إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / منظمات وأحلاف وتكتلات / منظمة المؤتمر الإسلامي





علم المنظمة




المبحث الخامس

المبحث الخامس

فعالية المنظمة في ميدان الأمن الجماعي ومجالاته

    السؤال المركزي الذي يطرحه هذا المبحث هو: هل نجحت منظمة المؤتمر الإسلامي، في التأثير على العلاقات بين الدول الأعضاء بشكل إيجابي؟ أين نجحت وأين المنظمة؟ ولماذا؟ وإلى أين تسير منظمة المؤتمر الإسلامي؟ وكيف يمكن تحسين أداء المنظمة؟ ويقودنا ذلك بالضرورة إلى عرض المنهج المقترح لتقويم أداء منظمة المؤتمر الإسلامي.

أولاً: مفهوم الفاعلية ومجالاته

    يمثل مفهوم "الفعالية"، نقطة بداية مناسبة، لتقويم أداء التنظيم الدولي لوظائفه. وقد اختلف الدارسون في تحديد مفهوم فعالية التنظيم الدولي. فمنهم من ربط بينه وبين قدرته على التأثير في الأزمات، التي تؤثر عليه، ومنهم من اعتبر أن الفعالية مرادفة لقدرة الدول الأعضاء ورغبتها، في العمل من خلال التنظيم لحل مشكلاتها؛ ومنهم من تصور أن فعالية التنظيم الدولي تعنى تنفيذ قراراته. وفي الحقيقة، فإن فعالية التنظيم الدولي تعني، قدرة التنظيم على تحقيق مجموعة من الوظائف الأساسية، التي ترتبط ارتباطاً جوهرياً بمصداقية التنظيم، كعامل مؤثر في العلاقات بين الدول الأعضاء. فالفعالية إذن تنصرف إلى تحقيق الأهداف المحددة سلفاً، وبهذا المعنى تختلف الفعالية عن "الكفاءة"، التي تعنى تحقيق الأهداف "بأقل قدر ممكن من التكاليف". ومن ثم، فالفعالية تعنى تحقيق الأهداف، بينما تشير الكفاءة إلى التكاليف الناشئة عن تحقيق الأهداف. إذن ما هي المعايير التي يمكن بالنظر إليها، تقويم فعالية التنظيم الدولي؟

    من دون الدخول في تفاصيل الجدل الفقهي حول تلك المعايير، يمكن القول إن هناك أربع وظائف رئيسية، يضطلع بها التنظيم الدولي، وتحدد مدى فعاليته. وهذه الوظائف الرئيسية هي: الأمن الجماعي للدول الأعضاء، وتسوية المنازعات بين الدول الأعضاء، وبلورة سياسات خارجية مشتركة للدول الأعضاء، والتعاون الفني بين الدول الأعضاء. ويُعد أداء التنظيم الدولي لهذه الوظائف الأربعة، بمثابة معيار لمدى فاعليته، بالنسبة للدول الأعضاء. ومن ثم، فإن قدرة التنظيم الدولي على توفير الأمن الجماعي للدول الأعضاء، هو أحد معايير تقييم فعالية هذا التنظيم، وهكذا. وسنتناول كلا من تلك الوظائف (المعايير) باختصار على حدة، لنوضح المقصود بها وعلاقتها بفعالية التنظيم الدولي.

1. الأمن الجماعي

يقصد بالأمن الجماعي، مجموعة من الترتيبات التي تتخذها الدول، بهدف ردع العدوان، الذي قد توجهه دولة ضد أخرى، فتتكاتف باقي الدول لردع المعتدي أو هزيمته. ومن ثم، فالأمن الجماعي هو نظام غايته الأمن، ووسيلته الجماعية، ولذلك يسمى هذا النظام "بالدفاع المشترك"، أو "الضمان الجماعي" في بعض الأحيان. وحينما ينشأ هذا النظام في إطار التنظيم الإقليمي (كمنظمة المؤتمر الإسلامي)، فإن الأمن الجماعي يكون موجهاً ضد الدول غير الأعضاء، ولكنه إذا نشأ في إطار التنظيم العالمي (كالأمم المتحدة)، فإنه يكون موجهاً ضد كل دولة معتدية، حتى ولو كانت عضواً في هذا التنظيم. ذلك أنه في حالة التنظيم الإقليمي، فإن الاعتداء، الذي تقوم به دولة عضو ضد دولة أخرى عضو، يدخل في نطاق تسوية المنازعات بالطرق السلمية، وليس الأمن الجماعي.

وقد بدأ انتشار فكرة الأمن الجماعي، في بداية القرن العشرين. ولكنها تبلورت عملياً لأول مرة في إطار عهد عصبة الأمم، ثم الأمم المتحدة. وانتشرت الفكرة حتى أصبحت أحد الركائز الأساسية، لمعظم التنظيمات الدولية الإقليمية، كجامعة الدول العربية، ومنظمة الدول الأمريكية، وحلف شمالي الأطلنطي، وحلف وارسو.

ومن المؤكد أن قدرة التنظيم الدولي، على توفير الأمن للدول الأعضاء، هي إحدى الوظائف الأساسية لهذا التنظيم. ذلك أن عجز التنظيم عن إيجاد مجموعة من الترتيبات، التي تحمى أمن الدول الأعضاء، ووقوفه عاجزا أمام الاعتداءات الخارجية ضد تلك الدول، من شأنه أن يفقد هذا التنظيم أي مصداقية دولية. فإلى أي مدى نجحت منظمة المؤتمر الإسلامي، في توفير "الأمن الجماعي" للدول الأعضاء؟

2. تسوية المنازعات بين الدول الأعضاء

يقصد بتسوية المنازعات، قدرة التنظيم الدولي على بلورة مجموعة من القواعد المتفق عليها بين الدول الأعضاء، لتسوية ما قد ينشأ بينهم من منازعات بشكل سلمى، مع التطبيق الفعال لتلك القواعد فيما قد يثور من منازعات. ويشمل ذلك تطوير مجموعة من الأجهزة السياسية والقانونية، التي تتدخل لتسوية ما قد يثور، أو ما يثور بالفعل، من منازعات، بما في ذلك إنشاء محكمة عدل للتنظيم.

