إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / منظمات وأحلاف وتكتلات / منظمة المؤتمر الإسلامي





علم المنظمة




المبحث الرابع

المبحث الرابع

عضوية منظمة المؤتمر الإسلامي

    تعتبر قضية العضوية، من القضايا المركزية، التي تؤثر في هوية وفعالية التنظيم الدولي. فهوية التنظيم الدولي، بمعنى كونه تنظيماً حكومياً أو شعبياً، عالمياً أم إقليمياً، تتوقف على نوع أعضائه ومدى شمولهم. كذلك، فإن إرادة التنظيم الدولي، ومدى تمتعه بشخصية مستقلة، تتوقف إلى حد كبير على إرادات الأعضاء. كما أن فعالية التنظيم الدولي تتأثر بمدى الدعم، الذي يقدمه الأعضاء لهذا التنظيم، وعلى مدى تجانس هؤلاء الأعضاء. وأخيراً، فإن القواعد التي يضعها التنظيم الدولي، لتحديد شروط اكتساب العضوية وفقدانها، تؤثر إلى حد كبير في مدى فعالية هذا التنظيم. وعلى سبيل المثال، فإن وجود نظام للجزاءات يمس عضوية الدولة، في ميثاق التنظيم الدولي، من شأنه أن يردع الدول الأعضاء عن مخالفة أحكام الميثاق، خلافاً لتلك التنظيمات، التي تخلو مواثيقها من أنظمة للجزاءات تمس العضوية. وتواجه منظمة المؤتمر الإسلامي، مشكلات أساسية فيما يتعلق بالعضوية، تؤثر تأثيراً كبيراً على قدرتها على أداء وظائفها الأساسية، بل تكاد تهدد هوية المنظمة، كتنظيم دولي إسلامي.

    ولعل من أبرز تلك المشكلات، التوصل إلى معايير لتعريف الدولة الإسلامية طالبة العضوية. وهي مشكلة تكاد تهدد هوية المنظمة، باعتبارها منظمة إسلامية. كذلك، تشهد المنظمة معضلة تتعلق بتزايد وتعدد، طوائف المراقبين في مؤتمرات المنظمة، مما يؤثر على فعالية تلك المؤتمرات. وأخيراً، واجهت المنظمة مشكلة عدم وجود نظام للجزاءات في ميثاقها، مما حدا بها إلى تجميد عضوية دولتين من الدول الأعضاء، مما يثير قضية تعديل الميثاق لوضع نظام للجزاءات، ونصوص تتعلق بتجميد العضوية.

أولاً: نظام العضوية

    تحدد نظام العضوية في منظمة المؤتمر الإسلامي، في المادة الثامنة من ميثاق المنظمة، التي جاء فيها:

    "تتكون منظمة المؤتمر الإسلامي، من الدول المشتركة في مؤتمر ملوك ورؤساء الدول والحكومات الإسلامي بالرباط، والدول المشتركة في مؤتمر وزراء الخارجية الإسلامية في جدة وكراتشي، والموقعة على هذا الميثاق. ويحق لكل دولة إسلامية أن تنضم إلى المؤتمر الإسلامي، بطلب يتضمن رغبتها واستعدادها لتبنى هذا الميثاق.

    من الواضح أن الميثاق، قد ميز بين نوعين من العضوية: العضوية المؤسسة والعضوية المنضمة. وفيما يتعلق بالأعضاء المؤسسين، فإن نص المادة الثامنة تحتمل واحد من تفسيرين: الأول مؤداه، أنه يندرج تحت طائفة الأعضاء المؤسسين الدول، التي شاركت في ثلاثة مؤتمرات وهي مؤتمر ملوك ورؤساء الدول والحكومات الأول المنعقد بالرباط سنة 1969، ومؤتمر وزراء خارجية الدول الإسلامية الأول المنعقد في جده سنة 1970، ومؤتمر وزراء خارجية الدول الإسلامية الثاني المنعقد في كراتشي سنة 1970. ومن ثم، فإن كل دولة شاركت في أي من هذه المؤتمرات، تصبح عضواً مؤسساً في المنظمة. وطبقاً لهذا التفسير، فلا يكفي أن تكون الدولة فقط، شاركت في أي من هذه المؤتمرات، لكي تصبح عضواً مؤسساً، بل يلزم أن توقع الدولة على الميثاق أيضاً. وهذا واضح من الإشارة في المادة الثامنة إلى "والموقعة على الميثاق". فالإشارة هنا جاءت كصفة للدول المشاركة في المؤتمرات الثلاثة الأولى. أي يلزم أن تكون الدولة قد شاركت في أي من تلك المؤتمرات، ثم وقعت أيضاً على الميثاق. ولم يحدد الميثاق معنى "التوقيع"، هل يشمل ذلك فقط الدول، التي وقعت في مؤتمر وزراء الخارجية الثالث، المنعقد في جده سنة 1972؟ أم يشمل أيضاً الدول، التي شاركت في هذا المؤتمر، ولكنها وقعت على الميثاق فيما بعد؟ أما التفسير الثاني فإنه يدور حول أن المادة الثامنة تشير، في الواقع، إلى الدول المشاركة في أربعة مؤتمرات، آخرها مؤتمر وزراء الخارجية الثالث، المنعقد في جدة سنة 1972. ومن ثم، فإن عبارة "والموقعة على الميثاق"، تشير إلى طائفة رابعة من الدول، وهي تلك التي شاركت ووقعت على الميثاق في مؤتمر وزراء الخارجية الثالث. ولمّا كانت هذه الدول تشمل، كل الدول التي شاركت في المؤتمرات الثلاثة السابقة، فإن المقصود بالأعضاء الأصليين، هم تلك الدول التي شاركت في مؤتمر وزراء الخارجية الثالث ووقعت على الميثاق، سواء في المؤتمر ذاته أم فيما بعد.

    وطبقاً للتفسير الأول، فإن الأعضاء الأصليين 24 دولة وهم: أفغانستان، والجزائر، وتشاد، وغينيا، وإندونيسيا، وإيران، والأردن، والكويت، ولبنان، وليبيا، وماليزيا، ومالى، وموريتانيا، والمغرب، والنيجر، وباكستان، والسعودية، والسنغال، والصومال، وتونس، وتركيا، ومصر، واليمن الشمالى، واليمن الجنوبي. أما طبقاً للتفسير الثاني، فانه يضاف إلى هؤلاء الأعضاء سبع دول أخرى، شاركت لأول مرة في المؤتمر الثالث لوزراء الخارجية، وهي الإمارات، والبحرين، وعُمان، وقطر، وسيراليون، وسورية، والسودان. أي أن الأعضاء المؤسسين، هم في الواقع، ثلاثون دولة.

    ويبدو التفسير الأول هو الأقرب اتفاقاً، مع منطوق المادة الثامنة. فلو كان واضع الميثاق قد قصد إضافة الدول، التي شاركت في المؤتمر الثالث لوزراء الخارجية، لوضعهم في طائفة مستقلة تقول "والدول التي شاركت في مؤتمر وزراء الخارجية الثالث المنعقد في جدة". ولكنه أشار فقط إلى "والموقعة على الميثاق" كصفة للدول التي ذكرها قبل ذلك. كذلك، يبدو أن هذا التفسير هو الأقرب إلى المنطق، لأن الدول المشاركة في المؤتمرات الثلاثة الأولى، هي التي تولت اتخاذ قرار إنشاء المنظمة، وتداولت فيما بينهما الرأي حول صياغة الميثاق، وجاءت إلى مؤتمر وزراء الخارجية الثالث لمناقشة الميثاق وإقراره. وليس من المنطقي أن تحضر دولة أخرى المؤتمر الثالث لوزراء الخارجية لأول مرة، فتصبح عضواً مؤسساً، مع أنها لم تكن قد شاركت على الإطلاق في صياغة الميثاق، إلاّ من خلال مداولات المؤتمر الثالث لوزراء الخارجية.

    والملاحظ أن وثائق منظمة المؤتمر الإسلامي، لا تحدد بدقة أسماء الدول المؤسسة، وتكتفي بالإشارة إلى تاريخ انضمام كل دولة.

    والواقع أن صفة "الدولة المؤسسة"، لا تعطي للدولة أي امتيازات خاصة داخل المنظمة، ولا تعطيها حقوقاً مميزة لا تحصل عليها الدولة المنضمة. ذلك، أن الميثاق ينهض على مبدأ المساواة التامة بين الدول الأعضاء. وترجع التفرقة بين الأعضاء المؤسسين والأعضاء المنضمين، في مواثيق التنظيمات الدولية، إلى الرغبة في حفظ المكانة التاريخية للأعضاء المؤسسين، وتأكيد أنها هي التي وضعت الميثاق.

    أما النوع الثاني من الأعضاء المنضمين، فيُقصد بهم كل دولة اكتسبت عضوية المنظمة، بعد تأسيسها في مؤتمر وزراء الخارجية الإسلامية الثالث، المنعقد في جده سنة 1972.

وقد وضع الميثاق مجموعة من الشروط الموضوعية والإجرائية، لمنح العضوية.

1. الشروط الموضوعية

تنحصر في شرطين أساسيين، أولهما: أن يكون طالب الانضمام دولة، وثانيهما أن تكون تلك الدولة إسلامية.

