكلاً عسكرياً أو اقتصادياً أو ثقافياً.

رابعاً

اتخاذ التدابير اللازمة لدعم السلام والأمن الدوليين، القائمين على العدل. يلاحظ أن هذا الهدف يميز بين دعم السلام الدولي، ودعم الأمن الدولي. فالسلام يعني في حده الأدنى عدم وجود الحروب (انتفاء الحروب)، كما أنه يعني في حده الأعلى العلاقات الودية بين الدول، بيد أن السلام لا يعني بالضرورة وجود أمن، فالأمن ينصرف إلى انعدام التهديدات الخارجية والداخلية، الموجهة للكيان السياسي، والتكامل الإقليمي للدولة.

    ومن المتصور أن تكون هناك حالة من السلام بين دولتين، في ظل وضع تهدد فيه إحداهما الأخرى، أو تشكل إحداهما تهديداً أمنياً للدولة الأخرى. ومن ثم فإن الميثاق لم يكتف بالنص على السلام كهدف عام، ولكنه أضاف إليه مفهوم إقرار الأمن، مضافاً إلى ذلك أن دعم السلام والأمن الدوليين، جاء مشروطاً بأن يقوم على العدل. ومن ثم فإن الميثاق يرفض حالة السلام والأمن الدوليين، التي تقوم على اغتصاب حقوق الدول والشعوب، وهذا خلاف ميثاق الأمم المتحدة، الذي يكتفي بالتأكيد على السلام والأمن الدولي، من دون أن يقرنهما بأي شرط آخر، وهنا يُلاحظ أن الميثاق لم يوضح المقصود بالعدل في هذا المجال.

خامساً

1. تنسيق العمل من أجل الحفاظ على سلامة الأماكن المقدسة وتحريرها

يلاحظ من نص هذا الهدف، أنه أشار إلى الأماكن المقدسة بصفة عامة، ولم يقصر الإشارة على الأماكن المقدسة الإسلامية. معنى ذلك، أن هذا الهدف يشير إلى الأماكن المقدسة، بصرف النظر عن هويتها الدينية، أو موقعها الجغرافي. فالهدف، بعبارة أخرى، يضع على عاتق المنظمة التزاماً عاماً، يشمل جميع الأماكن المقدسة، في العالم بأسره. ويتعلق هذا الالتزام بالمحافظة على سلامة، تلك الأماكن وتحريرها. إن الإشارة إلى التحرير، تنصرف في الواقع بالتحديد إلى المسجد الأقصى في القدس، ولا تنصرف إلى جميع الأماكن المقدسة. ومن الضروري تعديل هذا النص لتحديد المكان المراد تحريره.

2. مساعدة الشعب الفلسطيني على استرجاع حقوقه، وتحرير أراضيه

أما هذا الهدف، فإنه يضع على عاتق المنظمة التزاماً، بمساعدة الشعب الفلسطيني على استرجاع حقوقه، واسترداد أراضيه. ويلاحظ أن هذا الهدف يقصر دور المنظمة، على مساعدة الشعب الفلسطيني، ولا يلزم المنظمة باسترجاع حقوقه وتحرير أراضيه. كذلك، لم يحدد الهدف المقصود بحقوق الشعب الفلسطيني، أو الأراضي المراد تحريرها.

سادساً

    دعم كفاح جميع الشعوب الإسلامية، في سبيل الحفاظ على كرامتها واستقلالها وحقوقها الوطنية. ويلاحظ أن هذا الهدف ذكر "دعم كفاح جميع الشعوب الإسلامية"، ولم ينص على دعم كفاح "جميع الدول الإسلامية". وذلك لكي يشمل هذا الدعم الشعوب الإسلامية التي تعيش في دول غير إسلامية. فلم يكن من الممكن أن ينص الميثاق، على أن المنظمة ستدعم كفاح الأقليات الإسلامية، ضد الدول التي تعيش في كنفها هذه الأقليات. فلا شك، أن ذلك سيعد تدخلاً في الشؤون الداخلية لهذه الدول، وهو ما يتعارض صراحة مع المادة (2/7) من ميثاق الأمم المتحدة. ولذلك، حرص واضعو الميثاق على أن يشمل هذا الدعم، جميع الشعوب الإسلامية، حتى لو عاشت في دول غير إسلامية.