ويذهب بعض الدارسين إلى أن وظيفة تسوية المنازعات، ربما كانت أهم وظائف التنظيم الدولي على الإطلاق. فلا يمكن تصور وجود تنظيم دولي فعال، لا يستطيع أن يسوى المنازعات، التي تنشأ بين الدول الأعضاء بصورة سلمية. ومن دون الدخول في الجدل الفقهي حول المفاضلة بين التنظيم العالمي، والتنظيم الإقليمي، كإطار لتسوية المنازعات الدولية، أوضحت الدراسات، أن فعالية التنظيمات الدولية في تسوية المنازعات بين الدول الأعضاء، محدودة بصفة عامة. فليس هناك علاقة مؤثرة بين وجود تلك التنظيمات، وبين احتمال نشوب الحروب بين الدول الأعضاء في الفترات التالية لنشأة تلك التنظيمات. وفي دراسة عن أثر التنظيمات الدولية في التسوية السلمية للمنازعات بين الدول الأعضاء، بين الأعوام (1946ـ 1977) وجُد أن الأمم المتحدة، ومنظمة الوحدة الأفريقية، وجامعة الدول العربية، ومنظمة الدول الأمريكية، قد نجحت في تسوية 9%، 19%، 12%، 37% من المنازعات الدولية التي عرضت عليها على التوالي.

فإلى أي حد نجحت منظمة المؤتمر الإسلامي، في تسوية المنازعات بين الدول الإسلامية؟

3. السياسات الخارجية المشتركة

تنهض النظرة التقليدية للتنظيم الدولي، على أنه فقط منتدى للدول الأعضاء. بيد أنه يمكن تصور التنظيم الدولي، كوحدة دولية تُنشئ لذاتها سياسة خارجية، يتولى الجهاز التنفيذي للتنظيم صياغتها، من واقع نقاط الالتقاء بين الدول الأعضاء. والواقع أن الحديث عن السياسة الخارجية للتنظيم الدولي، لا يتطلب أن يكون للتنظيم سلطة فوق الدول الأعضاء، إذ إن تلك السياسة هي ظاهرة سلوكية تتطور من خلال تطور قدرة التنظيم على استكشاف نقاط الالتقاء، بين الدول الأعضاء وصياغتها في شكل توجهات وسياسات عامة.

ويتضمن هذا المعيار، من معايير تقويم فعالية التنظيمات الدولية، ثلاثة أبعاد؛ أولها، قدرة التنظيم على "التقريب" بين السياسات الخارجية للدول الأعضاء، تجاه القضايا الرئيسية المطروحة في العلاقات الدولية، بحيث تتبع تلك الدول سياسات خارجية متشابهة أو "مشتركة"، تجاه تلك القضايا. وثانيها، قدرة التنظيم الدولي على صياغة "سياسة خارجية مستقلة"، تُعبر عن إرادته بحيث يمكن الحديث، على سبيل المثال، عن "السياسة الخارجية لمنظمة المؤتمر الإسلامي"، تجاه قضية معينة، وهي السياسة التي تشترك فيها الدول الأعضاء بشكل جماعي. وثالثها، إلى أي حد استطاع التنظيم الدولي، أن يظهر "كمتحدث رسمي جماعي"، باسم الدول الأعضاء تجاه الدول والتنظيمات الدولية الأخرى؟ وعلى سبيل المثال، فقد ظهرت جامعة الدول العربية، كمتحدث رسمي جماعي باسم الدول العربية في الحوار العربي الأوروبي. كما مثلت منظمة الوحدة الأفريقية الدول الأعضاء، في "التعاون العربي الإفريقي". فإلى أي حد نجحت منظمة المؤتمر الإسلامي، في بلورة سياسات خارجية مشتركة للدول الأعضاء، في ضوء هذا المعنى؟

4. التعاون الفني

ينصرف مفهوم التعاون الفني، إلى مختلف صور التعاون غير السياسي بين الدول. ويشمل ذلك التعاون في الميادين الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والإعلامية، والرياضية، والعلمية، وغيرها من المجالات، التي لا تمس "سيادة الدولة". لذلك، يميز دارسو التكامل الدولي، بين "التعاون السياسي"، وهو التعاون في ميادين الدفاع والأمن الإقليمي وكل الأمور المتعلقة بسيادة الدولة، "والتعاون الفني" بالمعنى السالف.

وينهض هذا التمييز على أساس افتراض رئيسي، بلورة واضعو أسس النظرية الوظيفية للتكامل الدولي. ويؤكد هذا الافتراض، أن الطريق الأمثل لتحقيق التعاون والتكامل بين الدول، يبدأ بالتعاون في الميادين الفنية، أو ما تسمية هذه النظرية ميادين "السياسة الدنيا"، أي السياسة التي تتعلق بالميادين الفنية، فإذا تم تطوير التعاون في هذه الميادين، وخلق شبكة كثيفة في المعاملات بين هذه الدول، فإن ذلك لابد أن يمتد تلقائياً إلى الميادين السياسية (أو ما تسمية النظرية "السياسة العليا")، فإذا بدأت الدول التعاون في ميدان السياسة العليا، وهو ميدان يتعلق بسيادة الدولة وأمنها ومكانتها الدولية، فإن هذا التعاون في أغلب الظن لن يسفر عن نتيجة ملموسة، لأن الدول غير مستعدة للتنازل عن سيادتها، أما إذا رأت أن التعاون الفني قد أثمر نتائج طيبة، فإن ذلك سيشجع الدول على مد نطاق التعاون إلى الميادين السياسية.