أ. أن يكون طالب الانضمام دولة

لا تقبل في عضوية منظمة المؤتمر الإسلامي، إلاّ الكيانات السياسية، التي تأخذ شكل الدولة. فلا تقبل عضوية التنظيمات الدولية الأخرى، أو حركات التحرر الوطني، أو الشركات متعددة الجنسية، أو الأفراد. فعندما شارك "مسلمو الهند" بوفد في مؤتمر القمة الإسلامي الأول سنة 1969، رفضت المنظمة بعد إنشائها سنة 1972 أن يستمر مسلمو الهند في حضور المؤتمرات، كأعضاء كاملي العضوية. لذلك، تعتبر منظمة المؤتمر الإسلامي، منظمة دولية حكومية، شأنها في ذلك شأن جامعة الدول العربية، ومنظمة الدول الأمريكية، بيد أن ميثاقي جامعة الدول العربية (المادة الأولى) ومنظمة الدول الأمريكية (المادتان الخامسة والسادسة) نصا على أن الدولة طالبة الانضمام يجب أن تكون دولة مستقلة، وهو ما لم يرد في ميثاق منظمة المؤتمر الإسلامي. وإن كان من المفهوم أن الدولة لا تكتسب تلك الصفة إلاّ إذا كانت مستقلة. ومن ثم، فإن شرط الدولة "المستقلة" يعد تكراراً ليس له مبرر. وقد جرى العمل بالفعل على عدم قبول عضوية الدول غير كاملة السيادة. ولذلك، لم تشارك إمارات الخليج العربي في أعمال منظمة المؤتمر الإسلامي، قبل حصولها على الاستقلال سنة 1971.

ويدفع هذا الشرط إلى التساؤل، عن كيفية قبول عضوية منظمة التحرير الفلسطينية، في عضوية منظمة المؤتمر الإسلامي، مع أنها لم تكن تشكل دولة حينما تم قبول عضويتها؟ الواقع أن منظمة التحرير شاركت في أعمال منظمة المؤتمر الإسلامي، كعضو كامل العضوية، لأول مرة في مؤتمر القمة الإسلامي الثاني، المنعقد في باكستان سنة 1974. وبمراجعة محاضر اجتماعات هذا المؤتمر، أتضح أن قبول عضوية منظمة التحرير لم يكن موضوعاً مطروحاً للمناقشة، أو للتصويت. فلم تجر أي مناقشة حول استفتاء منظمة التحرير الفلسطينية لشرط الدولة. وتنطبق الملاحظة ذاتها على الدول الأخرى، التي قُبلت في مؤتمر القمة الثاني. ويبدو أن مسألة طلب العضوية، قد نوقشت على مستوى تنظيمي خاص، ليس وارداً ضمن الهيكل التنظيمي الرسمي للمنظمة، وهو "هيئة مكتب مؤتمر القمة"، المكونة من رئيس المؤتمر ونوابه والأمين العام للمنظمة. كما يمكن القول أيضاً، إن ما تنتهي إليه تلك الهيئة كان يجب أن يعرض للتصويت عليه، من قِبل مؤتمر القمة. ولكن ذلك لم يحدث، ومن ثم، فانه من العسير التعرف على المنطق، الذي استند إليه مؤتمر القمة الثاني في عضوية منظمة التحرير، خاصة أن المنظمة لم تكن قد أعلنت إنشاء دولة فلسطين آنذاك. ولكن يبدو أن الحماس العاطفي، الذي ساد العالم الإسلامي في أعقاب حرب أكتوبر سنة 1973 مسانداً لقضية فلسطين، قد دفع المشاركين في مؤتمر القمة الثاني، إلى قبول عضوية منظمة التحرير، من دون مناقشة التكييف القانوني لوضع المنظمة. وفي هذا الصدد، يُلاحظ أن البيان الصادر عن مؤتمر القمة الثاني، ذكر أسماء الدول المشاركة ومنها فلسطين، وتمثلها منظمة التحرير الفلسطينية. فالمؤتمر أعتبر أن فلسطين هي الدولة، ومنظمة التحرير الفلسطينية هي حكومتها. وهي مسألة كان يجب أن تكون محل مناقشة في المؤتمر.

وعلى الرغم من قبول عضوية منظمة التحرير، فإن المؤتمر اعتبر ذلك القبول بمثابة سابقة غير قابلة للتكرار. ولذلك، عندما قدمت "جبهة تحرير مورو للتحرر الوطني" طلباً بالانضمام، فإن منظمة المؤتمر الإسلامي لم تمنحها إلاّ صفة المراقب. بيد أن منظمة المؤتمر الإسلامي سرعان ما تراجعت عن تلك القاعدة، حين قبلت زنجبار عضواً كامل العضوية بها، مع أن زنجبار ليست دولة، وإنما هي جزء من اتحاد تنزانيا. ولأول مرة تقبل المنظمة في عضويتها وحدات إقليمية داخل الدول.

ب. أن يكون طالب الانضمام دولة إسلامية

لا يكفي أن يكون طالب الانضمام دولة، ولكن يجب أن تكون تلك الدولة إسلامية أيضا. ولم يحدد الميثاق المقصود "بالدولة الإسلامية"، كما أن العرف جرى، في المنظمة عند اتخاذ قرار بقبول الدولة طالبة الانضمام، عدم مناقشة ما إذا كانت تلك الدولة قد استوفت شرط الدولة الإسلامية، والاكتفاء بالالتزام الوارد في طلب الانضمام بأنها دولة إسلامية.

وقد أثير هذا الموضوع لأول مرة، في مؤتمر وزراء الخارجية الثالث سنة 1972، وحينما تحفظت إندونيسيا وتركيا وتشاد ولبنان وسورية على النصوص الواردة في الميثاق بخصوص الدولة الإسلامية، والتضامن الإسلامي. واقترحت تلك الدول إدخال طائفة ثالثة في العضوية، هي الدول المشاركة أو المنتسبة، وهي تلك الدول التي لا تستطيع، لاعتبارات دستورية، الانضمام إلى المؤتمر كأعضاء كاملي العضوية. كما أنها لا تلتزم بقرارات المؤتمر، إلاّ في حدود ما هي مستعدة لقبوله. ولكن المؤتمر لم يحبذ إدخال هذه الطائفة من العضوية، واكتفت الدول المشار إليها بوضع تحفظات على الميثاق. فقد تحفظت إندونيسيا مثلاً، بأنها لا تنهض على دين معين، ولذلك فمن الصعب عليها إن تشارك مشاركة كاملة في منظمة تقوم على أساس إسلامي، وأنها ستحضر كدولة منتسبة. وفي نوفمبر سنة 1987 أعلن منور شاذلى، وزير الشؤون الدينية الإندونيسي: "إننا دولة مسلمين ولسنا دولة إسلامية، لأننا لا نعرف حتى الآن ما هي الدول الإسلامية... إننا دولة البانشوسيلا. كما سجلت تشاد، نظراً للطبيعة العلمانية لجمهورية تشاد، تحفظها على الميثاق. كذلك تقدمت تركيا وسورية وإيران بتحفظات مشابهة.

كانت تلك التحفظات، نابعة من تخوف تلك الدول، أن الالتزام بالنص الوارد في الميثاق عن أنها "دول إسلامية"، يتعارض مع دساتيرها. وكان من المفترض أن لا يسمح المؤتمر لتلك الدول بالمشاركة في العضوية، أو يسمح لها بالمشاركة كدول منتسبة، محافظة على التوجه الإسلامي للمنظمة. ولكن غالبية الدول التي شاركت في مؤتمر وزراء الخارجية، كانت تسعى نحو بناء جو من الوفاق الشكلي، حتى يبدو وكأن المؤتمر قد توصل إلى إجماع. وكان الثمن هو السماح للدول لمتحفظة بالمشاركة في المؤتمر، كدول كاملة العضوية، مع أنها تحفظت على النصوص الإسلامية في الميثاق. كانت المناقشة التي دارت في مؤتمر وزراء الخارجية الثالث، حول مدى التزام الدول بالنصوص الواردة في الميثاق عن الإسلام، فرصة ذهبية لكي تضع الدول المؤسسة معايير الدول الإسلامية. ولكنها فضلت بناء منظمة فضفاضة، من حيث معيار العضوية، على منظمة تستند إلى أساس قوى من الدول الملتزمة بالنصوص الإسلامية في الميثاق. واستطراداً لمنطق الوفاق الشكلي، تراخت المنظمة في التحقق من مدى إسلامية الدول طالبة الانضمام، ولم تثر هذه القضية في وجه أي دولة تطلب الانضمام فيما بعد.

وقد أدى عدم تحديد معنى "الدولة الإسلامية"، في ميثاق أو في أعمال منظمة المؤتمر الإسلامي، إلى وجود 12 دولة في منظمة المؤتمر الإسلامي، تنص دساتيرها صراحة على أنها علمانية، مع أنها التزمت أمام منظمة المؤتمر الإسلامي أنها "دولة إسلامية". وهذه الدول بالتحديد هي: بوركينا فاسو (فولتا العليا سابقا)، وأوغندا، وبنين، وتركيا، والجابون، والكاميرون، وتشاد، وغينيا، ومالي، والنيجر، والسنغال، ومنظمة التحرير الفلسطينية. فضلاً عن وجود خمس عشرة دولة أخرى، لا تشير دساتيرها إلى الإسلام من قريب أو بعيد، وهي نيجيريا، ولبنان، وأندونيسيا، وبنجلاديش، وغينيا بيساو، وسيراليون، وجامبيا، واذربيجان، وألبانيا، وتركمنستان، وكازاخستان، قيرجيزيا، وطاجيستان، وموزمبيق، وأوزبكستان. وقد سبق أن أشرنا إلى أن بعض هذه الدول، تحفظاً على النص الوارد في المادة الأولى من الميثاق، حول التضامن الإسلامي.

إن عدم وضوح معيار الدولة الإسلامية في المنظمة، أدى إلى قبول عضوية جميع الدول، التي قدمت طلبات للعضوية. فلم يحدث أن رُفض طلبٌ لدولة بالانضمام، لأنها ليست دولة إسلامية، مع أن دستور تلك الدولة ينص صراحة على إنها دولة علمانية. وقد أدى ذلك بدوره، إلى تهديد الصفة الإسلامية للمنظمة، وتعاظم احتمالات تحولها إلى مجرد منتدى لدول العالم الثالث، كما هو الحال في حركة عدم الانحياز. ذلك أن حوالي 40% من الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي، تعلن صراحة أنها دول علمانية.