سابعاً

إيجاد المناخ لتعزيز التعاون والتفاهم بين الدول الأعضاء، والدول الأخرى. وهو هدف شديد الأهمية، لأنه يعني أن المنظمة لا تحدد علاقاتها مع الدول غير الإسلامية، انطلاقاً من مبدأ المواجهة العقائدية أو العداء الديني، ولكنها تسعى إلى إقامة علاقات ودية، وكذلك، مع الدول غير الإسلامية. وتنبع أهمية هذا الهدف من أنه جاء بمثابة طمأنة للدول الأخرى، من أن إنشاء المنظمة لا يعني بالضرورة نشوب مواجهة دولية، بين الدول المنتمية إلى الديانات المختلفة.

كذلك، حددت المادة الثانية فقرة (ب) من الميثاق، خمسة مبادئ رئيسية:

1. المساواة التامة بين الدول الأعضاء

ويقصد بذلك أن جميع الدول الأعضاء، في المنظمة، متساوية من حيث القوة التصويتية؛ بصرف النظر عن مساحتها، أو عدد سكانها، أو ناتجها القومي، أو اتجاهها السياسي، أو مساهمتها في ميزانية المنظمة. ويترجم ذلك في أن لكل دولة عضو في المنظمة صوتاً واحداً، ومن ثم فليس لأي دولة ميزة قانونية في عملية التصويت، أي عملية اتخاذ القرار. وإن كان هذا لا ينفي أن بعض الدول تتمتع بميزة، نسبية، سياسية فعلية، في تحديد سياسات المنظمة بحكم وزنها السياسي، أو الاقتصادي، أو الثقافي. ولكن هذه الميزة لا تترجم إلاّ من خلال إقناع بعض الدول بقبول رأي هذه الدولة. وفي التحليل الأخير فإن أصوات الدول متساوية، وفي ذلك تختلف منظمة المؤتمر الإسلامي عن البنك الإسلامي للتنمية، الذي يقوم على مبدأ عدم المساواة بين أعضائه.

2. احترام حق تقرير المصير، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء

يقصد بهذا المبدأ حق كل شعب في تقرير مصيره بإرادته المستقلة، بما في ذلك حقه في إنشاء دولته المستقلة. ويشمل حق تقرير المصير حالتين:

أ. حالة الشعوب المُسْتَعْمَرة وحقها في الاستقلال.

ب. حالة الأقليات التي تعيش في دول مستقلة بالفعل، وترغب في الانفصال عنها وتكوين دولة مستقلة.

ويلاحظ على هذا المبدأ ما يلي:

أ. أنه لم يحدد المقصود "بالشؤون الداخلية"، ذلك أن كثيراً من الدول تفسر مفهوم "الشؤون الداخلية"، بما يتمشى مع مصالحها في قضية معينة. فقد اعتبرت فرنسا تدخل الأمم المتحدة في موضوع حرب الجزائر، بمثابة تدخل في شؤونها الداخلية.

ب. أن هذا المبدأ قد نص على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء، ولم ينص على الدول غير الأعضاء. فهو يضع التزاماً على عاتق أجهزة المنظمة والدول الأعضاء، بعدم التدخل في شؤون الدول الأعضاء الأخرى. ويفهم من هذا أن الميثاق لا يحظر تدخل الدول الأعضاء في شؤون الدول غير الأعضاء، ولعل هذا يفسر تدخل المنظمة في شؤون الأقليات الإسلامية، في الدول الأخرى.

3. احترام سيادة واستقلال ووحدة أراضي، كل دولة عضو

هو مبدأ شديد الأهمية، لأنه يعني أن المنظمة تعلن صراحة أنها تنهض على أساس احترام الأوضاع الراهنة للدول الأعضاء. ويعني ذلك أنه لا يدخل ضمن قواعد العمل في المنظمة، السعي إلى إقامة وحدة سياسية بين الدول الأعضاء. كما يعني أن المنظمة لا تسعى إلى تحقيق الاندماج، أو الوحدة بين أعضائها.

4. حل المنازعات بين الدول الأعضاء بالطرق السلمية، كالمفاوضة والوساطة والتوفيق والتحكيم

ويلاحظ على هذا المبدأ ما يلي:

أ. أنه قد نص على الوسائل السلمية لتسوية المنازعات، باعتبارها الوسائل الوحيدة للتعامل مع المنازعات بين الدول الأعضاء. ومن ثم فإن الميثاق يستبعد اللجوء إلى القوة العسكرية لإجبار (الفئة الباغية)، على قبول مبدأ تسوية المنازعات بين المسلمين.