وربما كانت وظيفة تحقيق وتطوير التعاون الفني، هي القاسم المشترك الأعظم بين كل التنظيمات الدولية (عالمية وإقليمية). ولا يكاد يخلو ميثاق، من مواثيق التنظيمات، من النص على أن من أهداف أو مبادئ التنظيم، تحقيق التعاون الفني. فإلي أي حد استطاعت منظمة المؤتمر الإسلامي أن تطور التعاون الفني بين أعضائها؟

إذا كانت تلك هي المعايير (الوظائف) الرئيسية، التي يمكن من خلالها تقويم فعالية التنظيمات الدولية، بما في ذلك منظمة المؤتمر الإسلامي، فما هي العوامل الرئيسية، التي تؤثر في تلك الفعالية؟ يمكن القول إن فعالية التنظيمات الدولية، تتوقف على مجموعة مترابطة من العوامل، التي يمكن إجمالها فيما يلي:

أ. الإطار القانوني للتنظيم الدولي

ويشمل ذلك مجال اختصاص التنظيم، ومدى ما يتمتع به من سلطات قانونية، وقدرة التنظيم على إلزام الدول الأعضاء بالقرارات الصادرة عنه، بما في ذلك توافر نظام للجزاءات، ونظام التصويت، ووضع معايير العضوية. فمن الثابت أنه خارج الاختصاص المحدد سلفاً، تتضاءل فعالية التنظيم، إذ يسهل على الدول الأعضاء عرقلة تأثير التنظيم في هذا الميدان بحجة عدم الاختصاص. أضف إلى ذلك أنه كلما توافر نظام للجزاءات العسكرية والاقتصادية في ميثاق التنظيم ازدادت قدرته على إلزام الدول الأعضاء باحترام قراراته وعدم مخالفة الميثاق على الأقل. ويرتبط ذلك بطبيعة نظام التصويت. فمن المعروف أنه كلما واجه نظام التصويت نحو الأخذ بقاعدة الإجماع قلت قدرة التنظيم على اتخاذ قرارات فعالة. كذلك، فكلما كانت معايير اكتساب العضوية وفقدانها واضحة ومحددة زادت فعالية التنظيم.

ب. قيادة التنظيم الدولي

ويُقصد بذلك، درجة مؤسسية الأمانة العامة للتنظيم، وقدرتها على العمل الإبتكاري المؤثر في الدول الأعضاء. فلا شك أنه كلما تطور جهاز الأمانة العامة مؤسسياً، وتوافرت لديه المقدرة الإدارية والمالية، وكلما اتسمت شخصية الأمين العام بالحيوية، والقدرة على الابتكار، وإيجاد أرضية مشتركة بين الدول الأعضاء، ازدادت فعالية التنظيم الدولي بصفة عامة. كما أن القيود القانونية، التي تضعها الدول على الأمانة العامة، ربما لا تكون لها تلك الأهمية الحاسمة، إذا اتسم الأمين العام بالدينامية، والقدرة على ابتكار الأساليب والسياسات. ولعل من أبرز الأمثلة على ذلك الدور الذي لعبه همر شولد، الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة، في بلورة العديد من الأساليب الدبلوماسية التي لم تكن واردة في ميثاق الأمم المتحدة، مثل "الدبلوماسية الوقائية".

ج. المحيط الداخلي للتنظيم الدولي

كلّما زاد التشابه والتناسق بين الدول الأعضاء، أو تشابهت مواقعها في النظام الدولي، زادت قدرة التنظيم العالمي على بلورة سياسات خارجية مشتركة، وذلك بحكم التجانس الثقافي المفترض بين دول التنظيم الإقليمي. كذلك، كلما زاد اتفاق الدول الأعضاء، على عناصر أساسية للعمل السياسي الخارجي، زادت قدرة التنظيم على العمل انطلاقا من تلك العناصر.وعلى سبيل المثال، فهناك اتفاق بين الدول الأفريقية على مبدأ مكافحة التفرقة العنصرية، وعدم تغيير الحدود الأفريقية الراهنة بالقوة العسكرية، وتصفية الاستعمار، مما مكن منظمة الوحدة الأفريقية من أداء دور فعال في هذه المجالات.

د. المحيط الخارجي للتنظيم الدولي

ينصرف المحيط الخارجي للتنظيم الدولي، إلى طبيعة العمليات السياسية الدولية من ناحية، والسلوك الخارجي للدول المعادية، من ناحية أخرى. ففي حالة الصراع الدولي الحاد، تتجه القوى الكبرى إلى توظيف التنظيمات الدولية، كأداة في ذلك الصراع، مما يقلل من فعاليتها وقدرتها على العمل المستقل. أضف إلى ذلك، أن وجود تهديد مباشر للدول الأعضاء في التنظيم، من الدول معادية خارجية، يساعد على بلورة القدرة السياسية للتنظيم. فوجود إسرائيل وجمهورية جنوب أفريقيا، كمصدرين لتهديد جامعة الدول العربية، ومنظمة الوحدة الأفريقية، دفع التنظيمين إلى بلورة سياسات محددة تجاههما.

وهناك نوعان من المتغيرات في تقويم فعالية التنظيمات الدولية. أولها المتغيرات المستقلة، وهي مجموعة المتغيرات التفسيرية، كالإطار القانوني للتنظيم وقيادته، وطبيعة المحيطين الداخلي والخارجي. وتؤثر هذه المتغيرات على الوظائف الرئيسية الأربعة للتنظيم الدولي: الأمن الجماعي، وتسوية المنازعات، والسياسات الخارجية المشتركة، والتعاون الفني.