قال بعض كبار المسؤولين، في جهاز الأمانة العامة لمنظمة المؤتمر الإسلامي، إن المنظمة درجت على قبول عضوية كل دولة تقدم طلباً بالعضوية، دون بحث في مدى إسلامية الدولة، انطلاقاً من اعتبار أساسي، هو أن قبول تلك الدولة من شأنه أن يوثق أواصر الصلات بينها، وباقي الدول الأعضاء، ويزيدها قرباً من قضايا العالم الإسلامي، في المحافل الدولية الأخرى. كما من شأنه أن يؤدى إلى تحسين معاملة تلك الدولة، لرعاياها من المسلمين، خاصة إذا كانوا أقلية. ولا شك في وجاهة هذا المنطق، غير أن التوسع الشديد في العضوية، وعدم التمسك بمعيار واضح للدولة الإسلامية، من شأنه أن يقلل من فعالية المنظمة. ذلك أن تلك الفعالية تعتمد، ضمن عوامل أخرى، على مدى تجانس الدول الأعضاء وتقاربهم الثقافي والحضاري، ووحدة مفاهيمهم لدور المنظمة.

وقد طرح الدارسون عدة معايير لتعريف الدولة الإسلامية، منها أن يشكل المسلمون 50% فأكثر من سكان الدولة، أو أن ينص دستور الدولة على الإسلام كدين للدولة، أو كمصدر للتشريع، أو أن تطبق الدولة الشريعة الإسلامية في نظامها الاجتماعى، أو أن يكون رئيس الدولة مسلماً. وقد تعرضت تلك المعايير لانتقادات متعددة، سواء لعدم وضوحها أو عدم إمكانية التحقق منها.

2. الشروط الإجرائية

نصت المادة الثامنة على عدة شروط إجرائية، لقبول الدولة عضواً في المنظمة. أهمها أن تقدم الدولة الإسلامية، طالبة الانضمام، طلباً إلى الأمانة العامة، تعبر فيه عن رغبتها في الانضمام، وتتعهد فيه باحترام أحكام الميثاق. ولا تشترط المادة الثامنة أن تقدم الدولة الطلب بذاتها، بل يجوز أن تُنيب عنها غيرها من الأعضاء في تقديم الطلب، كما فعلت نيجيريا عندما تقدمت بطلب العضوية. فقد قدمت النيجر الطلب نيابة عنها، في مؤتمر وزراء الخارجية السادس عشر المنعقد في فاس سنة 1986. ولا يكفي تقديم الطلب، إذ يلزم أن تعرض الأمانة العامة الطلب على أول اجتماع لمؤتمر وزراء الخارجية، وهو الجهة المنوط بها اتخاذ قرار قبول العضوية للدولة المنضمة. ولكن يمكن أن يُعرض الطلب على مؤتمر ملوك ورؤساء الدول والحكومات، إذا جاء موعد انعقاده بعد تقديم الطلب مباشرة. وقد حدث ذلك في حالة قبول عضوية بنجلاديش، وفلسطين، والكاميرون، وجابون، وجامبيا، وأوغندا، وفولتا العليا (بوركينا فاسو حالياً)، وغينيا بيساو، في مؤتمر القمة الثاني سنة 1974؛ وقبول عضوية بروناي دار السلام، في مؤتمر القمة الإسلامي الرابع بالدار البيضاء سنة 1984.

يتخذ مؤتمر وزراء الخارجية القرار، في الطلب المقدم، بأغلبية الثلثين. ولم يحدد الميثاق طبيعة هذه الأغلبية، هل هي أغلبية الدول الأعضاء، أم أغلبية الدول المشاركة في الاجتماع؟ وعلى كل، فلم يحدث أن جرى تصويت رسمي في المنظمة على قبول أي دولة. وجرت العادة أن يعبّر المؤتمر عن ترحيبه بالعضو الجديد بالتصفيق. وعلى سبيل المثال، فحينما انعقد مؤتمر القمة الإسلامي الثاني في لاهور سنة 1974 اكتفى رئيس المؤتمر بالقول "لقد أوصت اللجنة التحضيرية لكبار المسؤولين بقبول الكاميرون، وجابون، وجامبيا، وأوغندا، وفولتا العليا، وغينيا بيساو". ولم تجر مناقشة قبول تلك الدول، أو النظر في استيفائها لشروط العضوية. وعندما طُرح الأمر تمت الموافقة بالتصفيق. كذلك، فقد حضرت جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية المؤتمر من دون أن تصادق على الميثاق، خلافا لنص الميثاق، وأشارت إلى أنها حضرت مؤتمر القمة الإسلامي الأول، وتغيبت عن مؤتمرات وزراء الخارجية الأربعة التالية. ويعطي الميثاق للدول، التي حضرت مؤتمر القمة الإسلامي الأول، أو مؤتمرات وزراء الخارجية الثلاثة حق العضوية الأصلية، ولكنه يُلزمها بالمصادقة على الميثاق. ولكن حكومة اليمن الديموقراطية، آنذاك، حضرت كعضو، على الرغم من أنها لم تصادق على ميثاق المؤتمر. فقد وجهت خطاباً إلى الأمين العام للمنظمة، أثناء انعقاد مؤتمر القمة الثاني، تبلغه موافقتها على قبول الدعوة للمشاركة في أعمال المؤتمر، وأنها ستدرس الميثاق وستتخذ الإجراءات بشأنه. وكذلك، حضر الشيخ مجيب الرحمن، رئيس وزراء بنجلاديش، مؤتمر القمة الثاني، ونُص في بيان لاهور على ذلك، من دون أن تقدم بنجلاديش طلباً بالعضوية، ولم يناقش موضوع عضويتها. فقد تم الترحيب بعضوية بنجلاديش من دون مناقشة لموضوع قبولها عضواً في المؤتمر. وبالمثل قُبلت توجو عضواً في المنظمة، طبقاً لقرار صادر عن اجتماع غير رسمي لوزراء الخارجية في نيويورك، أثناء انعقاد دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة، في أكتوبر سنة 1997.

ويمكن تقسيم الأعضاء المنضمين، إلى منظمة المؤتمر الإسلامي، طائفتين من الدول:

الطائفة الأولى: تشمل الدول السّبع، التي حضرت مؤتمر وزراء الخارجية الثالث لأول مرة، وهي دول لم تصنفها المادة الثامنة من الميثاق على أنها دولاً تتمتع بوضع العضوية الأصلية أو المؤسسة. ولهذه الدول "وضع خاص"، لأنها دخلت المنظمة قبل أن يصدر الميثاق سنة 1972، أو تكتمل التصديقات عليه في فبراير 1973.

الطائفة الثانية: وتشمل الدول التي انضمت إلى المنظمة، اعتباراً من مؤتمر القمة الثاني، المنعقد في باكستان سنة 1974.

ثانياً: المراقبون

    يرتبط نظام العضوية بشكل آخر من أشكال العلاقة، بين الدول والتنظيمات الدولية بوصف هذه الدول "مراقباً". وليس بوصفها عضواً كامل العضوية. فقد درجت التنظيمات الدولية السماح، لطائفة من الدول والوحدات السياسية، وغير السياسية، بحضور اجتماعاتها بصفة مراقبين. ومن حق المراقب أن يحضر الجلسات العلنية، وأن يدلى بآرائه، ولكن ليس من حقه المشاركة في عملية التصويت. كما أنه لا يدفع أي اشتراكات عضوية. ويمكن أن يُعطى المراقب صفة "المراقب الدائم"، ويصبح من حقه حضور الاجتماعات بصفة مستمرة، من دون حاجة إلى تجديد الدعوة للحضور. ومثال ذلك وضع "المراقب الدائم" في الأمم المتحدة، الذي يُمنح عادة، لبعض الدول غير الأعضاء، الذين تمنعهم ظروفهم من الانضمام، مثل سويسرا أو الفاتيكان، أو بعض الوحدات السياسية، ذات الأهمية في العلاقات الدولية، مثل منظمة التحرير الفلسطينية، التي أعطيت وضع المراقب الدائم في الأمم المتحدة منذ عام 1974. كذلك، يمكن أن يقتصر وضع المراقب على صفة "المراقب المؤقت"، وهي صفة تمكِّن الدولة، أو الوحدة السياسية، من الحضور في دورات محددة بذاتها للتنظيم الدولي، بناء على دعوة من التنظيم، كما هو الحال في حضور بعض التنظيمات الإقليمية اجتماعات الأمم المتحدة. وقد تزايدت أهمية المراقبين في التنظيمات الإقليمية في السنوات الأخيرة، نظراً لتزايد عدد الوحدات الدولية ذات الطابع الفني، المهتمة بأنشطة تلك التنظيمات، والرغبة في التنسيق معها للاستفادة من خبرة وموارد تلك التنظيمات، أو لعرض قضاياها أمامها واستصدار قرارات بشأنها.

    لم ينص ميثاق منظمة المؤتمر الإسلامي، على وضع طائفة المراقبين، شأنه في ذلك شأن كل مواثيق التنظيمات الإقليمية الأخرى. وإن كانت قد ظهرت رغبة واضحة، عند مناقشة أحكام العضوية في مؤتمر وزراء الخارجية الثالث، الذي ناقش مشروع الميثاق، بمنح صفة المراقب للدول، التي تمنعها ظروفها من الحصول على العضوية الكاملة. وكان ذلك ترجمة لواقع تم بالفعل في مؤتمر القمة الإسلامي الأول، ومؤتمرات وزراء الخارجية الثلاثة التالية. فقد حضرت تلك المؤتمرات منظمة التحرير الفلسطينية بصفة مراقب، كذلك حضرت جامعة الدول العربية مؤتمرات وزراء الخارجية الثلاثة الأول. كما أن دولة الكاميرون حضرت مؤتمر وزراء الخارجية الثاني، ولكنها امتنعت عن حضور المؤتمرات التالية حتى قُبلت عضواً كامل العضوية، في مؤتمر وزراء الخارجية السادس، الذي عقد في جده 1975. ومن المعروف أن منظمة التحرير، حضرت مؤتمر القمة الأول بصفة مراقب، بناء على رفض تركيا وإيران، اللتين عارضتا حضور المنظمة بصفتها عضواً كامل العضوية في المؤتمر، على أساس أن المنظمة ليست دولة.