ب. أن هذا الميثاق قد أتى على مجموعة من الأدوات القانونية والسياسية لتسوية المنازعات، وردت هذه الأدوات على سبيل التمثيل لا الحصر، وهي:

(1) المفاوضة

ويقصد بها الالتقاء المباشر بين أطراف النزاع، لمحاولة التوصل إلى اتفاق تعاقدي حول تسويته، وقد يكون هذا الالتقاء من خلال طرف ثالث وقد لا يكون.

(2) الوساطة

ويقصد بها تدخل طرف ثالث، لنقل وجهات نظر كل طرف إلى الطرف الآخر، ومحاولة إيجاد نقاط اتفاق مشتركة بين الأطراف المتنازعة من خلال تقديم حلول وسط.

(3) التوفيق

وهو صورة أكثر قوة من الوساطة، وتعني أن الطرف الثالث لا يقتصر دوره فقط على نقل وجهات النظر، واقتراح حلول معينة، ولكنه يقوم بدور نشيط في محاولة تقصى حقائق النزاع. فالتوفيق إذن هو وساطة وتقصٍ للحقائق في آن واحد.

(4) التحكيم

وهو صورة قانونية ملزمة، أما الصور الثلاث السابقة فهي أدوات سياسية اختيارية، لأنها لا تفترض تطبيق قانون معين، ولأن الأطراف المتنازعة ليست ملزمة بقبول ما تسفر عنه المفاوضة أو الوساطة أو اللجوء إلى التوفيق. أمّا التحكيم فإنه صورة قانونية، يقصد بها اتفاق الأطراف المتنازعة على إنشاء هيئة تحكيم، يتُفق عليها بين الأطراف المتنازعة، تصدر حكماً باتاً ونهائياً وملزماً للأطراف المتنازعة. فالدول المتنازعة هي التي تنشئ بإرادتها المستقلة هيئة التحكيم، وتحدد تشكيل الهيئة والقانون، الذي ستطبقه الهيئة. وعقب تشكيل هذه الهيئة، تلتزم الأطراف المتنازعة بقبول الحكم الذي تصدره. وهي هيئة ينتهي دورها بعد إصدار الحكم في النزاع.

أورد الميثاق هذه الأدوات الأربع على سبيل المثال، ومعنى ذلك أنه لا يستبعد احتمال اللجوء إلى أدوات أخرى، كالمساعي الحميدة مثلاً، التي يقتصر دور الوسيط فيها على مجرد نقل وجهات النظر بين الأطراف المتنازعة.

5. امتناع الدول الأعضاء في علاقاتها عن استخدام القوة، أو التهديد باستعمالها ضد وحدة وسلامة الأراضي، أو الاستقلال السياسي لأي دولة عضو

هذا المبدأ يُحرّم استعمال القوة، كأداة لتحقيق الأهداف في العلاقات بين الدول الأعضاء. ويلاحظ أن هذا المبدأ لا يقتصر على تحديد استعمال القوة، ولكنه يحرم هذا الاستعمال من حيث المبدأ، تحريماً عاماً وشاملاً. فليس هناك حالة واحدة في الميثاق تجيز للدول الأعضاء أن تستعمل القوة بعضها ضد الآخر، بما في ذلك تسوية المنازعات. كذلك، فإن تحريم استعمال القوة لا يقتصر على استعمالها بالفعل، ولكنه يشمل أيضاً التهديد باستعمالها، أي التلويح بالقوة العسكرية كأداة للحصول على مكاسب اقتصادية وعسكرية. كما يُلاحظ أن هذا المبدأ حرّم استعمال القوة، أو التهديد باستعمالها، في العلاقات بين الدول الأعضاء، ولم يحرمها كمبدأ عام في العلاقات بين الدول الأعضاء والدول غير الأعضاء، إلاّ من خلال التأكيد في الهدف السابع من أهداف المنظمة، على إيجاد المناخ لتعزيز التعاون والتفاهم بين الدول الأعضاء والدول الأخرى.



[1] عقد القادة المسلمون اجتماعاً في مكة المكرمة في ذي الحجة 1344هـ/ 1926م تحت رعاية الملك عبدالعزيز آل سعود، حيث اتفق المؤتمرون في هذا الاجتماع، على إنشاء مؤسسة دائمة سميت "مؤتمر العالم الإسلامي"، وتعقد اجتماعها سنوياً في مكة المكرمة في موسم الحج.