ثانياً: فعالية المنظمة في ميدان الأمن الجماعي

1. نصوص الميثاق، وقرارات المؤتمرات

لم يتضمن ميثاق منظمة المؤتمر الإسلامي نصاً صريحاً، يتعلق بالأمن الجماعي للدول الأعضاء، مثله في ذلك مثل ميثاق منظمة الوحدة الأفريقية. ولكنه أشار في المادة الثانية، ضمن الأهداف المبادئ إلى مجموعة من النصوص، التي تتعلق بشكل غير مباشر بالأمن الجماعي للدول الإسلامية. فقد نصت المادة 2/أ (3)، على أن من ضمن أهداف المنظمة، العمل على محو التفرقة العنصرية، والقضاء على الاستعمار في جميع أشكاله. كما نصت المادة 2/أ (4)، على أن من تلك الأهداف، اتخاذ التدابير اللازمة لدعم السلام والأمن الدوليين القائمين على العدل. أمّا المادة 2/أ (5) فتنص على تنسيق العمل، من أجل الحفاظ على سلامة الأماكن المقدسة وتحريرها، ودعم كفاح الشعب الفلسطيني ومساعدته، على استرجاع حقوقه وتحرير أراضيه، كما أتت المادة 2/أ (6) على أن من أهداف المنظمة "دعم كفاح الشعوب الإسلامية، في سبيل المحافظة على كرامتها واستقلالها وحقوقها الوطنية" وأخيراً، فقد نصت المادة 2/ب (5)، على أن من مبادئ المنظمة امتناع الدول الأعضاء، في علاقاتها عن استخدام القوة، أو التهديد باستخدام القوة، ضد وحدة وسلامة الأراضي، أو الاستقلال السياسي للدول الأعضاء الأخرى.

وتشكل تلك المواد في مجموعها، مفهوماً للأمن الجماعي في منظمة المؤتمر الإسلامي، قوامه بُعْدين رئيسين، الأول: هو تهيئة البيئة الدولية، بشكل يضمن أمن الدول الأعضاء، وبالتالي هو اتخاذ التدابير ضد أعضاء محددين في تلك البيئة.

ويتضح البعد الأول بالنظر إلى المادتين 2/ أ (4)، 2/ ب (5) من الميثاق. فالمادة الأولى تضع على عاتق المنظمة التزاماً بدعم السلام، والأمن الدوليين. أما المادة الثانية، فإنها تحرّم استعمال القوة، كأداة لتحقيق الأهداف في العلاقات بين الدول الأعضاء. ويلاحظ أن هذا المبدأ لا يقتصر على تحديد استعمال القوة، ولكنه يُحَرّم هذا الاستعمال أصلاً، تحريماً عاماً وشاملاً. فليس هناك حالة واحدة في الميثاق، تجيز للدول الأعضاء أن تستعمل القوة بعضها ضد بعض، بما في ذلك تسوية المنازعات.

أمّا البعد الثاني لمفهوم الأمن الجماعي، في ميثاق منظمة المؤتمر الإسلامي، فقد ألزم المنظمة بإتباع سياسة جماعية محددة، ضد أعداء خارجيين محددين. فالمادة 2/ أ (3) ألزمت المنظمة بالسعي لمحو التفرقة العنصرية، والقضاء على الاستعمار، بكافة أشكاله. ولمّا كانت الهيمنة الاستعمارية، أحد أشكال تهديد الأمن الجماعي للدول الإسلامية، فإن تصفية الاستعمار يمكن اعتبارها، من السياسات المؤدية إلى الأمن الجماعي. أما المادة 2 /أ (5) فإنها تتعلق بالقضية الفلسطينية، وتضع الفقرة الثانية منها، على عاتق المنظمة التزاماً بمساعدة الشعب الفلسطيني، على استرجاع حقوقه واسترداد أراضيه. ويلاحظ على الهدف الواردة في الفقرة (5/ ب)، أنه يقصر دور المنظمة على مساعدة الشعب الفلسطيني، ولا يلزم المنظمة باسترجاع حقوقه وتحرير أراضيه. كذلك، لم يحدد الهدف ما المقصود بحقوق الشعب الفلسطيني، أو الأراضي المراد تحريرها؟

وأخيراً، فإن المادة 2/ أ (6) ألزمت المنظمة، بدعم كفاح الشعوب الإسلامية. يلاحظ أن هذه المادة ذكرت عبارة دعم كفاح جميع "الشعوب" الإسلامية، ولم تنص على دعم كفاح جميع "الدول" الإسلامية، وذلك لكي يشمل هذا الدعم الشعوب الإسلامية، التي تعيش في دول غير إسلامية. فلم يكن من الممكن أن ينص الميثاق على أن المنظمة ستدعم كفاح الأقليات الإسلامية، ضد الدول التي تعيش في كنفها هذه الأقليات.

وقد أثير موضوع الأمن الجماعي، في قرارات مؤتمرات القمة، ووزراء الخارجية، على مرحلتين. المرحلة الأولى اقتصر فيها الاهتمام على ما أسمي "أمن الدول غير النووية". وقد امتدت هذه المرحلة من 1974 حتى 1979. أمّا المرحلة الثانية فظهر فيها الاهتمام بما أسمي "أمن الدول الإسلامية" اعتباراً من سنة 1980.

ظهر مفهوم الأمن لأول مرة، في قرارات مؤتمر وزراء خارجية الدول الإسلامية الخامس، المنعقد في كوالالمبور في يونيه 1974، حينما اتخذ المؤتمر القرار 12/5 س "بشأن أمن الدول غير النووية"، وكان ذلك بمناسبة تفجير الهند للقنبلة النووية في السنة ذاتها. وقد دعا القرار المجتمع الدولي إلى "اتخاذ التدابير، بما يكفل أمن الدول غير النووية، خاصة الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي، التي هي أكثر عرضة للتهديد والابتزاز النوويين". كما دعي القرار الدول النووية إلى "تقديم تعهد رسمي، تلتزم بمقتضاه عدم استخدام الأسلحة النووية، أو التهديد باستعمالها، ضد أي دولة غير نووية". وقد أصدر المؤتمر السادس لوزراء الخارجية، المنعقد في جدة 1975، قراراً مماثلاً حثّ فيه الدول النووية، على الالتزام بعدم استخدام، أو التهديد باستخدام، الأسلحة النووية، ضد الدول غير النووية. وقد أصدرت المؤتمرات اللاحقة قرارات مشابهة إلى حد كبير، وكان آخرها مؤتمر وزراء الخارجية العاشر، المنعقد في فاس 1979، الذي طالب بوضع اتفاقية دولية لحماية الدول غير النووية، من استخدام الأسلحة النووية أو التهديد باستخدامها. ويلاحظ على هذه القرارات أنها عبرت عن الاهتمام بأمن الدول غير النووية عموماً، وخصت الدول الأعضاء في المنظمة.