    ومنذ ذلك الوقت تضخم عدد المراقبين وتنوعت طوائفهم تنوعاً بيناً، فظهرت طائفة من المراقبين تسمى "الضيوف"، وطائفة أخرى تسمى "الملاحظين"، وطائفة رابعة تسمى "المدعوين"، من دون وضع تعريف محدد لأي من هذه الطوائف.

    وقد ازداد عدد المراقبين في المنظمة، من مراقبين اثنين في مؤتمر وزراء الخارجية الثالث (منظمة التحرير الفلسطينية وجامعة الدول العربية)، إلى 48 مراقباً وضيفاً ومدعواً في مؤتمر وزراء الخارجية التاسع عشر، المنعقد في القاهرة سنة 1990. وقد حدا ازدياد عدد الوحدات والدول، التي تطلب منحها وضع المراقب بالمنظمة، إلى اتخاذ القرار الرقم 1/ 8 س في مؤتمر وزراء الخارجية الثامن، المنعقد في ليبيا سنة 1977، الذي ينص على "أن المؤتمر الإسلامي إذ يلاحظ، أنه سبق أن سمح في الماضي لبعض الجاليات الإسلامية والمنظمات بحضور جلساته، وإذ يرى أن المرونة الزائدة في هذا الموضوع قد تؤدى إلى الإضرار بأهداف هذه المنظمة وبأغراضها، وإذ يعي جميع التبعات الدستورية والسياسية، التي تدخل في هذا الموضوع، وإذ يرغب في الحفاظ على صفة المؤتمر كاتحاد يضم الدول الإسلامية. يطلب إلى الأمين العام إعداد دراسة شاملة، تأخذ في الاعتبار العوامل المذكورة أعلاه، وتقديمها في أقرب فرصة ممكنة للدول الأعضاء في المؤتمر الإسلامي، لبحثها في المؤتمر التاسع لوزراء خارجية الدول الإسلامية".

    بيد أن تأمل أعمال المؤتمرات التالية، تُوضح أن المؤتمر التاسع اكتفى بالاعتراف بالحاجة إلى دراسات مستفيضة لأوضاع المراقبين. وأجل المسألة برمتها إلى المؤتمر العاشر، الذي لم تدرج القضية على جدول أعماله، بما في ذلك المؤتمرات اللاحقة. ومن الملاحظ أن منظمة المؤتمر الإسلامي قد اتخذت هذا القرار في السنة ذاتها التي اتخذ منها مؤتمر القمة الأفريقي قراره يوضح معايير لقبول المراقبين.

    إن تصنيف طوائف المراقبين، الذين حضروا مؤتمرات القمة، ومؤتمرات وزراء الخارجية للمنظمة، يجعلهم في ست طوائف، هي:

1. الدول المراقبة

وهي الدول التي أظهرت نيتها في الانضمام إلى المنظمة، ولكنها، لظروف خاصة، لا تستطيع أن تفعل ذلك في الوقت الراهن. ومن هذه الدول: العراق، ونيجيريا، والكاميرون. فقد حضرت العراق مؤتمر القمة الثاني سنة 1972 بصفة مراقب، بناء على دعوة غير رسمية من المنظمة، ومثّلها في المؤتمر سفيرها في باكستان. وظلت العراق تتمتع بهذا الوضع حتى قبولها عضواً كامل العضوية، في مؤتمر وزراء الخارجية السادس، المنعقد في جدة 1975. وكذلك، تمتعت نيجيريا بهذا الوضع في المؤتمر السادس لوزراء الخارجية سنة 1975، وكان ذلك أول قرار تصدره المنظمة، بخصوص قبول إحدى الدول كمراقب، حتى قبلت عضواً في مؤتمر وزراء الخارجية السادس عشر، المنعقد في المغرب سنة 1986، فضلاً عن الكاميرون، التي حضرت مراقباً، إلى حين قبولها عضواً.

2. التنظيمات الدولية المراقبة

ويشمل ذلك التنظيمات الدولية العالمية والإقليمية وغير الإقليمية، سواء كانت حكومية أم غير حكومية. فمن التنظيمات الدولية العالمية الحكومية، حضرت الأمم المتحدة لأول مرة في مؤتمر وزراء الخارجية الحادي عشر المنعقد سنة 1984. وكذلك منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، التي حضرت المؤتمر ذاته لأول مرة. ومن التنظيمات الدولية الإقليمية الحكومية، حضرت جامعة الدول العربية، منذ مؤتمر وزراء الخارجية الأول سنة 1970، ومنظمة الوحدة الأفريقية، منذ مؤتمر وزراء الخارجية الثامن، ومجموعة عدم الانحياز، منذ مؤتمر وزراء الخارجية التاسع، واليونسكو العربية، منذ مؤتمر القمة الثالث. ومن المنظمات الإقليمية وغير الإقليمية غير الحكومية، حضر المجلس الإسلامي الأول في مؤتمر وزراء الخارجية الاستثنائي الأول، سنة 1980.

ويُلاحظ أن مصطلح "المراقب"، كثيراً ما يُستعمل كمرادف لمصطلح "الضيف". فقد أشير إلى جامعة الدول العربية كمراقب، في مؤتمر القمة الأول، ومؤتمرات وزراء الخارجية الخمس التالية، ولكن أشير إليها كضيف، في مؤتمر القمة الثاني سنة 1974. ثم عادت مؤتمرات وزراء الخارجية التالية لتشير إليها كمراقب، حيث صُنفت طائفة من الحضور كمراقبين أو ضيوف، وهم جامعة الدول العربية ومؤتمر العالم الإسلامي ورابطة العالم الإسلامي والأمم المتحدة. واستمر ذلك التقليد حتى مؤتمر وزراء الخارجية الاستثنائي الأول سنة 1980، حيث حُذف مصطلح "ضيوف" ابتداء من مؤتمر وزراء الخارجية الحادي عشر، وحتى مؤتمر وزراء الخارجية التاسع عشر.

3. التنظيمات الوطنية

وتشمل طائفة من التنظيمات الإسلامية، التي تقوم بنشاط إسلامي له صبغة عالمية، ولكنها تخضع للقانون الداخلي لإحدى الدول الإسلامية. ومن هذه التنظيمات مؤتمر العالم الإسلامي، ورابطة العالم الإسلامي اللتين حضرتا لأول مرة مؤتمر القمة الثاني، ومنظمة الشباب الإسلامي، التي حضرت لأول مرة في مؤتمر وزراء الخارجية السابع، وجمعية الدعوة الإسلامية، والمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، ورابطة الشباب المسلم العالمية، والاتحاد الغربي لدعم نضال الشعب الفلسطيني.

4. حركات التحرر الوطني

ويقصد بها تلك التنظيمات، التي تعمل داخل دولة لتحقيق حق تقرير المصير في دولة غير إسلامية. وتشمل منظمة التحرير الفلسطينية، التي تمتعت بوضع المراقب حتى مؤتمر القمة الثاني، وجبهة تحرير مورو، التي قُبلت كمراقب أو ضيف في مؤتمر وزراء الخارجية الثامن سنة 1977. والواقع، أن طلب جبهة تحرير مورو وضع المراقب في هذا المؤتمر، قد اتخذ "كحالة استثنائية، لا تُتخذ سابقة من جانب منظمات أخرى في المستقبل" كما جاء في قرار قبول الجبهة. لأن المنظمة تخوفت من أن تطلب حركات مماثلة، في دول أخرى، الوضع ذاته، مما يعد انتهاكا للمادة 2/7 من ميثاق الأمم المتحدة، التي تحظر التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء. كما أن طلب الجبهة وضع المراقب، كان هو الدافع لاتخاذ قرار آخر يُطلب فيه من الأمانة العامة، وضع دراسة مفصلة عن أحوال العضوية، وهو الأمر الذي لم يحدث. كذلك، تمتع بهذا الوضع ممثلو المسلمين القبارصة الأتراك، الذين حضروا لأول مرة في مؤتمر وزراء الخارجية العاشر باسم، "دولة قبرص الاتحادية التركية". ولكنهم ابتداء من المؤتمر الحادي عشر، حضروا باسم، "طائفة المسلمين القبارصة الأتراك". وظل ذلك الاسم يطلق عليهم حتى مؤتمر وزراء الخارجية التاسع عشر سنة 1990. وباستثناء مؤتمر القمة الإسلامي الثالث سنة 1981، ومنذ التدخل السوفيتي في أفغانستان سنة 1979، درجت المنظمة على دعوة ممثلي المجاهدين الأفغان لحضور اجتماعاتها، وإن كانوا قد حضروا في البداية تحت بند المدعوين، ابتداء من مؤتمر القمة الثالث. بيد أن مؤتمر القمة الإسلامي الثالث، المنعقد في مكة والطائف سنة 1981، رفض قبول جبهة تحرير إريتريا كمراقب في المنظمة، واتخذ قراراً بتأجيل النظر في طلب إريتريا قبولها عضواً مراقباً في منظمة المؤتمر الإسلامي، إلى الدورة القادمة للمؤتمر الإسلامي لوزراء الخارجية. ولكن الجبهة لم تُقبل حتى الآن كمراقب في المنظمة.