وهكذا، يتضح أن منظمة المؤتمر الإسلامي، اهتمت بموضوع الأمن الجماعي بشكل غير مباشر في الميثاق، وبشكل مباشر في قرارات مؤتمرات وزراء الخارجية. ولكنها لم تتقدم نحو عقد اتفاقية جماعية للأمن الجماعي، على غرار اتفاقية الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي العربي، المعقودة في إطار جامعة الدول العربية سنة 1950.

مع عام 1980، حدث تحول نوعي في اهتمام مؤتمرات المنظمة، بحيث بدأت تتعامل مباشرة مع موضوع الأمن الجماعي. وذلك حين أصدر المؤتمر الحادي عشر لوزراء الخارجية، المنعقد في إسلام أباد 1980، قراراً "بشأن أمن البلدان الإسلامية وتضامنها". وقد أعلن القرار لأول مرة أن "أمن كل دولة مسلمة، أمر يهم كل البلدان الإسلامية". كما قرر تعزيز أمن الدول الأعضاء، بمزيد من التعاون والتضامن بين البلدان الإسلامية. ويوضح تأمل قرار المؤتمر، أن وزراء الخارجية قصروا مفهوم الأمن الجماعي، على التعاون غير العسكري. ويتضح ذلك من قرار المؤتمر بإنشاء فريق من الخبراء. ذلك أنه من أجل نظام للأمن الجماعي، قرر المؤتمر إنشاء فريق من الخبراء الحكوميين يتولى، "اتخاذ إجراءات محددة لتعزيز أمن البلدان الإسلامية، من خلال زيادة وتطوير التعاون السياسي والاقتصادي والثقافي بين البلدان الإسلامية. وقد تكوّن فريق الخبراء بالفعل، وقدم بعض التوصيات إلى مؤتمر وزراء الخارجية، الذي أقرها من دون أن يعلنها. واكتفى المؤتمر بمناشدة الدول الأعضاء أن يطبقوا تلك التوصيات. وجاء إعلان داكار، الصادر عن مؤتمر القمة السادس المنعقد 1991، ليؤكد المعنى ذاته.

ولأول مرة أشار إعلان داكار، إلى "البدء في إدخال إجراءات بناء الثقة والأمن بين الدول الأعضاء، على المستوى السياسي وعلى المستوى الإقليمي". ومن المفترض أن مفهوم إجراءات بناء الثقة والأمن، هما مفهوم مستمد من خبرة الأمن الأوروبي في السبعينيات. ولأول مرة، أيضاً، أشارت القرارات الصادرة عن مؤتمر وزراء الخارجية العشرين، المنعقد في استانبول، ومؤتمر وزراء الخارجية الحادي والعشرين، المنعقد في كراتشي 1993، إلى خطة إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في أفريقيا "الشرق الأوسط، وجنوب آسيا"، وحماية الدول غير النووية من خلال معاهدة دولية، وتدمير أسلحة الدمار الشامل وبالذات الأسلحة النووية، والبدء في إجراءات لضبط التسلح، ونزع السلاح على المستويات الإقليمية. وجاء إعلان طهران الصادر عن مؤتمر القمة الإسلامي، المنعقد 1997، ليؤكد المعاني ذاتها.

2. تطبيقات الأمن الجماعي

اهتمت منظمة المؤتمر الإسلامي، بمناقشة القضايا المرتبطة بأمن بعض الدول الإسلامية، في مواجهة دول أخرى. وفي بعض الحالات اكتفت المنظمة، بالتعبير عن التضامن المعنوي ـ السياسي، مع الدولة المعتدى عليها. ولكنها في قضايا أخرى، ذهبت إلى أبعد من التضامن المعنوي.

فيما يتعلق بالطائفة الأولى من القضايا، يمكن حصر السياسات التالية:

أ. التضامن مع لبنان ضد العدوان الإسرائيلي، طبقاً للقرار الصادر من المؤتمر الثالث لوزراء الخارجية، المنعقد في جدة سنة 1972.

ب. التضامن مع غينيا والسنغال، في مواجهة العدوان البرتغالي عليهما، طبقاً لقرار مؤتمر وزراء الخارجية الثالث، المنعقد في جدة 1972 ومؤتمر وزراء الخارجية الرابع، المنعقد في ليبيا 1973.

ج. التضامن مع غينيا بيساو، عشية استقلالها عن البرتغال 1974، ودعمها من خلال صندوق التضامن الإسلامي التابع للمنظمة، طبقا لقرار المؤتمر الخامس لوزراء الخارجية، المنعقد في كوالالمبور سنة 1974.

د. التضامن مع جزر القمر ضد فرنسا، التي تواصل احتلالها لجزيرة مايوت، طبقا للقرار الصادر عن المؤتمر السابع لوزراء الخارجية، المنعقد في استانبول 1976، والمؤتمرات اللاحقة.

هـ. إدانة العدوان الأمريكي على إيران 1980، طبقا للقرار الصادر عن المؤتمر الحادي عشر لوزراء الخارجية، المنعقد في إسلام أباد سنة 1980. ويلاحظ أن هذا القرار لم يعلن التضامن مع إيران ومساندتها، واكتفى بإدانة الولايات المتحدة، وإعلان التضامن مع إيران فقط من أجل "إنشاء دولة إسلامية ومستقلة.

و. التضامن مع الصومال في مواجهة الضغوط الخارجية، التي يتعرض لها نتيجة لوجود قوات سوفيتية وكوبية في منطقة القرن الإفريقى، وذلك بمساندة الصومال "معنوياً وسياسياً ومادياً"، طبقا للقرار الصادر عن المؤتمر الحادي عشر لوزراء الخارجية.

ز. إدانة العدوان الأمريكي على سورية في ديسمبر 1983، وذلك طبقاً لقرار مؤتمر القمة الإسلامي الرابع 1984. ويلاحظ أن قرار المؤتمر لم يعلن التضامن مع سورية، واكتفى بإدانة الولايات المتحدة الأمريكية.

ط. التضامن مع الصومال ضد إثيوبيا لاحتلالها بعض الأراضي الصومالية ودعوة إثيوبيا إلى سحب قواتها من أراضى الصومال، طبقاً لقرار مؤتمر القمة الرابع سنة 1984، ومؤتمر القمة الإسلامي الخامس، المنعقد في الكويت سنة 1987.

ى. التضامن مع السودان ضد المشروعات الأجنبية المعادية، والدفاع عن وحدته وتكامله الإقليمي، وذلك طبقا لقرار وزراء خارجية الدول الإسلامية، المنعقد في استانبول سنة 1991.

ك. دعم أذربيجان ضد أرمينيا، في نزاعها حول ناجورنو كاراباخ طبقا لقرارات الاجتماع التنسيقي لوزراء الخارجية، المنعقد في سبتمبر سنة 1993، وإعلان طهران الصادر عن مؤتمر القمة الإسلامي الثامن، المنعقد سنة 1997.

ويلاحظ أن دور منظمة المؤتمر الإسلامي في هذه القضايا، اقتصر على إدانة المعتدي وإعلان التضامن المعنوي مع الدول الإسلامية المعتدى عليها، وهو ما لا يرقى إلى مستوى مفهوم الأمن الجماعي بالمعنى المطلوب.

ولكن سلوك منظمة المؤتمر الإسلامي، تجاه القضية الأفغانية والقضية الفلسطينية، وقضية كشمير، يمثل أقوى تطبيق لمفهوم الأمن الجماعي في سجل المنظمة، وهو ما يقود إلى الطائفة الثانية من القضايا.

فيما يتعلق بالقضية الأفغانية، فيمكن اعتبارها إحدى قضايا الأمن الجماعي، لأنها تتعلق بتدخل أجنبي (سوفيتي)، في شؤون دولة إسلامية (أفغانستان). كما أن القضية تهدد أمن دولة إسلامية أخرى، هي باكستان. ففي أعقاب التدخل السوفيتي في أفغانستان، انعقد في باكستان المؤتمر الطارئ لوزراء خارجية الدول الأعضاء في المؤتمر الإسلامي، في يناير1980. وقد شهد هذا المؤتمر خلافات حادة بين الدول الإسلامية الحاضرة. ولكن المؤتمر اتخذ إجراءات محددة، ضد الحكومة الأفغانية والاتحاد السوفيتي. فقرر تجميد عضوية أفغانستان في المنظمة، وحث الدول الأعضاء على قطع العلاقات الدبلوماسية مع حكومة أفغانستان، وناشد الدول عدم المشاركة في دورة موسكو الأولمبية، وقد شكل المؤتمر الحادي عشر لوزراء الخارجية، المنعقد في باكستان في مايو 1980، لجنة وزارية لبحث سبل تنفيذ الانسحاب السوفيتي من أفغانستان، وحق الشعب الأفغاني في تقرير مصيره، من دون تدخل خارجي. وقد وسّع مؤتمر القمة الثالث، المنعقد سنة 1981، من نطاق اللجنة، وقرر أن تتعاون مع الأمين العام للأمم المتحدة لحل المشكلة. وقد تكررت تلك القرارات في مؤتمر وزراء الخارجية، والقمة الإسلامية اللاحقة. ولا شك أن دعم منظمة المؤتمر الإسلامي للمقاومة الأفغانية، وأدانتها المستمرة للتدخل السوفيتي، شكل ضغطاً معنوياً شديداً على الاتحاد السوفيتي، وربما كان من العوامل التي دخلت في حساب صانع القرار السوفيتي، في الانسحاب من أفغانستان.

وعلى الرغم من أن قرارات منظمة المؤتمر الإسلامي، ربطت بين الانسحاب السوفيتي من أفغانستان وإعادة عضوية الحكومة الأفغانية في المنظمة، إلاّ أن المؤتمر الثامن عشر لوزراء الخارجية، المنعقد في الرياض 1989 قرر رداً على الانسحاب السوفيتي من أفغانستان، إعادة عضوية أفغانستان في المنظمة، ولكنه منح مقعدها لحكومة المجاهدين الأفغان. وبعد خروج السوفيت من أفغانستان، بدأت المنظمة تضطلع بدور توفيقي بين الفصائل الأفغانية. وقد بدأ ذلك بتأكيد مؤتمر وزراء الخارجية العشرين، المنعقد في استانبول سنة 1991، على أهمية إنشاء حكومة تحالف وطني في أفغانستان. وقدمت المنظمة مشروعات لتسوية القضية الأفغانية. لأنه، منذ لحظة خروج السوفييت من أفغانستان، تحول دور المنظمة في القضية الأفغانية من مجال الأمن الجماعي، إلى مجال تسوية المنازعات.