5. الأجهزة الفرعية والمؤسسات المتخصصة، لمنظمة المؤتمر الإسلامي

منذ أن بدأت تتفرع من منظمة المؤتمر الإسلامي أجهزة فرعية، منتمية لمؤسسات متخصصة، درجت المنظمة إلى "دعوة" تلك الأجهزة والمؤسسات إلى حضورها مؤتمرات القمة، ومؤتمرات وزراء الخارجية، ومن أمثلة الأجهزة الفرعية، مركز البحوث الإحصائية والاقتصادية والاجتماعية والتدريب، للدول الإسلامية بأنقرة، والمركز الإسلامي للتدريب الفني والمهني والبحوث بداكار. ومن أمثلة المؤسسات المتخصصة: البنك الإسلامي للتنمية في جده، والمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة في الرباط. ومن أمثلة الأجهزة المنتمية: الغرفة الإسلامية للتجارة والصناعة وتبادل السلع بكراتشى، ومنظمة العواصم الإسلامية بجده.

6. فئات أخرى

وكذلك، فقد حضرت مؤتمرات المنظمة وحدات غير مصنفة، تحت أي من البنود الأخرى. ومن ذلك حضور "بطريرك أنطاكية" مؤتمر القمة الإسلامي الثاني سنة 1974. ويوضح تتبع مناقشات المؤتمر، أن إثبات حضور بطريرك أنطاكية، كان بناء على إصرار من ياسر عرفات، رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية. كما أن البطريرك ألقى خطاباً أمام المؤتمر عبّر فيه عن التضامن بين المسلمين والمسيحيين في لبنان. كما حضر في مؤتمر القمة الثالث سنة 1981 "الوفد المسيحي الشرقي"، تحت طائفة "المدعويين" تمييزاً لهم عن المراقبين. ولا تميز المنظمة في بياناتها بين المراقب الدائم والمراقب المؤقت، ولكن يبدو من استعراض أعمال المنظمة، أن وضع المراقب الدائم يُمنح للدول فقط، كما كان الأمر في حالة موزمبيق.

    يعكس العرض السابق، أن قضية المراقبين تشكل معضلة أمام منظمة المؤتمر الإسلامي. فقد تعددت فئات المراقبين وزادت، بحيث فاق المراقبون عدد الدول الأعضاء، مما أثر بشكل سلبي على أعمال المنظمة. فتزايد عدد المراقبين، يؤدى إلى اقتطاع جزء مهم من الوقت المخصص لأعمال المؤتمر ذاته، إذ يُلقى المراقبون كلمات وخطب أمام المؤتمر لعرض قضاياهم، مما يؤدى إلى تعطيل المناقشات حول القضايا التي انعقد المؤتمر من أجل مناقشتها، فضلا عما يشكله المراقبون من عنصر ضغط على وفود الدول، لتبنى وجهات النظر الخاصة بهؤلاء المراقبين.

ثالثاً: فقد عضوية المنظمة

    لا تُفقد العضوية في منظمة المؤتمر الإسلامي، إلاّ بالانسحاب. وهو تصرف إرادي، تتخذه الدولة العضو لتنهى بموجبه التزاماتها إزاء المنظمة. وقد نصت المادة العاشرة من ميثاق منظمة المؤتمر الإسلامي على أنه يجوز لأي دولة من الدول الأعضاء، أن تنسحب من المؤتمر الإسلامي بإشعار خطي للأمين العام، وتُبلغ جميع الدول الأعضاء بذلك. وتؤدى الدولة التي طلبت لانسحاب واجباتها المالية حتى نهاية السنة المالية المقدم خلالها طلب الانسحاب. كما تؤدى للمؤتمر الإسلامي ما قد يكون عليها من ذمم مالية أخرى إزائه. وهكذا لم يرد في الميثاق أي نصوص عن الفصل (الطرد) أو تجميد ( تعليق ) العضوية. وفي هذا الصدد يتشابه ميثاق منظمة المؤتمر الإسلامي، مع ميثاق منظمة الدول الأمريكية، وميثاق منظمة الوحدة الأفريقية، إذ نص الأول (في المادة 148) على الانسحاب بسبب تعديل الميثاق، وأتى الثاني على الانسحاب الإرادي (المادة 32) خلافاً لميثاق جامعة الدول العربية، الذي أتى على الانسحاب والفصل (المادة 8/، المادة 18/2). وطبقا للمادة العاشرة من ميثاق منظمة المؤتمر الإسلامي، فانه يجوز للدولة العضو أن تنسحب في وقت من الأوقات، من دون التقيد بفترة زمنية محددة، يجب أن تمر على عضويتها في المنظمة قبل تقديم إخطار الانسحاب، كما هو الحال في النظام الأساسي للبنك الإسلامي للتنمية، الذي يشترط بقاء الدولة عضواً في البنك خمس سنوات على الأقل، قبل تقديم إشعار الانسحاب. وفي حال الانسحاب، فإن الدولة لا تقدم طلباً، كما هو الإجراء في طلب العضوية، وإنما تكتفي بإخطار الأمين العام بعزمها على الانسحاب. ومعنى ذلك أن قرار الانسحاب ليس معلقا على شرط موافقة المنظمة ذاتها، وإن كانت المادة العاشرة أشارت إلى "إخطار الانسحاب" فيما بعد، على أنه "طلب الانسحاب ". (وهو خطأ في الصياغة القانونية). ويُبلّغ الأمين العام الدول الأعضاء، عزم الدولة المعنية على الانسحاب. فلا يشترط اجتماع الدول الأعضاء لمناقشة الإخطار. والقيد الوحيد الذي يرد على حق الدولة في الانسحاب، هو أن تفي بكل التزاماتها المالية، حتى نهاية السنة المالية المقدم خلالها إشعار الانسحاب. ولم يحدد الميثاق فترة زمنية محددة، من خلال تقديم الإشعار للوفاء بتلك الالتزامات، وهي ثغرة أخرى في المادة العاشرة، إذ ينبغي أن تحدد المادة العاشرة فترة زمنية معينة يلزم أن تفي الدولة المنسحبة خلالها بالتزاماتها المالية. كذلك يصبح الانسحاب ساري المفعول، حال وصول الإشعار إلى الأمين العام. فلا ينبغي مرور فترة زمنية معينة محددة قبل سريان الانسحاب، خلافاً لميثاق جامعة الدول العربية، وميثاق منظمة الوحدة الأفريقية، إذ ينص كلاهما على عدم سريان الانسحاب، قبل مضى عام على تاريخ تقديم الإشعار بالانسحاب.

    ولم يحدث أن قدمت دولة إشعاراً بالانسحاب، منذ نشأة المنظمة حتى الآن، ولكن حدث نوع من "الانسحاب الواقعي"، بمعنى توقف الدولة عن المشاركة في أعمال المؤتمر دون تقديم إشعار رسمي بذلك. فقد امتنعت سيراليون عن حضور مؤتمرات المنظمة، منذ مؤتمر القمة الثاني سنة 1974، وعادت للمشاركة منذ مؤتمر وزراء الخارجية الثالث عشر في سنة. كذلك جمّد السودان عضويته في المنظمة في سبتمبر 1992، احتجاجاً على إلغاء عقد مؤتمر وزراء الخارجية الحادي والعشرين في الخرطوم، كعقاب له على دعمه العراق أثناء أزمة الغزو العراقي للكويت.

    وعلى الرغم من خلو ميثاق منظمة المؤتمر الإسلامي من أي أحكام للجزاءات، أو نصوص تتعلق بالطرد أو تجميد العضوية، فقد جمدت المنظمة عضوية مصر سنة 1979، وأفغانستان عام 1980. ثم أعادت عضوية مصر سنة 1984، وأفغانستان سنة 1989، كما اتخذ السودان قراراً سنة 1992 بتجميد عضويته في المنظمة، وسنناقش هذه الموضوعات على التوالي.

1. تجميد عضوية مصر

أثير موضوع تجميد عضوية مصر في منظمة المؤتمر الإسلامي، بعد توقيع المعاهدة المصرية ـ الإسرائيلية في 26 مارس 1979، وبالتحديد بمناسبة التحضير لانعقاد مؤتمر وزراء خارجية الدول الإسلامية العاشر في فاس، في مايو 1979. فقد أثار توقيع المعاهدة معارضة شديدة من بعض الدول العربية، وبالتحديد من العراق، وسورية، وليبيا، ومنظمة التحرير الفلسطينية، وهي الدول التي كونت "جبهة الصمود والتصدي" في مؤتمر القمة العربي في بغداد 1978. وقادت عملية تجميد عضوية مصر في جامعة الدول العربية، وسعت إلى أن يشمل التجميد المنظمات الإقليمية الأخرى، التي تشترك مصر في عضويتها.

في البداية، وجهت الحكومة المغربية الدعوة لمصر لحضور مؤتمر وزراء خارجية الدول الإسلامية يوم 8 مايو 1979. ولكن مصر أعلنت أنها ترى أن يكون المؤتمر المزمع انعقاده بمثابة مؤتمر تحضيري، لمؤتمر قمة إسلامي، تكون مهمته السعي نحو استرجاع القدس الشريف. وأكدت أنها تربط حضورها مؤتمر وزراء الخارجية، المزمع انعقاده في مايو، بهذا الشرط. ولم يكن الإعلان المصري جديداً، فقد سبق أن أرسل الرئيس المصري، أنور السادات، إلى الملك الحسن ملك المغرب، رسالة في 4 ديسمبر 1978، طلب فيها عقد مؤتمر قمة إسلامي لمناقشة تأمين عودة القدس إلى السيادة الإسلامية. ويبدو أن هدف الحكومة المصرية كان هو مواجهة الدول الإسلامية بمسؤولية مباشرة، فيما يتعلق بموضوع القدس، وبذلك يخف انتقاد تلك الدول للمبادرة المصرية.