أما القضية الفلسطينية، فقد أدت المنظمة دوراً في بلورة سياسة خارجية مشتركة، تجاه القضية الفلسطينية، كما اتخذت تدابير لتأمين الأمن الجماعي، للدول الإسلامية تجاه التهديد الإسرائيلي. فقد حددت إعلانات وقرارات مؤتمرات القمة ووزراء الخارجية، أن إسرائيل عدواً رئيساً للدول الإسلامية، وحددت تصورا لمواجهتها يتمثل، في دعم كفاح الشعب الفلسطيني، بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية، مع التزام الدول الإسلامية باستخدام جميع إمكاناتها، العسكرية والسياسية والاقتصادية والموارد الطبيعية، بما فيها النفط، كوسيلة فعالة لدعم الحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني، على نحو ما جاء في البيان الختامي لمؤتمر القمة الإسلامي الثالث المنعقد بالطائف. وقد أضاف البيان إلى ذلك، إعلان الجهاد المقدس لإنقاذ القدس الشريف، ونصرة الشعب الفلسطيني، وتحقيق الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة. ومن أجل دعم الشعب الفلسطيني ضد العدوان الإسرائيلي، أنشأت المنظمة مجموعة من الأجهزة والتنظيمات. فاستحدث مؤتمر القمة الثالث، المنعقد في الطائف 1981، منصب الأمين العام المساعد لشؤون القدس الشريف والقضية الفلسطينية، وتكون مهمته التخصص في أعداد الدراسات، التي تؤدى إلى دعم كفاح الشعب الفلسطيني، ومساعدته على استرجاع حقوقه المشروعة. إضافة إلى ذلك، أنشأت المنظمة "لجنة القدس، وصندوق القدس"، كجهازين متخصصين لمتابعة قضية القدس. وقد تأسست لجنة القدس بتوصية من المؤتمر السادس، لوزراء خارجية الدول الأعضاء في المنظمة، المنعقدة في جدة سنة 1975. وقد قرر المؤتمر العاشر المنعقد في فاس، إسناد رئاسة اللجنة إلى الملك الحسن الثاني ملك المغرب، وحدد اختصاصاتها فيما يلي:

أ. دراسة الوضع في القدس.

ب. متابعة تنفيذ قرارات مؤتمرات وزراء الخارجية، فيما يتعلق بالقدس.

ج. متابعة القرارات المتخذة حول القدس، في الهيئات الدولية.

د. الاتصال بالمنظمات الدولية الأخرى، التي تساعد على حماية القدس.

هـ. تقديم مقترحات للدول الأعضاء وللمنظمات المعنية بالأمر، تتعلق بالخطوات المناسبة التي يجب اتخاذها لضمان تنفيذ القرارات. وتتألف اللجنة من ممثلين عن خمسة عشر دولة من الدول الأعضاء، يقوم مؤتمر وزراء خارجية المنظمة بانتخابهم كل ثلاث سنوات. كما أن اللجنة تجتمع إمّا بدعوة رئيسها، أو بدعوة من الأمين العام للمنظمة.

أمّا صندوق القدس، فقد أُنشئ طبقاً لقرار من المؤتمر السابع، لوزراء خارجية الدول الإسلامية المنعقد في استانبول في مايو 1976. وقد حدد قرار إنشاء الصندوق، بأنه يهدف إلى:

أ. مقاومة سياسة التهويد، التي تتبعها سلطات الاحتلال الإسرائيلية.

ب. المحافظة على الطابع العربي والإسلامي، لمدينة القدس.

ج. مساعدة الشعب العربي في القدس، ودعم مقاومة الشعب الفلسطيني في بقية الأراضي المحتلة الأخرى.

ويعمل الصندوق تحت أشراف لجنة القدس، والأمانة العامة، لمنظمة المؤتمر الإسلامي. وقد صادقت لجنة القدس، في دورتها المنعقدة في جدة في يناير 1978، على القانون الأساسي واللائحة الداخلية للصندوق. كما أن الصندوق يجتمع قبل انعقاد لجنة القدس، في ذات مكان انعقادها، ومقر الصندوق هو مقر الأمانة العامة لمنظمة المؤتمر الإسلامي. ويدير صندوق القدس مجلس يتولى وضع برامج العمل، التي لا تصبح سارية المفعول، إلاّ بعد مصادقة لجنة القدس عليها. ويمَوّل الصندوق من المساهمات الاختيارية للدول الإسلامية، ومن مساهمات صندوق التضامن الإسلامي التابع للمنظمة، ومن المساهمات الأخرى. ويبلغ رأس مال الصندوق مائة مليون دولار، كما أن له وقفية خاصة تعادل المبلغ ذاته. وقد قرر مؤتمر وزراء الخارجية السادس عشر، جعل مساهمات الدول الأعضاء في صندوق القدس ووقفيته سنوية ثابتة وإلزامية. ويصل رصيد الصندوق إلى حوالي 21 مليون دولار فقط، نظراً لعدم التزام كثير من الدول بتسديد حصصها المقررة فيه. وقد قدم الصندوق معونة مالية إلى اللجنة الأردنية _ الفلسطينية المشتركة سنة 1984، تبلغ 15 مليون دولار إضافة إلى 750 ألف دولار، كمساعدة طارئة للمخيمات الفلسطينية في لبنان سنة 1985، من خلال صندوق ٍالتضامن الإسلامي.

كذلك، أنشأت منظمة المؤتمر الإسلامي عدة مكاتب ولجان متخصصة، في ميدان القضية الفلسطينية، أهمها لجنة خبراء المسلمين، الخاص ببحث السبل الهادفة للتصدي لأخطار الاستيطان الاستعماري الصهيوني، في الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة، واللجنة الإسلامية لمراقبة تحركات العدو الصهيوني، والمكتب الإسلامي للتنسيق العسكري مع فلسطين (منظمة التحرير الفلسطينية)، والمكتب الإسلامي لمقاطعة إسرائيل.

أمّا فيما يتعلق بقضية كشمير، فلم تظهر على جدول أعمال المنظمة، إلاّ في مؤتمر وزراء خارجية الدول الإسلامية التاسع عشر، المنعقد في القاهرة في أغسطس 1990، أي بعد بدء الصراع المسلح في كشمير سنة 1989. وقد تعاملت المنظمة في البداية من المشكلة من منظور متوازن، مع التركيز على حقوق الإنسان. فقد دعى البيان الختامي لمؤتمر القاهرة، إلى حل قضية كشمير طبقاً لقرارات الأمم المتحدة، وإعلان سيملا. ودعا الهند وباكستان إلى بدء حوار بينها، لحل المشكلة بالطرق السلمية. وعبر المؤتمر عن قلقه لانتهاك حقوق الإنسان، وأعمال العنف الموجهة ضد شعب جامو وكشمير، وطالب باحترام حقوق الإنسان هناك. وعرض المؤتمر على الهند وباكستان، إرسال بعثة مساعٍ حميدة لتهدئة التوتر بينهما. ومن الواضح، أن مؤتمر القاهرة حاول إقامة علاقة متوازنة، بين السياسات المتضاربة للدول الأعضاء حول كشمير. وهكذا، أشار بيان مؤتمر القاهرة إلى قرارات الأمم المتحدة بخصوص كشمير، واتفاقية سيملا. مع أنهما يمثلان منهجين مختلفين، للتعامل مع مشكلة كشمير. أما مؤتمر وزراء الخارجية العشرين المنعقد في استانبول في أغسطس 1991، فقد أشار ـ أول مرة ـ إلى ضرورة احترام حق تقرير مصير شعب كشمير، وطلب الأمين العام للمنظمة إرسال بعثة تقصى حقائق إلى كشمير. وقد كرر مؤتمر القمة السادس، المنعقد في السنغال في السنة ذاتها، المطلب ذاته. ولكن الهند رفضت استقبال البعثة، التي أرسلتها المنظمة، بينما استقبلتها باكستان وسمحت لها بزيارة كشمير الحرة، أي المنطقة التي تسيطر عليها باكستان في كشمير. ولذلك جاء تقرير البعثة، ليدين انتهاكات الهند لحقوق الإنسان، ويُطلب منها احترام اتفاقية صيف عام 1949، بخصوص حماية المدنيين في حالة الحرب. وطالب التقرير من الدول ربط علاقاتها بالهند، بموقف الأخيرة من قضية كشمير، كما طلب أيضاً من الدول الأعضاء دعم الشعب المسلم في كشمير، حتى ينال حقه في تقرير المصير.

وقد عبرت قرارات الأمم المتحدة عن عدم سماح حكومة الهند لبعثة تقصى الحقائق، زيارة كشمير، التي تسيطر عليها الهند (وهو تعبير ظهر لأول مرة في بيان هذا المؤتمر)، وطالب حكومة الهند باحترام حق تقرير المصير لشعب كشمير. وفي المؤتمر الطارئ السابع لوزراء الخارجية، المنعقد في باكستان أيضاً في 7 ـ 9 سبتمبر 1994، حدثت نقلة نوعية ثانية. فلأول مرة أشار إعلان المؤتمر إلى أن اتفاق سميلا، يعني التوصل إلى تسوية نهائية لقضية كشمير، وطلب من الأمين العام الاتصال بالممثلين الحقيقين لشعب جامو وكشمير، والسماح لهؤلاء الممثلين بالتعبير عن وجهات نظرهم، في مؤتمرات المنظمة، ومنحهم وضع المراقب في المنظمة. واستمرت بيانات المنظمة تؤيد هذه السياسات، وتمثل ذلك في البيان الختامي الصادر عن مؤتمر القمة الإسلامي الثامن المنعقد في عام 1997، الذي دعى إلى إيجاد تسوية سلمية لمسألة جامو وكشمير، تتفق مع قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، وعلى نحو ما أتفق عليه في اتفاق سميلا، وأدان المؤتمر انتهاكات الهند لحقوق الإنسان للشعب الكشميري، وطلب تمكينه من حق تقرير المصير. واعتبر أن الانتخابات التي أجرتها الهند في كشمير، لا تمثل تمكين شعب كشمير من ممارسة حق تقرير المصير، لأنها جرت تحت الاحتلال الأجنبي. وهذا تعبير استعمل لأول مرة في أدبيات المنظمة.

ومن الواضح أن المنظمة قد دعمت مسلمي كشمير في مواجهة الهند، بيد أن المنظمة خلافاً لِما جرى في قضية فلسطين، لم تعبئ موارد لدعم كفاح الكشميرين المسلمين، واكتفت بانتشار لجنة تقصى الحقائق.

ويتضح مما سبق، أن منظمة المؤتمر الإسلامي تفتقر إلى نظام قانوني للأمن الجماعي. وذلك بخلاف منظمة الدول الأمريكية، التي يتضمن ميثاقها نصوصا مفصلة عن الأمن الجماعي الأمريكي بل إنها ألزمت الدول طالبة الانضمام، أن تتعهد باحترام نصوص الأمن الجماعي الواردة في الميثاق. كذلك، لم تعقد المنظمة اتفاقية جماعية لاحقه للأمن الجماعي للدول الأعضاء، كما حدث في حالة جامعة الدول العربية. ولم يتضمن الميثاق إلاّ نصوصاً تتعلق بالأمن الجماعي، بشكل غير مباشر. وقد عالجت مؤتمرات وزراء الخارجية اللاحقة موضوع الأمن الجماعي على مرحلتين، مرحلة أمن الدول غير النووية، ومرحلة أمن الدول الإسلامية. إلاّ أنه يلاحظ هنا عدة ملاحظات مهمة. أولها أن مؤتمرات القمة الإسلامية لم تعالج موضوع الأمن الجماعي على الإطلاق، واقتصرت المعالجة مؤتمرات وزراء الخارجية. فالملاحظ أن مؤتمرات القمة تتفادى معالجة الموضوعات، التي لا تود أن تصبح سياسة ثابتة للمنظمة، ومنها مثلا موضوع تعليق عضوية مصر، فقد نص في قرارات مؤتمرات وزراء الخارجية، ولكن لم ينص في قرارات القمة التالية. وثانيها أن قرارات وزراء الخارجية، لم تخرج عن تناول موضوع الأمن الجماعي من الناحية السياسية والمعنوية، ولم تمتد إطلاقاً إلى النواحي العسكرية. واكتفى وزراء الخارجية بإعلان التضامن السياسي مع الدولة المعتدى عليها، مع تقديم معونات مالية في بعض الحالات، وفي حالة واحدة وهي العدوان الأمريكي على إيران لإنقاذ الرهائن سنة 1980، لم يتضامن المؤتمر مع إيران.