وعندما شرعت الحكومة المصرية، في التحضير لسفر وفدها إلى مؤتمر وزراء الخارجية، طلبت الحكومة المغربية من مصر التريث، حتى يصل مبعوث من الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي لمناقشة الموضوع مع الحكومة المصرية، وتسليم رسالة رسمية. وقد استجابت مصر وأجلت سفر وفدها لمدة 24 ساعة، على أن يصطحب الوفد المصري مندوب الأمين العام إلى فاس. وفي 5 مايو 1979، أذاعت الحكومة المصرية بياناً أكدت فيه وجهة النظر المصرية، بأن مصر تربط حضورها مؤتمر وزراء الخارجية، بتجاوب المغرب الشقيق مع الدعوة، إلى عقد هذا المؤتمر. وعلى أساس أن يكون المؤتمر مؤتمراً تحضيرياً لاجتماع قمة إسلامي، يبحث موضوع القدس.

وفي 6 مايو 1979، وصل إلى القاهرة السفير يوسف سيلا، مبعوثاً من الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي. ولكن المبعوث حاول إقناع الحكومة المصرية بعدم حضور المؤتمر، لتفادى حدوث مجابهة مع بعض الدول العربية، التي قطعت علاقاتها مع مصر بعد توقيع المعاهدة، موضحاً أن وفود بعض الدول العربية ستنسحب من المؤتمر، إذا حضر الوفد المصري. وفي اليوم ذاته، وبعد ساعات من وصول السفير يوسف سيلا، صرح مسؤول مغربي بأن اللجنة التحضيرية للمؤتمر العاشر لوزراء الخارجية، أوصت بإدراج البند الخاص بتعليق عضوية مصر في منظمة المؤتمر الإسلامي، في جدول أعمال المؤتمر. ويبدو أن هذا الإعلان قد أدى إلى تغيير موقف الحكومة المصرية، وإسقاطها للشرط الذي وضعته لحضور المؤتمر، فبادرت بإعلان استعدادها لحضور المؤتمر. ولكن الحكومة المغربية ردت على ذلك بإبلاغ مصر، بأنها لن تسمح للطائرة التي تقل الوفد المصري بالهبوط في المغرب. وفي اليوم ذاته، غادر السفير يوسف سيلا القاهرة، حاملاً معه مذكرتين من الحكومة المصرية.

وقد أكدت الحكومة المصرية في المذكرة الأولى، أنها تطلب إدراج بند إضافي مهم في جدول أعمال المؤتمر العاشر، يتضمن الدعوة إلى عقد مؤتمر قمة إسلامي لبحث قضية تحرير القدس. ولم تعلق مصر حضورها المؤتمر على هذا الشرط. أما المذكرة الثانية، فقد أكدت فيها الحكومة المصرية ثبات موقفها في أنه لا سلام في الشرق الأوسط، من دون حل جوهر المشكلة وهو القضية الفلسطينية، وأن لا حل للقضية الفلسطينية من دون استرداد القدس. وأكدت المذكرة أيضاً أن أي محاولة للمساس بعضوية مصر في منظمة المؤتمر الإسلامي، تتعارض مع الميثاق الذي لم ينص على طرد أو تجميد عضوية أي دولة. كذلك أعلنت وزارة الخارجية المصرية بياناً نددت فيه بالإعلان المغربي، فيما يتعلق بأدراج البند الخاص بتعليق عضوية مصر في منظمة المؤتمر الإسلامي في جدول أعمال المؤتمر العاشر لوزراء الخارجية.

أسفرت هذه التطورات عن منع مصر حضور المؤتمر العاشر، ومن ثم شرع المؤتمر في مناقشة موضوع تجميد عضويتها. وقد نوقش الموضوع في الجلسة الثانية، التي عقدت يوم 9 مايو 1979، برئاسة وزير الخارجية المغربي بوسته. وقد أشار الوزير، لأول مرة إلى جدول الأعمال، مشيراً إلى أنه "أبديت ملاحظات وتدخلات الوفود بالإجماع، أن يتضمن مشروع جدول الأعمال عدة موضوعات، من أبرزها قضية فلسطين والقدس الشريف، وتعليق عضوية مصر في منظمة المؤتمر الإسلامي". ثم عرض الأمين العام المساعد للمنظمة، مُلتمساً من الوفد السوري برئاسة عبدالحليم خدام، وزير خارجية سورية، يتضمن مشروع قرار بتعليق عضوية مصر في منظمة المؤتمر الإسلامي. وقد نص المُلتمس السوري على الآتي: "وبعد تدارس الوضع الخطير، الناجم عن زيارة رئيس جمهورية مصر العربية للقدس المحتلة، وتوقيعه اتفاقيات كامب ديفيد، ومعاهدة السلام مع الكيان الصهيوني، بأشراف وتوجيه مباشر من الولايات المتحدة الأمريكية، على حساب عروبة القدس، والحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني، وأصحاب الحقوق الشرعيين، وحيث أن المعاهدة تضمنت خرقا لحقوق الأمة العربية والحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني، وجاءت مخالفة لمبادئ ميثاق منظمة المؤتمر الإسلامي وقرارات قمة لاهور، وقرارات مؤتمر وزراء خارجية الدول الإسلامية، في كل من جده واستانبول وطرابلس وداكار..

يُقرر

أولاً: تعليق عضوية جمهورية مصر العربية في منظمة لمؤتمر الإسلامي، وجميع المؤسسات والهيئات المنبثقة عنها، حتى تزول الأسباب التي دعت إلى ذلك.

ثانياً: استمرار التعامل مع شعب مصر الإسلامي الشقيق، ومع أفراده، عدا المتعاونين بصورة مباشرة وغير مباشرة مع العدو الصهيوني.

وقد عرض المشروع السوري للمناقشة ولم تحدث مناقشة للمشروع، سوى أن ممثل سلطنة عُمان، تحدث معقباً على المشروع، ومؤكداً عدم اشتراك السلطنة في التصويت. ثم عرض المشروع للتصويت، فتمت الموافقة بالتصفيق.

بعد انتهاء التصفيق، تحدث ممثلو بعض الدول الأفريقية، مؤكدين عدم اشتراكهم في التصويت، وفسّروا السبب في ذلك، بأن منظمة الوحدة الأفريقية، لم تبحث المشكلة بعد، وأنها تفضل الانتظار حتى ينعقد المؤتمر القادم لوزراء خارجية الدول الأفريقية، وتتخذ موقفاً من المعاهدة المصرية الإسرائيلية. وأكدت تلك الدول، في الوقت ذاته، سياستها إزاء القضية الفلسطينية. فقد أشار مندوب للسنغال إلى أن حكومته تؤكد على التسوية الشاملة، والعادلة للقضية الفلسطينية، واستعاده حقوق الشعب الفلسطيني، الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني، وأنه لا يجوز أن يتحدث أحد، بدلاً من هذا الشعب.

كما أكد ممثلو السنغال والجابون وجامبيا وفولتا العليا وغينيا بيساو، عدم مشاركتهم في التصويت. وأشار ممثل فولتا العليا إلى موقف بلاده بقوله:

حرصاً على عدم اتخاذ موقف، قبل أن تقرر منظمة الوحدة الأفريقية ما تراه بشأن هذا الموضوع... أود أن أعرض موقف فولتا العليا، الذي يتلخص في أننا لم نشترك في التصويت، ولكننا نشترك في هدف المؤتمر المتمثل في تحرير فلسطين.

وقد تحدث ممثل دولة النيجر، ولكنه لم يسجل عدم اشتراك حكومته في التصويت بل سجل موقفاً غامضاً، أكد فيه أنه "علينا أن ننظر هذه المشكلة بعيداً عن الجانب العاطفي، وفي إطار ميثاق منظمتنا.

وقد حاول ممثلو ليبيا، وسورية، ومنظمة التحرير الفلسطينية، إثناء الدول الأفريقية، المشار إليها آنفا، عن تسجيل موقف عدم المشاركة في التصويت. فقد أوضح ممثل سورية أن هناك بنوداً على جدول أعمال المؤتمر تتعلق بأفريقيا، ولا يجوز للدول العربية أن تقول أنها لن تصوت عليها، لأن الجامعة العربية لم تجتمع ولم تتخذ قراراً في شأن تلك البنود:

هل يقبل أشقاؤنا، الذين اعترضوا، أن يقف وفد من الوفود العربية ويقول: إن هذه الموضوعات، التي تتعلق بأفريقيا لم نناقشها في الجامعة العربية، ولذلك يتحفظ إلى أن تجتمع الجامعة العربية وتناقشها؟

نرجو أن تقدروا ظروفنا، ونرجو أن تقدروا الوضع الذين نحن فيه، إذا كنتم تريدون مساعدة الفلسطينيين والعرب لتحرير القدس، فلا يكون ذلك إلاّ بأن ندين الجريمة التي ارتكبها السادات.

وقد رد ممثل السنغال بأن حكومته لم تحتفظ على القرار، ولكنها لا تشارك في التصويت. وتحدث ممثل الجزائر مشيراً إلى أن عدم وجود تحفظات، يعني أنه لا توجد معارضة للقرار. كما تحدث ممثل فلسطين فقال "أننا من أجل مصر، وشعب مصر، نريد أن نقول إننا نعلق هذه العضوية من أجل أن تعود مصر إلينا... أننا نحب مصر، ونحب شعب مصر. إن شعب مصر في الداخل يتألم ويعارض مثل هذا الاتفاق".

وفي 9 مايو 1979 ـ أيضاً ـ انعقدت الجلسة الثالثة للمؤتمر، وفيها تحدث ممثلو بعض الدول. ولم يثر أي منهم موضوع تجميد عضوية مصر. فقد تحدث ممثلو العراق، والأردن، وأفغانستان، وأدانوا المعاهدة المصرية ـ الإسرائيلية، بينما اكتفى ممثل تركيا بالتشكيك في أن تكون المعاهدة خطوة نحو السلام العادل في الشرق الأوسط.

أمّا ممثلا إندونيسيا والكاميرون، فقد تحدثا مطولاً عن العديد من القضايا من دون أن يتطرقا إلى موضوع التجميد أو المعاهدة. وقد سارت الكويت على النهج ذاته في الجلسة الرابعة، المنعقدة يوم 10 مايو 1979.

كان من المفترض أن يُصادق مؤتمر القمة الإسلامي، التالي لانعقاد مؤتمر وزراء الخارجية (وهو المؤتمر الثالث الذي انعقد بالطائف ومكة سنة 1981)، على قرار مؤتمر وزراء الخارجية بتجميد عضوية مصر. ولكن المؤتمر لم يتخذ قراراً في هذا الصدد، وإنما اكتفى بشجب المعاهدة المصرية الإسرائيلية، وتأييد المساعي الداعية إلى تجميد عضوية مصر في حركة عدم الانحياز، من دون أن يشير إلى تجميد عضوية مصر في منظمة المؤتمر الإسلامي ذاتها. بينما صادق على قرار تجميد عضوية أفغانستان.

إن عدم مصادقة مؤتمر القمة الثالث، على قرار تجميد عضوية مصر، يعني أن الدول الأعضاء كأنما شعروا بالتسرع في اتخاذ قرار التجميد. ولذلك، سرعان ما بدأت حركة نشيطة في منظمة المؤتمر الإسلامي، تسعى لإلغاء القرار، الذي اتخذه مؤتمر وزراء الخارجية، خاصة بعد تغير القيادة السياسية المصرية، وظهور مستجدات على الساحة العربية، تستدعي إعادة توحيد صفوف الدول الإسلامية. ومن هذه المستجدات الغزو الإسرائيلي للبنان، وخروج المقاومة الفلسطينية من لبنان سنة 1982، واستمرار الحرب العراقية ـ الإيرانية، وغيرها. وعلى الرغم من أن موضوع إنهاء تجميد عضوية مصر، لم يكن مطروحاً على جدول أعمال مؤتمر القمة الإسلامي الرابع، الذي انعقد في الدار البيضاء سنة 1984، إلاّ أن هذا الموضوع استغرق معظم وقت المؤتمر.

فقد دارت مناقشات حادة ومطولة في المؤتمر حول هذا الموضوع. إذ عارضت ليبيا، وسورية، واليمن الديمقراطية مشروع قرار إلغاء قرار تجميد العضوية الذي دافعت عنه غينيا، والمغرب. فقد طرح المشروع الأول مرة الرئيس الغيني أحمد سيكوتوري في جلسة المؤتمر المنعقد في 17 يناير سنة 1984 حين طالب المؤتمر بإلغاء قرار تجميد العضوية على أساس أن العالم الإسلامي يمر بمرحلة جديدة تتطلب وحدة الدول الإسلامية. وقد رد رئيس الوفد الليبي عبد السلام جلود محتماً بأن قرار التجميد قد نص على تعليق عضوية مصر حتى تزول الأسباب التي دعت إلى ذلك. ولما كانت تلك الأسباب تتمثل في توقيع المعاهدة المصرية ـ الإسرائيلية، كما أن تلك المعاهدة مازالت قائمة فانه لا يوجد ما يدعو إلى إلغاء قرار التجميد. ولكن الملك الحسن الثاني، ملك المغرب، أشار إلى أنه لا يوجد في الواقع قرار بتجميد عضوية مصر، لأن قرار مؤتمر وزراء الخارجية لم يصادق عليه في مؤتمر القمة الثالث وبذلك فإن المطروح للمناقشة هو عودة مصر إلى ممارسة دورها في المنظمة.

وانتهت المناقشات إلى إجراء تصويت رسمي سري، لثاني مرة في تاريخ المنظمة. أسفر التصويت عن اتخاذ قرار ينص على "عودة جمهورية مصر العربية إلى استئناف عضويتها في منظمة المؤتمر الإسلامي"، وذلك بموافقة 32 دولة، واعتراض سورية، وليبيا، واليمن الديمقراطية، وامتناع لبنان، وموريتانيا، وتونس، والجزائر عن التصويت. وقد تضمن القرار كذلك، تشكيل لجنة ثلاثية من الدول الأعضاء، والأمين العام، للاتصال بالحكومة المصرية بهدف الحصول منها على الالتزام بمبادئ وقواعد ومقررات منظمة المؤتمر الإسلامي، على أن تقدم اللجنة المذكورة تقريراً عن مهمتها، إلى رئيس مؤتمر القمة الإسلامي الرابع.

تشكلت اللجنة برئاسة الرئيس سيكوتوري، وعضوية وزيري خارجية العراق وباكستان، إضافة إلى الأمين العام للمنظمة. وقد زارت اللجنة مصر في فبراير 1984، وقدمت تقريراً إلى رئيس مؤتمر القمة. أكد تقدير اللجنة للموقف النضالي للحكومة المصرية إزاء جميع القضايا الإسلامية، خاصة قضية فلسطين.

وبناء على هذا التقرير، أرسل الملك الحسن الثاني إلى رئيس جمهورية مصر العربية يخطره بقرار عودة مصر، إلى استئناف دورها في المنظمة. وأرسل رسالة مماثلة إلى رؤساء وملوك الدول الأعضاء، وإلى الأمين العام للمنظمة. وفي مارس 1984، أبلغت الأمانة العامة لمنظمة المؤتمر الإسلامي كافة الدول الأعضاء، والمؤسسات التابعة للمنظمة، بأن مصر قد استأنفت نشاطها في المنظمة.

2. تجميد عضوية أفغانستان

في ديسمبر 1979، تدخلت القوات المسلحة السوفيتية في أفغانستان، لدعم الحكومة الأفغانية اليسارية، ضد المقاومة الشعبية المتصاعدة. وعلى أثر ذلك، عقد مؤتمر وزراء خارجية الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي، دورة طارئة في إسلام أباد في 27 ـ 29 يناير 1980. وقد اتخذ المؤتمر القرار الرقم (1/غ ع)، الذي نص على "تعليق عضوية أفغانستان في منظمة المؤتمر الإسلامي". وقد أتى القرار على سلسلة من العقوبات الموجهة إلى الحكومة الأفغانية، مثل عدم الاعتراف بتلك الحكومة، وقطع العلاقات الدبلوماسية معها، إضافة إلى وقف كل أشكال المساعدات والدعم عنها. ومن الجدير بالذكر، أن الحكومة الأفغانية لم توجه لها الدعوة إلى حضور المؤتمر، لتقديم وجهة نظرها. وعندما انعقد مؤتمر القمة الإسلامي الثالث سنة 1981، اتُخذ القرار الرقم 3/3 س (ق أ)، الذي بموجبه صادق على القرار الرقم (1/غ ع) الخاص بتجميد عضوية أفغانستان.

وابتداء من سنة 1988، بدأت القضية الأفغانية تشهد تطورات جذرية. فقد انسحبت القوات السوفيتية من أفغانستان، وتكونت حكومة مؤقتة تمثل المجاهدين الأفغان. فطلبت هذه الحكومة، من مؤتمر وزراء خارجية الدول الإسلامية الثامن عشر، المنعقد في الرياض سنة 1989، إلغاء تجميد عضوية أفغانستان، على أن تمثل تلك الحكومة أفغانستان في المؤتمر.

وقد واجه الطلب المقدم من حكومة المجاهدين، بعض الصعوبات في مناقشات المؤتمر، فقد اعترضت بعض الدول الأعضاء على قبول تلك الحكومة، على أساس أنها لا تسيطر تماماً على الأراضي الأفغانية. كما أنها لا تمثل كل فرق المقاومة الأفغانية. كما اعترضت بعض الدول على أساس، أن الموافقة على هذا الطلب ستؤدى إلى تعقيد الموقف في أفغانستان، في ضوء اتفاقات جنيف لتسوية القضية الأفغانية. كما أن قبول الطلب قد يفسر على أنه اعتراف، من الدول الأعضاء بتلك الحكومة. بينما أيدت بعض الدول قبول طلب الحكومة الأفغانية، تأسيساً على أن الطلب من شأنه إعطاء دفعة لحركة المقاومة الأفغانية، التي تواجه نظاماً ماركسياً في أفغانستان. وأشارت تلك الدول، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، إلى أن قبول طلب حكومة المجاهدين، لا يلزم الدول الأعضاء بالاعتراف بتلك الحكومة. كما أنه لا يجب أن يفسر على أنه اعتراف، من كل الدول الأعضاء، بتلك الحكومة. وعندما عرض مشروع القرار الذي يقضى بإعادة عضوية أفغانستان، وإعطاء مقعدها لحكومة المجاهدين، اعترضت عليه سورية، وفلسطين، واليمن الديموقراطية. وامتنعت العراق، وايران، واليمن، والجزائر، وليبيا، وإندونيسيا، ولبنان عن التصويت. وهكذا أصدر المؤتمر قراراً، دعى فيه ممثلي المجاهدين الأفغان إلى شغل مقعد دولة أفغانستان، في منظمة المؤتمر الإسلامي، الذي كان شاغراً منذ انعقاد الدورة غير العادية للمؤتمر الإسلامي لوزراء الخارجية، الذي عُقد في مدينة إسلام أباد سنة 1980. وشغل قلب الدين حكميتار، منصب أفغانستان، في المؤتمر الثامن عشر على الفور.

3. ملاحظات على قرارات تجميد، وإنهاء تجميد، عضوية مصر وأفغانستان

نص ميثاق المنظمة على حالة واحدة، لفقد العضوية في المنظمة، وهي الانسحاب. لذلك أثار قرار تجميد عضوية مصر وأفغانستان في المنظمة جدلاً كبيراً، حول مدى اتفاق القرارين مع ميثاق المنظمة. فقد احتجت بعض الدول، ومنها بطبيعة الحال مصر وأفغانستان، أن ميثاق المنظمة لا ينص صراحة، على اختصاص المنظمة في تجميد عضوية إحدى الدول الأعضاء. كما أن الميثاق لم ينص أصلاً، على نظام للجزاءات في مواجهة الدول الأعضاء. والمبدأ الأصيل في الفقه القانوني هو أنه "لا عقوبة إلاّ بنص"، ولمّا كان ميثاق المنظمة يخلو من أي نص حول تجميد العضوية، فضلاً عن أن التجميد هو عقوبة موجهة للدولة، فانه يعد بذلك مخالفاً للفقه القانوني، إضافة إلى ميثاق المنظمة ذاته. هذا فضلاً عن أن الدافع الذي حدا بالمنظمة، لاتخاذ قرار تجميد العضوية إنما يتعلق بقضايا هي من صميم الاختصاص الداخلي للدولتين، وتتعلق بأعمال السيادة، وليس من حق المنظمة، طبقاً لميثاقها أن تتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء. وتلك هي وجهة النظر المعارضة لقراري تجميد العضوية.

أمّا وجهة النظر الثانية، فتتحصل في أن تجميد عضوية أفغانستان ومصر، له أساس سياسي وقانوني، في آنٍ واحد. فمن ناحية الأساس السياسي، فإن تجميد عضوية أفغانستان يعد عملاً جماعياً قوامه عدم الاعتراف بالحكومة الأفغانية، التي لم تعد تتمتع بأساس شرعي لوجود قوات أجنبية تحتل أراضى أفغانستان. ذلك أن وجود القوات، يعني أن أفغانستان لم تعد دولة مستقلة، وبالتالي لم تعد قادرة على تحمل التزاماتها بموجب الميثاق. كذلك فإن توقيع مصر لمعاهدة السلام مع إسرائيل سنة 1979، بشكل منفرد، قد أدى إلى تعطيل فرص تحقيق أحد أهداف المنظمة، وهو "تنسيق العمل من أجل حماية الأماكن المقدسة ودعم كفاح الشعب الفلسطيني من أجل استعادة حقوق وتحرير أراضيه (م 2أ/5). من ناحية أخرى، يرى هذا الفريق أن تجميد العضوية له أساس قانوني في الميثاق، فعلى الرغم من عدم وجود نص صريح، يبيح للمنظمة تجميد عضوية الدول الأعضاء، فانه يمكن تبرير قرار تجميد العضوية من ناحية قانونية أخرى. ذلك أن ميثاق منظمة المؤتمر الإسلامي، هو في التحليل الأخير، اتفاقية دولية جماعية. وبما أن المعاهدة المصرية ـ الإسرائيلية تشكل خرقاً للمادة 2أ/5 من الميثاق، فإن مصر تكون قد انتهكت تلك الاتفاقية خرقاً مادياً، مما يعطى للأطراف الأخرى حق وقف التعامل مع الدولة التي انتهكت الاتفاقية.

ولا شك أن التنظيم الإقليمي، محكوم في تصرفاته وأعماله بالميثاق. فالميثاق هو قانون التنظيم الإقليمي. وقد جاء ميثاق منظمة المؤتمر الإسلامي، خلواً من أي نظام للجزاءات، بما في ذلك الجزاءات التي توجه إلى الدول الممتنعة، عن دفع الاشتراكات، وحضور الاجتماعات، وتلك بلا شك ثغرة كبرى في الميثاق. ومن ثم، فإن تجميد عضوية مصر وأفغانستان، لم يكن من الناحية القانونية متمشياً مع الميثاق. ويتضح من سير المناقشات، التي دارت حول هذا الموضوع، أن الدول الأعضاء تجنبت إثارة ذلك الطعن، وأنها كانت مندفعة في تيار معاد للحكومتين المصرية والأفغانية، جعلها غير راغبة في مناقشة هذا الموضوع. أكثر من ذلك، فقد اتخذ قرار التجميد دون حضور مصر وأفغانستان. فقد رأينا أن الحكومة المصرية قد مُنعت بالقوة من حضور مؤتمر وزراء الخارجية العاشر. ولا نعتقد أن اتخاذ القرار في غيبة من يوجه ضدهم القرار أمر يتفق مع الأصول القانونية، فضلاً عن الشريعة الإسلامية.

من ناحية أخرى، فإن قرار إعطاء مقعد أفغانستان لحكومة المجاهدين يمكن أن يكون أيضا محل نظر. فهذا القرار يتعارض مع نص المادة الثامنة، التي تعطى حق العضوية للدول وحدها. وليس من الثابت منذ اتخاذ القرار في المؤتمر الثامن عشر سنة 1989 وحتى الآن، ما إذا كانت حكومة المجاهدين تسيطر على أراضى الدولة الأفغانية، أو أنها تمثل دولة أفغانستان بالفعل. كذلك، فإن القرار خلق سابقة خطيرة في أعمال منظمة المؤتمر الإسلامي، وهي إعطاء مقعد الدولة في المنظمة لحركات المعارضة في تلك الدولة، وهي مسألة جديدة في أعمال التنظيمات الدولية. ويمكن أن يشكل سابقه تحتذي فيما بعد، ضد بعض الدول التي وافقت على القرار. فضلاً عن أن القرار، لم تكن له إلاّ قيمة رمزية تتمثل في الدعم المعنوي لحكومة المجاهدين، ولم يسهم فعلياً لا في حل المشكلة الأفغانية أو في إضفاء الشرعية الدولية على تلك الحكومة.

4. تجميد عضوية السودان

إذا كان تجميد عضوية مصر وأفغانستان، قد وقع بقرار من منظمة المؤتمر الإسلامي، فإن السودان قد بادر في أكتوبر 1992، باتخاذ قرار بنفسه، بتجميد عضويته في المنظمة. وكان من المقرر أن تستضيف السودان، لدورة الحادية والعشرين لمؤتمر وزراء الخارجية، في ديسمبر من ذلك العام. ولكن دولة جامبيا بادرت بالطلب من الأمانة العامة، إلغاء عقد الاجتماع في الخرطوم، واستجابت الأمانة العامة لهذا الطلب. وبادرت السودان بإعلان أن بعض الدول الخليجية، التي شنت حملة استهدفت حث الدول الإسلامية على عدم حضور مؤتمر الخرطوم، وأتهم تلك الدول بأنها وراء طلب حكومة جامبيا. وبناء عليه، أعلنت الحكومة السودانية في 28 سبتمبر أنها قد سحبت ثقتها من المنظمة، وأنها قررت تجميد عضويتها ومقاطعة الاجتماعات القادمة. وجاء ذلك في سياق أزمة الخليج الثانية، التي اتُهم فيها السودان بالانحياز إلى جانب العراق. ومن ثم، فإن تصرف بعض دول الخليج، كان بمثابة عدم قبول لموقف السودان.

والواقع، أن قرار السودان كان احتجاجاً على سلوك الأمانة العامة، ولم يمثل تجميداً حقيقياً للعضوية، لأن السودان سرعان ما شارك في أنشطة المنظمة، بعد أن بدأت العلاقات تعود مع الدول العربية الخليجية.

وفي ضوء التحليل السالف، يمكن القول إن منظمة المؤتمر الإسلامي تواجه مشكلات أساسية فيما يتعلق بقضية العضوية. فالمشكلة الأولى تتعلق بعدم وضوح معيار الدولة الإسلامية، وما رتبه ذلك من نتائج هددت بتحول المنظمة إلى منتدى فضفاض، لدول العالم الثالث، ليس له فاعلية تذكر في تنظيم العلاقات، بين الدول الأعضاء. أمّا المشكلة الثانية فتتعلق بقبول المراقبين في المنظمة، وما يؤدي إليه ذلك القبول من تشتت أعمال مؤتمرات القمة، ومؤتمرات وزراء الخارجية. إذ يتحتم على المنظمة أن لا تعطى صفة المراقب، إلاّ لعدد محدود من الوحدات السياسية والدينية، ولا تسمح لأي وحدات أخرى إلاّ بتقديم وجهات نظرها مكتوبة، من دون المشاركة في أعمال المؤتمرات. وتنحصر المشكلة الثالثة، في عدم وجود نظام للجزاءات في الميثاق، يُطبق على الدول التي تخالف الميثاق، مما أضطر المنظمة في لحظات معينة إلى معاقبة بعض الدول، بإجراءات عقابية ليست واردة في الميثاق. ومن ثم، فإنه من الوارد أن تُعدل المنظمة الميثاق، بحيث تضع نظاماً للجزاءات يشمل إمكانية تجميد عضوية الدولة، التي قد تخالف أحكام الاتفاقية. ومن الملاحظ وجود ميل شديد في أعمال المنظمة، إلى عدم الالتزام الكامل بأحكام الميثاق. فعلى الرغم من وجود قاعدة قانونية في الميثاق، للتصويت على قبول الدول الجديدة، فانه لم يحدث إطلاقاً تصويت على قبول تلك الدول، مما يعكس عدم جدية بحيث معايير العضوية. كما أن المنظمة اتخذت قرارات بتجميد عضوية مصر وأفغانستان وإعطاء مقعد أفغانستان لحكومة المجاهدين، من دون أن تتأكد هل ذلك الإجراء مطابقاً للميثاق؟ ولم تسمح للحكومات المعنية بأن تشرح وجهات نظرها أمام المؤتمرات، التي اتخذت تلك القرارات. كما أنه على الرغم من انقطاع حكومة سيراليون عن حضور مؤتمرات المنظمة لفترة طويلة، فإن المنظمة لم تتخذ إجراء واحداً ضد تلك الحكومة. ولا شك أن فعالية المنظمة الدولية، ترتبط بمدى جديتها والتزامها بأحكام ميثاقها، مما ينعكس على مدى ارتباط الدول الأعضاء بتلك السلطة.